السلطنات الإسلامية في الهند

Flag of Afghanistan.svg Flag of Bangladesh.svg Flag of Bhutan.svg Flag of India.svg
Flag of Maldives.svg Flag of Nepal.svg Flag of Pakistan.svg Flag of Sri Lanka.svg
تاريخ جنوب آسيا

(شبه القارة الهندية)

العصر الحجري 70,000–3300 ق.م.
ثقافة مهرگره • 7000–3300 ق.م.
حضارة وادي الإندوس 3300–1700 ق.م.
ثقافة هرپـّان المتأخرة 1700–1300 ق.م.
الفترة الڤيدية 1500–500 ق.م.
العصر الحديدي 1200–300 ق.م.
مهاجناپادا • 700–300 ق.م.
امبراطورية ماگادا • 545 ق.م. - 550
امبراطورية موريا • 321–184 ق.م.
الممالك الوسيطة 250 ق.م.–1279 م
امبراطورية چولا • 250 ق.م.–1070 م
ساتاڤاهانا • 230 ق.م.–220 م
امبراطورية كوشان • 60–240
امبراطورية گوپتا • 280–550
امبراطورية پالا • 750–1174
أسرة چالوكيا • 543–753
راشتراكوتا • 753–982
امبراطورية چالوكيا الغربية • 973–1189
مملكة هويسالا 1040–1346
امبراطورية كاكاتيا 1083–1323
السلطنات الإسلامية 1206–1596
سلطنة دلهي • 1206–1526
سلطنات الدكن • 1490–1596
مملكة أهوم 1228–1826
امبراطورية ڤيجايانگرا 1336–1646
سلطنة المغول 1526–1858
امبراطورية ماراثا 1674–1818
سلطنة دراني 1747–1823
اتحاد السيخ 1716–1799
امبراطورية السيخ 1801–1849
شركة الهند الشرقية البريطانية 1757–1858
الراج البريطاني 1858–1947
الدول المعاصرة 1947–الحاضر
تواريخ الأمم
بنگلادشبوتانجمهورية الهند
المالديڤنيپالپاكستانسري لانكا
تواريخ إقليمية
أسامبلوشستانالبنغال
هيماچال پرادشاوريساالمناطق الپاكستانية
شمال الهندجنوب الهندالتبت
تآريخ متخصصة
العملاتالأسراتالاقتصاد
علم الهندياتاللغةالأدبالبحري
العسكريالعلم والتكنولوجياخط زمني
 ع  ن  ت

لم يكن اسم الهند بعيداً يوماً عن العرب، فقد تعاملوا مع شبه القارة الهندية قبل الإسلام وبعده تجارة وعلاقات، وكان أول دخول للإسلام إلى شبه القارة الهندية بمبادرة من الحجاج ابن يوسف الثقفي والي العراقين والمشرق الذي أرسل قائده محمد بن القاسم الثقفي سنة 89هـ إليها، فوصل إلى حوض نهر السند واستولى على الدّيبُل (كراتشي) وأنهى حكم صاحبها الملك «داهر»، ثم سار شمالاً حتى وصل إلى الملتان وسيطر عليها، وكانت النتيجة إنشاء أول ولاية هندية تنضم إلى أراضي الخلافة الإسلامية.

على أن هذه الفتوحات لم تصل إلى أبعد مما وصل إليه محمد بن القاسم الثقفي حتى جاء الغزنويون من شمال غربي أفغانستان، فقد نجح يمين الدولة محمود (387-421هـ) بغزو الهند ما بين سنتي 391-417هـ/1001-1026م أكثر من خمس عشرة مرة إلى أن استقر في كشمير والبنجاب، ثم استولى على موترة سنة 408هـ/1018م وأضاف إليها سومنات في إقليم كجرات، ومع حلول سنة 417هـ نجح في إطاحة الأسر المحلية الهندية وإضعاف سلطة الراجبوت فجعلهم أتباعاً له، وجعل من البنجاب قاعدة دائمة له.

