الفقه في العصر العباسي

الفقه في العصر العباسي

رأينا أن العصر العباسى كان عصر أئمة مذاهب السنة الأربعة وهى مذهب أبى حنيفة ، ومذهب مالك و الشافعى و ابن حنبل وقد ظهر بعض أعلام الفقهاء الذين كونوا لهم مذاهب في الفقه ولكن لم يقدر لها الاستقرار والذيوع أمام هذه المذاهب الأربعة ومن هؤلاء الفقهاء: أبو سليمان داود بن على بن خلف القاشاني وكان أبو سليمان داود شافعي المذهب أخذ فقه الشافعى عن بعض تلاميذ، وله طريقة خاصة تتلخص في الأخذ بظاهر نص القرآن وعدم قبول القياس والتأويل ومن ثم سمى أبا سليمان داود الظاهرى ويعرف أتباعه بالظاهرية، أى الذين أنكروا القياس وأبطلوا العمل به، ويقول فيهم ابن خلدون : "والظاهرية جعلوا المدارك كلها منحصرة في النصوص والإجماع، وردوا القياس الجلى والعلة المنصوصة إلى النص لأن النص على العلة نص على الحكم في جمع محالها"؛ فتصدى للرد عليه أبو العباس بن سريح في كتاب أسماه "الرد على المخالفين من أهل الرأى وأهل الظاهر". وكان ابن حزم الأندلسى من أتباع المذهب الظاهرى لذا سمى "ابن حزم الظاهرى".

ومن أشهر الحنابلة في هذا العصر أبو القاسم الخرقي وقد صنف كتابه "المختصر في الفقهعبد العزيز بن جعفر صاحب كتاب "المقنع". ومن أصحاب المذاهب الفقهية من المجتهدين في ذلك العصر أبو جعفر بن جرير الطبري ، وكان من أهل طبرستان ، وقد درس فقه الشافعى، ولذلك لم يختلف مذهبه المعروف بالمذهب الجريرى عن مذهب الإمام الشافعى، وقال فيه ابن خلكان : "كان من الأئمة المجتهدين، ولم يقلد أحدًا". وكان ثقة في نقله. وذكره الشيخ إسحاق الشيرازى في طبقات الفقهاء المجتهدين. ومن كتب الطبرى في الفقه: "اختلاف الفقهاء"، وكتاب "تبصير أولى النهى"، و"معالم الهدى" الذى لا يزال مخطوطًا، وكتاب "الرد على الحرقوسية" أى الحنابلة. ومن أشهر أئمة المذهب المالكى في الأندلس في هذا العصر أبو الوليد الباجي و أبو الوليد بن رشد -الفيلسوف-، و ابن عاصم مؤلف التحفة ، ومنذر بن سعد وقد ولاه عبد الرحمن الناصر قيادة الجيوش التى كانت تعتبر نوعًا من أنواع الجهاد. وشهد هذا العصر انقراض بعض المذاهب مثل مذهب سفيان الثورى ومذهب اسحاق بن راهويه حتى أننا نرى من المذاهب الشائعة في القرن الثالث الشافعية والمالكية والثورية والحنفية والداودية وفى القرن الرابع نرى من المذاهب السائدة مذهب الحنفية والمالكية والداودية ومذاهب أقل انتشارًا كمذهب الحنابلة والراهوية و الأوزاعية . وقد أصبحت السيادة على مر الزمن للمذاهب الأربعة كما يقول ابن خلدون : "ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر من تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الجهاد". لكن من الفترة (447هـ -656هـ) ظهر الفقه بصورة أخرى مثل:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فقه الشيعة

نهض المذهب الإسماعيلى نهضة بعيدة الأثر على أيدى الفاطميين الذين اعتمدوا على المدارس التى أطلق عليها "مدارس الدعوة" لبث عقائد المذهب الإسماعيلى على أساس تعليم الفقه الشيعى، وعرفت باسم "مدارس الحكمة" وقد انجبتالدعوة الإسماعيلية دعاة كان لهم شأن كبير في عالم الدعوة والفقه منهم: أبو حاتم الرازي ، و أبو يعقوب السجزي . وقد بلغت دعوة الإسماعيلية ذورتها على يد الخليفة المعز لدين الله . ومن أشهر فقهاء الإسماعيلية المؤيد في الدين هبة الله الشيرازى ويعرف بالمؤيد، صار حجة بلاد فارس حوالى سنة (429هـ). ومثل بين يدى الخليفة المستنصر الذى قلده ديوان الإنشاء وقد تقلد المؤيد في دين الله رياسة الدعوة الفاطمية وأصبح داعى الدعاة عام(451هـ). ومن أهم مؤلفات المؤيد في الدين التى تعرض لفلسفة الإسماعيلية كتاب "مجالس المستنصرية".

ومن فقهاء العصر أيضًا عالم أندلسى رحل إلى مصر واتخذها وطنًا له ذلك هو الفقيه المالكى المشهور أبو بكر الطرطوشي ، وقد تنقل في الحجاز والشام والعراق ، وتلقى العلم على أئمة العلماء والفقه في أمهات المدن الإسلامية ، وقد أسهم الطرطوشى في تعديل قانون الوراثة في عهد الفاطميين ، ذلك القانون الذى قضى بأن ترث البنت كل ما يتركه أبواها إذا لم يكن لها أخ أو أخت، الذى يخالف قانون مذهب السنة الذى يقتضى بألا ترث البنت أكثر من نصف الثروة.


الفقه في اليمن

انتشر مذهب مالك و أبى حنيفة في القرنين الثالث والرابع للهجرة ووقع في هذه البلاد حدثان عظيمان وهما فتنة القرامطة ، وقيام الإمام الهادي يحيى بن الحسين العلوي الذى دعا إلى اعتناق عقائد الشيعة في اليمن سنة (280هـ). وقد شق المذهب الشافعى طريقه إلى اليمن إلى جانب الزيدية حتى أصبح للمذهب الشافعى في هذه البلاد أنصار، وقد ظهر هذا المذهب على يد القاسم بن محمد الجمحي إمام الشافعية في صنعاء وعدن ، وامتد في أواخر القرن الرابع الهجرى إلى المعافر، ولحج ، وأهل الجند. ومن علماء اليمن القاضى محمد الصليحي وابنه على بن محمد، وقد تفقه في عقائد المذهب الشيعى وأسس الدولة الصليحية في هذه البلاد في القرن الخامس الهجرى. ومن أشهر فقهاء اليمن عبد الله بن يحيى الصعبي ، و أبو بكر اليافعي . و عمر بن علي بن سمرة الجندي ، وقد خلف لنا كتاب "طبقات فقهاء اليمن".

المصادر

موسوعة الحضارة الإسلامية