العلاقات الإيرانية التركية

العلاقات الإيرانية التركية
Map indicating locations of Turkey and Iran

تركيا

إيران

تكتسب العلاقات الإيرانية-التركية أهمية مضاعفة لدى دوائر المختصين والباحثين وصناع القرار في منطقتنا العربية ، بسبب أن كلا من إيران و تركيا يكون بالاشتراك مع مجموعة الدول العربية ما يسمى بمنطقة «الشرق الأوسط».

وتحيط جغرافيا إيران وتركيا بالجغرافيا العربية من الشرق والشمال، فتتداخلان معها بوشائج التاريخ وروابط الحضارة المشتركة، على نحو قلما تتوافر في مناطق جغرافية أخرى. ويضاف إلى تلك الأسباب المهمة سبب إضافي هو أن إيران وتركيا ليستا دولتين اعتياديتين في الجوار الجغرافي للدول العربية، بل هما قوتان إقليميتان في الشرق الأوسط ، يتجاوز حضورهما الإقليمي الحدود السياسية لكليهما.

ولكل هذه الأسباب تتجاوز العلاقات الإيرانية–التركية في أبعادها السياسية والاستراتيجية معاني أي علاقات ثنائية بين بلدين غير عربيين ، إذ إن طبيعتها الخاصة تجعلها تؤثر مباشرة في واقع منطقة الشرق الأوسط. ولئن أمكن -نظرياً و«ستاتيكياً»- اعتبار إيران وتركيا عمقاً حضارياً وجغرافياً للدول العربية، إلا أن هذا الاعتبار لا يجد ترجمته أوتوماتيكياً على أرض الواقع، إلا من خلال سياسات عربية فاعلة تستخرج من طاقات إيران وتركيا ما يفيد المصالح العربية وتحيّد ما قد يطرأ من تناقض في المصالح بينها وبين أي من إيران أو تركيا. ولكن في حالات الغياب العربي عن الحضور والفعل، يكون طبيعياً أن تتمدد الأدوار الإقليمية لكل من طهران وأنقرة لملء الفراغات، وهذا التمدد بدوره يضع الدول العربية في بؤرة الاهتمام الإيرانى والتركي. تأسيساً على ذلك تعتبر الأقطار العربية محدداً ثابتاً في معادلة العلاقات الثنائية بين إيران وتركيا ، باعتبارها ترمومتراً لقياس درجات التمدد الإقليمي لهما.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاريخ العلاقات

شهدت العلاقات الإيرانية-التركية فترات مد وجزر تعاقبت في اتصال لم ينقطع منذ مئات السنين، وكأن معطيات الجغرافيا قد أبت إلا أن تكون ناظماً لوتائر من الشد والجذب ، طغت على العلاقات الإيرانية-التركية منذ ما يزيد على خمسمئة عام. ومثلما كانت الجغرافيا حاضرة في مسار تطور هذه العلاقات، فقد كان التاريخ شاهداً على الصراع بين المشروعين الصفوي الإيراني من جهة ، والعثماني التركي من جهة أخرى، إذ مثل الشاه عباس الصفوي ذروة المشروع الأول والسلطان مراد الثالث قمة المشروع الثاني. ولتجذير التناقض بين المشروعين ولتثبيت هوية معادية للسلطنة العثمانية، فقد عمد السلطان إسماعيل الصفوي إلى إعلان تشيع إيران لتدعيم قدراتها الصراعية مع تركيا بالروافد المذهبية. وكان أن اتخذت العلاقات بين البلدين أشكالاً دراماتيكية حين قامت الحروب المتعاقبة بين الدولتين في القرون اللاحقة، وأبرمت المعاهدات لتثبيت حدود البلدين واعتراف كل منهما بالآخر حامياً لأحد المذاهب الإسلامية (إيران للشيعة والدولة العثمانية للسنة)، وهو الأمر الذي تم تثبيته في معاهدات بين البلدين مثل معاهدة زهاب الموقعة عام 1639. ومن يومها أصبح هناك بعد عقائدي للصراع على النفوذ في المنطقة بين الدولة الإيرانية الشيعية والدولة العثمانية السنية ومن بعدها وريثتها الجمهورية التركية. وفى هذا السياق لا يفوت أن «المسألة الكردية» ظهرت على إثر خسارة إيران للأناضول في معركة تشالديران أمام السلطنة العثمانية عام 1514، لأن الأكراد أصبحوا من يومها مشتتين على دول المنطقة بعد أن كانوا منضوين جغرافياً تحت عباءة الدولة الإيرانية.

ظهرت بواكير منطقة الشرق الأوسط الحالي ابتداء من العقد الثالث للقرن العشرين ، فالإمبراطورية العثمانية قد اختفت من الوجود وحلت محلها الجمهورية التركية ، وانتقلت مقاليد الحكم في إيران من يد الأسرة القاجارية إلى يد رضا شاه الجندي والضابط وقائد الجيش لاحقاً. أما في الدول العربية فقد عبثت اتفاقية سايكس-پيكو بملامح جغرافيتها بشكل حاسم وصلاً وقضماً، وضماً وقطعاً، ومثال تشكيل حدود دول المشرق العربي حاضر وناجز، إلا أنها في الوقت ذاته دشنت الدول الوطنية العربية لأول مرة في تاريخ المنطقة. يبدو الصراع على النفوذ بالشرق الأوسط والرغبة في التمدد الإقليمي قدراً مستمراً للعلاقات الإيرانية-التركية، على الرغم من بعض الفترات التاريخية التي شهدت العلاقات فيها تقارباً بين البلدين، ولكن دون أن يرقى هذا التقارب إلى مستوى التحالف بين البلدين الجارين.

رضا شاه يزور أتاتورك لمدة أسبوعين في 16 يونيو 1934.

وفي 22 أبريل 1926، وقع البلدان في طهران "معاهدة صداقة" تنص مبادئها على الصداقة والحياد وعدم الاعتداء على بعضهما البعض. المعاهدة تضمنت أيضاً احتمال القيام بعمليات عسكرية مشتركة ضد المجموعات في أراضي البلدين التي تسعى لتعكير صفو الأمن أو تحاول تغيير نظام الحكم في أي من البلدين. هذه السياسة كانت موجهة بطريقة غير مباشرة إلى الأقليات الكردية في البلدين.

