معركة البقاع الجوية

(تم التحويل من حرب البقاع)
Operation Mole Cricket 19
جزء من حرب لبنان 1982
Syrian SAM.jpg
جزء من موقع بطاريات سام-6 سوري، مبني بالقرب من طريق بيروت-دمشق، ويطل على وادي البقاع، في مطلع 1982.
التاريخ9 يونيو 1982
الموقع
المتحاربون
إسرائيل إسرائيل سوريا سوريا
القادة والزعماء
داڤيد إڤري، قائد سلاح الطيران
أڤي‌آم سلع
مصطفى طلاس (وزير الدفاع)
حكمت الشهابي، رئيس الأركان
القوى
~90 طائرة مقاتلة
1 سرب طائرات بدون طيار[1]
~100 طائرة مقاتلة
30 بطارية سام[2]
الضحايا والخسائر
لا خسائر[3] 80 طائرة مقاتلة،
30 بطارية سام دُمـِّرت

معركة البقاع الجوية أو (بالعبرية: מבצע ערצב-19‎، مڤتصع عرتصڤ تشع-عسره، أي "عملية الصرار 19" Operation Mole Cricket 19) كانت حملة اخماد الدفاعات الجوية المعادية (SEAD) قام بها سلاح الجو الإسرائيلي (IAF) ضد أهداف سورية في 9 يونيو 1982، في بداية حرب لبنان 1982. العملية كانت أول مرة في التاريخ ينجح سلاح جو غربي في تدمير شبكة صواريخ سطح-جو (سام) سوڤيتية الصنع.[2] وقد أصبحت واحدة من أكبر المعارك الجوية منذ الحرب العالمية الثانية،[4] والأكبر منذ الحرب الكورية.[5]

بدأ الطيران الإسرائيلي في التخطيط لاخماد صواريخ سام منذ نهاية حرب أكتوبر 1973. اشتد التوتر المتصاعد بين إسرائيل وسوريا على لبنان في مطلع عقد 1980 ووصل إلى نشر سوريا بطاريات سام في وادي البقاع. وفي 6 يونيو 1982، غزت إسرائيل لبنان، وفي ثالث أيام الحرب، مع تواصل الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي والجيش السوري، قررت إسرائيل اطلاق العملية.

وقد استمرت المعركة نحو ساعتين، اُستـُخدِمت فيها تكتيكات وتكنولوجيات مبتكرة. ومع نهاية اليوم، كان سلاح الجو الإسرائيلي قد دمر سبعة عشر من التسعة عشر بطارية منشورة في وادي البقاع وأسقط 29 طائرة مقاتلة، بدون خسائر في الجانب الإسرائيلي. وقد دفعت المعركة الولايات المتحدة لفرض وقف اطلاق نار على إسرائيل وسوريا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المواجهة السورية ـ الإسرائيلية

أخذت المواجهة السورية ـ الإسرائيلية، التي ظهرت بوادرها بعد اجتياح الشوف الأعلى، بُعداً جديداً، زاد من احتمال تفجّر الموقف، حين قصفت إسرائيل بطاريات الصواريخ السورية سام ـ 6 في سهل البقاع، بعد معركة جوية عنيفة. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن 22 طائرة سورية قد أُسقطت. [6]

واستطاعت إسرائيل، من خلال معلومات استطلاع دقيقة، واستخدام تكنولوجيا متقدمة حصلت عليها من الولايات المتحدة، تدمير بطاريات الصواريخ السورية، في سهل البقاع، وبعد سلسلة من التجارب،


عملية الاستطلاع 6-8 يونيو

أعدت القوات الإسرائيلية نفسها، خلال هذه المرحـلة، لمهاجمة قواعد وبطاريات الصواريخ (أرض/جو) السورية في سهل البقاع، بعد أن تمكنت من الحصول على جميع البيانات الإلكترونية والرادارية السورية، باستخدام كافة وسائل الاستطلاع المتيسرة لديها، من طائرات الاستطلاع الموجهة بدون طيار، وطائرات الاسـتطلاع الإلكتروني والطائرات بوينگ 707. وتم خلال هذه المرحلة، تحديد الترددات الرئيسية والتبادلية، والمواقع الرئيسية والتبادلية، وكذا جميع أنواع الرادارات المستخدمة في كل بطارية صواريخ. وفي الوقت نفسه، نفذت عملية إبرار جوي في منطقة مرتفعات الباروك، بقوة سرية مشاة مدعمة، تطل على منطقة انتشار الصواريخ السورية بسهل البقاع.

