لودڤيگ ڤان بيتهوڤن

لودفيج فان بيتهوفن
Beethoven.jpg
يورتريه بـ "لودفيج فان بيتهوفن" في عام 1820
الميلاد 16 ديسمبر/(عمد في 17 ديسمبر) 1770
بون، ألمانيا
الوفاة 27 ديسمبر 1827
ڤيينا، النمسا
Signature of Ludwig van Beethoven

لودفيج فان بيتهوفن (1770-1827م) مؤلف موسيقي ألماني ولد عام 1770 م في مدينة بون. يعتبر من أبرز عباقرة الموسيقى في جميع العصور، وأبدع أعمالاً موسيقية خالدة. له الفضل الأعظم في تطوير الموسيقى الكلاسيكية. قدم أول عمل موسيقي وعمره 8 سنوات.

تشمل مؤلفاته للأوركسترا تسـعة سيمفونيات وخمس مقطوعات موسيقية على البيانو ومقطوعة على الكمان. كما ألّف العديد من المقطوعات الموسيقية كمقدمات للأوبرا.

بدأ بيتهوفن يفقد سمعه في الثلاثينيات من عمره إلا أن ذلك لم يؤثر على إنتاجه الذي ازداد في تلك الفترة وتميز بالإبداع. من أجمل أعماله السمفونية الخامسة والسادسة والتاسعة. وقد توفي في ڤيينا عام 1827 م.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

خلفية وحياته المبكرة

House of birth, Bonn, Bonngasse 20, now the Beethoven-Haus museum
Prince-Elector's Palace (Kurfürstliches Schloss) in Bonn, where the Beethoven family had been active since the 1730s
A portrait of the 13-year-old Beethoven by an unknown Bonn master (c. 1783)

شهدت مدينة بون الألمانية ميلاد الفنان العبقري لودفج فان بيتهوفن في 16 ديسمبر عام 1770، وتم تعميده في 17 ديسمبر 1770. ظهر تميزه الموسيقي منذ صغره، فنشرت أولى أعماله وهو في الثانية عشر من عمره عام 1783 م. اتسعت شهرته كعازف بيانو في سن مبكرة، ثم زاد إنتاجه وذاع صيته كمؤلف موسيقى. عانى بيتهوفن كثيراً في حياته، عائلياً وصحياً، فبالرغم من أن أباه هو معلمه الأول الذي وجه اهتمامه للموسيقى ولقنه العزف على البيانو والكمان، إلا أنه لم يكن الأب المثالي، فقد كان مدمناً للكحول، كما أن والدته توفيت وهو في السابعة عشر من عمره بعد صراع طويل مع المرض، تاركة له مسؤولية العائلة. مما منعه من إتمام خطته والسفر إلى ڤيينا، عاصمة الموسيقى في ذلك العصر. فهل كان التأليف الموسيقي هو نوع من أنواع العلاج والتغلب على المشاكل بالنسبة لبيتهوفن؟

وكانت بون هي مقر الناخب الأسقفي لكولوني Cologne التي كانت إحدى إمارات أراضي الراين (قبل أن يقضي نابليون على الحكم ذى الطابع الديني فيها) التي يحكمها رؤساء أساقفة كاثوليك يميلون إلى دعم الفنانين ذوي السلوك الحسن، ورغم أن حكمهم كان ذا طابع ديني إلا أنهم أيضا كانوا ذوي ميول علمانية فاتنة منها دعم الفنانين ذوي السلوك الحسن كما أسلفنا. وكان الجانب الأكبر من سكان بون البالغ عددهم 065،9 نفساً يعتمدون على المؤسسة التي أقامها الناخب الحاكم electoral establishment (أو مؤسسة الإمارة أو مؤسسة الدولة) وكان جد بيتهوفن مغنيا جهير الصوت عميقه في كورس (جوقة المنشدين) الناخب Elector (الناخب في هذا السياق هو من له حق انتخاب الإمبراطور والمعنى الأقرب لفهم القارئ العربي هو: الأمير) كما كان أبو بيتهوفن (جوهان فان بيتهوفن) صادحا tenor (مغن عالي الصوت يفوق صوته كل من يشترك معه في الغناء) في الفرقة نفسها. وترجع الأسرة إلى أصولٍ هولندية إذ كانت قد أتت من قرية بالقرب من لوفين Louvain. والكلمة الهولندية فان Van تشير إلى مكان الأصل ولا تشير كالكلمة الألمانية فون Von أو الفرنسية de إلى لقب نبالة أو حيازة ممتلكات تؤهل للنبالة.

ولم يكن للأب فيما يبدو سوى راتبه مغنياً صادحاً في بلاط الناخب (الأمير) ومقداره ثلاثمائة فلورين florin فعاشت الأسرة في أحد أحياء الفقراء في بون Bonn، ولم يكن المحيطون ببيتهوفن والمرتبطون به من النوع الذي يجعل منه رجلا مهذبا (جنتلمان)، لذا فقد ظل متمردا فظا (غير مصقول) وقد حث والد بيتهوفن ابنه - أو أجبره - وهو في الرابعة من عمره على العزف على البيان أو الفيولين عدة ساعات نهارا وأحيانا ليلا، رغبة من الوالد في تحسين دخل الأسرة بتقديم ابنه كعازف معجزة. ومن الظاهر أن الطفل لم يكن لديه من نفسه وازع يحثه على عزف الموسيقا وسماعها. وعلى وفق شهود عيان كثيرين أن الطفل (بيتهوفن) كان يجبر على العزف بطرق قاسية حتى إنه كان يبكي في بعض الأحيان. وأحب الطفل الموسيقا بعد أن تعرض لآلام كثيرة بسببها، وظهر بيتهوفن وهو في الثامنة من عمره مع تلميذ آخر في حفلة موسيقية عامة في 62 مارس سنة 1778 وحصل على عائد مادي لم تذكره المصادر. وحث الأصدقاء الأب على التعاقد مع معلمين لينموا مواهب لودفيج Ludwig بيتهوفن.

وبالإضافة لهذا تلقى بعض التعليم الرسمي. لقد علمنا أنه التحق بمدرسة حيث تعلم اللاتينية بقدر يكفي لأن يبث في بعض خطاباته بعض التلفيقات اللاتينية المضحكة. وتعلم قدرا من الفرنسية (التي كانت هي اللغة العالمية في هذا العصر) بقدر يمكنه من الكتابة بها بشكل مفهوم. ولم يتعلم أبداً كيف يكتب هجاء الكلمات في أي لغة بشكل صحيح وقلما كان يكلف نفسه عناء استخدام علاقات الترقيم، لكنه كان يقرأ بعض الكتب بشكل جيد، وكانت هذه الكتب التي قرأها تتراوح بين روايات سكوت Scott والشعر الفارسي Persian وكان ينقل في دفتر خاص به نتفاً من الحكمة التي يلتقطها من قراءاته. ولم يكن يمارس الرياضة إلا من خلال أصابعه (يقصد عزفه على الآلات الموسيقية) وكان يحب أن يرتجل to improvise ولم يكن يضارعه في هذا سوى أبت فوجلر Abt Vogler وفي 1784 تم تعيين ابن مارياتريزا الأصغر - ماكسمليان فرانسيس Maximilian Francis - ناخبا لكولوني (على وفق مصطلح العصر في هذه المنطقة، فإن الناخب يعني من له حق المشاركة في اختيار الإمبراطور الجديد، (ولعل كلمة أمير تقرب المعنى للقارئ العربي فهو إذن قد تم تعيينه أميراً لكولوني) فاتخذ بون مقرا لإقامته، وكان رجلا رحيما رفيقا مولعاً بالطعام والموسيقا وأصبح لفرط حبه للطعام أسمن رجل في أوربا لكنه أيضا جمع أوركسترا من إحدى وثلاثين قطعة موسيقية. وعزف بيتهوفن وهو في الرابعة عشرة من عمره الفيولا (الكمان الأوسط) في هذه الأوركسترا. كما كان له جمهور مستمعين أيضا كعازف مساعد على الأرغن في البلاط (بلاط الناخب) والمعنى أنه كان يعزف على الأرغن إذا غاب العازف الرئيسي، وكان يتقاضى راتبا على هذه المهمة مقداره 150 جلدن gulden (نحو 750 دولاراً؟؟) في العام، وكتب المسئولون عنه تقريرا للناخب (الأمير) في سنة 1785 بأنه كفء... هادئ وسلوكه حسن، وفقير.

وفي سنة 1767 تزوج جوهان فان بيتهوفن من أرملة شابة هي ماريا ماجدالينا كيفيرتش لايم Laym ابنة طباخ في إيرنسبريتشتين Ehrensbreitstein وأصبحت ماريا أما يحبها بشدة ابنها المشهور لبساطتها، وقلبها الحنون. وقد أنجبت لزوجها سبعة أطفال مات أربعة منهم في مرحلة الطفولة، وتبقى لها الإخوة: لودفيج Ludwig وكاسبار كارل (1774 - 1815) ونيكولاوس جوهان (1776 - 1848).

