العملية بوكسر

معركة لسان بورتوفيق الجوية
Operation Boxer
جزء من حرب الاستنزاف
التاريخ20–28 يوليو 1969
الموقع
النتيجة انتصار مصري تكتيكي
المتحاربون
إسرائيل إسرائيل Flag of United Arab Republic.svg مصر
القادة والزعماء
حاييم بار-لڤ
مردخاي هود
أحمد إسماعيل علي
الضحايا والخسائر
2 طائرة مقاتلة 300 قتيل[1]
8 aircraft

معركة لسان بورتوفيق أو العملية بوكسر (20 يوليو 1969)، هي غارة جوية قامت بها القوات الجوية الإسرائيلية على امتداد قناة السويس في يوليو 1969. وكانت من أكبر العمليات التي قامت بها القوات الجوية الإسرائيلية منذ حرب 1967، ومؤشراً لمرحلة جديدة في حرب الاستنزاف.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

بالرغم من النصر الحاسم الذي حققته إسرائيل في حرب 1967، ولم يكون هناك محاولات دبلوماسية في السنوات الحلاقة لحل قضايا صميم النزاع العربي الإسرائيلي. في سبتمبر 1967، صاغت الدول العربية سياسة البنود الثلاثة، منع السلام، الاعتراف أو التفاوض مع إسرائيل، واعتقاد أن "ما أخذ بالقوة، لا يسترد إلا بالقوة"،[3] استأنف الرئيس المصري جمال عبد الناصر العمليات القتالية على إمتداد قناة السويس. بدأت على شكل قصف مدفعي متبادل محدود وتوغلات ضيقة النطاق في سيناء، بحلول 1969 كان الجيش المصري قد بدأ التجهيز لعمليات موسعة. في 8 مارس أعلن عبد الناصر رسمياً بدء حرب الاستنزاف، والتي تميزت بقصف عنيف على طول القناة، وعمليات قنص وهجمات بقوات الكوماندوز. ووصل القتال ذرته بحلول الصيف.[4]

الجيش المصري، الذي يتفوق على جيش الدفاع الإسرائيلي في الأفراد والمدفعية، كان أكثر قدرة على خوض حرب طويلة ومكلفة. ومن ثم، فقد رأت إسرائيل في تفوقها الجوي خير وسيلة لمنع مصر من الاستمرار في الحرب،[4] وفي أوائل يوليو 1969 صدرت تعليمات للقوات الجوية الإسرائيلية بالتجهيز لهجوم واسع النطاق على المواقع المصرية على الضفة الغربية للقناة. وضعت خطة نتج عنها العملية "بوكسر 1" بدأت بهجوم تدريجي عند الطرف الشمالي للقناة، حيث كانت الدفاعات الموجودة هناك ضعيفة، واستمر الهجوم متجهاً للجنوب.[5]

قبل الهجوم على المواقع المصرية، سعى جيش الدفاع لتعطيل مواقع رادار التحذير المبكر ومخابرات الاشارات على الجزيرة الخضراء، وهي جزيرة منيعة تقع بالقرب من أقصى جنوب القناة. باعتبارها تهديد محتمل للعمل الطائرات الإسرائيلية في المنطقة، قامت القوات الخاصة الإسرائيلية بمهاجمة الجزيرة في 19 يوليو كجزء من عملية بولموس 6، ودمرت الدفاعات المضادة للطائرات ورادار التحذير المبكر. ضربت طائرات إي-4 سكاي‌هوك من السرب 115 الجزيرة قبل الهجوم، في الوقت الذي شاركت فيه طائرات بل 205إس من السرب 124 في إجلاء القوات الإسرائيلية بعد مغادرة الجزيرة.[6][7]

