مخطوطات التعمية

اكتشاف مخطوطات التعمية والجهود المبذولة فيها

د. محمد حسان الطيان

يرمي هذا البحث إلى جلاء أمر الكشف عن مخطوطات علم التعمية ورحلة التنقير عنها في مكتبات العالم ، وهو يتألف من تمهيد ، وقسمين .

يعرف التمهيد علم التعمية ، ويشير إلى مكانته وأثره .

ويحكي القسم الأول قصة الكشف عن مخطوطات التعمية ومبلغ ما اجتمع لدينا منها .

ويتناول القسم الثاني أهم هذه المخطوطات بالوصف وإيراد نماذج مصورة منها .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تمهيد

التعمية أو الشفرة : تحويل نصِّ واضح إلى آخر غير مفهوم باستعمال طريقة محددة يستطيع من يعرفها أن يفهم النص .

واستخراج التعمية أو كسر الشفرة : تحويل النص المعمى إلى نص واضح دون معرفة مسبقة لطريقة التعمية المستعملة فيه .


ويحظى هذا العلم اليوم بمكانة مرموقة بين العلوم ، إذ تنوعت تطبيقاته العملية لتشمل مجالات متعددة نذكر منها : المجالات الدبلوماسية والعسكرية ، والأمنية ، والتجارية ، والاقتصادية ، والإعلامية ، والمصرفية والمعلوماتية .

وقد توافر لهذا العلم من أسباب الرعاية والتطوير الشيء الكثير لدى معظم الدول المتقدمة ، إلا أنه غاب عن أذهان الكثيرين ممن يعملون به أن أصله عربي ، وأن العرب هم آباؤه وواضعو أسسه ومطوروه ، ولكنه خبا لديهم حتى لم يعد شيئاً مذكوراً .

يقول كبير مؤرخي هذا العلم دافيد كان في كتابه Kahn on Codes ص41 :

(إن شفرة قيصر بقيت حية حتى آخر أيام الروم؛ لأن أول مستخرجي التعمية ـ الذين يكسرون الشفرة ـ لم يظهروا إلا بعد عدة قرون لاحقة . العرب كانوا أول من اكتشف مبادىء استخراج المعمى ، ولكن معلوماتهم تقلصت مع أفول حضارتهم) .


أولاً : الكشف عن أقدم مخطوطات التعمية في العالم

كانت مهمة عسيرة . . بل مغامرة مثيرة . . تلك التي بدأها معنا د . محمد مراياتي ، حين أوقفني والأخ الدكتور يحيى مير علم على نص لكبير مؤرخي التعمية دافيد كان في ص 93 من كتابه THE CODEBREAKERS يقول فيه : (ولد علم التعمية بشقّيه بين العرب فقد كانوا أول من اكتشف طرق استخراج المعمّى وكتبها ودوّنها) .

ولدى تتبع تلك المقولة تبين لنا أنه اعتمد فيها على ما جاء في كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) للقلقشندي(821 هـ = 1418 م) الذي عقد باباً سماه > باب إخفاء ما في الكتب من السرّ . . < أكثر النقل فيه عن رسالة تدعى > مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز < لعالم يدعى ابن الدريهم .

ويعبر البرفسور دافيد كهن عن أسفه الشديد لأن رسالة ابن الدريهم هذه تعد من الكتب الهامة المفقودة LOST BOOKS OF CRYPTOLOGY وتلمس في كتابه مقدار الرغبة الملحة والحماس الشديد لإثبات ما عده فتحاً تاريخياً ، حين تقرأ في ملحقاته ما أثبته من رسائل وردت إليه تنعى عليه كشفه هذا ، وتنكر وجود ابن الدريهم أصلا ، وتزعم أنه ضرب من الخيال أو الوهم ،ولا وجود له في حقيقة الأمر .

والدعاوى ما لم يقيموا عليها
بيناتٍ أصحابها أدعياءُ


يقول دافيد كهن في كتابه THE CODEBREAKERSص284 : (طور المسلمون معرفة نظرية في استخراج المعمى ، تنم عن ممارستهم لاعتراض المراسلات واستخراج تعميتها ، وذلك على الرغم من تشكيك بعض الباحثين في ذلك . وبما أن التراث الإسلامي المخطوط لا يزال غير مكتشف في معظمه ، فقد يحصّل الباحث فيه اكتشافات جديرة بالتقدير) .


