بنيوية

تاريخ الأدب المعاصر
Books.JPG
مطلع الفترة المعاصرة
القرن السادس عشر في الأدب | القرن السابع عشر في الأدب
الأدب الاوروبي في القرن الثامن عشر
ع 1700 | ع 1710 | ع 1720 | ع 1730 | ع 1740 | ع 1750 | ع 1760 | ع 1770 | ع 1780 | 1790s | ع 1800
الأدب المعاصر, القرن 19
ع 1800 | ع 1810 | ع 1820 | ع 1830 | ع 1840 | ع 1850 | ع 1860 | ع 1870 | ع 1880 | ع 1890 | ع 1900
الأدب المعاصر, القرن 20
الحداثية | بنيوية | تفكيكية | بعد البنيوية | بعد حداثية | بعد إستعمارية | Hypertext fiction
ع 1900 | ع 1910 | ع 1920 | ع 1930 | ع 1940 | ع 1950 | ع 1960 | ع 1970 | ع 1980 | ع 1990 | ع 2000
الأدب المعاصر في اوروبا
الأدب الاوروپي
الأدب المعاصر في الأمريكتين
الأدب الأمريكي | الأدب الأرجنتيني | الأدب البرازيلي | الأدب الكندي | الأدب الكولومبي | الأدب الكوبي | الأدب الجامايكي | الأدب المسيكسي | أدب پيرو
الأدب الأسترالي
الأدب الأسترالي | أدب نيوزيلندي
الأدب الآسيوي المعاصر
أدب صيني | أدب هندي | الأدب الپاكستاني | Kannada literature |Tamil literature | أدب هندي | Urdu literature | Indian writing in English | Bengali literature | Marathi literature | Malayalam literature | أدب ياباني | الأدب الڤتنامي
الأدب الأفريقي
الأدب الأفريقي | الأدب النيجيري | أدب جنوب أفريقي
مواضيع أخرى
تاريخ المسرح | تاريخ الخيال العلمي | تاريخ الأفكار | التاريخ الفكري | الأدب حسب الجنسية

البنيوية Structuralism أساسا منهج بحث مستخدم في عدة تخصصات علمية تقوم على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنى يمكن ان تكون: عقلية مجردة، لغوية، اجتماعية، ثقافية.

برزت البنيوية في بدايتها في مطلع القرن التاسع عشر ضمن حقل علم النفس، لكن نجمها سطع فعلا في منتصف القرن العشرين حين لاقت شعبية منقطعة النظير مخترقة جميع أنواع العلوم والتخصصات. أبرز من عمل ضمن اطارها وعمل على تطويرها فرديناند دي سوسير وكلود ليڤي شتراوس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النظرية

وأساس هذا التيار نظرية مفادها، أن العالم لا يتألف من عناصر أو وحدات ذات وجود مستقل أو منفرد، وإنما من وحدات توجد ضمن بنية أو نسق عام يضبط علاقاتها المتبادلة لتكتسب معنى وقيمة، إضافة إلى خاصيتها الفردية. وتفقد هذه الوحدات معانيها وأهميتها خارج إطار هذا النسق أو البنية. ولا يبحث البنيويون في خصائص الوحدات والأجزاء أو محتواها، وإنما في علاقة الأجزاء فيما بينها بقصد الكشف عن وحدة العمل الكلية أو النسق. وتعتمد هذه النظرية التي طبقت في جميع المجالات، وخاصة في العلوم الإنسانية والفيزيائية، على ثلاث مقولات رئيسية هي: الكلية والتحول والضبط الذاتي. والكلية نظام شامل من العلاقات المتبادلة بين جميع الوحدات التي تنتمي إليه، وتستمد منه معناها وقيمتها. فاللغة بنية كليّة، أو نسق من العلاقات الدلالية والصرفية والنحوية، يحدد معاني الكلمات ووظائفها. فكلمة mouse، وهي وحدة في بنية اللغة الإنكليزية الكليّة، تعني «فأراً» في هذه اللغة وحدها، بمقارنتها بالكلمات التي تنتمي إلى المجموعة الوظيفية ذاتها، كالكلب والبقرة والقطة؛ فإذا أخرجت من هذه البنية تفقد هذا المعنى، ما لم يكن لها معنى آخر في نسق لغوي آخر، إذا كان صوتها يوحي بهذا المعنى؛ وهذا نادر، ولا يكون إلا مصادفة.[1]