جيش إسرائيل الذي لا يقهر مرت عليه شهور وهو يتلقى اللطمات من ضباط وجنود مصر الأبطال. وكل ما يستطيع الرد به هو مهاجمة موقع منعزل بصورة دعائية لا تقدم ولا تؤخر في حجم الخسائر التي يتلقاها يوميا، أو قصف مدن القناة. وفى ثلاث محاولات للعبور إلى الغرب لم يحقق العدو أي نتائج ملموسة. وأحدثت أعمال القتال المصرية رد فعل علي الفكر السياسي والعسكري الإسرائيلي وعلى الروح المعنوية للشعب الإسرائيلي. أدركت إسرائيل أن القوات المصرية أصبحت تمتلك قوة أكبر في العدد والمعدات، وأن مصر مصممة على القتال، ولن تقنع بأي صلح بالشروط الإسرائيلية. وأكد هذا أن مصر أعلنت في أول مايو على لسان الرئيس عبد الناصر أن قرار وقف إطلاق النار أصبح غير ساري وأننا بدأنا حرب الاستنزاف ضد إسرائيل.[8]

لكل هذه الأسباب ومع ازدياد خسائر إسرائيل، وشعور القيادة العسكرية الإسرائيلية بفشلها في إرغام مصر على وقف حرب الاستنزاف. بدأت إسرائيل تعيد التفكير في أسلوب المواجهة مع مصر وتستعرض مختلف طرق الحل الممكنة. وبناء على نتائج الدراسات العديدة التي جرت. اجتمع مجلس الحرب الإسرائيلي بناء على طلب موشى دايان وزير الدفاع وأصدر قرار من أخطر القرارات العسكرية. هو إدخال القوات الجوية الإسرائيلية في حرب الاستنزاف بكل إمكانياتها التدميرية. وقد أدى هذا القرار إلى إحداث تغيرات جذرية في موازين القوى الاستراتيجية على جبهة القناة. بدأت في صالح إسرائيل ثم تحولت ضدها وأصبحت في صالح مصر بعد مضي حوالي ستة أشهر على بداية الحرب". ولكي نؤكد مدى تأثير الهجمات المصرية سنعرض ما كتب وقيل داخل إسرائيل.

فيقول زيف شيف المحلل الإسرائيلي في كتابه عن حرب الاستنزاف "الفانتوم فوق النيل" إن عملية لسان بورتوفيق هي التي أنهت الجدل داخل أروقة القيادة الإسرائيلية حول حتمية تدخل الطيران الإسرائيلي في المعركة، ويضيف: لقد كان هذا النجاح هو أبرز ما حققه المصريون وكان سيحفزهم إلى نشاط أكبر، فكان لابد من إيقافهم بسرعة.

وصرح المتحدث العسكري الإسرائيلي في الصحف وقتها "أمام الضغط الهائل الذي مارسه المصريون في الجبهة، والحياة التي أصبحت لا تطاق على الضفة الشرقية للقناة أقدمت القيادة الإسرائيلية على استخدام الطيران الذي كانت كل الآراء تصر على الاحتفاظ به للمستقبل".

وقد أعلن موشى دايان وقتئذ "أن الهجوم الجوي هو الرد الإسرائيلي على ما أعلنته مصر من حرب استنزاف في شكل ضربات المدفعية وأعمال العبور ضد الجبهة الإسرائيلية شرق القناة".


الاستعدادات

بدأت إسرائيل منذ هذا اليوم استخدام قواتها الجوية بعنف، فقامت طائراتها بالهجوم على القوات في منطقة القناة وعلى مدينة بورسعيد.. ولأن الموقف كان واضحاً أمام القيادة المصرية فلم يستغرق الأمر إلا ساعات وصدرت الأوامر بإشراك القوات الجوية المصرية في حرب الاستنزاف. كان من حسن طالع القوات الجوية المصرية أن يتوالى على قيادتها أبناء مخلصون يقدرون حجم المسئولية. فقبل شهر من بدء إشراك الطيران المصري في المعركة تغيرت قيادة القوات الجوية وأصبح اللواء طيار/ علي بغدادي قائداً لها واللواء طيار/ حسني مبارك رئيساً للأركان. وإن كان تغيير القيادة خاصة بعد فترة قصيرة نسبياً له آثار سلبية إلا أن كل منهم جاء مكملاً لما بدأه السابق.