وحين صارت المنطقة لمحمد الغوري (569 -602هـ) اتخذ من البنجاب قاعدة لعملياته العسكرية فتوسع في سهول نهر الگانج وتوغل في هندستان والبنغال في الشرق حتى دلتا نهرالگانج، وكان جيش محمد الغوري مكوناً بصورة أساسية من مماليكه الذين جعل منهم قادة للجيش، فلما اضطر إلى الذهاب إلى خراسان عيّن مملوكه قطب الدين أيبك مسؤولاً عن جميع مناطق فتوحاته الهندية.

وعندما توفي محمد الغوري سنة 602هـ أعلن مملوكه قطب الدين أيبك نفسه رئيساً للدولة الإسلامية في الهند، وهكذا تشكلت أول سلطنة إسلامية فيها، وانقطعت صلة هذه الدولة بغزنة والأراضي الأفغانية، وحَكَمَ هذه السلطنة التي عرفت في التاريخ باسم سلطنة دهلي ستُّ مجموعات من الحكام: مجموعة الملوك المماليك، أسرة الخلجيين، أسرة التغلقيين، وبنو خضر، وبنو لودي، وبنو سور الأفغانيون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حكم الملوك المماليك (603 ـ 689هـ/1206 ـ 1290م)

أبرز الوجوه وأهمها إيلتتمش مملوك قطب الدين وصهره الذي صرف همه الأول لإخضاع حاكمي البنغال والملتان ثم أخذ في توسيع مملكته على حساب الأمراء الهنود، فاحتل قلعة رانتا مبهور سنة 624هـ/1226م وأخضع السند السفلى، ومنطقة ملوه سنة 632هـ، وقد اعترف خليفة بغداد أول مرة بوجود دولة إسلامية في الهند وأصدر إلى حاكمها إيلتتمش مرسوماً رسمياً ضمنه الاعتراف به سلطاناً عليها، وكانت رضية بنت إيلتتمش أول سيدة تربّعت على عرش دهلي (634-637هـ)، ولكن بعد وفاتها وصل عدد من السلاطين الضعفاء، حتى تولى السلطة بلبان (664-686هـ) صهر إيلتتمش الذي حاول إرساء دعائم السلطنة على أسس ثابتة، وقضى في مدة حكمه الطويلة على الفتن التي قامت في أنحاء السلطنة شرقاً وغرباً، ثم تعهد طرق المواصلات عبر الأدغال، واستغل خبرته الإدارية في إقامة العدل بين الرعية، وفي المحافظة على وحدة أراضي السلطنة بالقضاء على محاولات من كان يرغب في الانفصال عنها من حكام المقاطعات.

توفي بلبان سنة 686هـ فتولى الحكم حفيده كيقباذ، ولكنه لم يكن أهلاً له فقتل سنة 689هـ/1290م، فكان آخر سلسلة الملوك المماليك.


السلاطين الخلجيون (689 ـ 720هـ/1290 ـ 1320م)

انتقلت السلطنة سنة 689هـ إلى جلال الدين فيروزشاه الخلجي وهو من قبيلة أفغانية كانت تقطن إلى الشرق من بلاد الأفغان، وكان لها دور مهم في الفتوحات أيامقطب الدين أيبك، وعندما قتل علاء الدين محمد عمه جلال الدين سنة 695هـ استولى على السلطة.

حكم علاء الدين عشرين سنة (695-716هـ) وكان أبرز شخصيات الخلجيين، قضى عهده في بناء دولته، وأخذ يتطلع إلى توحيد شبه القارة الهندية تحت سلطته، فاحتل «ديغار» كبرى مدن الدكن الغربي واحتل سنة 697 انهلوارا عاصمة گجرات، وفي سنة 701 استعاد حصن رانتهامبور Ranthambore Fort التي كانت قد خسرتها السلطنة أيام السلطانة رضية، وفي هذه الأثناء كثف المغول غاراتهم المدمرة على البنغال ووصلوا في بعض هجماتهم إلى دهلي (دلهي فيما بعد)، ولكن قادة علاء الدين هزموا المغول سنة 704هـ بعد صراع عنيف، فكافأ السلطان قائده غياث الدين تغلق بأن عينه حاكماً ومراقباً عاماً لجبهة البنجاب وسمى كافور عبده الأثير نائباً للسلطنة.

