معاهدة عدوة

يوحنس الرابع، امبراطور إثيوبيا.

معاهدة عدوة أو معاهدة هيوت (3 يونيو 1884) بين مصر وإنگلترة والحبشة. نصت في مادتها الأولى على السماح للحبشة، بعد توقيع الاتفاق، بمباشرة أعمالها التجارية عن طريق ميناء مصوع عبر الأراضى المصرية، بما في ذلك الاتجار بالأسلحة والذخائر. وقعها وليام هيوِت)، التى وقعها عن الجانب الإنگليزى الأدميرال وليام هيوِت قائد الجيش الإنگليزي في الشرق الأوسط والهند، وعن الجانب المصرى ميسون باشا محافظ مصوع، وعن الجانب الإثيوبي الملك يوحنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمهيد

بعد إخلاء مصر للسودان عقد إندلاع الثورة المهدية في 8 يناير 1884، دخلت قوات المهدي حاميات كسلا وأميدبت وسنهيت، وقطعت عنها الاتصال بالخرطوم.[1]

ووجدت الحكومة الإنگليزية وقتها أفضل السبل لإنقاذ القوات المصرية في شرق السودان، وهو الاتفاق مع يوحنا إمبراطور الحبشة على تقديم العون العسكرى لانسحاب تلك القوات عن طريق الحبشة، مقابل الاعتراف له بكل المطالب الإقليمية التى كانت مثار نزاع بينه وبين خديو مصر، أى أن بريطانيا «ضغطت» على مصر لقبول التنازل عن بعض ممتلكاتها للحبشة نظير مساعدتها للقوات المصرية، التى كانت مرابضة شرق السودان، ومثلما نجحت بريطانيا في إرغام مصر على قبول الجلاء عن السودان، تمكنت أيضا من اقتطاع أجزاء من ممتلكات مصر في السودان الشرقى ومنحها للحبشة.

نائب الأميرال وليام هيوِت.

وبناء على هذه التعليمات الجديدة التي قدمت إلى حكومة مصر لتوافق عليها موافقة شكلية، ولتعد خطابا موجها من الخديوي إلى الامبراطور يوحنا يحمله مندوبها ميسون بك محافظة مصوع والذي سيرافق البعثة إلى اثيوبيا ويقدمه للتعريف به وتفويض منها له ليتفاوض باسمها مع الحكومة الأثيوبية في المسائل المتعلقة بالبلدين، بناء على هذه التعليمات غادرت البعثة المكونة من الأدميرال وليام هيويت ويساعده كابت سبيدي ويمثل الجانب البريطاني وميسون بك ويمثل الحكومة المصرية، مصوع متجهة إلى الأراضي الأثيوبية لكي تتفاوض مع الامبراطور وتوقع المعاهدة معه في ضوء التعليمات التي صدرت إليها (58). وكتب الأدميرال في 24 أبريل سنة 1884 رسالة الى يوحنا يوضح فيها تفاصيل شروط المعاهدة المقترحة بين مصر وأثيوبيا وبريطانيا. وكان الامبراطور في منطقة ثيمبين ، فاقترح في رده على هيويت أن تكون المفاوضات معه في ماكالي. ولكن بعد أن وصل الأدميرال وبعثتها إلى عدوة في 26 أبريل اصر على ألا يتقدم أكثر من ذلك، مما جعل الامبراطور يوافق على أن يأتي إليه ويقابله في هذه المدينة، ولما كان ذلك يستغرق حوالي ثلاثة اسابيع، فقد طلب إليه أن يناقش شروط الاتفاق مع راس ألولا وذلك حتى يصل اليه وبالفعل تم ذلك واستطاعت البعثة وألولا الوصول إلى رضا متبادل عن النص الفعلي للاتفاقية، وفي 26 مايو كان الامبراطور قد وصل الى عدوة واستقبل الأدميرال وبعثتها استقبالا رسميا طيبا حيث تسلم الخطابات الموجهة من الملكة فيكتوريا والخديوي واللورد نابيير وكذلك الهدايا التي قدمت له من المدافع والبنادث، وقد سر الامبراطور سرورا عظيما بها.

