مدونة: الدولة السورية في مئة عام

الدولة السورية في مئة عام، بقلم محمد سيد رصاص، جريدة الأخبار اللبنانية، 20 نوفمبر 2018.[1]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المقال

تم رفع العلم العربي في دمشق مساء 30 سبتمبر عام 1918. بين هذا التاريخ ويوم 8 مارس عام 1920، عندما أعلن المؤتمر السوري العام الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على المملكة السورية العربية، تشكلت نواة الدولة السورية الناشئة مع حكومة مؤقتة برئاسة علي رضا الركابي. عندما انعقد المؤتمر السوري العام، كان هناك مندوبون عن سوريا الحالية، وعن لبنان والأردن وفلسطين. صدر عن المؤتمر قانون أساسي، كان بمثابة الدستور السوري الأول. كان هناك في الإعلان حدود لدولة تمتد من بيروت حتى الموصل، ومن ماردين حتى العقبة.

سقطت الدولة السورية مع معركة ميسلون في 24 يوليو عام 1920، ودخول الجنرال الفرنسي غورو دمشق في اليوم التالي. أعلن الفرنسيون قيام دولة لبنان الكبير في 1 سبتمبر. وفي 11 أبريل عام 1921، تم تأسيس إمارة شرق الأردن، وفي 11 سبتمبر عام 1922، وافقت عصبة الأمم على الانتداب البريطاني على فلسطين، وفقاً لنص وعد بلفور. شرعت فرنسا في تقسيم سوريا إلى أربع دول: دمشق - حلب - دولة العلويين - دولة جبل الدروز. في معاهدة سيفر (أغسطس عام 1920)، كان خط الحدود السورية مع تركيا يمتد من طرسوس حتى ماردين، نزولاً إلى جزيرة ابن عمر عبر دجلة جنوباً. في معاهدة لوزان (يوليو عام 1923) تخلت فرنسا، وهذا ليس من صلاحيات الدولة المنتدبة حسب ميثاق عصبة الأمم، ووفقاً للمادة 4 من ميثاق الانتداب: «دولة الانتداب مسؤولة عن عدم التنازل أو التأجير بأي شكل لقطعة من أراضي سوريا ولبنان، التي وضعت تحت إدارتها لأي دولة أجنبية»، عن خط طرسوس - ماردين - جزيرة ابن عمر، حتى الحدود السورية الحالية، بما فيها لواء إسكندرون، الذي تخلت عنه فرنسا لتركيا في فترة 1937-1939، من أجل ضمان عدم انضمام تركيا للألمان في الحرب العالمية الثانية، التي كانت غيومها تتجمع. في مؤتمر سان ريمو في 26 أبريل عام 1920، لتحديد توزيع مناطق الانتداب بين فرنسا وبريطانيا، الذي صادقت بموجب اتفاقاته عصبة الأمم على صكوك الانتدابات، كان هناك تشميل للبنان الحالي في سوريا، وهو ما لم تلتزم به فرنسا في الأول من سبتمبر عام 1920 عند إعلان دولة لبنان الكبير.

عند السوريين، هناك شعور كان طاغياً عند أكثرهم لمدة قرن من الزمن، بأن هذا القميص الذي جرى لبسه في 8 مارس عام 1920، قد تم تمزيقه. كانت الخياطة لهذا القميص خلال سنة وخمسة أشهر، وفقاً لتصميم هو أقرب إلى ما رسمه أنطون سعادة لاحقاً في الثلاثينيات. كان الطموح وفقاً لمراسلات الشريف الحسين بن علي، والد فيصل، مع البريطاني مكماهون، هو دولة عربية تمتد من جبال الأناضول حتى عدن، ومن جبال زاغروس عند الحدود الفارسية - العربية، حتى سيناء وشرق البحر الأبيض المتوسط. مع العروبة التي سادت سوريا، وما زالت، هناك شعور بأن قميص الـ 8مارس عام 1920 كان ضيقاً. كان التمزيق للقميص السوري الذي مارسته فرنسا في العشرينيات، قد أعيد رتق بعض ممزقاته مع معاهدة عام 1936، لمّا أعيد تجميع (دمشق - حلب - جبل العرب - الساحل)، في دولة اعترفت فرنسا بها، بما فيها لواء إسكندرون. عند تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، وكانت الدولة السورية من مؤسسيها، قدّم المندوب السوري خريطة توضع مع أوراق العضوية السورية في المنظمة، تتضمن لواء إسكندرون، وهو بالعرف الدولي، يعني أنها منطقة نزاع مع تركيا، التي قدمت خريطة تتضمن اللواء أيضاً. كانت مزارع شبعا ضمن خريطة سوريا المقدمة للمنظمة الدولية، ولم تكن كذلك في الخريطة اللبنانية المقدمة.

