تمرد كوتشا بالتخوم
تمرد كوتشا بالتخوم (Kočina Krajina revolt؛ إنگليزية: Koča's frontier rebellion) كانت انتفاضة للصرب ضد الدولة العثمانية من فبراير 1788 - 7 سبتمبر 1788. كوتشا أنديلكوڤتش (1755 - 1789)[1] كان زعيم الانتفاضة التي ساعدتها امبراطورية الهابسبورگ. وقد مكنت الهابسبورگ من إخضاع الأجزاء الوسطى من صربيا الحالية من العثمانيين، وألحقت أراضي باشوية بلگراد إلى المناطق الأخرى التي يسكنها صرب من امبراطورية هابسبورگ. أراضي التاج من صربيا الهابسبورگية (الثالثة) تواجدت لمدة ثلاث سنوات.[2]
إلا أنه بحلول عام 1791 أُجبر النمساويون على الانسحاب عبر نهري الدانوب وساڤا، ولحق بهم آلاف العائلات الصربية التي خافت من انتقام العثمانيين لمساعدتهم هابسبورگ.[3] شارك في الانتفاضة البطل اللاحق للثورة الصربية قرةدورده پتروڤتش، الذي خدم في الجيش النمساوي آنذاك.[4] انتقام العثمانيين منذ بداية الانتفاضة حفز الصرب على السعي للتحرر من العثمانيين بعد 15 عاماً، في الثورة الصربية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الانتفاضة
كانت باشاوية بلجراد (الصرب) مركزاً لأول ثورة ناجحة قامت بها شعوب البلقان ضد السلطة العثمانية، وكانت مشكلاتها الإدارية في نهاية القرن الثامن عشر في مختلف المجالات تعكس مشكلات أنحاء الإمبراطورية تحت حكم السلطان سليم الثالث. وكانت الصرب خلال القرن الثامن عشر مسرحاً لمعارك متكررة بين النمسا والدولة العثمانية بين أعوام 1716-1718, 1737-1739, 1788-1791 ارتبط خلالها مصير الصربيين بمصير أسرة الهابسبورگ التي تحكم النمسا ذلك أن تلك المعارك وما ارتبط بها من فوضى واضطراب دفعت مجموعات كبيرة كم الصربيين إلى الهجرة إلى المناطق النمساوية في البلقان وخاصة في جنوب المجر. وكانت أكبر هجرة جماعية ضمت حوالي سبعين ألف صربي قد حدثت زمن البطريرك أرسينيه الثالث Arsenije عام 1690 جعلت من سرمسكي كارلوڤتشي Sremski Karlovci مركزاً دينياً وثقافياً للصربيين وهو أمر له مغزاه.
وعلى هذا بقى الصربيون في مملكة النمسا في ظروف مواتية ساعدتهم أكثر على الإتصال الوثيق بالأحداث التي تقع في بلادهم (الصرب) عن بعد. وكان لابد أن يكون لهم تأثيراً مهماً على الحركة القومية وعلى التنمية الثقافية إدارة دولة الصرب القومية في القرن التاسع عشر.
والواقع أنه أثناء تلك الحروب كانت حكومة النمسا تباشر فعلياً أمور الصرب من الناحية الإدارية وهو أمر لم يكن محل ترحيب من غالبية الصربيين بسبب نشاط الكنيسة الكاثوليكية النمساوية في بلادهم وهم (الصربيون) من الأرثوذكس بصصرف النظر أن الصرب شأن النمسا تعارض الحكم العثماني. وكانت الكنيسة الكاثوليكية بموافقة حكومة النمسا تعمل على تحويل الصربيين إلى الكاثوليكية عكس الدولة العثمانية الت يتحاول عملياً تحويل إلى الإسلام. وهكذا لم يكن إحلال لورد إقطاعي مسيحي كاثوليكي نمساوي حل أحد الأعيان المسلمين أمراً مغرياً للصربيين أو هدفاً سياسياً يسعون له ذلك أن الإستقلال كان يمثل الأولوية بالنسبة لهم.
على كل حال، كانت النتيجة الرئيسية لحالة الحرب على الحدود طوال تلك السنوات أن الصربيين اكتسبوا خبرة القتال فقد اشتركوا في كثير من المعارك كعساكر نظامية في جيش النمسا أو في جماعات فدائية غير نظامية, أو في وحدات خاصة بهم وتحت قيادة ضباط منهم. وأكثر من هذا أنهم كانوا يتولون وظائف إدارية عليا في بلادهم أثناء الإحتلال النمساوي لها أكثر مما كانوا يحصلون عليه وهم تحت الحكم العثماني. وكانت الخبرة التي حصلوا عليها من حرب 1788-1791 ذات قيمة إذ التحق كثير منهم في الفرق العسكرية النمساوية غير النظامية حيث تحملوا في الواقع العبء الرئيسي في المعارك. وأثناء تلك الحرب قام كوتشا أنديلكوڤتش Koča Andjelković بثورة لم تنجح عرفت بـ"ثورة كوتشا". ورغم أن الصرب لم يجنوا فوائد فورية من اشتراكهم في الأعمال العسكرية وغيرها إلا أنها دربت قادتهم جيداً وجعلتهم يثقون في قدراتهم أكثر وأكثر.