رحلة البحث عن المخطوطات

1 ـ في دمشق (عام 1979) :

من هنا بدأت رحلتنا في البحث والتنقير عن ذلك المخطوط الضائع ، وعن صاحبه المجهول ، بل عن كل ما له مِساس بعلم التعمية واستخراج المعمى . بدأناها في الظاهرية التي كانت آنذاك (عام 1979) أعظم مكتبة في دمشق ، وكانت تضم في جنباتها نحواً من اثني عشر ألف مخطوط استعرضنا جذاذتها واحدة واحدة بحثاً عن ضالتنا دون أن نحلى بطائل أو نظفر بدليل يدل على المخطوط الضائع ، على أننا وجدنا آثاراً تدل على صاحبه أعني ابن الدريهم . فقد عثرنا على رسالتين مخطوطتين له ، أما الأولـى فهــي >منهج الصواب في قبح استكتاب أهل الكتاب< وأما الثانية فهي قصيدة في ثلاثين قافية في مدح محمد صلى الله عليه وسلم ، نحا فيها ابن الدريهم نحواً عجيباً إذ جعل لكل بيت فيها ثلاثين قافية تستغرق حروف العربية وتزيد عليها حرف اللام ألف ، فلك أن تقول إن القصيدة همزية أو بائية أو تائية أو . . . . إلى أن تستنفد حروف العربية . ولما كانت القصيدة في ثلاثين بيتاً فقد بلغ عدد قوافيها تسعمئة قافية . (وقد فرغت مؤخرًا من تحقيقها ونشرت في حوليات كلية الآداب بجامعة الكويت) .

لقد كان لعثورنا على رسالتي ابن الدريهم هاتين أثر كبير في شحذ همتنا لمتابعة البحث ، فابن الدريهم إذن عالم عربي مسلم كان له وجودٌ ، وقد خلف آثاراً ضمت الظاهرية اثنين منها فيكف بباقي المكتبات ؟! . . ثم إن ترجمة الرجل في (الدرر الكامنة) تؤذن بوجود عشرات المؤلفات له في فنون شتى منها فن التعمية .

على أن بحثنا في الظاهرية لم يخل من فوائد أخرى ، إذ جمعنا كل ما تضمه المكتبة من رسائل التعمية البديعية ، وهي تعمية تعتمد على إخفاء المعاني بالتورية ومجالها الشعر ، وقد عني بها الفرس وتلقفها عنهم العرب بأَخَرَة (فيما يسمى بعصور الانحطاط) .

أما مفتاح الكنوز فلم يزل ضائعاً . . .

2 ـ في اصطنبول (عام 1981) :

لابد إذن من الترحل في البحث عن مفتاح الكنوز ، ولعل مكتبات تركية بما تضم من كنوز تراثنا العربي الإسلامي خير ما يمكن أن يتطلع إليه الباحث إذ تضم بين جنباتها أكثر من ألف مخطوط ، ولكن . . كيف السبيل إليها ؟ وهل يستطيع أي باحث أن يصور ما يشاء منها ؟! .

طرحنا هذا السؤال على شيخنا الأستاذ أحمد راتب النفاخ علامة الشام طيب لله ثراه ، فأرسل به إلى صديقه الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد أول مدير لمعهد المخطوطات ليعود الجواب مخيباً للآمال ، فتصوير المخطوطات من مكتبات تركية من الصعوبة بمكان ، وهو من المحظورات التي يحاسب عليها القانون التركي بحزم لا هوادة فيه لكن ذلك لم يكن ليفتّ في عضدنا فما نذرنا أنفسنا له أكبر من أن يحبسه حابس أو تعترضه عقبة . ومن ثم فقد رحنا نبحث عن كل ما من شأنه أن يذلل لنا الطريق ويضمن لنا التصوير .

زوّدنا د . مراياتي بخطابين حبرهما المدير العام لمركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق موجهين إلى كل من السفير السوري في تركية ومدير المكتبة السليمانية باصطبول .

