النشاط التبشيري الأمريكي في مصر

جزء من سلسلة عن
الإرساليات
الپروتستانتية
إلى الشرق الأوسط
Minarets missions.jpg

خلفية
المسيحية
پروتستانتية
في مصر
خط زمنى للتبشير

الأشخاص
صمويل مارينوس زويمر
أنتوني نوريس گروڤز
هنري مارتن
أندرو بونار
كورنليوس ڤان ديك
وليام مكلوي ميلر
صمويل جوردان
دگلس دنلوپ
وليام گودل

الوكالات التبشيرية
جمعية لندن التبشيرية
المجلس الأمريكي
جمعية إرساليات الكنائس (بالشرق الأوسط)
الجمعية التبشيرية المعمدانية


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشاط التبشيري الأمريكي في مصر

في الأناجيل التي يتداولها المسيحيون وردت إشارة واضحة بتكليف معتنقي هذه العقيدة في كل أنحاء العالم بنشر تعليم الإنجيل والدعوة إلى ما جاء به، أي دعوة الناس إلى اعتناق المسيحية وتعليمهم أصول هذه العقيدة وشرائعها فقد جاء في انجيل متى (فإذا هبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والأبن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم إلى انقضاء الدهر)، وجاء في انجيل مرقص على لسان المسيح قوله (اذهبوا إلى العالم واكرزوا بالإنجيل للخليفة كلها ومن آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يدن) من هذه الأصول استمدت المسيحية مبررات ومقومات الدعوة إلى ما جاء في الإنجيل وأطلق على هذا النشاط مصطلح التبشير Evangelism.

ومعظم الأديان في الواقع تقوم على التبشير ولكن التسميات تختلف من تبشير وكرازة ودعوة ونشر، والأهمية النسبية تختلف أيضاً فيختلف الإهتمام بالتبشير بين الأديان الثلاثة فالتبشير هو حجر الزاوية في الإسلام والمسيحية ويتضاءل الإهتمام بالتبشير أو يختفي في اليهودية.

ولفهم النشاط التبشيري الأمريكي يجب أن نضعه في إطاره الصحيح فالتبشير حركة دينية اجتماعية تهدف إلى الدعوة إلى الدين الذي يعتنقه المبشر الأمريكي البروتستانتية وفي اعتقاد ونية أي مبشر أن الله سيجزيه على هذا العمل مقاماً رفيعاً بين أقرانه يوم القيامة تماماً مثلما فعل المسلمون عندما غزو مصر والشام وفتحوها فهذه حركة تبشيرية كبرى قصد بها المسلمون هداية غيرهم من معتنقي الأديان الأخرى إلى الدين الحنيف وفي اعتقادهم (المسلمين) أن الله سيجزيهم على هذا العمل مثلما يظن المبشرون المسيحي على حد سواء.

ومنذ انتقال الإرسالية الأمريكية من سوريا إلى مصر والتي وصلتها في 15 نوفمبر 1854 وهي تتلقى المساعدات من الحكومة المصرية في أشكال مختلفة مثل إعفاء الإرسالية الأمريكية من بعض الرسوم أو منح الإرسالية قطعاً من الأرض لبناء منشأت الإرسالية الأمريكية عليها من مستشفيات ومدارس كما امد الإحتلال الإنجليزي المبشرين بشكل عام – نوعاً من المساعدة على التبشير لدرجة أن بفور وزير الخارجية البريطانية كان يعتبر المبشرين في نظر الإستعمار هم عيونه التي تقوم بإطلاع الدول الغربية على النواحي التي تهمها معرفتها عن عقائد المسلمين وآرائهم والثقافات التي يتأثرون بها.

وينقسم العمل التبشيري سواء كان أمريكياً إو غيره إلى ثلاثة أنواع: 1-التبشير بين الجماعات: وهذا يحدث بالمدارس والمستشفيات وفي الندوات الدينيية. 2-التبشير مع الفرد الواحد: وهذا يحتاج إلى مثابرة وصبر واستعداد للترحاب بالضيف وإطهار كل إمكانيات الود والصداقة حتى يأنس إليه الفرد ويثق به وهنا يصبح آلة مسخرة يكفيها المبشر كما يشاء ويصل بها إلى النصراينة طواعية واختياراً. 3-العمل التبشيري الصامت وذلك بتوزيع الكتاب المقدس والنشرات الدينية والصور والأيقونات.

وفي بداية العمل التبشيري الأمريكي بمصر اتجه المبشرون الأمريكيون إلى تنصير المسلمين ولما وجدوا صعوبة شديدة في ذلك وهوما أدركه تشارلز روجر Charls. R. Watsoon حين قال (إن التغلغل لعقل المسلمين مثل دخول حجرى مظلمة وهنا اتجه المبشرون الأمريكيون إلى الأقباط لتحويلهم من الأرثوذكسية إلى البروتستانتية وكان هذا الحل الذي وجدته الإرسالية الأمريكية للخروج من فشلها الذريع في تحويل المسلمين إلى النصرانية ولضمان مورد مالي لتكملة جهودهم في محاولة لتنصير المسلمين مرة ثانية، وفي لذك استعان المبشرون الأمريكيون ببعض الأقباط المتحولين للبروتستانتية في عملهم التبشيري الذي امتد في شتى قرى ومدن مصر ففي الشرقية خدم العمل الإنجيلي عبد المسيح حنا الله وهو قبطي متحول للبروتستانتية وقام بالخدمة بشبرا والقس صموئيل جرجس (1920-1924) وأبان خدمته تم إرساء حجر الأساس للمبنى الحالي لكنيسة شبرا والذي تم تدشينها في 28/9/1923 وخدم بالزقازيق القس حنا مقار والذي بجهوده تم شراء قطعة أرض في عام 1929 وعليها تم بناء المبنى الحالي لكنيسة الزقازيق في عام 1935 وظل حنا مقار يخدم هذه الكنيسة حتى وفاته 1961 وكانت هناك ثلاثة طرق اتخذتها الإرسالية الأمريكية للوصول للسكان الأقباط في المدن والقرى وهي: 1-القيام برحلات تبشيرية تجوالية. 2-التجوال لبيع الكتاب المقدس. 3-العمل التعليمي عن طريق المدارس.

ففي كل عام كان المبشرون الأمريكيون يقومون برحلات عديدة في أماكن مختلفة لتكوين علاقات شخصية مع السكان ولحث الأقباط الأميين للاستفسار عن الموضوعات الدينية ولتقديم الكتب المقدسة والآداب المسيحية للبيع وبذلك يسهل تحويل الأقباط إلى البروتستانتية وذلك لأن وصول المسيحية للإسلام في مصر تكمن من خلال تبشير الأقباط وانعاش الكنيسة الوطنية وهو العمل الذي ركزت عليه طويلاً الإرسالية الأمريكية للكنيسة المشيخية المتحدة لشمال أمريكا The American Mission of threeunited Presbyterians وهي الإرسالية التي كانت تتولى أمر التبشير في مصر – من أجل كسب الأقباط للإنجيلية المسيحية ولتحقيق هذا الهدف قامت تلك الكنيسة استقلت كتيسة وطنية (مصرية) بروتستانتية قوية وعندما اشتد عود هذه الكنيسة استقلت عن الكنيسة الأم الكنيسة المشيخية وقد تم الإستقلال على عدة مراحل بدأ في عام 1908 حيث بدأ الإستقلال المالي الإداري وتم الإستقلال المالي والإداري في عام 1926 وأصبحت الكنيسة القبطية الإنجيلية كنيسة مستقلة ولكنها كانت عضواً في المحفل العام للكنيسة المشيخية الأمريكية وفي عام 1958 انهت الكنيسة الإنجيلية علاقتها بالمحفل العام الأمريكي وأصبح سنودس النيل الإنجيلي هو المحفل العام للكنيسة القبطية الإنجيلية.

وعلى الرغم من فشل المبشرين الأمريكيين في بداية الأمر للعمل بين المسلمين واتجاههم نحو الأقباط إلا أنهم لم ييأسوا في تبشير المسلمين وظهر ذلك من خلال أعمال مؤتمر حلوان التبشيري الذي عقد في 1924 ومؤتمر القدس الذي عقد في نفس العام حيث دعا المؤتمرون إلى ضرورة تبشير المسلمين وذلك من خلال توحيد جهود كافة المبشرين العاملين في مصر وأشار مؤتمر القدس إلى نقطتين هامتين تتعلقان بأساليب التبشير أولهما خطأ المبشرين إذ كانوا يستغرقون من قبل فن نقد الإسلام وإظهار ضعفه أكثر مما يكشفون عن قوة المسيحية وثانيهما أن التبشير أكثر فاعيلة وحسماً بين الأطفال لأن تعليم الديانة الإسلامية وترسيخها يتم بين المسلمين في سن مبكرة جداً لذلك وجب أن يكون التبشير من خلال التعليم هو النشاط الأساسي للمبشرين في البلاد الإسلامية ونادي مؤتمر حلوان بتكوين قيادة قوية من المبشرين والقساوسة والمدرسين لتعبئة كل القوى المسيحية في مصر لهداية المحدمين (المسلمين).

