محمد عبد السلام العمري

محمد عبد السلام العمري
محمد عبد السلام العمري.jpg
وُلِد29 أكتوبر 1944
إيتاي البارود، محافظة البحيرة، مصر
توفيَ14 يوليو 2010
القاهرة، مصر
المهنةكاتب
الجنسيةمصري
الصنفأدبي روائي

محمد عبد السلام العمري (و. 29 أكتوبر 1944 - ت. 14 يوليو 2010)، هو مهندس معماري ومؤلف وأديب مصري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

وًلد العمري في 29 أكتوبر 1944 في إيتاي البارود، محافظة البحيرة، شمال غربي القاهرة. ونال بكالوريوس الهندسة، قسم العمارة، من جامعة حلوان وعمل مهندسا معماريا بين عامي 1976 و1984 في الخليج.


أعماله

بدءاً من عام 1984 وأثناء اقامته بالخليج، الذي كان مسرحا لعدد من رواياته ومنها "اهبطوا مصر" و"صمت الرمل" و"مأوى الروح" و"قصر الأفراح" التي ترجمت إلى الإنجليزية. وكان أول ما صدر للعمري مجموعة قصصية عنوانها "إلحاح" عام 1987، ثم أصدر مجموعات قصصية أخرى منها : شمس بيضاء وإكليل من الزهور وبستان الأزبكية.

وللعمري كتابان في العمارة هما "عمارة الفقراء أم عمارة الأغنياء: دراسة في عمارة حسن فتحي" 1992 وثقافة الهزيمة 2005 ويتناول فيه حصاد الثقافة المصرية خلال العشرين عاما الماضية.

ثقافة الهزيمة

يعد الروائي والمعماري محمد عبد السلام العمري أحد الكتاب الذين عانوا من عسف السلطة الرسمية، ودائما ما كان مثيرا للتوجس وانعدام الثقة داخل أروقتها، منذ أن نشر قصته المثيرة للجدل 'بعد صلاة الجمعة'، تلك القصة التي تنتقد بعنف ومرارة مفهوم القصاص في المملكة العربية السعودية،عبر قصة إعدام مأساوية أمام ساحة أحد المساجد بالمملكة، في الوقت نفسه وضع العمري على أعتاب السجن عندما أصدر روايته الضخمة ' الجميلات '، التي اتهمت لاحقا بالمروق والخروج على الآداب العامة والمساس بالأديان رغم أن المقاطع المنسوب لها الاتهامات مأخوذة من صلب الكتب التراثية، وقد أحيلت القضية الى محكمة جنايات جنوب القاهرة التي أصدرت حكما تاريخيا ببراءة الرواية مما هو منسوب إليها.

وفي كتابه 'ثقافة الهزيمة' يرصد العمري جانبا مهما ومؤثرا من أسباب التراجع الثقافي المصري، عبر رصده الكثير من أوجه هذا التراجع . وفي الإجمال لا يمكننا بحال فصل حال الثقافة المصرية عن واقعها السياسي والاجتماعي، ولا يستقيم الحديث عن غياب المشروع الثقافي دون نقاش عن غياب قرينه النهضوي بالمفهوم العام سواء كان ذلك على مستوى الوعي بالحتميات المستقبلية، أو الوعي بالمأزق الحضاري الراهن الذي تتشكل عبره الهياكل الشبحية المخيفة للحكومات والملكيات الأبوية، يشمل ذلك الأنظمة التي شاركت بالقسط الأكبر في قيادة حركة التحرر الثوري العالم ثالثي التي وعدت بتغيير العالم لكنها لم تترك في الواقع سوى تركة ثقيلة ورثها عسكريون أغبياء أساؤوا إليها والى أنفسهم والي حضارتهم وأممهم. وسوف يكون من المخجل أن نوجه مثل هذه الأسئلة الى شخص أي وزير ثقافة في العالم العربي مهما كانت الثقافة التي يحتمي خلفها، ولن يغفر التاريخ لأي منهم العطايا المبذولة لمثقفين هنا وهناك يتخذون من التبرير مهنة لهم، ولا يجدون غضاضة في الدفاع المستبسل عن هذه الصورة الكريهة للسلطة، التي حاول رصدها الروائي والقاص الراحل محمد عبد السلام العمري على أكثر من مستوى سواء كان ذلك في الجانب المتعلق بالعلاقة بين الثقافة والتغيير بمفهومه العام، أو هذا الجانب المتعلق بالأداء الوظيفي الذي يقوم على توصيل وتفعيل العلاقة بين الثقافي من ناحية والسياسي والمجتمعي من ناحية أخرى حول هذه العلاقة الشائكة.