وزودنا أحد العاملين في تصوير المخطوطات برسالة موجهة من الأستاذ الدكتور سهيل زكار إلى طالب موفد من جامعة دمشق يحضر الدكتوراه في كلية الآداب بجامعة اصطنبول . حملناها إليه مع اثني عشر ميكروفلم لو رآها شرطة الحدود للبثنا في السجن بضعة شهور ، ولكن الله سلّم! .

وحملنا إلى ذلك كله أصنافاً من الهدايا والتحف نقدمها بين يدي المهمة التي ارتحلنا في سبيلها عسانا نحظى ببغيتنا ، ولكن هيهات!! .

وهكذا انتقل البحث من دمشق إلى اصطنبول ، ومن الظاهرية إلى السليمانية حيث ترقد الكثرة الكاثرة من المخطوطات العربية الإسلامية رهينة المحبسين : الغربة ، وخزائن الكتب . وبدأنا البحث ثمة عن ضالتنا في جذاذات الفهارس التي كتبت بالحروف اللاتينية فازدادت غربتها وانطمست معالمها ، وضُرِب بينها وبين المطالع العربي بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، ولكن العذاب يعذب حين تلوح من ورائه بارقة الأمل بالعثور على المفقود . . والكشف عن المخطوط الضائع .

وكان لنا ما أردنا ، لقد وجدنا المخطوط الضائع ، عثرنا على مفتاح الكنوز فما كان أشد فرحتنا‍ ‍وما كان أعظم سعادتنا .

أرأيت إلى الأعرابي يُضل بعيره في الصحراء . . . ثم يجده بعد طول يأسٍ واغتمام . . ؟ . .أرأيت إلى الأم تفقد فلذة كبدها في متاهة . . . ثم تلقاه بعد طول بعد وغياب . . ؟ . .أرأيت إلى الباحث الجاد يمضي مع بحثه خطوة خطوة . . يجمع مصادره . . ويجري تجاربه . . ويستقري كل أدواته . . ثم يؤتى بحثه أكله بعد طول عنت واستعصاء . . ؟ . . كذلك كانت فرحتنا يوم لقينا مخطوطنا الضائع "مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز" لابن الدريهم الموصلي . وقد كتب اسمه في جذاذة الفهارس هكذا :

(Miftah Al Kunuz Fi Idah Al Marmoz) Ibn Al-durayhim Al Mowsili ).

لم نكد نصدق أعيننا حين قرأنا هذه التهجئة ، ومن ثم هرعنا إلى أمين المكتبة نأخذ طلب استعارة ونكتب مارُقِن على الجذاذة حرفاً حرفاً نخشى أن نخطىء في حرف أو في رقم فيفلت الضائع منا . . وبتنا على أحر من الجمر دقائق حسبناها ساعات ، أقبل علينا بعدها رجل يحمل الكنز المرتقب إنه هو > مفتاح الكنوز <‍ وإن مؤلفه ذلكم المجهول المُغَيَّب علي بن الدريهم الموصلي . لم ننتظر إذناً بالتصوير أو نلتمس إلى ذلك سبيلاً وإنما عكفنا عليه ناسخين حتى أتينا عليه جميعاً من الجلدة إلى الجلدة ثم عارضنا ما نسخنا ، حتى إذا ما تم لنا كل ذلك التفتنا نبتغي التصوير ونسعى إليه سعينا ملتمسين كل سبيل يمكن أن يوصلنا إليه .

سلمنا ما بأيدينا من رسائل محفوفة بالهدايا والتحف إلى مدير المكتبة وإلى القنصلية في اصطنبول فلم يجد ذلك شيئاً ، وسعينا عند أساتذة أجلاء تعرفنا إليهم هناك فلم تغن معرفتهم فتيلاً .

