سهل بن هارون

سهل بن هارون بن راهبون، ويكنى أبا عمرو الدستميساني (ت. 215 هـ/830م) كاتب بليغ، حكيم فارسي.


سهل بن هارون بن راهبون، ويكنى أبا عمرو الدستميساني من أهل نيسابور، كاتب بليغ، حكيم، ولد في مدينة قيسان بين واسط والبصرة، وفي رواية في دَسْتميسان كورة بين الأهواز وواسط والبصرة، في أواخر النصف الأول من القرن الثاني الهجري تقديراً، فارسي الأصل، أهوازي أو حوزي المولد، عراقي المنشأ، تحول إلى البصرة في سن لم تعرف، وكانت البصرة إذ ذاك مدينة العلم في الدولة الإسلامية، و«قبة الإسلام وخزانة العرب».

كان سهل بن هارون متعصباً لفارسيته، شعوبياً معادياً للعرب متعقباً لمثالبهم، وعرف سهل بالذكاء وسرعة البديهة، مع حافظة تكتنز من المعرفة وفنون الآداب والحكم ذخيرة لا تنفد.

وقد عرفت نيسابور، مدينة سهل بن هارون، بتأثرها بالثقافة الهلينية، وظلت مركزاً لها في بلاد الفرس منذ فتح الاسكندر.

حمل سهل إلى الثقافة العربية ثقافة قومه وثقافة اليونان، وانضم في البصرة إلى أهل الكلام والاعتزال، وصحبهم، ولازمهم كذلك ببغداد عند انتقاله إليها. وكان أول من اتصل بهم من الرؤساء ببغداد الفضل بن سهل وزير المأمون، وهو الذي قدمه للخليفة، فأعجب به وببلاغته، وبواسع اطلاعه، ومعرفته بكثير من العلوم، ولهذا جعله خازناً على دار الحكمة التي جُمع فيها كثير من كتب الأوائل، ومن مؤلفات اليونان مما استقدمه المأمون من بلاد الروم البيزنطيين، أو من صاحب قبرص.

وينفي محمد كرد علي دعوة الشعوبية عن سهل بن هارون ويصفه بالاعتدال وأن اعتداله يمنعه إلا أن يقدر بكل عنصر خصائصه، وهو لم يُعد رجلاً مذكوراً إلا بالإسلام والأخذ عن علماء العرب، ورقي في مظاهر الدنيا حتى وصل إلى أعظم خلفاء العباسيين هارون الرشيد، وعبد الله المأمون، وصار أحد أئمة البيان والحكمة في الأمة العربية، ودعي لحكمته وعقله: «بزر جمهر الإسلام، وبُزر جمهر وزير أنو شروان العادل، من ملوك آل ساسان، اشتهر بالعدل والحكمة».

وروي أنه كان نهاية في البخل، وله نوادر تحكى في ذلك، وألف رسالة في مدح البخل للفضل بن سهل، وأهداها للحسن بن سهل، فقال له: «لقد مدحت ما ذمه الله».

قال عنه الجاحظ: «ما علمت أن أحداً جرد في البخل كتاباً إلاّ سهل بن هارون وأبا عبد الرحمن الثوري»، والبخل في الفرس غالب في الجملة أغلبية الكرم على طبائع العرب.

ومن المعاصرين يرى أحمد أمين «أن سهل بن هارون وضع رسالته المشهورة في البخل، ولعل ذلك منه نزعة شعوبية، لأن العرب كانوا يمتدحون كثيراً بالكرم، ويعدّونه من أكبر مناقبهم، كما اشتهر الفرس بالبخل، فوضع سهل هذه الرسالة يقلب فيها قيمة الكرم والبخل، ويعد الكرم رذيلة والبخل فضيلة، وروى له صاحب زهر الآداب أبياتاً تدل على شعوبيته، يفتخر فيها بفارسيته، ويذم العربية، ويقارن بين بيته في ميسان وبيت آخر عربي».

كان سهل بن هارون يقول الشعر، وعده الجاحظ من الخطباء والشعراء الذين جمعوا الشعر والخطب والرسائل الطوال والقصار، والكتب الكبار المجلدة، والسير الحسان المولدة، والأخبار المدوّنة، ولقبه مرة بالكاتب، وذكره النديم في البلغاء، وقال إنه شاعر مقل، وعدّه في الشعراء والكُتّاب. من بدائع سهل: «القلم لسان الضمير إذا رعف أعلن أسراره، وأبان أسراره»، وكان يقول: «اللسان البليغ والشعر الجيد، لا يكادان يجتمعان في واحد، وأعسر من ذلك أن تجتمع بلاغة الشعر، وبلاغة القلم». وكان يقول: «سياسة البلاغة اشد من البلاغة»، وقال «بلاغة الإنسان رِفق، والعيُّ خرق».

اشتهر سهل بن هارون بمعرفته، وكان أهل عصره مجتمعين على الإقرار بفضله، كان نسيج وحده في فنه، فهو وابن المقفع والجاحظ من غرار واحد، وقيل أن سهلاً كاتب سلاطين والجاحظ مؤلف دواوين.

من تآليف سهل بن هارون ديوان رسائله، وكتاب «النمر والثعلب» حققه وقَدّم له وترجمه إلى الفرنسية عبد القادر المهيري، وكتاب «ثعلة وعفرة» على غرار «كليلة ودمنة»، ألفه للمأمون، وكتاب «الإخوان» و«المسائل» و«المخزومي والهزلية» و«سحره - أو شجرة - العقل» و«تدبير الملك والسياسة» و«الرياض» و«الوامق والعذراء» وله رسالة مشهورة في «البخل» أرسلها إلى بني عمه من آل راهبون حين ذموا مذهبه في البخل.

تبينت منزلة سهل، وأصبح بعد يحيى البرمكي صاحب دواوين الرشيد، ومن بعده أصبح من خاصة المأمون، كما كان من خاصة أبيه الرشيد من قبل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • أحمد هواش. "سهل بن هارون". الموسوعة العربية.


للاستزادة