أخبار:هولندا تعترف باستقلال إندونيسيا في 1945، بدون تحمل التبعات

رئيس الوزراء الهولندي مارك روته (يسار) مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في جاكرتا في عام 2019.
رئيس الوزراء الهولندي مارك روته (يسار) مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في جاكرتا 2019.

في 14 يونيو 2023 قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته إن هولندا "تعترف بالكامل ودون تحفظ" بأن إندونيسيا أصبحت مستقلة في 17 أغسطس 1945. وقال روتي خلال اجتماع برلماني في لاهاي: "نحن نرى الإعلان باعتباره حقيقة تاريخية"، مضيفاً أنه "سيتشاور" مع الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو حول كيفية "التوصل إلى تحقيق مشترك ليوم الاستقلال هذا". فيما صرح الرئيس الإندونيسي بعدها بأن الاعتراف "شيء جيد" لكنه سيستشير وزير الخارجية حول تأثيره المحتمل. ويُنظر لتصريحات رئيس الوزراء الهولندي على أنها "إهانة كبيرة" لإندونيسيا، التي تسعى بنشاط للحصول على تعويض من الهولنديين عن حملاتهم العسكرية ضدها.

ففي 17 أغسطس 1945 أعلن أحمد سوكارنو، أول رئيس لإندونيسيا، استقلال البلاد، لكن الهولنديين حاولوا استعادة المستعمرة من خلال عملية دبلوماسية وحرب عسكرية استمرت أربع سنوات من 1945 إلى 1949، وهي الفترة المعروفة في إندونيسيا ب"الحرب الثورية"، فيما أطلقت عليها هولندا Bersiap (وتعني الاستعداد بالاندونيسية).

بعدها، أقر الهولنديون باستقلال إندونيسيا في 27 ديسمبر 1949 في معاهدة اتفاقية لاهاي 1949.

سوكارنو، زعيم الحزب الوطني الإندونيسي، يلقي كلمة أمام حشد في ماكاسار في يناير 1940، للمطالبة بالاستقلال عن هولندا
سوكارنو، زعيم الحزب الوطني الإندونيسي، يلقي كلمة أمام حشد في ماكاسار في يناير 1940، للمطالبة بالاستقلال عن هولندا.

وبعد تصريحات روته، سارعت السلطات الهولندية في تجنب العواقب القانونية التي قد تنجم عن بيانه. إذ صرح روته بعدها إن اعترافه "لن يغير أي أسس قانونية قائمة"، بينما قال المتحدث باسمه إن لاهاي ستستمر في الاعتراف بعام 1949 باعتباره عام استقلال إندونيسيا، إذ تم نقل السيادة في عام 1949، ولا يمكن تغيير ذلك. ولم يرقى تصريح روته إلى حد الاعتراف القانوني، باعتباره يتجنب مسؤولية هولندا عن إعادة التعويضات التي قدمتها إندونيسيا خلال الحرب الثورية.

يُذكر أن اتفاقية لاهاي 1949، ألزمت إندونيسيا بدفع 4.5 مليار گلدر مقابل خسائر هولندا في الحرب، وسددت جاكرتا المبلغ بالكامل في 2003.

وقالت المؤرخة الأندونيسية بوني تريانا إن تصريح روته "غير اللائق"، ويعني أن هولندا "تتجنب المسؤولية عن إعادة الأموال التي دفعناها مقابل تعويضات الحرب، فضلاً عن وصفنا بمجرمي الحرب لأنهم ظلوا يعاملون إندونيسيا على أنها مستعمرتهم حتى عام 1949".

وأضافت بوني إن الاعتراف بتاريخ 17 أغسطس 1945 ربما يعني أن هولندا غزت دولة ذات سيادة عندما شنت هجمات عسكرية في عامي 1947 و1948. وأشارت لأن الأمم المتحدة تبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948، أي قبل تسعة أيام من الهجوم الهولندي الثاني على إندونيسيا، "ما يعني أن العدوان هو انتهاك لحقوق الإنسان، وليس للعدالة تاريخ انتهاء".

