أمين عثمان

(تم التحويل من أمين باشا عثمان)
أمين عثمان
أمين عثمان.jpg
الميلاد 28 نوفمبر 1898
الإسكندرية، مصر
الوفاة 5 يناير 1946
القاهرة
التعليم كلية ڤيكتوريا بالإسكندرية
المهنة وزير مالية مصر
الجنسية مصري

أمين عثمان (و. 28 نوفمبر 1898 - ت. 5 يناير 1946)، هو وزير المالية المصري في حكومة الوفد (4 فبراير 1942-8 أكتوبر 1944) ورئيس جمعية الصداقة المصرية - البريطانية، تعرض للاغتيال من الجمعية السرية بعضوية الرئيس المصري السابق أنور السادات[1] عندما كان ضابطاً بالجيش إبان فترة حكم الملك فاروق، وقال الفريق سعد الدين الشاذلي أنّ وراء اغتياله الحرس الحديدي.[2]

وهو صاحب التعبير الخاص بزواج إنگلترة من مصر زواجاً كاثوليكياً وزواجاً أبدياً مما جعله محل شك كاد يصل أحياناً كثيرة إلى حد اليقين في موالاته للإنگليز وتغليب مصلحة إنگلترة على مصلحة بلاده، وربما يكون هذا هو السبب في اغتياله في 5 يناير 1946[3].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

وُلد أمين عثمان في 28 نوفمبر 1898 بحي محرم بك في الإسكندرية، وكان والده يعمل سكرتيرًا عامًّا لبلدية الإسكندرية.

تلقى تعليمه في كلية ڤيكتوريا بالإسكندرية، حيث كان متقدمًا في دراسته بها فكان بارزًا على أقرانه، وحصل على شهادة البكالوريا عام 1918، ثم حصل على شهادة الآداب مع درجة الشرف في التشريع، وسافر بعدها إلى إنگلترة عام 1920 ليدرس القانون بجامعة أكسفورد.

كان لتربيته وتعليمه دور في تشكيل شخصيته، فقد نشأ منذ صغره في أحضان التعليم الإنگليزي في مصر، ثم أكمل تعليمه في جامعات إنگلترة، هناك تعرف على الليدي كاترين گريگوري البريطانية وتزوجها. ما جعله يحظى في جميع مراحل حياته بحب الإنگليز. ولقد أثارت نشأته الإنگليزية هذه حوله النقد الكثير، ووضعته في مواقف حرجة انتهت به إلى اغتياله.


حياته العملية

أمين عثمان باشا.jpg

بعد أن أتم دراسته عاد إلى مصر، وعين في 13 يناير عام 1924 كاتبًا مؤقتًا بسكرتيرية اللجنة المالية في وزارة الأشغال العمومية، ثم نقل إلى قسم القضايا بنفس الوزارة، وتسلم عمله فيها بتاريخ 2 فبراير 1924.

وفي نفس السنة تقدم للحصول على إجازة لمدة ثلاثة أشهر ليسافر خلالها إلى باريس ليؤدي امتحانًا للحصول على درجة الدكتوراه في القانون، وقد تم له ذلك، وعاد في العاشر من مايو عام 1924 ليعين محاميًا في قلم قضايا الحكومة، وظل يشغل هذه الوظيفة إلى أن عين مفتشًا للمالية في 22 يناير 1927.

وفي 11 يناير 1930 اختاره مكرم عبيد - وزير المالية في ذلك الوقت - مديرًا لمكتبه، ووافق مجلس الوزراء على ذلك وعلى منحه الدرجة الرابعة بجلسته التي عقدت في 25 يناير 1930 برئاسة مصطفى النحاس، وقد صحب مكرم عبيد ضمن وفد مفاوضات النحاس إلى لندن في نفس العام كسكرتير له.

ندب أمين عثمان بعد ذلك ليعمل مفتشًا للمالية في الإسكندرية، وعضوًا في لجنة تحقيق وبحث نظام العمل بالبلدية بصفة مؤقتة اعتبارًا من 25 يوليو عام 1934، إلا أنه في 24 يوليو 1935 فصل من وزارة المالية ليعين مراقبًا عامًّا لإيرادات ومصروفات بلدية الإسكندرية.

وفي 27 فبراير 1936 عين سكرتيرًا لمجلس الشيوخ المصري، وبعد أقل من شهر (أي في 25 مارس من نفس السنة) عينه النحاس سكرتيرًا عامًّا لهيئة المفاوضات المصرية؛ نظرًا إلى سعة اطلاعه وذكائه.

وفي 27 مايو من نفس السنة عين مديرًا عامًّا لمصلحة الأموال المقررة، فوكيلاً لوزارة المالية، وتذكر الوثائق البريطانية أنه قام في هذه الفترة بدور ضابط الاتصال أو الوسيط بين النحاس والسفارة البريطانية؛ حيث كان مستشارًا للنحاس فيما يتعلق بالمفاوضات.

ونظرًا إلى جهوده في الوساطة منحه مجلس الوصاية المصري في 15 فبراير عام 1937 رتبة الباشوية؛ بمناسبة إبرام "معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا" المعروفة بمعاهدة 1936، ثم صدق مجلس الوصاية على منحه نيشان الصليب الأحمر الألماني من الدرجة الأولى في أبريل 1937.

وتصف الوثائق البريطانية أنه استمر خلال عام 1937 يقوم بدور القناة التي تربط بين السفارة البريطانية والنحاس.

ولما تولى علي ماهر رئاسة الوزراء عام 1939 صدر مرسوم ملكي بإحالة أمين عثمان - وكان وكيلاً لوزارة المالية آنذاك - إلى المعاش بتاريخ 20 أغسطس 1939، وذلك ضمن مجموعة من وكلاء الوزارات، وكانت إحالته إلى المعاش إحدى النقاط الهامة التي أثارتها المصادر البريطانية وحدث حولها الاحتكاك بين علي ماهر وبين السلطات البريطانية في مصر؛ فهو (أي أمين عثمان) الشخصية المصرية الموالية لبريطانيا.