وفي 23 يناير 1932 وقع البلدان في طهران معاهدة ترسيم حدود، على الرغم من أن الحدود لم تتغير منذ معركة چالديران في 1514.

ومثال آخر للتقارب كان العلاقات الدافئة التي ربطت بين شاه إيران الأسبق رضا شاه ومؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال آتاتورك في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات. ففي 16 يونيو 1934 بدعوة من أتاتورك قام رضا شاه بزيارة تركيا لمدة أسبوعين مصطحباً وفداً عسكرياً رفيع المستوى ضم الجنرال حسن عرفة. وقد قام بزيارة العديد من المناطق التركية. الجمهورية التركية مثلت لرضا شاه وقتها «النموذج العصري» أمام إيران الراغبة في التحديث.

وفي 8 يوليو 1937 تم توقيع معاهدة عدم اعتداء بين تركيا وإيران والعراق وأفغانستان. وتلك المعاهدة أصبحت تُعرف بإسم معاهدة سعد أباد. الغرض من المعاهدة كان ضمان الأمن والسلام في الشرق الأوسط.

وبوتائر مختلفة استمرت العلاقات دافئة من وقت الشاه السابق محمد رضا حتى قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وإن ميزها انضواء البلدين تحت مظلة التحالفات الأميركية ومواجهة الاتحاد السوڤيتي السابق.


حلف بغداد، 1955

وكان تأسيس منظمة الحلف المركزي (حلف بغداد) في أغسطس 1955، مؤشراً جديداً على تقارب إيران وتركيا تحت السقف الدولي اللتين بنتا سياساتهما الإقليمية تحته وعلى قياسه، وبالمقابل من الأحلاف العسكرية ظهرت فكرة عدم الانحياز بقيادة ثلاثية ضمت الجمهورية العربية المتحدة والهند ويوغوسلافيا؛ مما أدى إلى ترسيخ صورة جديدة للمنطقة يقوم الفرز الإقليمي فيها على أساس التحالفات الدولية. وهكذا وبعد ظهور الدولة الوطنية في البلاد العربية وقيام الجمهورية التركية ومحاولات تحديث إيران تحت الحكم الملكي، بدا الفرز واضحاً في المنطقة بين حلف بغداد الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية انضوت فيه كل من إيران وتركيا وباكستان والعراق، وآخر تحالف مع الاتحاد السوفييتي السابق وضم باقي الدول العربية. ساعتها تم تدشين شرق أوسط جديد بأبعاد وتوازنات مختلفة جذرياً عما ساد قبل سايكس-بيكو وما بعدها، إذ إن ثنائية النظام الدولي انعكست استقطاباً ثنائياً إقليمياً في المنطقة، ولكن هذا الاستقطاب الثنائي في الواجهة لم يستطع أن يحجب ظهور ثلاثة أطراف إقليمية أساسية على خلفية هذا الاستقطاب هي: العرب والأتراك والإيرانيون.

التعاون الإقليمي للتنمية 1964

وبعد فشل حلف بغداد، تأسس في يوليو 1964 التعاون الإقليمي للتنمية Regional Cooperation for Development بهدف إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة بين تركيا وإيران وباكستان.

تغيرت الأوزان النسبية في منطقة الشرق الأوسط من جديد بعد انتصار الثورة الإيرانية في العام 1979 ، من جراء تصادم النظام الإيراني الجديد مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ، وتأسيساً على ذلك التصادم فقد عادت العلاقات الإيرانية-التركية إلى سابق عهدها من فتور وتصارع. وجاء الانقلاب العسكري في تركيا بكنعان إڤرين رئيساً للجمهورية التركية عام 1980 ليزيد من حدة الاستقطاب في العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين.

التعاون التجاري بين البلدين ينمو بسرعة. ففي عام 2005، قفز حجم التبادل التجاري إلى 4 بليون دولار من 1 بليون دولار في عام 2000.

ما بعد احتلال العراق 2003

دخلت العلاقات الإيرانية- التركية مفترقاً حاسماً بعد احتلال العراق عام 2003 ، إذ ساهم هذا الاحتلال في تبدل موازين القوى الإقليمية لمصلحة إيران وبشكل جعل المصالح التركية عرضة للخطر من جراء طفور الطموحات القومية الكردية ومخاطر امتدادها إلى جنوب شرق الأناضول وأغلبيته السكانية الكردية.[2]

شهدت العلاقات الثنائية بين إيران وتركيا في عقد الثمانينيات فترة من الانتعاش النسبي أثناء الحرب العراقية- الإيرانية ، بسبب اضطرار إيران إلى تمرير صادراتها ووارداتها عبر حدودها مع تركيا، والتي تمتد من شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا بطول 499 كيلومتراً. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي السابق وظهور الدول الآسيوية المستقلة عنه في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين، ظهر صراع إقليمي جديد بين إيران وتركيا على مناطق النفوذ هناك. ومرد ذلك أن هذه المنطقة الجغرافية الممتدة من قازاقستان شرقاً وأذربيجان غرباً، والتي تشكل الامتداد الجغرافي والثقافي لكلا البلدين، ترقد على ثروات نفطية وغازية هائلة، يعتقد المختصون أنها سوف تؤثر في معادلات التوازن بسوق الطاقة العالمية، وما يعنيه ذلك من توزيع جديد لأوراق اللعب الاستراتيجية إقليمياً وعالمياً.

كانت تركيا قد وقعت ، منذ استقلال دول آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين عن الاتحاد السوفييتي، اتفاقات اقتصادية وثقافية عدة، توجت باعتماد الصيغة التركية للأبجدية اللاتينية كأبجدية رسمية لدول آسيا الوسطى بدلاً من الأبجدية الروسية السلافية مع الاستبعاد النهائي للأبجدية الفارسية العربية التي تنازعت إيران مع تركيا عليها، لما للأبجدية من دلالات لغوية وثقافية وحضارية. ومن شأن اعتماد الأبجدية التركية تعبيد الطريق أمام تركيا لتمديد أوصالها الجغرافية إلى تلك الجمهوريات، التي تنتمي أجزاء كبيرة منها تاريخياً إلى إيران، إلا إنها تتحدث لغات تنحدر من شجرة اللغات التركية.

