الورقة الفدرالية 37

جيمس ماديسون، كاتب الورقة الفدرالية 37

الورقة الفدرالية 37، مقال لجيمس ماديسون، وهي الورقة السابعة والثلاثين من الأوراق الفدرالية. الأوراق الفدرالية هي عبارة عن مجموعة من المقالات تتألف من 85 مقالاً نشرت في الأصل بدون ذكر اسم كاتبها في صحف نيويورك باسم "بوبليوس" المستعار في عام 1787 وعام 1788. وكان كتّاب مقالات الأوراق الفدرالية، ألكسندر هاملتون، وجيمس ماديسون، وجون جاي من أشد المناصرين والمؤيدين حماسة للدستور الأميركي الجديد وكانوا يسعون جاهدين إلى إقناع الناس في نيويورك بتأييد المصادقة عليها.

في المقال رقم 37، كان جيمس ماديسون، الذي كثيرًا ما كان يعتبر بأنه صانع دستور الولايات المتحدة، يدرك مدى حدود الطبيعة البشرية، التي تتسم بالتحيز وعدم الكمال، وذلك لكي يتمكن من تطوير نظام معقد وعادل للحكم. من الصعب التحديد بدقة أين يمكننا رسم الخط الفاصل بين الحاجة إلى استقرار الحكم والحرية الفردية، بيدَ أنه يبقى من الممكن التوصل إلى توازن معقول، من خلال الحلول الوسط لتحقيق الأمرين معًا.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نص الورقة

الورقة الفدرالية رقم 37: حول الصعوبات أمام المؤتمر في استنباط نموذج ملائم للحكومة

من صحيفة ذي دايلي ادفرتايز

(جيمس ماديسون)

إلى أهالي ولاية نيويورك:

عند استعراض النواقص الحالية للاتحاد، والإظهار بأنه لا يمكن تأمينها من جانب حكومة أقل نشاطًا من تلك المطروحة أمام المواطنين، فإن العديد من أهم المبادئ الأخيرة تتساقط بطبيعة الحال عند التدقيق فيها. ولكن لما كان الهدف النهائي لهذه الأوراق هو تحديد حسنات هذا الدستور بشكل واضح وكامل، والحاجة إلى تبنيه، فإن خطتنا لا يمكن لها أن تكون كاملة دون إجراء مسح نقدي وشامل لعمل المؤتمر، ومن دون دراسته من جميع جوانبه، ومقارنته في جميع أجزائه، واحتساب نتائجه المحتملة.

وحيث أن إنجاز هذه المهمة المتبقية في ظل الانطباعات المفضية إلى نتيجة عادلة ومنصفة، تفرض علينا الانغماس ببعض التأملات في هذا المكان، التي أشارت إليها الحاجة إلى الصدق في إبداء الرأي سابقا.

