با كن رع نف

(تم التحويل من بوخوريس)

با كن رع نف Bakenranef (ويـُعرف أيضاً بالصيغة اليونانية لاسمه، بوخوريس Bocchoris) كان ملكاً في الأسرة المصرية الرابعة والعشرين. وقد حكم مصر السفلى من ح. 725 حتى 720 ق.م. بينما يعتبره مانيتو الحاكم الوحيد في الأسرة الرابعة والعشرين (الشظايا 64، 65)، يضم الباحثون الجدد والده تف ناخت إلى تلك الأسرة. وكذلك بينما ينقل سكستوس يوليوس أفريكانوس عن مانيتو أن با كن رع نف حكم لست سنوات، فإن بعض الباحثين الجدد يختلفون مرة أخرى فيقصـِّرون فترة حكمه إلى خمس سنوات بناءً على أدلة من نصب تذكاري لدفن العجل أپيس. فالنصب يثبت أن حكم با كن رع نف انتهى فقط عند بداية سنة حكمه السادسة، التي حسب التأريخ المصري تعني أنه حكم خمس سنوات كاملة.

مانيتو هو مصدر حدثين من عهد با كن رع نف. الأول هو قصة أن حـَمـَلاً نطق بنبوءة أن مصر سيهزمها الآشوريون، وهي القصة التي سيكررها لاحقاً كتاب كلاسيكيون أمثال كلوديوس إيليانوس (في طبائع الحيوان De Natura Animalis 12.3). الحدث الثاني كان أن باكن رع نف قد ألقى القبض عليه شباكا، ملك الأسرة الخامسة والعشرين، ثم أعدمه بحرقه حياً.

ثم يكتب ديودورس سيكولوس، بعد ذلك بثلاثة قرون من مانيتو، مضيفاً بعض التفاضيل المختلفة. إذ يذكر أنه بالرغم من أن باكن رع نف كان ضئيل البنية و"هيئته تبعث على الإزدراء"، إلا أنه كان أكثر ملوك مصر حكمةً (1.65). فينسب إليه المصريون قانوناً يتعلق بالعقود، يقضي ببطلان مديونية إذا لم تـُرفـَق بكفالة موقـَّعة، وقد ظل هذا القانون سارياً حتى وقت ديودورس (1.79). لهذا الفعل ولأفعال غيره، اعتبر ديودورس أن باكن رع نف هو الرابع من أهم ستة مشرعين في مصر القديمة.[1]

ذكر المؤرخ الروماني تاكيتوس أن العديد من الكتاب ظنوا أن للفرعون "با كن رع نف" أس في أصول اليهود:

إلا أن معظم الكتاب يتفقون في ذِكر قصة أن مرضاً، يشوه الجسد بشكل مخيف، انتشر في أرجاء مصر؛ لحد أن الملك بوخوريس، طلباً لعلاج، استشار عرافة هامون، وكانت النصيحة التي حصل عليها هي أن ينظف مملكته وأن يطرد إلى أرض أجنبية هذا العِرق الذي تغضب عليه الآلهة. الناس الذين تم جمعهم بعد لأي، وجدوا أنفسهم متروكين في وادٍ غير ذي زرع، فجلسوا مذهولين من الحزن، حتى قام واحد من المبعدين، اسمه موسى، ناهياً إياهم عن البحث عن نجدة من إله أو من البشر، إذ أنهم مرفوضون من كليهما وأن يعتمدوا على أنفسهم، وأن يعِدوا زعيمهم المرسل من السماء أن يتوقفوا عن الحزن والتيه بمجرد ظهور من سيخلصهم من شقائهم آنئذ. فوافقوا، وبجهالة شديدة بدأوا في التقدم عشوائياً. أشد ما آلمهم كان نقص المياه، وتساقطوا استعداداً للموت في كل الاتجاهات في السهل، عندما رأوا سرباً من الحمير الوحشية عائداً من مرعاه إلى صخرة تظللها أيكة. مويسس تعقب السرب، على هدىً من منظر بقعة معشوشبة، فوجد نبعاً نضاحة بالماء. فكانت النجدة لهم. وبعد رحلة مستمرة لمدة ستة أيام، وجدوا أنفسهم في اليوم السابع في بلد، فطردوا أهله منه، وفيه بنوا مدينة ومعبد (التواريخ Histories, الكتاب 5، الفقرة 3).

