الطغنري الغرناطي

الطغنري الغرناطي هو أبو عبد الله محمد بن مالك المري (نسبة إلى قبيلة مرة) الطنغري الغرناطي أوابن حمدون الإشبيلي أديب , شاعر,وعالم بلفلاحة, طبيب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأته

ولد الطغنري الغرناطي في قرية طغنر التي تقع غربي مدينة غرناطة في حوالي منتصف القرن الخامس الهجري، وينحدر من بيت معروف لـه مكانته في غرناطة وعلى صلة بالحاكمين من الأمراء والوزراء والقواد فيها. قال لسان الدين ابن الخطيب عن عائلته: "من أهل غرناطة، من ذوي البيتية والحسب فيها ". أما عن نشأةالطغنري الغرناطي، فلم تفصل المصادر كثيراً في أمر حياته أو نسبه، وقد يرجع ذلك إلى أنه كان في حياته الأولى خاملاً غير معروف، ولم يكن في مقتبل عمره معنياً بالدرس والتحصيل، إنما الذي كان يعنيه أكثر من غيره الركون إلى اللهو والدعة والمرح غير مكترث لما حوله، يشاركه في ذلك بعض إخوته ممن عاشوا نفس حالته من طلب للراحة والدعة، وحب للكسل والبطالة.

ولكن الطغنري الغرناطي ما لبث أن حزم أمر الجد، وأفاق من رقدته، وتنبه من غفلته، وأقلع عن راحته، فطلب العلم والمعرفة، واجتهد في التحصيل والمثابرة، فدرس العلوم المختلفة وبخاصة علم الفلاحة الذي نبغ فيه حتى صار من المعدودين في هذا العلم، والنابهين في مجالاته العديدة. وتتلمذ على ابن بصال الأندلسي صاحب كتاب "الفلاحة" . كما دل كتابه "زهرة البستان" على معرفته بالطب، وكان قد أخذ طرفاً منه في مدينة إشبيلية على يد الحكيم أبي الحسن شهاب عام أربعة وتسعين وأربعمائة. قال عنه لسان الدين ابن الخطيب: " أديب نبيل، شاعر ، على عهد الأمير عبد الله بن بلقين بن باديس صاحب غرناطة . وكان يميل إلى البطالة والراحة. ثم استيقظ من غفلته، وأقلع عن راحته، وأجبَ في توبته. وكان من أهل الفضل والخير والعلم ".

وكان للطغنري الغرناطي حظوة لدى أمراء غرناطة، فقد خدم كلاً من الأمير عبد بن بلكين الصنهاجي(464هـ-483هـ) أمير غرناطة، ثم الأمير المرابطي تميم بن يوسف بن تاشفين عندما كان هذا الأمير حاكماً على غرناطة(501هـ- 512هـ)، ولهذا الأمير أهدى ابن مالك الطغنري كتابه في الفلاحة " زهرة البستان ونزهة الأذهان ". وقد عزم الطغنري الغرناطي على القيام برحلة إلى ديار المشرق ليطلع على طرق الزراعة وأنواع المحاصيل، وكل ما يتعلق بعلم الفلاحة وأساليبه، وماكان لدى أهل المشرق من مؤلفات زراعية، سواء تلك التي ألفوها أو تلك التي ترجموها عن الأمم الأخرى. ويشير الطغنري الغرناطي في كتابه "زهرة البستان" في أكثر من موضع إلى رحلته هذه التي بدأها بالمغرب، فذكر مثلاً مدينة سلا و قلعة حماد ، ثم اتجه نحو المشرق إلى الديار المصرية، وربما عبر من هناك إلى الحجاز وأدى فريضة الحج. ففي حديثه عن زراعة (الحناء) يذكر أنه زار الديار المصرية، ورأى هناك كيف تزرع وكيف أن أشجارها تبقى مدة طويلة قال: " ولقد رأيتها بديار مصر ، وفي أرض الشام قديمة بالأرض التي تزرع فيها عشرين وثلاثين سنة، قامت لها أشجار على ساق بقدر قامة ابن آدم ".