ووضع مؤتمر حلوان خطة للعمل لتنصير المسلمين وحدد الفئات التي يجب أن يعمل بها المبشرين وهي:

1-شيوخ وطلاب الأزهر: وذلك من خلال الإتصال بطلاب الأزهر وزيارتهم في منازلهم أو تأسيس أماكن بجوار الأزهر للمبشرين الذين يجب أن يظهروا حفاوتهم وودهم وتشجيعهم للمناقشات الحرة مع الأزهريين.

2-المثقفين: وذلك بإعطائهم عدد كبيراً من الآداب المسيحية بالعربية والإنجليزية.

3-العمل بين الناسء: ولما كان من الصعب الإتصال بالنساء، فيمكن الإتصال بهم من خلال جمعيات الخريجات، ومركز رعياة الطفولة التي تصل إليه أفقر الأمهات.

وحدد المؤتمر حلوان الوسائل التي يمكن أن يعمل من خلالها المبشر للتنصير وهي: 1-العمل التبشيري الطبي. 2-العمل التعليمي. 3-العمل التبشيري المباشر من خلال زيارات المنازل والصلات الإجتماعية والمناقشات العامة التي يمكن أن تكون مثمرة.

والخطة التي نادى بها مؤتمر حلوان اتبعتها الإرسالية الأمريكية في مصر بالتفصيل لتنصير المسلمين، وبالفعل اتجه المبشرون الأمريكيون نحو الأزهر على اعتبار أن الأزهر معقل الإسلام وأن الصباني الأزهري إذا اتفق ذلك يكون عوناً للمبشرين على زيادة التغلغل في العالم الإسلامي وأشهر حادثة تبشير أمريكية في الأزهر كانت 1928 وهي حاثة القس الأمريكي زويمر وكان هذا القس وقتها كبيراً المبشرين الأمريكيين في مصر وسوريا وفلسطين والمسئول عن تحرير مجلة العالم الإسلامي وواحداً من أقطاب كافة مؤتمرات التبشير التي انعقدت منذ 1910 وعرفت كتاباته بالتعصب والتعسف ضد الإسلام، وكان لدى زويمر تصريح من وزراة الأوقاف المصرية بدخول المساجد واصطحاب العلماء، وهواة الآثار، وقد استغل هذا التصريح في دخول الأزهر وتوزيع بعض رسائل التبشير في عام 1926، الأمر الذي دعا مدير المساجد وقتها الشيخ عبد الوهاب خلاف إلى استدعاء زويمر وإنذاره بسحب التصريح منه وانتهت هذه الحادثة بسلام ولكن في ضحى ابريل 1928 ذهب زويمر إلى الأزهر ومعه ثلاثة أجانب من بينهم امرأة فتتبعه مراقبوا الجامع لعلمهم بنشاطه التبشيري ودخل حلقة درس الشيخ سرور الزنكلوني أثناء شرحه لسورة براءة ووزع على الطلبة في اسستار ثلاثة رسائل ثيل أنها تتضمن تفسيرات مسيحية لآية الكرسي ولآسماء الله الحسنى ثم ترك الحلقة إلى غيرها وأهاج هذا الأمر نحو من ثلاثة آلاف أزهري كانوا موجودين وقتها وحرقوا الرسائل واستفزتهم جرأة الرجل الذي يقوم بالتبشير في صحن أكبر جامع إسلامي، وعم السخط حتى كاد أن يفلت الزمام، لولا روح الضبط التي أشاعها العلماء وسرى خبر الحادث وبلغ الإستياء مبلغه وأوفد العلماء منهم من قابل مصطفى النحاس رئيس الوزراء طالباً إليه وقف أعمال التبشير في مصر، ووقف توزيع رسائل المبشرين في الشوارع ووسائل المواصلات والمنتديات ونتيجة لذلك سحبت الوزراة تصريح القس زويمر الأمر الذي اضطره أن يصرح باستعداده للإعتذار للأزهر، ولكن الحادث استمر يشغل الرأي العام فترة طويلة وجلب الحادث معه سخطاً شديداً ضد التبشير وقد شارك الأقباط في حملة السخط هذه إلى جانب المسلمين فقد كتب كليم أبو سيف معلقاً على حادثة زويمر ومهاجماً دعوى الإنجليز في حماية الأقليات في مصر ومنوها لحكمة المسلمين وضبطهم للنفس حيث ذكر أنه (لو حدث مثل حادث زويمر في أية كنيسة لاستغلته بريطانيا لتأييد دعواها عن تعصب المسلمين) ثم استطرد قائلاً (لا تعتقدوا المسلمين أن الأقباط في مصر أقل استنكاراً لهذا الحادث منكم، فهم أحرص ما يكونون على الألفة والإخاء بينهم وبينكم ولقد أتى موقف كليم أبو سيف من موقف الأقباك العام المعادي لنشاط الإرساليات التبشيرية في مصر والتي حاولت أن تبشر الأقباط كذلك، وتحولهم عن الأرثوذكسية كما حاولت أن تحول المسلمين إلى المسيحية فخشية الأقباط والكنيسة القبطية من فقد رعاياها لصالح الإرساليات الأجنبية والأمريكية بشكل خاص هو الذي جعل الأقباط يؤيدون المسلمين في معادتهم للمبشرين انطلاقاً من المصلحة المشتركة واستفزت هذه الحادثة الصحافة المصرية فنشرت صحيفة البلاغ مقالاً لعباس العقاد سخر فيه من القس زويمر، حيث قال لم تدخل الأمريكيات الحديثة في شئ إلا احالته من الجد إلى الهزل ومن الوقار إلى الصبيانية فقد دخلت في الفن فإذا التمثيل تهريجاً . . . ودخلت في الدين فإذا الدكتور زويمر وأمثاله أضحوكة للتسلية وتراجيديا تنقلب إلى الكوميديا تارة وإلى الميلودراما تارة أخرى ثم سخر من أمريكا التي كانت مجهولة يوم ظهور المسيحية (ثم يجئ الأمريكيون إلى وطن المسيح في الشرق لينقذوا دينه ويجردوا يقينه وبأية وسيلة بهذه الوسائل الفردية التي أزهر فيها السيد زويمر براعة في المحاكاة تدلك على أنه من قراء طرازان ومن ال عارفين جد المعرفة بطبائع القردة والنسانيس الصغيرة . . . . فلو أن مسلماً دخل الكنيسة الكبرى في روما أو في لندن ليسخر بالمسيحية ويدعو للإسلام لما كان على يقيت من العودة إلى حيث أتى ولكنك أنت تقتحم الأزهر بين المسلمين لتسخر بدينهم وتعتدي هلى حرماتهم ثم تمضي بسلام لايمسك سوء ولاتخسر فيه شيئاً غير وريقاتك التي طرحتها هنا وهناك فما أدل هذا على حاجة الأجانب إلى الحماية؟ وما أدل هذا على تحفز المصريين المتعصبين للعدوان.

كما تقدم النواب محمد لطيف، وعبد الحميد سعيد، وخليل أبو رحاب من مجلس النواب بأسئلة لرئيس مجلس الوزراء اتفقت كلها على (مطالبة رئيس الحكومة ببيان ما اتخذته الحكومة حيال هذا الأمر الهام أو ما ستتخذه أن لم تكن اتخذت شيئاً للآن، وهل يرى معالي وزير الأوقاف منع صرف تذاكر تبيح للأجانب دخول المساجد أو على الأقل للمبشرين ومن ليس ثوبهم، حفظاً لكرامة الدين الإسلامي وخفاً من حدوث فتن في المستقبل وخصوصاً أن للمسألة سابقة في عام (1926).

فأجاب رئيس الوزراء أن الحكومة اهتمت بحادثة زويمر الإهتمام الجدير بها وأخذت من فورها الإجراءات اللازكة لمنع تكرار مثل هذا الحادث في المستقبل، ومنها أن وزارة الأوقاف استردت منه رخصة دخوله المعاهد الدينية الإسلامية وقد شفع رئيس الوزراء تصريحه بكتابة اعتذار عام عن هذا الحادث.

