جورج قنواتي

(تم التحويل من الأب قنواتي)

جورج شحاته قنواتي (6 يونيو 1905 - 28 يناير 1994/ 16 شعبان 1414هـ) عالم وراهب دومينيكاني ودوره رائد في الحياة الفكرية العربية والإسلامية المعاصرة.


الأب جورج قنواتي في لقاء مع الشيخ محمد حسن فايد رئيس جامعة الأزهر الأسبق عام 1978

بات من المؤكد في السنوات الأخيرة أن الحضارة العربية الإسلامية تمر بأزمة حقيقية تستهدف زعزعة وجودها ومكانتها السامية ورسالتها الحضارية.. فما بين صراع الحضارات ونهاية التاريخ وجد الإسلام نفسه يتعرض لحملة ضارية اتخذ فيها الدين ستارا لتحقيق أطماع إمبراطورية من جديد، أيا كان اسم أو رسم أو جسم تلك الإمبراطورية.

والمحقق تاريخيا أن الحضارة الإسلامية كانت تراكمات حياتية وعطاء متصلا، كما يذهب جمهور المؤرخين لليهود والمسيحيين والمسلمين، حيث أعطى كل من أتباع الديانات الثلاث ما تيسر لهم من إسهامات حضارية في ظل الدولة الإسلامية الكبرى التي مثلت الإمبراطورية العثمانية آخر صورها.

لذا فإنه من البديهي أن يدين العالم الغربي اليوم لأولئك بما آل إليه في الكثير من مناحي حياته، من منطلق أن الحضارة العربية الإسلامية على تعدد ألوانها وتنوع بنائها هضمت الحضارات السابقة، وأنتجت حضارة عظيمة ساهمت في بناء أبجديات الحضارة الأوربية الوسيطة والحديثة.

«"وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن المسيحيين العرب الذين احتوتهم مظلة الإسلام والدولة الإسلامية، وقدموا إسهامات حضارية متنوعة في إطار بوتقة إنسانية تتسم بالتعدد، وتتصف بالشراكة"»

وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن المسيحيين العرب الذين احتوتهم مظلة الإسلام والدولة الإسلامية، وقدموا إسهامات حضارية متنوعة في إطار بوتقة إنسانية تتسم بالتعدد، وتتصف بالشراكة، استفادت من مساحة الحرية التي أتيحت للعلماء والمفكرين في ظل الحضارة العربية الإسلامية التي لم تجعل الدين أو العرق حاجزا يدفع إلى التحيز أو التحزب؛ لذا لم يكن غريبا في ظل تلك السماوات الحضارية المفتوحة آنذاك أن تعلو راية العرب وتخفق حضارة الإسلام والمسلمين.

وضمن تلك الجوقة يأتي الحديث عن الأب جورج شحاته قنواتي العالم والراهب الدومينيكاني ودوره الرائد في الحياة الفكرية العربية والإسلامية المعاصرة كنموذج حقيقي على مشاركات المسيحيين العرب من جهة، وعلى سماحة ورحابة الفكر الإسلامي من جهة ثانية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المولد والنشأة

ولد جورج قنواتي في الإسكندرية في 6 يونيو 1905. درس الصيدلة في جامعة اليسوعيين ببيروت، ودرس الكيمياء في جامعة ليون بفرنسا، حصل على دكتوراه في في علم الأقرباذين ودكتوراه في اللاهوت.

لكن المعامل والمختبرات لم تكن إلا بداية الطريق للتفكر والتدبر العقلي، فكان أن حمل الرجل رحاله إلى الآفاق الأرحب، باحثا عن حياة غير اعتيادية، واهبا نفسه للعلم والدين، حيث انضم إلى رهبنة الآباء الدومينيكان.

والحق أن ما خلفه الرجل وراءه من آثار علمية وفكرية في حاجة إلى مؤلفات بأكملها تفي الرجل حقه بعد أن نذر نفسه للحوار بين الثقافات، ولتأصيل الوجود العربي والحضارة العربية والإسلامية في قلب العالم الغربي، كاشفا وطارحا ما جادت به قريحة علماء العرب وما امتدت به أياديهم، حاملة شعلة التنوير عبر مئات السنين، وهو ما يريد قطاع كبير منهم اليوم إنكاره بشكل أو بآخر.