توفي علاء الدين سنة 716هـ واضطربت الأمور من بعده ثم مالبثت أن انقرضت دولة الخلجيين بمقتل مبارك شاه آخر حاكم منهم سنة 720هـ على يد أحد العبيد الأثيرين عنده، وهنا دخل المسرح غياث الدين تغلق الذي سار بجيوشه من البنجاب وهزم المغتصب غير بعيد من دهلي.

التغلقيون (720 ـ 817هـ/1320 ـ 1414م)

كان غياث الدين تغلق (720-725هـ) تركياً مسلماً حسن الإسلام ولهذا قوبل بالترحيب من كبار رجال الدولة، وكانت سلطته خيراً على البلاد فقد حمى المزارعين، وعدّل الضرائب وأمر الجباة بالإنصاف، وأعاد تنظيم البريد، وتابع في الوقت نفسه سياسة التوسع فأرسل ابنه محمد تغلق لإخضاع مملكة تيلنغانا في الدكن فاحتل عاصمتها لتصبح ولاية من ولايات السلطنة.

تولى محمد ابن السلطان غياث الدين الحكم بعد وفاة والده (725-752هـ) وكانت سنوات حكمه الطويل سنوات تطور وثورة، فهو أديب ضليع في الأدبين الفارسي والعربي بليغ الكتابة وعالم بحاثة وقائد ماهر، ولكنه غريب الأطوار. وقد رأى أنه ليس من الممكن إدارة الدكن كلها من دهلي فاتجه إلى ديوجير التي غير اسمها إلى دولة أباد، فحصَّن قلعتها الشهيرة وأمر بنقل جميع سكان دهلي إليها سنة 730هـ/1329م، وبقيت دهلي خاوية على عروشها حتى سمح بالعودة إلى سكناها بعد ثماني سنوات، ومن أجل أن يحقق محمد لنفسه بعض الأمجاد فكر بغزو التيبت والصين ، فعبأ الجيوش وأنفق الأموال التي أثقلت كاهل الدولة فوجدت بعض الولايات فرصتها للتحرك والتحرر من نير دهلي، فتوجه محمد بن تغلق إلى الدكن، ولكنه اضطر قبل إخضاعها أن يذهب لإخماد ثورة في كجرات، ومات سنة 752هـ وهو يطارد الثائرين في السند.

اختار الجيش بعد محمد تغلق ابن عمه فيروز شاه (752-790هـ) الذي كان ديّناً تقياً أراد إصلاح ما أفسده سلفه، وكان عهده الطويل عهدَ عدل وإحسان، فقد حمى الزراعة وحفر الآبار وشق القنوات وبنى الخانات في القرى وأسس عدداً من المدن مثل جوانبور، وفيروز أباد وفتح أباد، وأصلح المباني التذكارية التي بناها أسلافه.

كثرت المؤامرات والفتن في أواخر أيام فيروز شاه، وما إن توفي حتى دخلت دولة آل تغلق عصر الانحطاط والتدهور الذي استمر عشر سنوات تعّرضت البلاد في نهايته لحملة قادها تيمورلنك، فهدم دهلي وقتل سكانها فتفككت الدولة إلى دويلات، وتحولت دهلي إلى ولاية صغيرة ظل حكامها من السادة (817-847هـ/1414-1451م) يعترفون بالتبعية لتيمورلنك ويدَّعي أفراد هذه الأسرة أنهم من سلالة الرسول ولذلك لقبوا أنفسهم بالسادة، وكان أولهم خضر خان الذي كان مكروهاً من الطبقات العسكرية التركية والأفغانية لاعتماده على التيموريين، ولم يبد آخر حكام هذه الدولة علم شاه (848-855هـ) أي مقاومة في انسحابه من الحكم لمصلحة القائد الأفغاني بهلول لودي سنة 855هـ.