ورغم بعض الشواهد على قيامه بمغامرات جنسية، فإن سلوكه الطيب ونمو كفاءته الموسيقية وتطورها جعلت الناخب (الأمير) يسمح له، برحلة إلى ڤييناعلى نفقته (أي نفقة الناخب) لدراسة التأليف الموسيقي. وسرعان ما استقبله موزارت Mozart بمجرد وصوله، وكان موزارت قد سمع عزفه فامتدحه امتداحا معتدلا بشكل مخيب للآمال ظنا منه أن مقدرة الشاب على العزف متوقفة على هذه القطعة التي عزفها والتي عزفها قبله كثيرون، فلما أحس بيتهوفن منه هذا الشك طلب منه (من موزارت Mozart) أن يقدم له مقطوعات مختلفة لعزفها على البيانو، فانبهر موزارت بخصوبة الشاب وتمكنه من العزف، فقال لأصدقائه راقبوه، فسيقدم في يوم من الأيام للعالم ما يجعله موضع حديث لكن هذه القصة تبدو بغير أساس، فقد كان موزارت يعطي الفتى بعض الدروس، إلا أن موت والد موزارت - ليوبولد - في 28 مايو 1787، ووصول أخبار بأن أم بيتهوفن تحتضر قطعت هذه العلاقة التي لم تطل، إذ أسرع بيتهوفن عائداً إلى بون ليكون إلى جوار أمه وهي تموت (17 يوليو).

وكتب والد بيتهوفن الذي كان صوته الصادح قد تدهور منذ مدة طويلة، كتب للناخب (الأمير) واصفاً فقره المدقع طالباً منه المساعدة. ولم يصل إلينا ما يفيد أنه تلقى ردا لكن مغنياً آخر في الخورس (جوقة العزف في بلاط الناخب) قدم له يد العون، وفي سنة1788 أضاف لودفيج بيتهوفن نفسه للأسرة دخلاً إضافيا بتدريسه البيان لإليانور فون بروننج Eleonore Von Breuning وأخيها لورنز (لورنتس Lorenz) وقد استقبلته الأم الأرملة الثرية المثقفة كابن من أبنائها، وقد أثرت هذه الصداقة إلى حد ما في تهذيب شخصية بيتهوفن. ومن الذين قدموا لبيتهوفن يد العون الكونت فرديناند فون فالدشتين Count Ferdinand Von Waldstein (1792 - 1823) الذي كان هو نفسه موسيقياً وصديقا مقربا للناخب (الأمير) إذ إنه عندما علم بفقر بيتهوفن راح يرسل له بين الحين والحين أموالا زاعما أنها من الناخب نفسه (من الأمير) وقد أهدى إليه بيتهوفن في وقت لاحق سوناتا البيانو (Opus 53 in C Major) التي حملت اسمه .. وكان لودفيج بيتهوفن لا يزال في حاجة إلى مساعدة أكثر من تلك التي كان يتلقاها حتى الآن لأن والده المكتئب كان قد استسلم للكحول (أدمن معاقرة الخمر) وتم إنقاذه من الاحتجاز (أو القبض عليه) يشق النفس لما يسببه من إزعاج عام. وفي سنة 1789 أخذ بيتهوفن على عاتقه - ولم يكن قد تجاوز التاسعة عشرة من عمره - مسئولية إخوته الأصغرين سنا وأصبح هو رأس الأسرة من الناحية الرسمية، وفي 02 نوفمبر صدر مرسوم من الناخب (الأمير) بإنهاء خدمة جوهان (يوهان) فان بيتهوفن (والد لودفيج بيتهوفن) على أن يدفع نصف راتبه السنوي وقدره مائة ريخشالر reichsthalers لابنه لودفيج بيتهوفن ونصفه الآخر لأخيه الأكبر، واستمر بيتهوفن في كسب مبالغ بسيطة كعازف رئيسي للبيان وأرغني ثان (عازف ثان للأرغن) في أوركستر الناخب (الأمير).

وفي سنة 1790 توقف فرانز (فرانتس) جوزيف هايدن Haydn - وهو عائد مكلل بالنصـر مـن لنـدن - فـي بـون وهـو فـي طريقـة إلى ڤيينا، فقدم له بيتهوفن كنتاته Cantata كـان قـد ألفهاـ مؤخـرا فامتدحهـا هايـدن، وربمـا علــم الناخـب (الأمـير) بشـيء من هذا الثناء، فلبى اقتراحاً بإرسال الشاب إلى ڤيينا للدراسة مع هايدن وأن يتلقى راتبه في الوقت نفسه كموسيقي عامل في بلاط الناخب (الأمير) وربما كان الكونت فون فالدشتين Waldstein وراء هذه المنحة التي تلقاها صديقه الموسيقي الشاب. لقد كتب في ألبوم لودفيج كلمة وداع كالتالي: عزيزي بيتهوفن، أنت راحل إلى ڤيينالإنجاز ما طالما تقت كثيراً لإنجازه. إن عبقرية موزارت (الذي كان قد مات في 5 ديسمبر 1971) لايزال ينعيها الناعون.. فلتعمل بجد ولتتلق روح موزارت من أيدي هايدن. صديقك المخلص فالدشتين Waldstein.

وغادر بيتهوفن بون وأباه وأسرته وأصدقاءه في أول نوفمبر سنة1792 أو في يوم قريبا من هذا التاريخ. وسرعان ما احتلت قوات الثورة الفرنسية بون فهرب ناخبها (أميرها) إلى مينز (منتس Mainz) ولم ير بيتهوفن بون بعد ذلك أبداً.

بيتهوفن العاشق

بعد أن حقق بيتهوفن الاستقرار في أحواله الاقتصادية راح يرنو لزوجة، فطالما كان تواقا لذلك. لقد كان رجلاً حارا محبا للجنس، ومن المفترض أنه وجد متنفسات مختلفه لطاقته لكنه شعر منذ فترة طويلة بحاجته إلى شريكة حياة دائمة. لقد كان في بون في حالة عشق دائمة على وفق ما ذكره صديقه فيجيلر Wegeler وفي سنة 1801 ذكر لصديقه هذا فتاة حلوة عزيزة تحبه ويحبها ويفترض بشكل عام أنه يقصد تلميذته ذات السبعة عشر ربيعا الكونتيسة جوليا جويشياردي Guilia Guicciardi إلا أنها - على أية حال - تزوجت الكونت جلنبرج Gallenberg. وفي سنة 1805 عقد بيتهوفن آماله على الكونتيسة الأرملة جوزفين فون ديم Jovephine Von Deym التي أرسل لها إعلانا عاطفيا كالتالي: إنني هنا أعدك وعدا مقدسا أنه في غضون وقت قصير سأقف أمامك وأنا جدير بنفسي وبك - آه لو أنك - فقط - راعيت هذا الذي أعنيه، وهو أن أجد سعادتي في أساليب حب لم ترينها.. آه يا جوزفين الحبيبة إن رغبتي فيك ليست رغبة رجل في امرأة (ليست للجنس) وإنما رغبتي فيك أنت لشخصك، إنها فيك كلل متكامل، بكل صفاتك. إن هذا هو كل ما ستحوز على مشاعري نحوك، وكا ما يسترعي اهتمامي حيالك.. دعيني آمل أن يدق قلبك من أجلي، أما قلبي فلن يتوقف عن الدق حباً لك إلا إذا صمت للأبد ولم يعد يدق أبداً. ويظهر أن الليدي كان لها تطلعات أخرى، فبعد ذلك بعامين كان بيتهوفن لا يزال يرنو للقياها والتقدم لها فلم تجبه وفي مارس 7081 أحب بالعمق نفسه مدام ماري بيجوت Marie Bigot، فاعترض زوجها. فأرسل بيتهوفن خطاب اعتذار لها ولزوجها: عزيزتي ماري، عزيزي بيجوت. إن من مبادئي الأساسية ألا أدخل في أية علاقة - سوى علاقة الصداقة - مع زوجة رجل آخر.

