ثورة ابن رفادة

ناصر السعيد
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال

ثورة ابن رفادة (1351 هـ/1932م)

منح الانكليز الحجاز لآل سعود بنفس الطريقة التي منح بها الانكليز فلسطين لليهود تماما لكن ثوار شعبنا لم يستسلموا، ومن هؤلاء الثوار: الشيخ حامد بن سالم بن رفادة شيخ قبيلة بلي ـ من سكان الشمال الغربي للحجاز ـ لم يستسلم لحكم الطغيان السعودي الرجعي خليقة الاستعمار، وصنيعته، فبقي ان رفادة في الحجاز يحرض قبلته وغيرها "للثورة على هذه الذلة والعار السعودي الاستعماري الملطوخ في جبين العرب"، وفي عام 1347 هـ/1928م قام بثورة في الوجه فأحبطتها الأسرة السعودية وقتلت أكثر من 2,000 ثائر معه، فهرب إلى مصر، واتخذ له مسكناً بحي شبرا بالقاهرة، وظل مقيماً فيها حتّى غادرها للقيام بحركة ثورية أخرى سنة 1351 هـ/1932م.

وهكذا يتضح أن الشيخ حامد بن رفادة لم يذهب إلى مصر لاجئاً سياسياً متناسياً بلاده بل بدأ يعد العدة من مصر (وفي عهد الملكية المصرية أيضاً) لاستعادة بلاده، فأخذ يتصل بالبدو، آملا في النهوض بثورة من جديد حتّى استطاع ان يجمع بضع مئات من قبيلته بلي وقبيلة الحويطات فمشى بمن معه من البدو إلى "النصب" بين السويس والطور وأبقاهم فيه ورجع إلى القاهرة لتصفية أعماله فيها.

وفي أوائل المحرم سنة 1351 هـ ، سار إلى النصب واجتمع برفاقه وسار منه إلى "الخضر" ثم إلى "درب الزلفة" ثم سلك الطريق الساحلي بين البحر والجبال حتّى وصل "طابا" أخر نقطة الحدود المصرية، ورأى جنود المخفر المصريين الوثائق الرسمية التي استخرجها له ولرجاله أحد أعوانه بالسويس وهو محمد رشيد فتوح الكبير، ونزلوا قرب العقبة، ودخلها ابن رفادة ورفاقه لقضاء بعض حوائجهم ثم غادروها إلى "الشريح" ولبثوا بها أياما وهي تبعد عن العقبة أربع ساعات.

وفي صباح الرابع عشر من المحرم 1351 هـ، بلّغت المفوضية البريطانية بجدة عميلها عبد العزيز بن سعود ( أن حامداً بن رفادة خرج من أراضي سيناء ومر بشمال العقبة مع بدو يتراوح عددهم بين 400 ـ 450 ودخلوا الاراضي الحجازية)!

واهتم الملك عبد العزيز "ودولته" واستنجد ببريطانيا لمساعدته وسيرت بريطانيا قوة برية بالسيارات وقوة بحرية إلى ضبا كما أمرت قوى "الهِجَر" ـ ممن أخذوا يدينون بالدين السعودي القائم على العملة والعمالة ـ أن تسير إلى الشمال، وبعثت سرية من خدم ابن السعود ـ التابعين لطاغية حائل عبد العزيز بن مساعد الجلوي ـ بقيادة سلمان بن دوخي لمرافقة هذه القوات إلى الحدود والانتظار هنالك حتّى تتلقى أمراً من ابن السعود بالعمل… وزاد في جنون الحكم السعودي الرجعي حينما نشرت الصحف في مصر بلاغاً من ابن رفادة أعلن فيه:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

البلاغ الأول للثورة

(لقد احتلت قواتنا "الخريبة" وحاصرنا "المويلح" وأسرنا اربعة من الضباط الانكليز وعددا من الجنود السعوديين من خفر السواحل، وحاصرنا "ضبا" وسيرنا قوة إلى "الوجه" وأخرى إلى "ينبع")… وانتشرت هذه الأخبار في الأقطار العربية بواسطة أنصار الثورة من الحجازيين والنجديين المقيمين في مصر وسوريا… وأصدرت السفارة البريطانية بجدة ومصر بياناً موحداً جاء فيه: (أن بريطانيا العظمى مهتمة بدحر هذه الفتنة وحماية صديقها ابن السعود).

