أخبار:لماذا لا تعاقب أمريكا البنوك الهندية لدعمها روسيا؟

الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتن ورئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي.

طبيعة العلاقات الهندية-الروسية

صواريخ إس-400

ترتبط الهند وروسيا بعلاقات دفاعية قوية، رغم سعي الهند لتنويع مشترياتها الدفاعية خارج روسيا، من دول مثل إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما، لكن ما يزيد على 60% من الأسلحة الهندية يأتي من روسيا، مما يعني أن الهند بحاجة إلى الاستمرار في الحصول على قطع الغيار من موسكو. لا شك في أن العلاقة بين الهند وروسيا قد تعرضت لضغوط، حيث أصبحت نيودلهي أقرب إلى واشنطن، وسط مخاوف متبادلة بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك صعود الصين. لقد تعمّقت علاقاتهما خلال العقد الماضي وهما اليوم شركاء إلى جانب اليابان وأستراليا في منتدى الأمن الرباعي.[1]

وبدورها، أصبحت روسيا أقرب إلى الصين وپاكستان حتى مع تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة والغرب. لكن التطورات في أفغانستان، حيث أدى انسحاب القوات الأمريكية إلى عودة طالبان إلى السلطة، أفضت إلى زيادة مشاركة نيودلهي السياسية مع موسكو في الوقت الذي تسعى فيه الهند للوصول إلى آسيا الوسطى.

وما من شك في أن الهند تحاول الحفاظ على توازن دقيق بين روسيا والولايات المتحدة، فالانحياز إلى جانب في نزاع أوكرانيا لن يؤدي إلا إلى مشاكل للهند، خاصةً أنه لا توجد لديها مصالح مباشرة في أوكرانيا. كانت هناك أيضاً تقارير تفيد بأن روسيا عملت بهدوء خلف الكواليس لنزع فتيل التوترات بين الهند والصين عقب المواجهات الحدودية عام 2020. ونتيجة لذلك، كان رئيس الوزراء نارندرا مودي من بين عدد قليل من قادة العالم الذين تحدثوا هاتفيا مع الرئيس پوتن في خضم الأزمة الأوكرانية. وناشد مودي الرئيسَ پوتن من أجل الوقف الفوري للأعمال العسكرية وطالب جميع الأطراف بالعودة إلى المفاوضات الدبلوماسية والحوار.

وتأتي أزمة أوكرانيا أيضاً في وقت كانت فيه الهند في سبيلها للحصول على خمسة أنظمة صواريخ دفاع جوي من طراز تريامف إس-400 من روسيا، وتحتاج إلى استثناء من الولايات المتحدة التي فرضت بالفعل عقوبات على تركيا بموجب قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA) لحيازتها نفس الصواريخ (إس-400) من روسيا. وقد بدأت موسكو بالفعل تسليم الصواريخ إلى نيودلهي، وهو ما يُنظر إليه على أنه عنصر مهم للاستعداد الدفاعي للهند التي لديها حدود غير مستقرة مع كل من پاكستان والصين. إن روسيا والهند حليفتان منذ فترة الحرب الباردة، وطالما شكّل التعاون الدفاعي حجر الأساس في علاقتهما.

في الوقت نفسه تحدث مودي أيضاً إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي معرباً عن «استعداده للمساهمة بأي شكل من الأشكال في جهود السلام». وبالنسبة للهند، كلّما تم حل هذه الأزمة بشكل أسرع، كان ذلك أفضل، لا سيما بسبب مخاوفها من أن تركيز الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين قد يتحول من منطقة المحيطين الهندي والهادئ وبحر الصين إلى أزمة في أوروبا بسبب الخلاف حول انضمام أوكرانيا إلى «الناتو». ومع ذلك فمن الواضح أن الولايات المتحدة وحلفائها في «الناتو» سيتجنبون الانغماس في نزاع مسلح مباشر في أوكرانيا. وبينما قام الاتحاد الأوروبي بفرض بعض عقوبات بما في ذلك إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الروسية، فإن قلق نيودلهي الأكبر هو من أن لا تحصل من واشنطن على استثناء فيما يتعلق بالنظام الصاروخي «تريومف»، ومن أن فرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط. وعلى الرغم من أن المندوبَين الروسي والأوكراني قد اتفقَا على الاجتماع لمناقشة وحل النزاع، فإن الحل المبكر لهذه الأزمة يبدو بعيد المنال. ومن الواضح أن موسكو عازمة على إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح بين روسيا والدول الأعضاء في الناتو. لكن ليس هناك شك في أن الحل السلمي هو أفضل طريقة للمضي قدماً لإنهاء أزمة بهذا الحجم.