ثم رحل إلى بلاد الشام ، وجاب فيها كثيراً من مدنها، فهو يذكر أنه رأى مدينة عسقلان إحدى مدن فلسطين ، ووصف البئر المعروف ببئر إبراهيم . وشاهد كيف تحفر الآبار وكيف تقام عليها السواقي. كما ذكر دمشق أكثر من مرة، ففي حديثه عن زراعة الفجل مثلاً يقول: " ورأيت بدمشق فجلاً مدوراً في صفة اللفت الأحمر، ولم أره بموضع آخر" ، وكذلك يشير إلى أنه زار مدينة حلب ، وشاهد ما يزرع فيها، وطرق الزراعة وأساليبها، فقد ذكر أثناء حديثه عن القطن قوله: " ولقد رأيته بحلب في منبته مدة من ثلاثين عاماً وأزيد ".

وعندما عاد إلى الأندلس أصبحت لـه مكانة علمية وأدبية مميزة، فكان شاعراً وأديباً، وهذا ابن بسام الشنتريني (542هـ) لا يخفي إعجابه به فنراه يقول في الحديث عنه: "لم أقف من ذكر هذا الرجل إلا على أبيات من شعره، وفصلين من نثره، ويستدل على الشجر بالواحدة من الثمر، ومع قلته فإنه يعرف أنه صدرٌ أديب،ٌ ذو حفظ كثير، وأدب غزير ".

وقد أورد ابن بسام وابن الخطيب أبياتاً شعرية تفصح عن مكانة الطغنري العلمية والأدبية في عصره:

  • صب على قلبي هوى لاعجُ ودَبَ في جسمي ضناً دارج
  • في شـادن أحورَ مُسـتأنسٍ لسـانُ تذكـاري به لاهجُ
  • قـدرُ نعمان إذا ما مشـى وما عسـى يفعلـه عالـجُ
  • فقـدُه مـن رقـةٍ مائـسُ ورِدفـه من ثقـلهٍ مائـجُ
  • كأن ماء الحسـن في خده مدامـةٍ شـهشـعها المازجُ
  • عُنـوان ما في ثوبه وجهُهُ تَشـابَه الداخـل والخـارج
  • فلا تقيسـوه ببدر الدجـى ذا معلم الوجـه وذا سـاذجُ

ومن المؤكد أن محمد بن مالك الطغنري عاش مدة ليست بالقصيرة بعد ابن بصال الطليطلي عالم الفلاحة الأندلسية المشهور. فكثيراً ما يذكره الطغنري في كتاب "زهرة البستان" ويترحم عليه. على أننا نستطيع القول بأن الطغنري عاش بعد سنة(512هـ) وهي سنة انتهاء حكم تميم بن يوسف بن تاشفين.

مؤلفاته

زهرة البستان و نزهة الأذهان

منهج الطغنري الغرناطي في كتابه زهرة البستان وأهميته

يبدو أن كتاب "زهرة البستان" للطغنري كان معروفاً زمن لسان الدين ابن الخطيب، إذ قال عنه: " ومن تواليفه كتابه الشهير في الفلاحة، وهو بديع، سماه زهرة البستان ونزهة الأذهان، عبرة في الظرف ". يتألف هذا الكتاب من:

  • مقدمة مهمة تناولت قدرة الله الباري عز وجل، وعظمته في صنيع خلقه. وذكر آيات قرآنية كريمة تحث على الزراعة وتبين منزلة الزارع. كما وردت فيها أحاديث نبوية شريفة تدل على الثواب الجزيل الذي أعده الله سبحانه وتعالى للزارع والغارس.

