أنا أحيا (رواية)

أنا أحيا
غلاف كتاب أنا أحيا.JPG
المؤلفليلي بعلبكي
اللغةعربية
الناشردار الآداب
الإصدار1958

أنا أحيا رواية للكاتبة اللبنانية ليلي بعلبكي. نشرت أول مرة عام 1958. وهي ضمن أفضل مائة رواية عربية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أحداث الرواية والنقد

لقراءة الرواية، اضغط على الصورة

في «أنا أحيا» ذكر عابر للحرب لا يتعدّى مقطعا أو مقطعين من بين عدد صفحات بلغ 327 صفحة. لكن، سواء كانت «فتنة» 1958 هي المقصودة، أو كانت هذه حربا أخرى (1948 الفلسطينيّة مثلا أو حرب 1956 المصرية)، فإن بيروت آنذاك، وبحسب الرواية، لم تكن قد خسرت شيئا من هدوئها ولم تشوّش أهلَها مسائلُ تتجاوز روتين عيشهم. لينا فيّاض، بطلة الرواية، لم تكن تعاني إلا الملل وسكون الحياة وفراغها في البلد الذي يبدو قليل الأزمات، بل عديمها. ذلك المكتب الذي تكتشف لينا فيّاض، بعد أن تبدأ العمل موظّفة فيه، أنه مكتب لنشر الدعاية الرأسماليّة ومكافحة الشيوعيّة، بدا أقلّ وجودا وأهميّة مما ينبغي له أن يكون. كأنّه وكالة سفريّات أو وكالة عاديّة للدعاية. وفي نزاعها معه، ومع نفسها، بسبب وجودها فيه، لا تجد لينا فياض بواعث لذلك النزاع تختلف عما تشعر به تجاه منزل الأهل الذي تقيم فيه، أو تجاه الجمعة التي تنتسب إليها.

هذه المدينة، ودائما كما تظهر في «أنا أحيا»، خالية من كلّ ما هو مشكل يمكنه أن يكون محور رواية (على غرار ما جاءت به الحروب إلى الروايات التي صدرت خلال العقود التي تلت) . بهاء، الشاب غير اللبناني المنتسب إلى الجامعة الأميركية، لا تبدو مرارته مقنعة وكذلك حزبيته واضطراب شخصيته ونزوعه، في فقرات عابرة من الرواية، إلى الإنتحار. كما لا يبدو انتسابه إلى الجامعة الأميركيّة متوافقا مع فقره، في ماضيه وحاضره، وليس مقنعا أيضا احتفاظه بتقليديته جنبا إلى جنب مع عقائديّته، بمعايير ذلك الزمن أقصد. يبدو بهاء هذا شخصيّة مستعارة للرواية، خليطا من تصوّرات عابرة ومتداخلة لا تصنع شخصيّة. ففيما يخصّ نزوعه إلى الفعل، أو إلى «التغيير» بحسب تعبير حزبي، لم توفّق الروائيّة إلا في جعله يتوهّم ما سيقوم به توهّما، كما لو أنه مراهق طامح لأن يكون منتسبا ألى حزب وليست الحزبيّة أولى صفاته.

بيروت في «أنا أحيا» مدينة خالية مما اضطربت به في السنوات والعقود التي تلت. وهي على أيّ حال، قليلة الأمكنة على الرغم من كثرة الأجانب المقيمين فيها والقادمين إليها من مختلف البلدان. هناك المنزل طبعا، منزل الأهل الفخم، والوالد الذي يراكم ثروته من فساد تجارته، والوالدة والأختان اللتان ، باستثناء وصفهما الأوّلي، لم يُستدعيا مرّة أخرى للحضور في الرواية إلا من أجل أن يُعاد ما كان قد قيل في التعريف الأوّل بهما، وهذا كان شأن الأخ أيضا، الصغير المدلّل. إلى البيت هناك الجامعة، الموصوفة وصفا مقتضبا أيضا حيث تكتفي الروائيّة بأقلّ القليل منها مثل نظرات الطالبات لبعضهن البعض والمحادثات التي لا تكاد تصنع جُمَلا بينهن وبين سواهن من زملاء ومعلّمين. ثمّ هناك مكان العمل، أو مكان الوظيفة، المصنوعة تفاصيله كأنما من السماع العادي وليس من التعرّف والإختبار، كأن يُرمز إلى السرّية التي تقتضيها وكالات مثل هذه بصندوق أخضر موضوع في الطابق السفليّ يظلّ فارغا على الدوام.

كأن لم يكن يجري شيء في تلك السنوات. لا تقوم تجربة بين الأمكنة ولينا فيّاض المتنقّلة بينها، وهذه الأمكنة لا غاية لوجودها إلاّ إبعاد قاصدتها وردّها عنها. المقهى الذي تجري فيه اللقاءات بين لينا وبهاء يبدو أشبه بتصميم تخطيطي لمقهى إذ يقتصر فضاؤه الموصوف على جدار وكرسي واحد أو كرسيين وعلى جانب من طاولة. ولا يحدث شيء في تلك اللقاءات السريعة بين الإثنين، فقط كلمات مسرعة سرعان ما ينهيها الخصام، هكذا بما يجعل الحدث في الرواية مساوقا في ندرته لقلّة وجود الأمكنة. وأيضا في بيت العائلة الكبير أو الفخم لا يحدث فعلٌ. مرّتان ربّما تلقّت لينا صفعة من أمّها. تلك الثورة التي تقوم بها لينا فيّاض متحدّية بها عالمها كلّه لا ينتج عنها باب مخلوع أو مزهرية تحطّمت أو دمٌ سال من جرح. في النقد الروائي العادي يطلق على ذلك عبارة غياب الحدث، لكن ،هنا، علينا أن نضيف إلى ذلك الغياب غيابات أخرى جرى ذكر بعضها أعلاه.

ولنضف إلى ذلك الغياب اقتصار تمرّد لينا فيّاض وثورتها على أقلّ القليل من الفعل. فالرواية التي أحدثت ضجّة استمرّت لسنوات أعقبت صدورها، لسبب دعوتها إلى التحرّر من مختلف المحظورات المطبقة على خناق المرأة، لم تحدث فيها قُبلة واحدة، ولم يكشف فيها أحد لأحد عن شيء دعت الأعراف إلى ستره.

لكن ما هو حاضر، بل ويكاد يكون متفرّدا في حضوره، هو الكتابة. لايحتاج القارئ إلى كثير تأمّل ليدرك أن الرواية ليست أكثر من ذريعة لتلك الحاجة. الكتابة التي رأى فيها ميخائيل نعيمة، بعد أن أطلق عليها كلمة «أسلوب»، في تعليقه على الكتاب، «قيمة ليست لأيّ كتاب غيره في الأدب العربي_ قديمه وحديثه». جبرا ابراهيم جبرا قرأ الرواية أيضا بعين من يقرأ الشعر «.. فيها غنائيّة لفظيّة رائعة تدنيها من غنائيّة الشعر». وهذا على أيّ حال ما تكاد القراءة تعرّف به نفسها، حيث ينبغي التوقّف عند نهايات الجُمَل أو الفقرات والتأمّل في معناها من ثمّ، على غرار ما تُقرأ الفقرات الشعريّة. ولن تساعد القراءة المسرعة على متابعة القراءة إذ ستعترض سيولة المتابعة كلّ فقرة من الفقرات، كما أنها ستغفل عن ذلك الغنى والرغبة في قول ما لم تهتد كتابة تلك الأيام إلى قوله.

بعض قرّاء ذلك الزمن (الخمسينات) أدركوا ذلك الميل المتميّز بالمناجاة الشخصية وافتقاد الرواية للعناصر المكوّنة لفنّها، وهي، ليلى بعلبكي، ردّت على قائلي ذلك بالتقديم لروايتها « الآلهة الممسوخة» المؤرّخ في 10 نيسان1965، وفي المقدّمة هذه بدت كما لو أنّها تعد قرّاءها بالإقتراب أكثر من الرواية: « قصدت «بالآلهة الممسوخة» أن تكون تجربة أدبيّة جديدة لي، وأن تكون ردا على النقّاد وعلى الذين اعتبروا «أنا أحيا» «بيضة الديك» وفهموا أنّه خواطر فتاة صغيرة وتفاصيل حياة خاصّة أعيشها شخصيّا».[1]


انظر أيضاً

المصادر