وفي 14 مارس 1809 كتب إلى بارون فون جليشنشتاين Gleichenstein: الآن يمكنك مساعدتي بالبحث لي عن زوجة. حقيقة أنه يمكنك أن تجد بعض الفتيات الجميلات في فرايبورج Freiburg ربما يكن قد تنهدن لموسيقاي...إن وجدت واحدة منهن فمن فضلك اعقد رباطا بيني وبينها سلفا (لحين وصولي) - لكن لابد أن تكون جميلة فمن غير الممكن أن أحب أي شيء غير جميل، وإلا لكنت قد أحببت نفسي. لكن يحتمل أن يكون هذا الخطاب أحد فكاهات (نكات) بيتهوفن. وكان أمره مع تيريز مالفاتى Therese Malfatti أكثر جدية، وكانت هي الأخرى إحدى تلميذاته، وكانت ابنة طبيب مشهور. ويشير خطابه لها والمؤرخ في 8 مايو سنة 0181 أن حبه كان مقبولا منها. وفي 2 مايو أرسل بيتهوفن طلبا عاجلا إلى صديقه فيجلر - وكان وقتها في كوبلنز (كوبلنتس) - أن يذهب إلى بون ليستخرج له شهادة معمودية (التي يظهر فيها تاريخ الميلاد) لأنهم يقولون إنني أكبر سنا مما أنا عليه ونفذ فيجلر الطلب، لكن بيتهوفن لم يتابع الأمر، وفي شهر يوليو كتب ستيفان فون بروننج Bruning إلى فيجلر: أعتقد أن مشروع زواجه قد فشل، ولهذا السبب لم يعد يشعر برغبة في شكرك على ما بذلته من جهد لاستخراج هذه الشهادة. لقد ظل بيتهوفن حتى الأربعين من عمره يصر على أنه ولد في سنة 1772، بينما تشير شهادة المعمودية (التي يظهر فيها تاريخ الميلاد) أنه ولد في سنة 1770.

وبعد وفاته عثر على ثلاثة خطابات في درج مغلق، وكانت هذه الخطابات من بين أرق وأحر خطابات الحب التي عرفها التاريخ. لكنه لم يرسلها أبدا، ولم يذكر فيها اسما بعينه ولا عنوانا، فظلت خطابات غامضة.. الخطاب الأول يحمل تاريخ 6 يوليو صباحا، ويحكي عن قيامه (بيتهوفن) برحلة تواقة إلى مكان غير محدد في المجر للقاء امرأة، وفيما يلي بعض عبارات هذا الخطاب: يا ملاكي، يا كلي، يا نفسي (ياروحي).... أيمكن أن يصمد حبنا إلا من خلال التضحيات - إلا بالكف عن طلب كل شيء - أيمكنك أن تغيريه فلا تكوني كلية لي، ولا أكون كلية لكِ - آه يا إلهي طالع جمال الطبيعة، ولتقر عينك بهذا الذي يجب أن يكون - الحب يحتاج لكل شيء - سنلتقي يقيناً في وقت أوشك حينه.. قلبي مليء بالكثير الذي أودّ قوله لك. آه إن هناك لحظات أشعر فيها مع ذلك أن الكلام ليس شيئا (لاقيمة له)، فلتبق حقيقتي، وكنزي الوحيد، وكلي (وكل كياني) تماما كما أنا بالنسبة لكِ فأنا حقيقتك وكنزك الوحيد وكلك (روحك)... والخطاب الثاني مختصر كثيرا وهو مؤرخ في مساء الأحد، 6يوليو وينتهي كالتالي: آه ياإلهي، كم أنت قريب وكم أنت متعال! أليس حبنا حقا صرحا سماويا - محكم كالقبة الزرقاء. أما الخطاب الثالث فنقرأ فيه مايلي: صباح الخير - كتب في 7 يوليو رغم أنني في سريري إلا أن أفكاري تنطلق إليك ياحبي الخالد سعيدة طورا وحزينة طورا، في انتظار أن أعرف هل سيصغي لنا القدر أم لا. إن حياتي لاتكون كاملة إلا بك، فإما حياة أنت فيها بجانبي وإما لا حياة - نعم لقد قررت أن أتجول طويلا بعيدا عنك حتى أستطيع أن أطير إلى ذراعيك، لأقول ساعتها إنني أصبحت حقا في بيتي، وأرسل روحي لتستقر فيك في عالم الأرواح.... آه ياإلهي، لم كان ضروريا أن أفارق من أحب لتصبح حياتي في ڤيينابائسة؟.

لقد جعلني حبك في وقت من الأوقات أسعد الرجال وأتعسهم - ففي مثل عمري أحتاج حياة ثابتة مستقرة.. كوني هادئة، فبالهدوء وحده يمكن أن نحقق هدڤيينابالعيش معا - كوني هادئة - فلتحبيني - اليوم - الأمس - أشتاق إليك حتى البكاء - حياتي - كل كياني - وداعا - آه، واصلي حبك لي - لاتظلمي قلب حبيبك لودفيج وهو أكثر القلوب حبا لك. سأكون لك دوما. ستكونين دوما لي، سيكون كل منا للآخر دوما. من هي؟ لا أحد يعرف. لقد انقسم مؤرخو حياته فمنهم من قال إنها الكونتيسة Guicciardi - Gdllenberg ومنهم من قال إنها الكونتيسة تيريز فون برونسفيج Therese von Brunswig، ولم يلحق أي كونتيسة منهما ضرر. من الواضح أن الليدي كانت متزوجة، وإن كان الأمر كذلك يكون بيتهوفن بتودده لها قد نسي المبدأ الممتاز الذي اعترف به لآل بيجوت Bigots (والذي أشرنا إليه آنفا). وعلى أية حال، فهو لم يرسل هذه الخطابات ولم يحدث ضرر لأي طرف من الأطراف وربما استفادت الموسيقا من هذا الحب.


حياته في ڤيينا عاصمة الموسيقى 1792 - 1802

Portrait of Beethoven as a young man by Carl Traugott Riedel (1769–1832)

في 1789 م تحقق حلمه أخيراً، فقد أرسله حاكم بون إلى ڤيينا، وهناك تتلمذ على يد هايدن. ولكن بيتهوفن، صاحب الألحان واجه بعض الخلافات مع معلمه، وعندما سفر هايدن إلى لندن، تحول بيتهوفن إلى معلمين آخرين مثل ساليري وشينك وألبريشتبيرجر. وقد أسهمت كل هذه الدروس والاحتكاكات في تكوين شخصية بيتهوفن الفنية. وحاول أن يشق لنفسه طريق كعازف في عاصمة الموسيقى، وسرعان ما لاقى مكانة كبرى خاصة في الأوساط الأرستقراطية. فقد حاز بإعجاب الأسرة الملكية وعومل كصديق أكثر منه مؤلفاً. بالرغم من ذلك فقد عاش ومات فقيراً، غناه هو أعماله الفنية المتميزة. فقد جاء إنتاجه الفني غزيراً حتى بعد إصابته بالصمم.

عندما وصل إلى ڤيينا وجدها تعج بالموسيقيين المتنافسين على من يرعاهم وعلى جمهور المستمعين والناشرين، والذين ينظرون بازدراء لكل قادم جديد، فلم يجدوا في هذا القادم الجديد من بون جمالا يلطف وقع قدومه فقد كان لودفيج بيتهوفن قصير ا ممتلئ الجسم متجهم الملامح (أطلق عليه أنطون إيسترهيزي اسم البربري the Moor به آثار الجدري (بقايا بثور الجدري)، صف أسنانه الأمامي الأعلى بارز عن صف أسنانه الأمامي الأسفل، وأنفه عريض ممتلئ، وله عينان غائرتان متحديتان، أما رأسه فمثل كرة الرصاص يغطيه بشعر مستعار ولحية a wig & a van. لم تكن شخصيته مهيأة لتكون ذات بعد جماهيري سواء بين العامة أو بين منافسيه من الموسيقيين ومع ذلك فلم يعدم - إلا نادرا - صديقاً منقذاً (يسعفه وقت اللزوم) وسرعان ما وصلت الأخبار بوفاة والده (81 ديسمبر 2971) وظهرت بعض المشاكل فيما يتعلق بنصيب بيتهوفن في راتب أبيه السنوي إذ قدّم بيتهوفن التماساً للناخب [الأمير] طالباً استمرار هذا الدخل السنوي، فرد الناخب الأمير بمضاعفة هذا الدخل وأضاف: لابد من تقديم ثلاثة مكاييل من الحبوب له... لتعليم أخويه (كارل وجوهان اللذين كانا قد انتقلا إلى فينا. وكان بيتهوفن ممتنا إذ انتهى إلى حلول طيبة. لقد كتب في ألبوم أحد أصدقائه في 22 مايو 1793 مستخدما كلمات شيلر في مؤلفه دون كارلوس Don Carlos: إنني لست شريرا - فالدم الحار هو خطئي - إن جريمتي أنني شاب... فرغم أن الانفعالات والعواطف الجياشة قد تخدع قلبي وتخرجه عن جادة السبيل، إلا أن قلبي طيب. وقرر أن يفعل كل ما يقدر عليه من الخير، وأن يحب الحرية قبل أي شيء آخر، وألا ينكر الحق حتى أمام العرش.

وأخضع مصروفاته لتكون في الحد الأدنى خاضعا لأحكام الضروة: بالنسبة إلى شهر ديسمبر سنة 1792، 41 فلوريناً (نحو 53 دولاراً؟) للإيجار، ستة فلورينات لتأجير پيانو، الأكل، في كل وجبة 21 كروزر Kreuzer (ستة سنتات) وجبات مع نبيذ 5،6 فلورين (52و 61 دولار؟؟)، وثمة أوراق أخرى للتذكرة تدرج هايد Haydn (كتبها بيتهوفن Haiden) باعتبار أن تكاليف الدروس التي يتلقاها بيتهوفن على يديه في أوقات مختلفة تبلغ جروشين two groschen (بنسات قليلة)، ومن الواضح أن هايدن لم يكن يطلب إلا القليل لقاء دروسه. وقد قبل التلميذ (بيتهوفن) لفترة تصويبات أستاذه بتواضع لكن مع استمرار الدروس وجد هايدن أنه من المستحيل أن يقبل ابتعاد بيتهوفن عن قواعد التأليف الموسيقي التقليدية. وقرب نهاية سنة 3971 هجر بيتهوفن أستاذه العجوز وراح يتردد ثلاث مرات في الأسبوع لدراسة فن مزج الألحان (الكونتربوينت Counterpoint) على يد جوهان جورج البرختشبيرجر Albrechtsberger وهو رجل حقق شهرة معلماً أكثر منه مؤلفاً موسيقياً. وفي الوقت نفسه كان يدرس لثلاثة أيام في الأسبوع آلة الفيولين مع إجناز (إجناتس) شبانتزج وفي سنة 1795 كان قد أخذ كل ما يحتاجه من ألبرختشبيرجر Albrechtsberger فتردد على أنطونيو ساليري Salieri الذي كان وقتها مديرا لأوبرا ڤيينالدراسة التأليف الموسيقي للأصوات. ولم يكن ساليري يتلقى شيئا من التلاميذ الفقراء. وقدم بيتهوفن نفسه له كفقير فقبله. وقد وجده كل هؤلاء المدرسين الأربعة تلميذا صعب المراس تندفع منه أفكار خاصة به ويرفض أن يشكل نفسه على وفق النظرية الموسيقية التي يقدمها له معلموه. ويمكننا أن نتخيل الرعدات (الارتجافات) التي كانت تعتري بابا هايدن Papa Hayden (الذي عاش حتى سنة 1809) بسبب مؤلفات بيتهوفن بالجهورية (المصوتية الموسيقية Sonorities) وعدم الاتساق. ورغم انحراف بيتهوفن عن الطرق المألوفة المطروقة (وربما بسبب ذلك) فقد حققت إنجازات بيتهوفن له بحلول عام 1794 شهرة باعتباره أكثر عازفي البيانو (مؤلفي المقطوعات الموسيقية للبيان) تشويقا في ڤيينا. لقد ربح البيانو الحديث معركته مع البيانو القيثاري (الذي يتخذ شكل قيثارة). وكان جوهان (يوهان) كريستيان باخ Bach قد بدأ في سنة 1768 في إنجلترا عزف الألحان الصولو Solos (لحن معد ليعزف على آلة واحدة) على البيانو، وأخذ موزارت بهذا الأسلوب تبعهما هايدن في سنة 0871، وكان موزيو كليمنتى Muzio Clementi يؤلف الكونشرتات (الألحان التي تعزف بمصاحبة الأوركسترا) المخصصة للعزف على البيانو، والتي كانت لمرونتها عواناً بين البيانو والفورت forte (الشديد أي النغم الذي يعزف بشدة) وبين الستاكاتو Staccato (مقطع موسيقي متقطع) والسوستنوتو Sostenuto. لقد استخدم نابليون إمكانات البيانو استخداما كاملا، كما صب كل قدراته هو نفسه لإنتاج كل مايمكن من أعمال موسيقية للبيانو، خاصة في أعماله المرتجلة (غير المعدة سلفا) حيث لايعوق أسلوبه الموسيقي أية نوت موسيقية مطبوعة. وقد أعلن - في وقت لاحق - فرديناند ريس Ries تلميذ هايدن وتلميذ بيتهوفن أيضاً أنه: لا يوجد فنان أبداً فيمن أعرف من الفنانين أو سمعت عنهم يداني بيتهوفن في هذا الفرع من العزف. إن ثروة الأفكار التي تتزاحم فيه (في بيتهوفن)، والترددات والنزوات الفكرية التي يستسلم لها، وتغير المعالجة ومواجهة الصعاب اللحنية تمثل فيه طاقة لاتنفد.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النضج الموسيقي

Beethoven in 1803, painted by Christian Horneman
Ludwig van Beethoven: detail of an 1804 portrait by Joseph Willibrord Mähler. The complete painting depicts Beethoven with a lyre-guitar

لقد اقتصرت شهرته على تمكنه من عزف البيان، ووصلت هذه الشهرة إلى براغ prague وبرلين اللتين زارهما في سنة 1796. لكن في هذه الأثناء راح يؤلف الموسيقا، ففي 12 أكتوبر 1795 نشر مجموعة قطعه الموسيقية الأولى (من تأليفه) Opes (الثلاثية الكبيرة Three Grand Trios) التي أعلن جوهان كرامر Johann Cramer بعد عزفها إن هذا الرجل (يقصد بيتهوفن) قد عوضنا عن موت موزارت وتأثر بيتهوفن بهذا المديح فكتب في دفتر مذكراته: ياللتشجيع! فرغم كل ما يعتري جسمي من وهن، فإن روحي هي التي ستحكم مسيرتي.. إن هذا العام سيجعل مني رجلا كاملا. سأنجز كل شيء ولن أؤجل عملا وفي سنة 1797 دخل نابليون حياة بيتهوفن للمرة الأولى، ولم يكن له فيها وجود قبل ذلك. لقد طرد الجنرال الشاب النمساويين من لومبارديا وقاد جيوشه عبر جبال الألب وكان يقترب من ڤيينا فراحت العاصمة (ڤيينا) تعد دفاعاتها بشكل مرتجل بقدر ما تستطيع. لقد راحت تعد المدافع وتجهزها، وتؤلف الترانيم الدينية ليحفظ الله النمسا، وكتب هايدن الآن النشيد الوطني للنمسا: ليحفظ الله فرانتس Gott erhalte Franz den Kaiser, unsern guten kaiser Franz وألف بيتهوفن موسيقا لأغنية حرب أخرى تطالب كل الألمان بمساندة النمسا dertsch Volk sind wir Ein grosses وفي وقت لاحق اعتبر النمساويون هذه المؤلفات الموسيقية ككتائب كثيرة العدد لكنها لم تحرك مشاعر نابليون الذي أجبرهم على سلام مخزٍ.

وبعد ذلك بعام أتى الجنرال بيرنادوت (Bernadotte إلى ڤيينا ليكون السفير الفرنسي الجديد وصدم المواطنين (أهل فينا) بأن رفع من شرفته علم الثورة الفرنسية ذا الألوان الثلاثة. وأعلن بيتهوفن صراحة - كان بالفعل معجبا بالأفكار الجمورية - إعجابه بنابليون، وغالبا ما كان يرى في حفلات الاستقبال التي يعدها السفير الفرنسي الجديد(41). ويظهر أن بيرنادوت هو الذي اقترح على بيتهوفن فكره تأليف عمل موسيقي لتكريم نابليون وتشريفه.

وأهدى بيتهوفن في سنة 1790 مجموعة ألحانه رقم 31 Opes والتي جعل لها عنواناً هو Grande Sonate Pathetiaqe للأمير ليشنوفسكي Lichnowsky اعترافاً بأفضاله أو أملا في أفضال تأتيه على يديه. لقد كان بإهدائه هذا يرنو لمصلحة قريبة. وكان رد الأمير (0081) هو أن وضع ستمائة جلدن gulden تحت تصرف بيتهوفن حتى أحصل (أي بيتهوفن) على تعيين مناسب(61). لقد بدأت هذه السوناتا ببساطة وكأنها مقتبسة بتواضع من أعمال موزارت Mozart إلا أنها سرعان ما تشابكت وتعقدت لكنها اعتبرت في وقت لاحق بسيطة إلى جانب سوناتات الهمركلافير the Hammerklavier Sonatas أو الأباشيوناتا Appassionata وكانت السيمفونية الأولى (1800) وسيمفونية ضوء القمر في (C Sharp minor) سنة 1801 هما الأسهل سواء من ناحية العزف أو من ناحية القدرة على تذوقهما. ولم يعط بيتهوفن مقطوعته الأخيره اسمها المشهور لكنه أطلق عليها (Sonata quasi Fantazia) ويظهر أنه لم يكن ينوي تحويلها إلى أغنية محببة. حقيقة أنه أهداها إلى الكونيتسة جوليا جوشياردي Giulia Guicciardi التي كانت من بين ربات الجمال اللائي لم يمسهن واللائى أوحين له بألحانه الموسيقية الحالمة، لكنها (أي السوناتا) كتبت لمناسبة أخرى مختلفة.

لقد شهد عام 2081 إحدى أغرب الوثائق في تاريخ الموسيقى التي طالما رجع إليها الباحثون، وهي جديرة بذلك. إنها الوثيقة السرية وثيقة هيليجنشتادت Heiligenstadt Testament التي لم يكشف عنا إلا عندما تم العثور عليها بين أوراق بيتهوفن بعد وفاته. إنها وثيقة لا يمكن فهمها إلا من خلال مواجهة صريحة مع شخصيته. لقد كان يتمتع بكثير من الصفات الطيبة في شبابه، روح مرحة، ميل للفكاهة، إخلاص في الدراسه، استعداد لتقديم العون للمحتاج، وظل كثيرون من أصدقائه في بون - مثل مدرسة كريستيان جوتلوب نيف Neefe وتلميذته إليانور فون بروننج Eleonore Von Breuning وراعيه الكونت فون فالدشتين Waldstein - أوفياءله رغم أن نظرته للحياة راحت - بشكل متزايد - تتسم بالمرارة. وعلى أية حال فقد راح يفقد صديقا إثر صديق في ڤييناحتى كاد يصبح وحيدا لكن أصدقاءه عندما علموا أنه على وشك الموت عادوا إليه وبذلوا كل ما في طاقتهم لتخفيف آلامه.

صمم بيتهوفن والتحول الكبير في شخصيته

Beethoven in 1815 portrait by Joseph Willibrord Mähler

بدأت إصابة بيتهوفن بصمم بسيط عام 1802، فبدأ في الانسحاب من الأوساط الفنية تدريجياً، وأمضى حياته بلا زواج يرتبط بعلاقات عدة مع سيدات صغيرات. إلا أنه لم يتوقف عن الإنتاج الفني، ولكن أعماله اتخذت اتجاه جديد. ومع ازدياد حالة الصمم التي أصابته، امتنع عن العزف في الحفلات العامة، وابتعد عن الحياة الاجتماعية واتجه للوحدة، وقلت مؤلفاته، وأصبحت أكثر تعقيداً. حتى أنه رد على انتقادات نقاده بأنه يعزف للأجيال القادمة. وبالفعل مازالت أعماله حتى اليوم من أهم ما أنتجته الموسيقى الكلاسيكية العالمية. واكتسبت اثنان من السيمفونيات التي كتبها في صممه أكبر شعبية، وهما السيمفونية الخامسة والتاسعة. كما أنه أحدث الكثير من التغييرات في الموسيقى، وأدخل الغناء والكلمات في سيمفونيته التاسعة.فجاءت رسالته إلى العالم "كل البشر سيصبحون إخوة

وحاول خلال السنوات المزعجة أن يلغي الأحزان التي مررت حياته (جعلتها مريرة)، ففي خطاب بتاريخ 29 يونيو 1801 كتبه لأحد أصدقاء شبابه وهو فرانز (فرانتس) فيجلر Franz Wegeler: طوال السنوات الثلاث الأخيرة أجد سمعي يضعف بالتدريج. وربما يرجع ذلك للآلام التي أعانيها في بطني.. والتي جعلت حياتي بائسة حتى قبل مغادرتي بون، لكنها غدت أسوأ في ڤييناحيث كنت مبتلى باستمرار بالإسهال وكنت أعاني من اعتلال غير عادي .. وظل هذا هو حالي حتى خريف آخر عام وأحيانا كنت أستسلم لليأس. يجب أن أعترف أنني حبيس حياة بائسة. فطوال عامين كدت لا أحضر أية مناسبة اجتماعية لأنني لم أكن قادرا على أن أقول للناس: إنني أصم. لو أن لدي مهنة أخرى لكنت قادرا على التغلب على عجزي (صممي)، لكن صممي هذا مصيبة بالنسبة إلي، وأنا عازف ومؤلف موسيقي. إن الله وحده يعلم ما ستأتي به الأيام بالنسبة لي. إنني بالفعل ألعن خالقي وألعن وجودي. أرجوك لاتذكر أي شيء عن ظروفي لأي أحد ولا حتى للورشين Lorchen إليانور فون بروننج.

وقضى بيتهوفن شطراً من عام 1802 في قرية هيليجنشتادت Heiligenstadt الصغيرة القريبة من جوتنجن Gottingen آملاً فيما يبدو الاستفادة من حماماتها الكبريتية. وفي أثناء تجوله في الغابات القريبة رأى على مسافة قريبة منه راعيا ينفخ في مزمار، ولكنه لم يسمع شيئا، فتحقق الآن فقط أنه لن يصل إلى سمعه سوى أصوات الأوركسترا العليا. وكان قد بدأ بالفعل قيادة الفرق الموسيقية كما كان قد بدأ التأليف الموسيقي لذا فقد سقط صريع اليأس عندما تحقق أنه لايسمع موسيقا مزمار الراعي، فذهب إلى غرفته وكتب في 6 أكتوبر 1802 ما عرف باسم وثيقة هيليجنشتادت كوثيقة روحية واعتذارية، ورغم أنه ذكر شيئا عنها لأخوية كارل و - بيتهوفن إلا أنه أخفاها بعناية عن كل العيون، ونحن هنا ننقل سطورها الأساسية: أنتم أيها الناس الذين ظننتم (وقلتم) أنني حقود أو عنيد أو كاره للبشر، كم أنتم مخطئون في حقي، فأنتم لم تعلموا السر الكامن وراء ظهوري بهذا المظهر. لقد كان قلبي وعقلي منذ طفولتي ميالين للعمل الخيّر وكنت دوما تواقا لإنجاز الأعمال العظيمة لكنني أصبحت الآن منذ ست سنوات فاقد الأمل، وتفاقم هذا بسبب الأطباء الحمقى.. وأخيرا أجبرت على مواجهة ما هو متوقع من استمرار مرضي... لقد ولدت صاحب مزاج متوهج حي بل وحساس لانحرافات المجتمع، فأجبرت منذ وقت باكر على العزلة وعلى أن أعيش وحيدا، وعندما حاولت في بعض الأوقات نسيان ذلك كله صدمت صدمة ما أقساها! لقد كانت صدمة مضاعفة إذ فقدت ما بقي من سمعي، وضاعف الحزن أنني لم أكن استطيع أن أقول للناس تحدثوا بصوت أعلى! اصرخوا، فأنا أصم . آه كيف أقر بصممي، ومن المفترض أنني كموسيقي، أكمل ما يكون في حاسة سمعه... آه لا أستطيع أن أقر بذلك العجز، لذا سامحوني إذ رأيتموني أبتعد عنكم بينما كان المفروض أن أسعد بالاندماج معكم... آه يا للخزي عندما يجلس بجواري شخص يسمع الفلوت flute على البعد بينما أنا لا أسمع شيئا. إن مثل هذه الأحداث أسلمتني لحافة اليأس، بل ولما هو أكثر قليلا من ذلك وهو أن أضع حداً لحياتي، ولم ينقذني سوى الفن. آه لقد بدا لي أنه من المحال أن أترك العالم إلا بعد أن أنتج كل ما شعرت أنه يطالب بإخراجه للناس... آه أنت أيها الواحد القدوس Divine One الذي تعلم ما يخفيه صدري وما تكنه روحي. أنت تعلم أن حب البشر والرغبة في حياة صالحة كامنين في أعماقي. أيها الناس عندما تقرأون في يوم من الأيام كلماتي هذه ستدركون كم كنتم مخطئين في حقي... وأنتم يا إخوتي كارل و- إذا مت فاسألوا الطبيب شمد Schmid إن كان لا يزال حيا، اسألوه نيابة عني ليصف مرضي وأضيفوا هذه الوثيقة لتاريخي المرضي، فلعل هذا يجعل العالم يتآلف معي بعد موتي ويلتمس لي العذر... إنني أرغب أن تكون حيواتكم أفضل من حياتي، أوصوا أولادكم بالفضيلة فهي وحدها التي تتيح السعادة، هي وليس المال إنني أحدثكم عن خبرة وتجربة. إنها الفضيلة هي التي كانت سندي أيام بؤسي، فالفضيلة - بعد فني - هي منعتني من الانتحار. وداعا ولتتبادلوا الحب ...إنني أسرع إلى الموت سعيداً.

وفي الهامش كتب: تقرأ وتوضع موضع التنفيذ بعد موتي إن هذه الوثيقة لم تكن وصية منتحر، وإنما تحوى في ثناياها اليأس والأمل (التصميم). لقد وجد بيتهوفن ضرورة تقبل المشاق والمتاعب التي يمر بهما لينقل لآذان أخرى غير أذنيه الموسيقا القابعة - في صمت - داخل وجدانه. لقد ألف، وكان لايزال في هيلجنشتادت في نوفمبر 1802 سيمفونيته الثانية (in D)، ولم يكن فيها أثر لشكوى أو حزن، وبعد ذلك بعام واحد ألف سيمفونيته الثالثة (البطولة the Eroica) بعد صرخته النابعة من الأعماق، فدخل بهذه السيمفونية الثالثة مرحلته الثانية، وهي المرحلة الخلاقة الأكثر تميزا.

الرعاية

Beethoven's patron, Archduke Rudolph

لقد رعاه رعاة الموسيقا في المقام الأول كعازف بيانو، ففي حفلة موسيقية ليلية في بيت بارون فان سفيتن (شفيتن Sweiten) دعاه صاحب البيت للبقاء بعد انتهاء برنامج الحفل (كما يروي لنا سندلر كاتب سيرة حياة بيتهوفن) وحثه على أن يضيف قليلا من فجوات fugues باخ Bach ليختم بها السهرة وكان الأمير كارل ليشنو فسكى Karl Lichnowsky الهاوي والموسيقي الكبير في ڤيينا يحب أيضا بيتهوفن حتى إنه كان ليتعاقد معه بانتظام لإحياء حفلاته الموسيقية التي كان يعقدها كل يوم جمعة واستضافه في بيته فترة لكن بيتهوفن - على أية حال - لم يستطع أن يكيف نفسه مع ساعات تناول الأمير لوجباته، فكان يفضل التردد على فندق قريب. وكان الأمير لوبكوفتس lobkowit أكثر رعاة الموسيقى - ممن يحملون رتب النبالة - حماسا، وكان هذا الأمير نفسه عازف فيولين ممتاز، أنفق كل دخله تقريبا على الموسيقا والموسيقيين. وظل لسنوات يساعد بيتهوفن رغم ما حدث بينهما من نزاع، وكان هذا الأمير يتعامل بروح سمحة مع بيتهوفن وإصراره على أن يعامل كند مساو لذوي الرتب من ناحية المكانة الاجتماعية. وكانت زوجات هؤلاء النبلاء الذين يقدمون له يد العون يسعدن بكبريائه واستقلاله ويتلقون على يديه دروس الموسيقا ويتحملن توبيخه بل ويسمحن لهذا الفارس الأعزب الفقير بإقامة علاقات حب معهن من خلال الخطابات، وكن - وكذلك اللوردات - يقبلن إهداءاته ويكافئنه عليها بهدوء(11).

أعوام بطولية أو أعوام سيمفونية البطولة 1803 - 1809

Beethoven Monument in Bonn, Muensterplatz

قسم علماء الموسيقى الذين خاضوا هذه الصفحات المحيرة حياة بيتهوفن الفنية في ثلاث حقب: من 1792إلى 1802، ومن 1803 إلى 1816، ومن 1817 إلى 1824. ففي الحقبة الأولى راح يعمل بشكل تجريبي على وفق أسلوب موزارت وهايدن، ذلك الأسلوب الهادئ الراسخ البسيط. وفي الحقبة الثانية ركز على مراقبة الأداء من حيث التمبو Tempo (درجة السرعة الواجب اعتمادها في العزف) وعلى البراعة في استخدام الأصابع، وعلى الفورس force (درجة القوة في العزف). لقد اكتشف التناقض في المود mood بين الرقة والقوة. لقد أطلق العنان لقدرته على الإبداع في الألحان على نحو يخالف المألوف كما أطلق العنان لنزعته للارتجال، لكنه أخضع هذا لمنطق الدمج والتناسب والتطور (المقصود تطور اللحن). لقد غير (جنس sex) السوناتا والسيمفونية فقد حولهما من الرقة والمشاعر الأنثوية إلى الإرادة الرجولية والحسم، وكما لو أن يبتهوفن أراد إبراز هذا التغير في مسيرته فقد أعاد - الآن - المينيوت minuet في الحركة الثالثة مع شرزو Scherzo (موسيقا مرحة مازحة) تضحك في وجه القدر. لقد وجد بيتهوفن الآن في الموسيقا ردا على سوء الحظ: لقد أصبح بمقدوره أن يذوب في الإبداع الموسيقي بشكل يجعل موت جسده مجرد حدث عابر في حياة ممتدة (خلود الذكر). إنه يقول عندما أعزف أو أؤلف الموسيقا.. تخف أحزاني إلى أدنى درجة(42). إنه لم يعد يسمع ألحانه الآن بأذنيه وإنما راح يسمعها بعينيه - بقدرة الموسيقى الباطنية على تحويل الأنغام التي يتخيلها إلى بقع وخطوط ثم يسمعها - بلا صوت - من الصفحات المكتوبة. وتكاد كل أعماله الموسيقية في هذه المرحلة تصبح من الكلاسيات إذ ظهرت الأجيال المتعاقبة كذخائر (ريبورتوار) موسيقية أوركستزالية (المقصود أن الفرق المختلفة حفظتها وأتقنتها، وأصبحت على استعداد لأدائها في أي وقت). لقد ألف سوناتا الكروتسر Kreutzer sonata (الكروتسر عملة معدنية نمساوية صغيرة)slashمجموعة ألحان 74 في سنة 3081 لعازف الفيولين (الكمان) جورج بردجتور Bridgetower وأهداها إلى رودولف كروتسر Rodolphe Kreutzer مدرس الفيولين (الكمان) في كونسرفتوار باريس، وكان بيتهوفن قد قابله في ڤيينا في سنة 1789، لكن كروتسر حكم على اللحن بالغرابة عن أسلوبه ومزاحه ولم ير أبداً عزفها على مسامع الجمهور. واعتبر بيتهوفن أن أفضل سيمفونياته هي سيمفونية الأرويكا (البطولة) the Eroica التي ألفها في عامي 1803/1804. ونصف العالم يعرف قصة إهداء هذه السيمفونية - في الأساس - لنابليون. ورغم أن بيتهوفن كان له صداقات بين النبلاء وذوي المكانة، ورغم إهداءاته الحكيمة لأعماله، إلا أنه ظل إلى آخر حياته جمهوريا مصمما وقد هلل لنابليون لقبضه على زمام السلطة في فرنسا وإعادة تنظيم الحكم (1799 - 1800) واعتبر ذلك خطوة نحو الحكم المسؤول، لكن بيتهوفن - على أيه حال - عبر عن أسفه لتوقيع نابليون وفاقا (كونكوردات Concordat) مع الكنيسة. لقد كتب بيتهوفن: الآن انتكست الأمور(62) ويروي لنا شاهد عيان هو فرديناند ريس Ries قصة الإهداء الآنف ذكره، فلنتركه يروي لنا: في هذه السيمفونية كان نابليون (وهو قنصل أول) موجوداً في عقل بيتهوفن الذي كان يقدره تقدير شديدا في هذا الوقت وشبهه بأعظم القناصل الرومان. وقد رأيت مع عديد من أصدقائه الحميمين نسخة من سيمفونيةالأرويكا Eroica على مكتبه وقد كتب في أعلاها بونابرت وفي أدناها لوجى Luigi فان بيتهوفن ولم نقرأ أي كلمة أخرى... وكنت أول من حمل له خبر أن نابليون قد أعلن نفسه إمبرطورا، وعندها انفعل ساخطا (أي بيتهوفن) وصاح إنه إذن بشر كالبشر العاديين.إنه سيطأ كل حقوق الإنسان وسينشغل بطموحاته، وسيعلي نفسه فوق الآخرين ويصبح طاغية وتوجه بيتهوفن إلى المنضده فمزق اسم نابليون من فوق صفحة عنوان سيمفونية وقذفه إلى الأرض، وغير الصفحة الأولى وجعل عنوان السيمفونية إرويكا (البطولة) Sinfonia eroica. وعندما نشرت السيمفونية (1805) حملت العنوان التالي: Sinfonia eroica Per festeggiare il sovvenira d,un gran uomo ومعناها سيمفونية البطولة للاحتفاء بذكرى رجل عظيم.

وفي 7 أبريل 1805 أدتها فرقة موسيقية للمرة الأولى على مسرح آن دير فين Theatre - an - der - wein بقيادة بيتهوفن رغم اعتلال سمعه. وكان أسلوبه في قيادة الفرقة مع شخصيته - مثيرا محكما بارعا، فعند الفقرات الموسيقية الرقيقة جدا (الپيانيسيمو Pianissimo) نجده ينحني حتى يكاد الدسك (المكتب المرتفع الخيل) يخفيه، وكلما تصاعد النغم وازداد (كريسندو Crescendo) وجدناه يرفع قامته شيئا فشيئا بالتدريج مع تصاعد النغم، فإذا وصل الصوت للذروة فورتسيمو fortissimo انبثق قافزا في الهواء مادا ذراعيه إلى آخر مدى كما لو كان يريد التحليق فوق السحاب. وتعرضت السيمفونية للنقد بسبب غرابة انتقالها النغمي أي غرابة الانتقال من أسلوب في الأنغام إلى أسلوب آخر (الموديولاشن modulation)، وعنف المقاطع الانتقاليه وصخبها Violent transitions... ولما بها من حدّة غير مرغوبة. ولطولها المفرط. وقد نصح النقاد بيتهوفن بالعودة لأسلوبه الأول والأكثر بساطة. لكن بيتهوفن أرغى وأزبد وحال إقناعهم بأسلوبه.