غير أن سنوات تعاون الصربيين مع النمسا كانت مخيبة لآمالهم فقد شعروا أن النمسا لم تفِ بوعودها تجاههم, وأن شروط الصلح لم تجلب لبلادهم أية ميزات أو مكاسب. ورغم أن حدود النمسا ظلت أمراً يهم الصربيين بحكم القرب من بلادهم، إلا أن قادة الصرب اتجهوا إلى طلب المساعدة من روسيا التي سارعت بتقديمها عبر الدانوب عندما لم تساندهم النمسا، وفي الوقت نفسه ظلت هجرة اللاجئين من الإضطهاد العثماني تتدفق على النمسا والبلاد التابعة لها.
على كل حال فإن صلح سيستوڤا في 1791 وصلح ياصي في 1792 كما سبقت الإشارة أعطيا للسلطان سليم الثالث فترة للتفكير في إصلاح شؤون الإمبراطورية والحاصل أن رغبته في تحقيق أوضاع سليمة وقانونية تطابقت مع رغبة رعاياه من الصرب، ذلك أنه بعد فترة الخراب والتدمير التي احدثتها الحرب كان الصرب يمانعون في قبول استمرار الحكم العثماني في مقابل حصولهم على حقوق الحكم الذاتي وضمان تهدئة الأحوال في الريف.
غير أن لم يكن ممكناً تحقيق الإصلاح المطلوب بمرعفة الحكومة المركزية ذلك أنه بتوقف الحروب وجدت الإنكشارية والفرق العسكرية غير النظامية نفسه دون عمل ومن ثم انقلبوا على أهل الريف وأعملوا فيهم الإستغلال وافترسوهم ووقعت القرى في قبضة رجال تلك العصابات الذين حولوا أراضيها إلى مقاطعات خاصة. وانضمت مجموعات أخرى إلى الأعيان الثائرين وإلى عصابات قطاع الطرق وأعملوا السلب والنهب في المسالمين من المسلمين والمسيحيين على حد سواء وتحت تلك الظروف افقت مصالح الحكومة المركزية ومصالح الرعايا المسيحيين حيث لم يكن أحدهما يقبل تحمل استمرار تلك الأوضاع.
ولقد حاول السلطان سليم الثالث الذي كان متهماً بتلك المشكلات توفيق أوضاع الصرب وتخفيف سوء الأحوال القائمة فبادر أولاً بتعيين رجال للإدارة المحلية لهم صلاحيات التعامل مع الرعايا وقمع العناصر الخارجة على القانون، وثانياً أصدر ثلاثة فرمانات في سنوات 1793، 1794، 1796 أعطت الصرب ما كانوا يتطلعون إليه. ولقد حددت هذه الإجراءات علاقات الصرب بالحكومة العثمانية، فقد حصلو على حقوق واسعة وكثيرة فيما يتعلق بالحكم الذاتي المحلي، وأصبح باستطاعتهم جمع ضرائبهم بمعرفتهم، وحمل السلاح، وتكوين ميلشيات, كما تقرر تصحيح عيوب نظام الجفلك. ولقد أصبحت هذه الفرمانات تشكل البرنامج السياسي لزعماء الصرب في السنوات التالية. ولو كان قدر لهذه الفرمانات أن تطبق لكان من المحتمل تأجيل ثورة الصرب القومية.
غير أن السلطان سليم الثالث لم يتمكن هو وأعوانه من تنفيذ ما أصدروه من قرارات وكان هذا من سوء الحظ. وفي السنوات التالية تعاظمت مشكلات الإمبراطورية بشكل كبير, وظلت اسطنبول مركزاً للدسائس التقليدية والمؤمرات, وتكرر نقل المسئولين ذوي الكفاءة الإدارية القادرين على التفاهم مع الرعايا من مواقعهم وحلت محلهم العناصر التي كان الإصلاح يهدد مراكزها أو أولئك الذين أضيرت مشاعرهم الدينية جراء التنازلات التي قدمت.
ومن ناحية أخرى ظلت المشكلة الرئيسية في باشاوية بلجراد متمثلة في وجود فرق الإنكشارية التي قاومت فرمان 1791 الذي أصدره سليم الثالث بمنع عودتهم إلى هناك. ومما سهل تحديهم للحكومة المركزية نشاط مجموعات صغيرة أخرى متمردة وكذا نشاط بشفان اوغلو كما سبقت الإشارة. وهكذا صنعت الإنشكارية قضية مشتركة مع أولئك الذين لا يقبلون سلطة الباب العالي. ولمواجهة القوة العسكرية لتلك المعارضة اضطرت السلطات العثمانية لطلب المساعدة من الصرب. ولقد ارتبطت سياسة العثمانيين في الإعتماد على الصرب مقابل تقديم تنازلات لحاكم بلجراد حاجي مصطفى باشا الذي عرف ب "أب الصرب".
انظر أيضاً
- معركة ماينز، مراقبون صرب محايدونneutral Serbian observers