عملية التدمير 9 ـ 10 يونيو

IAF Grumman E-2C Hawkeye in the Israeli Air Force Museum in Hatzerim Airbase.

وجهت القوات الجوية الإسرائيلية، خلال هذه المرحلة، ضربة جوية منفصلة إلى مواقع الصواريخ السورية في سهل البقاع، يوم 9 يونيه 1982، بالتسلسل التالي:

  • أعاقت طائرات الاستطلاع والإعاقة الإلكترونية، البوينگ 707، الشبكات اللاسلكية للإنذار والمراقبة بالنظر.
  • استطلعت الطائرة مواقع الصواريخ السورية والقوات الجوية السورية، واستخدمت في السيطرة على أعمال قتال القوات الجوية الإسرائيلية، عند تنفيذها الضربة الجوية.
  • حلقت طائرات المشاغلة، شوكار بعد تركيب عواكس رادارية بها، على الحد البعيد لمناطق تدمير بطاريات الصواريخ. وأدى هذا الإجراء إلى تشغيل القوات السورية رادارات الإنذار وقيادة النيران، للتفتيش والاشتباك مع هذه الأهداف.
  • بعد التأكد، من طريق طائرات الاستطلاع الإلكتروني، وطائرات القيادة والسيطرة، من أماكن مواقع الصواريخ السورية، وتحديد توزيعها بدقة، أُطلقت الصواريخ الموجهة ضد الرادارات. وفي الوقت نفسه، تم قصف بطاريات صواريخ أرض/جو (سام -6)، بواسطة المدفعية والصواريخ من أعلى جبل الباروك.
  • بعد إتمام عملية القصف بالصواريخ الموجهة ضد الرادارات السورية، وتحت ستر أعمال الإعاقة الإلكترونية الإيجابية، من طائرات الإعاقة أو المصادر الأرضية، وجهت المجموعة الضاربة من الطائرات الإسرائيلية ضربات جوية إلى مواقـع بطاريات الصواريخ السورية، بمعدل طائرتين إلى 4 طائرات لكل بطارية، لاستكمال تدميرها بواسطة القنابل التقليدية والصواريخ الموجهة، جو/أرض، مع الاسترشاد بنتائج آخر استطلاع إلكتروني للطائرات الموجهة بدون طيار. وتمكن الطيران الإسرائيلي، خلال هذه العملية، من تدمير 18 ـ 19 بطارية صواريخ أرض/جو.
IAI Scout UAV in the IAF Museum

وفي ضوء رد الفعل السوري، الذي دفع نحو 80 طائرة لصدّ الهجمات الجوية الإسرائيلية على مواقع الصواريخ، تعامل الجانب الإسرائيلي معها من خلال كمائن مدبرة من طائرات تطير على ارتفاعات منخفضة، مع استخدام طائرة الإنذار المبكر والقيادة والسيطرة في كشف وتحديد أعداد الطائرات المهاجمة ونوعيتها [7] كما استُخدامت طائرات في أعمال الإعاقة اللاسلكية والرادارية على شبكات التوجيه السورية.

IAF F-15 at Tel Nof Airbase, marked for shooting down two Syrian aircraft

واستغلت الطائرات الإسرائيلية ، قدراتها في الاشتباك بالصواريخ جو/جو مع الطائرات السورية، من نوع LTR>Mig-23، من خارج مدى رمي صواريخ الطائرات السورية، واستطاعت تدمير 36 طائرة سورية، خلال هذه المعركة.