أما التحول فهو نظام تتمتع به البنية، على ثباتها، ليساعد في إيجاد معاني وتركيبات متجددة دائماً، لكن ضمن قواعدها الثابتة والضبط الذاتي لكل وحدة فيها. فمثلاً إن أي كلمة في اللغة لها وظيفة ثابتة ضمن البنية الكلية، كأن تكون اسماً، أو فعلاً أو نعتاً، ولكن يمكن أن ترد هذه الكلمة في عدة تشكيلات وتركيبات تحول معناها بشرط أن تحافظ على وظيفتها. فكلمة cat في الإنكليزية وهي اسم، ولا يمكن أن تأتي بوظيفة فعل إلا بخرق القانون العام للبنية، ولكنها تأتي في عدة تركيبات. وضمن هذا التحول أيضاً، يمكن لهذه الكلمات أن تكتسب معاني جديدة حسب تبدل العلاقات بعضها ببعض وحسب التغيرات التي تطرأ على استخدام اللغة في مجتمعاتها لتكسبها مدلولات جديدة. وهنا يأتي الضبط الذاتي ليحافظ على وظيفة الوحدات وعلاقتها ببعضها ضمن ضوابط ثابتة داخل النسق العام.


البنيوية في اللغة

يعد اللغوي السويسري فرديناند دي سوسور واضع الأسس العملية للبنيوية الألسنية. ففي «محاضرات في الألسنية العامة» (1915) Cours de linguistique générale ميز دي سوسور اختلافاً بين ثلاثة مستويات داخل النشاط اللغوي: اللسان وهو المظهر الأوسع للنشاط اللغوي لأنه يشمل المقدرة الإنسانية على الكلام؛ واللغة وهي نظام يستخدمه الناس لتوليد المحادثة؛ والكلام وهو الشكل الفردي الخاص في استعمال اللغة. ويعد تعريف دي سوسور للّغة بأنها «نظام لا يعرف إلا ترتيبه الخاص» أول توصيف للّغة كبنية. وقد وضع دي سوسور مجموعة من الأدوات المفهومية أسهمت في وصف ذاك النظام، وكان لها الأثر الكبير في تطوير المنهج البنيوي بوجه عام.

التزامن والتزمّن: التزامن هو دراسة حال اللغة والعلاقة بين عناصرها في مرحلة زمنية محددة من دون الاهتمام بتطورها التاريخي، ويقوم على اعتبار اللغة كلاً متماسكاً إلى حد ما. أما التزمّن فهو دراسة اللغة في تطورها من خلال التغيرات التي تطرأ عليها. فالحاجة قائمة في العلوم إذن للتفريق بين محورين: محور أفقي (محور المعيّة) الذي يهتم بالعلاقات القائمة بين عناصر تتواجد في الوقت نفسه، ومحور شاقولي (محور التعاقب) الذي يهتم بتغير العناصر والعلاقات بينها في أوقات متعاقبة. وقد اهتم دي سوسور بالتزامن لدراسة اللغة، وليس بالتزمن.

العلاقات التركيبية syntagmatique والعلاقة التبادلية paradigmatique: العلاقات التركيبية هي تلك التي تقيمها وحدة ألسنية ما مع الوحدات الأخرى في المستوى نفسه لتشكل تركيباً (مثل العلاقات التي تقيمها الكلمات لبناء جملة)؛ أما العلاقات التبادلية فهي تلك التي توجد بين وحدات تقوم بالوظيفة نفسها ويمكن إبدالها فيما بينها.

3 ـ العلامة: رأى سوسور أن اللغة نظام «علاماتي» وليس منتوجاً تاريخياً، وأعاد تعريف العنصر الرئيس للبنى اللغوية فأطلق عليه تسمية علامة ثم بيّن أن لهذه العلامة ماهية مزدوجة، أي أنها كلٌّ مركب يربط بين صورة سمعية (الدالّ) وتصور ذهني (المدلول) ولا يسبب أحدهما وجود الآخر، ولكن يعتمدان على بعضهما في تشكيل علامة تعد عنصراً في بنية اللغة ككل. أما العلاقة التي تربط بينهما فهي علاقة خطية واعتباطية، أي إن اختيار هذه الصورة السمعية حاملاً لذاك التصور الذهني هو أمر مفروض على مستخدمي اللغة نفسها في إطار بنية اللغة التي تسهم في حياة الناس في مجتمعاتهم.

تطورت البنيوية الألسنية تطورا كبيرا بعد دي سوسور، وذلك في ثلاثة مناح أساسية هي:

مدرسة براگ: تركزت التوجهات الأساسية لهذه المدرسة حول المظاهر الصوتية للّغة. وكان من أشهر أقطابها الروسيان نيكولاي تروبتسكوي ومن أشهر كتبه «مبادئ التصويتية»، ورومان ياكوبسون[ر] R.Jakobson الذي اشتهر إلى جانب دراساته في الألسنية بدراساته في الشعرية La poétique التي شرح فيها نظريته حول العلاقات الديالكتيكية في اللغة وفي اللسان، وعرضها بشكل محدد في دراسته المشتركة مع كلود لڤي شتراوس حول قصيدة «الهررة» لبودلير[ر]، وكذلك في كتابه «مسائل في الشعرية» (1973) Questions de poétique وقد كان لشتراوس كبير الأثر في إرساء قواعد التحليل اللغوي.

2ـ المدرسة الوظيفية الفرنسية: وأهم ممثليها أندريه مارتينيه الذي ركز دراساته على التصويتية في «اقتصاد التغيرات التصويتية» (1955) ، و«مبحث في التصويتية التزمنية» (1955) وعلى مفهوم «التمفصل المزدوج». وإيميل بنفينست في كتابه «مسائل في الألسنية العامة» (1966) Problèmes de linguistique générale.

مدرسة كوپنهاگن: وأهم أعلامها لويس يلمسليڤ (1899 - 1965) الذي طوّر مفاهيم دي سوسور وسعى إلى تأسيس علم للدلالة قائم على وجود تشابه في بنية الشكل والمضمون.

البنيوية في الأدب

تطورت مناهج التحليل البنيوي في الأدب انطلاقاً من النظرة إلى النص الأدبي كمظهر من مظاهر اللغة، ما يجعل بالإمكان دراسته بوساطة الشبكات أو البنى المستعملة في دراسة اللغة: بنى نحوية، خطابية، صوتية، ليصبح بذلك نسق اللغة نموذجاً للنقد. وقد طبق البنيويون التحليل البنيوي على الأجناس والأشكال والأساليب الأدبية لمعرفة كيف تعمل وكيف تركب ضمن نسق لغوي ذي نظام ثابت ومتغير في الوقت نفسه ضابط النصوص الأدبية، وطبق هذا النظام على بنية الرواية، ولم يكن التطبيق على المعنى الذي يقدمه النص الأدبي بل على البنية التي يخضع لها النص ليولد المعنى. وذهب البنيويون إلى إظهار العمل الأدبي نموذجاً أو منتجاً يمثل هذه البنية. وكان لدراسة ليفي شتراوس للأسطورة وبنيتها أكبر الأثر في تطوير نظرية النقد البنيوي في الأدب، إذ سلط الضوء على أسطورة أوديب مثلاً، بأن تناولها وقسّمها إلى أحداث صغيرة تتكرر، ويعاد تركيبها وتشكيلها ضمن شبكة ذات بعدين متضادين ليستخرج منها التقابلات المهمة ذات الدلالة التي يُفترض أن الأسطورة تدور حولها، ليس حسب التسلسل الزمني أو التراكم الحدثي وإنما الدلالي البنيوي لها. فأحداث الأسطورة مهما كان عددها تُصنف حسب البنية التي تحكمها إلى أعمدة أربعة تبعاً للمعايير التالية: الإفراط في تقدير صلات القرابة (أوديب يتزوج يوكاستا)، الحط من قدر صلات القرابة (أوديب يقتل أباه)، قتل الوحوش (أوديب يقتل الهولة)، صعوبة الوقوف بانتصاب (لايوس أعسر، لابداكوس أعرج). وهكذا فجميع الأساطير تتبع نظاماً بنيوياً واحداً ولكن تظهر في أشكال متعددة ومتكررة.

وهكذا يوظف النص الأدبي نموذجاً يوضح البُنى والمعايير التي تحكمه، ويعتمد في هذا على مبدأ القطبية الثنائية أو الثنائيات الضدية التي يُبنى على أساسها الإطار الذي يولد المعنى ويُحصر ضمنه مثل: الطبيعة/ الحضارة، الذكر/ الأنثى، الحياة/ الموت، المفتوح/ المغلق، الخير/ الشر.

