تاريخ مصر (1882-1914)

يتناول هذا المقال تاريخ مصر منذ عام 1882 حتى 1914. كانت مصر في تلك الفترة تحت حكم الخديوي توفيق الذي تولى الحكم منذ عام 1879 حتى عام 1892، حيث خلفه الخديوي عباس الثاني من عام 1892 حتى ديسمبر 1914.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

وافق الباب العالي علي تعيين محمد علي باشا لمصر عام 1805. وبواسطة 10 آلاف جندي ألباني خلص مصر من المماليك. كما استطاع الحرب سبع سنوات منذ عام 1811 في الجزيرة العربية لإخماد ثورة الوهابيين بالحجاز من أجل مساندة السلطان بالآستانة. واستهدف محمد علي تبديل القوات الألبانية بالسودانيين العبيد بعد مذبحة المماليك حيث فرت فلولهم للجنوب وأسسوا عام 1811 دولة في دنقلة بشمال السودان، لتكون قاعدة لتجارة العبيد. وهذا ما جعل محمد علي يغزو السودان لمطاردة المماليك. و يعد محمد على باشا من اعظم الملوك والحكام الذين حكموا مصر على مر تاريخها، فمنذ توليه الحكم عام 1805 عمل على تحديث كافه قطاعات الدولة بدءا من الزراعة وصولا إلى الصناعة والتجارة.

كان نظام حكم محمد على استبدادي بعض الشيء إلا أن الإصلاحات التي قام بها تغفر له كثيرا من خطاياه ولا سيما مذبحه القلعة، ونفى وإلقاء القبض على كثير من الرموز الوطنية المصرية.

تميزت هذه المرحلة بخضوع مصر من الناحية الاسمية للسيادة العثمانية، لكنها عملياً كانت تخضع لقوات الاحتلال البريطاني، حيث أصبح اللورد كرومر Cromer هو الحاكم الفعلي لمصر. ولم يكن توفيق سوى أداة بيد البريطانيين، أما عن علاقة مصر بالدولة العثمانية فقد تم الاتفاق بين بريطانيا والباب العالي على أن الوجود البريطاني في مصر ما هو إلا وجود مؤقت هدفه إقرار النظام واستقرار سلطة الدولة ممثلة بالخديوي، وتم الاتفاق على أن يكون لكل من الدولتين مندوب يقوم بتقديم تقريره إلى دولته ريثما يعم السلام في مصر، ولكن بريطانيا وتحت ذريعة حماية الأجانب واستخدام بعض الضباط البريطانيين لتدريب القوات المسلحة المصرية أخذت تماطل في قضية الانسحاب، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاقية مع الباب العالي تتضمن اشتراط موافقة الدول ذات المصالح الإقليمية في المنطقة على الانسحاب من مصر، ومع أن بعض هذه الدول رفضت هذا الاتفاق لأنه سيؤثر في ميزان القوى في المنطقة لمصلحة بريطانيا فإنها ما لبثت أن تراجعت عن مواقفها عبر اتفاقات سرية تقاسمت مناطق النفوذ فيما بينها وكانت مصر من نصيب بريطانيا. وعلى العموم تم في عهد توفيق إرسال المزيد من القوات المصرية بقيادات بريطانية للقضاء على الحركة المهدية، وخضع السودان لنوع من الحكم الثنائي (مصري - بريطاني) ومات توفيق سنة 1892 تاركاً خلفه سجلاً حافلاً بذكريات مريرة في نفوس المصريين.[1]

أصدر السلطان عبد الحميد فرماناً بتعيين عباس حلمي بن توفيق حاكماً على مصر، ويبدو أن الخديوي الشاب كان ميالاً للمطالب الشعبية، فانحاز إلى الحركة الوطنية التي كان يتزعمها مصطفى كامل، ولكن هذا العهد شهد عدداً من الشخصيات المشكوك في ولائها لمصر (نوبار باشا - رياض باشا- بطرس غالي - مصطفى فهمي) تقلدت مناصب حساسة بدعم من المقيم البريطاني كرومر، فكانت عائقاً أمام طموحات تلك الحركة، وفي عام 1906 حدثت مأساة دنشواي التي تبدى فيها فقدان الجانب الإنساني والأخلاقي عند السلطات البريطانية، فكانت ردود الأفعال غاضبة في الوسط الجماهيري، وكان لمصطفى كامل رئيس الحزب الوطني دور رئيسي في إبراز ما آلت إليه الأوضاع عبر صحيفة اللواء، وكانت تلك الحادثة سبباً في عزل كرومر، وفي سنة 1908 توفي مصطفى كامل فتابع خليفته محمد فريد مسيرة الحزب على الخطى نفسها، وحينما اشتعلت الحرب العالمية الأولى أعلنت بريطانيا الحماية على مصر منهية بذلك تبعيتها للدولة العثمانية التي دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا.

سيطر الإنجليز على القاهرة، وادعى الإنجليز بأن الاحتلال هو احتلال مؤقت وسوف ينتهي أمده بعد تنظيم الشؤون المصرية، ولم تقم إنجلترا بإلحاق مصر إليها لأن مثل هذه الخطوة كانت ستؤدي إلى نشوب أزمة دولية خاصّة مع فرنسا، وكانت قناة السويس تشكل أحد محاور الخلاف الإنجليزي الفرنسي، ولكن ظلت مصر تعتبر رسميا جزءا يعود للسلطنة العثمانية عن طريق طارق باشا كوته. حاول الإنجليز الدخول ولاحتلال عبر الإسكندرية وحدث ذلك ادعاءا منهم إن مصر وخاصة العرابين يقومون بالتحصينات وغلق أبواب السفن والبوارج أمام السفن الأوربية وسفنهم ومن هنا قاموا بضرب إسكندرية رغم عقد فرنسا لمؤتمر الآستانة الذي اقروا فيه بان لا يحق لأي دولة الانفراد أو القيام بشيء دون مشاورة باقي الدول الأوربية فأدرك مندوب إنجلترا ما يحوى إليه المؤتمر فأضاف عبارة إلا إذا حدث ما يؤدى إلى ذلك. وبتلك الثغرة استطاعوا أن ينفردوا بمصر دون اعتراض.

ولكن عرابي أفأم التحصينات في كفر الدوار وحاول الإنجليز أكثر من مرة الدخول عبر كفر الدوار ولكنهم لم يستطيعوا وفكر عرابي بانهم قد يفكروا في عبور البحر المتوسط ودخول مصر عبر قناة السويس من مدينة بورسعيد وأمر عرابي ديلسيبس بردم القناة ولكنه رفض وقال انه على الحياد ولكن ما توقعه عرابي حدث وقد سمح ديلسبس للإنجليز عبور قناة السويس وعندما علم عرابي بذلك قام بنقل التحصينات من كفر الدوار إلى التل الكبير ولكن التحصينات كانت سريعة واستطاع الإنجليز هذه المرة هزيمة عرابي في موقعة التل الكبير ودخول مصر ثم الاحتلال سنة 1882.

نص كتاب سياسه مصر في البحر الاحمر في النصف الاول من القرن التاسع عشر انقر على الصورة للمطالعة

احتل القوات البريطانية مصر حتى توقيع المعاهدات المصرية الإنجليزية لعامي 1922 و1934، وعادت السيطرة التدريجية لملك مصر. بحلول عام 1936، حصلت مصر على استقلالها الكامل، ولكنه كان كدمية في يد الإنجليز، الذين احتفظوا بسيطرتهم على منطقة قناة السويس حتى انسحابهم منها في عام 1956 بعد 72 عام.


الخديوي توفيق

كان الخديوي توفيق سادس حكام مصر من الأسرة العلوية. هو الإبن الأكبر للخديوي إسماعيل. شهد عهده الثورة العرابية ثم الاحتلال الإنگليزي الذي حظي بتأييد توفيق. وفي عام 1884 وافق على فصل السودان عن مصر.

تستلم توفيق الحكم عام 1879، بعد أن أجبر الإنگليز والفرنسيون أباه الخديوي إسماعيل على ترك منصبه، وذلك عندما حاول استدراك ما فاته، وبعد أن أغرق البلاد في ديون أجنبية ضخمة مهدت السبيل للأوروبيين للتدخل في شئون البلاد، حاول إسماعيل التصدي للنفوذ الأجنبي، فأجبروه على ترك منصبه لأكبر أبنائه توفيق.

منذ تولي توفيق الحكم علم أن بقاءه مرهون برضا الأجانب عليه خاصة إنجلترا وفرنسا، وعلم السلطان عبد الحميد الثاني ذلك منه، فحاول تضييق سلطاته والمزايا التي كانت ممنوحة لأبيه إسماعيل من قبل، ولكن إنجلترا وفرنسا أفشلتا خطة السلطان عبد الحميد ليس عطفًا على الخديوي توفيق، ولكن منعًا لزيادة نفوذ عبد الحميد الذي سيعطل مشروعات الأجانب في احتلال مصر.

ومن أهم الأحداث التي وقعت في عهده؛ بيع حصة لمصر من قناة السويس تقدر نسبتها ب15/0، وبتك الحصة فقدت مصر ما تبقى لها من ملكية قناة السويس حيث كانت الحصة مرهونة لألمان والفرنسين منذ عهد والده الخديوي إسماعيل.[2]


وقعت عدة أحداث خطيرة أخرى نتيجة اتباعه لسياسة الولاء الكامل للإنجليز والاستبداد المطلق على المصريين، فصار بذلك أسوأ الحكام في تاريخ مصر الحديث، حيث أدت هذه السياسة لاستقالة الوزارة الوطنية التي يمثلها «شريف باشا» وتعيين وزارة موالية للإنجليز برئاسة النصراني الأرمني «نوبار باشا» ثم نصراني آخر، وهذه الوزارة الموالية للأجانب عملت على زيادة التدخل الأجنبي في البلاد تحت ستار سداد الديون، وأقدمت وزارة رياض باشا على بيع حصة مصر في قناة السويس لإنجلترا.[3]

أثارت هذه السياسة العميلة نقمة الشعب والجيش من قبله، إذ عمد رياض باشا ووزير حربيته عثمان رفقي على تأخير ترقية الضباط الوطنيين وكلهم مسلمون، وبدا أنه مخطط خارجي لإضعاف الجيش المصري، فقامت ثورة أحمد عرابي الشهيرة سنة 1298هـ ـ 1881م، وعزلت وزارة رياض باشا، ووقعت أحداث خطيرة قام الإنجليز بتدبيرها لاستثارة الوطنيين خاصة أحمد عرابي الذي أصبح وزيرًا للحربية في الوزارة الجديدة، وحاول رئيس الوزارة شريف باشا إقناع أحمد عرابي أن إنجلترا وفرنسا تستدرج مصر للصدام ليكون ذلك مبررًا لاحتلال البلد فلم يفلح فاستقال، ولم يفهم عرابي ما يخطط له الإنجليز وأقدم على استثارة إنجلترا بتقوية دفاعات الإسكندرية فقصفت إنجلترا ميناء الإسكندرية والمدينة، وأعلن الخديوي العميل عزل عرابي، فخلع عرابي طاعته، واستثار الشعب المصري للدفاع عن البلاد، ولكنه هزم في معركة التل الكبير سنة 1299هـ ـ 1882م، ووقعت مصر أسيرة الاحتلال الإنجليزي.

