الحملات الإيطالية في الحروب الثورية الفرنسية

القوات الفرنسية تدخل روما في 1798

الحملات الإيطالية في الحروب الثورية الفرنسية (1792–1802) كانت سلسلة من النزاعات المسلحة اندلعت أساساً في شمال إيطاليا بين الجيش الثوري الفرنسي وتحالف النمسا، روسيا، پيدمونت-سردينيا، وعدد من الدويلات الإيطالية الأخرى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الزوبعة الإيطالية - 27 مارس 1796 - 5 ديسمبر 1797

لقد بُسِّط الموقف العسكري بعقد معاهدات مع كل من بروسيا وإسبانيا، أما النمسا فقد رفضت السلام طالما فرنسا متمسكة بفتوحها في الأراضي الواطئة (هولندا) وعلى طول نهر الراين. وواصلت انجلترا حروبها في البحر وقدمت للنمسا إعانة مالية قيمتها 000.006 جنيه استرليني لتمويل حروبها البرية على فرنسا. وكانت النمسا تحكم لومبارديا Lombardy منذ سنة 3171، وهي الآن متحالفة مع شارل عمانويل الرابع Charles Emmanuel IV ملك سردينيا وبيدمونت Piedmont الذ ي كان يأمل في استعادة سافوي Savoy ونيس Nice اللتين استولى عليهما الفرنسيون في سنة 1792.


حرب بوناپرت

وكانت حكومة الإدارة قد تركت أمر التخطيط لعملياتها العسكرية في سنة 1796 لكارنو Carnot ، فخططها بحيث تشن فرنسا ثلاث هجمات اختراقية على النمسا. فكان على جيش يقوده جوردا Jourdan أن يهاجم النمساويين عند الحدود الشمالية الشرقية على طول سامبر Sambre والميز Meuse وعلى جيش آخر بقيادة مورو Moreau أن يتقدم ضد النمساويين على طول الموسيل Moselle والراين Rhine وعلى جيش ثالث بقيادة نابليون أن يحاول طرد النمساويين والسردينيين من إيطاليا. أما جوردا فبعد أن حقق بعض الانتصارات، واجه القوات المتفوقة للأرشيدوق كارل لودفيج Archduke Karl Ludwig فعانى من الهزائم في أمبرج Amberg وفيرتسبرج Wurzburg وتراجع إلى الشاطىء الغربي للراين. أما مورو فتقدم بجيشه في بافاريا Bavaria وكاد يصل إلى ميونخ Munich ثم علم أن الأرشيدوق المنتصر يمكن أن يقطع خطوط مواصلاته أو أن يهاجمه عند مؤخرة جيشه فانسحب إلى الألزاس. وكأمل أخير لجأت حكومة الإدارة إلى نابليون.

وعندما وصل إلى نيس Nice في 27 مارس وجد أن "الجيش المعد لغزو إيطاليا Army of Italy " ليس على حال يسمح له بمو اجهة القوات النمساوية والسردينية التي تسد المدخل الضيق في إيطاليا بين البحر المتوسط وجبال الألب الشاهقة.وكانت قواته مكونه من 000.34 مقاتل شجاع اعتادوا على الحروب في الجبال لكن ملابسهم بائسة ونعالهم بائسة، وطعامهم الكفاف حتى إنهم كانوا يضطرون للسرقة ليظلوا على قيد الحياة(34)، ويكاد لا يصلح منهم لخوض معارك شاقة سوى 000.03، خيولهم قليلة جداً، ويكادون يكونون بلا مدافع. كما أن الجنرالات الذين وضع على رأسهم نابليون ابن السبع والعشرين سنة كانوا مستائين لتعيينه قائدا لهم وأرادوا أن يشعروه بأنهم أعلى خبرة (هؤلاء الجنرالات هم أوجيرو Augereau وماسينا Masséna ولاهارب Laharpe سيسورييه Sèsurier ) لكن عند أول اجتماع عقده لهم نابليون راعهم شرحه لخططه بوضوح واثق، وإصداره أوامره جلية فسرعان ما أصبحوا له طوعا.