أعادت القوات الإسرائيلية الهجمة الجوية على بطاريات الصواريخ السورية، بعد 40 دقيقة من الهجمة الأولى، لإحداث أكبر قدر من الخسائر. كما كررت هجومها يوم 10يونيه فدمرت 4 بطاريات . وفي الواقع، اتسمت هذه العملية بالاستخدام واسع النطاق للمعدات الإلكترونية الحديثة.

استمرار العمليات البرية، يوم 9 يونيو

استمرت العمليات الإسرائيلية في الشوفَين، الأعلى والأوسط، والساحل الممتد من خلدة إلى السعديات، مروراً بالدامور، وفي الجنوب والبقاع الغربي.

في الشوف الأعلى

IAF F-16 "Netz" that shot down seven Syrian aircraft
IAF Roundel for the F-4Es that took part in the operation.

توقف التقدم الإسرائيلي عند مشارف عين زحلـتا، بعد يوم من التراشق المدفعي مع الدبابات السورية، المتمركزة في منطقة المديرج، ومحاور طريق بيروت ـ دمشق. وأدخلت إلى المنطقة أرتال جديدة من الآليات الإسرائيلية، انتشرت في القرى المحيطة. كما تقدم الإسرائيليون نحو الشوف الأوسط من محورين، ووصلوا إلى شحيم، ومشارف كفرحيم .

على المحور الساحلي

كثفت إسرائيل عملياتها، البرية والبحرية والجوية. وتمكنت من احتلال الدامور. كما نفذت القوات الإسرائيلية عمليات إبرار بحري في منطقة خلدة، حيث اشـتبكت في معركة ضارية مع القوات الفلسـطينية، التي تمكنت من تدمير 7 دبابات، والاسـتيلاء على ناقلتَي جند إسرائيليتين. واضطرت القوات الإسرائيلية، بعد هذه المعركة، إلى تجميع قواتها في اتجاه تلال الدوحة. وكانت إسرائيل تهدف من وراء ذلك إلى غلق كل المنافذ من بيروت وإليها، استعداداً لحصارها. وأعلنت إذاعة إسرائيل، أن جميع الزعماء والمسؤولين الفلسطينيين، بمن فيهم ياسر عرفات، أصبحوا محاصرين في بيروت.

الجنوب

استمر القتال حول مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا. ولم تتمكن القوات الإسرائيلية من دخوله، لكنها أحكمت الحصار حول المدينة من جميع الجهات.

القطاع الشرقي

تقدم الإسرائيليون في اتجاه عين عطا في البقاع الغربي. ودارت، ليلاً، معارك بالدبابات والآليات المدرعة، على محور برج الزهور. واضطرت القوات السورية إلى نسف نقطتَي عبور، لمنع تقدم القوات الإسرائيلية في اتجاه البقاع الغربي.

وفي إطار شن الحرب النفسية، تابعت الإذاعة الإسرائيلية بث بيانات قيادة الجيش الإسرائيلي إلى المدنيين والمقاتلين، بهدف القضاء على معنوياتهم. وجاء في بيان موجه إلى مدينة صيدا: لقد استجاب إخوانكم سكان صور لنداء جيش الدفاع الإسرائيلي، فأخلوا مدينتهم، ليتركوا المجال مفتوحاً أمـام قواتنا لتطهير المدينة. يا سكان صـيدا، من أجل مصلحتكم، وللمحافظة على سلامتكم، غادروا منطقة الخطر على جناح السرعة. وسيتيح لكم جيش الدفاع الإسرائيلي إمكان العودة إلى منازلكم بأمن وكرامة، في أقرب وقت.

أعمال القتال يوم 10 يونيه

الموقف العسكري على المحاور المختلفة

دخل الغزو الإسرائيلي للبنان يومه السابع، واتسعت رقعة انتشاره، فأصبح يواجه مزيداً من المقاومة. ووقع بين القوات الإسرائيلية والقوات السورية والقوات المشتركة عدة معارك، على محور البقاع الغربي والشوفَين، الأعلى والأوسط. فيما فشلت محاولات عديدة للإنزال على شاطئ خلدة، مما جعل الإسرائيليين يكثفون غاراتهم الجوية، وقصفهم البحري والبري، في بيروت والجبل والبقاع. كما استمرت المقاومة في الجـنوب، خاصة حول مخيمَي عين الحلوة والمية ومية.