ولسوء الحظ، والذي لا يمكن فصله عن الشؤون البشرية، الإجراءات العامة نادرًا ما يتم التحقيق بشأنها بروح الاعتدال الضرورية للتوصل إلى تقدير منصف لمدى ميلهم الحقيقي لدعم تقدم المصلحة العامة أو إعاقتها، وبأن هذه الروح تكون أكثر عرضة لأن تتضاءل من أن تتعزز، بسبب تلك الظروف التي تتطلب ممارسة غير عادية لها. وبالنسبة لأولئك الذين قادتهم التجربة للتوصل إلى هذا الاعتبار، لن يبدو لهم بأن هناك شيئًا يثير الدهشة في أن أعمال المؤتمر التي تدعو إلى إجراء تغييرات وإبتداعات كثيرة، يمكن النظر إليها في ظل أضواء وعلاقات كثيرة جدًا، والتي تلامس منابع الكثير من الأحاسيس والمشاعر والمصالح، والتي سوف تجد او تثير ميول غير ودية من هذه الجهة أو تلك بالنسبة للنقاش النزيه والحكم الصحيح لحسنات الدستور. ففي البعض منها، كان جليًا جدًا، من منشوراتهم نفسها، بأنهم قد درسوا الدستور المقترح، ليس بمجرد تصميم مسبق على انتقاده، بل بتصميم مسبق على إدانته، إذ أن اللغة المعتمدة من بعضهم تظهر وجود تصميم مسبق مناقض أو متحيز، مما يجب أن يجعل آراءهم أيضا غير ذات أهمية حول هذا الموضوع. غير أننا لو رتبنا هؤلاء الأفراد المختلفين على مقياس على أساس أوزان آرائهم، لما رغبت في أن أوحي بأنه قد لا يكون هناك فرق مادي في صفاء نواياهم. لكنه من الإنصاف الإشارة، لصالح التوصيف الأخير، انه بما أن وضعنا معترف به عالميًا على انه وضع حرج بشكل خاص، بحيث يتطلب بالضرورة القيام بشيء لإنقاذنا من هذا الوضع، فإن الراعي المحدد مسبقًا لما تّم تحقيقه فعليًا ربما يكون قد أخذ تحيزه من وزن هذه الاعتبارات، وأيضًا من اعتبارات ذات طبيعة شريرة. ومن جهة أخرى، فإن الخصم المحدد مسبقًا يمكن له أن لا يكون محكومًا بدافع شرير مهما كان نوعه. ولربما كانت نوايا الأول سليمة، وبالعكس من الممكن لها أن تكون مذنبة. أما آراء الأخير فلا يمكن لها أن تكون سليمة ويجب أن تكون مذنبة. ولكن الحقيقة هي إن هذه الأوراق ليست موجهة إلى أي أفراد من أي من تلك الفئتين. إنها تسعى إلى مجرد لفت اهتمام أولئك الذين يضيفون إلى الحماس الصادق لسعادة بلدهم، مزاجًا مفيدًا للقيام بتقدير عادل لوسائل تعزيزه والترويج له.

إن الأفراد الذين هم من هذا النوع سوف يباشرون بدراسة الخطة المقدمة من المؤتمر، وليس فقط من دون ميل إلى العثور على الأخطاء وتضخيمها، بل أنهم سيرون صوابية التأمل، بأن الخطة الخالية من الأخطاء لا يمكن توقعها. كما أن هؤلاء الأشخاص لن يسمحوا بوجود أخطاء يمكن إرجاعها إلى طبيعة الوقوع في الخطأ التي يتعرض لها المؤتمرون، بصفتهم مجموعة من البشر، إلا أنهم سوف يتذكرون، بأنهم هم أنفسهم ليسوا سوى بشر، وعليهم أن لا يفترضوا المعصومية في إعادة الحكم على الآراء القابلة للخطأ لدى غيرهم.

وبنفس القدر من السهولة، فهل سيتم الإدراك أنه إلى جانب هذا الحث على الصدق في الآراء يتعين عليهم السماح بعدة أشياء أخرى بسبب الصعوبات الملازمة لطبيعة المهمة المتعلقة بالأعداد للمؤتمر.

إن حداثة هذه المهمة تثير دهشتنا على الفور. لقد تبين في سياق هذه الأوراق أن الكونفدرالية الحالية تقوم على مبادئ خاطئة، وانه يتعين علينا نتيجة ذلك أن نغير هذا الأساس أولاً، ومعه تلك الهيكلية الكبرى التي تستقر عليه. وتبين بأن الكونفدراليات الأخرى التي يمكن الاسترشاد بها كسوابق تقوم على نفس المبادئ الخاطئة، ولذلك لا يمكنها أن تزودنا بنور أكثر من تلك المنارات، التي تحذرنا بالنسبة للمسار الذي يجب تجنبه، دون الإشارة إلى المسار المتوجب إتباعه. إن أكثر ما كان بإمكان المؤتمر أن يفعله في هذا الوضع، هو تجنب الأخطاء التي أظهرتها التجارب السابقة لبلدان أخرى. وكذلك الأخطاء التي ارتكبناها نحن، وتقديم أسلوب ملائم لتصحيح أخطائهم، نفسها كما سوف تكشف عنها التجارب مستقبلاً.