حال ثقافتنا الراهنة كان هما مؤرقا للكاتب الراحل وقد ذهب في كتابه الى أن حاضر ثقافتنا الآن كما يتبدى للمثقف الموضوعي النزيه والمحايد حاضر مؤرق مقلق لأن هذه الثقافة كما تتبدى ثقافة دعاية وإعلام ومهرجانات وظلام وقهر، أما لُب الثقافة الحقيقية فتغطيه وتعتم عليه هذه القشور البراقة المبهرة، التي تنتهي فعاليتها بانتهاء مناسباتها. ويتساءل العمري: هل تجتمع هذه الثقافة الآنية حول مشروع قومي يرتضيه المثقفون ويلتفون حوله، ويتحمسون له، ويجسدونه؟ لكنه سرعان ما يجيب بأن هذه الثقافة تؤكد وتجزر القطيعة بين المثقفين، ووطنهم وتقف في جانب السلطة. وينتقل العمري من علاقة المثقف بالسلطة الى علاقة الثقافة بالحرية ويقول: تتجسد السلطة لدينا في مؤسسات للضبط والمراقبة، والعقاب، ولا يمكن لأي حديث جاد في الثقافة إلا أن يلتقي في دروبه بقضايا الحرية والقيد. ويقول العمري: أدت ممارسة هذه الثقافة خصوصا في بعدها السياسي الى تصدع هائل على المستوى الفردي، وفي المجتمع على السواء وقد شغلت هذه الفئة الساحة، وهي نخبة متهالكة طاردة لكل ما يغايرها، فأصبح الإنتاج المعرفي والثقافي واهنا ومتهرئا وتآكلت بذلك المكانة الإقليمية للدولة المصرية، وبدا ذلك واضحا، بدءا من مستوى التعليم المتدهور، حتى لغة الحوار السياسي، الذي يصدر من طرف واحد. ويردف العمري قائلا: لم يعد في مصر ثقافة، بل صياغة ثقافية قلبت المعايير فهل يستحق المثقف المصري الانتماء الى مصريته؟ ويجيب: إن البعض يرى أن التدليس والانصياع والحظائر خيانة في المفهوم ألشفاهي والشعبي للثقافة، وأن المصرية اكبر بكثير وأرقى من أن ينتمي مثل هؤلاء إليها، وينقل العمري عن الدكتور محمد حافظ دياب قوله إن مصطلح الانحطاط الثقافي يليق بهذا الأوان.