وفي ضوء هذه المقاومة، دفعت القوات الإسرائيلية بإمدادات جديدة، شملت نحو 330 دبابة و280مركبة مدرعة وأعداد كبيرة من المدفعية والهاونات. ويمكن تحديد الموقف على المحاور المختلفة كالآتي:

  • في بيروت: قصف الطيران الإسرائيلي، منذ الصباح، أحياء المنطقة الغربية، من العاصمة، وضاحيتها الجنوبية. كما قصف المدينة الرياضية، ومنطقة الفاكهاني، ومخيمات صبرا وشاتيلا، وبرج البراجنة، ومحيط مطار بيروت، وصحراء الشويفات ـ خلدة. وأدى هذا القصف إلى وقوع أعداد كبيرة من القتلى والجرحى بين المدنيين.
  • وعلى الطريق الساحلي: أُحبطت محاولات إنزال إسرائيلية في خلدة، وللمرة الثانيـة، مما جعل الإسرائيليين

يقصفون بعنف الخط الساحلي، حتى الناعمة، وعرمون، والدوحة، والدامور.

  • وفي الشوف الأعلى: تبودل القصف المدفعي بين القوات الإسرائيلية، في منطقة الباروك، والقوات السورية، في المديرج، على طريق بيروت ـ دمشق الدولي، شمل عدة قرى في الشوف، والمتنَين، الأعلى والشمالي، وتخلل القصف معارك جوية. وقصف الإسرائيليون جسر المديرج، بعد قتال ضد المدرعات السورية، المنتشرة حتى ضهر البيدر، وعلى التلال المشرفة على منطقتَي الشوف وعاليه.
  • وفي الشوف الأوسط: أحبطت القوات المشتركة محاولة تقدم القوات الإسرائيلية من كفرمتى في اتجاه قبرشمون، في قضاء عاليه. ودار قتال عنيف، سقط فيه عدد من القتلى والجرحى من الجانبين. وحاولت القوات الإسرائيلية تحقيق الاتصال بين مواقعها في المنطقة ومواقعها على الساحل، لكنها لم تنجح في ذلك.
  • وفي البقاع: أغارت الطائرات الإسرائيلية على طريق بعلبك ـ حمص، وقذفت، بصواريخها، قافلة من السيارات المدنية، كانت متوجهة إلى الأراضي السورية. فسـقط 60 قتيلاً و200 جريح، معظمهم نازحون من مناطق القتال.
  • المنطقة الغربية من بيروت: تمكن الجيش اللبناني من تعزيز مواقـعه في المنطقة الغربية من بيروت وضاحيتها الجنوبية. وأُرسلت وحدات مدرعة إلى الحمام العسكري، وثكنة هنري شهاب، ومطار بيروت، ومحلة المتحف، مقر قيادة منطقة بيروت العسكرية. وأُعطيت هذه الوحدات أوامر بالتصدي للقوات الإسرائيلية الغازية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

البيانات العسكرية للأطراف المختلفة

  • في إسرائيل: أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، أرييل شارون، في حديث إلى الإذاعـة الإسرائيلية "أن الحشود الإسرائيلية الضخمة في الجولان، تستهدف إقناع القيادة السورية بأنه ما من فرصة أمامها لخوض حرب ضد إسرائيل، بأمل إحراز نصر. وأوضح أنه منذ اللحظة التي بدأنا فيها تخطيط العملية، وضعنا أمام أعيننا بذل كل جهد، من أجل عدم الدخول في حرب ضد سورية، كما أنه ليس للسوريين سبب للتورط في حرب لا شأن لهم بها، وأن إسرائيل لا تريد شن حرب ضد سورية، ولكن يتعين على سورية عدم عرقلة عملياتنا، الخاصة بالقضاء على فاعلية العمليات الفلسطينية في لبنان". كما أعلنت إسرائيل، أن خسائرها، بلغت، في ذلك اليوم، 100 قتيل و600 جريح.
  • وفي لبنان: أعلنت جمعية الهلال الأحمر أن حصيلة العدوان الإسرائيلي، وحتى يوم 10 يونيه 1982، فاقت أكثر من عشرة آلاف شهيد وجريح من المدنيين، نساءً وشيوخاً وأطفالاً. أما الإسرائيليون، فقد أعلنوا أنّ خسائرهم، منذ بداية الغزو 68 قتيلاً و420 جرحى و8 مفقودين.[8]
  • وفي سورية: أعلن متحدث عسكري سوري، بأن القوات السورية خسرت، في قتالها ضد إسرائيل، 194 قتيلاً و314 جريحاً و83 دبابة، وعدداً من بطاريات الصواريخ والطائرات، المقاتلة والعمودية.