النفط الروسي

في 19 مارس 2022، دافع مسؤولون في الحكومة الهندية عن قرار شراء النفط الروسي، قائلين إن الدول الأوروپية تواصل شراء المحروقات من موسكو وأن أسعار الخام المرتفعة لم تترك لنيودلهي خيارات واسعة. اشترت مصافي النفط الهندية في الأيام الأخيرة عدة ملايين من البراميل من النفط الروسي بسعر مخفض، وفق تقارير صحافية. ووفق الصحافة المحلية، وضعت نيودلهي آلية تعامل بالروبية والروبل لتمويل واردات النفط خصوصاً، تجنبا لإجراء التبادلات بالدولار الأمريكي.[2]

وأفاد مسؤولون في الحكومة الهندية وكالة فرانس پرس بأن الهند تستورد ما يقرب من 85 بالمئة من احتياجاتها من النفط الخام، ولا يمثل النفط الروسي سوى حصة "هامشية" تقل عن الواحد بالمئة. والهند هي ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم.

قال أحد المسؤولين طالباً عدم الكشف عن هويته "لقد شكلت التطورات الجيوسياسية تحديات كبيرة لأمن الطاقة لدينا. لأسباب واضحة، اضطررنا إلى التوقف عن التزود من إيران وفنزويلا، والمصادر البديلة ذات تكلفة أعلى في الغالب". وتابع أن "الارتفاع الحاد في أسعار النفط بعد اندلاع النزاع في أوكرانيا يفاقم الأمر. يجب أن تواصل الهند التركيز على مصادر طاقة تنافسية". وأضاف أنه "لا يمكن للدول التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي في النفط أو تلك التي تستورد من روسيا أن تدعو بمصداقية إلى فرض قيود تجارية"، في إشارة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية على التوالي.

وكان البيت الأبيض قد قال إنه لا يبدو أن شراء الهند للنفط يشكل انتهاكاً للعقوبات الأمريكية. وقد شهدت أسعار النفط ارتفاعاً حاداً حتى قبل العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ما أثر على المستهلكين الهنود.

في تصريح لوكالة فرانس پرس، اعتبرت ليديا پاول الخبيرة في سياسة الطاقة في مؤسسة أوبزرفر ريسيرش التي تتخذ مقراً في نيودلهي، "نحن دولة فقيرة نسبيا وأسعار النفط مهمة جدا: انتخابيا وسياسيا واجتماعيا وغير ذلك". حضّت الهند روسيا وأوكرانيا على وقف الأعمال العدائية، لكنها لم تدن العمليات الروسية العسكرية في أوكرانيا بشكل صريح. وتربط بين نيودلهي وموسكو علاقات وثيقة منذ الحرب الباردة، ولا تزال روسيا أكبر مورد للأسلحة للهند. إلى جانب النفط والأسلحة، تستورد الهند الأسمدة والماس الخام من روسيا، في حين تصدر لها منتجات صيدلانية والشاي والقهوة.

موقف الهند من الغزو الروسي لأوكرانيا

اتسمت خطوات الهند دبلوماسياً بشأن أوكرانيا بعد الغزو الروسي بالحذر الشديد وكأنها تسير على حبل مشدود، وهي تحاول موازنة علاقاتها مع موسكو والغرب. ولم يذكر بيان دلهي الأول في مجلس الأمن اسم أي دولة بشكل مباشر، لكنه أعرب عن أسفه لعدم الاستجابة لدعوات المجتمع الدولي لمنح الدبلوماسية والحوار فرصة. لكن دلهي مع ذلك لم تصل إلى حد انتقاد روسيا.

