أبو اسحق الصابئ

إبراهيم بن هلال بن زهرون الحَرّاني الصابئ، يكنى بأبي اسحق، والصابئ نسبة إلى الصابئة، وهي نحلة كان لها أتباع كثيرون في شمالي العراق في العصر العباسي، (313-384 هـ/925-994م) وهو صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع، كان كاتب الإنشاء ببغداد، كتب عن الخليفة وعن عز الدولة بختيار بن بُويِه. وتقلد ديوان الرسائل سنة 349هـ، وكانت تصدر عنه رسائل ومكاتبات إلى عضد الدولة فيما يؤلمه، فحقد عليه، ثم لما آلت السلطة إليه اعتقل الصابئ، فتشفّع قوم به، فأمره أن يصنع كتاباً في أخبار الدولة الديلمية، فعمل كتاب «التاجي» فقيل إن صديقاً له سأله، وهو يسوّده ويبيضه عما يفعل، فقال: «أباطيل أُنمقها، وأكاذيب أُلفقها»، فزاد حقد عضد الدولة عليه، فسجنه عدة سنوات إلى أن تخلص في أيام صمصام الدولة.

كان بينه وبين الصاحب بن عباد مراسلات ومواصلات، ولكن صديقه الحميم، الذي طالت المودة والمراسلة بينهما، هو الشاعر المشهور الشريف الرضي، وخصّه الصابئ بكتاب من مراسلاته سماه «رسائل الصابئ والشريف الرضي» وهي مكاتبات شعرية ونثرية تبادلاها، مجموعة من قصائد قالها الصابئ فرد عليها الشريف وزناً وقافية، ثم ختم الشريف هذه الرسائل بثلاث قصائد رثائية، رثى بها الصابئ، وأما الرسائل النثرية فبعضها كتبها الشريف يعزّي الصابئ نثراً بوفاة ابنه، فرد عليه الصابئ برسالة جوابية. وكان الصابئ يثق بذوق الشريف وبحسن فهمه للشعر، ويستشيره في الشعر الذي يقوله، فقد أعجب الصابئ ببيتين من الشعر قالهما شاعر في كتمان السر، وهما:

وما السرّ في صدري كَميتٍ بقبره      لأني رأيت الميت ينتظر النشرا
ولكنني أخفيه حتى كأنني بما كان منه لم أحط ساعة خُبرا

فقال خمس مقطعات في هذا المعنى، عرضها على الشريف الرضي فاستحسنها جميعاً، ويحُكى أن الخلفاء والملوك والوزراء أرادوه كثيراً على الإسلام، وطلبوا منه أن يترك ملّته الصابئة فلم يقبل، حتى إنّ عز الدولة بختيار عرض عليه الوزارة إن أسلم، فلم يهده الله للإسلام كما هداه لمحاسن الكلام، وكان يعاشر المسلمين أحسن معاشرة ويساعدهم على صيام رمضان، ويحفظ القرآن الكريم حفظاً جعله يدور على لسانه وقلمه في المحاورات والمكاتبات، ولكنه ظل من نُساك الصابئة المتشددين في ديانتهم، وقيل إن عز الدولة البويهي بذل له ألف دينار على أن يأكل الفول فلم يفعل ـ والصابئة يحرّمون أكل الفول والحمام ـ ولكنه، مع ذلك كله، كان سليم الذوق، كريم الطبع.

وخير من وصفه من الذين ترجموا لحياته وفنه أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة، قال: «معانيه فلسفية، وطباعه عراقية، وعادته محمودة، لا يثب ولا يرسب»، وقال لنا: إمامي ابن عبدكان، وهو قد أوفى عليه، وإن كان قد احتذى على مثاله، وفنونه أكثر، ومآخذه أخفى، وخاطره أوقد، ويزيد على كل من تقدم بالكتاب (التاجي) هذا مع الظرف والتواضع الحَسَن، واللهجة اللطيفة، والخُلُق الدمث، والخبرة بالزمان، والمعرفة بأصناف الناس، وله فنون من الكلام ما سبقه إليها أحد، وما ماثله فيها إنسان».

وله رسالة يخاطب فيها بعض أصدقائه. جزء منها نثر وجزء شعر، وهي تطلعنا على شعره ونثره معاً، قال:

لو حملتُ نفسي على الاستشفاع والسؤال، لضاق عليّ فيه المرتكض والمجال، لأن الناس عندنا، ماخلا الأعيان الشواذ، الذين أنت بحمد الله ـ أولهم، طائفتان: طائفة مُجاملة، ترى أنها قد وفتْك خيرها، إذا كفتك شرها، وأجزلت لك رفدها، إذا أجنبتك كيدها، ومكاشفة تنزو إلى القبيح نزو الجنادب، أو تدب دبيب العقارب فإن عوتبوا حَسَروا قناع الشقاق، وإن غولطوا تلثموا بلثام النفاق، والفريقان في ذلك كما قلت منذ أيام:

أيا ربِّ، كلّ الناس أبناءُ علةٍ      أما تَعثُر الدنيا لنا بصديق؟
وجوه بها من مضمَر الغِل شاهد ذوات أديمٍ في النفاق صفيق
إذا اعترضوا عند اللقاء فإنهم قذىً لعيون، أو شجا لحلوق
وإن أظهروا برد الوداد وظله أسرّوا من الشحناء حرّ حريق
أخو وحدة قد آنستني، كأنني بها نازلٌ في معشر ورفيق
فذلك خيرٌ للفتى من ثوائه بمسبعةٍ من صاحبٍ وصديق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مؤلفاته

ومن مؤلفاته:


المصادر

  • محمود الربداوي. "الصابئ (إبراهيم بن هلال ـ)". الموسوعة العربية.

للاستزادة