لذلك فقد ذهبت آسيا الوسطى علماً على السياسة التركية الإقليمية في النصف الأول من التسعينيات، فالدولة التركية نظرت إلى تلك المنطقة على أنها الأداة الممتازة لإعادة إنتاج الأفكار القومية التركية، والبوابة الرئيسية لولوج عوالم المنعة الإقليمية، بالعائدات الهائلة التي تتوقعها لهذه المنطقة من نفط وغاز. وبالمقابل ترتبط إيران بعلاقات تاريخية مع تلك المناطق، إذ فقدت إيران في حروبها مع روسيا القيصرية أراضي شاسعة في القوقاز وآسيا الوسطى. وبموجب معاهدة تركمان جاي 1813 فقدت إيران جمهورية جورجيا الحالية وأراضي شاسعة وصلت إلى باكو عاصمة جمهورية أذربيجان الحالية، ومناطق واسعة في سيروان و شماخي و شكي و كنجه و قره باغ وأجزاء من مغان وطالش. أما معاهدة «كلستان» 1828 فقد سلخت من إيران كل الأراضي الواقعة شمالي نهر آرس على تخوم القوقاز، مثل يريفان عاصمة أرمينيا الحالية، ونخجوان أو ناختشيفان التابعة لأذربيجان والواقعة داخل حدود أرمينيا الآن.

وفي عصر الرئيس التركي الراحل طرغد اوزال شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين فترة من التفاهم الاقتصادي، أعقبتها فترة من الازدهار النسبي خلال عام 1995-1996 الذي ترأس فيه نجم الدين أربكان وحزب الرفاه الحكومة التركية. وفي هذا العام وقع البلدان اتفاقية لتصدير الغاز الإيراني إلى تركيا بقيمة 23 مليار دولار، وهي الصفقة الأضخم في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين الجارين، يمتد بمقتضاها خط أنابيب نقل الغاز من مدينة تبريز الإيرانية وحتى مدينة أرضروم، لمد تركيا بالغاز لمدة ثلاثين سنة. وبالرغم من هذا «التقارب النسبي» في العلاقات الإيرانية- التركية، فإن هذه العلاقات لم تتطور بعد الإطاحة بنجم الدين أربكان من رئاسة الوزراء في تركيا بسبب التصادم في منظومة القيم لكل من النظام السياسي في إيران وتركيا، وكذلك حدود الأدوار الإقليمية المتاحة لكل منهما.

وجاء التحالف الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل في النصف الثاني من التسعينيات متناغماً إلى حد كبير و«مصالح» الدولة التركية كما تراها المؤسسة العسكرية التي تحرك خيوط سياستها، بحيث بدا هذا التحالف بمنزلة توزيع جديد للأثقال النسبية في الشرق الأوسط لغير مصلحة إيران. فأصبح هذا التحالف بهذا المنطق تهديداً مباشراً للمصالح الإيرانية وإحدى ركائز النقاط الخلافية بين البلدين، و«ترمومتراً» لقياس حرارة العلاقات الإيرانية- التركية، التي تنخفض حرارتها بتفعيل التحالف مع إسرائيل، وترتفع قليلا بتجميده.

دخلت العلاقات الإيرانية- التركية مفترقاً حاسماً بعد احتلال العراق عام 2003 ، إذ ساهم هذا الاحتلال في تبدل موازين القوى الإقليمية لمصلحة إيران وبشكل جعل المصالح التركية عرضة للخطر من جراء طفور الطموحات القومية الكردية ومخاطر امتدادها إلى جنوب شرق الأناضول وأغلبيته السكانية الكردية. كما أدى احتلال العراق إلى إعادة توزيع لموازين القوى الإقليمية عموماً وبين إيران وتركيا خصوصاً، إذ إن انهيار النظام العراقي السابق وهيمنة الأحزاب السياسية الشيعية على الحكومة والبرلمان العراقيين وكذلك طفور دور الأكراد في شمال العراق والسلطة المركزية ببغداد، أدت كلها إلى تزايد النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين بالترافق مع نشوء تهديدات جديدة للأمن القومي التركي.

أدى احتلال العراق إلى نتيجة واضحة في التنافس الإيراني - التركي، مفادها أن الطرفين الأميركي والإيراني صارا الأقوى على الساحة العراقية؛ فالأول يحتل العراق عسكرياً، والثاني يحكم ويتحكم في مقدرات السلطة في بغداد عن طريق الحلفاء. كلاهما لا يستطيع إزاحة الآخر، طهران لا تملك الأدوات العسكرية لذلك، أما واشنطن وإن سيطرت عسكرياً فإنها تعاني مأزقاً مستحكماًً متمثلاً في تصاعد عمليات المقاومة، ولا يمكنها إزاحة حلفاء إيران من المشهد السياسي.

ولم يكتفِ حلفاء إيران بتصدر واجهة المشهد السياسي في ظل الاحتلال، بل تحولت ميليشياتهم العسكرية إلى نواة للتشكيلات النظامية العراقية في وزارتي الداخلية والدفاع. القوى الإقليمية غائبة عن المشهد، فالدول العربية الرئيسية ودول جوار العراق لم تنجح في الوصول إلى تصور مشترك بشأن العراق، بسبب الضغوط الأميركية المتوالية عليها، والتي همشت مصالحها الإقليمية المشروعة.

وبالتوازي مع ذلك، يلعب الأكراد دور العازل الجغرافي لتمدد تركيا الإقليمي في العراق، بانتشارهم على كامل الحدود العراقية-التركية المشتركة وبغطاء أميركي سياسي وعسكري.

ومع تحييد دور تركيا والخواء الإقليمي الذي تشهده المنطقة بسبب غياب الدور العربي الملتحق بالدور الأميركي قسراً، لا يتبقى على الساحة العراقية سوى اللاعبَين الأساسيَين واشنطن وطهران.

كان الدور الإقليمي، ومازال، هاجساً يسكن قلوب حكام إيران منذ تأسيس دولتها الحديثة، ومحاولة مد نفوذ إيران إلى العراق مثل دوماً «ترمومتراً» لقياس قدراتها الإقليمية.

عقدت الدولة الصفوية والقاجارية من بعدها اتفاقات متتالية مع الدولة العثمانية التي كانت الألوية الثلاثة المشكلة للعراق (الموصل وبغداد والبصرة) جزءاً منها حتى الاستقلال في عام 1921.