أسرة لودي الأفغانية(855 ـ 933هـ/1451 ـ 1526م)

كان بهلول لودي محارباً نشيطاً، فبعد صراعات طويلة تمكن من الاستيلاء على البنجاب وأنهى سلالة الملوك الشرقيين في جانبور، وعندما توفي بهلول سنة 895هـ أعقبه ابنه اسكندر في دهلي فنقل عاصمته من دهلي إلى أغرا لكي يجعل هجماته على غوالبور في الدكن أشد وأقوى، وفي عهد ابنه إبراهيم لودي تعرضت السلطنة لهجمات بابر سليل تيمورلنك الذي يعد المؤسس لدولة أباطرة المغول، وقد هُزم إبراهيم في معركة بانيبات سنة 933هـ/1526م، وقُتل فيها، فانتهى بذلك حكم آل لودي ليقوم على أنقاضها حكم أسرة آل سور الأفغانية التي استمرت في الحكم حتى سنة 962هـ/1554م، وقد شهدت الهند في أثناء حكم هذه الأسرة قيام دولة أباطرة المغول العظام التي استمرت هي الأخرى حتى سنة 1858.

الإسلام في الهند

بدأ الإسلام ينتشر في الهند منذ أن فتح محمد القاسم الثقفي السند وبنى جامعاً في الديبل، وعندما أعلن الخليفة عمر بن عبد العزيز أن كل من يعتنق الإسلام له الحقوق نفسها التي للعرب اعتنقت بعض القبائل الهندية الإسلام، ولكن معظمها عاد لمعتقداته القديمة بعد سقوط الدولة الأموية.

سجل بروز غزنة في عهد السلطان محمود الغزنوي (388-421هـ/998-1030م) بدء عهد جديد في تاريخ الإسلام في الهند، فقد اعتنق حاكم باران Baran الإسلام مع عشرة آلاف من أتباعه على يد محمود، وساعدت سيطرة الغزنويين على البنجاب على ربط الهند بالمراكز الحضارية في بلاد العجم، ولكن النمو الحقيقي للمجتمع الإسلامي في الهند حدث عندما سيطر الغوريون على شمالي الهند، وفي عهد سلاطين دهلي، وعندما بدأ محمد بن تغلق (725-752هـ) بمحاولات للسيطرة على الدكن كان من أهدافه التمهيد لنشر الإسلام فيها فأخذ يشجع العلماء والأولياء على الانتشار في مناطق مختلفة في الجنوب فاعتنقت الإسلام قبائل كثيرة نتيجة لتأثرهم بالمتصوفة المسلمين، كما أن تعاليم الإسلام التي تنادي بالمساواة، اجتذبت أعداداً كبيرة من الطبقة الدنيا الهندوسية المنبوذة، ومن العوامل التي ساعدت على انتشار الإسلام في الهند، لجوء أعداد كبيرة من العائلات المسلمة إليها في القرنين السادس والسابع الهجريين نتيجة للأوضاع المضطربة في آسيا الوسطى وفارس ،وكان المسجد والمدرسة والخانقاه بمنزلة مراكز أسهمت من جانبها في انتشار الإسلام وتثقيف المسلمين الهنود. وقد تأثر الفكر الديني الإسلامي في الهند بالمؤلفات الدينية التي دخلتها من الخارج، سواء في التفسير أم الحديث أم الفقه أم التصوف، ولكن عندما دخلت مؤلفات ابن عربي «فصوص الحكم» و«الفتوحات المكية» إلى الهند غدت أفكار ابن عربي وآراؤه شائعة في الأوساط الدينية الإسلامية، وزاد من تأثير فكر ابن عربي بروز الشعر الصوفي في غزنة، وتأليف «المثنوي» لجلال الدين الرومي الذي كان يتلى في الاجتماعات التي كان يعقدها الشيخ ناصر الدين جيراگ Ciragh، فلما دخلت تعاليم ابن تيمية إلى الهند عن طريق أحد تلامذته وهو عبد العزيز الأردبيلي بدأ العلماء المتمسكون بأصول الدين والسلاطين التغلقيون يحاربون الميول الداعية إلى وحدة الوجود، وظهرت مؤلفات فقهية عديدة في القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي تهدف كلها إلى الوقوف في وجه أفكار ابن عربي الداعية إلى وحدة الوجود، وبدا لأول وهلة أن مدرسة ابن تيمية قد انتصرت، ولكن أفكار ابن عربي التي كانت تساعد على التقاء الإسلام بالهندوسية تركت أثراً عميقاً في الفكر الديني، وظهرت في القرن التاسع والعاشر الهجريين فرق ومفاهيم وفلسفات جديدة مبنية كلها على أساس فكرة وحدة الوجود كالفرقة البختية، والشطّارية والروشانية، وكانت أفكار ابن عربي هي المسيطرة حين تولى أكبر شاه الحكم، وقد أثارت رغبة أكبر شاه في وضع ديانة جديدة تجمع بين كل المعتقدات الدينية في الهند مخاوف المسلمين الأصوليين ولاسيما عندما نشر أكبر شاه بعض قواعد الدين الجديد عام 1582 وسماه «دين إلهي»؛ مما أدى إلى ردود فعل عنيفة ظهرت آثارها في مؤلفات العلماء في الحديث والفقه، وكان الشيخ أحمد سرهندي وهو من أتباع الطريقة النقشبندية من المنتقدين أفكار ابن عربي، لأنه رأى فيها خطراً على المجتمع الإسلامي والدين الإسلامي لأنها تسمح للمسلمين بتقبل أفكار وممارسات تناقض مبادئ التوحيد والإسلام، كما انتقد محاولة أكبر في مزج المعتقدات الإسلامية وغير الإسلامية كالهندوسية والبوذية وغيرها في عقيدة واحدة، واستطاع الشيخ أحمد سرهندي أن يجتذب أعداداً كبيرة من نبلاء المغول إلى جانبه وتمكن عن طريقهم أن يحدث تغييراً في جو البلاط، مما دفع جهانكير (1605-1627م) أن يتخلى عن سياسة أكبر.

في القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي حاول بعض العلماء المسلمين إيجاد تسوية أو حل وسط بين الآراء والأفكار المتصارعة المتضاربة التي حدثت في القرن السابق، فكتب شاه ولي الله الدهلوي مقالة بعنوان «فيصلة وحدة الوجود والشهود» حاول فيها أن يبين أنه ليس ثمة اختلاف جوهري بين أفكار ابن عربي والشيخ أحمد سرهندي فكلاهما يعنيان الشيء نفسه، ونجح الجدال الذي احتدم بين العلماء عدة عقود مع انه وُجد علماء لم يتفقوا مع وجهة نظره.

كان شاه ولي الله من المفكرين الذين يدركون ضرورة إعادة تفسير الفكر الإسلامي على ضوء العقل والمنطق وأن تأخذ الأحكام الشرعية في الحسبان المتطلبات الخاصة بالمنطقة، وعندما سُئِلَ إلى أي المذاهب الفقهية ينتمي أجاب «أحاول جهدي أن أجمع بين كل النقاط التي اتفقت عليها المذاهب الأربعة، فإذا كان هناك اختلاف اعتمدت على ما يبرهن الحديث الشريف على صحته».

وقد ترجم شاه ولي الله القرآن إلى الفارسية وترجم ولداه، شاه عبد القادر، وشاه رافع الدين القرآن إلى الأُردية، وهكذا غدا القرآن - الذي هو المصدر الأساسي للدين الإسلامي - في متناول جميع الهنود الذين اعتنقوا الإسلام ، كما أنه وابنيه شجعا على دراسة الحديث، وعملوا في إحياء الدراسات الدينية في الهند والتي كان لها تأثير على العالم الإسلامي.

إن تسرب التأثيرات الغربية إلى المجتمع الإسلامي في الهند وتفوق الغرب في التكنولوجيا والعلوم والصناعة أوجد نوعاً من الصراع لدى المسلمين الهنود، فالهنود المسلمون الذين درسوا اللغة والعلوم الإنگليزية تقبلوا الحكم البريطاني، ورفض فريق آخر تعلم اللغة والآداب الإنكليزية رفضاً باتاً، ورفضوا الحكم البريطاني وعدّوه دخيلاً حل محل حكم المغول في الهند، وهناك فريق ثالث ظهر رأيه بجلاء في الموقف الذي اتخذه شاه عبد العزيز بن شاه ولي الله، فهو يمتدح الإنكليز من حيث كفاءاتهم العلمية ويسمح بدراسة اللغة الإنكليزية ولكنه من جهة أخرى يصدر فتوى يعلن فيها أن كل الأراضي التي احتلها الإنكليز هي دار حرب.

