سورة الفجر

سورة 89
الفجر
Al-Fajr
The Dawn
التنزيلمكية
أسماء أخرىDaybreak
عدد الآيات30
عدد الكلمات139
عدد الحروف584
I. Fajr, II. Dhuhr, III. Asr, IV. Maghrib, V. Isha'a[1][مرجع دائرة مفرغة]
سورة الفجر.jpg
Daybreak
The ruins of the Ubarite oasis and its collapsed well-spring


سورة الفجر هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 30، وترتيبها في المصحف 89، في الجزء الثلاثين، بدأت بأسلوب قسم Ra bracket.png وَالْفَجْرِ Aya-1.png La bracket.png، نزلت بعد سورة الليل.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موضوع السورة

هذه السورة في عمومها حلقة من حلقات هذا الجزء في الهتاف بالقلب البشري إلى الإيمان والتقوى واليقظة والتدبر.. ولكنها تتضمن ألواناً شتى من الجولات والإيقاعات والظلال. ألواناً متنوعة تؤلف من تقرقها وتناسقها لحناً واحداً متعدد النغمات موحد الإيقاع !

في بعض مشاهدها جمال هادئ رقيق ندي السمات والإيقاعات، بمشاهده الكونية الرقيقة، ويظل العبادة والصلاة في ثنايا تلك المشاهد.. (والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر.)

في بعض مشاهدها شد وقصف. سواء مناظرها أو موسيقاها كهذا المشهد العنيف المخيف (كلا إذا دكت الأرض دكاً دكا وجاء ربك والملك صفاً صفا. وجيء يومئذ بجهنم. يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول: ياليتنى قدمت لحياتي. فيومئذ لايعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد.

وفي بعض مشاهدها نداوة ورقة ورضي وطمأنينة. تتناسق فيها المناظر والأنعام، كهذا الختام (يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)

وفي السورة إشارات سريعة لمصارع الغابرين المتجبرين: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد. فصب عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد...)

وفي السورة بيان لتصورات الإنسان الإيمانية وقيمة غير الإيمانية. وهي ذات لون خاص في السورة تعبيراً وإيقاعاً: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول: ربي أكرمن. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول: ربي أهانن ..) والرد على هذه التصورات ببيان حقيقة حالهم وهي تشمل لونين من ألوان العبارة والتنغيم: (كلا بل لاتكرمون اليتيم. ولا تحاضون على طعام المسكين. وتأكلون التراث أكلاً لما، وتحبون المال حباً جماً) ويلاحظ أن هذا اللون الأخير هو قنطرة بين تقرير حالهم وما ينتظرهم في مآلهم فقد جاء بعده: (كلا إذا دكت الأرض دكاً دكا ...الخ).. فهو وسط بين التقرير الأول والتهديد الأخير!

ومن هذا الاستعراض السريع تبدو الألوان المتعددة في مشاهد السورة .. وإيقاعها في تعبيرها وفي تنغيمها... كما يبدو تعدد الفواصل وتغير حروف القوافي. بحسب تنوع المعاني والمشاهد. فالسورة من هذا الجانب نموذج واف فهذا الأفق من التناسق الجمالي في التعبير القرآني. فوق مافيها عموماً من جمال ملحوظ مآنوس!


التفسير

ذهب أكثر المفسرين على أن المقصود بالليالي العشر عشر ذي الحجة الأول، قال القرطبي: «"وليال عشر" أي ليال عشر ذي الحجة وكذا قال مجاهد والسدي والكلبي، وقاله ابن عباس.»  

وقال الطبري: «والصواب من القول في ذلك عندنا أنها عشر الأضحي لإجماع الحجة من أهل التأويل.»

وقال الشوكاني: «وليال عشر هي عشر ذي الحجة في قول جمهور المفسرين.»[3]

تدبر

" والفجر " أقسم الله سبحانه بوقت الفجر.

" وليال عشر " والليالي العشر الأول من ذي الحجة وما شرفت به.

" والشفع والوتر " وبكل شفع وفرد.

" والليل إذا يسري " وبالليل إذا يسري بظلامه.

" هل في ذلك قسم لذي حجر " أليس في الأقسام المذكورة مقنع لذي عقل؟

" ألم تر كيف فعل ربك بعاد " ألم تر- يا محمد- كيف فعل ربك بقوم عاد.