وبعد إحالته إلى المعاش عين عضوًا في مجلس إدارة [البنك الأهلي المصري|البنك الأهلي]] وتنقل بعد ذلك بين عدة مجالس إدارات شركات تجارية أخرى.

وفي عام 1942 لعب أمين عثمان دورًا كبيرًا أبرزه على الساحة السياسية من جديد، وكان من أبرز أسباب اغتياله.

وزارة المالية

في 4 فبراير عام 1942 تولت وزارة النحاس ناصية الحكم في البلاد، بعد أن قام أمين عثمان بدور الوسيط بين السفير البريطاني والنحاس والملك فاروق.

وطلب من الملك بعد ذلك أن يصدر مرسومًا ملكيًّا في 15 من نفس الشهر بتعيين أمين عثمان رئيسًا لديوان المحاسبة، ثم صدر مرسوم ملكي آخر بتاريخ 2 يونيو 1943 بتعيينه وزيرًا للمالية، ويعترف اللورد كيلرن السفير البريطاني في القاهرة آنذاك بأن هذا كان بناء على طلبه لتوفير الكفاءة اللازمة وإرضاء الجاليات الأجنبية في البلاد، التي أزعجتها البيانات المثيرة التي أدلت بها الوزارة، وكان أمر تغيير كامل صدقي وزير المالية الأسبق بأمين عثمان تحت دعوى "نقص كفاءة الأول" حسب تعبير السفير البريطاني.

وظل أمين عثمان وزيرًا للمالية حتى أقيلت الوزارة في أكتوبر 1944 وانصرف بعد ذلك إلى أعماله المالية.

حادث 4 فبراير

فى صباح الثلاثاء 3 فبراير إتصل أمين عثمان باشا بالسفير البريطانى ليقول له أنه قادم إليه بصفة شخصية فحدد له لامبسون ميعاداً لمقابلته في الساعة الحادية عشر، وأخبره لامبسون بكل صراحة عن حقيقة الموقف.

وعندما حضر أمين عثمان قال أنه قادم بموافقة النحاس باشا وأن النحاس باشا مستعد تماماً لتولى الحكم إذا ساندته السفارة، فقال له لامبسون بأنه يرى أنه يتعين على النحاس أن يعرف بعض النقاط التى أثارتها وزراة الخارجية معه.

وأن النحاس يجب أن يدرك وجهات نظر وزراء الخارجية البريطانية والتى وردت في تقرير لها، وأنه سوف يثير هذه النقاط مع النحاس هذه النقاط بشكل مباشر فيما بعد إذا ما ألف النحاس الوزارة بالشكل الذى يريده.

وكان أمين عثمان يتوقع أن النحاس لن يثير أية مشكل تجاه أى من هذه النقاط. ثم يسأل أمين عثمان باشا السفير البريطانى: ماذا تقترح أن يفعل النحاس باشا بعد ظهر اليوم في القصر؟ وكان النحاس باشا قد دعى إلى القصر كغيره من الزعماء لمقابلة الملك. فقال له لامبسون: إن على النحاس بالطبع أن يبدى رأيه, ولكن الرأى القاطع في هذا الشأن هو أن يرفض أى عروض بضرورة تشكيل حكومة إنتقالية فهى ليست سوى لعبة من القصر حتى تمر العاصفة.

وقد ذكر أمين عثمان أنه سيعود إلى النحاس باشا ليعرض عليه الموقف ويرى ماذا يقول. عاد أمين عثمان إلى السفير البريطانى في الساعة 2:15 بعد الظهر ومعه رد النحاس باشا الذى يتلخص في أن النحاس باشا كان مستعداً في وقت سابق لقبول فكرة حكومة محايدة أما الآن فإنه ضد هذه الفكرة تماماً.

وقد قال أمين عثمان للسفير البريطانى أن الوفد سيتعاون مع السفارة حتى لو لم تكن هناك معاهدة وأنه إذا كان النحاس باشا قد تعاون مع السفارة في زمن السلم مرة فإنه مستعد أن يتعاون معها في زمن الحرب عشرات المرات ولكن كل ما يطلبه هو أن تطلق يده وأن يكون حراً في إتخاذ قراراته وخصوصاً ما يتعلق بالقصر.

وفى نهاية الحوار بين لامبسون وأمين عثمان قام لامبسون بإملاء الآتى على أمين عثمان لينقله إلى النحاس:

"على النحاس أن يخبر الملك فاروق بأن الموقف سئ للغاية, حتى أنه ليس لديه أدنى ثقة في التعاون المخلص للأحزاب الأخرى والخوف من المكائد المحتملة حتى أنه يقترح أن العلاج الوحيد (هو حكومة وفدية بالكامل) حتى يتمكن من أن يتحمل مسئولياته ويستطيع القيام بالمهام المطلوبة منه، ومن ثم فإنه من المستحسن الأخذ في الإعتبار فيما بعد:

1- حصة معينة من المقاعد في إنتخابات عامة للأحزاب الأخرى.

2- ومن المستحسن - كرمز للإئتلاف - تكوين هيئة إستشارية من الأحزاب الأخرى".

فيذكر أمين عثمان للسفير البريطانى أن النحاس باشا على أتم إستعداد بعد أن يؤلف حكومة وفدية أن يخصص دوائر عينة للأحزاب الأخرى في الانتخابات وأن يكون مجلساً إستشارياً من زعماء الأحزاب كنوع من الرمز للائتلاف ويؤكد سير مايلز لامبسون ذلك بقوله: كان هذا هو ما إتفقت عليه مع أمين عثمان باشا وكان هذا ما سيقوله النحاس باشا للملك عند مقابلته له في القصر.

وبعد أن غادر أمين عثمان دار السفارة، سرعان ما إتصل بالسفير لامبسون تليفونياً ليقول له: "إننى لم أتمكن من مقابلة النحاس باشا الذى ذهب مباشرة إلى القصر قبل أن أتمكن من أن أبلغه مضمون الرسالة السابقة".

