نهاية الغذاء (كتاب)

نهاية الغذاء
endoffood.jpg
غلاف كتاب نهاية الغذاء
المؤلفپول روبرتس
العنوان الأصلي (إذا لم يكن بالعربية)The End of Food
البلدالولايات المتحدة
اللغةالإنجليزية
الموضوعإقتصاد - سياسة
الصنف الأدبيسياسة
الناشرهوتون مفلن كومباني، نيويورك
الإصدار
عدد الصفحات390 صفحة (متوسط)
ISBN978-0618606238


يكتسب هذا الكتاب مصداقيته من المنطلق الذي يصدر عنه والآراء، والاجتهادات الفكرية التي يطرحها، ومن واقع الكتاب الذي سبق للمؤلف إصداره منذ 4 سنوات وعالج فيه بمنطق التحليل العلمي ـ الإحصائي أوضاع اقتصاديات النفط ، محذرا من مغبة الأزمات النفطية التي يعانيها العالم حاليا، وجاء ذلك الكتاب بعنوان «نهاية النفط».

أما أطروحات كتابنا فتدور حول ما يوصف ب«قانون الغلة المتناقصة» الذي قد تجسده الحكمة التراثية العربية التي تقول بأن لكل شيء إذا ما تم نقصان، وبمعنى أن الإفراط المتسارع في إنتاج الأغذية لزيادة العرض وتقليل التكاليف يمكن أن ينطوي على مخاطر تضر بصحة البشر والحيوان من ناحية فيما تصيب موارد الطبيعة فوق كوكبنا بعوامل الإجهاد والتشويه من ناحية أخرى.

وفي ضوء الأزمات المستحكمة التي منيت بها الأشهر الأخيرة من عام 2008 الأنظمة المصرفيةوالاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم في أنحاء شتى من عالمنا، تكتسب تحذيرات وحسابات وتقديرات هذا الكتاب قدرا أكبر من الأهمية والمصداقية خاصة وأن الغذاء ـ مثل الهواء ـ عامل من ألزم ما يكون لبقاء البشر واستمرار الحياة على ظهر كوكبنا.

هذا كتاب تحذيري من الدرجة الأولى. ولكن كاتبه لا يلجأ إلى لغة الإنذار مهددا بالويل والثبور، إنما ينطلق تحذيره من واقع جهود في البحث العلمي مدعوما بالتقصي الإحصائي في إطار محاولة جادة ودءوبة لاستشراف آفاق المستقبل.

وينصب التحذير على مشكلة حالة بمعنى راهنة بل ومتزايدة الوطأة إلى حد التفاقم، وهي مشكلة الغذاء، بمعنى لقمة العيش التي تسد الرمق وتقيم الأود وتبقي حياة الكائن الحي فوق سطح الأرض . والتحذير يتخذ الشعار ـ العنوان الذي يتصدر غلاف الكتاب، وهو عنوان دال يتلخص في كلمتين هما نهاية الغذاء والمؤلف يتسم في نظر النقاد والمحللين بقدر لا ينكر من المصداقية حين أصدر من 4 سنوات كتابه الشهير بعنوان شهير هو:نهاية البترول وكان بدوره يحذر من الاستسلام إلى آفة الركون إلى أن إمدادات النفط كنز لا يفنى ولن يؤول إلى نضوب، الأمر الذي يستوجب بداهة ترشيد التعامل مع هذه العطيّة النفطية التي أفاءها الله سبحانه على الإنسان كيما يعمر بها الكون ويدير بفضلها عجلة النمو ونهضة الحياة.. شأنها شأن كل الموارد التي يحفل بها كوكبنا، وفي مقدمتها طبعا مورد الماء.. الذي يوصي تراثنا الروحي المستنير بأن نقتصد في التعامل مع موارده ولو كنا على نهر جار.

وحين أصدر بول روبرتس كتابه عن «نهاية النفط» صنفوه في خانة المتشائمين ولكن ها هو العالم ـ الغرب بالذات في أوروبا وأميركا ـ يستشعر وطأة تقلب أسعار البترول التي باتوا يعايشونها ابتداء من أحوال البورصات وليس انتهاء بمحطة ريفية نائية لتزويد سيارة عتيقة بالبترول.

