قناع

القناع هو أحد الفنون التي عرفتها الكثير من الشعوب البسيطة منذ أقدم العصور مثل الإسكيمو و الهنود الحمر وغيرها؛ فإنه انتشر بشكل خاص في إفريقيا حتى أصبحت تشكل عنوانا على هذا الفن وركنًا أساسيًا من أركانه إن لم نقل سمة مميزة له بين عامة الفنون التشكيلية.

والأقنعة الأفريقية هي نتاج مزيج من الدين والفن و السحر ، وعلى الرغم من تعدادها الهائل في كل مكان فإننا قد لا نجد اثنين منها ينطبقان على بعضهما تمام الانطباق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فن الأقنعة

القناع هو بمثابة تمثُّل واستحضار لقوى الطبيعة المعظمة أو لأرواح الموتى الطوطمية أو الطواطم (والطوطم هو الرمز الأسطوري للقبيلة) أو للحيوانات المصطادة أو للأشخاص المحترمين أو من هم موضع سخرية. وتهدف الأقنعة إلى إيقاظ بعض العواطف المطلوبة في المجتمع مثل الشجاعة أو الغرور أو غيرهما. وقد تكون تعويذة ضد الأرواح الشريرة في الطقوس التي تقام للعلاج أو عند البلوغ أو للزراعة ، وذلك بإخافتهم بأشياء مفزعة وقوية، أو إبقاء للأرواح المطلوبة عن طريق التعرف عليها واسترضائها لتحقيق الصحة أو الصيد أو إنبات المحاصيل أو الأشياء الأخرى الضرورية للحياة. الحفاظ على الوضع الاجتماعي لأعضاء المجتمعات الطوطمية. كذلك تهدف إلى الضبط الاجتماعي بالرعب أو السخرية. كما تهدف إلى التسلية وذلك بتمثيل القصص الدينية والدنيوية أو بالهجاء المؤدي إلى الضحك.


خامات الأقنعة

تصنع الأقنعة من عدد من الخامات ، منها المواد الطبيعية مثل رؤوس الحيوانات وجلودها (مدبوغة أو غير مدبوغة) وثمار القرع والأعشاب و ليف نخيل الرافيا وأوراق الشجر و الريش والأشياء المصنعة من المواد الخام ، مثل القماش المصنوع من لحاء الشجر ومواد السلال وقشور القمح المجدولة، والمواد التشكيلية مثل العاج والقواقع و العظام و الخشب و السبج (زجاج بركاني أسود عادة) و المرمر و اليشب (حجر كريم) و الليجنت (نوع من الفحم الحجري) و الفيروز ، و الخزف ، والمعادن وهي حديثة الاستعمال نسبيًا في صناعة الأقنعة ، ومنها الذهب و الفضة و النحاس الأصفر و البرونز و النحاس و القصدير.

أما المواد المساعدة فهي مثل شعر الإنسان و الحصان و الفرو والريش والخرز والأسنان والبقول والصوف والأزهار وأجزاء من المرايا تستعمل كعيون لامعة وطلاء الوجه والجسم والقناع.