وقبل أن يحين الوقت المحدد في مساء هذا اليوم, فإذا برسالة تصل إلى لامبسون من وزارة الخارجية البريطانية، تقر فيها الخطوات التى إتخذها والموافقة بدون حدود على كل ما سوف يتخذه من خطوات يرى أنها ضرورية.

فى إجتماع القصر طلب الملك من النحاس بأن يشكل حكومة إئتلافية، ولكن النحاس رفض هذا الإقتراح موضحاً الأسباب والدوافع لقراره هذا، ولكنه عرض البديل لذلك رغم كل الصعوبات التى تكتنف الموقف بتشكيل حكومته الخاصة (وفدية).

وهنا نجد أنه بينما كانت الإتصالات قائمة بين القصر والسفير البريطانى بخصوص عودة الوفد كانت نفس الإتصالات قائمة بين السفارة البريطانية والنحاس باشا بواسطة أمين عثمان لنفس الهدف مع فارق بسيط وهو أن الإنجليز عرضوا على النحاس تشكيل وزارة وفدية خالصة وأصبح الوفد أمام خيارين إما أن يقبل حكومة قومية وفقاً لرغبة القصر أو يقبل حكومة وفدية لحماً ودماً وفقاً لرغبة الإنجليز وإختار النحاس وجهة النظر البريطانية حيث دفع الوفد ثمناً باهظاً من شعبيته وتاريخه الوطنى الطويل.

وفي مساء الثلاثاء 3 فبراير 1942 عاد أمين عثمان باشا للإتصال بالسفير البريطانى ليبلغه ما جرى في القصر وما قاله النحاس باشا للملك. وقد كان أمين عثمان على إتصال مستمر في تلك الليلة مع السفير البريطانى. وفى تمام الساعة 7 مساء أرسل لامبسون إلى حسنين لكى يحضر إلى دار السفارة وأخبره بأنه قد علم بكل ما جرى مع النحاس في القصر وبأن النحاس رفض تأليف وزارة قومية، وطلب إليه أن يرفع إلى جلالة الملك النصيحة بإنه من المحتم عليه أن يطلب من الملك فاروق أن يستدعى النحاس إلى القصر ويطلب منه تأليف وزارة وفدية، وفى نفس الوقت لا داعى للإنزعاج والإندهاش، إذ أنه سوف يدعو مجلس الدفاع للإجتماع في تمام الساعة 10 من صباح الغد.

وحاول حسنين - كعادته - أن يتملص من الموقف ويراوغ! ولكن لامبسون أوضح له بكل حزم أن الموقف يحتم عليه ذلك، وأن هذا من صميم عمله، وقبل أن يغادر حسنين دار السفارة كرر له لامبسون القول: بأنه يجب أن يخبر الملك فاروق بأن يستدعى النحاس, وأن يكلفه بتشكيل الوزارة.

فرد عليه رئيس الديوان بأن المسألة بين الملك ورؤساء الأحزاب. ثم إتصل أمين عثمان تليفونياً بلامبسون, فأخبره لامبسون بكل ما سبق أن ذكره إلى حسنين. وبعد أن تناول لامبسون طعام العشاء - في وقت متأخر بعض الوقت - وإستراح قليلاً حتى الساعة 12:15 طلبه أمين عثمان تليفونياً مرة أخرى ليسأله عما إذا كان هنا ثمة أخبار جديدة ولكن لامبسون أجابه بأنه لا يوجد جديد في الموقف.

وفي صباح الأربعاء 4 فبراير 1942 إستيقظ لامبسون في الصباح بينما كانت عيناه منتفخة من النوم وبينما كان يفتح عيناه سمع هنرى هوپكنسون من وزارة الحرب البريطانية وهو صديق قديم للامبسون قد وصل ويلح في طلب مقابلته على وجه السرعة، وصعد إلى غرفة نومه ليخبره بأن حسنين طلبه تليفونياً, وطلب من هوبكنسون ضرورة مقابلته على وجه السرعة ليناقش معه الخطة التى سوف ينتهجها لامبسون لمواجهة هذه الأزمة.

فرد عليه لامبسون: إذا كنت قد وافقت على الذهاب إلى مكتب حسنين باشا كما قلت لتتحدث في الأمر فأنا بصراحة لا أوافق على الذهاب إلى حسنين باشا أو أن تراه خاصة بعد أن وصلنا إلى إتفاق تام.

لم يعارض هوبكنسون فالذى يقول هذا الكلام هو الذى يوجه شئون السياسة البريطانية في هذا الجزء من العالم بعد أن يستأذن رؤساءه في لندن. ركب لامبسون وهوبكنسون السيارة لتنطلق بهم إلى مقر إجتماع مجلس دفاع الشرق الأوسط (M.E.W.C.) وفى الطريق إلى مقر المجلس قال لامبسون لهنرى أن هناك وسيلتين لمواجهة مثل هذه الأزمة:

  • الأولى: أن نكون حازمين إلى أبعد حد، وأن نرفض أية حلول وسط لتلك التى يعرضها حسنين باشا، وهذا ما فعلته، وأن نحبط أى محاولة للتملص أو المناورة معنا بأى صورة.
  • الأخرى: أن تلتزم أنت وجميع المسؤلين البريطانيين المعنيين بحيث نتوخى جميعاً أعلى درجات الوضوح والصراحة، ولست مستعداً في الإستمرار في المساومة أو التسويف، وأنى مصمم على خلعه من العرش.

لدرجة أن هنرى هوبكنسون إنزعج حين سماعه هذا القرار، ولكن أعتقد أن هذا أمراً مطلوباً. ويقول لامبسون بصراحة إذا تدخل آخرون من العسكريين أو من وزارة الحرب في مشكلة القصر فسوف أُنـَفِض يدى نهائياً منها.

وحينما وصلوا إلى مقر مكتب وزير الدولة حيث مقر مجلس دفاع الشرق الأوسط في 10 شارع الطلمبات وجدوا الأعضاء الآخرين مجتمعين وقبل أن يبدأ الإجتماع قام لامبسون بإخبار أوليفر ليتليتون: إننى قد إعترضت بشدة على مقابلة هنرى لحسنين, ومناقشته في الأمر. فقال أوليفر أنه يوافق تماماً على وجهة نظر لامبسون وكأن شيئاً لم يكن. أبلغ لامبسون ما دار بينه وما بين هوبكنسون إلى مجلس الحرب وأخذ المجلس بوجهة نظر لامبسون.

ثم إجتمع مجلس دفاع الشرق الأوسط للنظر في جدول الأعمال، وعندما تعرضوا لموضوع الشئون الخارجية، شرح لامبسون إلى المجلس تطور الأحداث الجارية، رغبة منه في إستطلاع وجهات نظرهم في حالة إعطاء فرصة أخرى للنحاس ليقابل الملك، ولقد كانت المناقشة مفيدة للغاية. ووافق الجميع على أن يقوم لامبسون بمقابلة حسنين فوراً فقام لامبسون بتحديد موعد بالتليفون لتلك المقابلة وعندما حضر حسنين أبلغه لامبسون بهذه الرسالة الشفوية وهى:

«مالم أسمع قبل الساعة 6 مساء اليوم بأنه تم تكليف النحاس بتشكيل الحكومة, فإن جلالة الملك عليه أن يتحمل العواقب".

"…Unless I hear by 6 P.M.to day that Nahas has been asked to form Government, His Majesty King Farouk must accept the consequences". »

فـَصًـل لامبسون الخطة التى سيجرى تنفيذها إذا أصر الملك على عدم تشكيل النحاس للوزارة ودارت مناقشات طويلة وحامية حول هذا الموضوع إنتهت بوضع خطة لمحاصرة القصر بالدبابات وإجبار الملك على التنازل إذا لم يذعن وينفذ هذا الإنذار قبل الساعة 6 مساء. وعند هذا الحد من النقاش تم تكليف الجنرال ستون بالتعليمات اللازمة ولكى يعطوا له فسحة كافية من الوقت فقد حددوا الساعة 8 مساء لكى ينزل لامبسون وستون وبعض المراقبين متجهين إلى القصر، وعندئذ يخبروا الملك بأنه يجب أن يقدم تنازله عن العرش. ومن أجل أن نمنع أى اضطرابات أخرى تعوق تنفيذ مهماتهم فقد تم تكليف بعض الحراس بمرافقتهم إلى داخل القصر، وقد ناقشوا كل الإحتمالات والحيل التالية والمتوقع حدوثها، وكانت الخطة واضحة، وهى أنهم سوف يأخذوا الملك معهم بعيداً، سواء تنازل عن العرش أو لم يتنازل، مع ملاحظة أن وثيقة التنازل عن العرش جاهزة مع لامبسون في جيبه. ولقد كان هناك نقاش طويل لإتخاذ الترتيبات اللازمة عما يمكن أن يفعلوه مع الملك، وكان الأدميرال قد إقترح بأن يضعوا الملك في مدمرة حربية كسجن والتحفظ عليه، وهو أنسب مكان له. ولأن هذه مهمة العسكريين فقد ترك لامبسون أمرها لهم.

وبعد أن تم بحث كل الترتيبات العسكرية المحتلمة لمواجهة الموقف رأى لامبسون أن ينصرف بعد أن كلف قائد الشرطة فيتز پاتريك لكى يتخذ إستعدادات الشرطة للتدخل عندما يحدث أى إحتكاك مع الجنرال ستون، كما أرسل لامبسون أيضاً إلى الجنرال بيزلى لكى يتعاون مع الجنرال والتر مونتكون.

الذى أعد وثيقة التنازل التى ينبغى أن يوقعها الملك فاروق متنازلاً عن العرش والتى راجعها لامبسون مراجعة دقيقة حتى لا تحتوى على أية ثغرة كما أن والتر هونكتون هو الذى أعد وثيقة تنازل الملك إدوارد السابع عن عرش بريطانيا لرغبته في الزواج من مسز سمبسون. وعادوا إلى السفارة حيث قام لامبسون بإستدعاء حسنين في الساعة 12:30 بعد الظهر، وكانت المقابلة لفترة قصيرة جداً، وقال فيه لامبسون بأنه ليس لديه الكثير ليضيفه عدا أنه كان يأمل أن يمارس حسنين باشا ضغطه على الملك فاروق بأن السفارة البريطانية هذه المرة تظهر الضوء الأحمر بكل جدية، وبكل التأكيد على طلبها, ورجاه لامبسون أن يحذر الملك فاروق بأنه يتوقع رداً يتضمن معلومات، بأنه قد أستدعى قبل الساعة 6 مساء، وإلا ستحدث أشياء ليست في الحسبان. وكان على لامبسون أن يتأكد تماماً بأن النحاس الذى يصعب دائماً معرفة خط سيره, يكون جاهزاً بعد ظهر هذا اليوم للإستدعاء إلى القصر.