من بين الصعوبات التي واجهها المؤتمر، كانت هناك صعوبة ذات أهمية كبيرة في الجمع بين الاستقرار المطلوب والفعالية الحكومية، مع الاهتمام الذي لا تنازل عنه بالحرية وبالشكل الجمهوري. وبدون إنجاز هذا الجزء من مهمتهم بدرجة كبيرة من مهمتهم، سوف يكونون قد أنجزوا هدف مهمتهم بشكل غير مثالي على الإطلاق، أو سوف لن يتمكنوا من تلبية توقعات المواطنين، بيدَ أن عدم تمكنهم من إنجازها بسهولة، فلا يمكن أن ينكرها أي أحد لا يرغب في أن يكشف جهله حول الموضوع. إن نشاط الحكم شأن أساسي لتحقيق تلك الضمانة ضد الأخطار الخارجية والداخلية، وكذلك لضمان تنفيذ القوانين المرحب بها التي تدخل في صلب تعريف الحكم الجيد. كما أن الاستقرار الحكومي أساسي بالنسبة لطبيعة القومية وللحسنات المترافقة معه، وكذلك لتحقيق الارتياح والاطمئنان في أذهان المواطنين، وهاتان نعمتان من النعم الرئيسية الضرورية للمجتمع المدني. أن التشريعات غير المنتظمة والمتقلبة ليست شرًا بحد ذاتها أكثر مما هو بغيضًا بالنسبة للشعب، ويمكن القول بكل ثقة بأن مواطني هذه البلاد، بحكم تنورهم واهتمامهم، بأكثريتهم، بمدى تأثير الحكم الجيد، لن يرضوا أبدًا حتى يتم تقديم علاج ما لمدى التقلبات وحالات عدم التقين التي تتصف بها حكومات الولايات. ولكن، عند مقارنة هذه العناصر القيمة بالمبادئ الحيوية للحرية، سوف يكون علينا الإدراك على الفور للصعوبة في جمعها سوية ضمن النسب اللازمة. يبدو أن عبقرية الحرية في النظام الجمهوري تتطلب من جهة أولى أن لا تكون جميع السلطة نابعة من الشعب فحسب، بل أيضًا أن المؤتمنين عليها يجب أن يبقوا مستقلين عن الشعب، خلال فترة قصيرة من تعيينهم، وأنه حتى خلال هذه الفترة القصيرة يجب ألا توضع الثقة على عاتق عدد قليل، بل أنها تتطلب العديد من الأيدي. وبالعكس فإن الاستقرار، تتطلب بأن تكون الأيدي التي تتولى السلطة هي نفسها لفترة طويلة من الزمن. أذ أن تكرار التغيير في أولئك الأشخاص إنما ينتج عن تكرار في إجراء الانتخابات و يخلق تغييرا متكررا في القوانين جراء تغير في الأشخاص هذا فيما أن فعالية الحكم لا تفرض مدة محددة في السلطة فحسب وإنما تفرض تنفيذ تلك الفعالية على يد واحدة بمفردها.

إن مدى نجاح المؤتمر في هذا الجزء من عمله، سوف يظهر بصورة أفضل عند النظر إليه بدقة أكبر؟ ومن جهة النظر الخاطفة التي أخذنا بها هنا، يجب أن يظهر بوضوح انه كان جزءًا صعبًا وشاقًا.