المعركة

العملية بوكسر 1 - معركة لسان بورتوفيق

"بوكسر 1" بدأت في الساعة 14:00 يوم الأحد، 20 يوليو 1969، بغارة لطائراتين ميراج 3 من السرب 117 على بطارية صواريخ سام-3 غرب بورسعيد. فور إيقاف رادار البطارية، تم تدمير باقي المنشآت بواسطة طائرات سكاي‌هوك من السرب 109.[9] لضعف الدفاعات الجوية المصرية، تمكنت أسراب القوات الجوية الإسرائيلية من الهجوم على المواقع المصرية على طول القطاع. تضمنت الطائرات المهاجمة، طائرات سكاي‌هوك إضافية من السرب 109، السرب 105، داسو ميستير، من السرب 116،[10] داسو اوراگان من السرب 113 وسود-كيست ڤتور من السرب 110.[11] في الساعة 17:00، قامت القوات الجوية الإسرائيلية ب171 طلعة جوية وأسقطت حوالي 200 طن من المتفجرات.[10]

بسبب عنصر المفاجأة، لم تواجه الغارات الإسرائيلية مقاومة من القوات الجوية المصرية. بعدها أطلقت القوات الجوية المصرية هجمات على المعاقل الإسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة. نفذت الغارات 60 طائرة مصرية، منها ميگ-17، سو-7 بمصاحبة مقاتلات ميگ-21. انطلقت 6 طائرات ميراج ضمن السرب 101 من قاعدة رفيديم الجوية وطائرتان أخرتان من قاعدة حزور. في المعارك التالية قام گيورا يعولي وگيورا إپستاين بإسقاط طائرتين ميگ-17 المصرية، بينما أسقط يفتاح سپكتور طائرة ميگ-21، بالرغم من التكلفة العالية لطائرتي الميراج، تمكن إيتان بن-إلياهو وإلي زوهار من إنقاذ طائرتهم المنكوبة. سقطت طائرة طائرة ميگ-17 أخرى ببطارية إم‌أي‌إم-23 هوك ومدفعية سو-7 المضادة للطائرت.[12]

كانت افتتاحية حرب الاستنزاف في 20 يوليو، هي انطلاق تشكيلات القوات الجوية المصرية من قواعد المنصورة وقويسنا وبلبيس وأنشاص بطائرات ميج-17 وسوخوى-7 (مقاتلات قاذفة)، وفي حماية تشكيلات من طائرات ميج21 (مقاتلات). وقامت في الساعة 6:30 مساءً بقصف مواقع للعدو ومحطات رادار ومعسكرات ومناطق شئون إدارية للعدو بعمق 35 كيلو متر في داخل سيناء.

وكان دور السرب 62 مقاتلات قاذفة الذي شرفت بقيادته في هذه المهمة، هو قصف ومهاجمة موقع صواريخ هوك أرض/جو في منطقة رمانة على المحور الشمالي، إضافة إلى موقع أخر. وكنت صاحب أول مواجهة بين الطائرة ميج17 والصاروخ الذي يهدد طائرات القوات الجوية المصرية.. وبفضل التدريب المستمر وثقتنا في أننا نستطيع أن نواجه إسرائيل تمكنا من تدمير الموقع، (تكرر الهجوم على هذا الموقع أكثر من خمسة عشر مرة طوال حرب الاستنزاف) وكانت نتائج الهجمة الأولي رائعة فتم تدمير الأهداف بنسبة 70 –80 % وتم إسقاط 2 طائره ميراج واستشهد لنا طيار. وتكررت الهجمات طوال عام كامل، واستشهد من السرب خلال فترة الحرب كل من ملازم طيار/ أحمد السبروت، طلال سعد الله، ومحمود حمدي.