من جانبنا قد نسلك هذا الكتاب في خانة ذلك الجنس الأدبي الذي ساد مع سنوات الثلث الأخير من القرن العشرين ـ وربما بدأ على استحياء بكتابات تاريخية ـ جرى تجسيدها في أعمال متلفزة رصينة تحت عناوين من قبيل «نهاية الإمبراطورية» وكانت تنصرف بالذات إلى وقائع غروب الكيان الإمبريالي البريطاني الذي بدأ بحركة الكشوف الجغرافية ومن ثم الاستعمار البريطاني لأصقاع شاسعة من آسيا وأفريقيا ولكن صدر عليه حكم الزوال التاريخي في معارك السويس عام 1956 . إلى أن سلّم آخر معاقله الإمبراطورية ـ هونج كونج الصينية مع نهاية القرن الماضي.

هذا «النوع» من الأدبيات الفكرية بلغ ذروته في تصورنا مع كتاب «نهاية التاريخ» الذي أصدره فرانسيس فوكوياما في فاتح تسعينات القرن ليسجل فيه أكثر من نهاية. سواء كانت للحرب الباردة أو الإتحاد السوفييتي.ثم هاهو مؤشر الاهتمام يتحول مع مؤلف هذا الكتاب من نهاية البترول إلى نهاية الغذاء، وهو تحول خطير بكل معنى، من مجرد كمية النفط في مستودع المركبة أو الماكينة..إلى لقمة العيش التي نضعها في أفواهنا على نحو ما يقول الناقد جون إيدج في عرضه لهذا الكتاب الصادر مع صيف العام الحالي (نيويورك تايمز ـ ملحق الكتب 27/ 7/ 2008).

ويحسب للمؤلف أنه عكف على إعداد ونشر كتابه في غمار الأزمة الراهنة التي لا شك تحتاج أجزاء شتى من العالم، يستوي في ذلك مجتمعات الوفرة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث المنافسة في الانتخابات الرئاسية باتت تتمحور حول أزمة الاقتصاد الراهنة التي تهدد ـ كما تقول الشعارات السياسية المرفوعة صحن العشاء الذي يضعه المواطن الأميركي العادي على مائدة مطبخه في كل مساء أو المجتمعات الأفقر حيث شهدت المكسيك المجاورة احتجاجات جماهيرية عارمة ضد ارتفاع أسعار الأغذية وحملت عنوان «انتفاضة التورتيا» وهي مرادف الرغيف في المجتمع العربي. ويبادر الناقد جون إيدج قائلا أن مؤلف كتابنا لا يطلق تحذيراته من باب الترف كأن يحتج مثلا على أن الطماطم (البندورة) لم يعد لها طعم أو أنها فقدت لونها الأرجواني الأثير: إن الكتاب ينبه العالم ـ بقدر لا يخفى من القسوة ـ العلمية إن شئت ـ بأن ثمة شبكة متكاملة من العوامل المترابطة باتت تهدد الأمن الغذائي لشعوب الكرة الأرضية لدرجة يمكن أن تهدد بقاء الإنسان في حد ذاته وفي مقدمة هذه العوامل ما يتمثل في ظاهرتين هما:

  • أولا تغيرات المناخ
  • ثانيا تزايد السكان

والمؤلف لا يصدر هنا عن السيناريوهات المألوفة الصادرة عن علماء المستقبليات وبعضها يرنو بالفكر والخيال العلمي إلى آفاق وآماد أبعد من زماننا بكثير.. وبمعنى أن يول روبرتس لا يتساءل مثلا عن إمكانية أن يطعم الكوكب ساكنيه في عام 2070 ـ بل التساؤل بالأحرى هو عن إمكانية ضمان الغذاء المعقول صحيا وإنسانيا لسكان العالم.. بحجمهم الراهن البالغ 5,6 مليارات نسمة.