بالرغم من الأهمية الضمنية التي يوعزها هؤلاء الكتاب، فإن قليل من السجلات المعاصرة لباكن رع نف قد وصلتنا. النقش الرئيسي من حكمه يتعلق بوفاة ودفن عجل أپيس أثناء السنين 5 و 6 من حكمه؛ والبقية هي بعض النـُصـُب التي اكتشفها أوگوست مارييت أثناء استكشافه السراپيوم في سقارة. وقد قام شباكا بالإطاحة بباكن رع نف وإعدامه بالحرق حياً على الأعواد ودفن العجل في سنة حكمه الثانية (720 ق.م.) بينما كان يقوم بحملات في مصر السفلى. هذا الإنقلاب أنهى الأسرة 24 قصيرة العمر والتي كانت منافساً هاماً للأسرة 25 النوبية في مصر العليا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قوانين بكخوريس

من أكثر الأقوال عن هذا الفرعون تلخيصا لسنوات حكمه قول المؤرخ مانيتون : كان بوكخوريس الملك الوحيد من الأسرة الرابعة والعشرين الذى خلد اسمه وهو وإن ظهر ضعيفا في صراعه ضد الآشوريين الذين بدأوا يفدون على البلاد تجارا في البداية ثم غزاة في النهاية حيث قام بدفع الجزية كاملة لهم الا أنه على الجانب الآخر ظهر مصلحا قويا داخل البلاد.

اهتم هذا الملك بالاصلاحات التى عادت بالبلاد الى سيرتها الأولى وسابق عصرها الذهبي حيث المبادىء الفردية والمساواة الاجتماعية وقد وجه ضربة قاصمة إلى الاقطاع في شكليه المدني والديني وحارب الارستقراطية الدينية وقضى على امتيازات رجال الدين التى اكتسبوها خلال العصر الآموني وفي عصره سادت النزعة الفردية وحلت محل الاقطاع.

و لم يكن قانون بكخوريس أول القوانين التى دونت في مصر الفرعونية بل عرفت مصر قبلها الكثير من المدونات القانونية والكثير من الملوك المشرعين بداية من عصر الاله تحوت اله التشريع عام 4241 ق.م. وقد كان ذلك القانون ذا طابع دينى حيث أنه صدر مباشرة من الاله تحوت وجاء الملك مينا الذى وحد البلاد سياسياً ودينياً وأيضا تشريعياً وقانونياً حيث أمر بتطبيق قانون تحوت على كل المملكة المتحدة. المصدر الوحيد لقانون بكخوريس هو موسوعة مكتبة التاريخ لديودورس الصقلي، المجلد الأول: المصريون القدماء، الباب السادس، الفقرات 14 - 19.[2]

وقانون بكخوريس ظل معمولا به أثناء حكم البطالمة وبعض من حكم الرومان حتى عام 212 بعد الميلاد عندما أصدر الامبراطور الرومانى كراكلا دستوره المعروف الذى منح الجنسية الرومانية لكافة الأجانب عدا الأجانب المستسلمة. وقد تأثر قانون بوكخوريس تأثرا كبيرا بقوانين حمورابى بحكم تحالف بكخوريس مع البابليين والآشوريين فنقل بعض الأحكام العادلة والمتطورة.

وقانون بوكخوريس ظل يطبق على المصريين خلال كل العصر الاغريقي وبعض من العصر الروماني وذلك إعمالا لمبدأ شخصية القوانين حيث كان المجتمع الواحد يعرف أكثر من قانون يطبق كل منها على أشخاصه فقط بصرف النظر عن مكان اقامته و مع ذلك فقد أثبت قانون بوكخوريس مكانته المتميزة و تفوقه في الفكر القانونى للعالم القديم. و نقل الينا هيرودوت و كذلك المؤرخ ديودور الصقلى أن المشرع اليونانى الأشهر صولون كان قد زار مصر عام 595 ق.م. واطلع على قوانين بكخوريس قبل أن يضع هو قوانينه الشهيرة و كذلك يذهب بعض المؤرخين الى أن واضعى قانون الألواح الاثنا عشر – أول القوانين المدونة في روما القديمة – أشاروا الى اطلاعهم على قوانين بكخوريس و اعتناق كثير من أحكامه و كانوا يشيدون به علانية في الساحات الكبرى حيث تذاع القوانين لاعلام الكافة بها قبل دخولها حيز النفاذ.

وفي الأسرة الخامسة والعشرين حاول الملك أمازيس الثاني تقليد قانون بوكخوريس و أصدر هو أيضا قانونا باسمه و لكن ما أن قضى عهد حكمه حتى عادت البلاد الى قوانين بوكخوريس من جديد و اندثر قانون أمازيس.


خصائص قوانين بوكخوريس ( 718 – 712 ق.م.)

صورة عن قوانين بوخوريس، أحد أكثر الفراعنة غموضاً وإثارة للجدل في القدم. وهذه اللوحة موجودة في المتحف الوطني للتاريخ في بوخارست.
غلاف كتاب "إصلاح بوخوريس"، تأليف: أخيم پوپسكو، الصادر باللغة الرومانية، كـُتب سنة 1978، ونـُشر بعد وفاة المؤلف عام 2008.