وكانت الهجمة الأولى مؤشراً على أن ما دفعته القوات الجوية من ثمن خلال العامين السابقين في التدريب والتجهيز قد آتى ثماره أخيراً (فقدت القوات الجوية المصرية 54 طيار في التدريب والمعارك على مدى الفترة السابقة). وأصبح الطيار المصري الذي تحمل كثيرا بعد يونيو 67 على كفاءة وثقة بالنفس تمكنه من التصدي للعدو الإسرائيلي. رغم التفوق العددي والنوعي الذي يتمتع به الطيران الإسرائيلي. ولكي يتضح الأمر أمام القارئ لابد من وقفه لبيان الفارق الشاسع بين القوات الجوية المصرية والإسرائيلية. وسنركز على الحمولة والمدى فقط لعدد ثلاث طائرات من كل جانب لبيان هذا الفارق. وبنظره بسيطة على الجدول التالي نجد أن طائرة واحدة فانتوم تلقى حموله أكبر قدرا من حمولة 4 طائرات ميج 17 أو 4 طائرات سوخوى7. وبنظرة على هذه المقارنة نجد أن التفوق في المدى والتسليح لصالح إسرائيل بما يوازي الضعف تقريباً. وكان هذا يعني أن الطائرات المصرية لا تستطيع قصف أهداف في العمق الإسرائيلي كما وأنها في الاشتباكات الجوية لا تستطيع البقاء في الجو مثل الطائرات الإسرائيلية. كما أن تجهيز طائرة واحدة يوفر كثيرا عن تجهيز 4 طائرات في الوقت وفي عدد الفنيين وفي عدد المعدات. لكن هذا التفوق لم ينل من أبناء القوات الجوية. فوضع رئيس الأركان وكان مسئولاً عن إدارة العمليات، خطة تتناسب مع الإمكانيات المتاحة مع المناورة في التخطيط طوال عام كامل بناء على المواقف المستجدة والدروس المستفادة. فحققت القوات الجوية المصرية نجاحاً باهراً بكافة المقاييس رغم خسائرها الغير قليلة.

كانت الخطة تقوم على قصف وتدمير العدو وأهدافه في عمق سيناء (حتى 35كم) بواسطة تشكيلات المقاتلات القاذفة، وتحت حماية مباشرة من المقاتلات، التي كانت ترافق المقاتلات القاذفة حتى مواقع العدو، وأذكر هنا أنه في أحد غارات المقاتلات القاذفة بقيادة الرائد طيار/سمير فريد على موقع صواريخ هوك، صدرت الأوامر من مركز العمليات أن تتراجع المقاتلات إلي غرب القناة، لكن قائد تشكيل الحماية( طائرات الميج 21 ) الرائد طيار/مجدي كمال رد على مركز العمليات:

- أنا منتظر فوق الموقع لغاية الميج 17 ما يخلص الهجوم .

كان تخطيط الهجمات والحماية لها يختلف في كل مره حتى لا يكتشف العدو التكتيك المصري، الذي أصبح يستند على خبرة مصرية. كان عامل التوقيت حاسماً في تنفيذ هذه المهام وكذا ارتفاع الطيران في الذهاب إلى الأهداف (ارتفاع 30 متر). حتى لا يكتشف العدو الإسرائيلي طائراتنا إلا عند عبورها قناة السويس. وبهذا التكتيك تتمكن المقاتلات القاذفة من مهاجمة الأهداف . وفي أثناء عودتها تلاحقها الطائرات الإسرائيلية، لكن وعلى الفور تظهر المقاتلات المصرية جاهزة للاشتباك مع الطائرات الإسرائيلية. فكان العدو مجبراً على أن تتم الاشتباكات الجوية غرب القناة.

اللواء جوي متقاعد محمد زكي عكاشة

وسنعرض مثال لذلك ما كانت تقوم به أسراب قاعدة المنصورة (ميج17، ميج21) والتي كانت مكلفة بمهاجمة العدو الإسرائيلي في المحور الشمالي (طريق القنطرة - العريش).