وقد أسهم ياكوبسون أيضاً في دراسته للنص الأدبي واللغة المستخدمة للكتابة باكتشاف قوانين جديدة تحكم النص، فعارض النظرة السائدة حول معايير الرواية الأدبية التي تقول بأن الرواية الأدبية تتقدم زمنياً من خلال تطور الأحداث فيها، وبأنها لاتخضع لقانون التزامن وإنما التزمن فقط؛ وقدم طرحاً جديداً بأن اللغة الأدبية موجودة في فضاء محدد ترتبط فيه عناصرها ببعضها أفقياً، كما العلاقة بين المركبات والكلمات التي تؤلف جملة؛ وشاقولياً بعلاقة تبادلية تسمح للكلمات التي تنتمي إلى الفئة الوظيفية نفسها بأن تحل محل بعضها في الجملة. فهناك إذاً محور شاقولي يختار فيه الأديب الكلمات ثم يركبها حسب المحور الأفقي في فضاء بنيوي يولد النص الأدبي الروائي الذي تضبطه معايير وقوانين بنية هذا الفضاء. وفقاً لهذا يظهر النص تبعاً لنظامه اللغوي وليس لإرادة المؤلف، وعلى الباحث أن يسبح في فضاء النص ليكشف البنية الحقيقية عن طريق التناص، وما يضعه المؤلف هو نصوص مكتوبة سلفاً لنظام أو نسق للكتابة مسبق الصنع.

ولقد أجريت أولى المقاربات البنيوية للأدب في روسية. فهناك من جهة دراسة ڤلاديمير پروپ (1895-1970) V.Propp عن الحكايات الشعبية في روسية: «مورفولوجية الحكايات الشعبية» (1928) Morphology of the Folktale، وفيها يعالج مئة حكاية من الحكايات الشعبية ويدرس كل حكاية على حدة بصفتها بنية متفردة، ليستنتج أن شخصيات الحكايات متغيرة لكن وظائفها «أي ما تفعله الشخصية من وجهة نظر أهميتها في مجرى الحدث» تبقى ثابتة ومحدودة، ونجد من جهة أخرى الدراسات التي كتبت في المدة الممتدة بين 1915 و1930 ولم تعرف في أوربة إلا في الستينات تحت اسم الشكلانية Formalisme الروسية. ومن بين واضعي هذه الدراسات تتميز أسماء توماشڤسكي (1890-1957) B.V.Tomasjevski، وآيخنبوم (1886-1959) B.M.Eichenbaum ، وشكلوڤسكي (1893ـ) V.V.Chklovski، وتينيانوڤ (1894-1943) V.V.Tynyanov، وڤينوگرادوڤ (1895-1969) V.V.Vinogradov، كما تدخل في سياق هذه المقاربات كتابات الناقد ميخائيل باختين M.Bakhtin «فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية إبان النهضة» (1965)، و«شعرية دستويفسكي» (1929)، و«علم جمال الرواية ونظريتها» (1965)، و«جمالية الإبداع اللغوي» (1979)، و«الماركسية وفلسفة اللغة» (1929). وقد وجدت دراسات بروب ورثة لها في النقد البنيوي الفرنسي لدى كل من الجيرداس جوليان گريماس (1917- 1986) A.J.Greimas وكلود بريمون (1929-) Cl.Bremond وتزفيتان تودوروف (1939-) T.Todorov.

اهتم الناقد اللتواني الأصل گريماس، بوجه خاص، بعلم الدلالة في مؤلفاته «علم الدلالة البنيوي» (1966) و«أبحاث في علم الدلالة» (1970)، و«علم الدلالة والعلوم الاجتماعية» (1976) فوضع مجموعة من المفاهيم التي تسمح باستشفاف البنية الأساسية للمعنى. وقد نظم هذه المفاهيم في مخطط نمطي قابل للتطبيق على أي نص سردي. وتابع بريمون في «منطق الحكاية» (1973) الارتباط المنطقي للوظائف التي تتضمنها كل حكاية ليحدد الإمكانات البنيوية لترابط السرد تبعا لمنظومة ارتقاء وانحطاط، مما يسمح له بوضع تصنيف للمقاطع السردية. أما تودوروف فقد استخلص من دراساته للأدب العجائبي في «مدخل إلى الأدب العجائبي» (1970) Introductionla littérature fantastique الهيكلية البدئية العميقة التي تُبنى عليها نصوص هذا الجنس الأدبي.