والذي لم يكن أقل صعوبة هو رسم الخط الفاصل الملائم بين السلطة العامة للحكومة وسلطة حكومات الولايات. كل فرد مدرك سوف يشعر بهذه الصعوبة، بنفس القدر الذي اعتاد فيه على التأمل والتمييز بين المواضيع الواسعة والمعقدة بطبيعتها. إن قدرات العقل البشري نفسها لم يتم بعد التمييز فيما بينها أو تعريفها بدقة تامة مرضية، وذلك على الرغم من جميع جهود ألمع الفلاسفة والميتافيزيقيين. لقد تبين أن الإحساس والإدراك والحكم والرغبة والاختيار والذاكرة والخيال هم منفصلون بظلال رقيقة وتدرجات دقيقة بحيث أن الحدود فيما بينها قد غابت عن قدرة أدق الباحثين، ولا تزال تشكل مصدرًا كافلاً بعناصر حاذقة من التناقضات والاختلافات. إن الحدود بين مملكة الطبيعية العظيمة، وأيضًا أكثر من ذلك، بين المقاطعات المختلفة، والأجزاء الأصغر المتفرعة عنها تقدم لنا توضيحًا آخر لنفس هذه الحقيقة الهامة. لم ينجح مطلقًا حتى الآن أعقل علماء الطبيعة وأكثرهم جدًا واجتهادًا في أن يتعقبوا بيقين الخط الذي يفصل منطقة الحياة النباتية عن المنطقة المجاورة للمادة غير المنظمة، أو الذي يحدد الخط الفاصل بين حدود عالم النبات وبداية مملكة الحيوان. وهناك غموض حتى أكبر يَكمن في الصفات المميزة التي تّم على أساسها ترتيب وتنظيم الأشياء ضمن هذه الأقسام الكبرى للطبيعة.

عندما ينتقل من عمل الطبيعة، حيث تكون جميع الحدود مرسومة بدقة تامة، وتظهر بخلاف ذلك نتيجة العيب في العين التي تنظر إليها، ودخلنا إلى نظام الإنسان، حيث ينشأ الغموض من الشيء ونفسه كما أيضًا من العضو الذي يتم تأمله بواسطته، يتعين علينا أن ندرك ضرورة زيادة الاعتدال في توقعاتنا وآمالنا من جهود حكمة وعقل الإنسان. لقد علمتنا التجربة بأنه لم تتمكن حتى الآن أي مهارة في علم إدارة الحكم التمييز بدقة كافية، فروعه الثلاثة الكبرى أو تعريفها، وهي الفرع التشريعي، والفرع التنفيذي، والفرع القضائي، أو حتى تحديد امتيازات وسلطات الفروع التشريعية المختلفة. تبرز التساؤلات حول ذلك يوميًا في أثناء الممارسة، مما يثبت بأن هناك غموض يسود هذه المواضيع، ويحيّر أعظم الخبراء في العلوم السياسية.

ولم تكن أيضًا التجارب على مرّ العصور، بالإضافة إلى الجهود المستمرة لأكثر المشرعين والقانونيين الضليعين تنورًا، قد نجحت في رسم حدود المواضيع المتعددة وحدود القوانين والمحاكم المختلفة للعدالة. ولا يزال المدى الدقيق للقانون العام، والقانون الأساسي المكتوب، والقانون البحري، والقانون الكنسي، وقانون الشركات، والقوانين والأعراف المحلية الأخرى، بحاجة إلى تحديده بصورة واضحة ونهائية في بريطانيا العظمى، حيث أن الدقة في هذه المواضيع هي أمر تّم السعي للاهتمام به بكل جد أكثر من أي جزء آخر في العالم. إن مجال سلطة محاكمها العديدة، العامة منها والمحلية، وقوانينها حول المساواة، والأدميرالية البحرية، وغير ذلك، ليست مصدرًا أقل شأنًا للمناقشات المتكررة والمعقدة، التي تحدد بشكل كاف الحدود التي تقيدها الواحدة بعد الأخرى. إن جميع القوانين الجديدة، على الرغم من أنه قد تّم وضعها على يد أفضل المهارات التقنية، وإقرارها بعد مداولات مستفيضة ورصينة، تعتبر غامضة وقابلة للتناقض بدرجة أو أخرى، إلى أن يتوضح معناها ويتثبت من خلال سلسلة من المداولات الخاصة والفقه القانوني الخاص. وإلى جانب الغموض الناشئ من تعقيد المواضيع وعدم إكمال القدرات العقلية الإنسانية، فإن الوسيط الذي تنقل عبره أفكار الإنسان إلى بعضهم البعض يضيف بدوره حرجًا إضافيًا. تستخدم الكلمات للتعبير عن الأفكار. لذلك فإن الدقة لا تتطلب فقط أن تشكل الأفكار بوضوح، بل أيضًا أن يتم التعبير عنها بكلمات مناسبة لها وخاصة بها. بيد أنه ليس هناك من لغة على قدر من الشمول والغزارة لتزويد الكلمات والعبارات لكل فكرة معقدة، أو صحيحة إلى الدرجة التي لا تتضمن العديد من الأفكار المختلفة التي تعطي معانٍ ملتبسة. لذلك، فإنه كان من المهم التمييز الدقيق بين الأشياء بحد ذاتها، ومهما اعتبر التمييز دقيقًا، فإن تعريف هذه الأشياء قد يصبح غير صحيح بسبب دقة العبارات المستخدمة لإيصالها. وعدم الدقة هذه التي لا يمكن تجنبها يجب أن تكون أكبر أو أقل، تبعًا لتعقيد وحداثة الأشياء التي يتم تعريفها. وعندما يتكرم الله القدير بمخاطبة الناس بلغتهم، فإن معناه مهما كان مشرقًا، يصبح معتمًا ومشكوكًا بأمره بسبب الوسيط الغائم المستخدم لإيصاله ونقله.