وضمن أوجه التناقض الذي رصده العمري التخبط المثير للجدل في احتفالية نهاية القرن والاحتفال بالحملة الفرنسية ونهب الآثار وقلعة محمد علي . ويستعرض العمري مشكلات عدة في قطاع الآثار مثل ترميم الأزهر عن طريق شركات المقاولات، ويقول العمري قاصدا الوزير: لقد كان يعلم أن هناك أيادي إرهابية عابثة طمست معالم الجامع الأثرية، لأنها لا تروق الجماعات الإسلامية التي تعشش في الأزهر و نحن نعلم أن كل الفنون في مفهومها حرام ومع ذلك تم التغاضي عن هذا العبث. وأشاد بما تبقى من المقرنصات والزخارف على الواجهات، في حين تم محوها في الداخل، إلا أن لب الموضوع هو أن بعض الأعمدة والأرضيات باتت مخلخلة بفعل المياه الجوفية، ومياه الصرف، ولا نعرف هل تم تلافي هذه العيوب عندما استولت على الترميم شركة المقاولون العرب بأمر مباشر من وزير الإسكان أم لا؟ ولماذا صمت وزير الثقافة عن ترميم أهم أثر معماري إسلامي في العالم؟ ويرى العمري أن أحوال الآثار الإسلامية لا تقل سوءا عن حال الأزهر فيوجد مثلا في شارع المعز 87 أثرا إسلاميا أهمها مجموعة قلاوون والمؤيد شيخ وقصر بشتاك والأقمر والحاكم، وبوابة المتولي، وهي كلها آثار معرضة للتدمير، كما يشير أيضا الى احتراق قصر الجوهرة بعد نهب محتوياته وكذلك دار الأوبرا الخديوية التي لا تزال تعاني ـ حسب العمري ـ من الحسرة المريرة - 'كان ذلك قبل احتراقها الأخير' - على ضياعها من ناحية، وعلى قبح وتخلف ما حل محلها من ناحية أخرى وإلى الدمار المستمر لكنوز القاهرة الفاطمية على يد الورش ومعامل الطرشي ومحلات الأدوات المنزلية.

ويعبر العمري عن دهشته من تبرير سرقة الآثار حيث إن عدد أمناء العهد قليلون وكل واحد منهم يشرف على آلاف القطع ويجيب العمري على سؤال آخر: هل هذا معقول؟ هل هذا يفسر كل هذه السرقات، ألا يوجد في مصر أكثر من 4.5 مليون شاب عاطل، معظمهم من المؤهلات العليا وأثريون وفنانون متخصصون، ثم نترك 17 ألف قطعة أثرية في عهدة موظف واحد؟ كذلك ينتقل العمري الى مشكلة ترميم قصر البارون بواسطة وزارة الإسكان ثم قضية الروايات الثلاث التي تفجرت في عام2001 ويرى أن موقف الوزير لم يكن مقبولا على أي نحو وكان يجب عليه أن يدافع عن المثقفين، وعن حرية الإبداع، لكنه صادر الكتب وأحال المسئولين عن إصدارها للتحقيق وفتش في ضمائرهم أكثر مما يفعل الظلاميون، وأعلن أن الروايات تمثل تعديا على الأديان وتحوي الكثير من الفحش. ويقول العمري إن الهدف مما فعله الوزير هو تقديم نفسه كرجل يحافظ على تقاليد المجتمع وأديانه، ليس حبا في الدين أو في المجتمع لأنه لا يريد أن يستعدي التيار الظلامي ضده. أيضا تناول العمري محرقة مسرح قصر ثقافة بني سويف وما انتهت إليه من مقتل اثنين وخمسين من المبدعين والمخرجين والنقاد، ثم ثقافة القبح والرداءة وعلاقة ذلك بإنشاء ما يسمى جهاز التنسيق الحضاري والحداثة بين عمارة القبح وثقافة القهر والسؤال الأساسي للعمري في هذه الدراسة هو كيف يفشل مجتمع به أكثر من 250 ألف مهندس معماري ومخطط في الحفاظ على شخصية مدينة مثل القاهرة؟