وأعطت هذه الاتفاقات إيران -فيما أعطت- حق الإشراف على الأماكن الشيعية المقدسة في النجف وكربلاء، وللتأكيد على هذا النفوذ فقد سافر الشاه عباس الصفوي في بدايات القرن السادس عشر الميلادي من عاصمة ملكه إصفهان حتى العتبات المقدسة في النجف؛ مشياً على الأقدام ليكنس قبر الخليفة الرابع علي بن أبي طالب ويلقب نفسه على العملة الرسمية بلقب «كلب عتبة علي».

وهكذا حفر الشاه عباس -ولو بالمكنسة والعملة المعدنية- طموح بلاده التاريخي في جنوب العراق، وتوقها الأزلي إلى لعب دور إقليمي، كان النفوذ في العراق ومازال شرطه الأساس.

أما الجمهورية التركية، وريثة الدولة العلية العثمانية، فلها ارتباطات أخرى تاريخية بالعراق، خصوصاً بالتركمان في شماله، لكن حلفاء تركيا من التركمان لا يرقون من حيث العدد أو الإمكانات إلى مستوى الأكراد، ناهيك عن شبكة التحالفات الإقليمية والدولية للأخيرين.

وهكذا ففي مقابل معسكر إقليمي تقوده إيران ويشمل الأحزاب الكردية والشيعية، لا تبدو مروحة التحالفات التركية دائرة إلا على اختيارات محدودة من التركمان أولاً، وبالاشتراك مع دول عربية أخرى من الأحزاب السنية العراقية ثانياً.

كانت السياسة الإقليمية لتركيا في العراق -ومازالت حتى كتابة هذه السطور- في مأزق، بسبب تزايد الثقل الإقليمي الإيراني هناك، وهكذا عدّلت طهران نتيجة السباق الإقليمي بينها وبين أنقره، بعد أن كانت الكفّة تميل لمصلحة الأخيرة بعد أن حسمت الصراع على طرق نقل أنابيب النفط من بحر قزوين وآسيا الوسطى لمصلحتها.

ومع تزايد الطموحات النووية الإيرانية، فقد عمدت تركيا بدورها إلى إعادة النظر في استراتيجيتها النووية باتجاه التراجع عن حيادها النووي، لأن وصول إيران إلى امتلاك التكنولوجيا النووية يثبِّت وضعها أمام تركيا الراغبة مثلها في التمدد إلى منطقة الشرق الأوسط.

صحيح أن البوصلة الأساسية للسياسة التركية توجهت دوماً نحو الغرب، لكن مماطلة الاتحاد الأوروبي في قبول تركيا عضواً فيه ووضع العراقيل أمام انضمامها، يجبران صنّاع السياسة في أنقرة على ترتيب الأولويات الجغرافية لتركيا متعددة الإطلالات والمواهب الجغرافية، ووضع الشرق الأوسط في مقدمها.

ويقضي التصور الحاكم للشرق الأوسط في المخيلة الاستراتيجية التركية، بأن أنقرة تستطيع ترجمة نفوذها الإقليمي هنا إلى نفوذ إضافي يضغط على الاتحاد الأوروبي ويغازل طموحاته ومصالحه في المنطقة، لكن النفوذ والحضور الإقليمي التركي في المنطقة لا يمكن أن يمرا إلا عبر بوابتين رئيسيتين هما العراق أولاً، وسورية ثانياً.

صحيح أن العلاقات بين كل من أنقرة ودمشق قد تحسنت تحسناً كبيراً في السنوات الماضية، إلا أن انضواء دمشق في التحالف الإقليمي الذي تقوده إيران يجعل العلاقات السورية-التركية في درجة تالية من الأهمية بعد تحالفها الاستراتيجي مع طهران، وذلك على الرغم من وساطة أنقرة بين دمشق وتل أبيب.

كما أن الأكراد في العراق يضعون تركيا في مرتبة الخطر الأول على طموحاتهم القومية، ويتمددون في شمال العراق لعزل تمدد تركيا نحو العراق، وفى الوقت نفسه يكرسون تحالفهم الدولي مع واشنطن حليفة تركيا، بما يجعل الأخيرة مكبلة اليدين تجاههم.

على هذه الخلفية، يمكن اعتبار أن مستقبل تطور العلاقات الإيرانية-التركية في الفترة القليلة المقبلة، يبقى رهناً بتصارع مجموعة من العوامل فيما بينها، ويتصدر هذه العوامل التناقض في الأفكار المؤسسة لأدوار كل من النظامين السياسيين في طهران وأنقرة، وكذلك بقدرتهما على لعب دور حاسم في تجذير التباعد بينهما.

ومن جملة هذه العوامل أيضاً التنافس التاريخي للبلدين على النفوذ في المنطقة، وتصادم المنظومة الفلسفية والقيمية لكل منهما، والمواقع المتناقضة في التحالفات الدولية. تشترك طهران وأنقره في حقيقة أنهما تمتلكان موقعاً جيو-استراتيجياً مهماً في المنطقة، لكنهما أيضاً تعانيان سوياً عدم وجود إطار مؤسسي يجمعهما مع الدول العربية في منظومة إقليمية وأمنية مشتركة، وإن كانت تركيا تستعيض عن ذلك بالانخراط في حلف الناتو والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، أما إيران فلم تتمكن من الانخراط في أي منظومة إقليمية أو دولية، وعلاقاتها الدولية مع روسيا والصين لا ترقى إلى مستوى علاقات تركيا بالغرب، ناهيك عن وضوح التفوق الأميركي على نظيريه الروسي والصيني في حلبة السياسة الدولية.

باختصار، النفوذ الإقليمي لإيران يتواجه مع التحالفات الدولية لتركيا، أما نحن العرب فلا نلعب، ولا يبدو أننا نشجع اللعبة الحلوة أيضاً!