الموقف الإسرائيلي، بعد انتهاء الأسبوع الأول من القتال

مع انتهاء الأسبوع الأول من العملية العسكرية الإسرائيلية، كان يمكن ملاحظة المؤشرات التالية:

أ- دفعت إسرائيل إلى هذه العملية، أعداداً ضخمة من القوات، البرية والجوية والبحرية، بلغت نسبتها إلى أعداد المقاتلين، الفلسطينيين واللبنانيين، 1:8، في بداية القتال، 1:12، أثناء القتال.

ب- ركّزت إسرائيل جهودها الرئيسية في الشريط الساحلي، في الأيام الأولى، بهدف الوصول إلى أقرب نقطة تمركز من العاصمة اللبنانية.

ج- تعمدت الحكومة الإسرائيلية التعتيم على أهداف العملية الحقيقية، مما أربك الوضع، الدولي والعربي، إضافة إلى بعض أعضاء الحكومة أنفسهم.

د- لم يقدم رئيس الحكومة، ووزير الدفاع، تقييماً صحيحاً، في شأن حجم العملية وأهدافها. وعلى الرغم من وصول القوات الإسرائيلية إلى مشارف بيروت، إلا أنها كانت لا تزال تخوض المعارك.

هـ- على الرغم من التفهم الأمريكي التام، لدوافع العملية العسكرية في لبنان، والدعم المطلق لها، فإن تبايناً بدأ يظهر بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية في ما يتعلق بكيفية التسوية السياسية.

وقف إطلاق النيران، يوم الجمعة 11 يونيه

بينما كانت إذاعة إسرائيل تعلن، في الثانية فجراً، أن وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ على كل جبهات لبنان، استمرت الطائرات الإسرائيلية في قصف كل من بيروت والجبل، والبقاع. كما شاركت القطع البحرية الإسرائيلية في قصف الأماكن الساحلية، خاصة، بعد فشل محاولة جديدة للإنزال البحري في منطقة الأوزاعي. وأكّدت بعض المصادر الصحفية أن حجم القوات الإسرائيلية في لبنان، وصل بنهاية يوم 11 يونيه، إلى نحو 100 ألف جندي.

وأعلنت دمشق الموافقة على وقف إطلاق النار، على أساس الانسحاب الإسرائيلي الشامل من الأراضي اللبنانية. أما منظمة التحرير الفلسطينية، فقد حددت موقفها برسالة بعثت بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، السيد خافيير بيريز دي كويلار ، مؤكدة التزامها بوقف إطلاق النار في ضوء قرارَي مجلس الأمن رقمي 508 ، 509. أما البرقيتان الرقمان 386، 387، في 12 يونيه،

المحور الساحلي، لم يتوقف إطلاق النار على المحور الساحلي، إذ استمرت المعارك عنيفة على الخط الممتد من الأوزاعي وخلدة وبرج البراجنة والشويفات، وخط سوق الغرب ـ عاليه. وحاولت إسرائيل تنفيذ عملية إبرار بحري في منطقة خلدة، ولكن "القوات المشتركة"وحركة "أمل" تمكنتا من صدّها، مما أدى إلى لجوء إسرائيل إلى القصف البحري والجوي، المركز ضد هذه المنطقة.