ينتهي العمري الى القول بأن المشكلة الحقيقية الآن هي هذا التآلف العجيب بين القبح والرداءة والعشوائيات ويري أن مشكلتي الترييف والعشوائيات من اكبر المشاكل التي تواجه المدنية العربية الحديثة. كذلك قدم العمري فصلا من كتابه حول مذابح القصور والفيلات ويرى أن دورا كبيرا كان ينعقد على وزارة الثقافة في الحفاظ على هذا التراث ثم كتب العمري فصلا آخر تحت عنوان ثقافة الجهل بالكتلة، بالحيز، بالفراغ والميادين المستباحة وتناول فيها التماثيل التي توضع في ميادين عامة دون دراسة، كذلك تضمن الكتاب أيضا مقالا تحت عنوان ملاحظات نحو تعريف الثقافة وهو عنوان كتاب كانت أصدرته مكتبة الأسرة للشاعر الانكليزي المعروف ت. إس اليوت، ويتهم العمري الكتاب بالتطرف ودعم توجهاته التي يناهضها بالأساس مشروع مكتبة الأسرة ثم يتناول العمري معرض الكتاب ومجلات وزارة الثقافة ورجال الوزير ومؤتمر الثقافة العربية والإصلاح الذي انعقد في القاهرة قبل أكثر من عشرة أعوام، ثم تناول الثقافة والتنمية ومشروع السياسة الثقافية، وإعادة صياغة الوجدان المصري، وكذلك تناول المتحف المزمع إنشاؤه في مصر على أن يكون اكبر متحف في العالم.

قصر الأفراح وفضح السلطة الغاشمة

انحازت الأعمال الروائية للروائي محمد عبد السلام العمري الى النسق التقليدي في الرواية العربية بما ينطوي عليه هذا الانحياز من قناعة بأهمية الدور الاجتماعي للإبداع، وقد ذهبت العديد من رواياته هذا المذهب، غير أن اللافت أن منطقة الخليج العربي حازت الجزء الأكبر من اهتماماته، وتعد رواية 'قصر الأفراح' نموذجا دالا على ذلك، لأنها تنكأ جرحا غائرا في اللحظة العربية الراهنة، هي الأكثر سوادا بكل المقاييس. وربما أصابت قارئ الرواية بأنواع من الهلوسة والكوابيس لأيام متصلة بفعل درجات العنف المتفاوتة التي تضج بها أحداث الرواية، وهي ليست كوابيس متصلة بفعل الوسواس القهري أو الخوف المؤجل، بل لأن الأحداث الروائية بكشفها عن درجات قبح لا متناهية تزيح بعيدا كل نظر جمالي وترسخ العمق الإنساني وتدفعه للوقوف في بؤرة المشهد بصرف النظر عن موقفنا منه سلبا كان أو إيجابا.

رواية العمري تشريح للقيمة البدوية بامتياز، هذه القيمة التي تحققت لها انتقالات شديدة السلبية عبر العقود الماضية بفعل الثروة والقوة المدعومتين بالجهل المروع والقسوة التي تجسدت في صهر الصحراء على مدار القرون. وسنجد صورا مختلفة لتلقي المجتمع الخليجي لرسالة العلم والتعليم والحب والعدل والحرية، وسنرى كيف تم انتهاك كل هذه القيم بفظاظة يعجز الخيال عن تصورها. ليس هذا فحسب، بل إن مجموع هذه القيم المجتمعية عادة ما يتم الترسيخ لها في إطار خدمة الفئات المنوط بها المال والقوة والنفوذ فتظل قيمة فئوية، يتم تفريغها من محتواها كلية، فإقامة الحد بقطع الرقبة بسيف السياف في القرن الحادي والعشرين يتم باسم الإسلام، وباسم الشريعة لكنه عادة ما ينفذ فيمن تريد السلطة التخلص منهم أو من الفقراء المعدمين، ويتم تفريغ القيمة الحقيقية للفعل ألا وهي إقامة العدل، وسنجد أمثلة غير محصورة داخل الرواية. تبدأ الرواية من رغبة حاكم المدينة في بناء مجمع قصور شديدة الفخامة لابنته الوحيدة نجوى الأميرة بالوراثة، انتظارا لقدوم ابن عمها الذي يتعلم في احدى الدول الأوروبية ليتم الزواج الذي رتبت له العائلة منذ سنوات، حيث تمت الخطوبة منذ طفولتهما على عادة الأسر الحاكمة. غير أن تداعيات كثيرة تحدث في الطريق لتفجر المشهد بكامله وتسوقه الى طريق أكثر سوداوية من كل التراجيديا الشكسبيرية. فنجوى الفتاة الرقيقة والجميلة التي ما زالت في مراحل تعليمية مبكرة تقع في غرام 'علي' الفتى ابن التاسعة عشرة، وهو وحيد رجل من أعيان المدينة ومالك لأكبر ترسانة لشحن البترول في البلاد وأكبر ترسانة لمصانع تجميع السيارات، كما انه ينحدر من عائلة كبيرة، لكن لا تسري في عروقها دماء شريفة، هي دماء الأسرة الحاكمة، وتستمر العلاقة السرية حتى تسفر عن حمل نجوى سفاحا في الوقت الذي كان أبوها ـ حاكم المدينة ـ قد أقام علاقة مع 'ميار' ابنة رجل مسن ووحيدته لكنه أيضا ينحدر من عائلة الراسي المعروفة، وميار هذه في الأصل رفيقة ابنة الحاكم نجوى، وهي العلاقة التي تسفر أيضا عن الحمل سفاحا، كل ذلك يتم وسط أجواء شديدة السرية في مجتمع مغلق يقدس القيمة البدوية للشرف ويبذل من أجلها كل مرتخص وغال. وعندما يتم افتضاح الأمر بالنسبة لكلا الضحيتين، يصاب حاكم المدينة الشيخ سالم بجنون الانتقام ويفكر في أقصى ما يمكن فعله في الفتى 'علي' الذي كانت جريمته الوحيدة هي الحب رغم انه عرض تقديم كل أملاك عائلته مهرا لنجوى ـ وهي أملاك لكثرتها أصابت الرجل بالهوس ـ غير أن ذلك لن يحدث أبدا ـ بل لن يحدث له مع أي امرأة أخرى ـ على حد تعبير الحاكم الذي قرر إنهاء حياة 'علي' وبالقانون.