وقبل تصويت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار للأمم المتحدة لإدانة الغزو، واجهت الهند دعوات من روسيا، والولايات المتحدة، وأوكرانيا "لفعل الشيء الصحيح". وتمثل ذلك في توجيه أوكرانيا وروسيا نداءات علنية إلى دلهي لاتخاذ موقف واضح. واختارت الهند الامتناع عن التصويت، لكن القراءة المتأنية لبيانها تشير إلى أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، وطلبت بشكل غير مباشر من موسكو احترام القانون الدولي. [3] وقد صوتت الدول الغربية في مجلس الأمن مطالِبةً روسيا بالتوقف عن عمليتها في أوكرانيا وسحب قواتها على الفور، لكن روسيا ردت باستخدام حق النقض ضد صدور قرار من المجلس. وكان سبب امتناع الهند عن التصويت هو أنها ترى بأن عدم الانحياز في هذه القضية يخدم مصالحَها الوطنية، بينما يعني الانحياز لطرف ما مضايقةَ الطرف الآخر في وضع تكون فيه كل من الولايات المتحدة وروسيا تمثلان أهمية للهند ومصالحها الوطنية.

لذا فإن الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن أتاح للهند تجنب الانحياز إلى جانب واحد وتجنب الانجرار إلى أزمة تحدث في أماكن بعيدة. أما التحدي الذي تواجهه الهند، التي ليس لها مصالح مباشرة في أوكرانيا باستثناء إجلاء مواطنيها هناك وغالبيتهم طلابٌ، فهو التأكد من عدم وجود رد فعل للأزمة على علاقاتها مع روسيا، وهي شريك رئيس لها في مجال الدفاع، أو مع الولايات المتحدة التي تعد عنصراً حاسماً لمواجهة الإشكالات المتزايدة مع الصين في المنطقة.

وتحدثت الهند عن أهمية "ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي واحترام سيادة وسلامة أراضي الدول"، مضيفة أن "جميع الدول الأعضاء بحاجة إلى احترام هذه المبادئ في إيجاد طريق بناء للمضي قدما". لكن قرار الهند بالامتناع عن التصويت أثار تساؤلات، خاصة في الغرب، بشأن إن كان ينبغي لأكبر ديمقراطية في العالم أن تتخذ موقفاً أوضح.

يقول الدبلوماسي الهندي السابق جيه إن ميسرا إن الهند "لديها خيارات سيئة وخيارات أسوأ للترجيح بينها". ويضيف: "لا يمكن للمرء أن يميل في كلا الاتجاهين في نفس الوقت. لم تذكر الهند أي دولة، مما يدل على أنها لن تعارض موسكو. وكان على الهند أن تكون بارعة في اختيار جانب وقد فعلت ذلك".

وهناك عدة أسباب وراء سعي الهند لإيجاد توازن دبلوماسي بشأن أوكرانيا. والأكثر أهمية هو العلاقات الدفاعية والدبلوماسية التي أثبتت جدواها بين الهند وروسيا. إذ لا تزال روسيا أكبر مورد للأسلحة للهند، على الرغم من انخفاض حصتها إلى 49% من 70% بسبب قرار الهند تنويع مصادرها وتعزيز التصنيع الدفاعي المحلي.

وتزودها روسيا بمعدات مثل نظام الدفاع الصاروخي إس-400 الذي يمنح الهند ردعاً استراتيجياً حاسماً في مواجهة الصين وباكستان، وهذا هو السبب وراء المضي قدماً في الأمر، على الرغم من تهديدات العقوبات الأمريكية التي تلوح في الأفق. يصعب على دلهي، علاوة على ذلك، التغاضي عن عقود من التعاون الدبلوماسي مع روسيا في العديد من القضايا. فقد استخدمت موسكو حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن كشمير، المتنازع عليها في الماضي، لمساعدة الهند على إبقائها قضية ثنائية. ويبدو أن الهند تتبع في هذا السياق استراتيجيتها الشهيرة المتمثلة في عدم الانحياز وتعزيز الحوار لحل القضايا.

ويقول مايكل كوگلمان، نائب مدير مركز ويلسون للأبحاث، إن موقف الهند ليس مفاجئاً لأنه يتوافق مع استراتيجيتها السابقة. ويضيف أن دلهي "لا تبدو مرتاحة لما يحدث في أوكرانيا، ولكن ليس من المرجح أن تغير موقفها". ويقول: "إنها ببساطة لا تستطيع فعل ذلك في الوقت الحالي بسبب احتياجاتها الدفاعية والجيوسياسية". لكنه يضيف أن دلهي قد اختارت بعض الكلمات القوية في مجلس الأمن الدولي لإظهار عدم ارتياحها للوضع في أوكرانيا. وتواجه الهند مهمة صعبة تتمثل في محاولة إجلاء 20 ألف مواطن، معظمهم من الطلاب، من أوكرانيا.