العلاقات الحالية

تشهد العلاقات التركية-الإيرانية راهناً علاقات تعاون اقتصادى جيدة، وتتوسط تركيا في أزمة الملف النووى الإيرانى بين طهران والغرب، ولكن دون أن يرقى ذلك التعاون الاقتصادى والوساطة الدبلوماسية إلى مستوى التحالف بين البلدين. يملك البلدان قواسم مشتركة واضحة، فكلاهما دولتان غير عربيتان تحيطان بالدول العربية من الشمال، لكلاهما مصلحة مشتركة في لجم الطموحات الكردية ضمن حدودهما السياسية. ومع المصالح المشتركة الناجمة من الموقع الجغرافى وتشابه مصدر التهديد (الأكراد)، يمكن ملاحظة تنسيق محدود الفعالية بين تركيا وإيران في ملفات القوقاز وآسيا الوسطى. وعلى العكس من الساسة تبدو إمكانات واعدة لتعاون اقتصادى كبير بين أنقره وطهران، من طريق مد الغاز الإيرانى إلى "خط نابوكو" عبر الأراضى التركية إلى أوروبا. وإذ تشكل السوق الإيرانية أحد الركائز المهمة للصادرات التركية في الشرق الأوسط، فإن تركيا تستثمر أيضاً في قطاع النفط الإيرانى، وخصوصاً حقل بارس الجنوبى. وفى مقابل مجموعة القواسم المشتركة فهناك أيضاً كوابح تعيق –موضوعياً- تطوير هذه العلاقات، إذ يخوض البلدان منافسة تاريخية على الزعامة الإقليمية منذ خمسة قرون. تتصادم المنظومة القيمية لكلا النظامين، وتتعارض التحالفات الدولية لكل منهما، وتختلف الأدوات التى يستخدمها الطرفان في المنطقة: تركيا تستثمر قوتها الناعمة، وقوتها الاقتصادية وانفتاحها على الغرب لمد النفوذ، أما إيران فتفرض حضورها عبر منازلة إسرائيل وتبنى حركات المقاومة واصطدامها بالولايات المتحدة الأمريكية. [3] وفى حين تعود تركيا إلى المنطقة بترحيب دولى وإقليمى نسبى، إلا أنها لا تملك التحالفات التى تفرض الإيقاع مثل إيران. لا تعنى عودة تركيا إلى توازنات المنطقة التصادم مباشرة مع إيران، أو الاستمرار بنمط العلاقات مع إسرائيل على غرار العقود السابقة، وهو ما يعنى ضرورة تموضع تركيا بصورة مغايرة تسمح لها القيام بأدوارها الجديدة المرغوبة منها ذاتها والمطلوبة دولياً. هنا لا بد من ملاحظة أن تركيا لن تؤيد ضربات عسكرية ضد إيران لحل أزمة ملفها النووى، لأن ذلك سيرتد على تركيا ومصالحها في المنطقة، في الوقت الذي تعارض فيه تركيا امتلاك إيران لقدرات نووية لأن ذلك سيحسم التنافس التاريخى على الزعامة بين تركيا وإيران لمصلحة الأخيرة. لذلك تتوسط تركيا في الملف النووى الإيرانى باعتبارها "المرجعية الإقليمية" الأولى في المنطقة، وهو ما يساء فهمه في أحيان كثيرة من الأطراف العربية. كما أن عودة تركيا إلى معادلات النفوذ في العراق وسورية تعنى –حكماً- خصماً من أدوار إيران هناك، ولكن بطريقة ناعمة وتراكمية وليس على نحو تصادمى مباشر. يبدو الصراع على النفوذ بالشرق الأوسط والرغبة في التمدد الإقليمى قدراً مستمراً للعلاقات الإيرانية-التركية، على الرغم من بعض الفترات التاريخية التى شهدت العلاقات فيها تقارباً بين البلدين، ولكن دون أن يرقى هذا التقارب أبداً إلى مستوى التحالف الثنائى بين البلدين الجارين.

ملف:أردوغان وپوتن ورئيسي في ختام قمة طهران، 24 يوليو 2022.

في 20 يوليو 2022، عُقدت قمة إيرانية تركية روسية في العاصمة الإيرانية طهران، بحضور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والروسي ڤلاديمير پوتن والتركي رجب طيب أردوغان. وأكد البيان الختامي للقمة الثلاثية تصميم الدول الثلاث على مواصلة التعاون "للقضاء على الإرهابيين" في سوريا.و أبدى الرئيس التركي اردوغان عزمه على مواصلة قتال "الإرهاب" في سوريا. وأعربت طهران أعربت لأردوغان مجدداً عن رفضها العملية العسكرية لما ستلحقه من "ضرر" على أطراف مختلفة في المنطقة.[4]

وعلى وقع التهديدات التركية بالعملية العسكرية، أتت قمة طهران ضمن إطار عملية أستانا للسلام الرامية لإنهاء النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011. ويلوّح إردوغان منذ شهرين بشنّ عملية عسكرية ضد مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، تنطلق من الحدود التركية وتمتد الى منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب في شمال سوريا. وتسيطر تركيا وفصائل سورية موالية لها منذ 2016 على مناطق حدودية متاخمة في الشمال.

وأعربت الدول الثلاث في البيان الختامي عن تصميمها "على مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية"، ورفض "كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية، والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافة الى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة".

وأكد خامنئي خلال استقباله اردوغان إن عملية عسكرية تركية "ستعود بالضرر على سوريا، ستعود بالضرر على تركيا، وستعود بالضرر على المنطقة"، وفق بيان نشر على موقعه الالكتروني. اعتبر پوتن في كلمته أن المحادثات الثلاثية كانت "مفيدة جدًا"، مضيفا "ناقشنا النقاط الأساسية لتعاوننا المتعلّق بسوريا"، داعيًا نظيريه لزيارة روسيا لعقد القمة المقبلة.

وسبق لموسكو وطهران أن حذرتا تركيا من شنّ هذه العملية في سوريا التي وصل وزير خارجيتها فيصل المقداد إلى طهران ليل الثلاثاء. وحذّر من أن الخطوة التركية المحتملة ستصبّ في صالح "الإرهابيين"، معتبراً أن على "إيران وتركيا وسوريا وروسيا حل هذه المشكلة من خلال الحوار". ودعمت تركيا وروسيا أطرافاً متصارعة في الحرب الأهلية السورية، وراحتا تبحثان عن طرق للحد من العنف في الأشهر الأخيرة.

وكان مجلس الأمن الدولي قد وافق قبل أيام على تجديد السماح بتسليم المساعدات عبر الحدود إلى سوريا في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون لمدة ستة أشهر بعد أن أوقفت روسيا في البداية اقتراحاً بتمديدها لمدة عام واحد.