أما أمها الأميرة الفاتنة فكان تعليقها فاضحا للفوارق الطبقية داخل المجتمع البدوي عندما قالت عن الفتى: كيف استطاع هذا الشاب تخطي كل هذه العقبات؟ وكيف واتته الجرأة، وكيف ساعدته أعصابه على أن يقوم بمثل هذا الفعل؟ تتساءل ألم يخف؟ ألم يحس بالفارق بين دم ودم، بين لحم ولحم؟ كيف تخطى كل هذه الحواجز النفسية والجسدية ؟! أما الشيخ الحاكم الذي كان مؤرقا بمشكلة حبيبته السرية ميار التي هددته بنشر الفضيحة على أوسع نطاق، فقد وجد لها الحل مؤخرا عندما قرر في سرية تامة بعد أن بدأ يراقب مهاتفات ابنته نجوى مع حبيبها علي، وعندما اتفقا على موعد جديد منع الفتاة من الخروج، في الوقت نفسه دعا حبيبته ميار الى نفس الموعد ونفس المكان الذي سيأتي إليه 'علي' تلبية لنداء الحب، وعندما حضرت ميار فاجأها بطعنة نافذة وترك خنجره في صدرها وألقاها على الأرض وانتحى جانبا مع قوة من الشرطة حتى دخل علي الذي تصور أن نجوى بانتظاره ففوجئ بفتاة أخرى مجندلة وعندما أخذته المفاجأة بما رأى ودقق النظر فوجئ بالشيخ وقوة البوليس يقبضون عليه بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.