وعلى الرغم من اللغط الذي نتج عن حادثة القس زويمر إلا أنه يجب النظر إليها على أنها حادثة فردية وتجاوزاً من بعض المبشرين في التعاطي مع القضايا التبشرية بشكل عام والمشاعر الإسلامية بشكل خاص، ولايمكن النظر إليها على أنها تمثل ظاهرة في تعاطي المبشرين في مصر مع المقدسات الإسلامية (الأزهر مثلاً) وازدياد تغلغلهم حتى في الأزهر (حادثة القس زويمر)، فإن وضع تلك المسألة في سياقها الطبيعي مفيد لتوضيح مدى النجاح الضئيل التي حققته البعثة التبشيرية الأمريكية في مصر للوصول للمسلمين والأقباط على حد سواء.

وفي نفس الوقت قامت ناظرة أمريكية لإحدى المدارس الإسكندرية بالحاق صبية قاصرة بمستشفى شبين القناطر وأغوت الفتاة عن أهلها وعن دينها ورفضت (الناظرة) تحت مظلة الإمتيازات الأجنبية التي تحمي هذا النشاط أن تسلم الفتاة لأهلها وأثير هذا الموضوع أيضاً في مجلس النواب بسؤال وجهه إلى الحكومة الدكتور محجوب ثابت الذي نبه إلى أن حركات التبشير تعمل تحت ستار المدارس والمستشفات وطلب إلى الأجانب وجوب مراعاة واجب الضيافة وأن ترعى جمعياتهم في مدارسهم ومستشفياتهم ما ينص عليه دستور مصر من حماية الدولة لحرية الأديان، وكان رد رئيس الوزراء (أنه بالنسبة لحادث شبين القناطر فإن أخا الصبية حصل على حكم شرعي بضمها وأن الدولة ستقوم بتنفيذ هذا الحكم بحضور مندوب القنصلية البريطانية التابعة لها المستشفى).

وفي نفس العام نقلت صحيفة الأهرام في بعض أعداد شهر أكتوبر عن خطاب لإحدى المراسلات القته في الإحتماع السنوي لجمعية المبشرين بالسويس تحدثت فيه عن أهمية تبشير وتعليم أبناء المصريين بتربيتهم في مدارس الإرسالية الأمريكية أسوة بما يفعل أقباط مصر بمنع أبناء طائفتهم عن الإلتحاق بهذه المدارس).

وفي عام 1930 وقعت حادثتان أثارتا مشكلة على درجة كبيرة من الخطورة الأولى حدثت في شهر فبراير عندما ألقى قبطي من مذهب الروم الكاثوليك محاضرة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة تعرض فيها للإسلام والرسول، وكانت الحادثة الثانية عندما تعرض كامل منصور – وهو شاب مسلم تحول عن الإسلام واعتنق المسيحية – للنبي في محاضرة ألقاها بالإرسالية الأمريكية بالأبكية وقد نشرت الصحف بالتفصيل هاتين الحادثتين وطالبت الحكومة بمنع نشاط هؤلاء المبشرين وعلى أثر ذلك قامت سلسلة من المظاهرات وخصوصاً في الإسكندرية والتي كاد أن يتحول فيها الأمر إلى حرب أهلية بين المسلمين والمبشرين مما دعا رئيس وزارء بريطانيا رمزي ماكدونالد إلى اتهام اسماعيل صدقي رئيس الوزراء المصري بأن حكومته تعده مسئولاً عن حمايته أرواح الأجانب وممتلكاتهم في مصر ومن سخريات القدر أن ماكدونالد صرح بأن حكومته أصدرت المنصرين أوامرها إلى رادتين حربيتين بالتوجه إلى الإسكندرية للمحافظة على أرواح الأجانب المنصرين وأرواحهم من الخطر وفي عام 1932 أخذت الصحف تنشر أخبار متنوعة عن الحوداث التبشيرية والتي كثرت في هذا العام بالشكل الذي يمكن أن نطلق عليه عام التبشير ففي يونيه 1932 نشر طالب مسلم من طلبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة في إحدى الصحف بلاغاً تقدم به للشرطة عن ضغط الإرسالية الأمريكية داخل هذه الجامعة لإجباره على التحول عن الإسلام، فهاجمت صحيفة السياسة الجامعة الأمريكية وقالت أنها كانت تقوم بعمليات تنصير في غاية الخطورة لبعض الطلاب المسلمين وقد اعترف عميدها بذلك في عام 1920 عندما قرر أن التبشير كان يتم بين الطلاب المسلمين وأنه كان يشترط حضورهم للكنيسة يومياً، وحضور قصول دراسة الكتاب المقدس لمدة أسبوعين من كل شهر.

وتزايدت خطورة المشكلة التبشيرية عندما فضح الشاب الفلسطيني عبد القادر موسى كاظم الحسيني – الذي كان طالباً نابهاً بالجامعة الأمريكية – الدور التبشيري لتلك المؤسسة بشكل علنى وبصورة بالغة الجرأة ففي يوم احتفال الجامعة السنوي بتسليم شهاداتها للمتخرجين الذي كان عبد القادر واحداً منهم – ولما بدا الحفل بتسليم الشهادات نودى على عبد القادر واحداً منهم – ولما بدا الحفل بتسليم الشهادات نودى على عبد القادر لتسلم شهاداته ولكنه ما أن تسلمها حتى مزقها على مرأى من الجميع وصاح في وجه رئيس الجامعة قائلاً (أني لست في حاجة إلى شهادة معهدكم الذي هو معهد تبشيري واستعماري) ثم ألقى الطالب: عبد القادر خطبة قصيرة حمل فيها على التبشير والإستعمار وختمها بالهتاف لفلسطين وشعبها وأصاب رئيس الجامعة الذهول من هول المفاجأة كما ذهل المحتفلون الذين لم يلبثوا أن صفقوا للطالب الفلسطيني وهتفوا بحياته وهو يغادر مكان الإحتفال قبل انتهائه، وكانت هذه الحادثة هي البداية الحقيقية لفضح نشاط الجامعة الأمريكية التبشيري بالقاهرة.

والواقع أنه يجب النظر إلى هذا الحادث ليس فقط في دلالاته التبشيرية التي أفصح عنها الطالب الفلسطيني (عبد القادر) ولكن يجب النظر إليها أيضاً في ضور تطور القضية الفلسكينية ودعم الغرب الإستعماري وأمريكا للقوى الصهيونية، وهو الأمر الذي جعل الطالب الفلسطيني يربط في خطبته بين الإستعمار والتبشير وهتافه لفلسطين، وحيث أن قضية التبشير المعنية الجامعة الأمريكية لا تربط بفلسطين بل بمصر وحيث أن مقر الجامعة بالقاهرة وليس في فلسطين، فإن ذلك يؤكد وجهة نظرنا أن المسألة خاصة بتطور القضية الفلسطينية بشكل عام وقد أتى التبشير عرضاً ليفضح الطالب الإستعمار الغربي ويلفت النظر إلى المسألة الفلسطينية.

والواقع أن هذا الحادث قد استفز الرأي العام المصري فهاجمت صحيفة البلاغ – الصحيفة الوفدية – الجامعة بتوضيح الخلفية التبشيرية لتشارلز واطسن Charles Watson رئيس الجامعة الأمريكية وقالت أن الجامعة مكان يتعلم فيها المبشرون كيف يهاجمون الإسلام ووصفت مقررات الجامعة في علم النفس والإجتماع وعلم الأخلاق كغطاء لذلك، وأن الجامعة بهذا تسعى لنشر البغضاء لسوء الفهم واضطرام الحروب وأنها تنظر للإسلام كدين للبرابرة والذي يعلم الحروب واللصوصية، وأن الشرق سوف لايتقدم ولا يصبح سعيداً إلا بترك هذا الدين، ونشرت صحيفة السياية كذلك معارضتها في 31 مايو حيث عرضت ملخصاً لكتاب مشاكل الأديان Problem of Religion تأليف ديورانت دراك Durant Drak الذي كان يدرس في الجامعة والذي يسئ للإسلام ورسوله، ونشرت الجهاد (الجريدة الوفدية) في 2 يونيه – مقالاً عن كتاب دراك وأكدت أن الجامعة الأمريكية خسرت أكثر من نشر تلك الكتب ونشر ذلك النوع من التعليم بين الطلاب، وانها تحتاج الآن وفي المستقبل جهوداً جبارة من أجل إرجاء الثقة الثديمة للمسلمين وحتى للمسيحين غير البروتستانت، وأنه ثبت أن غرض هؤلاء الأمريكين الأثرياء الذين أنشأوا الجامعة، لم يكن للأغراض العلمية فقط وإنما في الحقيقة لإفساد العقائد وتدمير الإيمان وتحويل الشباب الصغار عن أديانهم بمختلف الطرق، والوسائل كما طالبت السياسة في 5 يونيه بإنشاء مدرسة للدراست الإسلامية طبقاً للأفكار التقدمية للسيخ محمد عبده) كما نشر شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري نداء للمسلمين قال فيه (أنه في الوقت الذي استنكر فيه هذه الأعمال أشد الإستنكار من غير أن أتعرض إلى الحوادث التي بين يدي القضاء اوده نظر الآباء المسلمين ومن في حكمهم إلى أنهم مسئولون أمام الله عمن تحت ولايتهم من التلاميذ وغيرهم وواجب عليهم شرعاً حمايتهم من هذه الأخطار عن مظنات هذه الأعمال) كما نشر فليني فهمي باشا بيان باسم الأقباك المصريين مستنكراً تلك الحوادث قال فيه (فحرصاً على سلامة تلك الروابط المقدسة لم أجد بداً من كتابة هذه السطور جهراً فيها بأنه إذا كان المسلمون المصريون قد استنكروا أعمال أولئك المبشرين فالأقباط المصريون أشد استنكاراً لتلك الأ‘مال ولايقل أسفهم منها عن أسف أخوانهم فالأقباط المصريون أشد استنكاراً لتلك الأعمال ولا يقل أسفهم عن أسف أخوانهم الأقباط ولا تنقص رغبة هؤلاء إلى الحكومة في العمل على منع أسبابها بصورة نهائية حامسة).