وفي الدامور، تمكنت المقاومة الفلسطينية من قتل الجنرال يكوتئيل آدام ومرافقيه، أثناء اجتماعهم في الدامور. ويكوتئيل هو الرجل الثاني في رئاسة الأركان الإسرائيلية. وبعد مقتل الجنرال آدام، أخذ الإسرائيليون ينتقمون من الدامور ويهدمونها تهديماً، بواسطة الطيران الإسرائيلي. أمّا المنازل، التي بقيت في أعقاب القصف الجوي المكثف، فقد هدمتها الجرافات الضخمة (البلدوزرات).

وفي صيدا، في الجنوب اللبناني، أوردت تقارير أولية للصليب الأحمر اللبناني، أن ثمة ألف قتيل، على الأقل، وثلاثة آلاف جريح، في صيدا. وأن الوضع أصبح مأسوياً في المدينة، بسبب نقص الغذاء والماء والمواد الطبية. وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن عددالنازحين في جزين، يُقدر بنحو 200 ألف شخص، معظمهم من سكان صيدا، الذين هجروها نتيجة للقصف الإسرائيلي العشوائي.

وفي بيروت، قصفت القوات الإسرائيلية أحياءها، مما أدى إلى إصابات عديدة بين المدنيين.

الخسائر الإسرائيلية في نهاية يوم 11 يونيه

ذكر الناطق العسكري الإسرائيلي أن 23 جندياً إسرائيلياً قُتلوا، و240 جرحوا، و11 فقدوا، في معارك يومَي الخميس والجمعة 10 و 11يونيه 1982. وبذلك ترتفع الخسائر، وفق البيانات الإسرائيلية إلى 91 قتيلاً و660 جريحاً و19 مفقوداً، منذ بدء الغزو الإسرائيلي للبنان.

أعمال القتال، يوم 12 يونيه

في اليوم التاسع للاجتياح الإسرائيلي للبنان، أعلنت إسرائيل قبول وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية في بيروت، ابتداء من التاسعة ليلاً (سعت 2100)، مشددة على أن ذلك لا يعني إجراء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية. وصدر هذا الإعلان نتيجة لتحركات دبلوماسية سوفيتية، للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية. وكذلك نتيجة للدور السياسي، الذي مارسته المملكة العربية السعودية مع الجانب الأمريكي، حيث تم الاتصال بين وليّ العهد السعودي، الأمير فهد بن عبدالعزيز، والرئيس الأمريكي، رونالد ريجان. كذلك تمت اتصالات عدة بين ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبعض المسؤولين السعوديين. وأعلنت القوات المشتركة موافقتها على وقف إطلاق النار.

وبالفعل، ساد الهدوء، فجأة، جبهات القتال، في بيروت، والضاحية الجنوبية، والساحل الممتد من الأوزاعي حتى خلدة صعوداً إلى منطقة عالية. وكالعادة، وقبل بدء سريان وقف إطلاق النار، صعّـدت إسرائيل عملياتهـا، التي استمرت طوال النهار، وتخللتها اشتباكات ضارية على محور خلدة ـ الأوزاعي، حيث أُحبطت 5 محاولات إنزال إسرائيلية، مهدت لها إسرائيل، بقصف من البحر والجو، على أحياء سكنية، في عمق المنطقة الغربية، والضاحية الجنوبية، ومطار بيروت، وقرى منطقة عاليه. وحوصر عدد من الإسرائيليين على خط الساحل في محيط فندق فرساي، بعد فشلهم في التقدم تجاه الأوزاعي.

قرر شارون العمل على جبهة عاليه ـ بحمدون، ضد القوات السورية، وذلك بهدف إبعاد السورييـن عن قطاع الجبل اللبناني. وعُدّ ذلك بداية جولة جديدة من الحرب، وتطوراً لا بدّ منه في عملية كان يجب أن تكون تسميتها الحقيقية "فرض نظام جديد في لبنان" واستمرت معركة الجبل، على محور عاليه ـ بحمدون، أربعة أيام، إلى أن حسمها سلاح الجو في مصلحة الجيش الإسرائيلي. ولا شك أن معركة الجبل، قد وفرت لإسرائيل موقفاً تفاوضياً أفضل من السابق.