يساق علي ابن التاسعة عشرة الى السجن ليلقى أشد أنواع التعذيب التي يمكن أن يلاقيها بشر غير انه يرفض الاعتراف بقتل فتاة لا يعرفها، ولم يقتلها في الحقيقة، وتعم المدينة شائعات ضخمة ومنشورات سرية ببراءة علي والعلم اليقيني بالفاعل الحقيقي، لكن قوة البطش تقطع الألسنة وتخرسها حتى يستمر مسلسل التعذيب الذي يصوره المؤلف في أبشع صورة ممكنة. في الوقت نفسه تذهب نجوى وأمها بجوازات سفر تحمل أسماء وهمية الى القاهرة لتفتيت جنينها بالموجات الصوتية حتى تتخلص منه وينتهي الأمر بعد ذلك بالزفاف الكبير في مجمع القصور، وهو زفاف لا يمكن أن تحيط به أسطورة مهما كانت لفداحة التكاليف ومظاهر البذخ التي يمكن أن يغطي نصفها ميزانية دولة عالم ثالثية. غير أن حفل الزفاف الذي أقيم في نفس يوم مقتل علي بسيف السياف، كان موعدا مع الانتقام الرهيب أيضا. حيث تقبع في الخلفية ثارات عائلية قديمة لا تنتهي بين عائلة حسين الشريف الأب، وبين عائلة الشيخ سالم حاكم المدينة، وهي الثارات التي توّجها مقتل 'علي' على هذا النحو المأساوي والذي تيقن معه حسين الشريف والمدينة كلها أن الحاكم هو مدبرها الحقيقي. وفي نهاية ليلة العرس تحيط شاحنات البترول الضخمة بمجمع القصور لتفرغ كميات هائلة من البنزين الذي يصل عمقه في بعض المناطق المحيطة الى ستين مترا ثم تشتعل النيران لتأتي على الأخضر واليابس.

هذه هي الصورة البانورامية التي تدور فيها أحداث رواية 'قصر الأفراح' لمحمد عبد السلام العمري، حيث تتضافر فيها قدرات السرد الروائي مع اللغة الخاصة، الحادة والشفيفة لتقديم عالم فريد وخاص ومليء بالزخم والقوة والإثارة. وتبدو القدرة الخاصة لدي الكاتب في إمكانية تحويل هذا الخطاب الصارخ بالألم الى دراما سردية متناغمة ومؤتزرة تعيد قراءة الواقع الخليجي بوعي كامل ومعرفة خاصة ومعمقة.

فصورة التعليم في المكان الروائي تبدو مدعاة للسخرية والألم في الوقت نفسه، فمدرسة البنين تشهد تجاوزات غير محصورة تصل الى قيام أحد المدرسين الوطنيين بخلع أظافر تلميذ بكماشة حتى يجبره على التعليم، وذلك يتم تحت شعار أهمية تخريج كوادر متعلمة من أبناء الوطن حتى يحلّو محل الأجانب (المصريين تحديدا) الذين افسدوا الكثير. أما مدرسة البنات التي تنتشر فيها ظواهر مفزعة مثل ظاهرة القيء الجماعي، وارتداء احدث خطوط الموضة والتعاطي مع عطور وماكياجات مرعبة وتقتصر الاهتمامات على شؤون البنات مع الرجال والزوجات مع الأزواج وتبادل الخبرات في هذا السياق كيفما اتفق. وعندما تتفاقم المشكلات بسبب المشاجرات المستمرة بين الطالبات والمدرسات واكتشاف أكثر من طالبة في حالة حمل سفاحي تعقد إدارة التعليم العام اجتماعا لبحث المشكلة وتقترح مدرسة مصرية عددا من الاقتراحات التي من شأنها شغل البنات بالتفكير في أشياء أبعد من اهتماماتهن الصغيرة مثل تكوين فريق للكشافة والكرة والتمثيل والغناء، غير أن الاقتراحات تكاد تودي بمستقبلها وإنهاء تعاقدها وترحيلها بدعوى أنها اقتراحات فاجرة وتفسد أخلاق البنات. غير أن الضغوط تجبر المدرسة على الأخذ ببعض هذه المقترحات وعندما يتم بناء فريق للتمثيل والبدء فعلا في نشاط مكثف داخل المدرسة والوصول الى صيغة لعمل فعلي وتقديم مسرحية لفريق التمثيل في نهاية العام الدراسي يأتي المطوعون أو جماعة الأمر بالمعروف كما يسمون أنفسهم ليدمروا كل شيء ويطيحون بحلم البنات والمدرسات بشكل يصل الى جرهن من شعورهن على الأرض وضربهن ضربا مبرحا بدعوى الفجور والفساد.