من جهة أخرى أوجد نشاط الإرساليات المسيحية الذي بدأ مع تأسيس الحكم البريطاني ردود فعل لدى عدد من العلماء الهنود المسلمين البارزين أمثال مولانا رحمة الله القيرواني، ومولانا علي حسن، ومولانا محمد قاسم الذين ألفوا ما يسمى بأدب المناظرة لمواجهة دعاية الإرساليات المسيحية وتبشيرها، وكان السيد أحمد خان أول من استجاب للتحدي الذي فرضه الفكر الأوربي للفكر الديني الإسلامي في الهند ولكنه رفض في الوقت نفسه التقليد والتمسك الأعمى بالأحكام الشرعية، وطالب بتفسير القرآن على ضوء العقل لكي يتفق مع مجريات الأوضاع الحديثة، وهو أول من عمد إلى دراسة مقارنة بين الإسلام والمسيحية معتمداً على التوراة وفي مقالاته «الخطابات الأحمدية» انتقد التعاليم التي تنشرها الإرساليات المسيحية.

ومن الذين كانو يحاولون إعادة توجيه الفكر الديني الإسلامي بطريقة تختلف عن طريقة السيد أحمد خان، محمد إقبال (1876-1938) الفيلسوف و الشاعر الذي قدم دراسة مكثفة عن الديانات الشرقية والغربية، وأكد على ضرورة بناء الفكر الديني الإسلامي على ضوء القضايا التي يطرحها العالم الحديث، وكان ينظر إلى الدين على أنه عامل قوي لتطور شخصية الإنسان وتقدمها وتحسين المجتمع الإنساني، وكان يرى أن المثل الديني الأعلى للإنسان ليس في إنكار ذاته، وإنما في تأكيد ذاته وقد رفض محمد إقبال رأي مولانا حسين أحمد مدني (1879-1957) أستاذ الحديث في ديوبند Deoband والقائل إن الهندوس والمسلمين هم أمة واحدة في الوطن الهند، وقد تأكدت مقالة إقبال عندما انقسمت الهند الكبرى سنة 1947 إلى دولتين كبيرتين، الهند التي تضم معظم العناصر الهندوسية وباكستان التي تضم معظم العناصر المسلمة، وتكونت باكستان في أول الأمر من قسمين أحدهما يقع في حوض نهر السند ويسمى باكستان الغربية والآخر في الشمال الشرقي من جمهورية الهند ويسمى باكستان الشرقية التي غدت دولة مستقلة سنة 1971 واسمها بنگلادش.

الشيعة في الهند

دخلت الإسماعيلية إلى الهند في وقت مبكر، وفي الربع الأخير من القرن الرابع الهجري تأسست سلطة سياسية فاطمية في الملتان، أطاح بها السلطان محمود الغزنوي سنة 396هـ/1006م ولكن هذا لم يمنع دعاة الإسماعيلية من نشر دعوتهم في السند والبنجاب والكجرات Gujarat وأن يستعيدوا نفوذهم السياسي، فلما ظهر محمد الغوري على مسرح الهند، وجدهم قوة في الملتان فعمل على القضاء عليهم مما أدى إلى اغتياله سنة 602هـ في دامياك Damyak على نهر السند Indus.

وقف سلاطين دهلي موقف العداء من كل الفرق الإسماعيلية، واتخذوا إجراءات قاسية ضدهم، ويشير فيروز شاه في كتاب «فتوحات شاه فيروز» إلى فئة متطرفة أطلق عليها اسم «الرافضة» لا تعترف بالخلفاء الراشدين الثلاثة الأول ويعدون القرآن من «ملحقات عثمان».

في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي ظهرت دول شيعية في الدكن في بيجابور Bijapur وفي أحمد نغر Ahmadnagar وفي گولكندا Golconda وزاد نفوذ الشيعة في الشمال إثر تأسيس السلطة الصفوية في إيران سنة 907هـ/1502م وخاصة في أعقاب عودة همايون منها سنة 1555م، واستمرت هجرة الشيعة من إيران إلى الهند في عهد أكبر شاه وفي القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي تأسست دول شيعية في مرشد أباد في البنغال وفي اوتربرادش Uttar Pradesh وفي السند، وكان لهذه الدول دور كبير في نشر المذهب الشيعي.

انظر أيضاً


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر