طلائع الاستعمار الأوروبي في الصومال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

طبيعة الكشوف الجغرافية

تعتبر الكشوف الجغرافية بداية التاريخ الحديث للعلاقات الصومالية الأوربية ، كما تعتبر بداية التاريخ الاستعماري الأوربي والأثيوبي للصومال ..فإن ظهور القوى البحرية في أوروبا الغربية وانتصارها على القوى البرية في آسيا وأفريقيا في العصر الحديث بعد أن كانت الغلبة للقوى البرية في العصور الوسطى لآسيا وأفريقيا ، كانت بسبب نضوج الطاقة المحركة في أوروبا مما دفع بالأوروبيين إلى الاتياد والكشف في آسيا وأفريقيا والعالم الجديد للتعرف على مستويات الشعوب واقتصادها تمهيداً لإرسال خبراء الاستعمار ومعاونيهم لعقد المعاهدات والاتفاقيات بصور من شأنها أن تعطي للدولة الأوروبية السيادة والهيمنة على الأرض والسكان.

ولنجاح الكشوف الجغرافية في البحار الشرقية ظهرت الصومال في ميدان الصراع العالمي لما تتضمنه من مواقع استراتيجية هامة في شرق أفريقيا ولأنها كقاعدة إشراف وإدارة وتوجيه لأي منطقة في شرق أفريقيا والجنوب العربي وكمنطقة ضبط وتموين الخطوط التجارية العالمية المارة بين الشرق والغرب عبر خليج عدن ومضيق باب المندب .

واتخذت الكشوف الجغرافية طابعاً دينياً في العصور الوسطى حينما قامت من أجل مملكة القديس يوحنا التي قيل عنها أنها توجد في منطقة ما في شرقي أفريقيا ، وأنها دولة غنية ولمليكها ألف صليب ، وخلف كل صليب ألف جندي. فكان السعي للعثور على هذه المملكة هو مجال توسيع النفوذ المسيحي في افريقيا الوسطى والشرقية حتى يمكن حصر العالم الإسلامي في آسيا وأفريقيا بين مملكة القديس يوحنا جنوباً وأوروبا المسيحية في الشمال . وفي العصر الحديث كانت الكشوف الجغرافية تتجه نحو الانتقام لما أصاب أوروبا في العصور الوسطى من هزائم على يد صلاح الدين الأيوبي الذي حطم قوى الجيوش الأوروبية التي أعلنت الحرب الصليبية على المسلمين في الشرق الأوسط .

فكان الاستيلاء على الصومال معناه قيام حرب صليبية انتقامية لا من الصومال فحسب ، بل من المحيط الإسلامي المجاور لها ، وفي الوقت نفسه للقضاء على المسلمين في المحيط الهندي واحتكار تجارتهم لصالح أوروبا المسيحية.


رواد الكشف والارتياد

البرتغاليون

وقد تزعمت حركة الكشوف الجغرافية الدولة البرتغالية في جنوب غرب أوروبا وهى على مقربة من غرب أفريقيا ، ولذلك فهى حاملة لملامح أوروبية وأفريقية بالإضافة إلى ما عرفت به منذ زمن بعيد من التعصب الشديد للمسيحية مما جعل الكنيسة الكاثولوكية تترك لها قيادة زعامة الاضطهاد للمسلمين خلال القرنين الخامس عشروالسادس عشر مما دعا مسلمي أسبانيا أن يستنجدوا بمسلمي أفريقيا الذين عبروا البحروهزموا المسيحين ، ومما يدلنا على أن البرتغاليين ما وصلوا إلى الصومال إلا من أجل شن حرب صليبية تلك الرسالة التي بعث بها البابا نيقولا الخامس إلى الأمير هنري الملاح في عام 1454 يطلب منه إقامة الحرب على الكفرة (المسلمين) ونشر المسيحية والاتصال بالممالك المسيحية في الشرق والتحالف معها ضد الكفرة (المسلمين) وأن يدعو الناس للمسيحية في البلاد التي دخلها الإسلام.

بعث حكام البرتغال بعثات كشفية مدعمة بالسلاح لمحاربة المسلمين ، وكشف أراض جديدة ، فوصل فاسكودا جاما إلى البحار الصومالية ثم اتجه إلى الهند ، وفي عودته صوب مدافعه إلى مدينة مقدشوة فهدم كثيراً من مساكنها وقد ذكر فاسكودا جاما أن مدينة مقدشوة متناهية في الكبر ولها أربع أبراج ضخمة (يقصد بها المآذن الإسلامية)

التعليق

وأقام البرتغاليون على سواحل الصومال وخاصة مدينة براوة وحالوا دون وصول السلع والبضائع القادمة من الدول الإسلامية واحتكار تجارة الصومال . ولم تستمر براوة تحت حكم البرتغال فترة طويلة ، وإنما قامت بثورة ضد التجار البرتغاليين فغادروا البلاد ، وعادت السفن البرتغالية في عام 912هــ- 1507م في محاولة ثانية لاحتلال براوة ، ولم تنجح خطتهم ،فاتجهوا إلى سوقطرة ورأس غردفوري حيث أقاموا منارة لمراقبة السفن العربية ومنع وصلها إلى المواني الصومالية في الجنوب أو في الشمال . وكان لهذا الحصار البرتغالي للسواحل الصومالية آثارسيئة في اقتصاديات الصومال فظهر انحلال فجائي في مقدشوة لوقف الحركة التجارية حتى أن بعض المدن الداخلية والساحلية كانت تلقي بإنتاجها في الجبال والوديان والبحر للتخلص مما أصابها من تعفن من طول فترة التخزين وعدم تصريفها مثل الجلود وغيرها من حبوب الطعام .

والذكرى الوحيدة للاحتلال البرتغالي لمقدشوة ممثلة في المنارة الموجودة بقرب مسجد عبد العزيز ؛ وفي الحقيقة أن البرتغاليين لم يبنوا منارة وإنما استخدموا برجاً كان موجوداً قبل حضورهم ، ومازال البرج الموجود يحمل الطابع الفارسي . (أهم الأبراج برج جامع حمروين) .

وعلى أية حال فأن الفترة التى قضاها البرتغاليون في مقدشوه ، أو محاصرة سواحلها ، أو في المحيط الهندي بصفة عامة لم تمكنهم من السيطرة المباشرة على سواحل الصومال وإنما الأثر الفعلي للحركة البرتغالية على سواحل الصومال يتجلى في إظهار الموقع الصومالي في المحيط العالمي ، فعرف العالم أهمية الصومال في مجال الكشف و الارتياد بالنسبة لشرق أفريقيا ووسطها فكانت المحاولات العديدة التي قام بها الرواد الأوربيون أو طلائع الاستعمار من بريطانيين وفرنسيين و إيطاليين وغيرهم بهدف كشف السواحل و معرفة البيئة الصومالية وطبيعة أنتاجها ومستقبلها، بالإضافة إلي اتخاذ الصومال كمعبر إلي وسط و قلب أفريقيا ،وتحديد القوي اللازمة لامكانيات الاستعمار والاستغلال، ومدي الفائدة التي تعود على الدولة المستعمرة من القيام باحتلال في الصومال، ومن أشهر الرواد الأوروبيين أو من أشهر طلائع الأستعمار هم: القبطان كارلو جوليان، وكارل كلاوديو فون دكن ،جورج رڤوال ولويجي روبيكي بريكتي، وڤيتوريو بوتيجو، هوگو فراندي ريتشارد برتون ..

وسنذكر هنا نبذات عن هؤلاء الرواد، وأحوال البلاد الصومالية أثناء حركة الارتياد والكشف ..

القبطان شارل گيلين Charles Guillain

احد ضباط البحرية الفرنسية و من الرواد المشهورين الذين تحدثوا عن الصومال والبلاد الواقعة على الميط الهندي ، وقد بدأ رحلاته على سواحل الصومال في عام 1262هـ -1864م ،1264هـ -1848م وقام بزيارة مدينة حافون ،و وارشيخ ،ومقدشوه ، ومركه، وبراوه وغيرها من المدن الصغيرة.

وقد أقام جوليان في منطقة قليدي التي كان من الصعب على أجنبيي أوربي أن يدخلها ،ولكنه صمم على زيارتها رغم النصائح التي قدمها إليه أعيان مقدشوه من عدم التوجه إلي قليدي ،غيرأنه استعان بأحد أشراف مدينة براوه وهو السيد فلتيني الذي كتب رسالة للسلطان يوسف سلطان قليدي صديقه الحميم بأن يسمح للأوربي بزيارة قليدي ..

وقام جوليان بأعداد قافلة من الصوماليين وبعض العرب ثم اتجه بها إلي قليدي ،و بعد أن قام بزيارتها كتب كتابه عن الصومال وهو عبارة عن وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية عن أفريقيا الشرقية وقد طبع في باريس عام 1856 وفيه معلومات قيمة عن اخبار هذه المنطقة لمن يريد استثمارها ، ويعتبر مرجعا هاما في تاريخ هذه الفترة ،وكان لانتشاره في فرنسا أثر كبير في جذب أنظار الفرنسيين وغيرهم نحو الصومال ..

وقد ذكر جوليان عن مقدشوه أنها تتكون أساسا من ضاحيتين بينهما فراغ كبير حيث يوجد قوس كبير ومنارة تسمي جاكا جاكا Jaca Jaca في المكان الذي يحتله القوس الروماني الأن ، وكان مكتوبا على هذه المنارة باللغة العربية (في 19 شعبان 1268 هـ 9 يونيو 1852).

وتحدث جوليان عن سكان مقدشوه بأن تعدادهم يصل إلي خمسة آلاف نسمة، وسكان الضاحيتين في شجار دائم، ويزعم ضاحية حمروين الشيخ مؤمن، أما ضاحية شنغاني فعليها الأمام أحمد على، وكلاهما تحت حكم سلطان زنجبار.

وبعد أن تحدث عن عادات مقدشوه القديمة قال :ِِِ(أن أهم ما أسترعي نظرى هو طبخ البن (حبوب البن )مع السمن أو سليط (زيت )السمسم )، وذكر عن سلطان قليدي أنه رجل مشهور ،وله سلطة كاملة على طول وادى شبيلي، وأوديقلي، وجميع ناحية دافيت، ولسلطنة قليدي مجلس شورى من الزعماء يقوم بإنتخاب من يتولى سلطنة البلاد ، ومن حق السلطان تعيين القاضى العالم بالدين الأسلامي الحنيف ليحكم بين الناس وفق الشريعة الأسلامية .

وذكر أن قليدي تتكون من ثلاث ضواح، اثنتين منها على الضفة اليمني للنهر، والثالثة إلي الشمال، وأغلب سكانها رعاة أصحاب ماشية ولهم زراعة في أصناف الذرة.

ويذكر جوليان أن أخا السلطان المدعو يوسف بن محمود يقوم بأعمال رئيس الوزراء لكافة شئون الدولة ، ويكون نائبا عن السلطان أثناء غيابه ، وخلال فترة وجود جوليان في قليدي كان يوسف بن محمود يعد جيشا لقمع أهل بارديرا وبراوة و اخضاعهما لنفوذ سلطان قليدي ..

ويذكر جوليان أن مدينة براوه تختلف اختلافا كبيرا عن مدينة مقدشوه ، فقد أصبح لبراوة منازل حجرية، ولكل منزل حديقة جميلة، والمنازل على مسافات متباعدة عن بعضها البعض، وللمدينة خمسة آبار للمياه أحدها خاص بمسجد سيدنا عمر وهو ذو ماء عذب و ذكر عن تعداد يروه أنه نحو خمسة آلاف نسمة أى كتعداد سكان مدينة مقدشوه ..

ويذكر جوليان أن من عادات شعب براوه أن يمسك الرجال بعصى خفيفة أثناء خروجهم بعيدا عن مساكنهم، وأن لشعب براوه حكما يشبه الحكم الجمهورى في عام 1850 (1226هـ) لأنه يتكون من رؤساء الأحزاب ويسمي المجلس الأعلى الذي يقوم بالانتخاب فيما بينهم ،و كان للرئيسين الحاج عويس والشيخ ديربن عمر سمعة طيبة في نفوس الناس و اعمال مجيدة من أجل السكان و الأرض ..

وكان لأهل براوه تجارة واسعة مع بلاد العرب كما كانت السفن الأوروبية و الأمريكية تصل إلي براوه من أجل الحصول على العاج و الجلود وريش النعام.

كارل فون در دكن Carl von der Decken

المستكشف الألماني كارل فون در دكن.

من الرواد الذين قاموا بارتياد بعض المناطق الصومالية ،وكان عالما باللغة العربية مما سهل له حركة الارتياد في الجزائر والجنوب العربي ودراسة المجتمع العربي هناك ..

و في عام 1276 هجرية (1860 م ) وصل در دكن إلي زنجبار وممبسة وساحل تنجانيقا وكينيا وتوغل في الأراضي الصومالية في منطقة عروسى وأشار در دكن إلي أن الغرض من رحلاته هو التعرف على الأحوال الأقتصادية ودراسة المراكز التجارية التي أنشأها العرب على ساحل الصومال .وقد منحته الجمعية الجغرافية في لندن وساماً ذهبياً على كشوفه العلمية في شرق أفريقيا .

وفي عام 1281-1865 أصدرت الحكومة الألمانية أمراً إلى در دكن ليشترك مع السفن الألمانية في ارتياد واكتشاف سواحل وأنهار أفريقيا الشرقية التي لم يصل إليها أحد (من قبل) من الأجانب ، ودراسة أمكانياتها الإقتصادية ، ومدى أهمية تعامل ألمانيا مع سكان هذه الجهات ، وتقديم تقرير واف مقروناً بالملاحظات والاقتراحات العملية التي يمكن اتخاذها بسرعة قبل أن تدخل دول أخرى في مجال الكشف والارتياد لسكان أرض تلك المناطق..

قام ديرديكين مع السفن الألمانية المتجه إلى زنجبار ومنها إلى ساحل الصومال حيث نزل عند مصب نهر جوبا ، وقام بدارسة رأس كامبوني ، ثم عرج إلى خليج يودكا وكان يعتقد أنه مصب النهر ولكن اتضح له بعد دراسته أنه مجرى بحري (ذراع) يتجه نحو داخل اليابس وذكر أن سكان هذه المنطقة قد استقبلوه بالترحاب ، وكانت لهم زراعة من الأرز..

وبدأ در دكن رحلته الملاحية على نهر جوبا على باخرة صغيرة تحطمت بٌعد خمسة وعشرين ميلاً إلى الشمال من بلدة برديرا ولذلك اضطر در دكن وأعضاء البعثة المرافقين له أن يسيروا على الأقدام متابعين الجانب الأيمن للنهر، لأن النهر في منطقة بارديرا يتصف بالاتساع وقلة العمق مما يحول دون سير السفن حتى الصغيرة منها لانخفاض منسوب المياه..

وقد تعرض أفراد البعثة لهجمات الوطنيين في أكتوبر عام 1865م مما أدى إلى قتل عدد كبيرمن أعضاء البعثة وهرب الباقون ومنهم در دكن الذي تمكن من الوصول إلى بارديرا غير أنه لقى حتفه في بارديرا لحدوث سوء تفاهم بينه وبين بعض الأفراد الوطنيين والرؤساء المحليين ، أما بقية أعضاء البعثة الذين قدرت لهم النجاة فقد وصلوا إلى كسمايو سيراً على الأقدام .

وصلت أخبار البعثة إلى ألمانيا وكانت والدة در دكن سيدة ذات ثراء واسع تحب ابنها كثيراً ولذا كلفت كينزلباخ وبرنز القيام على رأس بعثة كشفية للبحث عن ابنها في الصومال على نفقتها الخاصة .. كما كانت الحكومة الألمانية تهتم بأمر البعثة فأرسلت بعثة أخرى تأديبية لأهالي برديرا ، والعودة بالأعضاء الأحياء الذين تمكنوا من الوصول إلى كسمايو، وقامت بعثة الانقاذ ومعها رسالة من حاكم جزيرة لامو لوضع حامية عسكرية تحت تصرفهم ، وعادت البعثة الثانية (بعثة الانقاذ) إلى ألمانيا في عام 1886.

وفي نفس عام (1886) كان الرحالة كينزلباخ قد وصل إلى مقدشوه في محاولة الوصول إلى بارديرا عن طريق مقدشوه ولكنه مات أثناء سيره، أما الرحالة برنز فإنه اتخذ نقطة البداية لرحلته فيما بين مالندي ومقدشوه غير أنه لم يتمكن من الوصول بارديرا وإنما وصل إلى مدينة ويتو Witu التي تقع على مسافة عشرة أميال على مصب نهر تانا في خليج فرموزا.

وفي ألمانيا صدر كتاب كتبه دير ديكن قبل وفاته، وهو يحتوي على معلومات كثيرة عن رحلاته وأنباء هامة عن نهر تانا ونهر جوبا حتى مدينة بارديرا. ويذكر دير ديكن عن مدينة بارديرا أنها تتألف من عدة مساكن جديدة فقد كانت الحروب الكثيرة بين براوه وقلديدى سبباً في تخريب مسكن كثيرة في بارديرا لذا ظهرت مسكن جديدة بفضل همة الشيخ حمادي بن شيري حاكم المدينة وفي الوقت نفسه هو زعيم ديني. وأحد رؤساء الطرق الدينية في بارديرا فهو المؤسس الحقيقي لبارديرا.

ويحكى عنه أنه قدم بعد أداء فريضة الحج عام 1819م - 1234هـ عبر الصحراء إلى نهر جوبا مع جماعة من أتباعه يعلمهم الدين وتعاليم الإسلام، فأختار بارديرا لتكون مركزاً للدعوة الإسلامية فتوافد إليها طلاب العلم والمريدين من القرى والبوادي، وكثر المترددين عليها حتى أصبحت مدينة كبيرة فأنشأ لها مجلساً إدارياً مكوناً من شيوخ القبائل، على أن يتولى الرياسة أحد أعضاء المجلس بالانتخاب .

وفي كتاب در دكن دعوة خاصة للحكومة الألمانية بضرورة العمل السريع نحو انشاء مستعمرة ألمانية في شرق أفريقيا لضخامة إمكانياتها الإقثصادية في الوقت الحالي والمستقبل ، على أن نجاح المستعمرة أولاً وأخيراً يتوقف على مدى ضمان الأمن في هذه الجهات حتى يمكن العمل والاستثمار والاستغلال وفق المصالح والاعتبارات الخاصة ..

التعليق

جورج رڤوال Georges Revoil

أحد الرحالة الفرنسيين الذين قاموا بزيارة صوماليا وقد بدأ رحلاته في عام 1296هـ - 1879 لمنطقة مجرتنيا ومنطقة أرض الصومال . وكتابه غني بالمعرفة عن منطقة مجرتنيا لما يمتاز به الكتاب من التفاصيل الأثرية عن القبور الحجرية القديمة في سهل ضرور، كما أسهب الكتاب في ذكر أسلوب المعيشة لدى سكان مجرتنيا ونشاطهم والانتاجي للألبان، وفيه دراسة ممتعة للتاريخ القديم لبلاد الصومال. وقد صدر الكتاب في باريس عام 1882 بعنوان (أفريقيا الشرقية ).

روبيكي بريكتي Robechi Brichette

رحالة إيطالي قام بعدة جولات في القرن الماضي وبدأ رحلاته في مصر فالسودان فالحبشة عام 1888، ثم هرر التي غزاها الأحباش بقيادة الرأس مكونين قبل وصوله بعام واحد .

وفي عام 1303 هـ -1886 م قام بعدة رحلات لكشف بعض البلدان الصومالية بتكليف من الحكومة الأيطالية تمهيداًلإقامة علاقة تجارية مع سكانها ، والدخول في مرحلة الأستغلال إذا أمكن ذلك .و كانت رحلة روبيكي الأولي لمنطقة هوبيا وعلوله ودراسة المناطق الساحلية فيما بينهما وأصدر كتابه الأول عن هذه الرحلة .

وعادة الحكومة الأيطالية فطلبت من روبيكي القيام برحلة واسعة في صوماليا بين مقدشوه وهوبيا وتقديم تقرير واف عن هذه المنطقة الشاسعة ،فقام روبيكي برحلته (1307 هـ 1890 م) من مقدشوه ثم عبر أراضى مدق إلي هوبيا ثم إلي منطقة الأوجادين ومنها إتجها إلي بارديرا .

وفي كتابه الثاني .. (صوماليا وبنادر ).. وصف كامل لرحلته الثانية ،تناولي فيه أحوال البلاد التي قامت بزيارتها اقتصاديا ًوتاريخياً وإجتماعياً ودراسة كاملة عن الطرق والأسواق ..

وقدذكر روبيكي في كتابه أن كل صومالي في أي مكان يكون مسلحاً بخنجرين وسيف ،وإنهم رجال حرب ماهرون .وتحدث عن مقد شوه ودار الآثار التي تعتبر أهم المباني الحجرية في صوماليا ، كما تحدث عن السوق الكبيرة على ساحل مقدشوه، ومكاتب الميناء التي يشغلها الأن مكاتب بريد مقدشوه .

ووصف مساكن حمروين بأنها متباعده عن بعضها ،وليس بها النظام المعروف في المباني ، وأن للمدينة سوقاً كبيرة وأبواباً تغلق في المساء خشية هجوم مسلح من الرعاة ليلاً وأهلها نيام .وكان سور المدينة يمتد من باب السوق إلي مسجد عمرو إلي شارع رسبولي ، وعلى طول البحر يوجد عدد من منازل الأشراف .

وذكر أن لمدينة مقدشوه نحو ألف خياط لصناعة الملابس وخاصة المنسوجات البيضاء وأنهم بدءوا حديثاً في صناعة الملابس من الخيوط الملونة.

وتحدث عن براوه بأن لها حائطاً كبيراً في طول نحو مترين، وبها سور ذو أربعة أبواب يقوم بالحراسة عليها جنود من العرب، وكان الشيخ براوة الفقيه ابن الحج عويس، وفي مدينة براوة يسكن نائب لسلطان زنجبار يدعى سالم بن سيف على رأس قوة عربية من 170 جندياً لحماية المدينة.

ويقال أن روبيكي أول من إستعمل كلمة صوماليا لأن السابقين من الرواد كانوا يستعملون إسم أهل الصومال على هذه البلاد ،كما يقال أنه أوجد كلمة هيران التي صارت الأن محافظة وبلدوين عاصمة لها ..


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فيتوريو بوتيجو :Vittorio Bottego

من الرواد الأيطاليين الذين قاموا بدراسات في بلاد الصومال بأمر من الحكومة الأيطالية وكانت رحلاته إلي الصومال فيما بين عام 1890 ،1897 وكانت خطة السير تبدأ من مجرى نهر جوبا حتي مدينة بارديرا ثم إلي مرتفعات إيمي في جنوب الحبشة ،على أن يقوم بدراسة إقتصادية وإجتماعية عن هذه المناطق تمهيداً لرابط المناطق الساحلية في صوماليا بإقليم كافا الغني بإنتاج المحاصيل ومنتجات الغابات .

قام فيتوريو بالرحلة الأولى من 21 سبتمبر 1892 حتي 8 سبتمبر 1893 ، زار خلالها مدينة براوه ومكث فترة في مدينة لوخ وبعد عودته إلى إيطاليا أصدر كتاباً سماه (كشف جوبا) .

وفي كتابه وصف السلطان لوخ في عام 1893 بأنه يدعى حسن نور وأنه رجل سمين قد بلغ الثمانين من عمره وهو ذو عقل راجح وفطنة ، يعمل لصالح السكان ويؤاخي بين المواطنين ، وجميع السكان خاضعين له لما يمتاز به من سلامة الخلق والشجاعة والكرم . ويذكر أن حسن نور قد تزوج أكثر من عشرين مرة ، وله ثلاثون ابناً ، ,وأن سكرتيره المدعو محمد داركي على معرفة واسعة بالسياسة ، وأن سلطنة لوخ وراثية لجميع العائلة ، ومن عادة السلطان أن يرسل نواباً عنه من أبنائه أو رؤساء القبائل على القرى والبوادي البعيدة .

وأن للوخ مجلس من رؤساء النواحي يجتمع مع السلطان في كل يوم للنظر في أمور البلاد وأن مقابلة السلطان لا تخضع لقوانين أومواعيد ، وإنما يستطيع أي فرد من الرعية أن يقابل السلطان في أي وقت وأي مكان.. في صورة ديموقراطية مثالية لا وجود لها في العالم ..

ويذكر فيتوريو أن للوخ مركزاً تجارياً هاماً بالنسبة للصوماليين وحلقة تجارية لها اعتبارها بين الصومال والحبشة .

وقام فيتوريو برحلته الثانية في 12 أكتوبر 1895 بتكليف من الجمعية الجغرافية الايطالية لكشف نهر أومو الذي كان مجراه مجهولاً ومعرفة ما إذا كان نهر أومو (يصب في بحيرة رودلف) يتصل بالنيل أم بالمحيط الهندي أم تنتهي مياهه في بحيرة داخلية ..

وقد بدأت الرحلة من مدينة براوه ، وكان يرافق فيتوريو صديقه الكابتن فيراندي والضابط جيزتي وغيرهم من الايطاليين .. وخلال هذه الرحلة تم كشف بحيرة مرجريتا ، وعرف أن نهر أومو يصب في بحيرة رودلف وليس له اتصال بالنيل أو المحيط الهندي .. وفي أحد الأحراش الجنوبية للحبشة مات فيتوريو عن سبعة وثلاثين عاماً ، وكان له الفضل في معرفة الأجزاء الغامضة من نهر جوبا الذي وصفه من منابعه عند أقدام جبال الحبشة ، واتجاهه السريع إلى المحيط الهندي قائلاً ..(حوض نهرجوبا يبشر بمستقبل عظيم لو اهتم بأمره ، وهذب مجراه ، ونظم استغلاله تنظيماً علمياً دقيقاً ) ..

وكان لهذه الرحلات آثار بعيدة المدى ظهرت حينما قام صراع أوروبي وخاصة بين بريطانيا وإيطاليا نحو السيطرة على الجزء الأدنى لنهر جوبا ، أي مانسميه الآن باسم جوبالند ،تلك المنطقة الغنية بالتربة الصالحة للتقدم الزراعي والتي تشير إلى أنها منطقة الغد في التقدم الزراعي والصناعي للوطن الصومالي .

أوغوفراندي : UGO. Ferrandi

من رجال البحرية الإيطالية الذين زاروا سواحل الصومال وكانت له أعمال تجارية في عدن والحبشة مما سهل له القيام لعمل رحلات امنطقة خليج تاجورة .