دخل الإنجليز مصر بسياسة ودعوة من عميلهم توفيق الذي دخل في حماية المدافع والدبابات الإنجليزية ورأى الإنجليز وهم يسرّحون الجيش المصري، ويحلون المجلس النيابي، ويعدمون وينفون قادة وزعماء مصر الوطنيين والدينيين، وينشرون المفاسد والأخلاق الرذيلة ليهدموا البنيان العقائدي والأخلاقي للشعب المصري، وهو لا يحرك ساكنًا، يتنعم بمنصب لا قيمة له ويعتلي كرسيًا لا حكم له، حتى توفي في 8 يناير 1892.

الوزارات في عهده

شهد تشكيل 10 نظارات من 26 يونيو 1879 إلى 8 يناير 1892 وهي:

الأحداث الرئيسية

الخديوي عباس الثاني

كان عباس الثاني أكبر أبناء توفيق باشا وحاول أن ينتهج سياسة إصلاحية ويتقرب إلى المصريين ويقاوم الاحتلال البريطاني فانتهز الإنگليز فرصة بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى وكان عباس خارج مصر فطلبوا منه عدم العودة إلى مصر وفرضوا عليها الحماية رسمياً وخلعه الإنگليز في 19 سبتمبر 1914، وطلبوا منه عدم العودة ونصبوا عمه حسين كامل سلطانًا على مصر بدلًا من أن يكون خديوي. وفرضوا على مصر الحماية رسميًا.


وقع الجفاء بين الخديوي ونوبار باشا على إثر موقف الأخير من مسألة رجوع إسماعيل باشا الخديوي الأسبق إلى مصر، فقد ساءت حالته الصحية في أوائل سنة 1895 وأرسل إلى حفيده عباس حلمي لكي يأذن له بالعودة إلى مصر لمراعة صحته وشيخوخته، وكان عباس يميل إلى تحقيق هذه الرغبة، ولكن وزارة نوبار وجدت أن رجوع إسماعيل من منفاه غير مرغوب فيه من جانب الاحتلال، فرفضت الموافقة على عودته بحجة أنها تخلق لمصر عقبات من جانب الدول التي اشتركت في خلعه، فأسرها عباس في نفسه، وأخذ المرض يلح على إسماعيل حتى توفي يوم 2 مارس 1895، وقد رغب عباس في أن يختلص من وزارة نوبار في تلك السنة ولكن نوبار كان مؤيداً من الاحتلال، فلم يفكر في الاستقالة، فأسرها عباس في نفسه مرة أخرى، وأخيراً توصل إلى تنفيذ أمنيته في إقصاء نوبار، بأن أعرب للورد كرومر عن رغبته في إعادة مصطفى فهمي باشا المشهور بولائه للاحتلال إلى رئاسة الوزارة، وكان الخديوي قد أخذ من ذلك الحين يجنح لمسألة الاحتلال ويختم عهد المقاومة والأزمات، فلقيت الفكرة ارتياحاً في نفس اللورد كرومر الذي كان لا يفتأ يترقب الفرص لعودة مصطفى فهمي إلى رئاسة الوزارة، لأن الإنجليز لا ينسون صنائعهم، فلما أحس نوبار بهذا الموقف قدم استقالته يوم 11 نوفمبر سنة 1895، والف مصطفى فهمي الوزارة الجديدة في اليوم التالي، واحتفظ ببقية الوزراء الذين كانوا مع نوبار، وأضاف إليهم محمد العباني باشا وزيراً للحربية، فصارت مؤلفة كما يأتي: مصطفى باشا للرئاسة والداخلية، حسين فخري باشا للأشغال والمعارف، بطرس غالي باشا للخارجية، أحمد مظلوم باشا للمالية، إبراهيم فؤاد باشا للحقانية، محمد العباني باشا للحربية والبحرية، وهي وزارة الاستسلام والولاء المطلق للإنجليز. وقد بقيت في الحكم حتى نوفمبر سنة 1908، أي أنها دامت ثلاثة عشر عاماً، كانت خضوعاً وتسليماً للاحتلال البريطاني.

كان عهد الوزارة حلقات متصلة مترابطة من التسليم في حقوق البلاد ومرافقها. ففي سنة 1897 طلب اللورد كرومر تعيين إنجليزي نائباً عمومياً بدلاً من حمد الله وصارت سلطة النيابة وهيئتها تحت تصرف النائب العمومي الإنجليزي كما كانت وزارة الحقانية تحت سيطرة المستر سكوت المستشار القضائي البريطاني.


الوزارات في عهده

الأحداث الرئيسية

أزمة فرمان 1892

كان تعيين والي مصر من الحقوق التي آلت للدولة العثمانية منذ عصر محمد علي، وذلك عندما اشتد الصراع بينه وبين الولة العثمانية، فتدخلت الدولة الاوروبية وأملت على الدولة العثمانية تسوية لندن عام 1840. كما أصدرت فرمانات أخرىا مكملة لهذه التسوية في أول يونيو 1841. وقد نظمت التسوية العلاقة بين السلطان وولاة مصر حيث تقرر فيها لأول مرة منح محمد علي وأسرته حكم مصر بالوراثة على أن يختار الباب العالي بنفسه من يتقلد منصب الولاية من أبناء محمد علي. هذا، وإذا انقرضت ذرية محمد علي يحق للباب العالي اختيار شخص لولاية مصر.

وقد تحقق للدولة العثمانية من خلال هذه التسوية ممارسة سيادتها على مصر. فقد أوجدت هذه الاتفاقية حلاً وسطاً التقت عنده أهداف الجميع، فحاكم مصر من أسرة محمد علي من أتباع السلطان ورعاياه. وقد كان عليه أن يتوجه في بداية حكمه إلى الأستانة لاستلام خلعة توليه بنفسه، وأن يسك النقود ويجبي الضرائب باسم السلطان، وجيشه لا يتجزأ عن جيوش الدولة العثمانية، ولا تتعدى قواته 18 ألف رجل في أوقات السلم وولايته تطبق القوانين والمعاهدات العثمانية، وتقدم خراجاً سنوياً للسلطان.[4]

وقد بقيت في أيدي الولاة السلطة المطلقة على المصريين في المسائل الادارية والضريبية والسلطة التشريعية. لذلك لم تعترض تركيا على حق الوراثة طالما ان مصر لم تفلت من قبضتها، كما كان من حقها أن تجعل مصر من جديد مجرد ولاية عثمانية. كذلك استطاعت الدول الاوروبية عن طريق هذه التسوية أن تفرض نفسها حكماً بين الطرفين متقاضية من تدخلها نفوذاً عريضاً يستمد حيويته طوراً من التسوية، وطوراً من الامتيازات الأجنبية وضعف تركيا. كما تسعى جاهدة إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه حتى تستطيع بناء وتدعيم مصالحها الاقتصادية والثقافية في البلاد وولاة مصر يغريهم حق الوراثة ويحاولون التخلص النهائي من قبضة تركيا.

وفي النهاية ضمنت الدول الاوروبية عن طريق هذه التسوية سلامة الدولة العثمانية وتماسك أراضيها.

وبمقتضى هذه التسوية استطاع أبناء محمد علي أمثال ابراهيم باشا في أول الأمر، ثم عباس الأول وسعيد وإسماعيل، أن يصيروا حكام مصر، ثم بذل كل "نائب سلطان" غاية جهده للحصول على حق الوراثة المباشر لذريتهم حتى يستطيعوا الاستقلال أكثر عن الدولة العثمانية.

وقد استطاع إسماعيل الذي كان أكثر من سلفيه أملاً في التغيير وتعديل نظام الوراثة والاستقلال الداخلي، ومن ثم أخذ يمهد لتحقيق هذا المشروع منذ بداية عهده في يونيو 1862، عن طريق بذل المال والهدايا، واستطاع خلال الأعوام 1866، 1867، 1873، الحصول على تعديل نظام وراثة العرش بحيث يكون من أكبر أبناء الوالي فأصبح من الأب إلى الإبن الأكبر.

كما تحدد بنود تشكيل مجلس الوصاية في حالة خلو العرش أو كون الوارث الشرعي له قاصراً، ثم استطاع أن يحصل بعد محادثات طويلة على لقب خديوي، وقد منحه الباب العالي هذا اللقب لا لنفسه فقط بل لمن يلونه من ورثته المباشرين.

وبالرغم من جهود ولاة مصر لتعديل نظام الوراثة وتحقيق الاستقلال الداخلي لهم، إلا أن الدولة العثمانية حاولت أثناء خلع الخديوي إسماعيل وتولية توفيق عرش مصر القضاء على الحقوق التاي حصلت عليها مصر في وراثة العرش، لذلك حينما أصدر الباب العالي الارادة التي أعلنت خلع إسماعيل أردفها بأخرى تقضي بإلغاء فرمان عام 1883، الذي نظم ورثة الاعرش، والذي قيل أن لسلطان قد منحه بصفته الشخصية، وأن منح لفرمان وإلغاؤه من الادارة الداخلية التي لا تمس حقوق الدول الكبرى. بل لا يعدو أن يكون قراراً سلطانياً من الممكن تعديله أو إلغاؤه بحسب ما يراه السلطان دون أن يتضمن هذا خرقاً للالتزامات التي تهد بها بالنسبة لمصر. وأنه لا يجب على أوروبا ان تعترض على هذا الإلغاء الذي كان من شأنه أن يعيد مصر إلى ما كانت عليه طبقاً لفرمان عام 1841.

ولهذا اعترضت إنجلترا وفرنسا على سياسة الباب العالي لأن إلغاء الفرمان يعني المساس بمصالحها في مصر والمساس بهيبة الحاكم الجديد، توفيق، الذي وقع اختيارها عليه، ثم استطاعت الدولتان ارغام الباب العالي على إصدار فرمان يشبه فرمان عام 1873، في كل محتوياته، وأرسلته الدولة العثمانية إلى مصر في 17 أغسطس، كما بلغ لممثلي ألمانيا والنمسا وروسيا وإيطاليا وانتهت المشكلة بذلك. وكان هذا دلالة واضحة على محاولة إنجلترا وفرنسا إبعاد النفوذ التركي عن الهيمنة على مصر.

وقد حاولت الدولة العثمانية منذ تعيين الخديوي عباس حلمي الثاني مرة أخرى تأكيد سيادتها على مصر حينما أثارت أزمة حول تعيينه.


على أثر اشتداد الأزمة تفاوض الخديوي عباس مع أيوب باشا حامل الفرمان والغازي مختار باشا المندوب العثماني في مصر في الأمر، ثم تحدث الخديوي مرة أخرى مع قنصل فرنسا وروسيا، وأجمعوا على إرسال برقية استرحام للسلطان طالبوا فيها ببقاء شبه جزيرة سيناء تحت ادارة مصر كما كانت من قبل، ومن ثم أرسل قنصلا كل من فرنسا وروسيا إلى سفيرهما في الأستانة للسعي لدى السلطان بحسم هذه المشكلة وتلبية مطالب مصر، كما ساندت صحيفتا المؤيد والمقطم موقف الخديوي في المحافظة على حقوق مصر.

وفي النهاية ونتيجة للضغط من جانب بريطانيا تجاه الأزماة والاصرار بشأن الحفاظ على الحقوق الممنوحة لمصر اضطر السلطان العثماني في النهاية إلى تلبية مطالب مصر في هذا الشأن وتقرر ذلك في البرقية التي أرسلها جواد باشا الصدر الأعظم إلى الخديوي عباس حلمي الثاني في 8 أبريل فجاء فيها:

«معلوم لدى جنابكم العالي أن جلالة مولانا السلطن الأعظم، كان قد صرح للحكومة المصرية بوضع عدد كافي من الجند بجهات الوجه والموليح وضبا والعقبة على شوائطئ الحجاز، وكذا في بعض جهات غير مبينة أصلا في خريطة عام 1257 المسلمة إلى محمد علي باشا المبينة بها الحدود المصرية. لذلك أعيد الوجه أخيراً إلى ولاية الحجاز بمقتضى ارادة شاهانية، كما أعيد إليها ضبا والمويلح وضمت العقبة كذلك الآن إلى الولاية المذكورة، أما من جهة جزيرة طور سيناء فهي باقية على حالتها وتكون ادارتها بمعرفة الخديوية المصرية بالكيفية التي كانت مدارة بها في عهد جدكم إسماعيل باشا ووالدكم توفيق باشا.»

ومن ثم استطاعت بريطانيا حرمان الدولة العثمانية من فرض سيادتها على مصر.

ولم يبقى سوى تحديد يوم لتلاوة الفرمان، وقد أشيع أن اللورد سولسبري وزير إنجلترا سيدد تلاوته، ذلك لأن إنجلترا أرادت أن تنتهز الفرصة لتظهر للمصريين أن نفوذها في مصر أقوى من نفوذ الدولة العثمانية نفسها.

وقد علقت الصحف المصرية على ذلك بأن تلك الاجراءات قد أخطأت المرمى لأنها زادت من ميل جميع الأهالي إلى الدولة العثمانية، وقد تحقق للجميع أطماع الإنجليز في مصر وعلم العام والخاص أن لاخلاص لمصر من استيلاء الإنجليز عليها إلا بتقوية عرى التبعية للدولة العثمانية، ويجعل مصر حرة مصونة من كافة الدول لاعلاء التأكيد على سيادة الدولة العثمانية.

ثم تقرر نشر الفرمان في يوم 14 أبريل 1892 وتجنباً للمشاكل أرسل بارنج مذكرة في 13 أبريل إلى تيجران باشا وزير الخارجية المصري أبلغه فيها بعدم تغيير الفرمانات المقررة التي تحدد العلاقة بين مصر والدولة العثمانية دون موافقة الحكومة البريطانية مع العلم أن شبه جزيرة سيناء هي الأراضي المحددة من الشرق بخط يمتد جنوب شرقي من شرق العريش إلى رأس خليج العقبة سوف يصبح تحت الادارة المصرية، وأن العقبة الواقعة شرقي من هذا الخط سوف تبقى قسماً من ولاية الحجاز، ونشرت تلك الملاحظة التي وافق عليها اللورد سولسبري وزير الخارجية ومعها مراسلة أخرى خاصة بفرمان التولية ونسخة من برقية الصدر الأعظم في الصحيفة الرسمية (الوقائع المصرية) وقد أرسلت جميعها إلى السفير البريطاني في أسطنبول في 14 أبريل 1892.

ولما كانت بريطانيا حريصة على ألا تظل المسألة المصرية محصورة بين السلطان وتابعه الخديوي، وإنما أرادت أن تدخل الدول الكبرى على أساس أن هذه المسألة خرق لتسوية 1840-1841 التي ضمنتها تلك الدول لهذا أرسلت نسخة من الفرمان والبرقية وخطاب بارنج إلى وزير الخارجية المصرية وإلى مختلف الدول وإلى ممثلي فرنسا وروسيا في القاهرة.

وقد ورد مكيل وقنصل عام فرنسا في القاهرة ريفوسو في 14 أبريل بأن حكومة الجمهورية كلفت سفيرها لدى الباب العالي باعتماد فرمان تولية الخديوي والفرمانات المتعلقة بشبه جزيرة سيناء، ورد القنصل الروسي المسيو كوياندر في نفس اليوم بأن سفير جلالة الامبراطور بالأستانة اعتمد فحوى هذين المحررين باسم الحكومة الامبراطورية.

كما تعاطفت صحف فرنسا مع الدولة العثمانية فعندما انتهت الأزمة ذكرت صحيفة الطان أن الدولة العثمانية اضطرت إلى تعديل الحدود حفاظاً على طريق الحجاز الإنجليزي. كما أن جلالة السلطان عبد الحميد لم يكن في نيته أن يمس حقوق مصر أو أن يتعرض لها بشئ لأن غرضه الوحيد بقاء رابطة التبعية التي تربط مصر بمقر الخلافة العثمانية على حالها وعدم امتداد الحماية الأجنبية على مصر. ولا تجهل مصر أن تبعيتها للدولة العثمانية ضرورية لها من الناحية الدينية بل ون جهة اعتمادها عليها لمعارضة إنجلترا بشأن مطامعها في مصر ورغبتها إطالة أجل الاحتلال.

وقد انتهى الأمر بالحفاظ على الامتيازات التي نالتها مصر عن طريق الفرمانات العثمانية. ومن ثم اشادت جميع الصحف بالدولة العثمانية نتيجة موافقتها على طلب الحكومة المصرية بشأن الحدود فقد أعربت صحيفة المؤيد عن فرحتها بنشر الفرمان وقراءته لما في ذلك من تأييد من الدولة العثمانية لامتيازات مصر.

أما صحيفة الفلاح، فقد أكدت على سيادة الدولة العثمانية على مصر وذكرت أن الدولة العثمانية لم تكن لديها أي أسباب للانتقاص من حقوق مصر التي منحتها لها من قبل.

أما صحيفة المقطم، فقد أبدت فرحتها لانتهاء الأزمة بالحفاظ على الأراضي المصرية، ومن ثم أشادت بموقف السلطان الذي أنهى الأزمة لصالح مصر، كما أشادت بموقف الخديوي عباس.

وفي النهاية استطاع بريطانيا التصدي لرغبة الدولة العثمانية في تأكيد سيادتها على مصر ومناوأة النفوذ البريطاني فيها، ومنذ ذلك الوقت ظلت الدولة العثمانية تنتظر الفرصة لاثارة تعديل الحدود مرة أخرى إلى أن واتتها الفرصة في عام 1906 لإثارة المسألة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دخول الكهرباء المدن

في عام 1892 تعاقدت الحكومة المصرية مع شركة ليبون لتجربة الإضاءة بالكهرباء في مدينة القاهرة ووقتها تم تحديد سعر بيع الكيلووات ساعة بمبلغ 1.5 فرنك فرنسي وكانت هذه القيمة تزيد عن مثيلتها في فرنسا بـ 50% وأصبح محتماً تخفيض هذه القيمة الي فرنك فرنسي واحد عام 1898 وهو تاريخ سريان العقد الجديد الذي تم توقيعه في عام 1897، وكان العقد يتضمن بنداً ينص علي أن الشركة لن توفر التغذية الكهربائية خلال النهار مالم يصل الحمل الإجمالي للقوي المحركة الي 50 حصان (26.8 كيلووات) لمدة ثماني ساعات يومياً، وسوف تتعهد الشركة بالإمداد بالكهرباء من قبل غروب الشمس بنصف ساعة الي بعد شروقها بنصف ساعة وتم تعديل هذا العقد مرتين إحداهما عام 1905 والأخري عام 1914.[5]

وقد ولدت الأحداث السياسية لعام 1901 فكرة تكوين شركة إنگليزية تكون تحت إشراف شركة ليبون إلا أن هذه الفكرة نمت الي علم الحكومية الفرنسية التي بادرت بالاتصال بالجهات المعنية في مصر لكي تولي موضوع عدم تخفيض الاستثمارات الفرنسية في مصر كل اهتمامها وعليه فإن هذا المشروع لم يرى النور.

في عام 1870 وصل عدد مصابيح الاضاءة العامة بالقاهرة إلي 1000 مصباح تعمل بالغاز كما وصل عدد المشتركين إلي 100 مشترك وزاد العدد في الحرب العالمية الأولي إلي 15000 مصباح و5300 مشترك.