قناع كان يستخدم في المسرح اليوناني قديما

الأقنعة في الثقافة اليونانية

كانت عادة ارتداء القناع أثناء الاحتفالات الدينينة موجودة منذ زمن بعيد ، لدى سكان اليونان. وهناك نشأ فن جديد هو فن المسرح ، وأخذ تطور تحت تأثير بعض كبار الكتاب ، ووذلك قبل الميلاد ببضع مئات من السنين. ويبدو أن أقدم المسارح كانت تقام بالقرب من أماكن العبادة ، حيث كانت تعرض فيها بعض المسرحيات الدينية. ومن الشعائر الدينية جاء اقتباس المسرح لفتكرة استخدام الأقنعة. والواقع أن الأقنعة كانت تهئ للمثلين فوائد عددة ، فكانت تمكنهم من تأدة أدوار مختلفة بتغيير مظهرهم. فكان في استطاعة الرجال أن تتقمص الشخصيات النسائة ، وهي عنصر هام ، إذ لم كن مسموحا في ذلك الوقت للنساء بالظهور على المسرح. ومن جهة أخرى ، كانت الأقنعة تساعد على تضخيم الأصوات واكسابها الرنين المطلوب مما كان يساعد الممثلين على ايصال أصواتهم في ساحة العرض ، ونلاحظ هنا أهمية كل من فن التجميل في المسرح وكذلك الأجهزة الحديثة الخاصة بالصوت. وكان راس القناع أكقر حجما بدرجة كبيرة من الحجم الطبيعي ، وملامحه أكثر وضوحا وتمزا ، وكان يسمم ليناسب تعبيرات الشخصية التي ستقدم على المسرح ، فالمرابي مثلا كانت أنفه وأذناه مشوهة ، والشخص الكسول كان وجهه مسطحا ، والمتكبر ذا أنف معقوف. أما العبيد فكانت رؤوسهم تعلوها شعور مستعارة حمراء اللون ، في حين كان رأس الطاهي أصلع. وكانت هذه التعبيرا تساعد النظاترة على التمييز بين مختلف الشخصيات ، وعلى نحسن تفهم الحبكة المسرحية.

الأقنعة في العصور الوسطى

لم نعد نرى أثرا للأقنعة على المسرح في العصور الوسطى. غير أن العادة جرت في كافة بلدان أوروبا على اقامة مواكب عظيمة ، تشترك فيها شخصيات مبتكرة ، تشبه كثيرا ما يجرى في الإحتفالات الدينية الصينية في العصر الحالي ، وكانت تلك المواكب تخترق شوارع المدن في بعض المناسبات. وكثيرا ما كانت مثل تلك الاحتفالات تتنتهي بشي من الافراط ، مما دعا السلطات المدنية والدينية للتدخل. وفي فرنسا كانوا يحتفلون بعيد المجانين في فترة أعياد الميلاد. وفي انجلترا كانت تستخدم أقنعة ممثالة.

وفيما بعد ، خلال عصر النهضة ، اتخذت تلك الإحتفالات مظهرا أكثر فخامة واتزان. وفي ايطاليا كانت تبرز الفخامة والحرفة أكثر من غيرها حيث كان جميع سكان المدينة تقريبا التي تقع فيها التحتفال يشارك بارتداء الاقنعة والملابس التنكرية كما نستطيع أن نطلق عليها. أما التنكرات الأكثر شيوعا فكانت مقتبسة من التاريخ القديم ومن الأساطير وان كانت تشمل ايضا بعض صور الحيوانات ، بل وبعض الهياكل العظيمة. وكان بعض كبار الفناين يسهمون أحيانا في اقامة تلك الاحتفالات وفي صنع القناع أو تصميم الخطوط الاساسية للشخصيات. وفي ايطاليا نشطت تلك الصناعة لدرجة أن أصبحت هي الرائدة من دول أوربا في صنع الأقنعة وأصبحت في فترة من الفترات تدخل في الملابس اليومية للسكان أنفسهم وكانت تصنع الاقنعة من الشمع أو الورق المقوى الملون ومن الكتان أيضا ، وبمرور الوقت أصبححجم القناع يقل بالتدريج إلى أن وصل في بعض الاحيان لقطعة رفيعة من الحرير أو القطيفة يحجب فقط العين ومنطقة ما فوق الأنف.

قناع أفريقي لفتاة

الأقنعة في الثقافة الأفريقية

- في إفريقيا الشرقية التي يتركز الاهتمام الثقافي فيها حول الماشية ، ويعبر عن مختلف القيم الثقافية بالرجوع إلى هذه الحيوانات ، وبعض شعوب هذه المنطقة تنتمي للأقزام الرحل التي تعيش على الرعي ، غير أن الأغلبية تؤمن معيشتها عن طريق الفلاحة البسيطة والرعي معًا. والأقنعة في تلك المناطق تصنع من الأعشاب لاستعمالها في المراسيم التي تقام للاحتفال بانتقال الأطفال إلى مرحلة البلوغ، كما أن هناك أقنعة خشبية كانت قبيلة الماكوندي تصنعها لاستعمالها في مناسبات مماثلة.