  • تقوم تشكيلات المقاتلات القاذفة بالطيران إلى موقع صواريخ هوك أرض/جو المتمركز في رمانة على المحور الشمالي على ارتفاع 30 متر يتبعها بدقائق تشكيلات الحماية.
  • تعبر تشكيلات الميج17 قناة السويس مثلا الساعة 11:00 وهنا يتم الإبلاغ عنها لمراكز القيادة الإسرائيلية.
  • تصل تشكيلات الميج17 إلى الهدف الساعة 11:03 ثم تقوم بقصف الموقع 2-3 هجمة وتغادر الموقع الساعة 11:06.
  • تغادر التشكيلات الموقع الإسرائيلي وتأخذ طريق العودة على ارتفاع 30 متر وتعبر غرب القناة الساعة 11:09.

وبهذا فإن طائراتنا المهاجمة تبقي 9 دقائق فوق سيناء حتى العودة إلى غرب القناة. ولما كان الإبلاغ عن الطائرات المصرية يستغرق 3 دقيقة، ثم تنطلق طائرات الميراج الإسرائيلية من قاعدة المليز وسط سيناء خلال 3 دقيقة.. ثم تحتاج إلى 3-4 دقيقة حتى تصل قناة السويس فيكون الوقت الذي تحتاجه الطائرات الإسرائيلية 9-10 دقيقة. وعلى هذا كانت الميراج الإسرائيلية تصل إلى قناة السويس وقد عبرت تشكيلات الميج17 إلى غرب القناة .. وهنـا تتصدى لهـا تشكيلات الحماية (ميج21) ولا يكون أمامها إلا أن تشتبك مع مقاتلاتنا أو تعود إلى قواعدها، وهو ما كان يحدث غالباً حيث أن المقاتلات الإسرائيلية تفضل دائماً أن يكون الاشتباك مدبر ومخطط له.

وكان التخطيط المصري هو استثمار تدمير موقع صواريخ الهوك أرض/جو في رمانة لأنه كان يغطى المنطقة من القنطرة وحتى بورسعيد وبعمق حتى مدينة العريش. فيتم مهاجمته وتدميره قبل الغروب. ولأن إعادة تشغيله تحتاج إلى 12 ساعة على الأقل فكان يتم دفع طائرات القاذفات أو الهليكوبتر ليلاً لمهاجمة مواقع إسرائيلية على الساحل الشمالي وحتى مدينة العريش. في 28/9/1969 تم دفع 2 طائرة هليكوبتر (مى8) ليلاً بقيادة كل من مقدم طيار/ جلال النادي والنقيب طيار/ سمير عبد السلام لمهاجمة معسكر إسرائيلي في منطقة مصفق عند بحيرة البردويل. وتم القصف بالصواريخ والبراميل الحارقة (كان هذا تعديل مصري لتسليح الطائرة) وتم تدمير كامل للمعسكر وأفادت وسائل استطلاع بأن الخسائر كانت عالية. وتكررت هذه الطلعات أكثر من مرة .. إلا أن الطيران الإسرائيلي تمكن من مطاردة 2 طائرة قاذفة اليوشن28 كانت تقصف منطقة العريش ليلا ، وأثناء العودة نجح في إسقاطهما، واستشهد رائد طيار/ محمد عبد الجواد وتمكن الرائد طيار/ أنيس خضير من القفز بالمظلة ووصل إلى الشاطئ بعد أن قضى 20 ساعة في البحر.

وتحمل طياري المقاتلات عبئا كبيرا طوال حرب الاستنزاف، فكان عليهم أن يقوموا بحماية هجمات المقاتلات القاذفة، وطائرات الاستطلاع أثناء تنفيذ مهامها فوق أرض العدو. بالإضافة إلى التصدي لطائرات العدو. ورغم إن المجهود المطلوب كان شاقا، لكن طياري المقاتلات بروحهم العالية جعلتهم يتسابقون لتنفيذ المهام دون كلل.