وصادف أن لقينا الأستاذ الدكتور صلاح الدين المنجد في السليمانية ، ولم نكن نعرفه ، وإنما دلنا عليه اسمه وقد كتب على محفظة تكاد تحيلها السنون إلى مخطوطة لكثرة ما عانت من صحبة المخطوطات ، اقتربنا منه على وجل وسألناه التعارف والمصاحبة فبذلهما لنا ، ورأيتنا نكتنفه متوسلين أن يمد لنا يد العون في تصوير المخطوط فما زادنا غير يأس وقنوط ، بل راح يقرّعنا لأننا لم نستمع إلى نصحه حين أرسل إليه شيخنا النفاخ يسأله عن تصوير المخطوطات في مكتبات تركية . وأكد لنا أن تصوير صفحة واحدة من مخطوطات السليمانية أمر محال .

لم نتوقف في أثناء ذلك عن البحث في فهارس المكتبة وهي كثيرة تبلغ بضعة وتسعين فهرساً ـ استعرضناها واحداً واحداً ، فحظينا بعدة رسائل في التعمية كان أهمها على الإطلاق > رسالة الكندي في استخراج المعمى < تلك الرسالة التي جعلتنا نعيد تاريخ علم التعمية خمسة قرون إلى الوراء ، لأن صاحبها يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب المشهور توفي في القرن الثالث للهجرة (260هـ) . وكان مما عثرنا عليه مجموع يشتمل على ثماني رسائل في التعمية ، والحق أن شيخنا النفاخ ـ عليه رحمات المولى سبحانه ـ كان قد حصل على مصورة عنه من صديقه المؤرخ العلامة التركي المعروف د . فؤاد سزكين . ولكن فيه ورقة ناقصة استدركناها من الأصل الذي وجدناه في المكتبة السليمانية آنذاك .

وقد صنعنا برسالة الكندي صنيعنا بسابقتها إذ نسخناها وعارضناها ، وكذلك الورقة الناقصة من المجموع .

على أن أملنا لم ينقطع في إمكانية الوصول إلى تصوير كل تلك المخطوطات مع مخطوطات أخرى كنا نسعى إليها على رأسها رسالة > أسباب حدوث الحروف < لابن سينا .

وطرقنا آخر الأبواب إنه ذلكم الطالب الموفد الذي حملنا إليه رسالة د . زكار والأفلام الاثني عشر ، وقد أجابنا إلى طََلِبَتِِنا ، ولكنه أغلى الثمن لأن كل من يساعده على إنجاز مهمة التصوير يحتاج إلى تلقيم وكذلك كان ، فلم نبخل عليه بأي ثمن طلبه ، دفعنا ذلك من حرِّ أموالنا ، على ضيق ذات اليد ، تغشانا سعادة غامرة بما حصّلنا ، ويحدونا أمل وطيد بأن يخلف كل ذلك عند الله أولاً ثم عند أولي الأمر ثانياً .

ولابد لنا هنا من كلمة شكر نزجيها لذلك الطالب الموفد الذي أعاننا على إنجاز مهمتنا على خير وجه وقد أصبح فيما بعد وكيلاً لكلية الآداب بجامعة دمشق ، إنه الصديق الدكتور محمود عامر ، فله منا كل الشكر والتقدير .

وهكذا عدنا من رحلتنا وقد امتلأت جعبتنا بأكثر مما كنا نؤمل ، إن حصيلة ما اجتمع لدينا من رسائل التعمية بلغ إحدى عشرة رسالة ، دع عنك ما جمعناه من رسائل التعمية البديعية ، وهي الرسائل التي عنيت بفن التعمية بوصفه فناً بديعاً يعتمد على تزيين الشعر والإلغاز فيه .

عكفنا بعد ذلك على مخطوطات التعمية دارسين ومحققين وشارحين وموازنين لنخرج فيها سفرين كبيرين ، اشتمل الأول على ثلاثة من أهم رسائلها مع دراسة تحليلية لكل منها ودراسة موسعة لتاريخ علم التعمية عند العرب ، ونشر بعنوان > علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب ـ الجزء الأول ـ دراسة وتحقيق لرسائل الكندي وابن عدلان وابن الدريهم < ضمن مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1987 مصدراً بمقدمة ضافية لرئيس المجمع أستاذنا الدكتور شاكر الفحام . واشتمل الثاني على ثماني مخطوطات ونشره المجمع أيضاً عام 1997 بعنوان > علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب (التشفير وكسر الشفرة < ـ الجزء الثاني ـ دراسة وتحقيق لثماني رسائل مخطوطة ، مصدراً بمقدمة ضافية لأستاذنا الفحام رئيس المجمع .

تلكم كانت محطتنا الثانية في رحلة البحث والكشف عن مخطوطات التعمية ، أما المحطة الثالثة فكان لها شأن آخر ، وهذا أوان الحديث عنها .

3 ـ في باريس(عام 1986) :

اتجهت أنظارنا بعد ذلك للحصول على مخطوط في غاية من الأهمية في مجال التعمية إنه : > شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام < لابن وحشية النبطي ، ذلك المؤلف الذي كشف اللثام عن رموز الهيروغليفية قبل عشرة قرون من كشف شامبليون لها . وقد أشارت المراجع إلى أنه طبع في لندن عام 1806 بعناية جوزيف هامّر مما جعلنا نتطلع نحو المتحف البريطاني للحصول على نسخة من تلك المطبوعة ، ولكن هيهات!! إذ لم يعر القائمون على المتحف أي اهتمام لخطاباتنا المتكررة برغم أن بعضها حمل إليهم باليد مع لجان متخصصة مما أقنعنا بمقولة أطلقها بعض المهتمين بشؤون المخطوطات والكتب النادرة ، مفادها أن هذا الكتاب يقع ضمن ما يحظر تداوله إعارةًً أو تصويراً أو اطّلاعاً في المتحف البريطاني .

لم يبق أمامنا ـ والحالة هذه ـ إلا اللجوء إلى الأصل الذي طبع عنه ذلك الكتاب وهو مخطوط تحتفظ به المكتبة الوطنية بباريس ، وسنحت الفرصة بسفري إلى فرنسا عام 1986 حيث قصدت المكتبة الوطنية بباريس ، وتمكنت من استعارة المخطوط (شوق المستهام) ومعاينته ، وكم كان عجبي كبيراً وفرحتي عظيمة حين عرفت أنه يشتمل على واحد وثمانين قلماً (أي لغة قديمة) كان الحكماء يستعملونها في تعمية كتاباتهم من بينها قلم هرمس الذي يؤلف أساس لغة الفراعنة وهي اللغة الهيروغليفية القديمة ، وبادرت من فوري إلى نسخ المخطوط خشية ألا أحظى بتصوير نسخة منه ، وكم كان النسخ شاقاً وعسيراً لأن المخطوط يشتمل على صور وأشكال يصعب أن ترسم إلا بيدٍ حَذاق صَناع ، وأين مني تلك اليد ؟! ومع ذلك فإنني أتممت نسخ المخطوط ، وكتبت صفحة في وصفه ، ثم تقدمت بطلب رسمي مشفوع بتزكية من أستاذ في جامعة السوربون هو الدكتور جورج بواس لتصويره ، ووُعدت خيراً . . إلا أنني عدت إلى دمشق بخفي حنين ، ولم يطل صبري كثيراً فما هي إلا ثمانية أشهر حتى جاءني خطاب من المكتبة الوطنية بباريس يخطرني بوجوب دفع مئتي فرنك فرنسي قيمة المصورة التي أفرج عنها أخيراً ، وجاءتني تحمل نجاحاً آخر في رحلة بحثنا المضنية ، وكانت فرحة غامرة .

4 ـ في اصطنبول ثانية (1991) :

لم يكن > شوق المستهام < على أهميته وشهرته ـ هو الوحيد في بابه ، فقد دلنا التتبع والاستقصاء على أن ثمة مخطوطات أخرى تنحو نحوه ولا تقل أهمية عنه . أهمها مخطوط لذي النون المصري يدعي > حل الرموز وبرء الأسقام في أصول اللغات والأقلام < يشتمل على مئتي قلم (أي لغة قديمة) ، وآخر للجلدكي يشتمل على سبعين قلماً ، وثالث لمجهول . وكل ذلك في مكتبات تركية ، ومن ثم كانت رحلتي الثانية إلى تركية عام 1991 حيث حصلت على مصورات لهذه المخطوطات جميعاً بعد لأي ، إلا أني على كل حال لم ألاق ما لاقيت والأخ الدكتور يحيى في رحلتنا الأولى ، وإنما جنيت كثيرأ مما كنا زرعناه في تلك الرحلة ، وتضافرت إلى ذلك أفضال عدد من الأصدقاء الكرام لا بد أن يذكروا هنا ويشكروا وهم الأستاذ لطفي الخطيب ود . عبد الرحمن الفرفور (المهتمان بشؤون المخطوطات) والأستاذ رأفت غوغول (خبير التجليد العالمي) ود . أحمد صبحي فرات (الأستاذ بكلية الآداب ـ جامعة اصطنبول) جزاهم الله عنا خير الجزاء .