يُذكر أن بوني أن تصريح روته ليست جديدة، حيث قال وزير الخارجية الهولندي السابق برنارد رودولف بوت في عام 2005 بإن لاهاي قبلت "بالمعنى السياسي والأخلاقي" أن إندونيسيا أصبحت مستقلة في عام 1945.

وانتقد وزير الخارجية الإندونيسي السابق حسن ويراجودا بيان روته ووصفه بأنه "غير صادق". وقال "البيان الذي يعترف بالاستقلال، مصحوباً بتوصيفات عدة، مؤداها إنكار البيان نفسه في نهاية المطاف." وأضاف أن البيان جاء "بعد فوات الأوان" مقارنة باعتذار دول غربية أخرى لمستعمراتها السابقة مثل بريطانيا وبلجيكا وألمانيا.

سفينة لهولنديين تغادر جاكرتا في الخمسينيات
سفينة لهولنديين تغادر جاكرتا في الخمسينيات

خطاب روته، كان أمام مجلس النواب بالبرلمان الهولندي، والذي اجتمع لمناقشة التحقيق في الحرب الثورية في إندونيسيا في الأربعينيات من القرن الماضي بعد أن صدرت بالعام الماضي دراسة وجدت أن الجيش الهولندي استخدم بشكل منهجي "العنف الشديد" ضد الإندونيسيين خلال تلك الفترة.

ووجدت الدراسة التي استمرت ست سنوات، وأجراها فريق من 115 باحثاً من هولندا وإندونيسيا، أن الهولنديين نفذوا "إعدامات خارج نطاق القضاء، وسوء معاملة وتعذيب، واحتجاز في ظروف غير إنسانية".

وقاومت السلطات الهولندية، دعوات بعض الأحزاب السياسية لتصنيف العنف على أنه "جرائم حرب". وأعتبر أجوس سوينيو، المؤرخ الأندونيسي، أن هولندا اختارت تصنيف أعمالها في إندونيسيا على أنها "عنف شديد"، من منطلق مراعاة قدامى المحاربين الهولنديين الذين شاركوا في الحروب. وقالت وزيرة الدفاع الهولندية كايسا أولونگرن إن معظم المحاربين القدامى "ليسوا مسؤولين" عن أعمال العنف.

وفي حال اعتماد التصريح بأن 17 أغسطس 1945 هو يوم الاستقلال الرسمي لإندونيسيا، فإن جميع الأعمال التي قام بها الجيش الهولندي بعد ذلك حتى 27 ديسمبر 1949 تعتبر عدواناً على أراضي دولة ذات سيادة.


وتشعر الأجيال الجديدة من الهولنديين، الذين لا يرتبطون بالفترة الاستعمارية بعدم الارتياح عند دخولهم المتاحف، وقراءة الكتب التي تنص على أن الهولنديين في ذلك الوقت استعادوا مستعمراتهم، وجلبوا مجموعات كبيرة من الغنائم من جزر الهند الشرقية الهولندية وعرضوها في هولندا المتاحف كممتلكاتهم. ولا يتوقع أن يكون الضغط الشعبي كافياً لإجبار هولندا على تحمل المسؤولية القانونية عن الحملات العسكرية لإندونيسيا، إذ ستطالب جاكرتا بالتعويض عن "القتل الجماعي" خلال الحرب التي استمرت أربع سنوات.

وعلى مدى سبعة أشهر التي أعقبت الهجوم الهولندي الثاني في ديسمبر 1948، قُتل ما لا يقل عن 46 ألف مقاتل إندونيسي، ومن الجانب الهولندي قتل حوالي 5300 ضحية، من بينهم العديد من الإندونيسيين الموالين للتاج الهولندي.[1]


انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "Indonesian critics ask: what use is Dutch recognition of 1945 independence without reparations?". صحيفة جنوب الصين الصباحية.