وحاول بيتهوفن دخول مجال الأوبرا لضمان نصر جديد، ففي 20 نوفمبر 1805 قاد العرض الأول لأوبرا ليونور Leonore لكن جيوش نابليون كانت قد احتلت ڤيينافي 31 نوفمبر، فهرب الإمبراطور فرانسيس ورؤوس النبلاء، فلم يعد الناس ميالين للأوبرا أو بتعبير أوضح لم تعد أمزجتهم رائعة للاستمتاع بالأوبرا. لقد حقق الأداء فشلا مدويا رغم تصفيق الضباط الفرنسيين الموجودين وسط الجمهور قليل العدد. وقيل لبيتهوفن إن أوبراه his opera طويلة جدا وغير متقنة الترتيب، فاختصرها وراجعها وعرضها مرة ثانية في 29 مارس 1806 ففشلت مرة أخرى. وبعد ذلك بثماني سنوات عندما ازدحمت المدينة بوفود مؤتمر فيينا، تم تغيير اسم الأوبرا ليصبح فيدليو Fidelio وتم عرضها للمرة الثالثة فلم تحقق إلا نجاحا متواضعا. لقد كان اتجاه بيتهوفن في التأليف الموسيقي يعتمد على التناغم بين الآلات أو المزاوجة بين أنغامها فقد كان يجد في ذلك رحابة ومرونة أكثر مما كان يجدها في الصوت البشري، لكن المغنين كانوا - على أية حال - تواقين لكسر حواجز جديدة، ولم يستطيعوا - ببساطة - القيام بالأداء الغنائي لبعض الفقرات المحلقة (المتسمة بالسمو) فتمردوا أخيرا. وهذه الأوبرا تعرض الآن في المناسبات بسبب شهرة مؤلفها (بيتهوفن) وبعد خضوعها لمراجعات كثيرة لا مجال لمزيد عليها.

وبعد هذه التجربة الصعبة راح ينتقل من تأليف عمل عظيم خالد إلى آخر. وفي سنة 1805 قدم كونشرتو البيانو (Opus 58 G, No 4,)، واحتفى بعام 1806 بسوناتا (F. Minor ,Opus 57) التي أطلق عليها في وقت لاحق (أپاسيوناتا Appassionata) وأضاف ثلاثة أرباع، ومجموعة ألحان Opus 59 وأهداها إلى كونت أندرياس رازوموفسكى Razumovsky السفير الروسي في فينا. وفي مارس 7081 نظم أصدقاء بيتهوفن حفلاً خيريا له - ربما تعزية لفشل عمله الأوبرالي، وفي هذا الحفل أدار عزف سيمفونياته؟ الأولى والثانية والثالثة (إرويكا سيمفونية البطولة) وسمفونيته الجديدة (الرابعة ) (in B Flat,opus 60) ولا ندري كيف تحمل جمهور المستمعين هذا الكم الموسيقي المفرط إلى حد التخمة.

وفي سنة 1806 عهد الأمير ميكلوس نيكولاوس إيستر هيزي Miklos Nicolaus Ester ha,zy إلى بيتهوفن تأليف موسيقا قداس لعيد شفيعة زوجته (إحياء لذكرى القديسة التي تحمل الزوجة اسمها)، فذهب بيتهوفن إلى قصر ايسترهيزي في ايزنشتادت Eisenstadt في المجر وقدم هناك قداسه (C,opus 86) في 13 سبتمبر 1807. وبعد العزف سأله الأمير لكن يا عزيزي بيتهوفن، ما هو الذي فعلته مرة أخرى؟ وفسّر بيتهوفن هذا السؤال على أنه دال على عدم الرضا فغادر القصر قبل انتهاء مدة دعوته.

وأتحف عام 1808 بسيمفونيتين لا زالتا معروفتين حتى الآن في العالم كله: السيمفونية الخامسة (in C Minor) والسيمفونية السادسة (أو الرعوية) (in F.) ويبدو أنه ألفهما معا خلال عدة أعوام فقد تراوح المزاج العام فيهما ما بين الاكتئاب في الخامسة والبهجة في السادسة، وقد تم أداؤهما معا على مسمع من الجمهور للمرة الأولى في 22 ديسمبر1808، وأدى تكرار أدائهما إلى أن فقدا جاذبيتهما حتى عند عشاق الموسيقا. فلم تعد مشاعرنا تتحرك لقدرٍ يطرق الباب أو طيور تغرد بين الأغصان، لكن ربما كان تلاشى انجذابنا إليهما راجعا لنقص التعليم الموسيقي الذي يمكننا من الاستمتاع بفن مزج الألحان وما فيها من تضاد وتطور واتساق، وتنافس الآلات في الأداء، والحوار بين آلات النفخ والآلات الوترية. وطبيعة كل حركة موسيقية والبناء العام للقطعة الموسيقية وتوجهها. فالعقول التي تتنازع فيها المشاعر والأفكار لابد أن تجد عناء في تتبع هذا تماما كما أن هيجل يجد صعوبة في فهم بيتهوفن، وكما يجد بيتهوفن - أو أي شخص آخر - صعوبة في فهم هيجل.

وفي عامي 1808 و 1809 ألف بيتهوفن كونشرتو البيان رقم 5 (in E Flat, Opus 73) المعروف باسم الإمبراطور. ومن بين كل أعماله، يعتبر هذا الكونشرتو هو الأكثر بقاء وجمالا. إنه عمل لا نمل سماعه أبدا. وعلى أية حال فإننا عندما نسمعه تهتز مشاعرنا اهتزازا يفوق اهتزاز مشاعرنا بالكلمات المصاحبة، فهو عمل موسيقي يتسم بالتألق والحيوية. إنه فيض من مشاعر وبهجة لا حد لهما. إنه عمل ينم عن قدرة إبداعية هائلة. ففي هذا الكونشرتو يسمو الإنسان منتصرا متجاوزا النكبات منشدا قصيدة تعج بالفرح، على نحو أكثر إقناعاً مما في الكورس الجهير في السيمفونية التاسعة.

وربما عكس كونشرتو الإمبراطور والسيمفونية الرعوية ما كان يمر به بيتهوفن من رخاء وازدهار. وفي سنة 1804 تعاقد مع الأرشدوق ردولف ابن الإمبراطور فرانسيس الأصغر - ليعلمه العزف على البيانو، وهكذا بدأ في تكوين صداقة، غالبا ما كانت سببا في زيادة كتمان بيتهوفن لميوله الجمهورية. وفي سنة 1808 تلقى عرضا مغريا من جيروم بونابرت، ملك وستفاليا ليأتي إلى كاسل Cassel ليعمل قائداً لأوركسترا في الفرقة الموسيقية الملكية فوافق بيتهوفن مقابل ستمائة دوكة ذهبية في العام ويبدو أنه كان لايزال مؤملا في أذنيه اللتين كانتا في مرحلة قريبة من الصمم، عندما شاعت الأخبار أنه يتفاوض مع كاسل Cassel اعترض عليه أصدقاؤه ذاكرين له أن في قبوله لهذا العرض نقضا لولائه لڤيينافأجابهم إنه ظل يكدح في ڤييناستة عشر عاما دون أن يؤمن وضعه. وفي 26 فبراير سنة 1809 تلقى بيتهوفن موافقة رسمية من الأرشيدوق بأنه إذا وافق بيتهوفن على البقاء في فيينا، فسيتلقى 4000 فلورين Florin سنويا، يدفع منها ردولف 1500 ويدفع الأمير لوبكوفتس Lobkowitz 007، والكونت كينسكي Kinsky 0081، بالإضافة ما يكسبه بيتهوفن من أية أعمال يؤديها، ووافق بيتهوفن. وفي سنة 1809 وهو العام الذي قبل فيه هذا العرض، مات الموسيقار هايدن المعروف ببابا هايدن فورث بيتهوفن تاجه.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصعوبات الشخصية والعائلية

Life mask made in 1812
Beethoven in 1814. Portrait by Louis-René Létronne.
Beethoven in 1818 by August Klöber