على الرغم من قصر المدة التى حكم فيها هذا الفرعون مصر الا أنه

  • قد وجه ضربة قاصمة الى رجال الدين بالغاء امتيازاتهم كجزء من الغاء كثير من امتيازات الطبقات الأخرى و عاد بالبلاد الى سيادة النزعة الفردية وتحولت المساواة الى مبدأ يطبق على كل المراكز القانونية عامة كانت أو خاصة.
  • وهذا القانون سماه البطالمة من حكام مصر فيما بعد قانون العقود نظرا لاحتوائه على قواعد القانون المدني وأيضا قواعد الأحوال الشخصية.
  • تحرر القانون بالكامل من الطابع الديني للقوانين السابقة عليه طوال العصر الأموني وجاء خلواً من أي حكم ديني.
  • تحرر القانون من الشكليات والاجراءات المعقدة القديمة وجعل من الكتابة وحدها الوسيلة الفعالة في مجال الاثبات.
  • أعلى القانون من شأن الارادة في التصرفات القانونية و سادت بسبب ذلك قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
  • كان شديد المحاربة لفكرة الديون و آثارها السيئة على المجتمع و هو في ذلك كان أسبق من غيره من القوانين.

فقد كان الدين في الماضى سببا مباشرا من أسباب الاسترقاق حيث يتسبب عجز المدين عن الوفاء في تحويله الى عبد للدائن وهو ما يطلق عليه الاكراه البدنى وذلك بأن يكره الدائن المدين على العمل لديه حتى يحصل على حقه منه أو كان في مكنة الدائن بيع مدينه في سوق العبيد للحصول على الثمن لسداد الدين.

وفى هذه الجزئية كان قانون بوكخوريس تقدميا للغاية في عصره حيث ألغى الرق بسبب الدين و أحسن معاملة العبيد بصفة عامة وخفف كثيرا من معاناتهم. وعلى الجانب المالى لقضية الديون ألغى بوكخوريس نظام الفائدة المركبة حيث أنه كان يبالغ فيها الى حدود غير معقولة قبل صدور قوانينه وكانت تصل الى 100% بل و 120% و تضاف سنويا الى أصل الدين سنويا و هكذا مما كان يجعل السداد مستحيلا فحدد قانون بوكخوريس السقف الأعلى للفائدة على النقود ب 30% بينما بلغ ذلك الحد في الحاصلات الزراعية إلى الثلث فقط وفى هذا السياق وصل تفكيره الى الغاء الفوائد التى تتكون لتصل الى أكثر من أصل الدين وهي فكرة لم تكن معروفة في ذلك الزمان بالمرة. بيد أن أعظم انجاز قانونى في القانون المدنى أتى به بوكخوريس كان الغاء الاكراه البدنى بأن جعل التنفيذ قاصر على أموال المدين فقط أى على ذمته المالية ولا يمتد الى جسده أو حريته كما كان الوضع قبلها و هذه الفكرة هى القائمة في كل الثقافات القانونية في عالم اليوم.

أما في مجال الأحوال الشخصية فقد حرص القانون على الاعتراف بالمساواة الكاملة بين الجنسين و كانت للمرأة أموالها الخاصة و لها الحرية الكاملة أن تتصرف فيها بكل أنواع التصرفات بمقابل أو بدون مقابل في حال الحياة أم الى ما بعد الوفاة (الوصية) و لها الشخصية القانونية الكاملة التى تبيح لها أن تذهب الى المحكمة مدعية أو مدعى عليها و كانت شهادتها مأخوذ بها. كذلك كان لها أن تبدى رأيها في أمر زواجها بالقبول أو الرفض و لها اشتراط الاحتفاظ بالعصمة في يدها و كذلك وضع ما تشاء من الشروط المالية في عقد الزواج بما فيها على سبيل المثال النص على الحق في قبض تعويض مالى ضخم من الزوج في حال الزواج من امرأة أخرى و كثيرا ما وقف مثل هذا الشرط عائقا في سبيل اتمام هذا الزواج الثانى و عليه كان تعدد الزوجات – كنتيجة لذلك كله – نادر الحدوث و ساد مبدأ الزواج الفردى على أساس أنه الأصل و أصبح تعدد الزوجات هو الاستثناء و يتم بناء على موافقة الزوجة الأولى في حالات الضرورة القصوى بسبب مرض أو عقم الزوجة الأولى مثلا. وساوى القانون المذكور بين الأخ وأخته في التركات ولم يعترف بالنظام القديم الذى كان يميز الأخ الأكبر في الميراث. ووضع القانون المذكور ديون الزوج الى زوجته في موضع ممتاز ولها الأسبقية على كافة الديون الأخرى.

المصادر

  • تاريخ و فلسفة القوانين للدكتور محمود السقا الأستاذ بحقوق القاهرة 2008
  1. ^ المشرعون الست العظام في مصر القديمة، حسب ديودورس، (ص. 1.93) كانوا: مـْنـِڤيس Mnevis، الأمير ساسيخس Sasyches ، سيزوستريس Sesostris، با كن رع نف، أماسيس الثاني، وداريوس
    Diodorus the Sicilian. "The historical library". Google books. p. 93.
  2. ^ Diodorus the Sicilian. "The historical library". Google books. p. 81.


سبقه
تف ناخت
فرعون مصر
الأسرة الرابعة والعشرون
تبعه
شباكا