وفي 28 مايو تقابل الامبراطور مع البعثة مرة أخرى حيث بحث هذه المرة بنود المعاهدة المقترحة والتي قدم الادميرال مشروعها الى الامبراطور، وقد قبلها وان كان قد استفهم عن انسحاب الحاميات المصرية من مصوع منكولو. ولما لم تكن لدى هيويت أية أوامر بالانسحاب من مصوع أو منكولو فقد أجابه بأنه ستبقى حامية صغيرة في منكولو. وقد قبل يوحنا ذلك الوضع مادام هذا تحت الحماية البريطانية. كما أقنع الامبراطور بأنه ليس من مصلحته أن يحصل على ميناء، وذلك عندما أبدى الأخير رغبته في الحصول على أراضي تطل على البحر. وسأل عن كسلا وهل ستعطى له، فأخبره هيويت أنه غير مزود بأي سلطة لاعطائها له، واذا كان يوحنا وافق على ذلك فانه لم يخف رغبته في الاستيلاء عليها اذا ما وقعت في أيدي قوات المهدي. وفي 31 مايو استؤنفت المناقشة حول موضوع الجمارك في مصوع، فاقترح الامبراطور أنه بعد اسقاط مصاريف الميناء يقسم مناصفة ما يتبقى من حصيلة الجمارك بين مصر واثيوبيا، وطلب النص على ذلك في المعاهدة. ولما كان ذلك يتعارض مع حقوق سيادة الدولة العثمانية على هذا الميناء فقد نجح الادميرال في أن يحول الامبراطور نظره عنها إلى أفضيلة حصول اثيوبيا على حرية التجارة في مصوع، وأنه يستطيع أني قيم نقطا للجمارك في بلاده يفرض فيها الرسوم ويحصل ما يريده.


وفي اليوم الذي حـُدد للتوقيع على المعاهدة (3 يونية سنة 1884) طلب أن تسري المادة التي تنص على حرية التجارة في مصوع من هذا اليوم بدلا من أول أكتوبر سنة 1884. وقد وافق هيويت على ذلك وعدلت هذه المادة. وعندما تم ذلك وقع الامبراطور المعاهدة التي عرفت بمعاهدة عدوة. وعندما انتهت البعثة من مهمتها عادت إلى الساحل حيث بقى كابت سبيدي في مصوع لتنفيذ شروط هذه المعاهدة بالتعاون مع ميسون بك محافظة مصوع.

وقد اشتملت المعاهدة على ست مواد، نص فيها على حرية التجارة والسماح لأثيوبيا بالقيام باستيراد الأسلحة بمجرد توقيع هذه المعاهدة. كما أعيدت إلى اثيوبيا بموجب المعاهدة منطقة بوجوس وذلك في أول سبتمبر سنة 1884، وعند جلاء القوات المصرية عن تحصيناتها في كسلا وأميديب وسنهيت تؤول ملكية هذه التحصينات بما تشمل عليه من مباني وأسلحة وذخيرة إلى أثيوبيا. وتعهد الامبراطور بتقديم كافة التسهيلاة الممكنة للقوات المصرية في انسحابها من كسلا وأميديب وسنهيت عبر الحدود الاثيوبية إلى مصوع. كما تعهد الخديوي بتقديم كافة التسهيلا اللازمة لتعيين المطارنة المصريين الذين تحتاجهم كنيسة أثيوبيا. وتعهد الطرفان مصر واثيوبيا – بتبادل المجرمين الفارين من العدالة. وأخيرا أحيل أي خلاف بين خديوي مصر وامبراطور أثيوبيا بعد التصديق على هذه المعاهدة الى بريطانيا حيث يقبل الطرفان تحكيم ملكتها (61). على أن يوحنا بعد توقيعه على هذه المعاهدة أرسل إلى الخديوي يقول أن مسألة مصوع لم تنته وفق رغبته، وادعى أن الخديوي يعلم أن مصوع كانت منذ عهد قريب خاضعة لأجداده أباطرة أثيوبيا.

وقد اختلفت شروط المعاهدة قليلا عن التعليمات الأصلية التي صدرت إلى هيويت قبل توجه للتفاوض مع يوحنا. فبالرغم من أن التعليمات كانت قد حرصت على حقوق السيادة العثمانية على سواحل البحر الأحمر أو في شرق السودان، فإن المعاهدة لم تشر إلى هذه الحقوق، بل أنه عندما طالب يوحنا باعطائه كسلا أجابه الادميرال بأنه غير مزود بأية سلطة لاعطائه هذه المدينة، فهو لم يحدد الجهة التي زودته بالسلطة. وبالتالي يمكن استنتاج أنه ما دام هو مبعوثا من بريطانيا ومعه مندوب مصر اي أن كلا الدولتين لم تخولا له سلطة منح الامبراطور مدينة كسلا. وما يؤكد ذلك أن مقدمة المعاهدة لم تشر إلى تبعية مصر للدولة العثمانية بل ذكرت أن الخديوي باعتباره حاكما مستقلا مساويا لملكية بريطانيا وامبراطور إثيوبيا، بالرغم من أن ذلك يتعارض مع معاهدة لندن سنة 1840، وربما قصدت بريطانيا إبعاد الدولة العثمانية عن هذه المنطقة حتى لا تدخل في مشاكل دولية تعوق تحقيق أهدافها التوسعية بعد ذلك سواء في مصر أو في السودان أو في باقي المناطق الواقعة على ساحل البحر الأحمر أو القرن الأفريقي، كما أنها ذكرت اسم الخديوي توفيق بجانب ملكة بريطانيا وامبراطور أثيوبيا فعلت ذلك بهدف ايهام الدول الاوروبية المنافسة لها مثل فرنسا – التي عملت بعد ذلك على اخراجها من مصر – بأنها تعترف ضمنا باستقلال مصر وأن احتلالها لهذا البلد انما هو احتلال مؤقت سرعان ما ينتهي عندما تستقر أحوالها الداخلية.

والواقع أن بريطانيا فعلت هذه السابقة حتى تدعي سيطرتها على مصر وتبعد أي نفوذ عثماني تدريجيا، وذلك حتى تستطيع عندما تسنح لها الظروف بعد ذلك باعلان احتلالها لمصر، كما أن ذلك يساعدها على احتلال بعض البلاد التي كانت تخضع لمصر مثل زيلع وبربرة، أو ربما فعل هيويت ذلك بتعليمات سرية خاصة صدرت إليه بخلاف التعليمات المعلنة الأخرى. وما يؤكد ذلك أن هيويت أرسل إلى جرانفيل بعد توقيع المعاهدة يقول أن يوحنا سيسهل الانسحاب عبر أرضه للحاميات المصرية في شرق السودان مع أن المعاهدة لم تذكر سوى حاميات كسلا وسنهيت وأميديب. أما الحاميات الأخرى مثل القلابات والجيزة والقضارف فانه لم يشر إليها بل أن التعليمات التي صدرت إلى هيويت ذكرت أن بريطانيا لن تعترض في حالة احتلال أثيوبيا للقلابات، ومع ذلك لم يشر اليها في المعاهدة.

وربما كان ذلك للاحياء إلى مصر بخطورة الوضع في شرق السودان، والواقع أنها ترفض احتلال أثيوبيا للقلابات وستجد بعد ذلك عندما يتم استرداد السودان أن بريطانيا ترفض رغبة الامبراطور منليك في ضم القلابات إليه وربما يعود ذلك الى الأهمية التجارية لهذه البلدة، وكذلك لم تشر التعليمات إلى تسليم المجرمين الهاربين كما أشارت إليه هذه المعاهدة وذلك لتدعيم حكم يوحنا في أثيوبيا الذي كان يعاني من الثوار الخارجين عن طاعته وحماية السلطات المصرية في مصوع وغيرها لهم.

وفي مجال تدعيم حكم يوحنا، كررت بريطانيا ما سبق أن فعله نابيير بعد أن نجحت حملته بأن منح مجموعة ضخمة من الأسلحة ساعدته على أن يصل الى حكم أثيوبيا وقد فعلت بريطانيا في هذه المعاهدة مثل ذلك بأن منحته الأسلحة والذخيرة والاستحكامات التي تركتها مصر له بموجب المعاهدة لتدعيم حكمه، ولكي يستطيع أن يقف في وجه الثورة المهدية، لادراك بريطانيا التام بأنه لابد وأن يحدث اصطدام بينها وبين يوحنا الذي يعتبر امتدادا للصراع الذي كان بين مصر وأثيوبيا وكانت تخاف أن ينهزم يوحنا أمامها وبالتالي يسهل وصول المهديين إلى سواحل البحر الأحمر ما يهدد مصالح بريطانيا كما سهلت له حرية استيراد الأسلحة للهدف نفسه، وهكذا كانت المعاهدة في المكان الأول تدعيما لحكم يوحنا وتقوية دولته على حساب مصالح مصر والثورة المهدية وفي نفس الوقت يخدم طريقها إلى الهند).


ونصت المادة الثانية على أنه بدءًا من الأول من سبتمبر عام 1884 ترد مصر إلى الحبشة بلاد بوغوص، وعند جلاء القوات المصرية عن كسلا وإميديب وسنهيت تؤول ملكيتها بما فيها من منشآت ومبان مصرية، وبما تشتمل عليه من مهمات وذخائر إلى ملك الحبشة، فيما تعهد ملك الحبشة في المادة الثالثة بتقديم جميع التسهيلات الممكنة للقوات المصرية في انسحابها من كسلا وإميديب وسنهيت عبر الحدود الحبشية لتعود إلى مصوع المصرية، في حين نصت المادة الرابعة على أن يتعهد خديو مصر بأن يمنح ملك الحبشة جميع التسهيلات اللازمة فيما يختص بتعيين رجال الدين القساوسة في الحبشة.

وتنص المادة الخامسة من الاتفاقية على أن يتعهد الطرفان، المصرى والحبشي، بتبادل تسليم المجرمين الفارين من العدالة، في حين أوصت المادة السادسة بأنه في حال حدوث خلاف بين خديو مصر وملك الحبشة بعد التصديق على هذه المعاهدة، يقبل الطرفان بتحكيم ملكة إنجلترا».


بعد المعاهدة

بنهاية القرن التاسع عشر بدأت إنجلترا تنظر بعين الارتياب لمحاولة بعض الدول الأوروبية التسلل إلى شرق أفريقيا والتقدم صوب أعالى النيل، على حساب الممتلكات المصرية السابقة في السودان، وما جاوره، ولتهديد أمن مصر المائى، خاصة أن إنجلترا كانت تعتبر إخلاء مصر للسودان عملاً مؤقتاً لتستطيع الأولى تكوين جيش قوى لاستعادة السودان من جديد، وفى نفس الوقت فإن التمسك بهذا المنظور يفيد إنجلترا في وضع يدها على السودان باسم مصر.

في المقابل كانت منطقة أعالى النيل على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لمشروعات إنجلترا التوسعية في أفريقيا التى كانت تحلم بخلق إمبراطورية تمتد من سواحل البحر المتوسط شمالاً وصولاً إلى مدينة الكاب جنوباً، لتشطر القارة الأفريقية إلى شطرين، إلا أن هذه الأحلام اصطدمت بالمعارضة الفرنسية للاحتلال البريطانى لمصر، وكانت إنجلترا تخشى أن تؤدى معارضة فرنسا إلى مهاجمتها لمنطقة أعالى النيل وتهديد مصر، ولهذا حرصت إنجلترا على الإسراع بمنع الوصول الفرنسى إلى تلك المنطقة، وفى نفس الوقت كان لزاماً على إنجلترا أن تحول بين إيطاليا والحبشة وألمانيا وبين الوصول إلى أعالى النيل بعد وضوح رغبة هذه الدول في السيطرة عليه للتحكم في مخصصات مصر المائية.

ووفق الوثائق حاولت إنجلترا استرضاء إيطاليا التى عارضت هى الأخرى الاحتلال البريطانى لمصر دون أن يكون لها نصيب في تلك «الغنيمة»، وعندما أبدت إيطاليا اهتماما كبيرا بميناء عصب بعد أن اشترته من الشركة الإيطالية عام 1882، وأرادت أن تتخذ منه منفذا لها على مياه البحر الأحمر، وجدت إنجلترا أنه من الحكمة تشجيع إيطاليا على فتح مجال لتوسعاتها في المنطقة، فوقعت اتفاقاً معها عام 1885 أعطت بموجبه الأخيرة ميناء مصوع المصرى، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه باحتلال إيطاليا للميناء المصرى، أوقفت مرور السلاح إلى يوحنا ملك الحبشة، وسمحت بإرساله لعدوه «منليك» ملك شوا.

بهذا الإجراء خيبت إنجلترا آمال إثيوبيا ونقضت معاهدة عدوة، فاحتلت إيطاليا عدوة، ورآها ملك الحبشة فرصة مناسبة حيث نازل القوات الإيطالية في موقعة عدوة في الأول من مايو 1896، وأرغمها على توقيع معاهدة أديس أبابا مع الملك منليك في 26 أكتوبر من نفس العام، التى اعترفت فيها إيطاليا باستقلال الحبشة وتحديد الحدود بينها وبين إرتريا.

الهامش

  1. ^ هايدي فاروق عبد الحميد (2010-08-04). "«المصرى اليوم» تنشر وثائق نادرة تؤكد حق مصر القانونى في مياه النيل (الحلقة الثانية)". جريدة المصري اليوم. Retrieved 2013-05-29.