هناك، إذن، ثلاثة مصادر لتعاريف غامضة وغير صحيحة: عدم إمكانية تمييز الشيء، وعدم كمال العضو المدرك له، وعدم كفاية آلية نقل الأفكار. ومن المفروض أن تنتج أي واحدة من هذه درجة معينة من الغموض. ولا بد أن يكون المؤتمر قد واجه التأثير الكامل لجميع هذه الأمور عند رسم الحدود بين السلطات الفدرالية وسلطات الولايات.

علاوة على الصعوبات التي ذكرت من قبل يمكن أن تضاف الادعاءات المتدخلة للولايات الكبيرة والصغيرة. لا يمكننا أن نخطئ إذا افترضنا بأن الأولى قد تحاول الحصول على مشاركة في الحكومة تكون متناسبة بالكامل مع مدى ثروتها وأهميتها، وأن الأخيرة لن تكون أقل تمسكًا بالمساواة التي تتمتع بها حاليًا. يمكننا أيضًا الافتراض بأنه لن يتنازل أي جانب بالكامل إلى الآخر، وبالتالي لا يمكن إنهاء الصراع سوى من خلال الحلول الوسط. من المرجح جدًا، كذلك، أنه في أعقاب تعديل نسبة التمثيل، من المفترض لهذه التسوية أن تكون قد ولّدت صراعًا جديدًا بين نفس الأطراف، بحيث تعطي انعطافًا في تنظيم الحكومة، وتوزيع سلطاتها، لكي تزداد أهمية الفروع، التي تكون قد تشكلت من خلال إعطائها حصة أكبر من النفوذ. هناك مزايا في الدستور قد تبرر حدوث كل واحد من هذين الافتراضين، وبقدر ما تكون أسس كل واحد منهما وطيدة، فإنها تظهر بأن المؤتمر كان مرغمًا على التضحية بالحاجة النظرية إلى قوة الاعتبارات الخارجية.

كما قد لا تكون الولايات الكبيرة والصغيرة وحدها هي التي سوف تنظم صفوفها لمعارضة بعضها البعض حول نقاط مختلفة. فلا شك أن ائتلافات أخرى نتجت عن الاختلاف في المركز المحلي والسياسي هي التي خلقت صعوبات إضافية. ونظرًا لوجود احتمال بأن تنقسم كل ولاية إلى مناطق مختلفة، وأن ينقسم مواطنوها إلى طبقات مختلفة، مما يفتح المجال لولادة مصالح متنافسة ومشاعر بالغيرة المحلية، كذلك فإن الأجزاء المختلفة من الولايات المتحدة تتميز عن بعضها البعض من خلال مجموعة متنوعة من الظروف، التي تنتج تأثيرًا مماثلاً ولكن على نطاق أوسع. وعلى الرغم من أن هذا التنوع من المصالح، لأسباب تمّ شرحها بما يكفي في مقال سابق، قد يكون له تأثير مفيد على إدارة الحكومة عند تشكيلها، بيدّ أنه ينبغي على الجميع أن يدركوا التأثير العكسي، والذي قد واجهوه خلال مهمة تشكيل الحكومة.