اللافت للنظر هنا، أن يكون القوميون السوريون أضعف من الأحزاب العروبية في سوريا ما بعد الجلاء الفرنسي يوم 17 أبريل عام 1946: كانت العروبة أقوى تيار سياسي سوري خلال قرن من الزمن، وما زال. خسر الشيوعيون قوتهم في الشارع السوري في فترة 1956-1958، لمّا وقفوا ضد وحدة 22 فبراير عام 1958 السورية -المصرية. كان 22 فبراير عام 1958 هو المحاولة السورية الثانية للبس قميص أوسع، بعدما منع انقلاب أديب الشيشكلي في 19 ديسمبر عام 1949، محاولة البرلمان السوري المنتخب قبل شهر (سمي بالجمعية التأسيسية حتى إنجازه دستور 5 سبتمبر عام 1950) إقرار الوحدة مع العراق، تحت سقف العرش الهاشمي، وقد دعمت القاهرة - الرياض - باريس انقلاب الشيشكلي. كان التأييد لانقلاب 8 مارس عام 1963 عند شرائح واسعة من المجتمع السوري، بسبب إعلان منفذيه الناصريين والبعثيين نيتهم تجاوز انفصال الـ 28 سبتمبر عام 1961، وهو ما أصبح نسياً منسياً، بعد انفضاض التحالف البعثي- الناصري، إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها الناصريون، بدعم من القاهرة في 18 يوليو عام 1963، وانفراد البعثيين بالسلطة. يمكن الاستدلال أيضاً على قوة العروبة في المجتمع السوري خلال قرن من الزمن، من خلال التفاعل الأقوى للسوريين بالقياس إلى العرب الآخرين، مع قضية فلسطين منذ عام 1948، ومن خلال قياس وضع الفلسطينيين في سوريا، بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى، كانت حساسية فلسطين عند السوريين هي التي جعلت المفاوض السوري أفضل وأكفأ من المفاوضين المصريين واللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين في أثناء جولات المفاوضات العربية -الإسرائيلية خلال فترة 1974-2008.

داخلياً، احتلت التيارات الثلاثة: العروبي- الإسلامي- الماركسي، صدارة المشهد السياسي السوري منذ 8 مارس عام 1963، مع اختفاء وموت التيار الليبرالي، الذي كان متصدراً لمشهد 1946-1958 مع حزبي الشعب والوطني. كان هذا بسبب بنية اقتصادية - اجتماعية جديدة جاءت مع الإصلاح الزراعي في سبتمبر عام 1958، ومع تأميمات الصناعة والبنوك في يوليو عام 1961، وهو ما أكمله البعثيون بعد يوم 8 مارس عام 1963. لم تنجح عملية إحياء التيار الليبرالي في فترة 2001-2011، من خلال ماركسيين متحولين عن الماركسية، عبر لجان إحياء المجتمع المدني وحزب الشعب الديموقراطي. الصناعيون والتجار ورجال الأعمال، ولدوا من رحم السلطة السورية في فترة 1974-2004، ولا يرون مصلحة في الليبرالية السياسية، ما دامت السلطة السورية منذ عام 1991 تقود عملية التحول من رأسمالية الدولة، التي نشأت عبر الإصلاح الزراعي والتأميمات، باتجاه نموذج «اقتصاد السوق»، وهم لا يرون مصلحة في أن يكونوا خارج خيمة السلطة السياسية القائمة، كما أثبتت تجربتا أحداث 1979-1982، وأزمة 2011-2018.

في هاتين التجربتين، كان هناك انفجارات مجتمعية، أخذت شكل السلاح العنفي المعارض، الذي طغى على المعارضة السلمية بالتجربتين، أتت أساساً في 1979-1982، من شرائح مدنية متضررة من «رأسمالية الدولة»، أولاً ترى مصالحها فيها، وأتت في2011-2018 من بنى ريفية دمر التطور الرأسمالي زراعتها، وخاصة بعد مرسوم زيادة أسعار المازوت والأسمدة الزراعية في مايو عام 2008. تلك الشرائح المدنية المتضررة، في حلب وحماة وبلدات محافظة إدلب، ركبت قطار الإخوان المسلمون في 1979-1982، فيما في أزمة 2011-2018، أفرز الريف السني سلفية جهادية، وهذا يُلمس في مصر، حيث أتت السلفية الجهادية وتركزت في الصعيد، وهو ما يُلاحظ على الجماعة الإسلامية، فيما الإخوان المسلمون، تنظيم مديني أساساً أو في منطقة ريف الدلتا الأكثر تطوراً من الصعيد.

على الأرجح، كان انفجار الأزمة السورية بدءاً من درعا في 18 مارس عام 2011، تظهيراً لمآلات المجتمع السوري منذ يوم 30 سبتمبر عام 1918: كان الانفجار السوري هو الأقوى بين الانفجارات المجتمعية العربية المتزامنة معه في الدول الجمهورية: التونسية - المصرية - اليمنية - الليبية، من حيث قوة الحطب الداخلي المشتعل، ومن حيث قوة الاستقطابات الداخلية بين تخومات الموالاة -المعارضة - التردد، ومن حيث التربة الخصبة التي لاقتها القاعدة وداعش، للنمو أكثر من التربتين الأفغانية 1989-1998، والعراقية 2004-2013، ومن حيث الانخراط الإقليمي - الدولي في الأزمة السورية. كانت الطائفية في سوريا أضعف من لبنان 1975-1990 ومن عراق 2003-2008. كان هناك اتجاه قوي للاستعانة بالخارج عند المعارضة والموالاة في الأزمة السورية، وكان اتجاه التسوية هو الأضعف بالقياس الى اتجاه الحسم عند طرفي السلطة والمعارضة. ظهرت أزمة كردية من شقوق الأزمة السورية. أصبحت الأزمة السورية بغير يد السوريين، بل بيد مربع موسكو - واشنطن - أنقرة -طهران، وتسويتها ستكون بينهم أو بين بعضهم مع استبعاد البعض الآخر.


انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ محمد سيد رصاص (2018-11-20). "الدولة السورية في مئة عام". جريدة الأخبار اللبنانية. Retrieved 2018-11-21.