5 ـ مخطوطات لم نرتحل إليها :

وفدت إلينا خلال رحلتنا الطويلة هذه مخطوطات لم نرتحل إليها ، وإنما ساعدنا في الحصول عليها أساتذة أجلاء وأصدقاء نبلاء بذلوا جهداً حميداً في سبيل ذلك ، فلهم منا كل الشكر والتقدير . منها :

أ ـ مجموع يضم تسع رسائل في التعمية ، من المكتبة السليمانية ، أتحفنا به أستاذنا النفاخ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك .

ب ـ قصيدة ابن الدريهم في حل رموز المكاتبات وفهم أقلام المتقدمين ، من مكتبة دار الكتب المصرية ، تكرم بإرسالها إلى د . مراياتي صديقه الدكتور فتحي صالح المشرف على مشروعات نظم معلومات الثقافة في المركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات بالقاهرة .

ج ـ نسخة من مخطوط > شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام < لابن وحشية النبطي ، من مكتبة خاصة ، قدمها لنا الأستاذ الفاضل محمد عدنان جوهرجي ، بعد أن ألقى محاضرة عنها في المركز الثقافي بدمشق .

د ـ نسخة أخرى من مخطوط > شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام < لابن وحشية النبطي ، تكرم بتصويرها الأخ الصديق المهندس محمد الزمامي من المكتبة الوطنية في فيينا .

هـ ـ كشف المغمى عن أصول المعمى ، لمحمد مرتضى الزبيدي ، وهي رسالة صغيرة تحتفظ بها المكتبة اليهودية الوطنية بالقدس ، وقد تكرم بتصويرها فضيلة الأخ الشيخ نظام اليعقوبي من مقتنيات مكتبته الخاصة بالبحرين .

و ـ ورقات من مجموع التعمية تكرم بإرسالها الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الهدلق (محقق رسالة ابن طباطبا في استخراج المعمى) بعد أن صورها الأستاذ الدكتور عبد العزيز المانع شكر الله لهما .

هذه جملة المخطوطات التي اجتمعت لدينا حتى الآن في علم التعمية واستخراج المعمى ، وهي على غناها وكثرتها وتنوعها غيض من فيض وقُلٌّ من كُثر ، فما في المكتبة العربية أعظم من أن يحيط به جهد ، أو يحصيه محص ، وفي جعبتنا عناوين كثيرة لما نصل إليها ، ومن ورائها عناوين كثيرة لما تصل إلينا ، بل لما يبلغنا علمها ، وما زال البحث عنها جارياً . . .

وسأعمد فيما يأتي إلى وصف أهم ما جمعناه من مخطوطات التعمية ، وهي التي ألفت نواة السفرين اللذين أشرت إليهما ، ثم أشفع كل وصف بنموذج مصور .


ثانياً : وصف المخطوطات

1 ـ رسالة الكندي في استخراج المُعَمَّى نسخة ضمن مجموع كبير ، كُتب بخطِّ صغير متداخل ، ويتألف من (232) ورقة ، يقعُ في قسمين : يشتمل الأول منهما على رسائل ثابتِ بنِ قُرَّة في الرياضيات وغيرها ، ابتدأ بجدولٍ كُتِب فوقه > جدول فيه فهرست ما وجدنا من كتب ورسائل ثابت بر قُرّة في الرياضيات < . كما رُسم في أعلى الورقة عبارتان مهمّتان نصُّ الأولى منهما : > هذا الكتابُ كان لأبي عليّ الحسين بن عبد الله بن سينا ، وصُنِّف من رسائلَ كثيرةٍ ، والله أعلم < .