لغة الحوار الإنساني

يقول الدكتور عاطف العراقي -التلميذ النجيب والابن البكر للأب جورج قنواتي-: "إنه من المؤسف أن أكثرنا يكتب عن موضوع الحوار بين الثقافات تارة وموضوع السلام بين الأديان تارة أخرى دون أن يضع في اعتباره الاهتمام الضخم من جانب الأب قنواتي، وطوال أكثر من نصف قرن من الزمان".

كتب الأب قنواتي آلاف الصفحات، كان شغله الشاغل من خلالها إرساء لغة الحوار في المجال الإنساني عن طريق الثقافات والأديان، وعلينا الرجوع إلى مؤلفات ودراسات عديدة له، منها: المسيحية والحضارة العربية، والمسيحيون في مصر، وفلسفة ابن رشد التي تميز فيها تميزا فائق الحد والوصف، وفي صحة إيمان ابن رشد في ضوء الجدال بين فرح أنطون والشيخ محمد عبده، وتاريخ الصيدلة والعقاقير في العصر القديم والعهد الوسيط.

ولقد كان الحوار المسيحي الإسلامي الشغل الشاغل للأب قنواتي وكان ثمرة ذلك أن قام الفاتيكان بتعيينه مستشارا لهذا الحوار في السكرتارية الخاصة بالمؤمنين غير المسيحيين، فاشترك في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني المنعقد في روما من 1960- 1964، وألقى العديد من المحاضرات في روما وفي مدن أخرى لتنشيط الحوار بين الأديان والثقافات، كما قام بإعداد المواد الخاصة بالمسيحية في دائرة المعارف الشاملة التي قام بتحضيرها الأستاذ شفيق غربال (ترجمة دائرة معارف جامعة كولومبيا)، كما شارك في حلقات دراسية للتقارب بين الأديان والكنائس.

دعوة عن قناعة

«"لم يكن من أصحاب الرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة التي تدعو لحوار غير ذي جدوى."»

لم يكن الرجل من أصحاب الدعوات الطنانة الرنانة الجوفاء، كما أنه لم يكن من أصحاب الرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة التي تدعو لحوار غير ذي جدوى، لكن دعوته كانت تستند على الدوام على قناعة راسخة بأن في الحضارة والفكر الإسلامي ما يجب التوقف أمامه كثيرا وطويلا للاستفادة من معينه الذي لا ينضب.

يقول الأب قنواتي عن تراث الإسلام وأثر التصوف الإسلامي على الغرب: إن هناك أمرين يدخلان في هذه الناحية:

الأول: يتناول المصادر الإسلامية للكوميديا الإلهية التي بينها العلامة الأسباني الكبير المتخصص في الإسلاميات "ميجل آسين بلاثيوس" ثم ألقى عليها الضوء مجددا عندما قام "شيروللي" بنشر كتاب المعراج.

والثاني: هو فكرة الحب الرفيع الذي يمكن أن يربط بالحب الأفلاطوني وعند العرب يسمى الحب العذري الذي عرف في القرون الإسلامية الأولى، ويمكن ربطه كذلك برسالة صغيرة كتبها ابن سينا عن الحب، وأسماها رسالة العشق.

ويعلق الأب قنواتي على هذا بأن الفلسفة الإسلامية من جهة تعني مرحلة هامة في تطور الفكر الإنساني في جملته، كما أن جهد الفلاسفة المسلمين يبدو محاولة نبيلة لكي يتجاوز الإنسان حدود نفسه ويحقق رغبته في الاتحاد بالله، وينظم الدولة من أجل إسعاد الإنسان، وهكذا فإن الروح التي كانت تحدوهم تستحق البقاء.

ويضيف أنه من جهة أخرى فإن المؤلفات الكبرى لمتصوفي الإسلام العظام ستظل تستحوذ على إعجاب كل أولئك الذين تستجيب قلوبهم للجمال ويتعطشون إلى المطلق، فهم يستطيعون أن يجدوا فيها -عندما تتاح لهم الفرصة- غذاء لتشوقهم الروحي، أفليس هذا أفضل دليل على خلود أعمالهم؟!.

في خدمة ابن رشد

«"قدم أول كتاب (وثيقة) جمع بين دفتيه عرضا مفصلا للمؤلفات الكاملة لابن رشد في لغتها العربية، أو ترجماتها اللاتينية والعبرية."»

وإذا كانت العرب تفخر بفيلسوفها ومعلمها الأشهر "أبو الوليد محمد بن محمد" الشهير بابن رشد فإن الأب قنواتي كان له نصيب الأسد في هذا الفخر، من منطلق أنه قدم أول كتاب (وثيقة) جمع بين دفتيه عرضا مفصلا للمؤلفات الكاملة لابن رشد في لغتها العربية، أو ترجماتها اللاتينية والعبرية.

فنظرا لتخصصه وخبرته التامة وصلته الوثيقة بالهيئات والمراكز الثقافية التي تعنى بالفكر الإسلامي في العالم بأسره، وهو فوق هذا رحالة يجوب الآفاق ويزور المكتبات الكبرى ومعاهد المخطوطات كلفته الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية بحصر مؤلفات ابن رشد المطبوعة والمخطوطة، ورحل الرجل من أجل ذلك ما رحل، وأخرج فيها عام 1950 كتابا أفاد منه الباحثون والدارسون، ولعل من الخير أن يعاد طبعه لكي تستفيد منه أجيال كاملة لم يقدر لها أن تطلع عليه.

أسس اللقاء بين المسيحية والإسلام

وإذا كان المفكر والأب قنواتي قد رحل عن دار الفناء إلى دار البقاء قبل اندلاع أزمة التصادم والافتراق تحت زعم تصادم الحضارات -وهو زعم مقنّع لمواجهة الأديان- فإن الرجل كان قد تحدث طويلا عن مواطن الالتقاء -خاصة بين المسيحية والإسلام- داعيا إلى الاتفاق حولها بدلا من الافتراق بسببها، ومن هذه الأسس المشتركة في رؤاه:

- الله واحد

- الله حي قيوم

- الله خالق السماوات والأرض

- الله محب البشر

- الله ذو الغفران والرحمة

- الله هو الحميد المجيد

- الأنبياء يرسلهم الله

- الله يحيي الأموات ويرضي الأنفس

- الإنسان والعبادة

- الإنسان واعترافه بحقوق الله

ولقد تحدث الأب قنواتي عن هذه الأسس حديثا دقيقا يكشف عن اطلاعه الواسع ويؤكد كيف استطاع المسيحيون أن يعيشوا في إطار الحضارة الإسلامية العربية، ويشعروا أنهم من لحامها وسداها، وأنهم ليسوا غرباء عنها بل من العناصر الفعالة في تشييد الحضارة العربية ومساعدة إخوانهم المسلمين لصيانة عقائدهم في مختلف ميادين العلوم ومقتضيات الحضارة.

«"ولم يكن الأب قنواتي في حقيقة الأمر ضربا غريبا على الحضارة العربية والإسلامية ذات الصدر الرحب؛ إذ إن كلنا يعلم أن حركة الترجمة التي ازدهرت في العصر العباسي قامت على أكتاف مجموعة من المترجمين كان أغلبهم من النصارى."»

ولم يكن الأب قنواتي في حقيقة الأمر ضربا غريبا على الحضارة العربية والإسلامية ذات الصدر الرحب؛ إذ إن كلنا يعلم أن حركة الترجمة التي ازدهرت في العصر العباسي قامت على أكتاف مجموعة من المترجمين كان أغلبهم من النصارى ومن بينهم حنين بن إسحق وإسحق بن حنين وقسطا بن لوقا وعبد المسيح بن ناعمه الحمصي، وقد شجع الخلفاء حركة الترجمة والمترجمين؛ فقاموا بتشجيع المترجمين تشجيعا ماديا ومعنويا خاصة بعد إنشاء بيت الحكمة.

المسيحية والحضارة العربية

وللأب قنواتي مؤلف متميز للغاية تحت عنوان "المسيحية والحضارة العربية"، وفيه يروي قصة الوجود المسيحي في العالم العربي منذ بدء انتشار المسيحية، ويفرد فصلا كاملا للقبائل المسيحية التي عاشت في شبه الجزيرة العربية، وفي مقدمتها بكر، وتغلب بنو وائل بن ربيعة، وهما من أقوى القبائل العربية، وقد بلغ من قوتهما أن قال عمرو الشيباني فيها: لو تأخر الإسلام لأكلت بنو تغلب الناس، وهي رواية يؤكدها التبريزي في شرح معلقة عمرو بن كلثوم. ويذهب إليها الأب لويس شيخو اليسوعي من بيروت في أواخر القرن التاسع عشر، وقد قال عمرو بن كلثوم متفاخرا بشرف قبيلته:

ظعائن من بني جشم بن بكر      جمعن بميسم شرفا ودينا

حيث قصد بالدين هنا المسيحية التي كانت ديانة بني تغلب.

ويشير الأب قنواتي إلى الغساسنة -وهم عرب سوريا- الذين هاجروا من اليمن، وإلى اللخميين. ويذكر ما أورده السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن عن نصارى مكة غير العرب قبل الإسلام، وكيف كانت توكل إليهم الأعمال التي تحتاج إلى وعي وإدراك.

وتذكر كتب التاريخ الإسلامي كثيرا من هؤلاء الأغراب مثل صهيب الرومي الذي عمل مع عبد الله بن جدعان ثري مكة حتى أصبح تاجرا ثريا ولعل قصة فراره إلى المدينة ومطاردة قريش له وقبولهم منه افتداء نفسه بماله الذي أخفاه بمكة توضح لنا ما بلغه من ثراء.

ويشير الأب قنواتي إلى أنه بلغ من تأثر أهل مكة بالمسيحيين أن جعلوا في دعائم الكعبة صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة، فكان فيها صور إبراهيم خليل الله شيخا يستقسم بالأزلام، وصورة الملائكة عليهم السلام أجمعين، فلما كان يوم فتح مكة دخل النبي فأرسل الفضل بن العباس فجاء بماء زمزم وأمر بثوب مبلل بالماء وأمر بطمس تلك الصور فطمست، ووضع كفيه على صورة عيسى بن مريم وأمه، وقال: امحوا كل شيء إلا ما تحت يدي، فرفع يديه عن صورة عيسى بن مريم، وأمه ونظر إلى صورة إبراهيم فقال: قاتلهم الله جعلوه يستقسم بالأزلام ، ما لإبراهيم والأزلام. (المفصل 6: 436).

والأب قنواتي في عرضه وسرده للروايات السابقة تأصيل لما كان للمسيحية والمسيحيين في صدر الإسلام من مكانة وكرامة تدفع بمفكري ومنظري العصور الحديثة لإعادة النظر ومن جديد في الأطروحات الشقاقية وعدم الالتفات إليها والبحث حول كل ما هو مشترك وإيجابي وبناء لخير الإنسان والإنسانية.

قنواتي.. والاستشراق والمستشرقين

وفي الحديث عن الأب قنواتي تعترضنا عبارة الاستشراق والمستشرقين، والحق أنه إذا كانت التهمة الجاهزة للمستشرقين بأن أغلبهم قد تجنى على التاريخ العربي والإسلامي سواء بقصد وسوء طوية أو عن جهل أو حسن نية فإن هناك نزرا يسيرا من هؤلاء كان صادقا إلى درجة بعيدة، ولا ينكر باحث موضوعي دور رجال من أمثال لويس ماسينيون أو جاك بيرك، وهنا فإن الأب قنواتي ذاته كان خير مثال في التاريخ المعاصر وبخاصة منذ منتصف القرن العشرين حتى وفاته في أواخر القرن نفسه على المستشرق المستنير ذلك أنه بعد دخوله الرهبنة وانضمامه إلى الآباء الدومينيكان، وقد كان ذلك في بلجيكا وفرنسا نجده يتخصص طبقا لما جرى عليه العرف عند آباء الرهبنة في دراسة الفلسفة واللاهوت، فيحصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة ودرجة الدكتوراة في اللاهوت، وبعد ذلك نجده يتجه إلى الدراسة الاستشرافية ORIENTALISM وفي سبيله لهذا النوع من الدراسات قدم العديد من الأعمال المؤلفة والمترجمة التي تدلنا على ما للأب قنواتي من فضل في هذا المجال شأنه شأن بعض المستشرقين العادلين المستنيرين.