فصول الكتاب

فصول الكتاب بلغ عددها(234) فصلاً في مختلف فنون الزراعة. يدل أسلوب الطغنري في كتابه هذا على مقدرة أدبية، ومعرفة واضحة بفنون القول وأساليبه، فقد ذكر ما نصه: " فالعالم مرتبط بعضه ببعض، مضطراً بعضه إلى بعض كتعلق المعاني بالألفاظ، والفرع بالأصل، والثمر من الشجر ". أما ما يختص بمكانته العلمية في علم الفلاحة فلعل منهج هذا الكتاب ومحتوياته تفصح عن ذلك. يعد هذا الكتاب من الكتب الزراعية المهمة في بابها والتي وصلتنا كاملة. فصاحبه خبر العلم تجربة وتطبيقاً لاعلماً فقط، في كل ما يخص الأرض والإنسان، والحيوان، والنبات، والأشجار، والثمار، والإنضاج الأمثل في شتى الزراعات، ومعرفة ما يفيد كل منها وما وجه الضرر فيه… الخ، وخاصة أنه تكلم بعد أن عاين وجرب، وسافر وجال في بلدان كثيرة، واستفاد من كتب غيره من أعلام الزراعة العرب واليونانيين وغيرهم ليخرج هذا الكتاب المتميز في شتى صنوف العلم والتجربة.

ولو لم يكن هذا الكتاب على قدر كبير من الأهمية لما قدمه الطغنري هدية للأمير المرابطي تميم بن يوسف بن تاشفين حاكم غرناطة.

لقد جمع الطغنري في هذا الكتاب الكثير من التجارب الزراعية التي سبقته والتي أجراها بنفسه وتأكد من نجاحها. ولا يكتفي بذكر تجاربه الكثيرة على النباتات، إنما يحاول أن يبدي آراءه حول ما ذكره المؤلفون من أهل الفلاحة ، فقد أخذ عليهم قلة التجربة، ففي ذكره لأوقات الغراسة يذكر أن عريب بن سعيد القرطبي(370هـ) ـ والذي ألف كتاباً في "أوقات السنة" ـ لم يذكر ما ذكره، وإنما أطلق الكلام على عواهنه، قال عنه الطغنري: " وأما عريب فأكثر ما ذكره في كتابه من أوقات الغراسة والزراعة نقولُ من لم يجرب، ولا تكلم إلا بهواه، ومن شاء امتحن أقواله بالتجارب، يبدو لـه الصحيح منها من السقيم ". وحين أورد رأي ابن وحشية في تركيب الأترج قال: " وذكر صاحب الفلاحة النبطية أن تركيب الأترج يثمر الأترج الأسود، وذكر غيره أن تركيب التفاح يكون مراً، وهو عندي مستحيل، إذ الأصل المركب فيه لا يعطي رائحة ولا لوناً ولا مذاقاً وإنما يرسل المركب فيه مادة مفردة..".

كما ذكر الطغنري في كتابه أسماء الكثير من النباتات والمحاصيل الزراعية. وكذلك حوى كثيراً من منافع النباتات الطبية وفوائدها في كثير من الحالات المرضية. وأورد طرقاً عديدة لاستنباط المياه وكيفية حفر الآبار. وطرق الصناعات الغذائية التي كانت معروفة في الأندلس. وطرق الغراسة وإكثار النباتات وتحسين أنواعها وتركيبها، وكذلك طرق مكافحة الآفات التي تصيب المحاصيل الزراعية. ولقد ظهر واضحاً جلياً من خلال المنهج الذي اتبعه الطغنري في كتابه متابعته للعمليات الزراعية منذ اختيار التربة المناسبة لنوع النبات، ثم طرق الزراعة والإنبات، ثم مراحل نمو النبات، وهكذا حتى عملية الجني أو الحصاد.