في المقابل نرى صورة هي الأشد تناقضا في عرس ابنة حاكم المدينة، حيث يتم ارتكاب كافة أنواع الفواحش على مرأى ومسمع كل من أجهزة الدولة وبحضور كبار شيوخ القبائل وكبار رجال الدين بما في ذلك تعاطي الحشيش الى درجة أدت بالجميع الى الغياب الفعلي والسكر البين، بمن في ذلك النساء، حيث كانت تمتد الأيدي إليهن بخراطيم الشيشة المجهزة بالدخان والفحم والحشيش حتى سكرن أيضا وتطوحن تطوحات خيالية. أما صورة التطور المجتمعي فتظل لصيقة بالطابع البدوي الذي يجعل الخيمة لصيقة بالقصر، والخوف من العلم والتعليم شيئا موروثا ومتغلغلا في مواقف السلطات . فالأمير الصغير القادم من الخارج عريسا لنجوى يمنع في المطار من إدخال كرتونتين من الكتب لأن التقارير التي وصلت الى أهله عن فترة تعليمه في الخارج أشارت الى أن أهم ما يقلق في شأن هذا الصبي انه بدأ يقرأ، وهي أزمة كبرى تعني انه على أبواب المعرفة، وكأن السلطة هنا لا بد أن تكون ضد المعرفة أو هي بالتحديد رديف الجهل. كذلك تتجلى صورة البذخ المروع في الإنفاقات الشرهة على كل شيء في المأكل والملبس والمشرب والتمتع غير المعقول بكل معطيات الحضارة والمدنية مع ازدرائهما في الوقت نفسه، واستخدام طاقة بشرية هائلة من كل الأجناس لتوفير هذه الخدمات، وفي نفس الوقت يتم التعامل معهم كخدم. على جانب آخر نرى الوضع الكارثي للحريات الإنسانية بكافة مستوياتها في قصة بطل الرواية علي بن حسين الشريف وكذلك إهدار كافة القيم الجميلة مثل قيمة الحب بالصورة التي رأيناها في سلوك حاكم المدينة الشيخ سالم. إن رواية 'قصر الأفراح' كاشفة بشكل عميق عن مأساة حقيقية في بطن المجتمع العربي الراهن عامة والخليجي على نحو خاص، وهي مأساة تبدو اظهر من أي وقت مضى. لأن سؤال الوجود مطروح لايفتأ أن يتحدد مع كل أحداث الرواية. وستبقى، بالطبع، للرواية وللإبداع عموما قيمته وقدرته الخلاقة على افتضاح الكثير من القبح الذي يكلل خطواتنا كل يوم، هذا القبح المدعوم بأعتى أنواع الأسلحة وأعتى أنواع الجهل.

وأظن أن القيمة التي كان يبحث عنها محمد عبد السلام العمري وبطله الفتى 'علي بن حسين الشريف' ستظل حية وقوية وان أودت بكثيرين قبلهما وكثيرين بعدهما، هذه القيمة التي غنت لها نجوى حبيبته وهي تداعبه:

علي عليوة بناله في الجبال أحواش
بده يحوش الهوى
هو الهوى ينحاش؟!


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفاته

أعلنت أسرة الروائي المصري محمد عبدالسلام العمري في وقت متأخر من مساء 16 يوليو 2010 وفاته إثر إصابته بأزمة قلبية أثناء عودته إلى منزله بصحبة أحد أبنائه. وقالت رحاب ابنة الكاتب الراحل عن عمر يناهز 66 عاماً إن أباها أصيب بهبوط في دورته الدموية ولم يسعفه الوقت لنقله الى مستشفى لتلقي العلاج.

المصادر والهامش

  • محمود قرني (2012-06-21). "محمد عبد السلام العمري في ذكراه الثانية: رصيد كبير من الروايات اللاذعة". صحيفة القدس العربي.