وسنروى مثال يوضح ما نقول تكرر كثيرا. أثناء الحرب، مجموعة من الطيارين في قاعدة غرب القاهرة لتلقى تدريب على طائره ميج 21 طراز مختلف عما كانوا عليه. وفي 25 يونيو 70 وأثناء إحدى المحاضرات انطلقت إشارة باختراق طائرات للجبهة. يعتبر الطيارون في وضع حالة الاستعداد الثالثة ( إقلاع في 15 دقيقة)، وفورا انطلق نقيب طيار/تميم فهمي والملازم أول/نبيل فؤاد بالعربة إلى أول الممر حيث طائرات حالات الاستعداد، وأقلع التشكيل إلي الجو بعد 9 دقائق فقط. وبدأ توجيه التشكيل إلى منطقة العين السخنة نحو طائرات العدو، واشتبك التشكيل وأسقط طائره ميراج للعدو. ومن المفارقات أن يتكرر نفس السيناريو يوم 2 يوليو، بنفس الطريقة، وبنفس الطيارين، ونفس المنطقة، لكن ينجح العدو في هذه المرة ويسقط الطائرتان ويقفزا كلاهما بالمظلة.

كان مكسب القوات الجوية من هذه الهجمات هائلا، فعلاوة على تدمير مواقع العدو وتكبيده خسائر في الأفراد والمعدات ، أصبح الطيارون المصريون يتعاملون مع العدو الإسرائيلي دون هيبة أو خوف . في أحد الغارات انحرف النقيب طيار / حمدي عقل عن موقع العدو المخصص له بسبب عطل في البوصلة الملاحية. وأبلغ قائد السرب الذي رد عليه فورا بأن يختار هدف أخر ويهاجمه . فمن غير المقبول أن تعود الطائرات دون مهاجمة العدو. فتوغل بالتشكيل شرقا حتى وجد معسكرا قام بمهاجمته 5 هجمات (المعدل 2 هجمة) حتى نفذت منه الذخيرة دون أي تدخل من العدو.

ولما وجد العدو أنه لا ينال من طائراتنا رغم تفوقه في الكم والنوع، فقد لجأ إلى إجبارنا على الدخول في معارك جوية مدبرة. كان يقوم بدفع طائراته للاختراق في منطقة العين السخنة، فتندفع مقاتلاتنا (ميگ 21) للاشتباك معه فيقوم بالمناورة معها حتى تستهلك الوقود، وتصبح مضطرة للخروج من الاشتباك، وهنا يقوم بدفع تشكيل جديد يطارد مقاتلاتنا المنسحبة من الاشتباك. وقد نجح العدو في هذا الأسلوب وأسقط عدد غير قليل من طائراتنا. إضافة إلى أن من كان يقفز بالمظلة يتعرض لأخطار جسيمة لصعوبة المنطقة وطبيعتها الوعرة. فقد استشهد نقيب طيار/ أحمد نور الدين لأن وسائل البحث والإنقاذ وصلت إليه بعد فوات الأوان فعُثر على جثمانه وبجواره شواهد تؤكد أنه هبط سالماً بالمظلة. لكن وفى أحد هذه المعارك بتاريخ 9 ديسمبر استطاع نقيب طيار/ أحمد عاطف عبد الحي بطائرته ميگ 21 إسقاط أول طائرة فانتوم إسرائيلية. وبهذا سقطت الهالة التي حاولت إسرائيل صنعها حول هذه الطائرة.

كما استطاعت القوات الجوية المصرية رغم إمكانياتها المحدودة كما ونوعاً عن نظيرتها الإسرائيلية، أن توجه ضربات موجعة إلى العدو بأسلوب آخر. فبتنسيق للجهود والتخطيط الجيد بين اللواء طيار/ حسني مبارك واللواء/ محمد صادق مدير المخابرات يتم دفع طائرة هليكوبتر ليلاً محملة بأفراد من المجموعة 39 قتال إلى الشاطئ الشرقي لخليج السويس. وتهبط الطائرة بعيداً عن الهدف بمسافة آمنة، ثم يقوم أفراد المجموعة بزرع الألغام على الطرق أو مهاجمة الأهداف، ثم وبسرعة يتم التقاطهم وعودتهم بالطائرة. وفى مرات أخرى كانت الطائرة الهليكوبتر تقوم بقصف الموقع بالصواريخ والقنابل الحارقة ونجحت هذه الطلعات أكثر من مرة.