وعلى الرغم من أن الكتاب يدور في معظمه حول الزراعة وبعض المعلومات الطبية، إلا أنه حوى فصولاً في الفلك. فقد ذكر الطغنري أن للسنة أربعة فصول، وكل فصل منها جعل لـه تسعون يوماً، وابتدأ العام بالربيع حيث بداية موسم الفلاحة، ووضع لكل فصل ثلاثة بروج. كما استخدم نظرية الطبائع الأربعة على الفصول فقال: " وصارت أزمنة السنة أربعة نظير الطبائع الأربعة الموكلة بالكبد والمعدة..". وتحدث عن الأبراج والكواكب وأثرها على الزراعة عند دخولها أحد أيام السنة من كل عام حتى جعل لكل يوم من هذه الأيام صفات وظواهر، أي جعل لكل عامل بيئي فعل كوكب أو برج.

مصادر الكتاب

أهم المصادر التي اعتمد عليها الطغنري في كتابه هي:

  • أ ـ ثقافته الزراعية ومعلوماته ومشاهدته التي اكتسبها من خلال عمله بمختلف التجارب الفلاحية على النباتات، ولقد أشار الطغنري في كثير من الأحيان إلى هذه التجربة بقوله:" وقد جربناه فحمدناه ". أما مشاهداته أثناء تجواله ورحلاته فقد اعتمدها كمصدر مهم من مصادر كتابه، ففي زراعة النخيل قال:" ولقد رأيت هذا النبع عياناً ". وعن زراعة القطن قال: " ولقد رأيته بحلب في منبته لـه مدة من ثلاثين وأزيد ".

ب ـ كتب الفلاحة العربية، ولعل أهم كتاب ذكره هو كتاب "الفلاحة النبطية" لابن وحشية(318هـ)، وكذلك كتاب "الفلاحة" لابن بصال الطليطلي، وكتاب "مجموع الفلاحة" لأبي المطرف عبد الرحمن بن محمد بن وافد اللخمي(467هـ)، واستفاد فيما يتعلق بمنافع النباتات وفوائدها الطبية من كتاب " الحاوي الكبير" لأبي بكر الرازي(313هـ). واعتمد على كتابي جابر بن حيان" الخواص" و"الطلسمات" وخاصة فيما يتعلق بخواص النباتات. ونقل الكثير من المعلومات من كتاب"فردوس الحكمة" لعلي بن ربن الطبري، وكتب ابن ماسويه.

ت ـ أما مصادره غير العربية، فغالباً ما كانت الكتب اليونانية في الفلاحة وخاصة كتاب "الفلاحة اليونانية" أو "الفلاحة الرومية" لقسطا بن لوقا. وكذلك استفاد من علماء آخرين أهمهم: بلياوس الحكيم، وبطليموس، ومارينوس، ودمقراطيس، وقسطيورس صاحب كتاب الخزانة، وفردوس، وجالينوس، وصغريت، وروفش، وأرسطاطاليس من كتابه النبات. واستفاد من كتاب "الفلاحة الهندية" ولكنه لم يذكر مؤلفه.

ث ـ ومن مصادره المهمة السماع ممن كانت لهم خبرة أو علم بالفلاحة. ومثال على ذلك قوله في حديثه عن غرس نوى التمر: " ولقد أخبرني فرج العريف بالصمادحية أن الذي غرس من التمر بلحمه أنه أثمر لستة أعوام أو سبعة..". وكذلك قوله: " كذا أخبرني الحكيم أبو الحسن شهاب حين قراءتي عليه بمدينة إشبيلية ". وفي زراعة الورد قال: " أخبرني ابن بصال رحمه الله تعالى أنه صنع ذلك في دالية ..". وفي زراعة النارنج قال: " ولقد أخبرني ابن بصال رحمه الله أن ضراً أصاب جميع ماكان بمدينة طليطلة من النارنج ".

وفاته

توفي الطغنري في غرناطة ودفن فيها. وأوصى أن يكتب على قبره:

  • يا خليلي عرج على قبري تجد من أكلة الترب بين جنبي ضريح
  • خافت الصوت أن نطقت ولكن أي نطق إن اعتبـرت فصيـح
  • أبصرت عيني العجـايب لكن لما فرق الموت بين جسمي وروح

المصادر

موسوعة أرض الحضارات