أما القسم الثاني من المجموع فيشتمل على رسائل مختلفة للكندي ابتدأت بفهرس كُتب فوقه : > الجزء الأول من كُتب ورسائل يعقوب بن إسحاق الكندي ، وفيه ستون مصنفاً < . ورسالته في استخراج المعمى واحدة من رسائل هذا القسم ، وهي تشغلُ من المجموع ما بين (59 ـ 64) (ترقيم قديم) أو (211 ـ 216) (ترقيم حديث) . وتقع في (12) صفحة ، يتضمن كلٌّ منها (32) سطراً ، وفي كلّ سطرٍ ما يقربُ من (17) كلمةً . وفي الرسالة قسمٌ مكرر استغرق آخر ورقة من الأصل ، وهي الورقة (216) . والمجموع محفوظ في خزائن مكتبة آيا صوفيا ضمن المكتبة السليمانية برقم (4832) . وفيما يلي نموذج مصور من رسالة الكندي :




2 ـ رسالة ابن عدلان المؤلّف للملك الأشرف رسالة ابن عدلان واحدة من رسائل عديدة يشتمل عليها مجموع كبير يقع في (191) ورقة ذي حجم متوسط ، يشتمل على موضوعات مختلفة ، بينها رسائل في التعمية تشغل منه ما بين الورقة (48) والورقة (133) تمثل ما لدينا منه ، أما رسالة ابن عدلان فتقع ما بين 89/أ و107/ب .

وخطُّ مجموع التعمية هذا نَسْخي واضح بالجملة ، وإن كان لا يخلو من غموض أحياناً وإهمال للحروف المعجمة أحياناً أخرى ، وهو خِلْوٌ من ذكر اسم الناسخ أو تاريخ النسخ إلا أن رسم حروفه يؤذن بتقدمه ، وقد قدّر الدكتور فؤاد سزكين أنه يعود إلى القرن السادس الهجري .

وهو متفاوت في حجم الخط ونوعه وعدد الأسطر ، إذ يراوح أغلبُ ما في صفحاته من أسطر ما بين (14) و (15) سطراً ، وربّما نقص بعضها عن ذلك ، ونسخة المجموع من خزائن مكتبة فاتح المحفوظة في المكتبة السليمانية برقم (5300) . وفيما يلي أسماء ما تضمّنه المجموع من رسائل حسبما وردت فيه ، وإلى جانب كل منها رقم الصفحة التي تبدأ بها الرسالة :

ـ رسالة أبي الحسن بن طباطبا في استخراج المعمى 48/أ

ـ زُبَد فصول ابن دنينير في حلّ التراجم 54/أ

ـ مقاصد الفصول المترجمة عن حلّ الترجمة 55/أ

ـ من كتاب الجرهمي 80/أ

ـ من كتاب البيان والتبيين لأبي الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان ابن وهب الكاتب 82/أ

ـ من رسالة أبي الحسن محمد بن الحسن الجرهمي 83/أ

ـ من كتاب العين 87/أ

ـ المؤلّف للملك الأشرف في حلّ التراجم 89/أ

ـ المقالة الأولى في جمل القول على حلّ التراجم المسهلة المستحسنة إلى الخروج 09/أ

ـ المقالة الثانية في استنباط التراجم العويصة الغامضة المشددة وفي كيفية وضعها 15/أ

ـ رسالة في استخراج المعمى من الشعر مجردة من كتاب أدب الشعراء

                                                     119/ب

وفيما يلي نموذج مصور من رسالة ابن عدلان :





3 ـ رسالة ابن الدريهم مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز نسخة مصورة عن أصل يقع ضمن مجموع ذي قطع صغير ، يشتمل على رسائل مختلفة في بعض العلوم الخفية كالزايرجة والجَفْر والأوفاق والرّمل والطلاسم وغيرها ، وهو مكتوب بخط نسخيّ جميل ، تحتفظ به مكتبة أسعد أفندي المودعة في خزائن المكتبة السليمانية في اصطنبول برقم (3558) . وقد حوت الورقة الأولى منه فهرساً بخط الناسخ تضمنَ أسماء الرسائل ، كُتب اسمُ كلٍّ منها في سطرين ، وأُثبتَ تحته رقمُ الورقة التي تبدأ بها الرسالة121 .

وقد جاءت رسالةُ ابن الدريهم في هذا المجموع تامة شغلت منه ما بين 47/ب و59/أ وفي ختمها صرّح ناسخها باسمه وبتاريخ نسخها ، قال : > أنهاه كتابةً الفقير صدقي مصطفى بن صالح في نهار الجمعة الغرّاء عاشر شهر رمضان المبارك من شهور سنة تسعٍ وأربعينَ ومئةٍ بعد الألف من هجرة مَنْ [له] العزُّ والشرفُ صلّى الله عليه وعلى آله أجمعين . م < .

وفيما يلي نموذج مصور منها :



4 ـ مخطوط > المقالتين < يقع مخطوط المقالتين ضمن "مجموع التعمية" المذكور آنفا ـ في وصف رسالة ابن عدلان ـ وهما تشغلان من المجموع إحدى عشرة ورقة (108/ب-118/ب) تقع الأولى في الأوراق (108/ب-115/ب) وتقع الثانية في الأوراق (115/ب-118/ب) وفيما يلي نماذج مصورة من هاتين المقالتين :





5 ـ مخطوط ابن وهب تقع رسالة ابن وهب ضمن مجموع التعمية نفسه الذي تقدم ذكره ، وهي صغيرة لا تتجاوز ثلاث الصفحات؛ إذ تشغل من المجموع صفحتي الورقة (82) ووجه الورقة (83) وفيما يلي نموذج مصور منها :



6 ـ مخطوط ابن دنينير يشغل كتاب ابن دنينير أكبر حجم في مجموع رسائل التعمية؛ إذ يقع ضمن الورقات 54/أ-80/أ ، وقد حملت الورقة الأولى منه عنوان > زبد فصول ابن دنينير في حل التراجم < وجاء تحتها أبيات مختلفة عن القوافي وما إليها ، أما الورقة الثانية فقد حملت عنوان "مقاصد الفصول المترجمة عن حل الترجمة" . وفيما يلي نموذج مصور منه :




7 ـ وصف مخطوط ابن طباطبا مخطوط ابن طباطبا هو الأول ترتيباً بين رسائل مجموع التعمية ، ويحتل منه نحواً من خمس ورقات ، إذ يشغل الأوراق 48/أ-53/أ . وقد جاء عنوان الرسالة واسم مؤلفها على الوجه الأول من المخطوط ونصه : > رسالة أبي الحسن بن طباطبا العلوي في استخراج المعمى < وكتب تحته > بسم الله الرحمن الرحيم < . وفيما يلي نموذج مصور منه :




8 ـ وصف مخطوط استخراج المعمّى من الشعر هذا المخطوط هو آخر رسائل المجموع ترتيباً ، وهو يحتل منه نحواً من خمس عشرة ورقة؛ إذ يشغل الورقات 119/ب-133/أ وهو لا يحمل عنواناً مستقلاً ، وإنما يبدأ بالبسملة ، ويتبعها بمقدمة يليها عنوان في وسط الصفحة نصه : > معنى قولهم فلان يستخرج المعمى من الشعر < ويتابع بعد ذلك الكلام . وفيما يلي نموذج مصور منه :




9 ـ وصف مخطوطي الجرهمي يقع مخطوطا الجرهمي في مجموع التعمية المذكور ، ولكنهما لم يأتيا متتابعين وإنما فصلتْ بينهما رسالة ابن وهب الكاتب .

أما المخطوط الأول فحمل عنوان : > من كتاب الجرهمي < وشغل ثلاث صفحات (80/ب ـ 81/ب) .

وأما المخطوط الثاني فحمل عنوان : > من رسالة أبي الحسن محمد بن الحسن الجرهمي < وشغل نحواً من أربعة ورقات (83/أ ـ 86/ب) وفيما يلي نماذج مصورة من كلا المخطوطين :




. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

د. محمد حسان الطيان. "اكتشاف مخطوطات التعمية والجهود المبذولة فيها". موقع أرض الحضارات. {{cite web}}: External link in |publisher= (help)