وفي عام 1885 أصبح مستشاراً للأعمال الدفاعية الحربية لإيطاليا في شرق أفريقيا ، ثم في أرتريا ، وأصبح وكيلاً للصحافة الأريترية في عام 1887 .

وفي عام 1889 قام بدراسات جغرافية اقتصادية لمنطقة هرر ، ثم انتقل إلى دراسة مناطق مركه وبراوه وبارديرا ، غير أنه لم يقدم تقريباً رسمياً حول تحديد مجرى نهر جوبا..

وكان أوغو فيراندي مرافقاً لفيتوريو أثناء رحلته إلبى نهر جوبا بتكليف من الجمعية الجغرافية الإيطالية ، وبعد أن وصلت البعثة إلى منطقة لوخ انقسمت إلى قسمين فسار فيتوريو إلى الداخل نحو نهر أومو تاركا أوغو فيراندي في لوخ فانتهز الفرصة وقام بجولات دراسية في منطقة لوخ وعلى نهر جوبا خلال سبعة عشر شهراً ..

وفي كتاب أوغو فيراندي عن منطقة لوخ وصف صادق لمقومات البيئة الطبيعية والبشرية مما استفادت منه الحكومة الإيطالية في معرفة حقائق سليمة عن المنطقة . ويذكر الكتاب أن أوغو فراندي هو منشئ مدينة لوخ وأنه أقام بها حامية صومالية كبيرة ، ونظم أمر الدفاع عنها ضد الاعتداءات الحبشية القادمة من الطريق التجاري الطويل من جنوب الحبشة إلى لوخ فقد كان الأحباش يطمعون في السيطرة على لوخ لأهميتها الاستراتيجية والتجارية على مفترق الطرق التجارية وفي وسط إقليم غني بالانتاج الزراعي ويمكن الوصول إلى المحيط الهندي عبر لوخ في سهولة وأمان وفي أقصر زمن بالنسبة لأي طريق آخر .

ويقول فيراندي في كتابه ( قد قمت بالدفاع عن الوطن أمام عدو شديد ، مستعملاً أسلوباً سياسياً للاحتفاظ بالوطن وحكمت بينهما (الصوماليين والأحباش ) وهم عن حكمي راضون ) ...

وكان لأوغو فيراندي بعض الرحلات في براوه وضواحيها ، وحينما سيطرت إيطاليا على البلاد بحكم المعاهدات المبرمة بين السلاطين والايطاليين قامت الحكومة الإيطالية بتعيين أوغو فيراندي وكيلاً لها في سلطنة علوله ، وبذلك انتقل الرائد من مجال الارتياد والكشف إلى مجال الأعمال السياسية والإدارية كغبره من الرواد كما سنرى في دراسة التقسيم الاستعماري لشبه جزيرة الصومال .

رتشارد برتون Richard Burton

ضابط بحري (بريطاني) في الجيش الهندي ، مولع بالسفر والترحال ، مغامر ممتاز ، قام برحلات عديدة في شرق أفريقيا منها الرحلة الأولى مع زميله سبيك في عام 1854 إلى الشاطئ الشمالي للصومال ولم يتمكن من السير في داخل الإقليم الشمالي (صومالند) بعد مدينة بربره لتعرض أفراد الرحلة في أحد المحطات لهجمات الوطنيين .. وبعد فترة قام برتون متخفياً في زي حاج هندي وسار في طريق القوافل بين زيلع وهرر حتى وصل إلى مدينة هرر وكان أول أوروبي شاهد مدينة هرر وقدم وصفاً رائعاً لعادات وتقاليد الشعب الصومالي بجانب دراسة وافية عن اقتصاديات هرر وعادات وتقاليد أهلها .. وأصدر كتابه في جزئين عام 1894 متضمناً مغامراته فيب الصومال وكشف منطقة هرر ورحلاته في شرق أفريقيا بصفة عامة للبحث عن منابع نهر النيل ..


التقسيم الاستعماري للصومال

لم يبدأ الاستعمار في أي منطقة من الاعلم إلا بعد دراسة وتخطيط ، فلم تكن الرحلات الكشفية ، وحركات الرواد في الارتياد والكشف ، إلا بمثابة الطلائع الأولى لعمليات الاستعمار ، وفي أكثر الرحلات ان لم يكن فيها كلها كانت الدول الكبرى هى التي تقوم بتمويل الرحالة والمرافقين لهم وتزودهم بالمعلومات اللازمة والمال والعتاد والسفن وغيرها من المستلزمات للقيام بأي رحلة كشفية ، وفي مقابل هذا كانت الدول ، أو الجمعيات الجغرافية ، تطالب بتفاصيل جغرافية واقتصادية وسياسية واجتماعية وغيرها عن أحوال تلك المناطق التي يقوم الرواد باكتشافها أو اختراقها أو دراستها .. على نحو مارأينا في دارسة طبيعة الكشوف الجغرافية ورواد الكشف والارتياد من الأوروبيين في الصومال وقد ضربنا الأمثلة دون حصر للرواد الذين جابوا بلاد الصومال .