وبعد 18 ساعة من القصف الجوي الإسرائيلي على أحياء بيروت، أعلنت إسرائيل، من طرف واحد، وقف العمليات العسكرية، ضد بيروت، والضواحي الجنوبية في برج البراجنة، وحي السلم، وخلدة، والجبل. وكان هذا الإعلان مفاجئاً لكل الأوساط السياسية والعسـكرية، التي أكدت عنف المواجهة، التي قوبلت بها إسرائيل، وفشلها في تحقيق أي تقدم جديد على محور خلدة ـ الجبل، وأن هذه المواجهة كانت السبب في إسراعها بالموافقة على وقف إطلاق النار.

وفي صيدا، عجزت القوات الإسرائيلية عن التقدم داخل المدينة، لأن القوات المشتركة استطاعت، من خلال تشكيل مجموعات فدائية مسلحة، إيقاع الذعر بين صفوف الإسرائيليين. أمّا عن الأضرار التي نزلت بالمدينة، فهي جسيمة، وتفوق كل تصور. فقد أحال القصف بعض أحيائها إلى أفران من الأسمنت والبشـر، حتى يخيل الناظر إلى الدمار أنه أمام ستالينجراد أخرى. وعلى الرغم من مرور سبعة أيام منذ اختراق القوات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية، إلاّ أن صيدا ومخيم عين الحلوة، استمرا في مقاومة الغزو الإسرائيلي، وتركّزت المعارك على المدخل الشمالي الشرقي، ومحور جسر الأولي ـ شرحبيل، والنافعة، حتى حدود ضاحية القياعة.

أمّا الموقف على الساحة السياسية، على المستويَين، الأمريكي والإسرائيلي، فقد أوضحه السفير غسان تويني، لوزير الخارجية، فؤاد بطرس، مؤكداً أن الموقف الأمريكي، يدور حول وحدة لبنان، وتقوية الحكم المركزي، وتحقيق أمن إسرائيل. أمّا موقف إسرائيل، فيجيء على لسان سفيرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، موشي أرينز، الذي يطالب بتوقيع اتفاق سلام، بين لبنان وإسرائيل، يؤدي إلى سحب جميع القوى والجيوش الأجنبية من لبنان.

أعمال القتال، يوم 13 يونيو

وسعت إسرائيل نطاق اجتياحها للبنان، فاحتلت قواتها، ليلاً، بلدة بعبدا، والسرايا والمستشفى الحكومي بها. ثم واصلت تقدمها إلى "ضاحية الحدث"، وأدركت، بعد منتصف الليل، مشارف الشويفات. ورافـق هذه القوات إلى بعبدا وزير الدفاع الإسرائيلي، أرييل شارون.

وقعت هذه التطورات الخطيرة على إثر انهيار وقف إطلاق النار، الذي بدأ تنفيذه يوم 11 يونيه، وتجدد القتال على محور خلدة ـ الأوزاعي، ورافقه قصف مدفعي وصاروخي، من البر والبحـر والجو، شمل عدة أحياء في المنطقة الغربية من بيروت، والضاحية الجنوبية، والمطار. وصدّت القوات السورية والقوات المشتركة وحركة أمل، تقدم الإسرائيليين على محور خلدة، واتهمت إسرائيل بخرق وقف إطلاق النار.

وفي هذه الأثناء، انتشرت الآليات الإسرائيلية في بعبدا، ثم تقدمت إلى "الحدث"، عبْر مشـارف الأنطونية. ثم دخلت أحياء "الحدث" بعد أن دمرت موقعاً للجيش اللبناني، ووصلت، فجراً، إلى مشارف الشويفات. وبذلك أصبح الإسرائيليون يحيطون بالقصر الجمهوري، ويبعدون عن العاصمة نحو ستة كيلومترات.

ردود الفعل

الموقف الأمريكي

للمرة الأولى منذ بدء الغزو الإسرائيلي للبنان، دعا وزير الخارجية الأمريكية، ألكسندر هيج، صراحة، إلى خروج كل القوات الأجنبية من لبنان. ورفض في حديث تليفزيوني، أجرته معه شبكة ABC News، الدعوة إلى انسحاب إسرائيلي، لا يكون مرتبطاً بانسحاب سوري وفلسطيني من لبنان.