- أما في منطقة الكونغو وإفريقيا الوسطى فتحل الزراعة والتجارة محل العناية بالمواشي والفلاحة البسيطة ؛ حيث كانت الأقنعة والتماثيل الصغيرة خلال العهد السابق للاستعمار تؤلف الأشكال الرئيسية الوحيدة في الإنتاج الفني لشعوب مثل البينا لولوا من البالوبا و البونجوي من الفانج ، ويبدو كذلك أن الأقنعة المتعددة الألوان قد اقتبست في وقت لاحق عن جماعات مجاورة.

وتؤلف الأقنعة والتماثيل الصغيرة معظم ما أُنتج من الأشكال الفنية في العهود السابقة للاستعمار ، وهي غنية في تعبيرها التشكيلي بقدر ما هي قيمة في حد ذاتها، والأقنعة هناك متعددة الألوان، وتشكل جزءًا من أزياء مفصلة متقنة الصنع لها أهداب كبيرة من الرافيا على غرار الأقنعة التي ترمز إلى وجوه الأسود عند قبيلة الباسونج.

وكان الراقصون يرتدون بعض هذه الأقنعة مع تنانير صنعت كلها من الحشائش ، أما أجسام الراقصين فكانت تزين بالطين و الرماد و الفحم النباتي ، وفي جهات أخرى كان الجسم كله يغطي بقماش فضفاض مهلهل أو بألياف الرافيا.

ومع أن معظم الأقنعة المصنوعة في منطقة الكونغو هي من الخشب الملون فقط ؛ فإن هناك نماذج قليلة يدخل في صناعتها القماش والمعدن والأصداف والودع والخرز. وهناك نماذج أخرى صنعت كلها بالصنارة أو بطريقة العقد ، وسواء أجريت الطقوس في وضح النهار أم في الليل على ضوء ألسنة اللهب المتصاعدة من النيران، وسواء أكان الرقص فرديًا أم جماعيًا. فإن هذه الأقنعة مع الحلل الكاملة التي صاحبتها كانت تخلق في المتفرجين شعورًا بالوقار وإحساسًا غريبًا بأسرار القوى الخفية التي تكتنف الآلهة والأسلاف والأرواح المنتشرة في العالم الطبيعي ، أو بعبارة بسيطة: كانت تخلق فيهم شعورًا بالخوف من المجهول.

- وفي منطقة إفريقيا الغربية التي شهدت قيام عدد من الممالك الكبيرة وسقوطها نشأت مجتمعات زراعية بسيطة انحصر نشاطها الاقتصادي في تأمين الحاجات الأساسية، واقتصرت منتجاتها الفنية على عدد قليل من الأقنعة التي كانت تستعمل في الطقوس الاجتماعية. وإذا أمعنا النظر في الأقنعة والأشكال والأشغال الفنية التي أنتجت في العهود السابقة للاحتكاك مع الأوروبيين. أمكننا أن نلمح بينات تشير إلى اقتباس الأفكار من الغير وإلى إعادة تأويل عناصر التصميم ومعالجتها بطريقة ابتكارية، وتشكل هذه كلها جزءًا من العملية الإبداعية.

وعلى وجه الإجمال يمكن القول بأن البؤرة التي تمركزت فيها ثقافات إفريقيا الغربية هي الدين ، مع العلم أن أشكال الدين تختلف اختلافًا ملحوظًا من جماعة لأخرى ، فثمة جماعة تؤكد قوة آلهة الطبيعة وترتبها في كيان هرمي. هذا بالإضافة إلى ممارسة عبادة الأسلاف ، وهناك جماعة ثانية تؤكد عبادة الأسلاف من السلالة الملكية ، ولا تمنح إلا أهمية ثانوية لآلهة الطبيعة ، بينما تعترف جماعة ثالثة بالقوى الطبيعية الكائنة في آلهة معينة ، ولكنها ترفع من شأن الأرواح المحلية الفرعية وتوليها منزلة أعلى من منزلة آلهة الطبيعة ، ولدى التعبير عن مفاهيم دينية في أشكال فنية عن طريق النحت والرسم والتصوير قد تركز جماعة ما على الأقنعة التي تعتبر مقر قوة آلهة الطبيعة والأرواح المحلية والأموات.

وقد أدت الأقنعة في إفريقيا الغربية وظيفة دينية وجمالية منذ أقدم العصور، وتنسب الروايات المتناقلة محليًا أصلها إلى عوامل مختلفة، منها الوحي الإلهي أو التعليمات التي تصدر عن الأموات أثناء الأحلام، أو الاقتباس من شعوب أقدم كما هو الحال عند الدوجون، ورغم وجود ما يعرف بالجمعيات السرية على درجات متفاوتة من الوازع الديني في جميع أنحاء المنطقة فإنها تستعمل كلها الأقنعة المنحوتة؛ فمثلا لا يرتدي أعضاء بعض مجتمعات اليوروبا إلا أزياء من القماش تغطي الجسم كليًا، ويقوم أحد الراقصين بتمثيل الأرواح الرئيسية، وقد يضع على رأسه صحنًا صغيرًا صلدًا غطي سطحه المنبسط بالقماش لتهبط عليه الروح إذا حضرت خلال إقامة إحدى الشعائر الدينية، بينما قد يلبس راقص آخر على رأسه غطاء منمقًا من الريش، يرمز إلى القوى التي تشرف على الزي، وكما هو الحال في الكونغو يتمتع الزي بكامله مع دلالته الرمزية بأهمية كبرى.

أما القناع المنحوت وهو ذلك القسم الذي يحظى بتقدير الأوروبيين من الناحية الفنية، فلا يؤلف إلا جانبًا جزئيًا من كيان مركب من تفاصيل كثيرة للدلالة في جملته على رمز معين. وتستعمل بعض الأقنعة في الطقوس التي تقام للاحتفال بانتقال الأطفال إلى مرحلة البلوغ أو في الشعائر التي تقام لإجراء الحدود الاجتماعية والدينية ، تستخدم أقنعة أخرى في احتفالات دينية وشبه دينية على حد سواء لتمثيل بعض المفاهيم المصطنعة كزفاف الشمس إلى القمر، كما هو الحال في الأقنعة المزدوجة عند الباوولي، ويجري تعريف المتفجرين إلى قوة الروح الخاصة بالشجرة التي صنع منها القناع، وكذلك إلى قوة الروح التي يمثلها القناع نفسه، كما هو الحال عند الدوجون مثلا، وقد تكون قوة الروح كبيرة جدًا فيكلف بحملها ثلاثة رجال يرتدون ثلاثة أقنعة متماثلة، كما يحدث مثلا عند الإيجبو من اليوروبا، وقد يكفي قناع آخر يرتديه شخص واحد لإيواء قوة عدة أرواح مع رسلها، كما هو الحال عند الأويو من اليوروبا أيضًا..

وتتفاوت الأقنعة في إفريقيا الغربية في مدى الأشياء التي تمثلها؛ فمنها ما يمثل آلهة أو أشخاصًا أظهروا قوى خارقة إبان حياتهم، ومنها ما يمثل خدم الآلهة ورسلها، وقد يكون هؤلاء حيوانات أو أشخاصًا يحملون رموزًا ويعكفون على عبادة الآلهة، ويظهر الراقصون المقنعون إما فرادى أو في جماعات، قبيل حلول الفصل الماطر، هذا إذا كان دورهم علنيًا وليس مقصورًا على الطقوس التي تشكل جزءًا من شعائر الاحتفال بالوصول إلى سن البلوغ.

أما وظيفة الأقنعة فهي طرد الأرواح الشريرة والأمراض والابتهال إلى الآلهة والأسلاف الذين قدمت التضحيات لهم استحضارًا للبركة والخير والخط السعيد، وحين لا تستعمل الأقنعة تحفظ في صناديق خاصة توضع في غابة صغيرة مقدسة قرب القرية أو في منزل زعيم المجتمع، وفي أوقات أخرى من السنة تقدم القرابين لاسترضاء الكثير من الأقنعة ابتغاء الحصول على خدمات خاصة، ويطبق ذلك أيضًا بالنسبة للأشياء المودعة الأخرى، مثل أشكال الآلهة التي ترمز إلى قوى خارقة للطبيعة.

وصلات خارجية

المصادر

الكلمات الدالة: