أنفدي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أنفدي (مقاطعة الحدود الشمالية)

تاريخ الإسكان للأنفدي

كانت الحركات الرعوية للعناصر الحامية الصومالية مستمرة منذ القرن الثالث عشر في منطقة القرن الأفريقي في محورين شمالي غربي، و شمالي جنوبي، حتي خلصت شبه جزيرة الصومال للصوماليين و اعتبر نهر تانا حداً جنسياً و جغرافياً للإمتداد الصومالي صوب الجنوب. و كانت منطقة الحدود الشمالية ( أنفدي ) جزءاً من حياة الصوماليين الرعاة في هجراتهم الفصلية، و مركزاً من مراكز الإستقرار، و لم يحدث في التاريخ القديم أو الوسيط أن غزيت هذه المنطقة من الجماعات الزنجية في الجنوب، حتي أعتبر نهر تانل حداً جنسياً للصوماليين. و ما يشاهد اليوم من وجود مجموعة صغيرة من زنوج كينيا ( من قبيلة بوكومو) على نهر تانا يرجع عهدهم الي فترة حديثة بوجود الإستعمار الإنجليزي في شرق أفريقيا. و يعتقد البروفسور لويس أن الصوماليين استوطنوا مقاطعة الحدود الشمالية ( أنفدي ) تماماً منذ ثلاثة قرون، و أن (الدارود) الذي كتب عنهم سير ريتشارد تيرتيل كتابة باحث عالم، كانوا أول من وصلوا هناك بعد ذلك في سلسلة من الكفاح من أجل الحياة، و كان هذا الكفاح بشأن تلك المنطقة البدائية كفاحاً من نوع كريم بمعني أن الفئات المتكافئة لم تكن تسعي من أجل النساء أو العبيد أو المجد و شهوة القتل، كما يفعل الكثير من القبائل، و لكن لأنه إذا لم تحصل القبائل على المياه يقضي عليها بالموت، فهكذا كان الموقف الذي يتميز بالصراع عدة قرون في هذا الجزء من أفريقية. فالعناصرالصومالية الحامية تختلف اختلافاً بيناً عن العناصر الزنجية (البانتو أو النيلوتي من سكان كينيا) في المعايير الجنسية والثقافية و الدينية و العادات و التقاليد حتي أجمع علماء الأجناس أن إقليم الحدود الشمالية يعتبر الخط الفاصل في شرق أفريقية بين اللازنوج والزنوج. و تبلغ مساحة مقاطعة الحدود الشمالية نحو نصف مساحة كينيا أي ضعف مساحة بريطانيا، و هي في جملتها أرض صحراوية يقوم بالرعي فيها جماعة من الصوماليين يمثلون أكثر من 96 % من جملة السكان. ولا يكاد يختلف أفراد الشعب الصومالي في أنفدي عن إخوانهم في الجمهورية الصومالية أو في أثيوبيا فهم يتكلمون بنفس اللغة و حتي الاختلافات في اللهجة لاتتفق مع الحدود المصطنعة المفروضة عليهم و ينتمي شعب أوجادين في أنفدي لنفس العشيرة التي ينتمي إليها شعب أوجادين في جمهورية الصومال ومنطقة الأوجادين الواقعة في أثيوبيا، زد على ذلك أن الصوماليين تربطهم جميعاً رابطة الإسلام، و هم في الجملة صوفيون في مذهبهم، و الصوفية تولي أهمية خاصة للوحدة مع الله عن طريق الممارسة الدينية و التأمل و الحياة الصالحة و التبرك بالصالحين، و الصفة العامة في أي مكان من شبه جزيرة الصومال للسكان، رغم إختلاف العشائر، هي أنهم لايحملون غير اسم صوماليين.

بريطانيا و احتلال أنفدي: و يظهر بريطانيا في شرق أفريقيا و إمتداد مستعمراتها في داخل كينيا، أن قامت مناورات و محاولات ترمي الي الحد من الحركة الطبيعية للصوماليين في أرض أنفدي تمهيداً للإستيلاء عليها، و كانت سلطنة زنجبار تبسط نفوذها على ساحل الصومال بحجة حماية الصوماليين من غارات الأفرنج و الأحباش، فكانت منطقة كسمايو و ما يليها جنوباً حتي نهر تانا ضمن الأراض التي يسيطر عليها سلطان زنجبار. و ما أن أعلنت بريطانيا الحماية على زنجبار في عام 1890 حتي أصبح الساحل الصومالي بطريق غير مباشر خاضعاً لنفوذ بريطانيا و تمكنت بريطانيا في عام 1895 من أن تبسط نفوذها مباشرة على منطقة أنفدي بعد عقد اتفاقيات مع الشيوخ الصوماليين خشية أن يزداد النفوذ الألماني في تنجانيقا و يمتد الي منطقة أنفدي.

الكفاح الوطني:

و خلال الحرب العالمية الأولي تزعم البطل الصومالي عبد الله مرسل الحركة الصومالية في قتال الإنجليز و دارت معارك انتهت بانتصار المستعمر و آلاته الحديثة ضد الشعب الصومالي المسالم الذي يطالب بحريته في الحياة. و في عام 1924 قامت بريطانيا بإقتطاع جزء من أنفدي و منحته لإيطاليا مكافأة لها على اشتراكها في الحرب العالمية الأولي بجانب بريطانيا، و أصبح الخط الواحد و الأربعين من خطوط الطول الجغرافية حداً فاصلاً بين منطقة جوبالند التي ضمت لصوماليا، ومنطقة أنفدي ( مقاطعة الحدود الشمالية ). أو الصومال الكيني الذي وضع له نظام إداري خاص يختلف عن النظام الإدارى المتبع في كينيا، مما جعل لأنفدي شخصية قائمة بذاتها إذ حرم على الكينين دخول أنفدي، كذلك الحال بالنسبة للصوماليين سكان أنفدي.

و في عام 1947 ظهر في صوماليا لأول مرة حزب سياسي هو حزب وحدة الشباب الصومالي الذي نادي بالوحدة و الإستقلال، و انتشرت فروع الحزب في مختلف بقاع الصومال، و بطبيعة الحال وجدت عدة مراكز للحزب في منطقة أنفدي، و نادي شعب أنفدي بالتضامن الأخوي و الحرية والإستقلال.

و أسرعت بريطانيا بحصار أنفدي لمنع تسرب مباديء الحرية فأمرت لأول مرة السلطات البريطانية في نيروبي أن تدخل القوات الكينية الي أرض أنفدي لإخماد الحركة الثورية الشعبية، وأن تتولي حل الأحزاب، و وضع قيود شديدة على الحركة الصومالية، و إيجاد قوات كينية مركزية في أنفدي لقمع أى ثورة صومالية.

الحكومة الصومالية تطالب بأنفدي

استمرت صوماليا في تزعم الحركة السياسية و المطالبة بوحدة الأراضي الصومالية، و ظهرت الدعوة في أمل و رجاء بعد استقلال صوماليا في يوليو 1960، فنادي الشعب و الأحزاب السياسية و الحكومة بوحدة الأراضي الصومالية و عودة أنفدي الي الوطن الأم. حتي إذا ما قرب موعد استقلال كينيا بعثت حكومة الجمهورية الصومالية بوفد رسمي الي بريطانيا لينضم مع إخوانهم الصوماليين الممثلين لأنفدي في المجلس التشريعي بكينيا، و ممثلي الأحزاب و الزعماء في أنفدي و ذلك لتوحيد المطالب القومية في الوحدة و الإستقلال دون قيد أو شرط.

و في 11 نوفمبر عام 1961 وافقت الجمعية الوطنية الصومالية بالإجماع على إقتراح بتأييد مطالب شعب أنفدي للأنضمام الي الجمهورية الصومالية بالوسائل السلمية و القانونية.

و في 27 فبرايرسنة 1962 أدلي وفد أنفدي بتصريحات هامة في لندن ( أبان فترة بحث دستور كينيا في لانكستر هاوس في أول مارس سنة 1962 ) جاء فيه (إننا جئنا الي لندن لنحصل على الإنفصال عن كينيا نظراًلرغبة شعب أنفدي في الإنضمام الي الجمهورية الصومالية، ونحن نطالب بالإنفصال منذ عام 1957 للإنضمام الي إخواننا في الصومال، في الوقت الذي لم يكن في كينيا حزب كانو ولا حزب كادو. نحن اخترنا هذه اللحظة لعرض مشكلتنا على الحكومة البريطانية لأن مشاكل كينيا يجب أن يتم حلها الآن، و مشكلة الإقليم الشمالي هي إحدي هذه المشكلات ).

و قام الوفد بتوزيع كتاب ( شعب معزول) أثناء انعقاد المؤتمر الصحفي الذي عقده الوفد في لندن قبل اجتماع لجنة الدستور، وهو كتاب موجه من الأحزاب السياسية في أنفدي من أجل الإنضمام الي الجمهورية الصومالية.

و جاء في تصريح المترم محمد حاج إبراهيم عقال رئيس الوفد الصومالي ( عن الجمهورية الصومالية ) في 16 فبراير سنة 1962:(أن الحكومة الصومالية لا تعارض فكرة إجراء استفتاء شعبي في الإقليم الشمالي تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة بالرغم من أنه لا حاجة الي إجراء الإستفتاء المذكور لأن أهالي الإقليم قد عبروا مراراً عن رغبتهم في الإنضمام للجمهورية الصومالية ). وأشار الي ضرورة الحل السريع قبل استقلال كينيا الذي تباركه الصومال. و قال ( لايجب أن نترك كالورثة الي الحكومة المستقلة لكينيا ).

و في صباح2 مارس سنة 1962 شهد العالم مظاهرات حية في لندن و باريس و روما و القاهرة و مقدشوه وأنفدي و جيبوتي تنادي بتأييد المطالب القومية لشعب أنفدي في حق تقرير المصير.


و في 5 يوليو سنة 1962 أعلن مسئول بريطاني للوفد الصومالي برئاسة المترم جامع عبد الله غالب رئيس الجمعية الوطنية أن بريطانيا ستؤلف لجنة تحقيق في مسألة أنفدي، و قال السير بيتر توماس، ( أن التوصيات التي تقترحها اللجنة بعد زيارتها للإقليم الشمالي ستفيد الحكومة البريطانية و أن أى قرار طبقاً للإدارة الحرة لشعب الأقليم الشمالي سيتم تدعيمه دولياً).

و في سبتمبر سنة 1962 تقرر في مؤتمر لانكستر هاوس الدستورى تأليف لجنة التحقيق للأنفدي من عضو أحدهما نيجيري والآخر كندي.

التعليق


التعليق

لجنة الإستفتاء و لجنة تخطيط الحدود

بدأت لجنة الإستفتاء عملها في ناحية جارسيا 22/ 24 أكتوبر سنة 1962 ) و ناحية وأجيرا (25 /29 ) و ناحية مانديرا (30 / 31 أكتوبر و أول نوفمبر ) و ناحية موبالي ( من 2/ 6 نوفمبر ) و ناحية مرسابيت ( من 7 / 12 نوفمبر ) و ناحية اسيالو (من 3/ 15 نوفمبر ) ثم 16 نوفمبر في نيروبي، و بعدها سافرت اللجنة الي لندن مباشرة.

وبعثت الحكومة البريطانية بلجنة لتخطيط الحدود الإقليمية، غير أن زعماء أنفدي و شعب أنفدي أعلنوا مقاطعة اللجنة، و قد صرح المحترم عبد الرشيد خلف عضو المجلس التشريعي للمقاطعة الشمالية أن الصوماليين ثائرون على لجنة تخطيط الحدود. و أنهم قد أعربوا عن رغبتهم في الإنفصال عن كينيا و الإتحاد مع الجمهورية الصومالية أمام لجنة الإستفتاء. و أن الجبهة التقدمية الشعبية و الجبهة الديمقراطية قد قررنا مقاطعة اجتماعات اللجنة الخاصة بتخطيط الحدود الإقليمية، و ذلك لإن الصوماليين لا تربطهم أية مصالح بكينيا حتي يكونوا جزءاً أو إقليماً منها، و حمل بريطانيا مسئولية مايحدث في المنطقة من وراء وجود هذه اللجنة.

تقرير لجنة الإستفتاء و لجنة الحدود جاء في التقرير الرسمي للجنة الإستفتاء الذي صدر في لندن في يوم الجمعة 21 ديسمبر 1962 ما موجزه عن كل ناحية بالصورة التالية.

ناحية جاريسيا: و تتألف من ثلاث جماعات، و هي الصوماليون، و قبائل السواحل، و جماعة أرما و الرأي العام في المنطقة الخصبة الواقعة على طول نهر تانا تؤيد وجهة نظر كينيا على حين أن الرأي العام في الأراضي شبه الصحراوية الواقعة في شمال و شرق المنطقة الساحلية يؤيد وجهة النظر الصومالية و الآراء متضاربة في المساحة الواقعة في جنوب و غرب المنطقة الساحلية.

ناحية واجيرا: تتأييد إجماعي لوجهة نظر الصوماليين.

ناحية مانديرا: تتأييد إجماعي لوجة نظر الصوماليين.

ناحية مويالي: جماعة الإجوران الذين يرعون بمواشيهم في الجزء الشمالي من الناحية، و الذين يمثلون أخماس شعبها يؤيدون بالإجماع وجهة نظر الصومال، أما جماعة الساكوبي فينقسمون الي مجموعتين غير أن الأغلبية تشترك مع جماعة الأجوان في تتأييد وجهة نظر الصومال. و جماعة البوران الساكنون في الجزء الباقي من الناحية يؤيدون بالإجماع وجهة نظر كينيا، عدا البورانيين المسلمين المقيمين في الجزء الشرقي من أراضي البوران فهم يؤيدون إخوانهم المسلمين في الجزء الشرقي بالإنضمام الي صوماليا.

ناحية مرسابيت: جماعة تابرا، بوران، بورجي، كونسو تؤيدوجهة نظر كينيا، أماجماعات الرنديلي الذين يكونون نصف ناحية مارسابيت و الذين يسكنون الجزء الواقع من مرسابيت الي لوبا تلاقي حتي بحيرة رودلف يؤيدون بشدة وجهة نظر الصومال، فرئيس جماعة المولو أصر بحزم على تأييد الإتحاد مع الجمهورية الصومالية إذا كانت جماعته غير ملزمة بترك أراضيها الخاصة و الإنتقال نحو الجمهورية الصومالية و في عيل أريت كانت جماعة جيلوبا مترددة في تأييد وجهة نظر الصومال. هذا و تعتقد اللجنة أن جماعة جيلوبا ليس لها فكرة راسخة عن مستقيل حكومة أنفدي و تخشي أن تكون هنا أو هناك.

ناحية أسيالو: في أسيالو يؤيد أغلبية الشعب المكون من الصوماليين و الأجانب وجهة نظر الصومال و توجد أقلية تؤيد وجهة نظر كينيا حول أسيالو، فأن سكانهابصفتهم من مسلمي بوران فهم يؤيدون الإنفصال. في نيروبي: نادي مستر كينياتا رئيس حزب كانو بشدة بضم أنفدي الي كينيا كجزء لا يتجزء منها، و قال ( أن كينيا تفضل أن يصبح الأقليم تحت نظام كينيا ) أما السيد أمبويا رئيس حزب كادو فإنه يري رأي الصوماليين، يتوقف على الحكومة القوية في المستقبل، و أن الشعب الصومالي منقسم على نفسه. و يقول التقرير: ( و لكننا لم نلاحظ هذا في أنفدي فتأييدهم إجماعي للصومال).

من تقرير اللجنتين: و جاء في تقرير اللجنة أن مؤيدوا الإنفصال و الإنضمام الي الصومال لا يرغبون في الإشتراك في أي مشروع من مشاريع الإتحاد الدستوري لكينيا، أما مؤيدوا كينيا، فيطالبون بالإندماج و الإشتراك مع كينيا نحو الإستقلال. غير أن المساحة التي تسود فيها الفكرة الصومالية تعتبر أوسع المساحات إذ أنها تمتد في الحدود الصومالية الي الخط الفاصل بين الصومال و الجالا بل يتجاوز هذا الخط ليضم مراعي أجوران. و هؤلاء جميعاً يؤيدون فكرة الصومال.

و يتحدث التقرير عن أربعة أحزاب كبري تؤيد الفكرة الصومالية، و هي الجبهة التقدمية للمقاطعة الشمالية، و الجبهة الديموقراطية للمقاطعة الشمالية، و الإتحاد الوطني الشعبي، و الحركة السياسية الوطنية، و كل هذه الأحزاب متحدة الرأي بقوة في الإنفصال عن كينيا قبل الإستقلال. و أن تكون تحت حكم خاص لأنفدي تحت رعاية بريطانيا تمهيداً لإعداد منشأته السياسية على خير وجه للإنضمام الي الصومال بعد ذلك.

أما لجنة تخطيط الحدود فأنها توصي بالمساحات التي يسكنها صوماليون و ما يشابههم، و ذلك بانشاء مقاطعة خاصة تتضمن ناحية منديرا، و الجزء الخاص بناحية موبالي الواقعة في شرق الحدود القريبة للدوائر الإنتخابية رقم 44، و ناحية واجيرا، و ذلك الجزء من ناحية جاريسيا الواقعة في شرق الخط المخطط على بعد ثلاثة أميال من شمال و شرق نهر تانا الذي يمر عبر الناحية.

و بناء على ما أوصت به اللجنة يجب إنشاء ست مقاطعات، و أن تصل الي حل لإرضاء رغبات الأغلبية في كينيا، و قد وجدت اللجنة أن تضم المساحة المذكورة الي ساحل الإقليم و أن إحدي الإعتبارات التي حملت اللجنة على هذا القرار هو أنه إذا حدث في المستقبل أن عارضت هذه المساحة في أن تصبح جزءاً من كينيا فإن انفصالها عن ساحل الإقليم لن يؤثر على الخطط التي وضعت لكينيا.

النتائج العامة للإستفتاء بعد أن أستقبلت اللجنة40 ألف شخص، و قابلت 124 وفداً، و استلمت 106 طلبت مكتوبة، توصلت الي النتيجة الرئيسية التالية: ( تعتبر المناطق التي وجدنا فيها الناس يؤيدون الرأي الصومالي من أكبرالمناطق من حيث مجموع السكان، و حجم المنطقة، و هم متجانسون في الواقع، و تمتد هذه المنطقة من الحدود الصومالية الي الخط الفاصل بين الجالا و الصوماليين، و فيما وراء هذا، بما في ذلك مراعي أجوران، و قد وجدنا أن الناس هناك يكادون يجمعون على الإنفصال عن كينيا ، حينما تحصل كينيا على استقلالها، بغرض الإنضمام في النهاية الي الجمهورية الصومالية، و لكنهم يريدون أن تبقي أنفدي فترة من الوقت تحت الحكم البريطاني لإقامة أجهزة الحكم حتي يمكن أن تنضم الي الجمهورية الصومالية كوحدة تتمتع بالحكم الذاتي ).

و قد اتضح من تقرير اللجنة: أن رغبة الإنضمام الي الصومال نسبتها 87.76% من جملة السكان و أن خمس مناطق من الست مناطق التي تكون أنفدي ترغب في الإنضمام الي الصومال:

التعليق


أنفدي كإقليم سابع لكينيانص عريض

ألقى مستر سانديز وزير المستعمرات في نيروبي بتصريحات خطيرة حول أنفدي بنأها ستدار كإقليم سابع تابع لكينيا مما جعل مستر كينياتا يصرح في نيروبي تعقيباً على تصريح مستر ساند قائلاً : ((هو ما لا أحيد عنه قيد أنمله)) وفي الصومال ثار الشعب، واعلنت الحكومة قطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا على نحو ما سينرى فيما بعد. وهذا نص تصريح مستر دنكان سانديزوزير المستعمرات البريطاني في 8 مارس 1963: أولأً : ((أوصى التقرير الخاص بالمؤتمر الدستوري لكينيا الذي انعقد عام 1962 بتعيين لجنة تتحقق من الرأي العام في أنفدي فيما يتعلق بمستقبل المنطقة على ضوء التطورات الدستورية المحتملة في كينيا. وحكومة جلالة الملكة سوف تتخذ قرارها بشأن النتائج التي تتوصل إليها اللجنة قبل تطبيق الدستور الجديد لكينيا)). ثانياً : ((قدمت اللجنة تقريرها في ديسمبر الماضي، ودرست حكومة جلالة الملكة النتائج التي توصلت إليها. كما لاحظت أنه ورد في تقرير لجنة الحدود الإقليمية لكينيا أن الأمر لا يستلزم الاقتصارعلى ست مقاطاعات فقط، ولذا رأت حكومة جلالة الملكة أن من الصواب انشاء مقاطعة إضافية تضم الجزء الشرقي من أنفدي عامة وهو الذي يقتصر سكانه على الصوماليين وأشباههم)). ثالثاً : ((وقد قام وزير المستعمرات ببحث الأمر تفصيلاً مع حاكم كينيا وع بعض الوزراء في نيروبي، كما استقبل وفدين، يمثل أحدهما تلك العناصر الوافدة من مقاطعة الحدود الشمالية لكينيا الذين يرون الانضمام إلى الجمهورية الصومالية، والآخر جزءاً من كينيا)). رابعاً : ((لقد قررت الأن حكومة جلالة الملكة أنه ينبغي، كجزء من التنظيمات الدستورية الخاصة بالحكم الذاتي في كينيا، أن تكون المناطق الصومالية المشار إليها في تقرير لجنة الحدود الإقليمية (وهى تشمل الدوائر الانتخابية من رقم 20 إلى رقم 24 بما فيها الدوائر الأخيرة) (( ينبغي أن تكون)) إقليماً سابعاً منفصلاً يتمتع بمرتبة مساوية لمرتبة الأقاليم الأخرى في كينيا)).

التعليق

خامساً : ((إن انشاء الإقليم الجديد سوف يعطي سكانه حرية واسعة في إدارة شئونهم الخاصة،ويوفر لهم مزيداً من الوسائل الفعالة الكفيلة بتأمين مصالحهم وصيانة طريقتهم في الحياة.)) ونشرت صحيفة إيست أفريكان ستاندارد الصادرة في مارس عام 1963 بعضاً مما صرح به مستر سانديز في مؤتمر صحفي، وهذه العبارات مقتطفة من الصحيفة المذكورة: (( صرح مستر سانديز بأن مشكلة أنفدي تعتبر من أصعب المشاكل وقد أوضح التقرير الخاص بأنفدي أن هناك جانباً هاماً من السكان يريد الانفصال عن كينيا والانضمام إلى الجمهورية الصومالية. كما يوضح بنفس الدرجة أن ثمة جانباً هاماً آخر يرغب في البقاء كجزء من كينيا. وقد أدركت الحكومتان البريطانية والكينية رغبة الشعب الصومالي في التعبير عن ذاتيته الخاصة به.)) ثم أضاف وزير المستعمرات قائلاً : ((ولكن كينيا قطر يعتمد في مستقبله على مقدرته في إظهار كفاءته في تكوين وطن يستطيع أن يعيش فيه أناس من أجناس مختلفة في كرامة وود مع بعضهم البعض)). واستطردت الصيحفة تحت عنوان ((ذاتيتهم الخاصة بهم)) تورد كلمات وزير المستعمرات : (( وام نكنا قد اعترفنا برغبة هؤلاء الناس في التعبير عن ذاتيتهم الاخصة بهم فقد قررنا أنه من الصواب أن ننشئ إقليماًً يضم تلك العناصر في القرى التي اكتمات في نفسها مشاعر قوية بشأن هذه المسائل - وهى تلك المناطق التي يسكنها شعب صومالي .)) ((ولسنا من الغفلة بحيث يدخل في روعنا أن انشاء الإقليم السابع سوف يقابل بالترحاب والتهليل من جانب هؤلاء الناس كحل يحقق الأشباع الكامل لكل آمالهم ورغباتهم.)) ((ولكني واثق كل الثقة بأنهم سوف يستقبلون هذا القرار، ويعترفون به كدليل على النية الطيبة الحقيقية المخلصة، ليس من جانب الحكومة البريطانية فحسب، بل من جانب حكومة كينيا كذلك.))

رد الفعل : ولقد كان رد الفعل قوياً في كافة أنحاء البلاد الصومالية، إذ قام الشعب عن بكرة أبيه بمظهرات وطنية احتجاجاً على المؤامرات البريطانية وتصريح وزير المستعمرات بفصل أنفدي عن الصومال وضمها لكينيا ولقد كان الشعب في ثورته على الحق، فإن مسألة أنفدي مسألة وطنية فوق كل اعتبار، وفوق المساعادت البريطانية للصومال ، واضطرت الحكومة الصومالية أما الثورات الشعبية أن تلعن حالة الطوارئ في البلاد ثلاثة أيام.

قطع العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وبريطانيا:

وخلال هذه الفترة قامت الحكومة بدراسة مستفيضة وازنت فيها بين الخسائر والمكاسب، وانتهت إلى ضرورة قطع العلاقات مع بريطانيا التي باعت الشعب الصومالي سبع مرات وأوجدت مشاكل عسيرة على الحدود بين الصومال وجيرانها أي أوجدت أعداء للصومال بدلاً من أن تترك الصومال في صداقته مع جيرانه. وناقشت الجمعية الوطنية البيان المقدم من الحكومة حول مسائلة أنفدي وتفويض الحكومة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا. وبعد نقاش طويل وافقت الجمعية بالإجماع على الاقتراح التالي: ((أن الجمعية الوطنية تخول حكومة جمهورية الصومال بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا بعد القارا الذي اتخذته حكومة بريطانيا في إنشاء إقليم سابع لكينيا يضم جزاءاً من المقاطعة الشمالية متناسية بذلك الاعتراف برغبة سكان أنفدي في الانفصال عن كينيا والاتحاد مع الجمهورية الصومالية)). وأصدر مكتب رياسة الوزراء البيان التالي: لقد بحث مجلس الوزراء الحالة التي نشأت عن الخبر القائل بأن جنود القوات البريطانية في أنفدي أمرت بأن تكون في حالة استعداد وبما أن هذه التدابير يمكن أن تشكل تهديداً خطيراً على حدود الجمهورية الصومالية فإن السيد رئيس الوزراء طلب من السيد وزير الدفاع أن يصدر أوامره بوضع جنود القوات المسلحة في حالة استعداد حتى صدور أمر آخر هذا والمطلوب من سكان الحدود أن يحافظوا على الحدود. وفي 13 مارس سنة 1963 وقع رئيس الجمهورية مرسوماً بقانون يقضي بإنشاء كتيبة الشباب تحت إشراف قيادة الجيش الوطني كقوة احتياطية لحماية اليلاد. وفي 15 مارس سنة 1963 وافقت الجمعية الوطنية بأغلبية على مشروع القرار الخاص بقطع العلاقات مع بريطانيا وهو:


التعليق
التعليق

(( الجمعية الوطنية للجمهورية الصومالية بعد أن اطلعت، ببالغ الأسف على السياسة التي انتهجتها حكومة بريطانيا، تؤيد قرار الحكومة الصومالية الرامي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المتحدة البريطانية وأرلندا الشمالية. وبناء على ذلك توصي الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المصالح الصومالية في الخارج)). وفي 18 مارس أبلغت الحكومة الصومالية السيد سفير بريطانيا رسمياً في مقدشوه بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتشير المذكرة إلى تأكيدات بشأن حماية الحكومة للمتلكات والرعايا البريطانيين في الجمهورية الصومالية. وقامت الحكومة الصومالية بإلغاء الاتفاقية التي أبرمت مع بريطانيا، والتي على أساسها كانت تسمح للطائرات العسكرية البريطانية أن تحلق فوق الأراضي الصومالية بالهبوط في حالات ضرورية، وكذلك الاتفاق الخاص بوجود محطة تقوية للإذاعة البريطانية في بربره. وفي 22مارس سنة 1963 اجتمع زعماء أنفدي في مدينة واجير وقرروا مقاطعة الانتخابات العامة، وعدم الاعتراف بحكومة كينيا والإدارة البريطانية، وقطع كل علاقة تربطهم بهم. وتقرر تقديم الاستقالات من الأعمال الحكومية في المناطق والأقاليم والمئسسات وجميع الوظائف وكان أول من استقال المحترم عبد الرشيد خليف من عضوية المجلس التشريعي في كينيا. مسئولية بريطانيا تجاه أنفدي : لقد حرصت الحكومة البريطانية بأنها تستشير زعماء كينيا في مسألة أنفدي كما جاء في الفقرة الرابعة من تقرير مؤتمركينيا سنة 1962((أن توصيات سير جيمس روبرتسون متروك أمرها بالطبع لسلطات زنجبار(المالك) والحكومة البريطانية (المستأجر)، ومع ذلك فإن مصير هذا الأمر ينبغي أن يأخذ في الاعتبار إرادة سكان المنطقة الساحلية)). أي (السكان+أصحاب الشان). فقد أخطأت بريطانيا في استشارة زعماء كينيا فإن الاستشارة تكون حينما ينتزع منهم شيء لا حينما يسلم إليهم شئ. فكان على بريطانيا أن تأخذ بمطالب شعب أنفدي كما جاء في تقرير اللجنة الخاصة بالاستفتاء. وقد أعرب أحد البرلمانيين البريطانيين عن خطأ الحكومة وهو اللورد ليتون في خطابه الذي ألقاه في 3 أبريل في البرلمان البريطاني قائلا: ((أنه تصريح يقوض كل أمل وكل رغبة، أنها ليست حماقة بل هى جنون مطبق، فهو يبدو وكأن انشاء إقليم سابع إنما هو بمثابة آية وردت في سفر التكوين (من التوراة) وهى ليست شيئاً من هذا النوع بل هي مجرد رسم خط حول أناس كانوا موجودين هناك منذ أمد بعيد، وهم يتابعون طريقتهم في الحياة، وليس في هذا التصريح ما يدل على ان المسئولين سوف يحققون أي رغبة من الرغبات التي عبروا عنها. أن هذه اللجنة الخاصة بأنفدي لم تذهب إلى هناك للتحقيق فيما إذا كانوا يرغبون الانفصال أم لا . واستطرد قائلاً لقد صرح مستر كينياتا في وضوح أن بيان مستر سانديز في نيروبي((هو ملا أحيد عنه قيد أنملة)) وتحدث اللورد ليستول عقب حديث اللورد ليتون قائلاً ((ما من أحد يستطيع أن ينكر أن اللورد ليتون محق للغاية في قوله بأن الصوماليين شعب واحد يجمعهم دين واحد مشترك ولغة مشتركة وطريقة حياة مشتركة ويميزون من الناحية العنصرية- إذ أنهم من الجنس الحامي- عن جيرانهم من البانتو والنيلوتي، وهذه المميزات التقليدية للصوماليين تجعهلم أحق بالمطالبة بتقرير المصير من عديد من القبائل الإفريقية التي تقسمها الحدود بين دول أفريقية مختلفة، ولست أعتقد أن مطلبهم هذا يمكن رفضه على أساس أنهم ينادون بنفس المطالب التي تنادي بها القبائل المنقسمة في اجزاء أخرى من أفريقيا)). ثم أخذ اللورد ليستول يلقي المسئولية على عاتق الحكومة البريطانية ويطالبها بتغيير موقفها من تصريح مستر سانديز، ومنح شعب أنفدي حقه بشأن مستقبل كينيا ومن أجل السلام في شرق أفريقيا. ثم قال ((إنني على يقين من ان البرلمان لن يصفح عن أي حكومة بريطانية تتجنب اتخاذ قرار له مثل هذه الأهمية الخطيرة بشأن مستقبل كينيا، ومن أجل السلام في إفريقيا وذلك باتباع أي وسيلة من وسائل التأجيل. إننا نطالب الحكومة بأن تحسم الأمر قبل أن تصبح كينيا مستقلة، إذ أن هذه هى اللحظة الوحيدة الممكنة لاتخاذ قرار، وأن اتباع سياسة التردد سوف تكون أكبر سياسة جالبة للكوارث، وما من شك في أنها سوف تؤدي بكينيا إلى إراقة الدماء والعنف)). وقال اللورد هنتجون بعد ذلك : (( أننا ما لم نجر تغييراً في السياسة، واتخاذ بضع خطوات جديدة، فإن النتائج قد تكون بالغة الخطورة لا بالنسبة لهذا الجزء من أفريقيا فحسب بل بالنسبة لأنفسنا والأجزاء الأخرى من العالم)). وبريطانيا التي خلقت المشكلة لم تفكر في حل لها إلى الآن رغم اعتراضات البرلمانيين البريطانيين والرأي العام العالمي والإفريقي بصفة خاصة، وإنما لجأت إلى حيل أخرى لكي تتخلى عن مسئوليتها في أنفدي فدعت إلى تكوين لجنة للمفاوضات في 15 أغسطس 1963 بمدينة روما، غير أن الحكومة البريطانية لم تتقدم بمقترحات واضحة تتعلق بحق، تقرير المصير لشعب أنفدي، ورفضت حكومة الصومال إجراء المباحثات أساساً مع الوفد الكيني، وطلبت من بريطانيا تقديم اقتراحات عملية تكون أساساً للمناقشة غير أن بريطانيا تركت المسألة كأن الموضوع لا يعنيها، وإنما هى مسألة تخص كينيا وحدها مما ادى إلى توقف المحادثات، وأصدر الوفد الصومالي بياناً في روما حمل فيه بريطانيا مسئولية فشل المحادثات، وصرحت الحكومة الصومالية في بيان لها أن بريطانيا ترغب بألا ينقادوا لألاعيب البريطانيين كما وضعت مسئولية توقف المباحثات على عاتق الحكومة البريطانية. واستمرت المفاوضات بين الصومال وكينيا عن طريق منظمة الوحدة الإفريقية في دار السلام وفي نيروبي والقاهرة حتى 16 يوليو 1964 ولم تنته إلى قرارات عملية. رأي دكتور ى.م.لويس عن أزمة أنفدي : (( عقب التقرير الذي قدمته لجنة إقليم الحدود الشمالية، ذلك التقرير الذي أبرز الاجماع والقوة اللتين تتميز بهما رغبة الصوماليين للانفصال عن كينيا. عقب هذا التقرير فإن القرار البريطاني الأخير لانشاتء منطقة صومالية شابعة في كينيا، رغم أنه أدخل السرور في نفس كانو وكادو و أثيوبيا يعتبر حلاً غير موفق على الإطلاق، والواقع أنه في نظر الصوماليين يكاد يعتبر عملاً عدائياً، إذ تفوح منه رائحة التقليد القديم لعدم الاكتراث الذي كان يبديه البريطانيون للمصالح الصومالية ممثلاً في ترك (الأوجادين) لأثيوبيا عام 1954 بمقتضى المعاهدة الانجليزية الأثيوبية المبرمة عام 1897 ، وهى معاهدة غامضة التعبير وتشكل تحدياً لمعاهدات الحماية الانجليزية الصومالية السابقة. وقد تعلق السياسة البريطانية في أفريقيا أهمية ضئيلة للقوات الطبيعية الصومالية ولكن الحقيقة مهما كانت مرة المذاق في لندن ونيروبي وأديس بابا، وهى ان استمرار تقسيم الصومال لا يعمل شيئاً سوى تعزيز الاضطراب وعدم الاستقرار في الشرق الإفريقي، وقد يكون له دلالات واسعة خطيرة ذلك أنه حتى الأن تتبع الجمهورية الصومالية سياسة عدم الانحياز وتتمتع بعلاقات ممتازة مع الغرب ولايمكن افتراض استمرار هذه الحالة، ومن المحتمل جداً أن جمهورية الصين الشعبية والتي لها مصالبح في الجمهورية الصومالية سوف تستفيد من الموقف الناجم عن يأس الصومال)) أصدرت الحكومة الصومالية الكتاب الأبيض حول أنفدي. في 12 ديسمبر 1964 أي نفس اليوم الذي أعلنت فيه الجمهورية في كينيا وقد جاء فيه: أن التعديلات التي أدخلت على دستور كينيا، والتي سيسري مفعولها في وقت قصير قد أصبحت مثار قلق للجمهورية الصومالية فإلى حد ما هذه التعديلات سوف تتجه إلى حرمان سكان(أنفدي) الصوماليين من حقهم في تقرير المصير. ويمكن اعتبار هذه المسألة على أنها جزء من المحاولات المستمرة لعرقلة التمتع بحق تقرير المصير لشعب الصومال في هذه المقاطعة، وقد بدأها الانجليز في كينيا، وتلاها تقديم الاقتراحات لمنح الاستقلال إلى أنفدي، والتي لا زالت للأسف الشديد قائمة لدى حكومة كينيا المستقلة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حقيقة الوضع في أنفدي

أن منطقة الحدود الشمالية ( أنفدي ) كانت أقدم وحدة إدارية و أفضلها إنسجاماً منكينيا البريطانية، فلقد كانت لها إدارة منفصلة قائمة بذاتها منذ عام 1924، و كانت تعتبر ( منطقة مغلقة ) فلا يسمح بالدخول إليها من كينيا إلا بترخيص خاص.

و في خلال الفترة الإنتقالية من الحكم الإستعماري البريطاني الي الإستقلال كان سكان ( أنفدي ) الصوماليين يأملون أن يشملهم هذا الإستقلال أيضا، وفقا لحق تقرير المصير الذي تمتع به السكان الآخرون في كينيا، غير استقلال الشعب الصومالي في ( أنفدي ) يعني إنضمامهم الي إخوانهم الصوماليين و ليس مع كينيا الستقلة. و لقد كانت مطالبهم السياسية تدور حول تحقيق أمانيهم في تقريرالمصير و كان ذلك يمثل خطراً في عهد الإنجليزي. إذ كان حزب وحدة الشباب الصومالي منذ عام 1948 حتي عام 1960 يعتبر خارجاً عن القانون في نظرهم.

و على أي حال، أن الحكومة البريطانية لم تكن، عندما عقد الؤتمر الدستوري لكينيا ابتداء من شهر فبراير حتي شهر إبريل من سنة 1962، قد استقبلت وفداً يمثل (أنفدي ) للتعبير بوضوح عن رغبة أهالي ( أنفدي ) نفسها فيما يتعلق بمعارضتهم للإنضمام الي كينيا المستقلة فحسب، بل أنها كانت تري أنه: من الضروري اجراء استفتاء للتأكد من رغبة سكان المنطقة فيما يتعلق بمستقبلها. وأن حكومة صاحبة الجلالة ستتخذ قراراً قبل سريان مفعول دستور كينيا الجديد (الفقرة 26 من الأمر رقم 1700).

و قد كانت نتائج هذا التحقيق بينة، فقد تقدمت اللجنة الخاصة بقضية (أنفدي ) التي شكلتها الحكومة البريطانية بتقريرها يوم 7 ديسمبر عام 1962، و أثبت بأن 86% من سكان (أنفدي) يرغبون في الإنفصال عن كينيا و الإنضمام الي الجمهورية الصومالية. و نتيجة لذلك فقد حدث أمران غير منتظرين: ( أ ) تجاهلت الحكومة البريطانية طلب الجمهورية الصومالية ذلك الطلب الذي يستند على حق الشعوب في تقرير مصيره، بخصوص عقد مؤتمر لنقل منطقة (أنفدي ) الي الصومال. و في الواقع فإن الحكومة البريطانية كانت قد رفضت أن تنفذ القرار الذي تعهدت به، و تجاهلت النتائج التي توصلت اليها اللجنة الخاصة ب(أنفدي ) و عمدت الي تسليمها الي كينيا.

(ب) و قررت الحكومة البريطانية وضع حدود إقليمية جديدة على أساس تقرير لجنة الحدود الإقليمية في شهر نوفمبر سنة 1962، و قامت بتفكيك وحدة (أنفدي ) بتقسيمها الي مقاطعتين شرقية و ساحلية.

إن هاتين المفاجأتين التين قامت بهما بريطانيا، كانتا موضوع معارضة من جانب الجمهورية الصومالية، مما أدي الي قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لأن الجمهورية الصومالية كانت تري أن هذه الأعمال كانت مدبرة من أجل حرمان أهالي (أنفدي ) الصوماليين من حقهم في تقرير المصير، وقد أكدت الحكومة الصومالية آنذال و استمرت في إعلانها لذلك فيما بعد، أن أي تقسيم آخر للحدود الإقليمية سوف لا يغير من رأي السكان فيما يختص بمطالبتهم بحقهم في تقرير المصير.

و في الحقيقة أن التقسيم الإقليمي المدبر من جانب الحكومة البريطانية عام 1962 لم ينفذ قط، و انما أنشئت بدلاً منه مقاطعة الشمالي الشرقي.

و نظراً إلي أنها لا تنطبق على ( أنفدي ) السابقة، فإن الجمهورية الصومالية كانت قد أعلنت بوضوح بأن الذي يهمها هو الإقليم السابق الخالي من أي تسمية جديدة أو تخطيط جديد للحدود.

و على كل فإنه بناء على النظام الإقليمي المنصوص عليه بالدستور الجديد لكينيا، فإن سكان المنطقة المذكورة، ( الصوماليين) كانت لهم بعض الإمكانيات ليحصلوا على تمثيل جزئي و ينالوا شيئاًمن الحماية، إن إنشاء مجالس إقليمية لها الحق في إصدار قوانين و القيام بإشراف ما على المالية و على الخدمات الإقليمية العامة، اتاح للمناطق المتنازع حولها أن تحتفظ الي حد ما بكيان مستقل.

ومن الواضح أن الحكومة البريطانية كانت لا زالت لديها نية في أن تصر على أن تستمر المنطقة في تمتعها بنوع من الإستقلال الذاتي.

و قد صرح وزير الدولة لشئون المستعمرات في شهر أكتوبر من عام 1963 خلال الدورة العامة لمؤتمر الإستقلال،قائلاً: أنني أري أيضا بأنه من الصواب أن تنهي مسألة الكيان الإقليمي بحيث لا تكون عرضة للتعديل ( الفقرة 25 من الأمر رقم 2156)، ( انظر التدابير الخاصة بالحدود الإقليمية و تشكيل المجالس الإقليمية).

و بالتالي، فإنه لم تدرج بالدستور الجديد أحكام تكفل أن الإجراءات الخاصة بالأقليم لايمكن تغيرها بسهولة، بل لقد طلب من السيد كينياتا ضمانات خاصة عبر عنها بما يلي:

( أننا لا ننوي تحبيذ إدخال تعديلات أخري على الدستور في المستقبل ما لم تثبت التجارب ضرورة ذلك) ( خطاب بعث به السيد كينياتا الي السيد ساندير بتاريخ 19 أكتوبر سنة 1963 – الملحق 3 من الأمر رقم 2151).

( أننا نعتزم نقل جميع المصالح و الدوائر المعنية ( بإستسناء مصلحة التربية و التعليم ) الي السلطات الإقليمية. إن جميع الموظفين المسئولين عن الخدمات الإقليمية سينقلون الي السلطات الإقليمية بمجرد أن تنقل الدوائر التابعة لهم ( خطاب من السيد سانديز بتاريخ 19 أكتوبر عام 1963 – الملحق ج من الأمر 2156).


كانت هذه هي الوعود التي كررت في شهر أكتوبر 1964، و بعد مضي سنة، أو في أكتوبر من سنة 1964، تقدم السيد كينياتا بمشروع قانون لتعديل الدستور يجعل من الإستقلال الذاتي الإقليمي أثرأً بعد عين بما في ذلك الإقليم الخاص بالصوماليين في (أنفدي ) و ذلك بإستعاب المقاطعات التي يقطنونها.

التعديلات الدستورية المتوقعة في كينيا

(أ‌)إلغاء السلطات المخولة للأقليم: أن الغرض من التعديلات الدستورية هو الإحتفاظ ب ( القشور ) فقط من النظام الإقليمي مع القضاء على جوهرة. أن الفقرة من الدستور التي تنص على أسناد السلطات الي الإقليم قد الغيت، كما ألغيت أيضا مراقبة البوليس للإقليم، و حذفت القائمة المتضمنة للنواحي الموضوعة تحت السلطة المطلقة للإقليم، و قد تقرر أن أي قانون سلر أصدره أحد المجالس الإقليمية يجوز للرئيس إلغاؤه، اذا كان يتعارض مع السلطات الجديدة الخاصة بالشئون الإقليمية المخولة لبرلمان كينيا ، و أخيراً فقد تقرر أن توضع جميع الممتلكات الحكومية تحت نفوذ الحكومة المركزية لا المجالس الإقليمية. و بهذه الطريقة تنزع من المجالس الإقليمية و الهيئات التابعة لها أي حرية للعمل. فهي تصبح عبارة عن شيء صوري مآله الي الزوال بدون شك.

(ب‌)القضاء على المعارضة السياسية: أن المظهر الثاني للتعديلات الدستورية الذي يستحق الذكر، هو إلغاء أحزاب المعارضة، و تأليف حكومة من حزب واحد. فقد أنحل حزب (كادو )المعارض الذي قام في عام 1964 بالدفاع عن المصالح الإقليمية ضد الحكومة المركزية، و ليس هناك من الآن فصاعدا حزب يعارض حزب الحكومة (كانو ) و كون أن التعديلات سيكون لها أثر على الأماني السياسية لأهالي (أنفدي ) الصوماليين أمر واضح، و ليس القضاء على امكانية تمتعه بنوع من الإستقلال الذاتي تجاه الحكومة المركزية فحسب، بل أن أمانيهم السياسية ستعتبر من الآن فصاعداً جريمة، و أن أي محاولة تبدل لتأسيس حزب سياسي يمكهم من طريق التعبير عن هذه الأراء يعتبر جريمة أيضا.

ففي المقاطعة الشمالية – الشرقية التي تشمل (أنفدي ) سابقا، بدأ العمل بالتدابير القانونية التي تسمح باعتقال أي شخص أن كان يعتقد أن هذه الإجراءات ضرورية لصيانة النظام العام. و قد وصف هذا الإجراء بأنه (للطواريء) بمقتضي الأحكام الدستورية الجديدة. كما أن أي محاولة يقوم بها أهالي (أنفدي ) الصوماليون للتعبير عن أمانيهم في تقرير المصير، تعد جريمة، و أن الأجراء لا يعتبر مؤقتا أو (للطواريء).

أثر التعديلات الدستورية في النزاع القائم بين الصومال و كينيا أن النزاع المتعلق بمستقل (أنفدي) كان قد سبق استقلال كينيا بكثير. فقد اعترفت الحكومة البريطانية بأهمية تلك المنطقة الحيوية بالنسبة للجمهورية الصومالية في المستقبل، و قد تعهدت باستشارة الجمهورية الصومالية نفسها قبل إتخاذ قرارات نهائية في هذا الشأن. و لم يقتصر هذا الأعتراف على الحكومة البريطانية وحدها، ففي سنة 1963 عندما عقد مؤتمر روما الذي كان يجب أن يضم إنجلترا و الجمهورية الصومالية، كان أعضاء الوفد الكيني من بين أعضاء الوفد البريطاني – وليس ممثلو لندن – هم الذين تقدموا بالإقتراحات التالية: 1 – يجب أولاً و قبل كل شيء النظر بعين الأعتبار الي رفاهية سكان المقاطعة الشمالية الشرقية. (أ) إن حكومة كينيا تعترف بمصلحة الصومال في مستقبل السكان الذين هم من أصل صومالي و يقيمون في كينيا. (ب) ستجتمع حكومة الصومال و حكومة كينيا في موعد سيحدد بمجرد أن يكون ذلك في الإمكان مع إعتبار الإتصالات التي سبق لها أن تمت. (ج) في حالة ما إذا لم تسمح هذه الإجتماعات بالتوصل الي اتفاق، ستوافق حكومة كينيا على أن يكون للحكومة الصومالية الحرية في عرض القضية على الدول الأفريقية، وفقا لما ينص عليه مشروع قرار و لذلك فإنه من غير الممكن أن تؤكد كينيا أن التعديلات التي أدخلت على دستورها مسألة داخلية محضة لا تخص الجمهورية الصومالية على الأطلاق.

بينما يتضح من أن أي تعديل في الدستور يكون له أثره على سكان (أنفدي ) الصوماليين، ليس مجرد مسألة داخلية، بل إنها مسألة تتصل اتصالاً مباشراً بمصالح الجمهورية الصومالية، و لها صبغة دولية كلفية تبيح لها أن تطلب عرضها على على منظمة دولية كمنظمة الوحدة الإفريقية، الأمر الذي قبل دون مناقشة. و يلاحظ بهذه المناسبة أن التعديلات تهدف الي حرمان الأهالي الصوماليين المعنيين بالأمر من حقهم في تقرير المصير، على أي حال، فحتي بدون اعتبار الأعتراف المذكور بمصالح الجمهورية الصومالية، فإنه من الواضح وفقاً للقانون الدولي، أنه لا يجوز أن تقوم بأصدار قوانين، أو أن تعدل دستورها بحيث تمنع عن شعب حقه في تقرير مصيره. إن هذا الحق المعترف به للشعب يفرض على جميع الدول –بما في ذلك كينيا – واجبات معينة لا يمكنها أن تتجاهلها فتنكر على الشعوب حقها في تقرير مصيرها، و تعلن أن هذه القضايا داخلية محضة. هذه هي الموضوعات التي تتشبث بها جنوب أفريقيا و روديسيا الجنوبية و المستعمرون حيثما وجدوا، و التي لا مفعول لها لإن دولة أفريقية تناهضها. سواء كانت هيئة الأمم المتحدة أم منظمة الوحدة الأفريقية، فإنهما تستطيعان حل هذه القضايا نهائيا.

و هناك نقطة أخري يجب أخذها بعين الأعتبار أيضا، و هو أن النزاع القائم بشأن (أنفدي) بالرغم من أنه اعترفت به منظمة الوحدة الأفريقية رسميا، فقد حملها على أن تتشاور مع الطرفين لمحاولة التوصيل الي إتفاق، إن مشروعات القرارات التي إتخذها مجلس الوزارء لمنظمة الوحدة الأفريقية بدار السلام و لاغوس في شهر فبراير من عام 1964، كانت تعترف بوضوح بالصيغة الدولية للنزاع القائم بين البلدين اللذين عليهما أن يلتزما بتطبيق مدلول الفقرة الرابعة من المادة (111) من ميثاق منظمة الوحد الأفريقية، و هو التوصل الي حل سلمي، و في الواقع أن الطرفين قد استجابا لنداء مجلس الوزراء و وفقا على استئناف المفاوضات. إن إحد المباديء الأساسية للقانون الدولي ينص على أنه في حالة ما إذا كان هناك نزاع قائم بين بعض الدول و قبل السعي الي إيجاد حل سلمي فإنهما مطالبان بعدم القيام بأي عمل يمكن أن يلحق الضرر بموقف أحد الطرفين المتنازعين في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات، و في الحقيقة أن هذا المبدأ تدعمه الفقرة الأخيرة من مشروع قرار لاغوس الذي يدعو فيه مجلس الوزراء: ( الطرفين الي عدم القيام بأي عمل يمكن أن يؤدي الي تدهور الموقف، أو أن يعرض إمكانية التوصل الي إتفاق سلمي أخوي الي الخطر ).

موقف الجمهورية الصومالية إزاء تعديلات كينيا الدستورية: (1)أن هذه التعديلات ستؤدي حتما – بسبب ما تتضمنه بخصوص الأقليم المعروف سابقاً ب( أنفدي)- و الي التعدي على حق أهالي تلك المنطقة (الصوماليين) في تقرير مصيرهم. (2)و عليه فإن هذه التعديلات وأي إجراءات أخري مماثلة، تكون متعارضة مع أحكام القانون الدولي، و هي تتعارض بنوع خاص مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة و ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية، و تتعارض أيضا مع رفاهية سكان المنطقة التي كان الوفد الكيني في روما قد ميزها عن أي إعتبار آخر، و تتناقض كذلك مع الأتفاق الإلزامي وفقا لمدلول القانون الدولي، و بصورة خاصة فيما يتعلق بمشروع القرار الذي أتخذه مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية، بخصوص الإمتناع عن: ( أي عمل يمكن أن يؤدي الي تدهور الموقف و أن يعرض إمكانية التوصل الي إتفاق سلمي و أخوي الي الخطر ). بل و أكثر من ذلك حقوق الطرفين المتنازعين. (3)إن الجمهورية الصومالية تشعر بأنه من مصلحتها و واجبها أن تعارض أي إجراء يمكن أن يضر بحق أهالي (أنفدي ) سابقا، (الصوماليون) في تقرير مصيرهم و قد إعترفت كينيا نفسها بهذه المصلحة. (4)أن الجمهورية الصومالية تسعي بكل وسيلة سلمية للتوصل الي حل للنزاع القائم مع كينيا، غير أنها ستقوم بذلك في حالة ما إذا إعترفت هذه الأخيرة بحق تقرير المصير و تمتنع عن أي تغيرات قانونية و سياسية و دستورية من أي نوع كانت في كينيا، و التي يمكن أن تضر بهذا الحق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

المصادر

سالم, حمدي السيد (1965). الصومال قديماً وحديثاً. القاهرة، مصر: الدار القومية للطباعة والنشر. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)