العودة للقاهرة

عاد الأب قنواتي إلى مصر بعد أن أنهى دراساته في بلجيكا وفرنسا عام 1944، حيث جعل من دير الآباء الدومينيكان كعبة لطلاب العلم.

ويبقى القول: إن الأب قنواتي الذي كان الدافع الأول وراء هذه النهضة الدومينيكانية في مصر كان منذ زمن طويل قد ارتضى لنفسه ما يعرف بسر المصالحة بين الناس وسلك طريق النور وليس طريق الظلام وثقافة المحبة والتآلف وليس ثقافة العدوان والكراهية.

«"يعمل بمقولة السيد المسيح "طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يدعون" وهي دعوة حرص على نشرها في أقطار المسكونة كلها شرقا وغربا محاضرا ومعلما."»

كان جورج قنواتي يعمل بمقولة السيد المسيح "طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يدعون" وهي دعوة حرص على نشرها في أقطار المسكونة كلها شرقا وغربا محاضرا ومعلما في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وآسيا، وكانت كلها تسارع في إهدائه الدكتوارة الفخرية الخاصة بها؛ اعترافا بفيض علمه، وإدراكا لأهمية فكره التنويري الذي يمثل الطريق المفتوح طريق السلام والحوار.

دافع قنواتي عن الإسلام وبقية الأديان دفاعا مجيدا، وفي أحاديثه المدوية عبر القرطاس والقلم كان الرجل مثالا للصمت ، صمت العالم ، وللتواضع تواضع الحكيم، فلم يبحث عن الأضواء أو الشهرة رغم أن مؤتمرا علميا عالميا عبر نحو خمسين سنة لم يخل من وجود اسمه مشاركا ومحاضرا.

وأخيرا يلزم القول إن كاتب هذه السطور لم يعمل قلمه في حديث إنشائي؛ فقد قدر للكاتب أن يصف بعض ما قد لمسه من وعن هذا العلامة، ويرجع تاريخ ذلك إلى منتصف الثمانينيات حين أراد الالتحاق بهذه الجماعة الرهبانية، وقد تلقى خطابه الأول من الأب قنواتي مرحبا به داعيا إياه للحضور والتعرف عن قرب على الآباء الدومينيكان، ويومها كانت النصيحة الأولى "أن اذهب وابحث عن إرادة الله في حياتك بين إخوانك من البشر، كن رسولا على مثال معلمك الذي لا يصيح ولا يخاصم، ولا يسمع أحد صوته في الشوارع، قصبة مرضوضة لا يُكسر، وكتانا مدخنا لا يُطفأ".

وكلها إشارات رمزية تحمل في مجملها الحث على المحبة والتعايش المشترك موصيا وصيته الأخيرة وصيحته الشهيرة "احرص على التزود بالمعرفة صباح مساء كل يوم؛ لأنه لا دين بدون ثقافة، ولا ثقافة بدون دين".

الرحيل

وقد توفي الأب جورج قنواتي صباح الجمعة (16 من شعبان 1414هـ = 28 يناير 1994م)، بعد أن ظل مدى حياته بدرا للاتفاق في زمان الافتراق.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من مؤلفاته

  • ابن سينا (بتكليف من الادارة الثقافية بجامعة الدول العربية 1950)، كما قام بتحقيق العديد من النصوص الفلسفية الهامة من بينها المدخل في كتاب الشفاء لابن سينا، بالاضافة إلى عدد من المؤلفات باللغات العربية والانجليزية والفرنسية منها: المسيحيون في مصر، المسيحية والحضارة العربية ، فلسفة بن رشد ، الحوار المسيحي الاسلامي، بالاضافة غلى مؤلفه في الصيدلة والكيمياء، تاريخ الصيدلة والعقاقير.

ساهم الأب قنواتي في عديد من المؤتمرات والندوات الخاصة بالاستشراق وفلسفة العصر الوسيط ومثل الجامعة العربية في مؤتمر ابن سينا ببغداد 1953 وطهران 1954، كما مثل معهد الدومنيكان في العديد من المؤتمرات.

حصل على وسام الشرف من فرنسا.


إسلام أون لاين: جورج قنواتي.. محطات ومواقف - بقلم: إميل أمين       تصريح