كانت فرحة ولا شـك أن تقف القوات الجوية المصرية بعد ما نالها في عام 67، أمام العدو لمدة عام كامل تشتبك معه وتقاتل وتوقع به الخسائر. لكن لا ننسى أن الثمن كان شهداء في عمر الزهور. وأرواح ودماء بُذلت عن حب وإيمان في سبيـل هذا الوطـن. فكما أوقعنا بهم خسائر كانت لنا خسائر مثال يوم 11/9/1969. في الصباح قامت 32 طائرة مقاتلة قاذفة (ميگ 17، سوخوي 7) بمهاجمة مواقع العدو شرق القناة، ولأن الضربة كانت موجعة فقد ردت إسرائيل بعنف وظلت الاشتباكات الجوية مع قاعدة المنصورة مستمرة حتى الثامنة مساء.. وفى هذا اليوم استشهد 2 طيار من المقاتلات القاذفة فوق المواقع الإسرائيلية، وقفز 7 طيارين بالمظلات نتيجة الاشتباكات الجوية في مقابل نجاح ملازم أول طيار/مصطفى جامع في إسقاط طائرة ميراج فوق مدينة السنبلاوين وأسر الطيار الإسرائيلي.

وقبل ختام هذا الجزء من الحديث عن القوات الجوية المصرية ودورها في حرب الاستنزاف. هناك أمور لابد من ذكرها لما لها من دلالات لن تغيب عن فطنة القارئ. وقد كنت مشاركاً في إحداثها بحكم موقعي كقائد سرب مقاتلات قاذفة (ميگ 17) في قاعدة المنصورة الجوية. كان أسلوب استخدام القوات الجوية طوال حرب الاستنزاف ناجحاً بصورة ملموسة إلا من بعض مرات قليلة خاصة على المحور الشمالي الذي كان ناجحاً بصورة أكبر من المحور الأوسط والجنوبي.

بوكسر 2

بعد النتائج المرضية التي حققتها العملية "بوكسر 1"، قررت القوات الجوية الإسرائيلية القيام بهجمات إضافية. في 21 يوليو هاجمت أربع طائرات سكاي‌هوك من السرب 109 بطارية مصرية مضادة للطائرات بالقرب من القنطرة استعداداً لليوم التالي من المعركة.

بدأت العملية "بوكسر 2" في 24 يوليو وكانت تستهدف المواقع المصرية على إمتداد القطاع الأوسط من القناة. بدأ القتال بتدمير محطة رادار في جبل عتاقة بطائرتين ميراج من السرب 119. وقعت هجمات متلاحقة وكانت متركزة على مواقع صواريخ سام والمدفعية المضادة للطائرات، وقامت القوات الجوية الإسرائيلية ب161 طلعة جوية في ذلك اليوم.[13] في المقابل قامت القوات الجوية المصرية بالهجوم على مواقع إسرائيلية على إمتداد القناة وسيناء. مرة أخرى اتجهت طائرات الميراج الإسرائيلية لمهاجمة الطائرات المصرية وأسقطت ثلاث طائرات: سو-7 التي أسقطها شمويل گوردون وميشيل زوك، وطائرة أخرى سو-7 أسقطها شلومو نـِڤوت.[14] ويزعم سقوط طائرتين ميگ-17 إضافيتين ببطارية هوك، وطائرة سو-7 أخرى بمدفع بوفورس 40 مم.[15]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عمليات بوكسر لاحقة

الطائرة المصرية ميگ-21 إف في المتحف الحربي الوطني المصري.