لقد استطاع نابليون أن يفرض نفسه على جنرالاته لكنه لم يستطع أن يحرر نفسه من سحر جوزفين، فبعد أربعة أيام من وصوله إلى نيس نحى خرائطه ومعاونيه وكتب لها خطابا حارا فيه عاطفة مشبوبة لشاب قد اكتشف لتوه عمق عواطفه الكامنة تحت أحلامه بالسلطة:

"نيس في 13 مارس 1796 لا يمر يوم دون أن أتدله في حبك، ولا تمر ليلة إلا وأنا أضمك بذراعي. أنا لا أستطيع أن أشرب كوباً من الشاي دون أن ألعن الطموح المادي (الدنيوي) الذي أبعدني عن روح حياتي. لكن مهما كنت مشغولا بالأعمال أو قيادة جنودي أو التفتيش على المعسكرات، فإن جوزفين حبيبتي تملأ جوانحي.... إن روحي حزينة وقلبي في الأغلال، وإني أ تخيل أشياء ترعبني، فأنت لا تحبينني كما أحبك، فأنت ستسلين نفسك في مكان آخر...... إلى اللقاء يا زوجتي يا معذبتي يا سعادتي.... فأنت أنت التي أحبها، وأنت التي أخشاها، إنك مصدر المشاعر التي تجعلني مهذبا كالطبيعة Nature نفسها، ومصدر الدفع الذي يجعلني مفجعاً كالصاعقة.... إنني لا أطلب منك أن تحبينني للأبد أو أن تكوني مخلصة لي، لكنني أطلب منك ببساطة.... أن تقولي لي الصدق.... لقد وهبتني الطبيعة Nature روحا مصممة قوية، بينما روحك رقيقة كونت من شرائط زينة وشاش..... عقلي منشغل بالخطط الواسعة، بينما قلبي مستغرق فيك منشغل بك تماما....

إلى اللقاء ! آه لو أنك تحبينني أقل مما يجب، ذلك أنك لم تحبينني أبداً، لذا فقد كنت أهلاً للشفقة. بونابارت(44)

وكتب لها مرة أخرى مرتين في يومي 3 و7 أبريل، وسط معمعة الحرب. وقد درس المعلومات كلها التي أمكنه الحصول عليها عن قوات العدو ا لتي يتحتم عليه هزيمته: جيش نمساوي بقيادة بوليو Beaulieu في فولتري Voltri بالقرب من جنوا، وجيش آخر بقيادة أرجنتاو Argentau في مونتنوت Montenotte إلى الغرب من الجيش الآنف ذكره (جيش بوليو) وجيش سرديني بقيادة كولي Colli عند سيفا Ceva أبعد إلى بالجنوب. وقد افترض بوليو Beaulieu أن خطوط مواصلاته هي التي ستملي عليه أي جيش من جيوشه سيكون في حاجة لنجدة طارئة. وعلى هذا الأساس كان يتوقع بناء على أسباب معقولة أن يصــد الهجوم الفرنسـي نظــراً لقواتـه المشتركة (المتحــدة) التي تفــوق القوات الفرنسية عددا بنسبة 2 إلى 1 أي أن قواته ضعــف القوات الفرنســية، أما إستراتيجية نابليــون فهي أن يتحرك بأكبر عــدد من جنوده بأقصى سرعة ممكنة وبسرية ليواجه واحداً من الجيوش المدافعــة ويســحقه قبل أن ينجــده أي جيش مــن الجيشين الآخرين. لقد كانت خطة نابليون تنطوي على الإسراع بالقوات الفرنسية في طرق جبلية و عرة، وكان هذا يتطلب مقاتلــين شــديدى البــأس ذوي عزم. وعمد نابليون إلى إثارة حماســهم ورفع روحهم المعنوية بأول بيان من بياناته المشهورة التي كانت إحدى عُدَدِه - غير قليلة الشأن - في معاركه:

"أيها الجنود. إنكم جائعون عريانون. إن الجمهورية مدينة لكم بالكثير، لكنها تفتقد الوسائل لرد ديونها لكم. لقد أتيت لأقودكم إلى أخصب سهول طلعت عليها الشمس. فالمديريات الغنية والمدن الوافر ثراؤها.. كلها ستكون تحت أمركم. أيها الجنود، أيكون هذا الرخاء أمامكم ثم تعوزكم الشجاعة والثبات؟"(54). لقد كان ذلك دعوة واضحة للسلب والنهب. وكان هذا ضرورياً وإلا بأية وسيلة كان يستطيع هؤلاء الرجال الذين لم يتقاضوا مرتباتهم تحمّل المسيرة الطويلة ثم مواجهة الموت؟ فما كان نابليون مثل معظم الحكام والثوريين ليسمح للاعتبارات الأخلاقية أن تعوق النصر، وكان واثقا أن نجاحه سيمحو خطاياه. ألا يجب أن تساهم إيطاليا في تكاليف تحريرها؟

لقد كان الهدف الأول لاستراتيجيته هو أن يحطم الجيش السرديني ويدفع ملك سردينيا للتراجع إلى تورين Turin عاصمة بيدمونت التابعة له his Piedmont Capital ودخل نابليون في سلسلة مواجهات عسكرية حسمها لصالحه بنجاح: في مونتنوت Montenott (11 أبريل) وميليسيمو Millesimo (31 أبريل) وديجو Dego (51 أبريل) وموندوفي Mondovi (22 أبريل) وأدى هذا إلى بعثرة القوات السردينية وتدميرها مما أرغم شارلز عمانوئيل على توقيع هدنة في شيراسكو Cherasco (82 أبريل) تنازل بمقتضاها عن سافوي ونيس لفرنسا، ومن ثم ا نسحب من الحرب. وفي هذه المعارك أثر القائد الشاب في المحاربين التابعين له بأوامره الواضحة الحاسمة، وتكتيكاته المنطقية الناجحة التي تكمل حكمة استراتيجيته التي كانت مبنية في غالبها على مهاجمة جناحي العدو ومؤخرته. وتعلم الجنرالات الأقدمون أن يطيعوه ثقةً منهم في رؤيته وحكمه، أما الضباط الأصغرون سنا (مثل جونو Junot ولان Lannes ومورا Murat ومارمون Marmont وبيرتييه Berthier ) فكانوا مخلصين له حتى أنهم واجهوا الموت مرارا بسببه. وعندما وصل الجنود الباقون على قيد الحياة بعد هذه الانتصارات إلى مرتفعات مونت زيموتو Monte Zemoto التي يمكن أن يروا منها سهول لمبارديا المشمسة انخرط كثيرون منهم في تحية تلقائية للقائد الشاب الذي قادهم بعبقرية.

والآن لم يعد يتحتم عليهم أن يسلبوا وينهبوا كي يعيشوا، فحيثما أقام نابليون الحكم الفرنسي فرض على الأثرياء والإكليروس الضرائب وحث المدن (أو أمرها) على الإسهام في ضبط سلوك جنوده. وفي 62 أبريل، في شيراسكو Cherasco خاطب جيشه مادحاً إياه ومحذرا من قيام الجنود بعمليات سلب أو نهب:

"أيها الجنود

لقد حققتم في أسبوعين ستة انتصارات، واستوليتم على واحد وعشرين علما، وخمسة وخمسين مدفعا، وفتحتم أغلى جزء في بيدمونت... كل ذلك بدون أية موارد تزودكم بما هو ضروري. لقد حققتم النصر بلا مدفع، وعبرتم الأنهار بلا جسور، وسرتم سيرا حثيثا بلا نعال، وعسكرتم بلا براندي بل وغالبا بلا خبز..... إن وطنكم المقدر للجميل والمعترف به سيكون مدينا برخائه لكم.... لكن أيها الجنود، إن كل ما فعلتموه لا يساوى شيئا إذا قيس بما ستعملونه. لاتورين Torin ولا ميلان صارت لكم... أثمة واحد فيكم تنقصه الشجاعة؟ أهناك من سيفضل العودة عبر قمم جبال أبنين والألب ليتحمل بصبر نذالة جندي حقير؟ لا ليس من شخص كهذا بين فاتحي مونتنوت وفاتحي ديجو، وفاتحي موندوفي. فكلكم تحترقون لزيادة عظمة الشعب الفرنسي....

أيها الأصدقاء إنني أعدكم بهذا الفتح شريطة أن تقسموا (وتنفذوا ما أقسمتم عليه) أن تحترموا الشعوب التي تحررونها، وأن تكفوا عن السلب الذي يقترفه بعض الأوغاد بتحريض من أعدائنا. وإذا لم تكفوا عن هذا السلب فما أنتم محررون للشعوب بل أنتم إذن جلادوها لو استمر النهب لضاعت ثمار انتصاراتكم وشجاعتكم ونجاحاتكم ودم إخوانكم الذين ماتوا في المعركة، بل وضاع أيضا شرفكم وعظمتكم. ذلك أنه بالنسبة لي وللجنرالات الذين حازوا ثقتكم لا بد أن نستحي من قيادة جيش بلا نظام وضوابط.... إن أي شخص سيقوم بعملية نهب أو سلب سيتم إعدامه رمياً بالرصاص بلا رحمة.

أيها الشعب الإيطالي إن الجيش الفرنسي أتى ليحطم أغلالكم، فالشعب الفرنسي صديق لكل الشعوب، فلتستقبلوا الجيش الفرنسي بثقة، فممتلكاتكم ودينكم وعاداتكم كلها موضع احترام، فلسنا نحقد على أحد سوى على الطغاة الذين يظلمونكم".

بونابرت

لقــد شــهدت المعركة الأولى عمليـات سلب كثيرة، وظل شيء منها رغم هذا الطلب وذاك التهديد، وقد أمر نابليون بإطلاق النار على بعض السلابين وعفا عن آخرين منهم قائلاً:

"هؤلاء البؤساء لا بد من التماس الأعذار لهم، لقد ظلوا طوال ثلاث سنوات يتطلعون للأرض الموعودة... والآن وقد دخلوها فإنهم يريدون الاستمتاع بها"(64). وقد هدأهم بأن جعلهم يشاركون في المؤن والأموال التي تم جمعها من المدن " المحررة".

ووسط هذا الهياج العظيم كله بسبب طول المسيرة، والمعارك ورغم انشغاله بالأمور الدبلوماسية، فقد كان نابليون في كل ساعة تقريبا يفكر في الزوجة التي كان قد تركها بسرعة بعد ليلة العرس. والآن وقد أصبح يمكنها أن تمر بأمان في السيفن Cévennes فقد أرسل لها خطاباً في 17 أبريل يتوسل إليها فيه أن تحضر إليه. وكتب لها في خطاب آخر في 24 أبريل سنة 1796 قائلاً: "تعالي بسرعة. إنني أحذرك فإن زاد تأخرك، فستجدينني مريضا. فهذه المتاعب التي أواجهها الآن، أيضاف إليها غيابك عني؟! لا أطيق هذا... فليكن لك جناحان، ولتطيري إليّ.. قبلة مني على قلبك.. وقبلة أخرى تحت قلبك بقليل.. وقبلة ثالثة تحت القبلة السابقة... وأخرى تحت... تحت.... أبعد تحت؟!"(74).

أكانت جوزفين مخلصة؟ أكان يمكنها، وهي التي تعودت على المسرات أن تكتفي طوال عدة شهور برسائل التملق التي كان يرسلها إليها؟ وفي الشهر نفسه الآنف ذكره (أبريل) وجد ضابط وسيم في الرابعة والعشرين من عمره هو هيبوليت شارل Hippolyte Charle طريقه إليها. وفي شهر مايو دعت تاليران Tallyerand للقائه. "ستكونين عاصفةً معه، فمدام ريسامييه Récamier ومدام تاييه Tallien ومدام هاميلا Hamilin كلهن يتقن إليه أو بتعبير آخر فقدن اتزانهن من أجله"(84). وشغفت به جوزفين حبا، حتى إنه عندما أتى مورا Murat قادما من طرف نابليون محملاً بالأموال ومعه تعليمات لها بأن تلحق به في إيطاليا، فإنها تلكأت مُتعلِّلة بالمرض وقالت لمورا أن يبلغ نابليون (رئيسه) أنه قد ظهرت عليها دلائل الحمل. وكتب لها نابليون في 31 مايو: "أحقا ما قاله مورا من أنك حامل!... إن مورا يقول إنك متوعكة وهذا ما جعله يعتقد أنه ليس من التدبير السليم أن تتحملي مشاق هذه الرحلة الطويلة. وعلى هذا فإن عليّ أن أظل فترة أطول دون أن أسعد بضمك بين ذراعي! أمن الممكن أن أحرم من رؤية بطنك وقد ارتفع قليلا من جراء الحمل؟"(94) لكن فرحته لم تدم فلم تكن جوزفين أبداً لتلد له طفلا.

التحالف الثاني (1799–1800)

القوات الروسية بقيادة الجنراليسيمو سوڤروڤ تعبر الألپ في 1799.
نصب سوڤروڤ في الألپ السويسرية


انظر أيضاً

الهامش

وصلات خارجية