وفى الوقت الذى كان من الصعب فيه على لامبسون أن يعثر على أمين عثمان, تمكن أخيراً من لقائه بدار السفارة في تمام الساعة الواحدة بعد الظهر، وقد أخبره لامبسوه بما قاله لحسنين, وقال لامبسون لأمين عثمان أنه من المهم أن يكون النحاس جاهزاً وأنه من الضرورى جداً أن يقوم النحاس باشا بإبلاغ السفارة البريطانية بمكانه إذا إحتاج الأمر للإتصال وطلب لامبسون من أمين عثمان أن يبلغ النحاس نص الكلمات التى قالها لحسنين، ثم أضاف لامبسون قائلاً: آمل ألا يكون النحاس باشا قد تراجع عن موقفه.[4] وقال أمين عثمان: لن يحدث شيئاً من هذا القبيل، بل أن النحاس يطلب ألا يحدث أى تراجع أو مراوغة في موقفكم أنتم، وقد أكدت للنحاس بأنكم على أهبة الإستعداد لهذا الموقف. وأضاف أمين بقوله: إن مكرم أستدعى إلى القصر. فقال لامبسون: آمل بألا يلجأ مكرم إلى إتخاذ أى موقف ملتو لا نرضاه نحن قبل لحظة الصفر بالنسبة لنا وهى الساعة 6 مساء، وألا يحدث أى لبس في هذا الميعاد المحدد. ولقد غادر أمين دار السفارة على وعد منه بأن يذهب فوراً وعلى وجه السرعة إلى مقابلة النحاس, ويكون على إتصال به حتى الميعاد المحدد بعد الظهر، وهى الساعة 6 مساء. وقبل أن يتناول السفير البريطانى غداءه وصلته المعلومات التالية: "مظاهرات الطلبة في الجامعة، وهم يرددون هتافات معادية للإنجليز: "يعيش روميل.. يحيا فاروق.. ويسقط الإنجليز". وفى مساء هذا اليوم بينما كان القادة البريطانيين جميعاً مشغولين بكثير من التفصيلات لإتخاذ الترتيبات اللازمة تحسباً لما قد يحدث في حالة رفض الملك فاروق تنفيذ الإنذار الذى ينتهى قبل الساعة 6 مساء، وبينما كانت الإتصالات ما تزال جارية، إتصل أمين باشا عثمان بلامبسون ليقول له: المعلومات التى لدى النحاس باشا تقول أن الملك يحزم حقائبه، وأنه تم إستدعاء النحاس إلى القصر مساء اليوم، ولقد سرت إشاعة عن الملك بأنه سوف يقوم بالهروب. ويقول السفير البريطانى أن أنباء أمين باشا أزعجته فتوجه مايلز لامبسون للإجتماع بالقادة العسكريين لإبلاغهم الموقف، وتم الإتفاق على مراقبة مطارات القاهرة ومداخل القاهرة حتى لا يهرب الملك وحتى إذا أفلت وهرب من القصر فإنه سوف يعرض حياته للخطر.

تأسيس رابطة النهضة

أسس في عام 1945 (رابطة النهضة) التي كانت تضم خريجي كلية ڤيكتوريا التي تخرج منها، واتخذ مقرًّا له 24 شارع عدلي بالقاهرة - مكان اغتياله. وكان من أهم أغراض هذه الرابطة توثيق العلاقة بين البريطانيين والمصريين.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اغتياله

السادات أثناء محاكمته في قضية أمين عثمان.

الدوافع

أما أهم الأسباب التى أدت إلى اغتيال أمين عثمان فقد كانت - حسب ما جاء بتحقيقات القضية - أنه رجل عمل لصالح الإنگليز في مصر أكثر مما عمل لمصالح مصر لدى الإنگليز، وهو صاحب التعبير الخاص بزواج إنگلترة من مصر زواجاً كاثوليكيا وزواجا أبدياً مما جعله محل شك كاد يصل أحياناً كثيرة إلى حد اليقين في موالاته للإنگليز وتغليب مصلحة إنگلترة على مصلحة بلاده.[5].

ولعل هذا السبب هو الذى دفع لطفي جمعة إلى أن يسأل الشاهد جلال الدين الحمامصى رئيس تحرير جريدة الزمان عن مقاصد الرابطة التى أنشأها أمين عثمان فقال: إنه كان يرمى من وراء إنشائها إيجاد صلة بين المصريين والإنجليز. فسأله لطفى جمعة: هل كانت هذه المقاصد ترمى إلى خدمة مصر كوطن أو إلى خدمة الإنجليز كدولة مستعمرة ؟ فأجاب الشاهد أن الذى يعلمه عن أمين عثمان أنه لم يكن يرمى إلى خير البلاد. وقد اثير في القضية على لسان الدفاع والشهود العديد من القضايا السياسية أهمها تحرير مصر من الاستعمار البريطانى وحادث 4 فبراير سنة 1942 وأسلوب حزب الوفد في الحكم ومفاوضات معاهدة سنة 1936 وغير ذلك من القضايا السياسية مما كان يشغل الرأى العام في مصر حينذاك. أما هيئة الدفاع من المحامين فقد تناولت في مرافعاتها جميع هذه القضايا السياسية كما حملت على الانجليز والصهيونية وحوادث فلسطين اذ ذاك وبالجملة العوامل العاطفية والوطنية ومعاناة المصريين من الاحتلال الأجنبي.

قرار الاغتيال

بعدها التحق السادات بالتنظيم السري الذي قررت اغتيال "أمين عثمان وزير المالية" في حكومة الوفد ورئيس جمعية الصداقة المصرية البريطانية لتعاطفه الشديد مع الإنجليز واتهامه من قبل بعض الجهات السياسية والجرائد بخيانة مصر. كان حسين توفيق وسعيد شقيقه ومحمد ابراهيم كامل الذي أصبح وزيرا للخارجية بعد ذلك وعلي محمود مراد وأحمد علي كمال حبيشة وكلهم من أولاد الخالات الذين لجأوا إلي خبير عسكري يعلمهم استعمال الأسلحة ووقع اختيارهم علي أنور السادات فقام بتدريبهم في صحراء الماظة علي استعمال المسدسات والبنادق الذي نفذه حسين توفيق وهذا هو حكم محكمة الجنايات عندما برأت أنور السادات من جريمة الاشتراك أو التحريض في مقتل أمين عثمان‏ " وفي مساء يوم الثلاثاء 6 يناير 1944 وأثناء دخول أمين عثمان وزير المالية مقر نادى الرابطة المصرية البريطانية في شارع عدلى باشا تم اغتيال أمين عثمان.


التنفيذ

بدأ التفكير في تنفيذ اغتيال أمين عثمان بانضمام عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب إلى "رابطة النهضة"، التي كان يرأسها أمين عثمان، وكان الغرض من انضمامهما إليها هو رصد تحركات الفريسة، وتزويد أفراد الجمعية السرية بكافة المعلومات التي تتوافر عنه.

وفي مساء السبت الخامس من شهر يناير 1946 ذهب عبد العزيز خميس ومحجوب علي محجوب في الساعة السادسة والنصف إلى نادي رابطة النهضة وظلا فيه (وذلك حسب الرواية التي نشرتها جريدة البلاغ) بينما انتظر حسين توفيق و محمود يحيى مراد أمام باب الرابطة في انتظار قدوم سيارة أمين عثمان، وكان المتفق عليه بين أفراد الجمعية أن محمد أحمد الجوهري عند رؤيته السيارة يعطي حسين توفيق و محمود يحيى مراد إشارة ببطارية لإطلاق الرصاص. وعند وصول السيارة دخل أمين عثمان "العمارة" وكان المصعد الكهربائي معطلاً، فصعد درجات السلم، وما أن تخطى الدرجة الثالثة حتى لاحظ وجود شخص عاري الرأس يتتبعه ويناديه باسمه، فلم يكد يلتفت نحوه حتى أطلق عليه ثلاث طلقات نارية فاضطر إلى الجلوس على السلم واستغاث، وخرج الجاني من باب العمارة، فارًّا في شارع عدلي إلى الجهة الشرقية ثم إلى ميدان إبراهيم باشا فشارع الملكة فريدة وهو يطلق النار من مسدسين - كان يحملهما - على الجماهير التي كانت مهرولة تتعقبه، حتى أفرغ ما فيهما من الرصاص، ثم ألقى نحو من كانوا يتعقبونه قنبلة يدوية، انفجرت في منطقة بأول شارع الملكة فريدة، فتوقفوا عن تعقبه، وتمكن من الفرار من شارع البيدق واختفى بين المارة.

وقد حمل أمين عثمان بعد إصابته إلى مكتب الأستاذين زكي عريبي وميخائيل غالي المحاميين الموجود في الدور الأول من نفس العمارة؛ لإجراء الإسعافات اللازمة، ثم نقل بعد ذلك إلى مستشفى مورو لاستكمال إسعافه.

وعند وصوله المستشفى طلب إبلاغ النحاس باشا بالحادثة، فحضر مسرعًا إلى المستشفى، كما حضر فؤاد سراج الدين، وكبار رجال الوفد، وغيرهم من مختلف الهيئات، كما أوفد السفير البريطاني (لورد كليرن) ياوره الخاص للاستفسار عن صحته، بل اتصل بالمستشفى عدة مرات للاستفسار.

وقد بذل الدكتور عبد الوهاب مورو وفريق الأطباء محاولات كثيرة لإنقاذه؛ ولكن دون جدوى، وقضى نحبه في منتصف الليل، ومثلت جثته للتشريح بواسطة الطبيب الشرعي.

وجاء في نتيجة تقرير الطبيب الشرعي أن الإصابات النارية ناشئة من ثلاث أعيرة نارية ذات السرعة العالية، أطلقت جميعها من الخلف للأمام ويميل من أسفل لأعلى، ومن مسافة تزيد عن متر لخلوها من آثار قرب أو إطلاق، وأن الوفاة ناشئة عن إصابة الرئة اليسرى والأمعاء الغليظة والدقيقة وما ترتب على ذلك من النزيف والصدمة العصبية.

التحقيق

في اليوم التالي نشرت الصحف أخبار الحادث، وأعلنت على لسان وزارة الداخلية عن مكافأة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه لمن يرشد إلى الفاعل أو يدلي بأية معلومات أو بيانات تؤدي للقبض على الجاني. بعد أيام قليلة تقدم شاب يعمل بوزارة الحربية، وقال إن لديه معلومات فقد كان يوم الحادث واقفًا أمام مبنى التليفون العمومي بشارع عدلي ورأى حسين ابن توفيق بك أحمد وكيل وزارة الحربية يجري في الشارع وخلفه المارة يصيحون، وأضاف أنه يعتقد أنه الجاني لأنه كان قادمًا من مكان الحادث وأخذ يجري بسرعة في الشارع وألقى قنبلة على مطارديه، سُئل الشاهد وما هي علاقتك بهذا الشاب وكيف عرفته؟ وكانت إجابته أنه موظف بوزارة الحربية وكثيرًا ما كان يرى هذا الشاب يتردد على مكتب والده وكيل الوزارة. قام رجال البوليس بتفتيش منزل توفيق أحمد في مصر الجديدة وتم العثور على أسلحة وعلى سطح الفيلا آثار ضرب نار.

قُبض على الابن حسين توفيق ووجهت إليه عدة أسئلة مثل:

أين كنت يوم الحادث؟ وكيف قضيت الليل؟ وما هي أسباب وجود هذه الأسلحة؟ وما هي علاقتك بأمين عثمان؟ أجاب حسين توفيق بهدوء إجابات تبعده عن أن يكون الفاعل لكن البوليس أصبح لديه اعتقاد جازم بأنه الفاعل، الأمر الذي لجأ البوليس معه إلى حيلة خبيثة وهي أنهم واجهوا حسين توفيق بأنه القاتل لأمين عثمان واخترعوا له سببًا كاذبًا وهو أن الوزير (أمين عثمان) على علاقة بوالدته، وأراد حسين توفيق أن ينتقم لشرفه فقتله. وكانت هذه الحيلة مجرد أداة للضغط عليه والاعتراف. نجحت الحيلة وانفعل حسين توفيق وأفاض في اعترافات مفصلة ومطولة كيف أنه وطني يحب مصر ويكره الإنجليز وأنه قتل أمين عثمان بيديه جزاءً له على دعوته لحب الإنجليز وأضاف أنه سبق أن قتل في حي المعادي بعض الجنود البريطانيين. لم يكتفِ حسين توفيق بالاعتراف على نفسه بل تحدث عن بقية أعضاء الجمعية وكانوا جميعًا وقتها من الشبان الصغار وما زالوا في مرحلة التعليم باستثناء اليوزباشي أنور السادات، وقبض البوليس على الجميع، وبدأت محاكمتهم وحضر مع المتهمين كبار المحامين في مصر.

كان المحقق الأول في قضية اغتيال أمين عثمان كامل القاويش الذي كان يعتبر كفاءة قانونية يعمل لها المحامون ألف حساب. انعقدت هيئة المحكمة في جلسة سرية واقتصر الحضور على المحامين الذين يترافعون في القضية فقط، وبدأت أسئلة المحامين وإجابة القاويش عنها وفي أثناء الجلسة أخرج أحد المحامين ويُدعى حسن الجداوي خلسة الكاميرا التي كانت لا تفارقه والتقط صورة للقاويش وهو يشهد لكن هذه الصورة لم تحظ بالنشر لمخالفة ذلك لقرار المحكمة بأن الجلسة سرية. ظن البعض أن الأمر اقتصر على ما تم وأن هدف المحامين كان فعلاً هو معرفة شهادة القاويش ومعلوماته لإلقاء مزيد من الضوء على القضية، لكن الأمر كان أبعد من ذلك فقد كان بمثابة كمين له فبعدما أتم شهادته طالب المحامون باستبعاد القاويش من كرسي الاتهام في القضية بعد أن أصبح له شهادة فيها. ونجحت خطة الدفاع في استبعاد كامل القاويش عن المنصة، وخلفه كممثل للاتهام أنور حبيب، وفي أول جلسة انعقدت بعد ذلك وقف ممثل الاتهام الجديد ليقول كلمته فهاجم الإنجليز، وفي اليوم التالي مباشرة لم تبدأ الجلسة في موعدها المقرر بل غابت رغم وجود هيئة المحكمة بكاملها في غرفة المداولة، وعندما بدأت وقائع الجلسة قام النائب العام والوكيل بالاعتذار عما صدر من الأخير في حق الإنجليز، وعندما بدأ النائب العمومي في إطلاق كلمات الاعتذار وأكد بأنها كانت نتيجة لارتجال ممثل النيابة.

ما إن حدث ذلك حتى وقف أنور السادات من خلف القضبان وصاح: "أنا أُشنق ولا أقول هذا الكلام يا سعادة النائب العام". وبين صفوف المتهمين وكلهم كانوا يمثلون معاني الوطنية ومعاداة الإنجليز حدثت ضجة وصياح اضطرت معه المحكمة إلى رفع الجلسة للاستراحة، ثم عادت للانعقاد بدون النائب العام وسارت بعد ذلك الأمور بهدوء إلى أن ظهرت عدة مفاجآت فقد تبين أن حسين توفيق كلما حضر إحدى الجلسات وفي طريق عودته إلى السجن كان يذهب عدة مرات إلى منزله لتناول طعام الغداء، وفي أحد الأيام غافل حارسه اليوزباشي عرفة واختفى وظل مختفيًا عن الأنظار إلى أن حُكم عليه غيابيًا بالسجن عشر سنوات، وتبين أنه هرب إلى سوريا حيث كانت له قضية أخرى بعد فترة قصيرة من إقامته هي محاولة الاعتداء على أديب الشيشكلي رئيس جمهورية سوريا، إذ انتظر موكبه في منحنى وأطلق عليه الرصاص، واتهم ممثل الاتهام السوري مصر بأنها أرسلت حسين توفيق ليقتل رئيس الدولة.

المحاكمة

المتهمون في القضية كان المتهمون في هذه القضية 26 شخصًا، وكانت التهم الموجهة إليهم هي: قتل أمين عثمان، أو المشاركة في هذه الجريمة، أو القيام بجرائم فرعية متعلقة بالجريمة الأساسية. ونذكر هنا أسماء الأشخاص المتهمين في القضية الأساسية:

الرئيس السادات
  1. حسين توفيق أحمد.
  2. محمود يحيى مراد.
  3. محمود محمد الجوهري.
  4. عمر حسين أبو علي.
  5. السيد عبد العزيز خميس.
  6. محجوب علي محجوب.
  7. محمد أنور السادات.
  8. محمد إبراهيم كامل.
  9. سعد الدين كامل.
  10. نجيب حسين فخري.
  11. محمد محمود كريم.

اتهم الأول (حسين توفيق أحمد) بقتل أمين عثمان (في مساء 5 يناير سنة 1946 بدائرة قسم عابدين محافظة القاهرة) عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، واتهم الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس (محمود يحيى مراد، ومحمود أحمد الجوهري، وعمر حسين أبو علي، والسيد عبد العزيز خميس، ومحجوب علي محجوب) بالاشتراك مع المتهم الأول (حسين توفيق أحمد) في ارتكاب الجريمة بطريقي الاتفاق والمساعدة، كما اتهم السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر (محمد أنور السادات، ومحمد إبراهيم كامل، وسعد الدين كامل، ونجيب حسين فخري، ومحمد محمود كريم) بالاشتراك مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمة بطريق الاتفاق، كما اتهموا جميعًا بجرائم فرعية تعلقت بالجريمة الأساسية.

ومن أحداث هذه القضية التى سجلها لطفي جمعة ما كتبه في مذكراته يوم 16 إبريل سنة 1947 عن امتناع المتهمين عن دخول القفص بقاعة الجلسة قال:

Cquote2.png حضر المتهمون ورفضوا دخول القفص وقد أزال الموظفون الجزء الأعلى منه الذى كان جعله كقفص جوارح الطير في حديقة الحيوان، أما هذه المرة فقد جعلوا القفص من الحديد بحيث لا يمكن للأولاد أن يروا الوجوه بوضوح ولا يراهم أحد كذلك ولا يمكن الاتصال بهم بالأيدى ليتناولوا قدح ماء أو فنجان قهوة أو زجاجة ليموناده أو علبة سجائر أو لقمة يتبلغون بها، وهذا لون من الاضطهاد مع أن المتهم بالقتـل واحد، ثم إن نصف المتهمين مفرج عنهم، فدنوت منهم وسمعت أقوالهم فقالوا: نحن لا نصعد أبداً إلى هذا القفص. وفهمت من كلام رجـال البوليس وهم في هذه المرة قوة عظيمة العدد، فقصدت إلى كبيرهم وهو بكباشى وقلت له: أحذرك يا حضرة الضابط العظيم من استعمال القوة لإرغام هؤلاء الشبان على دخول القفص . فقال لى: صدرت أوامر بذلك ولكننى لا أفعل وإنما رئيس المحكمة أبى أن يدخل الجلسة إلا إذا دخلوا القفص.