" إرم ذات العماد " قبيلة إرم ذات القوة والأبنية المرفوعة على الأعمدة.

" التي لم يخلق مثلها في البلاد " التي لم تخلق مثلها في البلاد في عظم الأجاد وقوة البأس.

" وثمود الذين جابوا الصخر بالوادي " وكيف فعل بثمود قوم صالع الذين قطعوا الصخر بالوادي واتخذوا منه بيوتا.

" وفرعون ذي الأوتاد " وفرعون ملك " مصر " , صاحب الجنود الذين ثبتوا ملكه, وقووا له أمره.

" الذين طغوا في البلاد " هؤلاء الذين استبدلوا وظلموا في بلاد الله.

" فأكثروا فيها الفساد " فأكثروا فيها بظلمهم الفساد.

" فصب عليهم ربك سوط عذاب " فصب عليهم ربك عذابا شديدا.

" إن ربك لبالمرصاد " إن ربك- يا محمد- لبالمرصاد لمن يعصيه, يمهله قليلا, ثم يأخذه أخذ عزيز.

" فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمني " فأما الإنسان إذا ما اختبره ربه بالنعمة وبسط له رزقه وجعله في أطيب عش فيظن أن ذلك لكرامته عند ربه فيقول: ربي أكرمن.

" وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني " وأما إذا ما اختبره فضيق عليه رزقه فيظن أن ذلك لهوانه على الله فيقول: ربي أهانن.

" كلا بل لا تكرمون اليتيم " ليس الأمر كما يظن هذا الإنسان بل الإكرام بطاعة الله, والإهانة بمعصيته وأنتم لا تكرمون اليتيم ولا تحسنون معاملته.

" ولا تحاضون على طعام المسكين " ولا يحث بعضكم بعضا على إطعام المسكين.

" وتأكلون التراث أكلا لما " وتأكلون حقوق الأخرين في الميراث أكلا شديدا.

" وتحبون المال حبا جما " وتحبون المال حبا مفرطا.

" كلا إذا دكت الأرض دكا دكا " ما هكذا ينبغي أن يكون حالكم. فإذا زلزلت الأرض وكسر بعضها بعضا.

" وجاء ربك والملك صفا صفا " وجاء ربك لفصل القضاء بين خلقه والملائكة صفوفا صفوفا.

" وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى " وجيء في ذلك العظيم العظيم بجهنم يومئذ يتعظ الكافر ويتوب ومن أين له الاتعاظ والتوبة وقد فرط فيهما في الدنيا وفات أوانهما؟

" يقول يا ليتني قدمت لحياتي " يقول: يا ليتني قدمت في الدنيا من الأعمال ما ينفعني لحياتي في الآخرة.

" فيومئذ لا يعذب عذابه أحد " ففي ذلك اليوم العصيب لا يستطيع أحد ولا يقدر أن يعذب مثل تعذيب الله من عصاه.

" ولا يوثق وثاقه أحد " ولا يستطيع أحد أن يوثق مثل وثاق الله ولا يبلغ أحد مبلغه في ذلك.

" يا أيتها النفس المطمئنة " يا أيتها النفس المطمئنة إلى ذكر الله والإيمان به وبما أعده من النعيم للمؤمنين.

" ارجعي إلى ربك راضية مرضية " ارجعي إلى ربك وجواره راضية بإكرام الله لك والله سبحانه قد رضي عنك.

" فادخلي في عبادي " فادخلي في عداد الصالحين من عبادي.

" وادخلي جنتي " وادخلي معهم جنتي.[4]

تفسير الآيات

قوله تعالى وَالْفَجْرِ الفجرُ معروفٌ، وهو الصبحُ، وقد أقسم الله به في قوله وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ والليالي العشر هي عَشْر ذي الحجة، أقسم الله بها لفضيلتها ومكانتها الخاصة، التي بينها النبي في قوله «ما مِن أيامٍ العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله تعالى من هذه العشر» يعني عشر ذي الحجة قالوا «ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله ؟» قال «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» والشفع هو الزَّوْجُ، والوتر هو الفرد، وقد ذكر المفسرون في المراد بها أقاويل كثيرة وأرجحها، أنه يجبُ إبقاءُ اللفظ على عمومه، لأنّ الله تعالى لم يخصّ شفعًا دون شفعٍ، ولا وترًا دون وتر، فكل شفعٍ فهو داخلٌ في عموم هذا القسم، وكذلك كل وترٍ.