تأتي الزيارة في أعقاب ادعاء مسؤولين أمريكيين بأن طهران تعتزم تزويد روسيا بمئات الطائرات المسيرة لحربها في أوكرانيا. وقالت الولايات المتحدة إن زيارة الزعيم الروسي إلى إيران أظهرت مدى عزلة روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا. تمثل القمة أول لقاء بين بوتين وزعيم دولة من حلف شمال الأطلسي، أي اردوغان، للمرة الأولى منذ بدء روسيا غزوها لأوكرانيا في فبراير. وكان رفع الحظر عن صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود على رأس جدول أعمال الزيارة، وقد قال بوتين إنه جرى إحراز تقدم في هذا المجال.

وفي أعقاب غزوها لأوكرانيا، باتت روسيا تحت سلسلة من العقوبات التي فرضتها دول غربية تتقدمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. من جهتها، تخضع إيران منذ أعوام طويلة لعقوبات مختلفة، زادت حدة بعد الانسحاب الأمريكي الأحادي من الاتفاق بشأن برنامجها النووي عام 2018.

والتقى پوتن في طهران المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي. ونقل بيان عن خامنئي قوله إن "الأحداث العالمية تظهر حاجة إيران وروسيا إلى تعاون متبادل متزايد باستمرار"، لا سيما في ظل العقوبات الغربية المفروضة على البلدين. وسبق وصول پوتن لطهران الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم بين شركة گازپروم الروسية العملاقة للطاقة، والشركة الوطنية للنفط الإيرانية.

وحضرت مسألة تصدير الحبوب من أوكرانيا على هامش القمة. وأعلن پوتن بعد اجتماع عقده مع اردوغان تحقيق تقدم في هذه المسألة. وقال متوجها الى نظيره التركي "أودّ أن أشكركم لجهود الوساطة التي بذلتموها، لاقتراحكم تركيا كميدان مفاوضات حول مشكلات الإنتاج الغذائي ومشكلات تصدير الحبوب عبر البحر الأسود"، وفق بيان للكرملين. وكان پوتن يشير الى الآليات التي ستسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية العالقة بفعل الهجوم العسكري الروسي، عبر ممرات بحرية آمنة، في ظلّ الخشية من أزمة غذاء عالمية.

وعلى الرغم من كونها عضواً رئيسياً في التحالف العسكري الغربي، رفضت تركيا الانضمام إلى العقوبات الدولية ضد موسكو، حيث تسعى حكومة أردوغان إلى لعب دور الوسيط. ويمكن أن يوفر الاجتماع فرصة للزعيم التركي لإتمام اتفاق مبدئي بين القادة الروس والأوكرانيين لضمان تصدير 22 مليون طن من الحبوب. وفي الآونة الأخيرة، تحاول أنقرة التفاوض على إنهاء حصار الحبوب في البحر الأسود، والذي يمنع ملايين الأطنان من الحبوب المطلوبة بشدّة من مغادرة أوكرانيا وتسليمها إلى دول في جميع أنحاء العالم.

وتشير تقارير إلى إن أسطول البحر الأسود الروسي يوقف أي شحنات تدخل أو تخرج، وقد وثقت بي بي سي أدلة كثيرة على أن قوات موسكو سرقت الحبوب الأوكرانية وصدّرتها. وقد أثر القتال العنيف على حصاد الحبوب السنوي في أوكرانيا.وقال وزير الدفاع التركي الأسبوع الماضي إن الجانبين اتفقا على سبل لضمان سلامة طرق الشحن لسفن الحبوب. وقال يوري أوشاكوف، كبير مستشاري بوتين للسياسة الخارجية: "ستُناقش قضية شحنة الحبوب الأوكرانية مع أردوغان. ونحن مستعدون لمواصلة العمل على هذا المسار".

لكن المحادثات تأتي في الوقت الذي اتهم مسؤولون ومزارعون محليون بالقرب من خط المواجهة، روسيا بقصف حقول الحبوب عمدا. وقال أوليه بيلينكو، وهو سياسي محلي في جنوب أوكرانيا وسجين روسي سابق، لبي بي سي إن المزارعين في دائرته الانتخابية بالقرب من مدينة ميكولايف الجنوبية يتعرضون باستمرار لقصف مدفعي وصاروخي. وأضاف أن القوات الروسية كانت "تقصف الحقول والآلات الزراعية وحظائر الحبوب"، مشيرا إلى أن العديد من المزارعين "سقطوا ضحايا لمثل هذه الهجمات وأصيبوا بشظايا". وقال إن "فرق الإطفاء المحترفة من مدينة ميكولايف تخشى الذهاب إلى هناك لأن الوضع خطير للغاية. أُخمد العديد من الحرائق بجهودنا الخاصة. لكن القصف ازداد الآن".


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التعاون الأمني

صورة للجدار على الحدود الإيرانية التركية.

في أعقاب استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، بدأت السلطات التركية في تسريع وتيرة بناء الجدار على الحدود مع إيران، لمنع تدفق اللاجئين الأفغان.[5] كانت تركيا في أواخر يوليو 2021، قد بدأت تركيا إلى تعزيز الأمن على حدودها المشتركة مع إيران، وتشييد جداراً محاطاً بأسلاك شائكة، على طول حدودها المشتركة مع إيران (295 كم). ووفق تصريح حاكم محافظة ڤان سينتهي تشييد الجزء الأول البالغ 64 كيلومترا في نهاية العام. أعلن حاكم محافظة ڤان بشرق تركيا، أمين بيلمز، تشييد جدار حدودي بطول 295 كيلومتراًيغطي الحدود المشتركة مع إيران.

ويهدف الجدار إلى مكافحة تدفقات الهجرة غير الشرعية من إيران، إذ تتزايد المخاوف من تدفق جديد محتمل للاجئين أفغان فارين من العنف المتنامي في بلدهم، تزامنا مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.[6]

من إيران، يدخل المهاجرون عادة إلى تركيا، لاسيما محافظة ڤان الحدودية. ونشر صحافيون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة توثق وصول قوافل المهاجرين إلى تركيا ودخولهم إلى محافظة فان. ونقلت وسائل إعلام تركية عن بيلمز قوله "خصصت وزارة الداخلية 35 فرقة عمليات خاصة و50 عربة مسلحة للمنطقة لمساعدة قوات حرس الحدود". مضيفا، "حفرنا الخنادق على مدار العامين الماضيين بعرض وعمق 4 أمتار. وستحيط مدخل هذه الخنادق أسلاك الشائكة". "نتوقع أن يتم تجهيز قسم بطول 64 كيلومترا بحلول نهاية العام. نحضّر مناقصة لبناء 63 كيلومترا إضافيا من السور"، وأشار الحاكم إلى أن الأقسام المتبقية ستكتمل في السنوات القادمة. بالإضافة إلى بناء الجدار، "سيكون هناك 58 برج مراقبة و45 برج اتصالات. وسيتم تجهيز الأبراج بكاميرات حرارية ورادارات وأجهزة استشعار وأنظمة مكافحة الحرائق".