ويقول الدبلوماسي الهندي السابق أنيل تريگونيات، الذي خدم في موسكو، وفي ليبيا حيث أشرف على إجلاء المواطنين الهنود عندما اندلع الصراع في عام 2011، إن هناك حاجة إلى ضمانات السلامة من جميع الأطراف في النزاع لإدارة عملية إجلاء ناجحة. ويضيف: "لا يمكن للهند أن تتخذ جانباً في مواجهة قد تعرض سلامة مواطنيها للخطر. وهي ترى، علاوة على ذلك، الصورة الشاملة التي تنطوي على إبقاء القنوات مفتوحة مع الجميع". ويعني هذا أن الهند في وضع فريد لأنها واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من واشنطن وموسكو.

وتحدث رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي إلى الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتن، وأجرى وزير الخارجية، سوبرامانيام جايشانكار، محادثات مع مسؤولين في واشنطن. كما أجرى مودي محادثات مع الرئيس الأوكراني، ڤولوديمير زلنسكي. ويقول تريگونيات إن الهند أبلت بلاء حسناً في إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع كلا الجانبين. وأضاف: "لم تنتقد الهند روسيا بشكل مباشر، لكن هذا لا يعني أن الهند تغض الطرف عن معاناة الأوكرانيين. لقد تبنت نهجاً متوازناً. وتحدثت بقوة عن وحدة الأراضي في مجلس الأمن الدولي، وكان من الواضح أنها تهدف إلى تسليط الضوء على محنة أوكرانيا".

لكن إذا استمرت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في فرض عقوبات شديدة على روسيا، فقد تجد الهند صعوبة في مواصلة التعامل مع موسكو. ويبدو أن الولايات المتحدة تتفهم موقف الهند في الوقت الحالي، لكن لا توجد ضمانات بأنها ستستمر في فعل ذلك. وعندما سُئل الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن موقف الهند لم يقدم إجابة محددة. وقال "سنجري مشاورات مع الهند بشأن أوكرانيا. لم نحسم هذا الأمر بشكل كامل".

ولا تزال قضية العقوبات على شراء صواريخ إس-400 تلوح في الأفق. إذ قدم قانون عقوبات في مواجهة أعداء أمريكا في عام 2017 يستهدف روسيا وإيران وكوريا الشمالية بعقوبات اقتصادية وسياسية. كما يحظر على أي دولة توقيع صفقات دفاعية مع هذه الدول. ولم تكن واشنطن قد وعدت بأي تنازل حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا، ويعتقد الخبراء أن القضية يمكن أن تصبح ورقة مساومة بين الهند والولايات المتحدة. ويمكن لموسكو في الوقت نفسه استخدام نقاط الضغط الخاصة بها ومن بينها تعزيز العلاقات مع عدو الهند اللدود باكستان إذا رأت تغييراً في استراتيجية دلهي. وكانت روسيا قد تقبلت علاقات الهند المتنامية مع الولايات المتحدة في العقدين الماضيين، أما أوكرانيا فخط أحمر لا تريد أن تتخطاه دلهي. ويقول كوگلمان إن نقاط التحول هذه لن تتحقق إلا إذا طال الصراع في أوكرانيا، وانتهى الأمر بخلق عالم ثنائي القطب. ويضيف: "دعونا نأمل فقط في ألا يحدث ذلك. ولكن إذا حدث، فإن السياسة الخارجية للهند ستكون أمام اختبار قاس".

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ "الهند بين روسيا وأميركا". جريدة الاتحاد. 2022-03-04. Retrieved 2022-03-24.
  2. ^ "الهند تدافع عن قرارها شراء النفط من روسيا". سكاي نيوز عربية. 2022-03-19. Retrieved 2022-03-24.
  3. ^ "لماذا لا تنتقد الهند غزو روسيا لأوكرانيا؟". بي بي سي. 2022-03-01. Retrieved 2022-03-24.