أليس من الرائع تحت ضغط جميع هذه الصعوبات، أن يكون المؤتمر مرغمًا على الانحراف عن تلك الهيكلية المصطنعة والتماثل المنتظم الذي تدفع إليه النظرة التجريدية إلى الموضوع وتجعل المنظِّر العبقري يضفيه على دستور مخطط له داخل غرفته الخاصة أو في مخيلته؟ ويتمثل التعجب الحقيقي في أنه تم التغلب على هذا العدد الكبير من الصعوبات، والتغلب عليها بإجماع لا سابق له تقريبًا إضافة إلى أنها في الحقيقة لم تكن متوقعة. من المستحيل لأي رجل مخلص الرأي أن يفكر بهذه الظروف بدون أن ينطوي تفكيره على الكثير من التعجب. من المستحيل لرجل ذي تفكير مؤمن ألا يلاحظ في ذلك يد العلي القدير الذي مدها لنا مرارًا لإغاثتنا في المراحل الحرجة من الثورة.

توفرت لنا الفرصة، في مقال سابق، لملاحظة التجارب المتكررة التي تمّ تنفيذها بصورة غير ناجحة في هولندا المتحدة لإصلاح العيوب المقيتة في دستورها. إن تاريخ جميع المجالس والمشاورات الكبرى تقريبًا التي انعقدت بين البشر للتوفيق بين آرائهم المتباينة، ولتهدئة حدة الغيرة المتبادلة بينهم، ولتعديل كل مصالحهم المختلفة ما هو سوى تاريخ طوائف، وتنازعات، وخيبات أمل، ويمكن تصنيفه من بين أكثر الصور ظلامًا وإذلالاً التي تعرض العيوب والانحرافات في طبع الإنسان. وتم في حالات قليلة متناثرة، إذ تمّ إظهار ناحية أكثر إشراقًا، فإنها لا تخدم سوى كونها بمثابة استثناءات تحثنا على النظر إلى الحقيقة العامة، ومن خلال بريقها فإنها تُفضي إلى الظلام المتمثل في كآبة المفهوم المضاد الذي تجري مقارنتها به. وعند تحديد الأسباب المتعاقبة التي نتجت عنها هذه الاستثناءات، وتطبيقها على الحالات الخاصة الماثلة أمامنا، نجد أنفسنا منقادين بالضرورة إلى استنتاجين مهمين: الأول هو، أن ذلك المؤتمر قد تمتع حتمًا بدرجة فريدة جدًا بالتخلّص من التأثير الوبائي للضغائن بين الأحزاب، وهو المرض الذي يحدث بأكبر مدى من التكرار في الهيئات التداولية، والذي يحوز على أكثر قابلية في تلويث إجراءاتها. والاستنتاج الثاني هو أن جميع التفويضات التي تشكل منها المؤتمر تمت تسويتها وقبولها بشكل مرضٍ في النص النهائي، أو أنه جرى الحث على القبول بها نتيجة الاقتناع العميق بضرورة التضحية بالآراء الخاصة والمصالح الجزئية من أجل الصالح العام، وكذلك بسبب اليأس من رؤية تقلص هذه الآراء نتيجة التأخير أو الإجراء أو تجارب جديدة.

بوبليوس.


المصادر

  1. ^ "كيف أقنعت الأوراق الفدرالية البلاد". الموقع الإلكتروني للسفارة الأمريكية. 2008-09-01. Retrieved 2013-07-17.

وصلات خارجية

اقرأ نصاً ذا علاقة في

Federalist No. 37