الطاقة

الغاز الطبيعي

تركيا وإيران البعد عن حافة الصدام

دخلت العلاقات التركية الإيرانية مرحلة جديدة مع إعلان قيام الجمهورية في تركيا عام 1923، فقد كان للشعار الذي رفعته تركيا آنذاك "السلم في الوطن والسلم في العالم" وقع طيب على إيران التي لم تكن تشعر بالراحة للسياسات "الإسلامية والطورانية" التي شهدتها الدولة العثمانية في آخر أيامها.

وبفضل هذه التطورات شعرت طهران أنها قد تخلصت -وإلى حد كبير- من الخطر التركي الذي كان يتهددها تاريخيا من جهة الغرب.

معروف أن إيران قد استفادت من الإصلاحات التحديثية التي بدأت تركيا في تطبيقها والتي جذبت انتباه الشاه رضا پهلوي وزادته جرأةً على القيام بإصلاحات مماثلة في بلده. ورغم المشاكل الحدودية العالقة بين البلدين في تلك الفترة والتي لم تحلّ بسهولة إلاّ أنهما قد أبديا رغبة في تطوير العلاقات بينهما.

ما بعد الثورة

ومع الثورة الإسلامية عام 1979 بزعامة آية الله الخميني انقطعت فجأة تلك العلاقات ذات البعد الأمني، وحُلّت منظمة الميثاق المركزي بعد انسحاب إيران وباكستان منها.

وعند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وضعت العلاقات التركية الإيرانية على السكة من جديد خاصة مع تشكيل طورغوت أوزال لحكومته في تركيا بعد ذلك. ففي تلك الفترة لم تشارك تركيا في الدعاية المضادة لإيران، بل إنها عملت على استغلال الفرص التي صنعتها الحرب لإيجاد أسواق لاقتصادها المتنامي.

وقد اتبعت إيران سياسة مماثلة حيث كانت تتفادى أي خطاب أو تصرف يحول تركيا إلى خصم باستثناء بعض تصريحات الخميني عن أتاتورك وخصوصاً في الفترة التي كانت فيها إيران تعاني من حصار مفروض من طرف الدول الغربية والعربية.

وقد بدأ -ولو في الظاهر- تحسن العلاقات التركية الإيرانية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وظهور نية الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في العراق.

فتركيا تعتبر أن أكبر تهديد أمني بالنسبة إليها هو إنشاء دولة كردية محتملة في شمال العراق، وفي هذا السياق أبدت انزعاجها من التحالف الوثيق الذي أظهرته الولايات المتحدة الأميركية إزاء أكراد العراق وهو ما دفعها إلى توثيق تحالفها مع إيران.

وفي هذه الفترة زاد حزب العمال الكردستاني من نشاطاته وبدأ يشن الهجمات على مراكز الشرطة على الحدود مع إيران الأمر الذي زاد من التقريب أكثر بين تركيا وإيران، ولأول مرة في تاريخ البلدين تتم عمليات عسكرية مشتركة بينهما

في عهد العدالة والتنمية

وقد اعتبرت إيران فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 3 نوفمبر 2002 وتشكيله الحكومة منفردا تطورًا إيجابيا.

وعقب هذا الفوز وزعت الحلوى في الشوارع الإيرانية احتفاء بذلك، وظهرت في قنوات التلفزيون الإيرانية تعليقات فيها كثير من المبالغة تقول بأن الشعب التركي أدار ظهره للأحزاب العلمانية وتوجه نحو الأحزاب الإسلامية.

وبالمقابل فإن أعضاء الحكومة بصورة خاصة، ومراعاة للوضع التركي الداخلي الحساس ومعرفة منهم بالتوازنات الداخلية، وتجنبا لإثارة ردود أفعال القوى المتنفذة داخل البلاد، وكذلك استنتاجا للدّرس مما حدث للنائبة المحجبة مروة قواقجي فإنهم لم يعبّروا عن سعادتهم بطريقة مُفرطة ومبالغ فيها.

ورغم التنافس التاريخي الذي ميز هاتين الدولتين فإنه عمليا يمكن القول بأن السياسة التركية إزاء إيران قد اعتمدت على ركائز ثلاث:

تأمين الطاقة

التنسيق في المسائل الأمنية المتعلقة بالمشكلة الكردية اعتبار إيران بالنسبة إلى تركيا ممرا إلى وسط آسيا وجنوبها، وفي وقت من الأوقات ثارت مزاعم في الإعلام التركي تذهب إلى أن إيران تدعم عمليات "تشيع" داخل تركيا، غير أن الخصوصية الثقافية لتركيا جعلت التأثير الإيراني لا يمسّ سوى قسمًا ضيّقا من الشريحة الإسلامية في البلاد.

ومن الناحية الأمنية فإن ثمة تقارب كبير فيما يتعلق بوجهات النظر خلال السنوات الأخيرة بين تركيا وإيران حول وحدة التراب العراقي والموقف من حزب العمال الكردستاني.

وبالموازاة مع تحسن العلاقات السياسية بين البلدين في هذه المرحلة شهدت حركة تصدير السلع والبضائع من تركيا إلى إيران زيادة مطّردة.

وبالنسبة لإيران فإن الحكومات في طهران ومنذ قيام الثورة انتهجت سياسة خارجية تفضل عدم إفساد العلاقات مع تركيا، متجاوزة موقفها الإيديولوجي، واضعة في اعتبارها أن الجسر الوحيد المستقر الذي يربطها مع الغرب هو تركيا.

فالمشاكل الحدودية أو المشاكل المتعلقة بالثورة وما قيل عن تصديرها والتي عاشتها إيران مع جيرانها لم تؤثر في علاقتها بتركيا، وكل عام تفد إلى تركيا أعداد كبيرة من السياح لزيارة تركيا، وفي الوقت نفسه هناك الآلاف من الطلاب الإيرانيين يدرسون في الجامعات التركية، ولم يصدر أيّ تصريح تركي ينتقد سلوك هؤلاء الطلاب.

وقد تحسنت العلاقات الإيرانية التركية أكثر بسبب السياسات التي كانت تتبعها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، خاصة بعد أن مارست تلك الإدارة ضغوطا شديدة على حكومة حزب العدالة والتنمية بمجرد وصول بوش الابن إلى السلطة من أجل السماح للوحدات العسكرية الأمريكية بالمرور إلى العراق.

ولم تتحمس الحكومة في أنقره ولا الجيش لهذا الموضوع، كما رفض البرلمان التركي المذكّرة التي قدمت في هذا الصدد بفارق ضئيل من الأصوات، وقد قوبلت هذه الخطوة بتقدير كبير في إيران رغم ما كانت تضمره من عدم ارتياح بسبب علاقات تركيا بإسرائيل وعضويتها في حلف الناتو.

وكذلك قوبل رد الفعل الإيراني الغاضب من إسرائيل عقب اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين برضا كامل في إيران. وقد بدا هذا الارتياح واضحا سواء من خلال اللهجة التي تكلم بها المسؤولون الإيرانيون أو من خلال التعليقات والتحليلات في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية.

وقد ترسخت سمعة تركيا الإيجابية في المنطقة بفضل الجهود الكثيفة التي بذلتها الحكومة التركية لوقف إطلاق النار أثناء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان صيف عام 2006.

ثم جاءت المشادّة الكلامية بين رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في منتدى دافوس 2009 لتزيد من موجة الإعجاب بتركيا في إيران.

وبينما كانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين لا تتوقف مدحا وإشادة بهذا الموقف كان الطلاب الإيرانيون يمطرون السفارة التركية في طهران بالورود والأزهار، بل إن هناك من اقترح إطلاق اسم رئيس الوزراء التركي أردوغان على أحد الشوارع في طهران.

هواجس وظنون

لكن بالرغم من هذه التطورات في النظرة الإيرانية وفي الوعي الإيراني إزاء تركيا في السنوات الأخيرة إلا أنّه لا يمكن القول إن السياسة الخارجية التركية تتماهى تماما مع المصالح الإيرانية وتتطابق معها.

فالواقع أن إيران تتابع بقلق شديد الوساطات التي تقوم بها تركيا بين إسرائيل وسوريا، ولذلك فإن المسؤولين السوريين اضطروا لتنظيم عدة زيارات إلى طهران بهدف إزالة المخاوف التي تساور إيران.

فإيران متخوّفة من نية تركيا إقصاءها عن إقراء بعض الخيارات الإستراتيجية بالمنطقة. وكمثال على ذلك -وعلى إثر الأزمة الجورجية- طرحت تركيا مشروع منتدى التعاون القوقازي، وهذه الخطوة أزعجت إيران التي لا تخفي علاقاتها بالمنطقة. وفي رده على الاقتراح التركي صرح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي بأن أي كيان إقليمي لا تشارك فيه إيران لن يكون بمقدوره تأمين الاستقرار، كما قام متكي بزيارات مكوكية إلى دول المنطقة لاستطلاع الأمر.

ومن بين المسائل الحساسة في العلاقات الإيرانية التركية مشكلة الملف النووي الإيراني، وقد كان لافتا أن تركيا تعاملت مع هاتين المسألتين بهدوء واتزان.

فقد دأبت الحكومة التركية باستمرار على القول بأنه من حق كل دولة امتلاك الطاقة النووية واستخدامها في الأهداف السلمية، وقد برز موقفها هذا بصورة واضحة في السنوات الأخيرة. وفي كلمة لرئيس الحكومة نفسِه رجب طيب أردوغان ألقاها في الولايات المتحدة الأمريكية وجه كلامه إلى الدّول الغربية قائلا: "إنه ليس من العدل أن تمتلكوا أنتم مئات الأسلحة النووية بينما تقولون لإيران لا تفعلي ذلك".

هذا الموقف التركي من الملف النووي الإيراني قد يمكن أنقره من لعب دور الوسيط النزيه بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

ومن جانب آخر فإن تركيا نأت بنفسها –على الأقل بشكل علنـي- عن الاتهامات الموجهة إلى إيران والمتعلقة بنفوذها المتزايد في العراق ورغبتها في تكوين هلال شيعي.

هذه المواقف التي تتألف من مزيج من تدعيم العلاقات الاقتصادية لا سيما في مجال النفط والغاز، وتنسيق أمني وعسكري خاصة تجاه حزب العمال الكردستاني، واعتدال في المواقف السياسية المتعلقة بالملف النووي، مثلت مجتمعة أرضية لعلاقات ثنائية يمكن لها أن تتطور إلى آفاق أرحب. [7].


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً

مرئيات

جدار الحدود التركية-الأفغانية، أغسطس 2021.

المصادر

  1. ^ مصطفى اللباد. "تطور العلاقات الإيرانية- التركية وانعكاساتها على المنطقة - ج 1/3". جريدة الجريدة.
  2. ^ مصطفى اللباد. "تطور العلاقات الإيرانية- التركية وانعكاساتها على المنطقة - ج 2/3". جريدة الجريدة.
  3. ^ اللباد, مصطفى (2011). شرق نامه. العدد السابع. دار المستقبل العربي.
  4. ^ "قمة طهران: اتفاق ثلاثي على مواصلة التعاون "للقضاء على الإرهاب في سوريا"". بي بي سي. 2022-07-20. Retrieved 2022-07-24.
  5. ^ "لوقف تدفق المهاجرين الأفغان .. تركيا تسرع بناء الجدار على الحدود". صحيفة الاقتصادية. 2021-08-17. Retrieved 2021-08-17.
  6. ^ "تركيا: جدار ضخم على طول الحدود المشتركة مع إيران خوفا من تدفق المهاجرين". مهاجر نيوز. 2021-07-29. Retrieved 2021-08-17.
  7. ^ تركيا وإيران..البعد عن حافة الصدام - الجزيرة نت

وصلات خارجية