"بوكسر 3" بدأت في اليوم التالي، 25 يوليو، بهجمات جديدة للطائرات الإسرائيلية على المواقع المصرية. حدث حادث نيران صديقة في هذا اليوم حيث دمرت ميراد من السرب 101 نفاثة من السرب 119، بالرغم من ذلك فقد نجحت الطائرة في الرجوع لقاعدتها بسلام.[4] استمرت الهجمات يوم 26 يوليو باسم "بوكسر 4" وفي 27 يوليو باسم "بوكسر 5"، أثنائها واصلت طائرات سكاي‌هوك من السرب 109 هجماتها ليلاً.[16] كانت آخر سلسلة من العملية، "بوكسر 6"، في 28 يوليو 1969، خلالها هاجمت طائرات الميراج الإسرائيلية طائرات ميگ-21 إس المصرية، ولم تسقط أي طائرات على الجانبين.[4]

النتائج

شنت القوات الجوية الإسرائيلية 500 طلعة جوية أثناء العملية بوكسر، وأصابت هجماتها الدفاعات الجوية المصرية بخسائر فادحة، في التحصينات والمدفعية المصرية على طول قناة السويس. فقد المصريون حوالي 300 جندي. النجاح التكتيكي، حجمت العملية بوكسر مؤقتاً القتال على القناة، على المدى الطويل، نجح الجيش المصري في تعويض خسائره واستأنف القتال بكثافة أكبر. فشلت العملية بوكسر في إيقاف حرب الاستنزاف. بعد أن خسرت المواجهة مع القوات الجوية الإسرائيلية في حرب 1967، من المرجع أن القتال في يوليو 1969 عكس اهتمامات مصر وزاد من حدة التوترات على الجبهة.[4] في المقابل أدى هذا أن أصبحت القوات الجوية الإسرائيلية "المدفعية الطائرة" لجيش الدفاع الإسرائيلي، مما سد الفجوة الكمية بين القوات المصرية والإسرائيلية، a role the IAF had previously been reluctant to play and one which would draw it even further into the fighting.[5][17]

الهوامش

  1. ^ Shalom, Danny (2007). Phantoms over Cairo - Israeli Air Force in the War of Attrition (1967–1970) (in Hebrew). Bavir Aviation & Space Publications. p. 360. ISBN 965-90455-2-2.{{cite book}}: CS1 maint: unrecognized language (link)
  2. ^ Nordeen, Lon; Nicolle, David (1996). Phoenix Over The Nile - A History of Egyptian Air Power 1922–1994. Smithsonian. p. 239. ISBN 978-1-56098-626-3.
  3. ^ Egypt Will Fight, Nasser Shouts, Pittsburgh Post-Gazette, November 24, 1967, p. 2, http://news.google.com/newspapers?nid=1129&dat=19671124&id=iy4NAAAAIBAJ&sjid=mmwDAAAAIBAJ&pg=7156,4781952 
  4. ^ أ ب ت ث ج Aloni, Shlomo (2004). Israeli Mirage and Nesher Aces. Osprey. pp. 46–53.
  5. ^ أ ب Shalom, pp. 328-329.
  6. ^ Shalom, p. 333.
  7. ^ Norton, Bill (2004). Air War on the Edge - A History of the Israel Air Force and its Aircraft since 1947. Midland Publishing. p. 250. ISBN 1-85780-088-5.
  8. ^ اللواء محمد زكي عكاشة. "جند من السماء". ستار تايمز.
  9. ^ Shalom, p. 338.
  10. ^ أ ب Shalom, p. 342.
  11. ^ "Operation "Boxer 1"" (in Hebrew). Israeli Air Force Website. Retrieved 2009-11-12.{{cite web}}: CS1 maint: unrecognized language (link)
  12. ^ Shalom, pp. 343-351.
  13. ^ Shalom, pp. 351-352.
  14. ^ Shalom, pp. 352-354
  15. ^ "Commander of Air Defense Corps". Israeli Air Force Website. Retrieved 2009-11-12.
  16. ^ Shalom, p. 358.
  17. ^ Norton, p. 30.