ونستطيع من قراءتنا التحليلية لتصدير هذا الكتاب أن نطمئن إلى أن صاحبه يصدر بالفعل عن جهد بحثي رصين.. أنه لا ينظر إلى قضية الطعام بوصفها مسألة معزولة عن سائر القضايا أو الاحتياجات البشرية.. لا يتعامل مع الغذاء على أنه أطباق أو أصناف أو حتى سعرات حرارية لازمة لبقاء الكائن البشري أنه يطلق على موضوعه وصفا أكثر شمولا وهو: اقتصاد الغذاء.

يقول في صفحات التصدير المسهب:إن قضية توفير الغذاء أصبحت تتشابك مع قضايا ومشاكل أخرى في حياة المجتمعات.. منها مثلا قضية الطاقة(توفيرها.. أسعارها.. احتياطياتها) وقضية العمالة حيث يشهد العالم تحولات عن أسواق العمل الرخيص التي ظل يتعود عليها وخاصة في ضوء تعقيد الهجرات ومشاكل الأمن القومي والتلويح بخطر الإرهاب ثم قضية تغير أنماط الاستهلاك (في مجتمعات التضخم السكاني في الهندأوالصين حيث تزيد أعداد البشر.. بعشرات الملايين المتطلعين إلى الانضمام إلى أطعمة الطبقات الوسطى من حيث الأصناف والكميات ـ اللحوم بالذات وأساليب التجهيز وهي بدورها تتطلب مزيدا من موارد الطاقة.. الخ في هذا السياق بالذات يعرض المؤلف 3 أسباب أساسية لإشكالية الغذاء في زماننا على النحو التالي:

أولا: إن الغذاء لم يعد سلعة يتم إنتاجها في سياق إقليمي ـ أو جهوي أو مناطقي. (الأرياف أو البوادي.. أو الحضر داخل هذا البلد أو ذاك) معظم الغذاء يتم إنتاجه الآن ضمن سياق عالمي تتحكم فيه عوامل الزراعة (استيراد الأسمدة) أو عوامل الطلب (تغير أنماط الاستهلاك) ومن ثم عوامل النقل والتغليف، التعليب، التجهيز. وما في حكمها. كل هذا أصبح مرتبطا بحالة العلاقات بين الدول. تصديرا واستيرادا. وأي عنصر يؤدي إلى تعطيل مثل هذه العلاقات التبادلية يمكن أن يؤثر سلبا على الإمداد بالأغذية.

هنا يسوق المؤلف مثلا فيقول: تصور لو حدث عائق طبيعي.. ومن ذلك مثلا تغير أحوال المناخ.. أو هبوب أعاصير أو عواصف أو تسونامي.. أو زلازل.. هنا تلوح أخطار حقيقية يمكن أن تهدد بعزل مناطق بأكملها من تلك التي لا تستطيع سوى إنتاج محصول واحد فإذا بها لا تستطيع الوفاء باحتياجاتها الغذائية بعد أن تنقطع إمداداتها من الواردات ولو إلى حين. ولكن هذا الحين. مهما كان أمده قصيرا.. معناه المعاناة والحرمان وربما الوصول إلى حافة المجاعة.

ثانيا: وبالتالي لم يعد إنتاج الطعام ـ أنواع الأغذية يعد عملية فردية أو حتى مجتمعية بمعنى أن تقتصر على جماعة أو طبقة أو حرفة بذاتها هي بداهة حرفة الزراعة والفلاحة، ولكن أصبح هذا الإنتاج يتم من خلال منظومة متشابكة العناصر ومتداخلة النشاطات. فيما اتسع نطاق هذه العملية بما يكاد يشمل العالم كله.