في عام 1912 كان هناك 4800 مشترك يستهلكون 3 مليون كيلووات ساعة وفي نهاية 1946 أصبحوا 112000 مشترك يستهلكون 73 مليون كيلووات ساعة منها 33 مليون للقوي المحركة والاستخدامات المنزلية وزادت القوي المحركة من 38.1 كيلووات ساعة سنة 1897 الي 28000 كيلووات ساعة لخدمة 2600 مشترك.

في عام 1906 تم تجهيز أول محطة توليد بماكينات أفقية واضافة توربينات لافال، وفي عام 1947 أصبح بالمحطة 6 مولدات "اورليكون" وكانت الغلايات من بابكوك ـ ويلكوكس ـ بالإضافة إلي مجموعتي ديزل.

تم إمداد المحطة بمياه التبريد اللازمة من ترعة المحمودية وأدت درجة الحرارة المحيطة وقلة المياه إلي ضرورة اللجوء إلي أبراج تبريد وبعد الحرب العالمية الأولي قامت الشركة بتجهيز محطاتها بغلايات تستخدم الفحم المطحون وهو الحل الأمثل في إقليم مناخ ساخن يبقي علي جفاف الوقود وكان ضغط الغلايات 15 بار والمجموعات الكهربائية 13 بار، وخلال الحرب العالمية الثانية أدت صعوبة الإمداد بالفحم إلي استبداله بالمازوت ووصلت سعة الغلايات الي 50 طناً في الساعة وزاد ضغط توربينات المولدات من 36 الي 40 بار.

وقد تولي ادارة الشركة في القاهرة كل من:

  • م. بيجار قبل دخول الكهرباء
  • م.م. لويس بيتيل 1887- 1913
  • الوابيتيل 1913 - 1921
  • ديجارادان 1921 - 1947

ورد في عقد امتياز استغلال الغاز الموقع سنة 1893 بند خاص بتولي شركة ليبون توزيع الطاقة الكهربائية في مدينة الاسكندرية علي أمل تجميع عدد من المستهلكين يقومون باستخدام 600 مصباح علي الأقل ونظراً لأن عملية الانارة كانت في بدايتها فقد تم تحديد سعر الكيلووات ساعة في مدينة الاسكندرية بما يزيد عن مثيله في فرنسا بمقدار الثلث وقد تم تعديل هذا العقد المبدئي في عام 1940 بعقد جديد لمدة ثلاثين عاماً تنتهي في 1970.

وفي البداية كان يجري توليد الكهرباء مساء وليلاً كما كان الحال في مدينة القاهرة ولكن في عام 1898 تم إمداد بعض أحياء وسط المدينة بالتيار الكهربائي لتشغيل مصاعد العمارات.

وفي هذه الفترة كانت محطة التوليد والتي كانت تسمي المحطة تشتمل علي 4 غلايات و4 مجموعات كهربية سولزير تولد الكهرباء علي جهد 2300 فولت ومنها الي محطات المحولات بالمدينة حيث تتم عملية التوزيع وكان جهد الشبكة في منطقة الرمل السكنية والشبيهة بمنطقة نوي بفرنسا 5000 فولت وذلك لبعد مراكز الأحمال عن المحطة وكبر حجم الطاقة المنقولة وكانت القدرة الإسمية للمحطة 400 كيلووات.

وفي سنة 1898 كان سعر الكيلووات ساعة 40 مليماً (مايعادل فرنك) وكان الإنتاج الشهري 15000 كيلووات ساعة مخصصة لـ 147 مشتركاً منهم 43 مشتركاً بمنطقة الرمل.

في عام 1947 وصل عدد المشتركين إلي 66000 مشترك والاستهلاك إلي 6500000 كيلووات ساعة شهرياً وبلغت القدرة الاسمية 30300 كيلووات وبينما كانت شبكات التوزيع لاتتعدي عدة كيلومترات في عام 1898 فقد بلغت 430 كم في عام 1947.

ويمكن أن نلم بتطور الكهرباء في المدينة عندما نعلم أنها استهلكت أول مائة مليون كيلووات ساعة خلال 30 عاماً من 1897 حتي 1928 والمائة مليون التالية خلال ستة أعوام ثم مائة مليون أخري خلال أربع سنوات ونصف والمائة مليون الرابعة خلال سنتين وفي عام 1946 ارتفع الاستهلاك الي 62 مليون كيلووات ساعة وخلال الحرب العالمية الثانية أصيبت المحطة بثلاث قنابل وقتل ثلاثة ضباط.

المسئولون بشركة ليبون بالاسكندرية منذ عام 1865:

  • م.م. مونوري
  • فيزينية
  • فروليك
  • بورجوا
  • دي سوريتي
  • أ. رامينجية سنة 1929 وكان له مساعد مصري د/ محمد الديب

بعد عمل دام عشر سنوات وأداء 25000 عامل علي مجموعات عمل لمدة ثلاثة أشهر لكل منهم تم افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869 وكانت المدينة قد أنشئت في بداية العمل وسميت بإسم اسماعيل باشا, والذي ساعد فرديناند ديليسبس في تحقيق تطلعاته الطموحة بعد أن لاقي كثيراً من المشاكل في سبيلها وبعد افتتاح قناة السويس إزداد عدد السكان في المدينة.

وقد حصل السيد مونوري الذي كان ممثل الشركة في الاسكندرية منذ عام 1867 علي عقد امتياز لإنارة المدينة فبادر بإنشاء مصنع غاز ثم تنازل عنه عام 1898 إلي شركة ليبون مفضلاً لها علي شركات إنگليزية كثيرة وتم ضمه إلي أعمال شركة ليبون سنة 1899 بالاضافة الي مصنع ثلج.

وفي سنة 1903 حصلت شركة ليبون علي موافقة بإنتاج وتوزيع الطاقة في المدينة وفي سنة 1914 تحولت هذه الموافقة إلي امتياز، وطبقاً لبنود العقد الأخير آلت ملكية المنشآت الكهربائية والغازية الي الحكومة المصرية منذ أول يناير سنة 1938 وفي التاريخ كان بالمدينة 1000 مصباح كهربائي و900 مشترك في الغاز.

وعند إنتهاء التفويض سنة 1938 كان محطة الكهرباء مكونة من خمسة محركات ديزل بقدرة 2500 حصان ( 2000 كيلووات ) تنتج سنوياً 2500000 كيلووات ساعة لسبعة آلاف مشترك.

الأحداث الرئيسية

ترام القاهرة والإسكندرية

ترام القاهرة القديم.

في 12 أغسطس 1896، بدأ تشغيل ترام القاهرة، وكانت تديره شركة بلجيكية، ويعمل بالكهرباء التي بدأت تنتشر في بيوت وشوارع القاهرة. افتتح الترام بحضور حسين فخري باشا وزير الأشغال العمومية، وبرفقته كبار موظفي الوزارة ومندوب من الشركة البلجيكية و3 صحفيين من جريدتي المقطم وجريدة الأهرام، ونشرت المقطم في عددها الصادر صبيحة اليوم التالي[6]:

«شهدت العاصمة أمس مشهدا قلما يشهد مثله أهل المشرق، ولم يخصر على قلب بشر منذ أعوام قلائل، وهو أن تجري مركبات كبيرة تقل مئات الناس لا بقوة الخيل ولا بقوة البخار بل بقوة الطبيعة التي تسبب البروق، هذا هو الترامواي الكهربائي.. تسرع المركبة حتى تسابق الريح متى خلت لها الطريق، وتارة تسير رويدا رويدا، أو تقف بغتة عند اعتراض الأولاد السابلة طريقها. وقد وقف سائقها ووضع على ميزان تسييرها وايقافها، ويصل بينها وبين السلك فوقها عمود من الحديد لأتمام الدورة الكهربائية.. وقد تقرر ان يحظر ركوبه على كل محدث ضوضاء أو غوغاء أو سكران أو مصاب بعاهة تشمئز منها النفوس، ولا يجوز تسلق العواميد المعدة للحركة الكهربائية، أو تعليق شيء عليها أو اقامة اشارات كاذبة..»

وبعد أيام من التجربة، تم افتتاح تسيير الترام بصفة رسمية على 8 خطوط، كلها بتتجمع في ميدان العتبة وتصل أطراف المدينة في ذلك الوقت بالكامل.

أما ترام الإسكندرية فقد بدأ العمل عام 1863، إلى أنه تم عام 1897، فقد شهد ترام الإسكندرية أعمال تحديث وتوسعة ليصبح تراماً كهربائياً. في تلك السنة انتهت أعمال ازدواج الخط بالكامل وتم مد خط تاني (أو تفريعة) حتى يخدم محطة قطار سيدي جابر ويربطها بالمدينة، وتم مد خط جديد من فلمنج إلى محطة المحمدية (فيكتوريا حالياً) حيث كانت نهاية العمران في الإسكندرية. وفي العام التالي تم استبدال العربات البخارية بقاطرات تسير بالكهربا، وتم استبدال كامل العربات في سنة 1904 على النمط الكهربي الجديد في ذلك الوقت، وتم مد خط من محطة الرمل لسراي رأس التين في حي الأنفوشي بامتياز لشركة بلجيكية في 1897، وبدات في نفس الوقت بربط أجزاء المدينة القديمة مثل محطة مصر وكرموز ومحرم بيه والمنشية بخط نهايته في محطة الرمل حتى يرتبط بخط ترام الرمل وهكذا ترابطت المدينة بالكامل.

ترام إسكندرية الكهربائي.

افتتح ترام الإسكندرية الكهربائي بحضور الخديوي عباس ووزير الأشغال ودوجاه رئيس الشركة البلجيكية، ويقول أحمد شفيق باشا في مذكراته عن ذلك اليوم:

«في 11 سبتمبر 1897 احتفل بافتتاح أول خط للترام بالإسكندرية، فاجتمع جمهور عظيم من الناس في شارع المنشية الصغرى مبدأ الخط الكهربائي، وأوقفت خمس عربات كهربائية لحمل المدعوين، وأعدت عربة مزينة بالأزهار لركوب الخديوي، وفي الساعة الخامسة حضر سموه فنزل وحي مستقبليه، وكان قد سبق سموه الغازي أحمد باشا مختار وكبار رجال المعية وحضرات النظار، بعد ذلك ركب الخديوي العربة المعدة له وسارت، وتلتها بقية العربات تقل المدعوين، إلى أن وصلنا إلى المكس، وبعد ذلك عدنا بها إلى المخزن العام بكرموز، حيث افتتح الخديوي المأدبة التي أقيمت هناك، وبعد ذلك عاد مع حاشيته إلى المنتزة.»

تأسيس البنك الأهلي

في سنة 1898 صدر المرسوم بتأسيس البنك الأهلي وأعطته الحكومة امتياز إصدار أوراق النقد المصري، فصار بمثابة بنك الحكومة، وهو بنك أهلي شكلاً واجنبي فعلاً، ومؤسسوه وحملة أسهمه الأولى هم السير إرنست كاسل المالي الإنجليزي الشهير والمسيو سلفاجو وشركاؤه والخواجة روفائيل سوارس وإخوته.[7]

بيع البواخر الخديوية

وفي تلك السنة ذاتها (سنة 1898) عقدت الحكومة صفقة كانت وبالاً وخسراناً على مصر، ونعني بها بيع البواخر الخديوية بأبخس الأثمان إلى شركة ألن وألدرسن الإنجليزية. وبيان ذلك أنه كان للحكومة بواخر تعرف ببواخر البوستة الخديوية عددها إحدى عشر باخرة كبيرة، منها ثلاث بواخر اشترتها الحكومة حديثاً من مصانع إنجلترا وهذه البواخر هي: الشرقية، الفيوم، المحلة، الرحمانية، شبين، توفيق رباني، البرنس عباس، القاهرة، مصر، النجيلة، وهذه البواخر كانت قوام الأسطول الإنجليزي لمصر في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، والبقية الباقية للبحرية المصرية، وكانت تنقل المسافرين والمتاجرين بين مصر وثغور هذين البحرين، حاملة العلم المصير، مؤدية مهمتها في بعث النشاط الاقتصادي التجاري وبسط نفوذ مصر التجاري والبحري في هذين البحرين، ويتبع هذه البواخر حوض الإسكندرية الكبير، وحوض الإسكندرية الصغير، وحوض السويس وهذه الأحواض معدة لإصلاح البواخر، ويتبعها أيضاً مستودعات المصلحة ومخازنها ومعاملها ومحلات الإدارة والزوارق البخارية واللنشات، وقد قدرت قيمة البواخر وهذه الملحقات جميعها بثلاثة ملايين جنيه، فباعت الحكومة جميع هذه المنشآت إلى شركة ألن وألدرسن بثمن بخس، 150.000 جنيه، فكانت صفقة خاسرة من جميع الوجوه، لأنها أضاعت على البلاد ثروة قومية ضخمة ليس من السهل أن تستردها، وانطوت بذلك صفحة البحرية المصرية إلى وقت طويل، وقد تم البيع دون مزايدة أو إشهار، بل حصلت المخابرة بشأنه في الخفاء بين السير إلوين بالمر المستشار البريطاني للحكومة المصرية وشركة الن وألدرسن الإنجليزية، وأقر مجلس الوزراء هذه الصفقة الخاسرة، دون بحث أو تحقيق، واكتفى بالبيانات التي أفضى بها المستشار الملاي، ووقع على العقد أحمد مظلوم باشا وزير المالية، ومما يجدر ملاحظته لتقدير مبلغ الغبن الذي أصاب الحكومة من هذه الصفقة أن ثلاث بواخر من الإحدى عشرة باخرة المبيعة اشترتها الحكومة من مصانع إنجلترة بـ"200.000 جنيه"، أي أن ثمن الصفقة كله اقل من ثمن هذه البواخر الثلاث، وكانت علة الحكومة الظاهرة بي بيع هذه البواخر والمنشآت أن مصروفاتها تزيد على إيراداتها، وفضلاً عن أن هذا ليس مسوغاً لإضاعة ثروة البلاد القومية، فقد ثبت من مراجعة حسابات المصلحة أن صافي إيرادها السنوي بعد جميع المصروفات هو 22.000 جنيه، فإذا لوحظ أن الحكومة تعهدت بأن تعطي الشركة سنويأً ستة آلاف جنيه في السنة فيكون صافي ربح البواخر 28.000 جنيه سنوياً، ويكون البيع قد وقع بقيمة الربح مدة خمس سنوات تقريباً، وهذا أفظع مظهر للغبن الفاحش.

كان في بيع هذه البواخر القضاء على الأسطول التجاري لمصر، بعد القضاء على أسطولها الحربي، وظهر الفرق جلياً بين حالتها في عهد الاحتلال وحالتها في عهد محمد علي حين زارها الكاتب الإيطالي بنديتي سنة 1840، فراعه منظر السفن الحربية مصفوفة على أتم نظام في ميناء الإسكندرية، حيث قال في وصفها:

«لما دخلنا الميناء الكبير مررنا بين قوات بحرية حربية تأخذ اللب وتذهل العقل وكان ضمن هذه القوات الأسطول العثماني الذي استولت عليه مصر، وفي يقيننا أننا لا نر ولا نظن أننا نرى في المستقبل عدداً من السفن الحربية يوازي ما شهدناه على اختلاف الأنواع والأحجام، ومنظماً بمثل ذلك التنظيم البديع، ومما زاد في رواء المنظر وبهجته أن يوم وصولنا إلى ثغر الإسكندرية كان يوافق عيداً من الأعياد الإسلامية فألفينا تلك السفن كلها التي لا تقع تحت حصر رافعة أعلامها بشكل بديع ومنظر أنيق تطلق مدافعها في الفضاء ساعة الغروب، فكأنها تودع الشمس وتحييها، فيجاوبها صدى الأفق بلسانها، وصفوة القول إن المنظر كان من المناظر التي لا مثيل لعظمتها.»


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بيع أملاك الدائرة السنية

باعت الحكومة في هذه السنة تفاتيش الدائرة السنية، وكاتن أملاكها الزراعية تبلغ نحو ثلثمائة ألف فدان، يتبعها تسع معامل كبيرة لعصير القصب وصناعة السكر، باعتها إلى شركة سوارس مقابل ثمن قدره ستة ملايين وأربعمائة ألف جنيه، وهو قيمة الدين الذي كان على الدائرة في ذلك الحين، وكانت صفقة خاسرة لما فيها من الغبن الفاحش على الحكومة والربح الهائل للماليين الأجانب.

الشروع في بيع سكك حديد السودان

والظاهر أن سنة 1898 كانت بمثابة سنة التصفية، ففضلاً عن إنشاء البنك الأهلي وبيع البواخر الخديوية والدائرة السنية، شرع المستشار المالي البريطاني في بيع سكك حديد الحكومة في السودان إلى شركة إنجليزية، بحجة حاجة الحكومة إلى المال لتدبير نفقات الحملة على السودان، فاعترض الخديوي على هذا البيع، ولما رأى إصرار اللورد كرومر على عقد الصفقة استنجد بتركيا بحجة أن هذه السكك الحديدية هي من أملاك مصر التي نص فرمان توليته على عدم جواز التصرف فيها أو التنازل عنها، وأبرق إلى سلطان تركيا يعرض عليه الأمر ويطلب منه النجدة فجاءه الرد بشكره وإقراره على موقفه باعتبار أن السكك الحديدية أنشئت للجيش وأن بيعها مخالف للسيادة التركية، فتراجع اللورد كرومر وتقرر عدم البيع.


ويلكوكس وبناء خزان أسوان

السير وليام ويلكوكس هو مهندس مدني بريطاني اقترح وبنى سد أسوان (1898-1902). ونفذ العديد من مشاريع الري الكبرى في أفريقيا الجنوبية وتركيا. بعد الغزو البريطاني واحتلال مصر، سافر إلى مصر في 1883 حيث التحق بادارة الخدمات العامة المصرية. في عام 1896 بعد استكمال دراسات إنشاء سد أسوان أصبح مدير عام الخزانات. وحين طـُلِب منه العثور على طريقة لتخزين مياه النيل لتسمح بزراعة محصول اضافي من القطن، وجد منخفضاً في وادي الريان، يمكن تحويل جزء من مياه الفيضان السنوي إليه، ثم يعاد ادخالها إلى النهر في موسم التحاريق. وحين أُقنـِع ببناء سد، قام بتصميم سد أسوان ليسمح للمياه المحملة بالطمي في الأسابيع الأولى من الفيضان السنوي من المرور عبره، وحجز فقط المياه الصافية التي تأتي لاحقاً في موسم الفيضان. وقد أشرف على إنشائه من 1898 حتى اكتماله في 1902. كما صمم سد آخر على النيل، هو قناطر أسيوط، انته من إنشائها في 1902.

فيما بعد أصبح رئيس شركة خدمات مياه القاهرة ورئيس الشركة الإنگليزية المصرية لمخصصات الأراضي والتي كان لها دور أساسي في تخطيط وتعمير منطقة الزمالك (تعرف الآن باسم جزيرة الزمالك) في أوائل القرن العشرين، وكان يوجد شارع في الزمالك مسمى باسمه 'ويلكوكس'، ثم غيروا الاسم إلى شارع طه حسين.

تأسيس حي مصر الجديدة

صورة نادرة لحي مصر الجديدة عام 1930

عام 1905 قامت الحكومة المصرية ببيع 5952 فداناً صحراوياً إلى باغوص نوبار باشا والي مصر وإلى وارد أمبان صاحب بنك بروكسل البلجيكي، وذلك لإنشاء مشروعات إسكان وتشغيل خط مترو لربطها بالقاهرة نظراً للتوسع العمراني في ذلك الوقت، وقد تكونت شركة حديد مصر الكهربائية وقامت بإنشاء 400 مسكن لموظفي الشركة وعدد من المحلات التجارية .

وفى 1 ديسمبر 1910 تم إنشاء أول خطوط المترو السريع وتم تشغيل 27 قاطرة كما افتتح أول فندق عالمي في الضاحية وهو فندق هليوبوليس بالاس، وقد تم تصفية شركة حديد مصر الكهربائية عام 1960 وتحولت إلى مصر الجديدة للإسكان والتعمير والتي تولت مسئولية تكملة البناء والعمران.

تأسيس شركة كوم أمبو

تأسست شركة كوم أمبو عام 1904 لاستصلاح آلاف الأفدنة في صعيد مصر وكانت هناك نية لدى بعض اليهود لجعل هذه المنطقة مستعمرة للفلاحين اليهود، أي مشروع لوطن قومي لليهود في مصر، وبذلك كادت الشركة أن تتحول الى دولة. وكانت أكبر الأسهم تعاملاً في بورصة القاهرة. ومن أكبر الأسهم في بورصات بروكسل وباريس.

تأسست الشركة بمرسوم خديوي برأسمال 300.000 جنيه استرليني. بدأ طلعت حرب حياته العملية محاسباً فيها. ولا زالت الشركة قائمة حتى اليوم، ويقع مقرها الرئيس في القاهرة، مصر.

مع اكتمال بناء خزان أسوان عام 1902 ثم تعليته اللاحقة عام 1909، بالتزامن مع حفر شبكة قنوات الري، بدأت لأول مرة زراعة آلاف الأفدنة. حتى الآن غير معروف كمية المياه التي كانت متوافرة في موسم الجفاف كي تسمح بالري الدائم وبالتالي تظل الحبوب الثانية مزروعة كل عام.

أدت هذه التطورات الهامة إلى تضاعف قيمة الأرض، تخصيص مساحة جديدة لزراعة قصب السكر وازدهار مصانع السكر في عموم صعيد مصر. انتاج السكر أصبح هو الصناعة الرئيسية الوحيدة وكانت زراعة قصب السكر هي ثاني أكثر المحاصيل ربحاً في مصر.

تبدل هذا عندما مرت صناعة السكر في مصر بأوقات عصيبة، إحداها في عهد محمد علي ومرة أخرى في 28 أغسطس 1905 عند انتحار ملك السكر الفرنسي إرنست كرونييه.

كان كورنييه، بالاشتراك مع هنري سايس أند سيه من پيرز والمصرفي رفائيل سوراس من مصر، هم من أعادوا إطلاق صناعة السكر في مصر عام 1892. بعد ثلاثة عشر عاماً خسر كورنييه في مضاربة ببورصة باريس مما تسبب في وفاته وأدى لتعسر تكتل شركات السكر في مصر.

لكن تعلية خزان أسوان، أدى لانتشار الجيل الثاني من مصانع السكر في صعيد مصر ومن أكثرها أهمية مصنع كوم أمبو، قرية تقع شمال أسوان على قناة ري (إرنست) كاسل.

مع توافر المياه على مدار العام، كوم أمبو، التي كانت تشتهر فقط بالمعابد المصرية القديمة، سرعان ما تحولت إلى بلدة صناعية مزدهرة وأصب رجالها، نسائها وأطفالها يعملون أو على صلة بصناعة السكر.

الآن، بجانب تحول القرية المنسية التي تضم الآثار التاريخية إلى مركز مزدهر لانتاج المحاصيل، أصبحت كوم أمبو تمثل قضية لمن رأوا الأمور بشكل مختلف. شركة كوم أمبو التي خطط لها وأسسها مجموعة من الرأسماليين اليهود، أشارت إليها الكلمات الافتتاحية في الصحف "المستعمرة الإسرائيلية على التراب المصري". الأهرام، في كلمتها الافتتاحية بالعدد الصادر في 10 ديسمبر 1903 ذهبت لأبعد من ذلك حيث قالت أن بلدة في صعيد مصر سيتكرر فيها ما حدث في فلسطين.

"وما أن بدأ تنفيذ خطة كوم أمبو، خطط مالكوها لجلب عمالة صهيونية لحرث الأرض، مثلما فعل روتشيلد في فلسطين. وبذلك، لا يحتاج الصهاينة للذهاب إلى شرق أوغندا كما اقترح البريطانيون."

في ظل نظام laisser-faire وبمباركة كلاً من رئيس الشركة يوسف قطاوي باشا ونائبه طلعت حرب باشا، تركت شؤون السكر المصري بالكامل في أيدي البلجيكي هنري نعوس بك.

من مكتبه الأنيق في شارع الشيخ أبو السباع بالقاهرة، أدار البلجيكي الصغير "سوسيتيه جنرال لتكرير السكر المصري" بمفرده تقريباً من 1902 وحتى وفاته عام 1939. يرجع الفضل أيضاً لهنري نعوس وشريكه البلجيكي ألبرت سيسنز في أن القصب الجامايكي القديم الذي كان يستورد في أيام ابراهيم باشا (حكم 1849) تم استبداله بالسكر الجاوي POJ 105 الأعلى جودة.

لم يكن من قبيل المصادفة أيضاً أن أصحاب شركة السكر كانوا أيضاً هم المساهمين الرئيسيين في المصالح الزراعية التي تحكمت وأدارت مزارع السكر الشاسعة في صعيد مصر. من أهم هذه المصالح كانت شركة وادي كوم أمبو، والتي فكر فيها السير إرنست كاسل من لندن عام 1904، الرجل نفسه، الذي في عام 1898، كان له استثمارات ضخمة في انشاء خزان أسوان.

كان من شركاء كاسل في مصر رفائيل سوارس، السير إلوين پالمر من البنك الوطني المصري، السير ڤكتور هراري باشا والمصرفي روبرت رولو (فيما بعد السير رولو). كان السير ڤكتور، الذي بعد تقاعده من الوظيفة الحكومية عام 1905، أصبح مشرفاً على الشؤون المالية للشركة الجديدة.

القائمة المختصرة لتنفيذ مشروعات شركة كوم أمبو لاستصلاح الأراضي كانت تضم إسماعيل سري باشا الذي رفض العرض بأدب؛ مفتش عام الدائرة السنية، بريتش باشا، وأحمد بك مصطفى.

حادثة طابا 1906

الخديوي عباس حلمي يهش الديك الرومي التركي خارج الحدود المصرية. مجلة پنش، لندن، في قمة الأزمة يوم 9 مايو 1906.

حادثة طابا أو حادثة العقبة، وقعت في مايو 1906، حيث احتلت القوات العثمانية طابا، البلدة المصرية في الطرف الشرقي لشبه جزيرة سيناء، لتوسيع نافذة العثمانيين على البحر الأحمر. البريطانيون الذين كانوا يحتلون مصر، أجبروهم على الانسحاب. وقد اتفق الجانبان لاحقاً على التنازل عن قطعة صغيرة من الأرض غرب العقبة، بينما احتفظت مصر بطابا،[8] وتخلت الدولة العثمانية عن مطالبها في جزء من سيناء، كما سحبت تنديدها بمذبحة دنشواي التي قام بها الإنجليز في مصر.[9]


في عام 1906، اعتزم العثمانيون والألمان مد سكة حديدية من معان إلى العقبة، وهذه السكة تجعل لتركيا (وحليفتها ألمانيا) قوة جديدة على حدود مصر، وتهدد مركز الإحتلال الإنگليزي، فاهتم الإنگليز بهذا الحادث، واعتبروا أن وصول السكك الحديدية الألمانية-العثمانية إلى العقبة سيشكل منافس لقناة السويس في الشحن بين الشرق والغرب. فأرسلت بريطانيا ضابطاً كبيراً عهدوا إليه وضع نقط عسكرية على طول الخط من العريش إلى العقبة، باعتبار أنها من أملاك مصر، إذ هي جزء من طور سيناء المعهودة ادارتها إلى مصر، ولكن الجنود الأتراك احتلوا موقع طابا على بعد ثمانية أميال غربي العقبة.[10]

قام لذلك خلاف شديد بين تركيا وإنگلترا، ظهرت فيه بمظهر الدولة الحامية لمصر، إذ طالبت إنگلترا تركيا باسم مصر أن تجلو عن طابا، وتهددت وتوعدت كما لو كانت مصر جزءاً من أملاكها، فكان هذا المظهر من علامات الحماية التي أثارت سخط مصطفى كامل، فاستنكر موقف إنگلترا من هذه الحادثة ودعا الإنگليز إلى الجلاء عن مصر بدلاً من أن يتظاهروا بالدفاع عن حقوقها.

كانت تركيا (وألمانيا) ترمي بعملها هذا إلى فتح باب المسألة المصرية من جديد لإجبار إنگلترا على الوفاء بعهودها في الجلاء، ومن هنا جاء عطف الأمة المصرية على موقفها في هذه الحادثة، إذ كان شبيها من بعض الوجوه بموقف فرنسا في حادثة فاشودة، وقد كانت تركيا تتوقع أن تؤيدها بعض الدول الأوروبية في فتح المسألة المصرية، ولكن فرنسا كانت بحكم الاتفاق الودي مؤيدة لإنگلترا، وطلب سفيرها في الأستانة من الحكومة التركية الإذعان لمطالب إنگلترا، ووقفت روسيا موقفا يشبه موقف فرنسا، ولزمت ألمانيا الجمود حيال هذا الخلاف، مما جعل تركيا تجنح للتراجع.

المواقع التاريخية بمنطقة رأس خليج العقبة.

انتهت الحادثة بانسحاب الترك من طابا في مايو سنة 1906، وتأليف لجنة مصرية تركية لتسوية مسألة الحدود على قاعدة معاهدة لندن سنة 1840 وتلغراف 8 أبريل سنة 1892 المرسل إلى الخديوي عباس الثاني والذي خوّل مصر ادارة شبه جزيرة طور سيناء، وانتهت اللجنة من عملها في 1 أكتوبر سنة 1906، إذ تم الاتفاق على الحدود الشرقية على أن تكون خطا ممتداً من رفح على البحر الأبيض المتوسط إلى نقطة واقعة غربي العقبة بثلاثة أميال، وبقيت طابا ضمن أملاك مصر والعقبة من أملاك تركيا.


ترسيم الحدود الشرقية لمصر

بعد حادثة طابا 1906 أثيرت قضية ترسيم الحدود الشرقية لمصر، وتباحث الخديوي عباس مع مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء، وبطرس غالي باشا وزير الخارجية بشأن مذكرة الغازي مختار باشا. قدم رئيس الوزراء ووزير الخارجية مشروع رد - يمثل موقف الحكومة المصرية الرسمي - على مذكرة الغازي. تقرر إرساله إلى الصدر الأعظم فريد باشا سراً بعد أن أضاف الخديوي تعديلات على الصياغة. اشتمل التقرير على موقف الحكومة تجاه حقوقه في أراضيه في شبه جزيرة سيناء التي تنتهي العقبة، أي تدخل في هذه الحقوق في موقع طابا وهو ما تتمسك به الحكومة المصرية، وبناء على طلب اللورد كرومر.[11]

ولكن يستطرد الخديوي "وهو لما كان هذا التقرير مغايراً بالمرة لآرائي، وأن صداقتي ووجداني لا يقبلان الكتمان، فكنت أيضاً مجبراً على تقديمه، فقد فعلت ذلك بعد محو وإثبات تاركاً تقدير الواقع لشرف فخامتكم". ثم يقدم اقتراحات مناقضة لموقف ورؤية الحكومة المصرية "أن التفسير والايضاح هما من حق صاحب الأمر والفرمان دون سواه، وعلى كل حال فإنه من الأمور المسلم بها، إن الدولة التي تترك مؤقتاً لجهة ما من جهاتها، أمر ادارة جهة، لها فعند اللزوم والحاجة أن تستردها" فيقال في هذه الحالة قضت الضرورة بإلحاق الجهة الفلانية صورة قطعية إلى ولاية الحجاز، والحدود المصرية تعتبر نقطة "كذا"، ويكون تلغرافكم بصورة قطعية بغض النظر عن جوابنا الذي نص فيه على عدم القبول. هذا على ما أظن هو الحل.

وبتحليل مضمون هذه البرقية يمكن رصد بعض الملاحظات:

1- موقف الخديوي عباس يعتبر من أخطر المواقف السياسية التي يتخذها حاكم:

أ- تبني وجهة النظر العثمانية.

ب- تنازل عن مالا حق له فيه "أرض الوطن".

ج- اعتبر أن "مصر" ملكية خاصة يوظفها لمصلحته الفردية.

د- زايد مع الحزب الوطني بهدف زعزعة وضع سلطات الاحتلال في مصر.

هـ- لم ينتهج منهج المسئولين الشرفاء في ادارة الحكم كما يمكن وصفه بخائن أمانة الحكم لتفريطه في جزء من مصر.

2- الانفصال الشديد بين موقف الخديوي "السري" وموقف الحكومة المصرية الواضح.

3- تشجيع السلطان العثماني على اتخاذ موقف متشدد، دون الالتفات إلى مصالح مصر الحيوية وحقوقها الثابتة.

تأسيس الجامعة المصرية

عباس حلمي الثاني ومعه كبار رجال الدولة في حفل وضع حجر الأساس الأول للجامعة المصرية الأهلية، ديسمبر 1908.

مع اشتداد ساعد الحركة الوطنية المصرية في أوائل القرن العشرين انبرت نخبة من قادة العمل الوطني ورواد حركة التنوير والفكر الاجتماعي في مصر أمثال محمد عبده، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وقاسم أمين، وسعد زغلول، لتحقيق حلم طالما داعب خيال أبناء هذا الوطن، وهو إنشاء جامعة تنهض بالبلاد في شتى مناحي الحياة، وتكون منارة للفكر الحر وأساسا للنهضة العلمية وجسرا يصل البلاد بمنابع العلم الحديث، وبوتقة تعد فيها الكوادر اللازمة في كافة التخصصات لمشاركة العالم في تقدمه العلمي ولكن هذه الأمنية وجدت معارضة شديدة من جانب سلطات الاحتلال البريطانى خاصة من عميدها اللورد كرومر الذي أدرك أن إنشاء جامعة في مصر يعنى إيجاد طبقة مثقفة من المصريين تدرك أن الاستقلال ليس مجرد تحرير الأرض، وإنما هو تحرير الشخصية المصرية وانطلاق بها في مراقى المدينة والحضارة. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المعارضة لم تفت في عضد المتحمسين للفكرة، فسرعان ما أخذ بزمام المسألة لجنة من الوطنيين الذين بذلوا التضحيات وتحملوا المشاق حتى خرجت الفكرة إلى النور وأصبحت واقعا ملموسا، وتم افتتاح الجامعة المصرية كجامعة أهلية في الحادي والعشرين من ديسمبر 1908 في حفل مهيب أقيم بقاعة مجلس شورى القوانين بحضره الخديوي عباس حلمي الثاني وبعض رجالات الدولة وأعيانها. وكان أول رئيس للجامعة هو أحمد لطفي السيد.

وفي مساء يوم الافتتاح بدأت الدراسة في الجامعة على هيئة محاضرات، ولما لم يكن قد خصص لها مقر دائم وقتذاك فقد كانت المحاضرات تلقى في قاعات متفرقة كان يعلن عنها في الصحف اليومية كقاعة مجلس شورى القوانين، ونادى المدارس العليا، ودار الجريدة حتى اتخذت الجامعة لها مكانا في سراى الخواجة نستور جناكليس الذي تشغله الجامعة الأمريكية بالقاهرة حالياً.

ونتيجة للمصاعب المالية التي تعرضت لها الجامعة خلال الحرب العالمية الأولى انتقل مبناها إلى سراي محمد صدقي بميدان الأزهار بشارع الفلكي اقتصاداً للنفقات. وقد كافحت الجامعة الوليدة لتقف على قدميها، ولكي تتمكن من إعداد نواة لهيئة التدريس بها بادرت بإرسال بعض طلابها المتميزين إلى جامعات أوروبا للحصول على إجازة الدكتوراه والعودة لتدريس العلوم الحديثة بها وكان على رأس هؤلاء المبعوثين طه حسين، ومنصور فهمي، وأحمد ضيف. كما أنشأت الجامعة مكتبة تحوي نفائس الكتب التي أهديت لها من داخل البلاد وخارجها.

خلع الخديوي 1914

وزير الخارجية البريطاني يعلن خلع عباس حلمي الثاني من حكم مصر، وتعيين السلطان حسين كامل. صحيفة الوقائع المصرية في 19 ديسمبر 1914.

في 19 ديسمبر 1914 نشرت جريدة الوقائع المصرية إعلان خلع الخديوي وعرض هذا المنصب على سمو الأمير حسين كامل باشا أكبر الأمراء الموجودين من سلالة محمد علي.

ومنذ اللقاء الأول بين اللورد كرومر والخديوي عباس الثاني في 21 فبراير 1892 فهم كل واحد منهما الآخر، وكتب كرومر: "أرى أن الخديوي الشاب سوف يكون مصريا للغاية ، وإني لأرى في هذا ما ينبئني بما سوف يحدث بعد ذلك ، وكتب "عباس حلمي الثاني" – فيما بعد – عن هذه المقابلة.. "جاء ممثل إنجلترا لمقابلتي .. له وجه يدل على الحيوية ونظرة نافذة .. وقالوا لي .. إنه يشغل أوقات فراغه بترجمة "أوديسة" هوميروس إلى الإنجليزية.. وجعلني كرومر أفهم أنني إذا ما تمسكت بكرامتي ورفضت دور "الكومبارس" الذي ترغب إنجلترا في أن تتركه لي فإنه سوف يدفع الشعب المصري للوقوف ضدي".

كان كرومر يوجه كل أفعاله لمصالح بريطانيا، تدعمه دبلوماسية لها تاريخ.. وفي داخل مصر كان لبريطانيا جيش قوي، وكان لكرومر مخابرات وصلت إلى إستخدام – على حد قول عباس – بعض رجال القصر، ولم يكن وراء عباس على حد قوله سوى الفراغ. حاول الخديوي الشاب – عديم التجارب – التحالف مع الدولة العثمانية ومع مصطفى كامل ومحمد فريد والشيخ محمد عبده وسعد زغلول والشيخ عبد العزيز جاويش، وقع في سلسلة متصلة من التناقضات المكشوفة.

في صيف 1914 سافر كتشنر عاقداً العزم على السعي لدى حكومته لاقناعها بخلع الخديوي عباس الثاني عدوه اللدود، وعلة هذا النقمة هي بقايا تلك الحفظية القديمة التي تركت الرجلين عدوين لا يتصافيان بعد أزمة الحدود.

وشعر الخديوي بما اعتزمه كتشنر في سفرته تلك السنة، فاستحسن أن يجعل رحلته الصيفية الى الأستانة الا إلى اوروبا حتى اذا سعت الحكومة البريطانية عند الباب العالي في مسالة خلعه اذا اقتنعت برأي مندوبها فيكون على مقربة ليستطلع الخبر، وليحسن العلاقاة بينه وبين رجال الحكومة التركية، وليبذل ما في وسع لاحباط سعي الانجليز وهو لا يجهل انهم لاقون من الصدر الاعظم سعيد حليم اذنا صاغية في تلك الاونة لانه كان يطمع في خديوية مصر.

وفي 23 يوليو 1914 سافر عباس الى الآستانة بعد أن أمضى بعض الوقت في باريس، وعند نشوب الحرب قرر العودة إلى مصر غير أن الحكومة الانجليزية رفضت عودته وأبلغت تشاتم هاوس قرارها. ومع ذلك فإن حسين رشدي لم يكف عن مطالبة الخديوي بالعودة الى مصر، حتى أنه أرسل إليه في 30 أغسطس يبلغه بأنه "متى وصلت الجنود الهندية إلى مصر فإني سأطلب من الوكالة البريطانية عودة سمو الخديوي في الحال وأهدد بالاستقالة في حالة معارضتها". وفي حقيقة الأمر لم يحدث هذا وكان ذلك في حد ذاته تخديرا لأعصاب الخديوي وهو بعيد عن عرشه.