وأعلنت بريطانيا (أنها أغلقت في وجه الثوار أبواب الحدود المصرية والعراقية والاردنية والفلسطينية ومنعت دخول الأرزاق والأسلحة والمهمات الحربية إليهم عن طريق شرقي الأردن إلى الحجاز، وبعثت دوريات إلى وادي عربة لمراقبة الحدود ووقف كل من يشتبه فيه، وأرسلت باخرة حربية إلى العقبة لمساعدة المندوب السامي بها حتّى يستطيع التضييق على ابن رفادة وقطع يد من يريد عونه من المصريين أو غيرهم)!. هكذا…

كما نشر اللفتنانت جنرال السير آرثر گرن‌فل ووتشوپ Arthur Grenfell Wauchope المندوب السامي في فلسطين بلاغاً رسميا يتضمن قوله: (أنّه منع كل المساعدات سواء من شرق الأردن أو من طريقها عمن يناوئ الحكومة السعودية المحبوبة، وأنه أمر القوات البريطانية باتخاذ جميع الاجراءات لمساعدة جيش ابن سعود الصديق الأول العزيز).

بل أن الإنگليز أمروا العميل الجديد الذي نقلته بريطانيا من الحجاز ووظفت ابن سعود مكانه الأمير عبد الله بن الحسين أمير شرق الأردن باصدار ذلك البلاغ المشابه لبلاغ المندوب السامي والذي كتبه المندوب السامي وزاد عليه باسم الامير عبد الله قائلا: (بأنه منع كل شخص من الاقتراب من الحدود) وعين البلاغ أسماء الاماكن (وانذار بأن من خاطر بنفسه فسيطلق عليه البوليس النار)!…


حملة انكليزية اعلامية خدمة للعبد العزيز!

واتهم عبد العزيز ابن السعود بعض أهل الحجاز ومكة بأن لهم يدأ في تدبير الثورة. وكعادته رأى أن يوقع الفتنة بين القبائل فتضرب بعضها بعضا فبعث بمجموعات من قبائل (حرب ـ وجهينة) ـ والأخيرة حليفة لقبيلة (بلي) على مر السنين ـ بل وارغم عدداً من قبيلة ـ بلي ـ يرأسها الشيخ الثائر حامد بن رفادة لمقاومة حامد نفسه بقيادة ابن عمه الشيخ إبراهيم بن سليمان "باشا!" بن رفادة وأصدر عبد العزيز آل سعود بيانا على لسان هذا الشيخ (الأمّي) إبراهيم، المعّين من السعودية يقول فيه: (أنا إبراهيم بن سليمان باشا ابن رفادة استهجن حركة حامد بن رفادة الأعور الثائر المجنون الملعون وتتبرأ قبيلتنا من عمله وتطلب أن تنتدب لقتاله)!… كما أعلن ابن السعود بيانا على لسان بعض الحجازيين "باسم أهل الحجاز جميعا!.." زاعما أنهم "يتبرأون من ابن رفادة وثورته!…" ونصح المستشار جاك فلبي عميله عبد العزيز بن السعود إنه إذا يحرص على ابادة ابن رفادة ومن معه فعليه التكتم في أمور التجهيز، وهكذا بعثوا الجيوش من عديد من النقاط للاحداق بالثوار كي لا يفر أحد منهم، واستنفرت بريطانيا جنودها في الأردن والعراق ومصر، وأراد الانكليز الذين يخططون للعملاء آل سعود أن يطمئنوا الثوار ليتمكنوا من البطش بهم، فأوعزوا إلى رجال من قبيلة جهينة وبلي أن يكتبوا إلى الثائر ابن رفادة "بأنهم معه ويطلبون إليه ان يتقدم اليهم" استدراجاً له، فخدع "الثائر" ومشى من الشريح إلى الحقل فإلى البدع فالخريبة فشريم. وأرسلت بريطانيا بعديد من الأسلحة والقوات متجهة من الأردن إلى مناطق الثوار في شمال غرب الحجاز (معززة عميلها القوي عبد العزيز)، والذي زاد من جنون الانكليز وعميلهم عبد العزيز آل سعود أن القبائل الحجازية الساخطة أخذت تتدفق بكثرة وتنضم لهذا الثائر، واخذت الصحف السورية القومية والصحف المصرية تنشر كثيرا عن ثورته، وازداد قلق السعودية وأذنابها في البلاد العربية، ونشرت السعودية عدداً من البيانات (تعلن عن الجوائز لمن يقتله)!