لقد تركت بيئته الباكرة فيه آثارا دائمة لاتمحى، فهو لم ينس أبدا الفقر المدقع والمقلق (ولم يغفر ذلك لبيئته ولم يكن متسامحاً إزاء هذه الظروف) ولم ينس الهوان لرؤية والده وهو يستسلم للفشل والخمر. بل إنه هو نفسه (بيتهوفن) بعد أن أتعسته الأيام راح يستسلم أكثر فاكثر لمعاقرة النبيذ طلبا للنسيان. ويدعو تمثاله المقام في ڤيينا(خمس أقدام وخمس بوصات) للتأمل، ولم يكن وجهه ينم عن حظ حسن أو ثراء، وكان شعره كثا مهوشا خشنا. وكانت لحيته تنتشر حتى قرب عينيه الغائرتين، وكان يتركها لتنمو فتصل إلى نصف بوصة قبل أن يحلقها. لقد جأر بالشكوى في سنة 9181 آه ياربي، يالها من مصيبة (طاعون) أن يكون لشخص مثل هذا الوجه المهلك كوجهي وربما كانت هذه العيوب الخلقية (بكسر الخاء) حافزاً على الإنجاز لكنها بعد الأعوام القليلة الأولى في ڤييناجعلته يهمل ثيابه وبدنه (صحته) ومسكنه وعاداته. لقد كتب في 22 أبريل سنة 1801 إنني رفيق مهمل (بفتح الميم الثانية)، وربما كان الملمح الوحيد لعبقريتي أن أشيائي ليست دائما في ترتيب جيد وكان يكسب أموالا تتيح له أن يكون له خدم لكنه كان سرعان مايتعارك معهم وقلما احتفظ بهم لفترة طويلة. لقد كان فظا مع من هم أدنى منه، وكان في بعض الأحيان ذلولا خانعا لمن كانوا نبلاء المحتد، لكنه كان غالبا معتزا بنفسه بل ومتكبرا. وكان يقلل من قيمة منافسيه بشكل لا يرحم فكادوا يجمعون على كراهيته. وكان قاسيا مع تلاميذه لكنه علم يعضهم دون مقابل.

لقد كان كارها للناس، لكنه كان متسامحا مع ابن أخيه كارل Karl الذي كان يعاني المتاعب، وكان محبا له، كما كان يحب كل تلميذ ماهر. ولقد قدم للطبيعة عاطفة جياشة لم يستطع أن يكنها للبشر وكان مزاجه - تباعا - سوداويا، لكنه أيضا كان تباعا - ينخرط في حالات ابتهاج صاخبة سواء بنبيذ أو بدون نبيذ. (انظر على سبيل المثال الخطابات 41، 22، 52، 03)، وكان كلامه ينطوي على تورية في كل مناسبة وكان أحيانا يخترع كنى عدائية لأصدقائه وكان أكثر استعداداً للقهقهة منه للابتسام.

وفاته

Beethoven's grave site, Vienna Zentralfriedhof
A medallion made with the face of Beethoven
Death mask by Josef Danhauser

وبالرغم من اليأس الذي أصابه في أوقات عديدة، وكاد يصل به للانتحار، إلا أنه قاوم ووجه طاقته كلها للإبداع الفني. حتى أنه قال يوماً :«يا لشدة ألمي عندما يسمع أحد بجانبي صوت ناي لا أستطيع أنا سماعه، أو يسمع آخر غناء أحد الرعاة بينما أنا لا أسمع شيئاً، كل هذا كاد يدفعني إلى اليأس، وكدت أضع حداً لحياتي اليائسة، إلا أن الفن وحده هو الذي منعني من ذلك». وطالما أضاف عدم تفهم الناس لحالته ألماً على ألمه. ولكن معاناته لم تطل كثيراً، فقد توفي عن عمر يناهز السابعة والخمسين، بعد أن أثرى الموسيقى الكلاسيكية العالمية، وصار أحد أعلامها الخالدين.

الموسيقى

A bust based upon Beethoven's life mask

أعمال الأوركسترا

موسيقى البيانو

  • اثنتان و ثلاثون سوناتاأشهرها السوناتا الرابعة عشرة و المعروفة لاحقاً بـ (ضوء القمر) ، سوناتا Appassionato,من أجل إليز (Fur Elise)

موسيقى الحجرة

  • ست عشرة رباعية وترية ، فوجة ، عشر سوناتا للكمان و البيانو ، خمس سوناتات للتشيلو و البيانو

موسيقى الأوبرا

أعمال أخرى

  • و من أعماله الاخرى رومانس رقم 1 و 2 للكمان والأوركسترا ، كونشرتو للبيانو و الكمان و التشيللو والأوركسترا. ثماني ثلاثيات للبيانو والكمانو التشيللو، تنويعات على لحن لديابيللي، اثنان و ثلاثون تنويعا للبيانو

بيتهوفن وجوته

المصادر

هوامش

المصادر

  • Brandenburg, Sieghard (ed.): Ludwig van Beethoven: Briefwechsel. Gesamtausgabe. 8 vols. Munich: Henle 1996.
  • Clive, Peter (2001). Beethoven and His World: A Biographical Dictionary. New York: Oxford University Press. ISBN 0-19-816672-9.
  • Cooper, Barry (2008). Beethoven. Oxford University Press US. ISBN 978-0-19-531331-4.
  • Cross, Milton (1953). The Milton Cross New Encyclopedia of the Great Composers and Their Music. Garden City, NJ: Doubleday. ISBN 0-385-03635-3. OCLC 17791083. {{cite book}}: Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • قالب:GroveOnline
  • Landon, H C Robbins (1970). Beethoven: a documentary study. Macmillan. ISBN 0-02-567830-2. OCLC 87180. {{cite book}}: Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Lockwood, Lewis (2003). Beethoven: The Music And The Life. W. W. Norton. ISBN 978-0-393-32638-3.
  • Lorenz, Michael: "Die ‘Enttarnte Elise’. Elisabeth Röckels kurze Karriere als Beethovens ‘Elise’". Bonner Beethoven-Studien 9, 2011, pp. 169–190 [1].
  • Sachs, Harvey, The Ninth: Beethoven and the World in 1824, London, Faber, 2010. ISBN 978-0-571-22145-5.
  • Solomon, Maynard (2001). Beethoven (2nd revised ed.). New York: Schirmer Books. ISBN 0-8256-7268-6.
  • Stanley, Glenn (ed) (2000). The Cambridge Companion to Beethoven. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-58074-9. {{cite book}}: |first= has generic name (help)
  • Steblin, Rita (2009). "'A dear, enchanting girl who loves me and whom I love': New Facts about Beethoven's Beloved Piano Pupil Julie Guicciardi". Bonner Beethoven-Studien. 8: 89–152.
  • Thayer, A. W. (1921). The Life of Ludwig Van Beethoven, Vol 1. The Beethoven Association. OCLC 422583. {{cite book}}: Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Thayer, A. W.; Forbes, Elliot (1970). Thayer's Life of Beethoven (2 vols). Princeton: Princeton University Press. ISBN 0-691-02702-1.


مصادر أخرى

  • Albrecht, Theodore, and Elaine Schwensen, "More Than Just Peanuts: Evidence for December 16 as Beethoven's birthday". The Beethoven Newsletter 3 (1988) 49, 60–63.
  • Bohle, Bruce, and Robert Sabin. The International Cyclopedia of Music and Musicians. London: J.M. Dent & Sons LTD, 1975. ISBN 0-460-04235-1.
  • Davies, Peter J. The Character of a Genius: Beethoven in Perspective. Westport, Conn.: Greenwood Press, 2002. ISBN 0-313-31913-8.
  • Davies, Peter J. Beethoven in Person: His Deafness, Illnesses, and Death. Westport, Conn.: Greenwood Press, 2001. ISBN 0-313-31587-6.
  • DeNora, Tia. "Beethoven and the Construction of Genius: Musical Politics in Vienna, 1792–1803". Berkeley, California: University of California Press, 1995. ISBN 0-520-21158-8.
  • Geck, Martin. Beethoven. Translated by Anthea Bell. London: Haus, 2003. ISBN 1-904341-03-9 (h), ISBN 1-904341-00-4 (p).
  • Hatten, Robert S. (1994). Musical Meaning in Beethoven. Bloomington, IN: Indiana University Press. ISBN 0-253-32742-3.
  • Kornyei, Alexius. Beethoven in Martonvasar. Verlag, 1960. OCLC Number: 27056305
  • Kropfinger, Klaus. Beethoven. Verlage Bärenreiter/Metzler, 2001. ISBN 3-7618-1621-9.
  • Martin, Russell. Beethoven's Hair. New York: Broadway Books, 2000. ISBN 978-0-7679-0350-9.
  • Meredith, William (2005). "The History of Beethoven's Skull Fragments". The Beethoven Journal. 20: 3–46.
  • Morris, Edmund. Beethoven: The Universal Composer. New York: Atlas Books / HarperCollins, 2005. ISBN 0-06-075974-7.
  • Rosen, Charles. The Classical Style: Haydn, Mozart, Beethoven. Expanded ed. New York: W. W. Norton, 1998. ISBN 0-393-04020-8 (hc); ISBN 0-393-31712-9 (pb).
  • Solomon, Maynard. Late Beethoven: Music, Thought, Imagination. Berkeley: University of California Press, 2003. ISBN 0-520-23746-3.
  • Sullivan, J. W. N., Beethoven: His Spiritual Development New York: Alfred A. Knopf, 1927.

وصلات خارجية