وفي 3 سبتمبر 1914 زار سفير انجلترا ماليت عباس وطلب منه السفر لإيطاليا وترك الآستانة، ولكن الخديوي رفض لأنه اعتقد أنه سيرسل منفياً إلى مالطة، ثم تقابل ترجمان انجلترا مع عباس وأخبره بأن وجوده في الآستانة يشجع الأترك على تاليف مائة ألف عسكري لاخراج الانجليز من مصر، وقد أخبره بأن دورية خيالة عددها عشرون شخصا من العرب وصلت رفح فحيتها النقطة المصرية على الحدود، وبعد أن مكثت الدورية يومين في الأراضي المصري رجعت وقد أرسلت انجلترا مذكرة للصدر الاعظم في 23 سبتمبر للفت نظره لهذه الحادثة. وأفهمه بان البرقية التي أرسلها إلى مصر كانت ذات معنى سياسي فالبرقية التي أرسلها في العيد الصغير لرشدي يخبره فيها بأنه يود أن يكون بين المصريين، والثانية إلى سعد زغلول يعزيه فيها في وفاة مصطفى فهمي ويرجو له طول البقاء ليخدم أميره وبلاده زمناً طويلاً، ثم الثالثة التي تبشر بشفائه. وفي 27 سبتمبر أفهمه أن عليه الذهاب إلى ناپولي في الحال، فلما ذكر له أنه ليست لديه أية نية في الاقامة بها رد عليه السفير بلهجة التأكيد " إنك لن تعود إلى مصر مرة أخرى" وقد أبان محمد فريد في مذكراته هذه الحادثة اذ قال : "إن سفير انجلترا قصد الخديوي في قصره وطلب منه ان يغادر الاستانة إلى غير مصر، إلى إيطاليا مثلاً أو سويسرا لأنه يشاع بأنه يتفق مع الأتراك على إرسال جيش يطردهم من مصر فأجابه الخديوي عباس بالرفض رغما عن تهديد السفير له بان هذا المنع يؤثر على مصالحه المادية والأدبية أيضاً".

ورفض الخديوي لاعتقاده بانهم يودون القبض عليه بنفيه الى مالطة أو غيرها حتى لقد أظهر خوفه في حالة ما اذا طلبوا منه العودة لمصر نفسها، وطلب من محمد فريد مقابلة أنور باشا وطلعت بك ليتفق معهما على الجواب الذي يعرض على السفير الانجليزي اذا طلب منه ذلك، فكان الجواب ان يدعي المرض.[12]

ووضع الخط التلغرافي المباشر بين رشدي والخديوي تحت رقابة رسل بك الحكمدار الانجليزي للجيش المصري.

وازدادت رغبة الخديوي في استمرار حكمه لمصر في الوقت الذي تاكد فيه من ان الانجليز لا يريدوه انه يعود الى مصر، فحاولوا ان يهددوه بنسف المحروسة ثم راحوا يحدثونه عن حرارة الجو في مصر، وانتهى الامر باقناعه باستحالة تحقيق رغبته بالعودة الى عرشه، فبدأ نشاطه في الاستانة وكان اول عمل يقوم به حتى يضمن ولاء المصريين له هو تقربه من محمد فريد. ففي ذلك الوقت كان بسويسرا وعندما عرف كل ما حدث هذا ترك سويسرا الى الاستانة بعد ان تاكد هو الاخر ان الفرصة قد حانت لتحسين علاقتها بالخديوي حتى يستطيع ان يكون له سند للوقوف امام الانجليز، ولعله كان يطمع في دخول مصر مع الخديوي لانه كان على ثقة كبيرة من انتصار المانيا. وعلى علم بتغلغل النفوذ الالماني في تركيا وانه بانتصار كل من تركيا والمانيا ستتخلص مصر من انجلترا.. لذلك انتقل للاستانة ليكون اولا على مقربة من الخديوي الذي منع من العودة الى مصر، وثانيا ليكون على يقين من تصرفات الدولة العثمانية حيال مصر.

ويحدد محمد فريد موقف الخديوي بعد ان رفضت انجلترا عودته الى مصر فيقول: "تقابلت مع يوسف باشا فشرح لي الحالة وقال ان الخديوي ممنوع من السفر الى مصر. وان الانجليز يخشون من ان يقم بحركة ضدهم هناك، وان هناك رايين متنازعان: الاول الاتفاق مع الانجليز على منح مصر الدستور، وانفصالها عن الدولة العلية، وقبول الاحتلال بشروط معينة والثاني الاتفاق مع الترك على استرداد استقلال مصر بالقوة بمساعدتهم وعودة الحالة الى ما كانت عليه قبل الاحتلال، وان الخديوي يميل الى الشق الثاني، واتفق فعلا مع انور باشا على تنفيذ هذا الراي" لقد فكر عباس في القيام بثورة يكون هو محركها ورئيسها وان يكون القائد ويفتح مصر بمساعدة الاتراك.

بهذا ترى ان عباس فضل الاتجاه الى المناوئين لانجلترا حتى يستطيع تنفيذ اغراضه. لقد غير سياسته واخذ يدلي بتصريحات، ففي حديث له مع مستر كارل فون يصرح "بانه من الطبيعي ان اتمسك بتركيا في هذه الحرب فمصر جزء من الامبراطورية العثمانية". وفي الحال طلب الخديوي من فريد ان يتوسط له لدى رجال الحكومة التركية وبان يقنعهم باخلاصه في العمل لان العلاقة بينهما كانت قد ساءت بسبب موقفه من الحرب الطرابلسية حيث اطلع الانجليز على خطط تهريب الاسلحة والضباط، وقد تم فعلا اللقاء بين فريد وطلعت وعرف منه : "انهم مفتكرون فيها – مصر – ومتفقون على تخليصها، وانهم يستعدون لذلك انتظارا للفرصة، وان الخديوي غير مخلص، ولكن ممكن استعماله كالة لما له من النفوذ عند العمد والاعيان على شرط عدم اطلاعه على تفاصيل الخطط".

ووضعت الخطة على أساس اثارة حماس المصريين الى جانب الدولة صاحبة الخلافة الاسلامية، واعد عباس منشورا لارساله الى مصر يتضمن الهجوم على السياسة الانجليزية في مصر، وما اعدته الدولة من عتاد وعدد لاسترجاع مصر واعادة العرش الخديوي الشرعي، وتلك السياسة الجديدة التي تمنح الدستور الكامل وتطلق الحرية والاستقلال والتقدم.

وكان على عباس ان يرضي المانيا حيث ان انتصارها يثبت دعائم حكمه في مصر، فارسل في اوائل سبتمبر الى امبراطورها برقية تهنئة يهنئه فيها على سلامة ابنه ونجاته فرد عليها الامبراطور باخرى يتمنى فيها سعادة مصر، واعقب ذلك ان ذهب عباس الى السفارة الالمانية بالاستانة واظهر استعداده لتقديم المساعدة وفعلا تم الاتفاق على ان تقوم تركيا بارسال حملة الى مصر يكون الخديوي على راسها مع القائد الالماني بشرط الا يترتب على هذه الحملة جعل مصر ايالة عثمانية، بل لها ان تحتفظ بامتيازاتها بمقتضى الفرمانات. وان تبقى مصر للمصريين، وان يعود الخديوي للعرش، وقد ايد امبراطور المانيا خطة الخديوي هذه لدى الحكومة العثمانية عن طريق سفيره بالاستانة.

غير ان هذه الخطط ما لبثت ان احبطت اذ اعد الاتراك حملتهم بقيادة جمال باشا وبدون علم عباس ورفضوا حتى ان يصاحبها اذ كان انور باشا يخشى تدخله في القيادة لعدم استعداده العسكري وكان يرى انه لا يسافر من الاستانة الى بعد ان يتم النصر للجيش التركي على قناة السويس".

وهذا هو تفسير الحيرة التي اعترت بعض الكتاب الانجليز المعاصرين لتلك الفترة امثال Elgood بصدد سلوك الخديوي في خلال الحرب حيث يقول: "انه مما يثير الدهشة فعلا انه اي الخديوي لم يزر سوريا وفلسطين ليشجع جنود الحملة التي الفت لغزو مصر، وقد يبدو بوصفه خديويا شرعيا ان يكون مشتركا مع الجيش، والا فانه من المحتمل جدا ان القسطنطينة كانت تتوجس خيفة من صدق النية".

ولما راى الخديوي ان الامر تعقد بالنسبة لقيادة الحملة له رغب في تعيين عمه البرنس ابراهيم حلمي قائمقاما له يرافق جمال باشا قائد الحملة ويدخل معه مصر نائبا عنه حتى يعود هو، وتكلم في ذلك مع الصدر وكان سفير المانيا قد وافق عندما عرض الخديوي عليه ذلك ولكن الصدر لم يعطه ردا صريحا بحجة اخذ راي انور باشا ثم وصلته برقية من قومندان الحملة بمنعه من السفر الا بعد ان يجتاز الجيش العثماني قناة السويس، وارجع جمال باشا رجال الخديوي الى الاستانة. وهذا دليل على ان جمال باشا لا يريد الخديوي ولا رجاله عند دخول مصر لانه سيغيرون ادارة الحكم في مصر فقد ادلى طلعت بحديث لالماني يدعى بودل، بان مجلس النظار سيجتمع قبيل دخول الجيش العثماني مصر ليقرر ما يتبع في ادارتها وانه سيدعو الخديوي للمجلس ليبدي ملاحظاته.

ولما تعقد الموقف الى هذا الحد أدرك عباس أن وجوده في الاستانة سيكون خطرا على حياته فغادرها إلى ڤيينا في 15 ديسمبر 1914، ولم تمض سوى أيام قليلة حتى عزلته انجلترا من حكم مصر.

المصادر

  1. ^ مصطفى الخطيب. "مصر الحديثة والمعاصرة". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-03-11.
  2. ^ الخديوي توفيق، أوراق دبلوماسية
  3. ^ الخديوي توفيق، ذاكرة الإسلام
  4. ^ أمل فهمي (2002). العلاقات المصرية العثمانية في عهد الاحتلال البريطاني 1882 - 1914. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
  5. ^ "بداية عصر الكهرباء". وزارة الكهرباء والطاقة المصرية. Retrieved 2019-05-30.
  6. ^ محمد سيد كيلاني – ترام القاهرة دراسة تاريخية اجتماعية أدبية
  7. ^ عبد الرحمن الرافعي (1939). مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية. {{cite book}}: Cite has empty unknown parameter: |coauthors= (help)
  8. ^ Thompson, Elizabeth. "Aqaba Incident". encyclopedia.com.
  9. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة bio
  10. ^ عبد الرحمن الرافعي (1984). مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية. دار المعارف.
  11. ^ ألفت أحمد الخشاب (2008). تاريخ تطور حدود مصر الشرقية. دار الشروق.
  12. ^ مصر في الحرب العالمية الأولى