تبدأ المنظومة ـ كما يوضح مؤلف الكتاب ـ بمسألة الطاقة اللازمة لإدارة ماكينات الري وتشغيل أدوات وآلات الحراثة والحصاد ولا تنتهي بقضايا كفاءة توزيع إنتاج الغذاء بمعنى التماس أجود نوعيات الأراضي الملائمة لإنتاج أكثر المحاصيل غلّةً ومن ثم نقلها من مناطق ـ الإنتاج إلى مناطق ازدياد الطلب وقد تعبر بين هذين القطبين حيث تجتاز مناطق التجهيز والتعبئة والتعليب. وفي ظل هذه الأوضاع بالغة التعقيد في عصرنا تتعرض الأقطار والمناطق التي كانت تتخصص في إنتاج محصول واحد إلى العزلة عن تيار العلم الكاسح فإذا بها عاجزة أو تكاد عن إشباع احتياجاتها الغذائية من جهة.. فضلا عن اعتمادها على الواردات من الأغذية من جهة أخرى.

ثالثا: إن اقتصاديات الغذاء، كما يؤكد الكتاب، بحكم طبيعتها تتسم بأنها تقاوم التغيرات السريعة أو المفاجئة..أنها تتحرك على أساس قوة اندفاع لا تملك التوقف ولا تملك ترف التريث والتقاط الأنفاس من أجل إمعان النظر وتأمل الأحوال ومراجعة الأساليب. ورغم أن النفط بات ـ كما هو بديهي ـ عنصرا لازما بل حيويا لاستمرار الحياة فوق كوكبنا ـ إلا أن المرء بوسعه أن يتخيل ولو نظريا عالما بغير نفط ولو على مدار يوم واحد فقط لكن من يستطيع أن يتخيل عالما بلا طعام يوما واحدا أو ساعات من يوم؟

لعل هذا العامل بالذات هو الذي دفع بعض الخبراء إلى القول بأن نظام إنتاج الأغذية أصبح يستعصى على التغيير من داخله..ومن ثم أصبح واجب أن يتم التفكير في حلوله من خارج المنظومة نفسها..وبالتالي يمكن لتدابير الإصلاح أن تتبلور وأن ترسم سيناريوهات الوصول إلى الأوضاع الأفضل وأن تنبه إلى السلبيات التي تشوب منظومة إنتاج الطعام اللازم لكل فم على ظهر البسيطة.

في هذا المضمار يسوق المؤلف نموذجا دالا على أهمية التفكير في إصلاح منظومة الغذاء ـ ولم يتم هذا التفكير ضمن نطاق العلم أو الإحصاء أو البحث المنهجي..لقد تم في نطاق بعيد تماما عن هذا كله.. نطاق الإبداع الأدبي. ففي عام 1906 ـ أصدر الأديب الأميركي «إبتون سنكلير» روايته بعنوان «الغابة» (أو الدغل ـ الأحراش..) كشف فيها ببلاغة التصوير الأدبي عما كان يدور أيامها في صناعة الأغذية في أميركا.. ذلك العالم الذي كان محفوفا بأسرار أقرب إلى كهنوت الصنعة ويومها. طالع الناس برعب شديد مشاهد تجهيز ما يضعونه في أفواههم من صنوف الطعام بكل ما كان يحدق بها من إهمال وقذارة وتقصير يرقى إلى مستوى الجرائم ـ كان الهدف من هذا كله هو خفض التكاليف..وتعظيم أرباح أباطرة الغذاء (في أميركا ومن ثم في العالم).

لا يهم إذن أن يقدموا لجماهير المستهلكين لحوما متعفنة وألبانا انتهت صلاحيتها ومعلبات تغذوية عالجوها بكيماويات هي أقرب إلى السموم الناقعات..هذا ناهيك عن العمال الذين تقطعت أيديهم تحت شفرة السكاكين العملاقة في مصانع الشقاء وتركتهم شركات الأغذية بغير عائل أو معين وهكذا كان الإبداع في خدمة الوعي وبقدر ما كان الأدب مبدعا. كان الوعي حيويا لأنه يتعلق بحياة الإنسان.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  1. ^ محمد الخولي (2008-12-16). "نهاية الغذاء". جريدة البيان الإماراتية. Retrieved 17-12-2008. {{cite web}}: Check date values in: |accessdate= (help)