الموقف الألماني

أكد وزير الخارجية الألماني الغربي أن الانسحاب الإسرائيلي لن يُنهي الأزمة اللبنانية، إنما سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه. واقترح البحث عن حل يعيد للبنان سيادته، بضمان دولي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الموقف العربي

شهد الوطن العربي حدثاً مهماً، إذ انتقل إلى رحمة الله عاهل المملكة العربية السعودية، الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود، مما أثار مخاوف الشعَبْين، اللبناني والفلسطيني، نظراً إلى الدور الذي كانت تمارسه المملكة على الصعيد العالمي، لوقف الاجتياح الإسرائيلي. ولكن مبايعة الأمير فهـد بن عبدالعزيز، ملكاً، أعادت الطمأنينة إلى النفوس، خاصة أن الملك الجديد كان على صِلة بالأزمة اللبنانية، ويتولى الضغط لوقف الغزو الإسرائيلي، منذ بداية الاجتياح.

داخليا

في لبنان، انصبت الجهود الرسمية على البحث في أفضل الوسائل، الواجب إيجادها لمواجهة مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، والدعوة إلى تشكيل حكومة طوارئ. كما دعت الحركة الوطنية في بيان لها، إلى تعزيز وحدة الصف الوطني، وأعلنت استمرارها في النضال حتى تحرير لبنان.

خلال الأسبوع الثاني من الحرب، بدأت تصريحات القادة الإسرائيليين، تكشف الأهداف الكامنة للعملية العسكرية. فوزير الدفاع، شارون، يقول: "إنه يجب على سكان يهودا والسامرة وقطاع غزة، أن يدركـوا، الآن، أنه لا توجد جهة سواهم، مؤهلة لحل مشكلاتهم. وأن تلك المسألة ما زالت مرتبطة بالتطورات النهائية في بيروت، وبالحدّ الذي سيتضاءل إليه حجم منظمة التحرير الفلسطينية. إني أعتقد أن عرب يهودا والسامرة وقطاع غزة، سينهضون لإجراء مفاوضات. وفي الأيام القادمة، عندما تهدأ جبهة الحرب، سنشن هجوم السلام على عرب المناطق، من أجل إيجاد اتصال مركز معهم، للحِوار، بهدف إقامة الحكم الذاتي.

أبلغ الصليب الأحمر الدولي أسماء الثمانية المفقودين، وهم: العقيد أليعازر زيون ـ النقيب الطيار إيهامي سبكتور ـ النقيب الطيار جـوزيف كيلر ـ النقيب أليكس لاند ـ النقيب الطيار أهارون أخيعاز ـ الملازم الأول إسرائيل شرنز ـ الرقيب الأول ديفيد تور ـ الرقيب الأول هرتزل كلاب.

انظر أيضاً

  • أدولف تولكاتشوڤ، المهندس الروسي الجاسوس، الذي سرب تصميم الرادرات الموجودة بسويا إلى إسرائيل.

الهامش

  1. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة grant
  2. ^ أ ب خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة morris528
  3. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة pollack533
  4. ^ Nordeen (1990), p. 175
  5. ^ Cohen (1990), p. 615
  6. ^ "المبحث الرابع، المرحلة الثانية، التقدم نحو بيروت، (9-13 يونيو)". المقاتل. 2004-07-12. Retrieved 2010-12-26.
  7. ^ قدرة الطائرة E2C في ذلك الوقت، هي التوجيه والادارة على 30 هدفا جويا.
  8. ^ أبلغ الصليب الأحمر الدولي أسماء الثمانية المفقودين، وهم: العقيد أليعازر زيون ـ النقيب الطيار إيهامي سبكتور ـ النقيب الطيار جـوزيف كيلر ـ النقيب أليكس لاند ـ النقيب الطيار أهارون أخيعاز ـ الملازم الأول إسرائيل شرنز ـ الرقيب الأول ديفيد تور ـ الرقيب الأول هرتزل كلاب.

وصلات خارجية