إلى جانب هذه التصديات البنيوية لقضايا عامة في الأدب هناك مقاربات ترد على ما أخذه نقاد البنيوية على منهجيتها من عدم صلاحيتها لقراءة النصوص الفردية. ومن أهم ما أنتج في هذا المضمار أعمال رولان بارت R.Barthes مثل دراسته «اس/ زد» (1970) S.Z التي يقدم فيها قراءة نقدية عملية لقصة «العربي» لبلزاك، ودراسة تزفيتان تودوروف «قواعد ديكاميرون» (1969) Grammaire du Décaméron عن كتاب بوكاتشو، وجيرار جينيت (1930ـ) G.Genette في الجزء الثالث من كتاب «أشكال 3» (1972) Figures III الذي يقدم فيه دراسة منهجية لرواية «البحث عن الزمن المفقود» A la recherche du temps perdu لمارسيل بروست، ويعد هذا الكتاب المرجع الأساسي للدراسات السردية. وبهذه المقاربات وصلت البنيوية إلى مرحلة ما بعد البنيوية.

البنيوية في العلوم الإنسانية

سبق نجاح البنيوية في مجالات العلوم الإنسانية نجاحها في مجالي الأدب واللغة وخاصة في علم الإناسة Anthropology، إذ بيّن الإناسي الفرنسي كلود ليفي-ستروس أن الرفع التفصيلي للممارسات الاجتماعية يسمح باستخلاص البنى الخفية التي تحدد هذه الممارسات، وهذا ما أثبته في عديد من كتبه مثل «علم الإناسة البنيوي» (1955) Anthropologie Structurale، «النيئ والمطبوخ» (1964) Le cru et le cuit، «من العسل إلى الرماد» (1966) Du miel aux cendres. ومن المحطات المهمة في مقاربة البنيوية للعلوم الإنسانية أعمال لوي آلتوسير (1918-1990) L.Althusser الذي ينطلق في كتابيه «من أجل ماركس» و«قراءة رأس المال» الصادرين عام 1965 من البنى الاقتصادية والاجتماعية التي يدرسها ماركس في «رأس المال» ليصل إلى نظريته في التطبيق العملي «البراكسيس» Praxis سيرورةً للتحولات المستقلة، وأعمال ميشيل فوكو (1926 - 1984) M.Foucault «الكلمات والأشياء» (1966) Les mots et les choses و«أحفوريات المعرفة» (1969) L’Archéologie du savoir وفيها يرى أنه لتطور العلوم الإنسانية يجب التخلي عن تراكمات الأنظمة الإنسانية التي تدل على انحطاط الإنسان أكثر من رقيه، وعلى جهله أكثر من وعيه، وتدمر هذا الإنسان وما حوله، بسبب الإيديولوجيات التي هي مجرد أوهام وأباطيل يخلقها فتقيده.

ما بعد البنيوية

بدأت البنيوية في الانهيار في أوائل السبعينات من القرن العشرين، وظهر مكانها في فرنسة ما اصطلح على تسميته ما بعد البنيوية. وكان رولان بارت وجاك دريدا أهم فلاسفتها. وكان بارت قد تحول عن البنيوية إلى ما بعد البنيوية، وانتقل في دراسته من أهمية الكاتب في تركيب النص الأدبي باعتماد معايير وبنى جاهزة الصنع إلى دور قارئ النص في توليد معاني جديدة لا نهاية لها. وجاء هذا في مقالته «موت كاتب» (1968) La mort d’un auteur التي أعلن فيها استقلالية النص وحصانته ضد أي تقييد له بمعايير أو بحدود مضمونة أو بحدود ما قصده الكاتب منه، فيصبح القارئ بهذا هو المنتج للنص ولمعان متجددة فيه. يؤكد بارت في كتابه «متعة النص» (1975) Le plaisir du texte أنه في غياب الكاتب تصبح عملية إيجاد تأويلات للنص عملية عبثية لا نهاية لها، لكنها ممتعة، وتأتي المتعة من امتلاك النص لإمكانات «اللعب» بالمعاني. ولكن هذا لا يعني تخلياً فوضوياً عن كل القيود، وإنما تفكيكاً وهدماً منظمين لإنتاج معان أخرى، وكأن القارئ يعيد كتابة النص، فيصبح منتجاً له وليس مستهلكاً، وهذا أساس المذهب التفكيكي، الذي طوره ديريدا، وهو أساس «مابعد البنيوية».