فوكلنى الأولاد في أن أقابله وأعرض عليه ظلامتهـم فقبلت، واستوقفنى الضابط العظيم وقال لى : هل عندك نسخة من كتاب ليالى الروح الحائر فقد قرأته وأنا في التعليم الثانوى وأنا الآن في الخامسة والخمسين من عمرى ولم أنسه، قلت له باسماً: ولكنه لم يمنعـك من خدمة البوليس ؟! فقال لى: العيش يا أستاذ ... أنا ثائر ولكننى خاضع !!

Cquote1.png

—مذكرات محمد لطفي جمعة، محمد لطفي جمعة

حكم المحكمة

صورة من داخل المحاكمة


حكمت المحكمة حضوريًّا:

  1. بمعاقبة المتهم الأول "حسين توفيق أحمد" بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات.
  2. بمعاقبة المتهمين (محمود يحيى مراد، ومحمود محمد الجوهري، وعمر حسين أبو علي، والسيد عبد العزيز خميس) بالسجن لمدة خمس سنين.
  3. بمعاقبة محجوب علي محجوب بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
  4. بمعاقبة المتهم محمد محمود كريم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين عن تهمة الاتفاق الجنائي، وببراءته من تهمة الاشتراك في قتل أمين عثمان.
  5. براءة كل من (محمد أنور السادات، ومحمد إبراهيم كامل، وسعد الدين كامل، ونجيب حسين فخري).

وقد وجدت بيانات في نهاية الحكم - من المقطوع به أنها أضيفت في تاريخ لاحق - تفيد صدور أمر ملكي بالعفو عن المتهمين الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والحادي عشر.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السادات في الحبس

أنور السادات في قفص الاتهام

وعلى أثر اغتيال أمين عثمان تمت محاكمة الرئيس الراحل محمد انور السادات في محكمة جنوب القاهرة عندما ورد اسمه ضمن أفراد المجموعة التي اغتالت أمين عثمان باشا حيث كان متهما رئيسياً في القضية.

حضر جلسة محاكمة أنور السادات كثير من المحامين ذوى الخبرة في ذلك الوقت، واكتسبت المحاكمة تعاطفاً شعبياً لأن أغلب المتهمين في القضية كانوا من الشباب، وخلال المحاكمة تصدى أنور السادات لمرافعة النائب العام بالشعارات الوطنية التي رددها.

وعاد السادات مرة أخرى إلى السجن، ليقضي في السجن سنتين ونصف السنة منها عام ونصف العام حبسا انفراديا في الزنزانة ‏54‏ قبل ان يحكم ببراءته‏ وسقوط التهمة لعدم ثبوت الأدلة.

وأثناء فترة حبسه هذه بدأ السادات يمارس كتابة الأدب الساخر، ويروي السادات في كتابه‏30‏ شهرا في السجن كيف اصدر مع بعض رفاقه صحيفة ساخرة بعنوان "الهنكرة والمنكرة" كما قام بعمل اذاعة داخل السجن وقدم بنفسه فقرتين وكان يكتب في لوحة اعلانات السجن برنامج اليوم.

العفو الرئاسي

حسين توفيق أحمد هرب بعد الجريمة مباشرة، أثناء ترحيله للقصر العيني. وبعد ذلك سافر إلى سوريا، التي كانت تعيش في شبه حماية أمريكية، بفترة الانقلابات.

أثارت قضية اغتيال أمين عثمان جدلاً واسعًا حولها، وترددت أقوال تفيد بأن السراي باركت هذا الحادث والدليل على ذلك أنها أنعمت على والد حسين توفيق برتبة الباشوية، كما قامت السراي بتوكيل زهير جرانة للدفاع عن السادات والذي دفع له أتعابه الدكتور يوسف رشاد طبيب الملك الخاص، بالإضافة إلى ذلك فقد كان هروب حسين توفيق وراءه السراي.

وبعد ثورة يوليو، صدر في سبتمبر 1952، عفو شامل عن كل الجرائم السياسية، وعلى إثرها عاد حسين توفيق أحمد إلى مصر.

اغتيال أمين عثمان في الثقافة الشعبية

المصادر

  1. ^ مصر: اغتيال حسن البنا والسادات فتح الباب للعنف الأصولي، جريدة الشرق الأوسط، 1 أبريل 2005
  2. ^ سعد الدين الشاذلي - الجزء الأول على يوتيوب- شاهد على العصر - يوتيوب قناة الجزيرة - البث ٢٠-٧-٢٠٠٩ - الولوج ٢٠-١٢-٢٠١١
  3. ^ مذكرات محمد لطفي جمعة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - سلسلة تاريخ المصريين - الجزء الأول 147,148,149 ISBN 977-01-6651-0
  4. ^ أشرف السيد الشربيني. "حصار قصر عابدين، حادث 4 فبراير 1942". التاريخ. Retrieved 2010-12-17.
  5. ^ مذكرات محمد لطفي جمعة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - سلسلة تاريخ المصريين - الجزء الأول 147,148,149 ISBN 977-01-6651-0

المراجع

  • "اغتيال أمين عثمان" – دراسة لمجموعة باحثين (إشراف: د. نبيل عبد الحميد سيد أحمد، د. يواقيم رزق مرقص).
  • مذكرات اللورد كيلرن، اللورد كيلرن، عبد الرؤوف أحمد عمر
  • الهيئة العامة المصرية للكتاب، مذكراتى في السجن، صبرى أبو المجد
  • الهيئة العامة المصرية للكتاب، في أعقاب الثورة المصرية، عبد الرحمن الرافعى
  • دار المعارف، كنت رئيساً لمصر، محمد نجيب
  • المكتب المصرى الحديث، هجوم على القصر الملكى، محمد صابر عرب

وصلات خارجية