ومما ساعد على قيام الاستعمار في الصومال طبيعة الشعب الصومالي المسلم ، الذي يحيا في يسر وفي هدوء وسلام ن يتقبل الوافدين إليه بصدر رحب كريم ، ويتعاقد معه على الخير ، وما يدري ماقد حملت قلوبهم من حقد على تجارتهم الرائجة ومافي نفوسهم من ألوان الشر والاستعمار والاستخراب . فكان الشعب الصومالي المسلم يثور في نفسه لهذا التحول من الصداقة والأخوية إلى الارستقراطية والعنجهية ، وكان له أن يثور على القادمين ، وأن يرد التابعيين للاستعمار والقادمين في ركابه من رجال التبشير ، وكان كفاحاً مجيداً عظيماً بدليل أن الاستعمار في كل مكان من شبه جزيرة الصومال لم يؤثر في عقائد الشعب بل خرجت الصومال من كربتها في عام 1960 وهي دولة إسلامية ليس بينها مسيحي واحد ..

والاستعمار لم يدخل البلاد في يسر وسهولة بل قد وجد مقاومة وعنفاً في أول وماكان يدري الشعب الصومالي المسلم ما حاكه خبراء الاستعمار من عهود معسولة ودسائس وهدايا مقابل اتفاقيات الصداقة والانسانية أو ماكان يدريه أنها ستتحول إلى وثائق استعمار وحماية للأوروبيين أنفسهم من ثورة الشعب الذي اتخذ من الحكام ستاراً يحميهم من غضب الشعب وثورته ؟..

والشعب الصومالي المسالم لم يكن في تاريخه القديم في حاجة إلى جيش منظم ، وسلاح حديث لأنه كان يعيش في هدوء وتعاون أخوي اقتدهما ظروف البيئة الرعوية التي جعلته قوماً قدرين .

لكن الشعب الصومالي اليوم تعلم من التاريخ فأصبح له من القوة ما للأمم المتقدمة ، وعرف كيف يكيد لهم كيداً ، وكيف ينتصر على القوم الكافرين ..

والاستعمار في مفهومه الحديث هو استيلاء دولة على قطر من الأقطار أو جزء من قطر ، وإدارة شئونه أو استثمار مرافقه المختلفة إما بيد مهاجرين يرحلون إليه ويستوطنوه كمنا فعهلت إيطاليا في صوماليا وإما استغلاله بيد سكانه الأصليين كما عملت بريطانيا في الصومالند ، وفرنسا في الصومال الفرنسي . وأثيوبيا في غرب الصومال .

وفي كل صور الاستعمار يعمل المستعمر على امتصاص أكبر فائدة ممكنة لصالح الدولة المستعمرة ، وهو في هذا يدعي لنفسه عدة حقوق كحق القوة الذي لا يعترف بالضعيف من حوله كما تفعل الحبشة في غرب الصومال ، وحق الاحتلال الأول أي لم يسبقهم احد في الاحتلال كما فعلت زنجبار في بنادر ، ومن بعدها إيطاليا في صوماليا ، وحق الاحتلال بالتعاقد بإغراء السلاطين البسطاء باسم حماية الاستقلال كما فعلت بريطانيا في صومالند ، والفرنسيون في الصومال الفرنسي . و مهما تعدت الحقوق والنظريات فإن الاستعمار معناه الاستخراب في كل جوانبه ..

وفي الدراسة القادمة تاريخ عام لكل منشأة استعمارية في الوطن الصومالي ، وتلك أنجع وسيلة لدراسة كل جزء من الوطن الصومالي من بداية الاستعمار حتى قيام الحرب العالمية الثانية . خلال فترة الصراع الأوروبي الأثيوبي ( المفاوضات والمعاهدات) بشأن تقسيم بلاد الصومال إلى مناطق نفوذ-وأيضاً - خلال فترة كفاح الشعب الصومالي من أجل استقلاله ووحدته تحت زعامة السيد محمد عبد الله حسين ..

التعليق

المصادر

سالم, حمدي السيد (1965). الصومال قديماً وحديثاً. القاهرة، مصر: الدار القومية للطباعة والنشر. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)