كان لمقالة ديريدا الشهيرة «البنية والدال واللعب في خطاب العلوم الإنسانية» (1966) أكبر الأثر في الخطاب ما بعد البنيوي، إذ شكك فيها بأسس البنيوية بقوله: «لكي لا تنهار يجب أن يكون لها مركز خارج هذه البنى»، ووجود هذا المركز يدحض فكرة البنيوية ويظهر تناقضها من الداخل. وهو يرى أن هذا المركز غير ثابت، فمثلاً إذا نظرنا إلى المتضادات الثنائية على أنها الأحجار التي تشكل البنى، نرى أنها تعمل بصورة نسقية هرمية إذ تسيطر واحدة على الأخرى وتتمايز عنها (مثل ثنائية ذكر/ انثى)، ولكن إذا قلبت علامة التمايز هذه يتولد منطق تفكيكي يهدم البنية ويهز استقرارها ليعيد خلق معان جديدة دائمة التغير.

وإضافة إلى ديريدا كان فوكو Foucault ولاكان Lacan، في مجال التحليل النفسي، ناشطَين في حركة مابعد البنيوية على الرغم من أنهما كانا في البداية بنيويين، إذ طرح فوكو في كتاباته نظريته بأن أي نظام علاماتي لا يمكن أن يعمل بمعزل عن علاقات السيطرة التي تربط المفاهيم ببعضها، وطرح لاكان أن اللاوعي وليد اللغة وليس العكس.

وفي حين يرى البنيويون أن الإنسان لا يملك وسيلة للوصول إلى الحقيقة إلا عبر اللغة وبنيتها وليس العكس، فإن ما بعد البنيويين يرون أنه من المستحيل الوصول إلى الحقيقة، حتى عبر اللغة، فكل شيء تابع «لميتافيزيقية الوجود» والدال الكلامي مائع يسبح دائماً بعيداً ومتحرراً عن المدلول. وبهذا تصبح اللغة مائعة قابلة «للانزلاق» و«للانسكاب»، والعلامات تتركب عشوائياً، لأنها تملك ديناميكية لا تظهر إلا في النص المكتوب، حيث تعيد تشكيل وخلق معان جديدة ضد المعنى الظاهر، ولاسيما أن النص يبقى بعد موت الكاتب، فيعمل النص ضد ذاته. وهكذا لا يمكن لمعاني الكلمات أن تكون ثابتة، فالكلمات مشوبة بعكوساتها، مثلاً: لا يمكن إدراك «الليل» إلا بالرجوع لمفهوم «النهار». وقلب العلامة بين المتضادات يؤدي إلى عدم استقرار اللغة الذي هو أساس فلسفة «ما بعد البنيوية» التي تركز على قراءة النص ضد نفسه، والبحث عن «لاوحدته» بدل وحدته، وعما كتب فيه في «اللاوعي» بدل الظاهر السطحي.

وقد تأثر ما بعد البنيويين بفلسفة نيتشه وهايدگر وفرويد الذين رأوا فقدان «المركز» في عالمنا الفكري، بالمقارنة مع عصر النهضة الذي كان الإنسان فيه هو المركز به يقاس كل شيء؛ فإنسان القرن العشرين فقد هذا «المركز» في عملية عدم تمركز، بسبب الأحداث السياسية مثل الحرب العالمية التي كانت نهاية الوهم بأن أوربة هي مركز الحضارات والثقافات، أو بسبب ثورة الاكتشافات العلمية مثل التوصل إلى نظرية النسبية التي قضت على مفهوم أن الوقت والزمان مطلقان مركزيان، أوبسبب الثورة الفكرية والفنية مثل حركة الحداثة في الفن والأدب التي رفضت الانسجام في الموسيقى والسرد الزمني ووحدة النص في الرواية. ففي العالم ما بعد البنيوي لا يوجد مركزية ثابتة للأشياء ولا نقاط ثابتة مطلقة، فالكون الذي نعيش فيه لا تمركزي ونسبي في طبيعته، وهذا يعطي حرية «اللعب» بخلق مراكز جديدة متغيرة باستمرار إلى مالا نهاية. وهكذا لا توجد حقائق أكيدة، وإنما تفسيرات وتأويلات، لا يمكن لأي منها أن يدعي الصحة أو السيطرة أو الثبات. ولا يزال هناك جدل كبير حول إذا ما كانت ما بعد البنيوية امتداداً للبنيوية أم ثورة عليها، ومع أن ما بعد البنيوية سيطرت وتفوقت على البنيوية إلا أنها يمكن أن تُعد مجرد مراجعة وصياغة جديدة لها.

انظر أيضاً

  1. ^ حسان عباس، ريما حكيم. "البنيوية وما بعد البنيوية". الموسوعة العربية. Retrieved 2011-12-22.