وقوله تعالى وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ أي يذهب بظلامه، كما قال وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ، فمتى جاء الفجر ذهب الليلُ.

وقوله تعالى هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الحِجر هو العقل، وسُمّي العقلُ حِجْرًا لأنه يحجر صاحبه أي يمنعُه من الفواحش، يقال حجر الحاكمُ على فلانٍ، إذا منعه من التصرّف في ممتلكاته لِدينٍ أو غيره وهذا السؤال بعد ذلك القَسم كقولك لإنسان قد وضحْتَ له مسألة، فأتيتَ عليها بكلّ برهانٍ، ثم قلت له أتكفيك هذه البراهينُ؟ وأنت لا تريدُ بسؤالكَ هذا إلا إلزامه، تعني أنّه ليس بعد هذا البيان بيانٌ، ولا بعدَ هذه البراهين برهانٌ، وهذا كقوله تعالى وقد أَقسم بمواقع النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ وجوابُ القسم محذوف يفسره ما بعده.


ثم لفت الله تعالى الأنظارَ إلى مصارع الغابرين، تحذيرًا للمكذبين أن يحيق بهم ما حاق بالأولين، ووجه الخطاب إلى الرسول تثبيتًا لقلبه، وربطًا على فؤاده، حتى يعلم أنّ العاقبة له كما كانت لإخوانه المرسلين، قال تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ إرم بدلٌ من عاد وكان القومُ ذوي أجسامٍ طويلة، حتى قيل كان طولُ الرجلِ اثنى عشر ذراعًا، وعليه فلا بد أن تكون البيوتُ عاليةً، مما يستلزم طول العماد، وقد كانوا أُولي قوة وأولي بأسٍ شديد، ولذا قال تعالى الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ، وذكَّرهم هود عليه السلام بهذه النعمة فقال وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً «الأعراف »، ولكنّ القومَ اغتروا بقوتهم فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً «فصلت »، ولم يذكر اللهُ تعالى هنا ما فعل بهم، ولكنّه ذكره في مواضع كثيرة، منها قولُه تعالى وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيةٍ «الحاقة».


وقوله تعالى وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ أي قطعوا الصّخر واتخذوا البيوت، يُقال جاب فلانٌ البلاد، أي قطعها، ولقد ذكرهم نبيهم صالحٌ بهذه النعمة، فقال وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا «الأعراف »، ولكنّ القوم كذبوا رسولهم وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ «الأعراف ، »، وقوله تعالى وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ ، قال بعضُ العلماء المرادُ بالأوتادِ الجنودُ، الذي يثبتون الملك، كما تُثبِّتُ الخيمةَ الأوتادُ، وقال بعضهم إنّ فرعون كان إذا عذّب أحدًا مَدَّ له أربعة أوتاد، وجعل كل طرفٍ من أطرافه في وتد، وأمر زبانيته أن يرموه بالصخر والحجارة حتى يموت، وقال بعضهم المراد بالأوتاد الأهرامات، لأنها تشبه الأوتاد، وهذا القولُ هو الراجح لمناسبة الآية لما قبلها، إذا فسرناها به، فمنطقة الأهرامات ليس فيها من صخورها شيء، ومعناه أنهم أتوا بهذه الصخور من مسافات، وركّبوها فوق بعضها، حتى كانت على ما هي عليه، وفي ذلك إشارةٌ إلى قوتهم أيضًا، كما أشارٌ إلى قوة ثمود بقوله وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ.


وقد كذّب فرعونُ المرسلين، قال تعالى فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ «الذاريات »، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ «يونس »، وقوله تعالى الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ الطّغيانُ هو مجاوزة الحدَّ، والطغاة يفسدون في الأرض ولا يُصلحون، ولذا قال تعالى فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ يفسّره قوله تعالى فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا «العنكبوت »، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ «هود »، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ «الحشر »، أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولاَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ «القمر ».


إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ «إبراهيم»، وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ نسأل الله السلامة.

كثيرٌ من الناس يربطون سعة الرزق برضا الله، فإذا رأوا رجلاً قد وسّع اللَّـهُ عليه قالوا رَضِيَ الله عنه فوسّع عليه، وإذا رأوا آخر قد قُدِرَ عليه رزقه قالوا سَخِطَ الله فأهانه، والإنسانُ نفسه يعتقد ما يعتقده الناسُ فيه، فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ ليس الأمرُ كما قال، فإنّ الله يوسّع على من يُحِبّ ومن لا يحب، ويقدر لمن يحب ومن لا يحب، وربما وسع على من لا يحب، وقدر لمن يحب، لقد كان الرسول وهو خليلُ الله يربط الحجر على بطنه من الجوع وكان يمرّ الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلةٍ في شهرين، وما يُوقد في بيت رسول الله نار «متفق عليه» فليست هناك علاقةٌ بين سعة الرزق ومحبة الله، ولا بين ضيق الرزق وسخط الله، بل الله يبتلي عباده بما يشاء، يبتلي هذا بالسعة لينظر أيشكر أم يكفر، ويبتلي هذا بالضيق لينظر أيصبر أم يكفر، والسعيد من إذا وُسع عليه شكر، وإذا قدر عليه صبر، ولا يكون كذلك إلا مؤمن، ولذا قال «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» «رواه مسلم».


ولما أشار الله تعالى إلى قبيح قول الإنسان أشار إلى قبيح فعله، فقال بَلْ لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ، وهذه أفعال المكذبين بيوم الدين، الكافرين بالله رب العالمين، كما قال تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ «الماعون »، وقال تعالى خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ الْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ «الحاقة».


وقوله تعالى وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا المرادُ بالتراث الميراثُ، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان، حتى جاء الإسلام فقال لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا «النساء »، وقال وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّـهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ يعني الذين لا تؤتونهم ما كُتِبَ لهم، فأعطى الإسلام المرأة حقها والصغير حقه، وإن الإنسان ليحزن حين يرى المسلمين يفعلون فِعْلَ الجاهلية، يأكلون التراث أكلاً لمّا، ولا يُؤتون كل ذي حق حقه، فإنا لله وإنا إليه راجعون فيا إخوة الإسلام احذروا أن تأكلوا التراث أكلاً لمّا، أيها الوالد احذر أَنْ تكتب لزوجة دون زوجة، احذر أن تكتب لأبناء واحدةٍ دون أبناء الأخرى، احذر أن تكتب للذكور دون الإناث، واحذر أَنْ تعطي ولدًا دون الآخر أيها الإخوة احذروا أن تَحْرِموا أخواتكم، فإنّ النساء من المستضعفين، وقد كان يقول «اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة» «ابن ماجه».


أَعْطُوا كل ذي حق حقّه، واتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في نسائكم، واتقوا الله في بناتكم، واتقوا الله في أخواتكم، و«اتقوا الظلم فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة» واتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب قال «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين» فكيف حال من ظلم دونماتٍ أو فدادين ؟ كيف يطيق حملها يوم القيامة وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى «فاطر »، وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا اتقوا الله عباد الله، فإن الله سبحانه ختم آيات المواريث بوعدٍ عظيم ووعيد شديد، فقال سبحانه بعد أن أعطى كل ذي حق حقه تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ.

وقوله تعالى وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا أي كثيرًا، وهذه فطرةُ الإنسان، كما قال تعالى إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ «العاديات »، والخير هو المال، كما قال تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ «البقرة » أي إنْ ترك مالاً كثيرًا، وهذا الحبّ الفطري لا يُذم إلا إذا حَمَلَ على كسب المال من الحرام، والبخل بما وجب فيه من حقّ، أما إذا كان الإنسانُ محبًا للمال يجمعه من حلال بطرق الكسب المشروعة، ويؤدي الحق الذي عليه فيه، فإنه لا يُذم حينئذ، وقد كان النبي يقول «لا بأس بالغنى لمن اتقى» «رواه ابن ماجه».

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مرئيات

سورة الفجر بصوت ماهر المعيقلي.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ Salat
  2. ^ المصحف الإلكتروني، سورة الفجر، التعريف بالسورة Archived 2019-01-23 at the Wayback Machine
  3. ^ "تفسير قوله تعالى وليال عشر - إسلام ويب - مركز الفتوى".
  4. ^ "سورة الفجر - تفسير السعدي".

وصلات خارجية