ولكن… وبينما هذا الثائر حامد بن رفادة يتمركز في شريم تكاملت القوات السعودية في "ضبا" وحواليها وشعر بها ابن رفادة فتراجع إلى "وادي تريم" ووصل ابن سعود ـ عن طريق المخابرات الانكليزية ـ ان ابن رفادة يريد الفرار، فاصدر أمره (برقياً) إلى قواده بان يسرعوا في المسير خلفه ويطوقوه وألاّ يتركوا احداً منهم يسلك طريق النجاة، وأعلمهم الانكليز بالخطة ليسيروا عليها، فوزع القواد والجنود في الطرق المفضية إلى حقل والبدع والخريبة وشريم ليكمل العميل السعودي التطويق ضمن خطة رسمها جون فيلبي، واخذت القوة الباقية في الركض خلف الثائر ومعها عدد من قصاص الأثر لتتبع آثاره فوجدته، قد انتقل من وادي تريم وعرفت انّه سلك إلى جبل شار. فأخذت السيارات البريطانية المسلحة وعليها الجنود والمدافع تتجه إلى جبل شار.

سقوط الثائر وقطع رأسه وتعليقه!

وفي ظهر يوم السبت 26 ربيع الأول سنة 1351 هـ (الموافق 30 يوليو 1932)، أدركت ابن رفادة ومن معه من الثوار يستعدون للرحيل، فاحدقت بهم وهاجمتهم هجوما قاسياً عنيفاً قاومهم فيه ابن رفادة وثواره من الصباح حتّى المغرب رغم ضعف وسائل دفاعه وغزارة اسلحة السعوديين ، احد قادات معركه صاحب بيرق امير هديبان الجحيش الشيخ المهيمزات من بني رشيد يقتل حامد ابن سالم رفادة و يقطع راسه اما ابناء (فالحاً وحمّاداً) قتلو وسليمان بن أحمد أبا طقيقة، ومحمد بن عبد الرحيم أبا طقيقة، ومسعود الدباغ، وأحد الشرفاء، وانجلت المجزرة السعودية عن 350 قتيلا منهم الآنفة أسمائهم.

وهنالك تجلت وحشية السعوديين عملاء الاستعمار… فلقد أوصى عبد العزيز بأخذ الرأس ـ رأس ابن رفادة ـ مفصولاً عن جسده إلى ضبا بلدة الثائر، ثم علقه في سوقها، وأخذ جسد هذا الثائر إلى مكة والرياض ليعرض هناك ليشهد الشعب مصرع هذا الثائر، وكانت السعودية قد نشرت في جريدة أم القرى وبعض الصحف السورية: (أن راس ابن رفادة ورفاقه قد رميت في الشوارع ليلعب بها الاطفال قبل تعليقها، وكما قتلت السعودية 3700 ممن اتهموا بالموالاة للثورة واعتقلت أكثر من 7000 من المدنيين وقبائل الحجاز)، واستطاعت قوات البغي والباطل اخماد ثورة الحق سنوات كما أخمدت غيرها…

اما السبب الرئيسي لاخماد هذه الثورة وغيرها رغم توافر الأماكن الحصينة الجبلية التي انطلقوا منها فهو كما يلي:

  1. عدم تمكن هؤلاء الثوار من اللجوء لحرب العصابات التي لا تعتمد مكانا واحدا لتجمّع كل القوات في مكان واحد فتصبح كمن يجمع البيض في سلة واحدة كما يقول المثل!…
  2. الظروف العربية السيئة وغير الثورية المحيطة ببلادنا من كافة جهاتها والتي لم تمد ثوارنا بالعون بل وتخدم العدو ارجعي والاستعمار، وإذا أردنا مقارنة تلك الاوضاع السيئة في البلاد العربية التي كانت تخدم العدو السعودي بالأوضاع الحاضرة التي ما تزال تخدم العدو السعودي وغيره فإننا لا نلوم ثوارنا قبل 50 سنة على فشل ثوراتهم البطولية التي لا تعتمد إلا على سواعدهم الشجاعة فقط ونفسياتهم المؤمنة دون اللجوء إلى هذه الدول العربية المتعاملة مع عملاء الاستعمار والصهيونية حكام العائلة السعودية… فتحيّة لذكرى الثائر حامد بن رفادة ورفاقه آلاف الشهداء الأبرار… والفناء لكل عملاء السعودية.

المصادر