وفي نفس الوقت نشرت جريدة كرستيان جرافيك (إن المسيحين بانجلترا سيراقبون مركز الإرساليات في مصر بعين القلق وانشغال البال) وكانت نتيجة الحملة الصحفية على الجامعة الأمريكية ونشاطها التبشيري هبوط المقيدين بكلية الآداب والعلوم في 1932، 1933 من 388 إلى 266 طالباً.

ويعتقد أدوارد فرمان جوست بأن الهدف من الحملة الصحافية على الجامعة الأمريكية هو احراج حكومة صدقي واستشهد على ذلك بحديث لمستر مكلانهن MeClenahan عميد كلية الآداب والعلوم ومستر جوردون مريام Merriam Gordon السكرتير الثالث للمفوضية الأمريكية بالقاهرة حيث قالا انه (يعتقد أن 25% من الحملات الصحفية ضد الجامعة تهدف إلى تعويق الحكومة وأن الصحافة الوفدية تأمل في اتهام الحكومة بعدم مقدرتها على حماية الإسلام وأكدت هذا الرأي البلاغ في 31 مايو 1932 حيث ذكرت (منذ ثلاثة شهور . . . أكد صدقي باشا أمام البرلمان أنه يعد بأنه سوف لإيثار أي هجوم ضد الإسلام من جانب المؤسسات الأجنبية، وأعلن أنه في حالة أي هدوم أكثر على الإسلام سوف يتدخل من خلال السلطات الحكومية، والآن هناك هجوم . . . فماذا ستفعل الحكومة؟!

وهذا الرأي سليم في مجمله ولكن نسبة 25% هذه نسبة كبيرة إذ أن ساعة الصفر للهياج والثورة لأي شعب شرقي – بشكل خاص – هي ساعة المساس بمسألة الأديان والأقلال من شأن دين جماعة، والدليل على ذلك أن العقاد وهو الكاتب الوفدي قد هاجم المبشرين الأمريكية في صحيفة البلاغ سنة 1928 أثناء حادثة زويمر فماذا كان يقصد على هو احراج حكمة النحاس الوفدية أم الدفاع عن الإسلام؟!

وأقلقت كذلك الحملة الصحفية الحكومية البريطانية والتي اعتقدت أن الملك يشجع الحركة المناهضة للمبشرين في مصر كما كان للأزهر دور كبير إزاء تلك الأحداث التبشيرية فقد طالب الشيخ الظواهري من الحكومة سن تشريع لمنع نشاط المبشرين في مصر كما أصدر فتوى في سبتمبر 1933 وبشدة المسلمين الذين يلحقون أبنائهم بمدارس الأرساليات الأجنبية، ونتيجة لهذه الفتوى تناقص عدد الدارسين المسلمين بمدارس الأرساليات التبشيرية وتعترف وثائق الأرساليات التبشيرية بإنخفاض في عدد الملتحقين من أبناء المسلمين المصرين بمدارس الأرساليات الأمريكية بدرجة ملحوظة ولقد قلقت دار المندوب السامي البريطاني من بيان شيخ الأزهر ، فقد قابل السكرتير الشرقي لدار المندوب السامي مستر سمارت Smart، وزير الداخلية المصري ولفت نظره إلى خطأ ذلك البيان المناهض للمبشرين من شيخ الأزهر فرد وزير الداخلية بأن شيخ الأزهر كان مدفوعاً لعمل ذلك البيان لإتهام المعارضة له بأنه يفعل شيئاً إزاء المبشرين، وأكد وزير الداخلية لمستر سمارت أن هذا البيان لن يكون له تأثير قوي وسوف لا يتبع ببيان آخر وفي منتصف يونيه 1933 أعلن الشيخ مصطفى المراغي عن تأليف جمعية لمقاومة التبشير وسرعان ما انضم إلى عضوية الجمعية لفيف من رجال الدين الإسلامي والمفكرين، والمثقفين من شباب الأزهر فكان من أعضاءء الجميعة الدكتور حسين هيكل، وعبد الحميد سعيد رئيس جمعيات الشبان المسلمين، ومحب الدين الخطيب رئيس تحرير مجلة الزهراء الشهرية ومجلة الفتح الأسبوعية والشيخ محمد الخضر حسين والشيخ حسن البنا. وتكونت لهذه الجمعية فروع ولجان في المدن والقرى وتصدت هذه اللجان لمن يسمون أنفسهم بالمبشرين ونتيجة لذلك طالب النائب أحمد والي الجندي من وزير الأشغال سحب التصاريح المجانية للمبشرين وركز على أعضاء بعثة الكلية الأمريكية (الجامعة الأمريكية وثارت مناقشة حادة بين الوزير وبعض النواب الذين اعتبروا أعضاء البعثة مبشرين بينما اعتبرهم الوزير مدرسين المهم أن الوزير وعد بدراسة المسألة ولم تنشر الصحف أحداثاً ذات بال عن المبرين سواء كانوا أمريكيين أو غيرهم وفي نهاية عام 1939 كان عدد أعضاء الكنيسة الكنيسة الإنجيلية المصرية 20 ألف عضو ولم تشر الوثائق أو الكتب التي تناولت التبشير عن عدد المسلمين المصريين المتحولين للمسيحية خلال فترة الدراسة ولكن يمكن حساب عدد المتحولين للمسيحية بشكل قياسي كالآتي ففي عام 1904 أي بعد 50 عاماً تقريباً من وصول الأرسالية الأمريكية إلى مصر تم تعميد 100 مسلم فقط أي أنه يمكن القول انه كل 50 عاماً يتم تعميد 100 مسلم أي أنه يتم تعميد أثنين من المسلمين وقياساً على ذلك فيمكن القول أن عدد المتحولين من الإسلام للمسيحية في الفترة من 1919-1939 حوالي أربعين وهو رقم خاضع للخطأ والصواب ويعتمد بشكل تام على مدى صحة أو خطأ أو مبالغة الأرسالية الأمريكية في عدد المتحولين للإسلام عام 1904.

وهو أيضاً رقم ضئيل ويدل على الفشل الذريع للإرسلية التبشيرية الأمريكية في مصر في العمل وسط المسلمين.

تبقى كلمة أخيرة بالنسبة للنشاط التبشيري الأمريكي في مصر وهي متعلقة بمطالبة المبشرين الأمريكيين بمبدأ الحرية الدينية في مصر.


مطالبة المبشرين الأمريكيين بمبدأ الحرية الدينية

لقد جاءت فكرة مطالبة المبشرين الأمريكيين بالمطالبة بمبدأ الحرية الدينية في مصر من فكرة بسيطة وهي اعتقادهم أن خشية المسلم من التحول للمسيحية تنبع من فقدان مبدأ الحرية الدينية بالإضافة إلى أنه ليس هناك طريقة للتسجيل للمتحول من الإسلام للمسيحية وأن الشكل الوحيد المعترف به هو التسجيل من المسيحية للإسلام ولهذا فإن المتحول من الإسلام فقط يتعرض للإضطهاد الإجتماعي ولكنه أيضاً يتعرض لعدم الشرعية القانونية فهو لايستطيع أن يطالب بالميراث من أقربائه المسلمين كما أن زوجته عادة تنفصل عنه، وإذا كانت المتحولة أمرأة فسيكون حالها أسوأ فإذا لم تكن متزوجة فإن حياتها تكون مطلوبة من والدها أو الوصي عليها وإذا كانت متزوجة فتكون مطلوبة من زوجها وتكون معرضة لكافة أنواع الضغوط من طافة المجتمع الإسلامي كما كان لإعلان دستور مصر بأن الإسلام هو دين الدولة سبباً آخر في مطالبة المبشرين الأمريكيين في طلب الحرية الدينية ولذلك شكل المبشرون الأمريكيون ضغوطاً قوية على السياسة الخارجية الأمريكية للمطالبة بهذا الأمر وخصوصاً أن الدين يتدخل كعامل قوي في تكوين السياسة الخارجية الأمريكية.

ويبدو أن الأحداث التي تلت حادثة القس زويمر هي التي دفعت كافة الإرساليات التبشيرية العاملة في مصر إلى التضامن مع الطلب الأمريكي فقد أرسل المجلس التبشيري العالمي المصري Council Egypt inter-Mission والذي يمثل عديداً من الطوائف البروتستانتية الأمريكية والأوروبية – خطاباً في 24 مارس 1930 للوزير الأمريكي المفوض بالقاهرة مستر جونثر مطالباً فيه بمبدأ الحرية الجينية وأرسل جونثر هذا الطلب لوزير الخارجية الأمريكي والذي أرسله بدوره للسفير الأمريكي في لندن مستر داوس Daws مبلغاً السفير انتهاز أقرب فرصة لإجراء تحقيقات شفوية مع السلطات البريطانية المعنية لإتخاذ خطوات لصيانة الحريات الدينية في مصر وذلك من خلال الترتيبات الجديدة التي تعد الآن بين بريطانيا ومصر ومناقشات النحاس هندرسون 1930 وبالفعل حدث موظف أمريكي بالسفارة الأمريكية في لندن مع موظف من 12، 13 من الدستور المصري اللتين تنصان على على الحرية الدينية متناقضتان مع الشريعة الإسلامية فأوضح الموظف البريطاني بأن وزارة الخارجية سعيدة بمعرفة وجهة نظر الخارجية الأمريكية وأنه يدرك جيداً الصعوبات التي تواده البعثات التبشيرية في عملها والتي تماثل الصعوبات التي تواجه البعثات البريطانية وأشار الموظف البريطاني إلى أنه الموقف كما تتبناه الخارجية البريطانية هو أن الدستور المصري في المادتين 12، 13 ينص على على حرية الأديان بشرط ألا يتناقض ذلك مع النظام العام والأخلاق الحميدة وأن الحكومة المصرية تعتمد على الشريعة الإسلامية أكثر من اعتمادها على الدستور، وقدم حلاً للموظف الأمريكي مؤداه التطور التدريجي حيث ذكر أن التطورات ستؤدي إلى اتجاهات ايجابية لقضية البعثات التبشيرية، وأن التدخل الأجنبي – بشكل خاص في مسألة الأديان، ربما يؤدي إلى معارضة أكيدة، وأكد للموظف الأمريكي بأنه ليس هناك أية اقتراح لإقحام مسألة الحرية الدينية في مصر في الإتفاقية السياسية بين مصر وبريطانيا مثل المفاوضات الجارية الآن، وقال أنه لن تتخذ أية خطوات في المفاوضات الجارية لحماية الحريات الدينية عن الموجودة في الدستور المصري.

كما أخبر المندوب السامي البريطاني الوزير الأمريكي المفوض أن مسألة الحرية الدينية لايمكن أن يلمح إليها رسمياً وأضاف أن هناك عديداً من الموضوعات من المستحيل أن يتبناها الوفد المصري في المفوضات الجارية الآن.

وفشلت الحكومة الأمريكية في استغلال المناقشات التي دارت بين النحاس باشا وهندرسون 1930 لوضع ضمانات لحرية الأديان وانتهزت الحكومة الأمريكية مفاوضات 1936 بين مصر وبريطانيا للمطالبة بمسألة حرية الأديان ولكن تفحم هذه المسألة في المعاهدة التي ينتظر توقيعها بين مصر وبريطانيا فقدم المجلس التبشيري العالمي المصي ثلاثة اقتراحات لحماية الحريات الدينية في مصر:

  • (أ) أن يطلب من الحكومة المصرية أن تضع قانوناً مشابهاً للمادتين 23، 24 من قانون الإرث الفلسطيني اللتين تعطيان الحرية في الأحوال الشخصية وتعفيان من أية عقوبات بسبب تغير الدين أو الجنسية
  • (ب) أن حماية الأقليات مصانة من خلال اعلن تصريح 28 فبراير 1922 ويجب أن يتنازل عنها من خلال المعاهدة (1936)
  • (ج) يجب أن تصدر الحكومة المصرية تصريحاً فيما يتعلق بحرية الأديان، مشابهاً للمادتين 15، 6 من تصريح المملكة العراقية.

وطالب الوزير الأمريكي المفوض مستر فيش أن تفاتح الخارجية الأمريكية الخارجية البريطانية بشكل غير رسمي في طلب ما إذا كانت اتخذت أية خطوات لحماية حرية الأديان في مصر خلال الترتيبات الجديدة التي وضعت بين مصر وبريطانيا في معاهدة 1936، كما طلب مستر فيش حكومته أن تعبر عن الأمل للحكومة البريطانية بمنح الإهتمام المؤيد للإقتراحات التي قدمها مجلس التبشير العالمي خاصة فيما يتعلق باقتراح اصدار تصريح مشابه لما أصدرته العراق حين انضمامها لعصبة الأمم، وأوضح المندوب السامي البريطاني مايلز لامبسون لمستر فيش الوزير الأمريكي المفوض أن الحكومة البريطانية توافق على الإقتراح بان تصدر الحكومة المصرية اختيارياً – تصريحاً مشابهاً لما أصدرته العراق قبل انضمامها لعضوية عصبة الأمم أخبر مستر لامبسون مستر فيش أنه فاتح وزير الخارجية المصرية في هذه المسألة وأن الوزير المصري متفق معه تماماً في الرأي بأن الممثلين المصريين في جنيڤ سيعدون لمؤتمر مونترو – ونتيجة للخطابات المتبادلة – بتاريخ 8 مايو 1937 بين النحاس باشا رئيس الوفد المصري في المؤتمر وبرت فيش رئيس الوفد الأمريكي في المؤتمر وعدت للولايات المتحدة على شرط ألا يكون ذلك متعارضاً مع النظام والأخلاق العامة وتتضمن ذلك كملحق لمعاهدة مونترو المتعلق بإلغاء الامتيازات في مصر وطلبت الحكومة المصرية من الحكومة الأمريكية قائمة بالمعاهد والمؤسسات الأمريكية بمصر، العلمية والتعليمية والطبية والخيرية وغيرها وأرسلت الحكومة الأمريكية في نهاية عام 1937 قائمة بمؤسستها في مصر التي تريد ان تضمن لما حرية النشاط ف يمصر وضمت خمساً وأربعين مؤسسة بين علمية وأثرية وتعليمية وطبية وخيرية.

ثانياً: النشاط التعليمي والخيري الأمريكي في مصر

ا-النشاط التعليمي للإرسالية الأمريكية

إزاء فشل المبشرين الأمريكيين في نشر مذهبهم البرسبتارية نظراً لمقاومة الطوائف الإسلامية والمسيحية المحلية فإنهم حاولوا نشاطهم إلى مجالت الطب والتعليم دون أن يخلوا عن هدفهم الأساسي وهو التبشير فحينما جاء المبشرون الأمريكيون إلى مصر وجدوا نظام التعليم الحكومي قاصراً ويقوم على النظم القديمة ومع بداية القرن التاسع عشر انتشرت المدارس الحديثة وأقبل عليها المصريون وكانت أكثر هذه المدارس الفرنسية وقد وجد المبشرون على الإقتراب من المسلمين بطريقة غير مباشرة وقد وجدوا أن التعليم أفضل هذه الطرق غير المباشرة ومن أجل ذلك لايجب ألا نستغرب إذ كانت أكثر مدارس البنين والبنات والمدارس الأمريكية خاصة لاتزال مرتبطة بالإرساليات ومع أن الإرساليات التبشيرية تحاول النفوذ إلى الطوائف المسيحية كأن يكتسب البروتستانت نقراً من الأرثوذكس فإن المقصود الأول بالتبشير عن طريق التعليم هم المسلمون وخصوصاً بعد أن تبدلت الأحوال والعقليات بعد الحرب العالمية الأولى، وهكذا كان تاريخ الأعمال التبشيرية في البلاد الإسلامية إلى حد كبير تاريخ للتعليم الأجنبي والسبب في تركيز المبشرين الأمريكيين على التبشير من خلال المدرسة هي أن المدرسة مكان يجتمع فيه المشرفون على المدرسة بأولياء الأمور وتكون المدرسة هي المركز الذي يمكن أن يتصل عن طريقه هؤلاء الناس بالجمهور وينشرون فيه المذهب البروتستانتي . . . . ويؤكد ذلك ما ذكره مستر واطسن إذ يقول (وكانت المدرسة هي المدخل الوحيد وبمجرد هذا المدخل وتنشأ جالية بروتستانتية صغيرة كانت المدرسة تترك للأهالي أو تهمل كليةً). ويتبين من هذه العبارة أن فتح المدارس الأمريكية بمصر حيثما بدا لم يمكن لأغراض تعليمية تربوية فحسب وأنما كان أساساً أغراض الإرسالية الدينية في مصر ويسير العمل التبشيري بالمدارس حسب تدرج المراحل التعليمية ففي مرحلة التعليم الثانوي والجامعي يأخذ التبشير أسلوب المناقشة والبحث العلمي ويحاول المبشر أن يعتمد كثيراً على الكتب الإنجليزية والفرنسية ونظراً لأن الطلبة ليسوا على شئ من المعرفة والفقه التبشيري فقد اختارت تلاميذ مدارسها من الطبقة الفقيرة والتي تمثل الطبقة العريضة في المجتمع حتى يسهل التأثير فيها لسذاجتها ولانخفاض المستوى الإقتصادي لإفرادها ولما كان الغرض من التعليم الأمريكي هو نشر المذهب البروتستانتي فقد كان الترغيب بشتى الوسائل هو السبيل إلى ذلك من أجل ذلك كانت المدارس الأمريكية تنتشر في الريف والصعيد وبمصروفات ضئيلة، وقدمت الإرسالية الإرسالية المنح للتلاميذ، والمجانية للفقراء والمتفوقين ولكن بعض هذه المدارس وبخاصة مدارس البنات الأمريكية رفعت مصروفاتها وحددت نطاق مجانيتها بحيث أصبح طبقات أولياء الأمور من مستوى اجتماعي معين يستطيع أن يتحمل نفقات بناتهم في هذه المدارس.

واهتمت الإرسالية الأمريكية بعدى أمرو حتى تحسن من أدائها التربوي وتجذب أولياء أمورالطلاب على ادخال أبنائهم وبناتهم بمدارسها فقد اهتمت الإرسالية بالإشراف التام على مدارسها واهتمت بأعداد المعلمين والمعلمات فقد اختيرت كلية أسيوط الأمريكية لمهمة أعداد المعلمين وكليتا البنات بأسيوط، والقاهرة لإعداد المعلمات وقد تخرج من كلية البنات بالقاهرة عام 1922 خمس عشرة معلمة فمن بالتدريس في مدرسة الإرسالية خاصة مدرسة الخياط بأسيوط وفي عام 1929 – وفي إطار خطة الإرسالية الأمريكية لأعداد المعلمين والمعلمات – افتتحت مركزاً لتدريب المعلمين على أحدث الطرق التربوية كان مركزها المدارس الأمريكية في طنطا وأسيوط أما بالنسبة للإشراف على مدارس الإرسالية فقد كانت الإرسالية تشرف إشرافاً مباشراً على مدارسها التي بمراكز الإرسالية الرئيسية غير أن مسئولية انشاء مدارس بالمدن والقرى التي توجد بها مراكز الإرسالية كانت تقع على عاتق الأهالي البروتستانت فلم تكن الإرسالية تعطي أية مساعدة للمدارس الموجودة بها ولكن كان أحد أفراد الكنيسة البروتستانت يتبرع بتمويل المدرسة إلى جانب المصاريف التي يدفعها التلاميذ وعلى ذلك كانت هذه المدارس مدارس خاصة يشرف عليها الذين انشاؤها وكثيراً منها حمل اسم الإرسالية الأمريكية، وظل الحال هكذا حتى عام 1904 حينما حاول مجلس الكنيسة synode القيام برسم خطة لإدارة هذه المدارس وقد عقد مؤتمر تعليمي بأسيوط 1912 استمر من 9-2 يناير واتخذ قراراً بالتفتيش والإشراف على المدارس وتكوين لجنة تعليمية من مجلس الكنيسة لتوجيه هذه المدارس على أن تكون لجنة لتوجيه كل مدرسة ومدها بالأساتذة والتفتيش عليها، وأرسال التقرير إلى اللجنة الرئيسية بالوجه البحري في الفترة الواقعة بين 1904-1929، غير أنه بعد عام 1926 اضطرت الإرسالية إلى إغلاق أربع مدارس كما أخطرت في عام 1928 إلى إغلاق خمسة مدارس أخرى ولذلك تكونت لجنة مدارس الدلتا، وكان عمل اللجنة تنظيم العمل والبرامج والإشراف على الإمتحانات وتعيين المدرسين، أما في الوجه القبلي فقد كان هناك عدة مدارس تعتمد على الإرسالية وفي عام 1929 لم يكن بالوجه القبلي سوى مدارس أولية في مديريات الأقصر وبني سويف والفيوم تخضع لإشراف الإرسالية باستثناء كلية أسيوط وتطورت الأمور بعد ذلك من حيث الإشراف على المدارس الأمريكية بحيث تكونت لجنة من سبعة أعضاء تعينهم الإرسالية وتضم هذه اللجنة مديري المدارس الأمريكية الكبيرة ولهذه اللجنة الرأي الأخير فيما يتعلق بالمباني والمعدات وتعيين وفصل المدرسين ودفع المرتبات، والإمتحانات غيرأنها فيما يختص بالسياسة العامة للمدارس من حيث إنشائها وإغلاقها ونوع التعليم كان لابد لها من الحصول على موافقة إدارة الإرسالية العامة في فلادلفيا وقد تكونت سبع لجان فرعية للإشراف على المدارس الأمريكية تشتمل كل منها على ما يأتي:

1-عضوين لمدارس الدلتا للإشراف عليها 2-عضوين لمدارس الأزبكية للبنات 3-لجنة لإدارة مدرسة البنات تنقسم إلى قسمين أ-قسم يختص بمناهج مدارس البنات وتشمل أربعة أعضاء ب- قسم يختص بمناهج مدارس البنات وتشمل ثلاثة أعضاء 4-ثلاثة أعضاء لمجارس الخياط 5-أربعة أعضاء للمدارس الأهلية بالأرياف 6-عضوين لامتحانات مدارس البنين الإبتدائية 7-ثلاثة أعضاء عن The daily vocation Bible school ونظراً لأهمية كلية أسيوط فقد كان لها لجنة خاصة لإدارتها وأن كانت تخضع للجنة العامة التي سبق ذكرها واستمرت الإرسالية تشرف على مدارسها ومؤسساتها المختلفة حتى أول سبتمبر 1962 حيث تنازلت الإرسالية الأمريكية عن مدارسها ومؤسساتها المختلفة إلى سنودس النيل الإنجيلي وأصبحت مدارس الإرسالية مدارس مصرية يديرها مصريون كما تمصرت أسماء المدارس وأصبحت خاضعة للسياسة التربوية التي تنظمها وزارة التربية والتعليم.

كما اهتمت الإرسالية بالأنشطة التربوية المختلفة في مدارسها كالإهتمام بالموسيقى فقد كانت كليتا البنات الأمريكية بالقاهرة وأسيوط تعطيان اهتماماً خاصاً بالموسيقى وكانت تقدمان منهاجاً في الموسيقى تحصل الطالبة بعد اجتيازه والتدريب عليه دبلوما في الموسيقى. كما اهتمت المدارس الأمريكية بالجمعيات الأدبية التي يشترك فيها الطلبة لتقديم انتاجهم من الشعر والنثر والقصة القصيرة ويشرف عليها مديران أحدهما مصري للإشراف على الإنتاج باللغة الإنجليزية كما اهتمت المدارس الأمريكية بتزويد مكتبات الفصول والمكتبات العامة المدرسية بنوعيات من الكتب الدينية بمختلف اللغات التي تدعو للمذهب البروتستانتي وتؤيد النشاط الديني للإرساليات بالإضافة للإهتمام بالأنشطة الرياضية المختلفة كما اهتمت الإرسالية الأمريكية في مدارسها بتنمية صفة الإعتماد على الذات بين تلاميذها من خلال اشراك التلاميذ في الإشراف المدرسي فهي تعطي تلاميذها حرية أكثر من أي نوع آخر من أنواع التعليم فلكل فصل رئيس ووكيل وأمين صندوق ينتخبهم تلاميذ الفصل وتتألف من رؤساء الفصول جميعاً مجلس الطلاب Student Council والذي له رئيسان ووكيلان وأمين صندوق وهؤلاء جميعاً يتم اختيارهم بالإنتخاب ويشتمل المجلس على لجان خاصة فلجنة السلوك تتولى ملاحظة سلوك تلاميذ الفصل بها الفصل وتساعد التلاميذ الجدد على تكوين صداقات مع التلاميذ، ولجنة البرامج التي يقوم بها الفصل في المناسبات المختلفة ولجنة الفصل تتولى نظافة الفصل، ولجنة الحديث تحاول المساعدة في تحسين اللغة وتجنب الأخطاء فيها وضمان التحدث باللغة الإنجليزية داخل الفصل وخارجه.

كما اهتمت الإرسالية بتقويم سلوك الطلاب فإن الطالب الذي يخطئ يعطي علامة سوداء Black Mark فإذا كان في القسم الإبتدائي تخصم درجة من السلوك لكل علامة سوداء وكل خمس علامات سوداء أو أكثر يحتجز التلميذ بالمدرسة في ذلك الأسبوع وفترة الحجز في أثناء الغذاء ظهراً وإذا وضع للتلميذ علامة سوداء لايمكن إزالتها وإذا كان التلميذ حسن السلوك طوال العام يمنح نجمة ذهبية Gold star وبالنسبة لتطور عدد المدارس الأمريكية فيمثلها الجدول التالي: جدول (1):

ويلاحظ من الجدول أن عدد المدارس عام 1880 (44) مدرسة زادت إلى 196 مدرسة عام 1914 أي زادت المدارس إلى 345% وفي 1923 كان هناك 195 مدرسة منها 145 مدرسة للبنين، 50 مدرسة للبنات أي أن عدد مدارس البنين ثلاثة أضعاف مدارس البنات وذلك بسبب إهمال تعليم المرأة في ذلك الوقت وهذا مايؤكد عدد التلاميذ بالمقارنة بعدد التلميذات فقد كان عدد البنين 10674 وعدد البنات 5937 أي كان عدد التلاميذ ضعف عدد التلميذات تقريباً، ويلاحظ أن عدد المدرسات كان في تزايد فقد كان هناك 87 مدرسة ووصلت إلى 257 مدرسة عام 1923 أي أن نسبة الزيادة 37.43% وهي نسبة كبيرة ولكن الزيادة الكبرى لعدد المدرسات كانت 1914 حيث زادت نسبة المدرسات من 1880-1914 إلى 392.6% ويمثل العام الدراسي 27/1928 تراجعاً كبيراُ في فن عدد المدارس الأمريكية كما يتضح من الجدول الآتي:

جدول رقم (2):

ويتضح من الجدول الساق أنه بالرغم من الإنخفاض الكبير في عدد المدارس الأمريكية حيث كانت 216 مدرسة في العام الدراسي 24/1925 ثم هبطت إلى 78 مدرسة في العام الدراسي 27/1928 أي انخفضت عدد المدارس الأمريكية بنسبة 63.88% في العام الدراسي 27/1928 وعلى الرغم من ذلك فإن انخفاض عدد المدارس الأمريكية لم يكن كبيراً بالنسبة لعدد المدارس الأجنبية الأخرى حيث كانت نسبة المدارس الأمريكية لم يكن كبيراً بالنسبة للمدارس الأجنبية الأخرى حيث كانت نسبة المدارس الأجنبية في مصر 12ز24% بينما شكلت فرنسا 43ز79% وبريطانيا 11ز61% وايطاليا 14ز28% ثم تعرضت المدارس الأمريكية لإنخفاض آخر في العام الدراسي 33/34 فمن 78 مدرسة في العام الدراسي 27/1928 إلى 37 مدرسة في العام الدراسي 33-134 أي وصلت نسبة الإنخفاض 52.56%.

ويبدو أن انخفاض عدد المدارس الأمريكية يرجع للحوداث التبشيرية الأمريكية في مصر ونمو الشعور المصري المعادي للتبشير حيث انخفضت عدد المدارس الأمريكية في عام 1928 وهو العام التي وقعت فيه حادثة القس زويمر ثم انخفضت المدارس الأمريكية في العام الدراسي 33/34 وهو العام الذي تلى حادثة الطالب عبد القادر الحسيني وهجوم الصحافة المصرية على الجامعة الأمريكية والمدارس الأمريكية كأداة من أدوات التبشير الأمريكية في مصر. وحافظت المدارس الأمريكية على عددها (37) مدرسة حتى عام 1952.

ونستطيع تقسيم الأمريكية إلى . . . (1) المدارس الأمريكية بالقاهرة وسنأخذ مثالاً على ذلك كلية رمسيس للبنات بالقاهرة (2) (2) المدارس الأمريكية بالإسكندرية وسنأخذ مثالا على ذلك مدرسة شوتس (3) المدارس الأمريكية بأسيوط وسنأخذ مثالاً على ذلك كلية أسيوط للبنين (4) المدارس الأمريكية بالأقاليم وسنأخذ مثالاً على لذك المدرسة الأمريكية بالزقاويق

1- كلية رمسيس للبنات

الرئيس الأمريكي تيودور روزڤلت يحضر حفل افتتاح كلية رمسيس للبنات، في الأزبكية بالقاهرة في 28 مارس 1910.

نظراً لزيادة عدد الطالبات بمدرسة البنات بالأزبكية وعدم قدرة القسم الداخلي على استيعاب المتقدمات له، إذ أن القسم كان يستوعب 80 طالبة فقط فقد فكرت الإرسالية في عام 1904 في إقامة كلية جديدة للبنات بشارع رمسيس حالياً وأعدت الرسومات الهندسية للمشروع لكن التنفيذ كان يحتاج إلى مبلغ كبير من المال، فجمعت تبراعات من المصريين بلغت حوالي 6 آلاف دورلاً.

وفي عام 1907 قدمت منحة قدرها 18.000 دولار من جون روكلفر مكنت المبشرين من تأسيس الكلية وقج وضع حجر الأساس لمبنى الكلية في 25 فبراير 1908 وبدأت الدراسة بها في أول ديسمبر 1909 وافتتحت الكلية رسمياً في 28 مارس 1910 ورأس حفل الإفتتاح محمد باشا صدقي محافظ القاهرة وكان ضيف الشرف الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت وحضر الإحتفال 145000 مدعو وقد تخرجت أول دفعة من الكلية عام 1912، ولقد بدأت الكلية في مبنى من دور واحد، مبنى ايلاكايل 1909 وأقيم الدور الثاني عام 1930 والدور الثالث 1946 وبنيت كنيسة الكلية (قاعة ديلز) 1932 وأقيم مبنى المكتبة (مكتبة الدكتور هيلبن مارتن) عام 1947، وتعاقبت على إدارة الكلية ايلاكايل 1900-1912، والد اتشسون 1912-1932، والدكتورة هيلين مارتن 1923-1956، وقد تخرجت من هذه الكلية المئات من الشخصيات النسائية التي تعمل في مختلف المجالات منهن الدكتورة سهير القلماوي، أول فتاة مصرية تدخل الجامعة وكانت أستاذة بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكانت رئيسة للهيئة المصرية العامة للكتاب والسيدة ماري أسعد مساعد أمين العام لمجلس الكنائس العالمي، وعايده دندي رئيسة اليونسيف في كينيا وغيرهن.

وكان لهذه الكلية جميعة للخريجات Alumma وهي جمعية ذات نشاط كبير ومن بين أعضائها من يقدمن نشاطاً اجتماعياً ونسائياً كبيراً بمجهود كبير في توسيع المكتبة وتأثيث الكلية، وتركزت جهود الجمعية في المركز الإجتماعي بقرية أم خنان ولقد بدأت الكلية بمساحة قدرها ثلاثة أفدنة ثم زادت مساحة الكلية إلى عشرة أفدنة وزاد عدد أبنيتها من واحد إلى خمسة، وقد بلغ عدد الخريجات من الكلية في الفترة من (1912-1959) ب97 خريجة حصلن على دبلوم الكلية وكانت للأحداث التي نتجت عن التبشير والحملة الصحفية على المبشرين الأمريكيين في الثلاثينيات أثر هبوط عدد طالبات الكلية 10% عام 1934 كما كانت الكلية تحتفل كل عام بتوزيع الشهادات على المتخرجات من تلميذاتها وكان يحضر هذا الحفل بعض الشعراء المصريين ونجوم المجتمع المصري.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

2- مدرسة شوتس بالإسكندرية

تولت الإرسالية الأمريكية في مصر إقامة هذه المدرسة عام 1924 بمنطقة شوتس برمل الإسكندرية، بهدف تقديم نوع من الثقافة الأمريكية لأبناء أعضاء الإرسالية وأبناء السفراء والقناصل والخبراء الأجانب المقيمين في مصر والسودان والحبشة والكاميرون وغير ذلك، من دول أفريقيا والشرق الأوسط وكانت المدرسة ملك الإرسالية الأمريكية بمصر، واشتمل بنائها على أربعة طوابق وكان بها قسم داخلي وقسم خاص للمكتبة، وبناء مخصص لهيئة التدريس، كما تتوفر بها الملاعب المختلفة المزودة بحمام للسباحة والحق بالمدرسة كنيسة انجيلية، ويلتحق التلاميذ بهذه المدرسة عند بلوغهم السادسة من العمر ومدة الدراسة بها 12 سنة، من السنة الأولى حتى الثامنة يطلق عليها المرحلة الأولى، ومن السنة التاسعة حتى الثانية عشر تسمى بالمرحلة العليا، وأتاحت هذه المدرسة لخريجها الفرصة للإلتحاق بأحدى الكليات الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حالة انتقال التلميذ مع أسرته إلى موطنه أمريكا أثناء العام الدراسي يسمح له باستكمال دراسته في أي مدرسة أخرى بالولايات المتحدة دون أن تعترضه أية عقبات، وذلك لأ، المناهج الدراسية والكتب هي نفسها المستخدمة في مدارس أمريكا والتدريس في المدرسة باللغة الإنجليزية لجميع المناهج المقررة والمدرسة تتيح التعليم بها بالمصروفات وبلغت قيمة المصروغات المدرسية 30 درولا لكل تلميذ وقد بلغ عدد تلاميذ المدرسة في عام 1926-29 طالباً وطالبة في المدرسة العليا High Schoot و30 تلميذاً وتلميذه في المرحلة الأولى وكان العام الدراسي يبدأ من يوم الإثنين الأول من شهر سبتمبر وتنتهي الدراسة في الأسبوع الأول من شهر يوينه من كل عام، وفي عام 1940 نقلت مدرسة شوتس إلى مقر كلية أسيوط الأمريكية نظراً لظروف الحرب العالمية الثانية واستمرت في أسيوط حتى عادت إلى مقرها بالإسكندرية في العام الدراسي 1956/1957.


3-كلية أسيوط

افتتجت كلية أسيوط في عام 1856 وهي القلب الخافق للإرسالية الأمريكية ومركز نشاطها في الوجه القبلي وذلك لأ، المبشرين الأمريكيون اختاروا من البداية أسيوط لتكون مركزهم الرئيسي.

وفي 1900 سافر الدكتور ج.ر. الكساندر رئيس كلية أسيوط إلى الولايات المتحدة الأمريكية في إجازة، وكانت الإرسالية قد كلبت الترخيص له بجمع تبرعات من أجل تجهيز الكلية على أحسن مستوى وفي بتسبرج وجدت جماعة مهتمة بهذا المشروع ضمت كلا من دكتور مكلوركن ج.بوربر. دكتور صموئيل يونج، جون فراز، وليم سوبر، وقد جمعوا مبلغاً كافياً لشراء قطعة أرض تقام عليها مباني جديدة للكلية، وفعلاً كانت كافية لشراء 24 فداناً، وإقامة المبنى الرئيسي للكلية، قاعة الكسندر ALEXANDER HALL وقاعة سوبر للعلوم، ثم ورد فيما تبرع من دون روكلفر قدره 55 ألف دولار استخدمت في بناء قاعة جوهانستون JOHANSTON HALL وهي مخصصة لسكن الطلاب بالقسم الداخلي ومبنى الإجتماع سوسيتي وتم إرساء حجر الأساس لهذه المباني الجديدة في 11 فبراير 1907، وفي عام 1924 تم بناء قاعة خليل KHALIL HALL وتبرع بإقامتها خليل ابراهيم الذي قضى بخدمة الكلية 47 عاماً وتضم الكلية كذلك قاعة ماكورماك MACORMAK HALL وبنيت على نفقة مستر ماكورماك من شيكاجو، وتتكون من ثلاثة أدوار مخصصة هي الأخرى لإقامة الطلاب، وفي ال قسم الغربي منها مساكن لبعض أعضاء هيئة التدريس وعائلاتهم، وأنشئت قاعة مكلانهن مبنى قسم الأحياء BIOLOGY HALL التي بنيت عام 1928 باسم الدكتور روبرت ستيوارت مكلانهن الذي خدم بالكلية من 1879-1918.

وتضم الكلية مكتبة عام 1875، وفي عام 1934 في عهد الدكتور نشارلي رسل مدير الكلية أقيم للمكتبة بناء خاص بها حيث تعرف الآن بمكتبة تارجت Tagret Library نسبة إلى روش تاجرت الثري الأمريكي الذي تبرع ببناء مبنى المكتبة، والذي صمم ليكون على أحداث طراز المكتبات العالمية، وخصص الدور الثالث من المكتبة ليكون متحفاً اقليمياً لآثار أسيوط، ويوجد بالمكتبة 23 ألف كتاب منها 19 ألف باللغة العربية و14 ألف مجلد باللغات الأجنبية، وذلك بخلاف الدرويات، وكانت هذه المكتبة تعتبر ثالث مكتبة في القطر المصري وقتئذ، وكان يقوم بالإشراف عليها الدكتور طوسن يعاونه موظف مصري يدعى يوسف اسكندر استمر يعمل بالمكتبة حتى منتصف العقد الخامس من القرن العشرين.

وقد كان هناك بالكلية قسم خاص بالتحسين الزراعي وتجارب الألبان وتربية الماشية وقد قام القسم الزراعي بالكلية بتجارب لتحسين أنواع الخضروات ولزيادة كمية اللبان واستحضرت عام 1928 أبقار Jersy من أمريكا تنتج ثلاثة أضعاف ما تنتجه الأبقار المصرية وأصبح هذا القسم يفي نفسه بنفسه بل أصبح يعد دخلاً للكلية.


وبالنسبة لميزانية الكلية فقد بلغت 150 ألف دولار عام 1930 جاءت من مصروفات التلاميذ وبلغت 59%، و29% اعانات خارجية وداخل الكلية من مشروعاتها، 12% مرتبات رجال الإرسالية وهي ترد من الخارج من المجلس العام للإرسالية بأمريكا وبالنسبة لإدارة الكلية، فهي تتكون من لجنة من 6 أساتذة من الرمسلين الأمريكيين ينضم إليهم مصريان من خريجي الكلية واستمر نظام الإدارة بهذه الصورة حتى عام 1955.


وأنشئت رابطة لخريجة كلية أسيوط 1925 واتخذت مقراً لها كلية الأمريكان بأسيوط، وكان من أهم أهداف الرابطة: 1-خدمة الأعضاء بتوثيق الروابط بين خريجي الكلية 2-تشجيع نشر الثقافة بمنح الجوائز للمتفوقين 3-مساعدة الطلبة الفقراء حتى يستكملوا دراستهم الجامعية 4-تقديم الخدمات للكلية لمساعدتها على تحقيق رسالتها وتحمل كلية أسيوط الآن اسم مدرسة العروبة الثانوية للبنين


4-المدرسة الأمريكية بالزقازيق

تعتبر هذه المدرسة كبرى مدارس الإرسالية بالوده البحري، وقد بدأت المدرسة بعدد 22 تلميذ، 4 من البروستانت، خمس من المسلمين، 13 من الأقباط ووصل عدد تلاميذها 352 تلميذ سنة 1904 وفي العام الدراسي 1923-1924 أصبح عدد تلاميذ المدرسة 285 تلميذ نصفهم من المسلمين، وقد عمل بالمدرسة القس أ.ل. جودفرى والسيد و.و. نولين وفي عام 1929 تولت إرسالية مصر العمومية إدارة هذه المدرسة بدلاً من الإرسالية الأمريكية حيث لم تستطع الأخيرة تدبير المرسلين الذين يستطيعون الإقامة في الزقازيق، وإدارة المدرسة وتبقى بعد ذلك محاولة الدولة للإشراف على التعليم الأجنبي في مصر ومنه الأمريكي وذلك بسبب الحوادث التبشيرية التي وقعت بمدارس الإرساليات وعلى الأخص المدارس الأمريكية، ثم تقييم سلبيات وايجابيات النشاط التعليمي بمصر.

منذ دخول التعليم الأجنبي بمصر والدولة تحاول أن تراقب وتشرف عليه فقد تقديم رياض باشا في عام 1872 بمشروع قانون لتنظيم المدارس الأجنبية أو المدارس الحرة على وجه العموم واخضاعها لهيئة الدولة وهكذا بدأت أول محاولة من الدولة لإخضاع التعليم الأجنبي للإشراف الحكومي عن طريق هذا المشروع وكان هذا المشروع يهدف إلى تنظيم صلة المدارس الأجنبية بديوان المدارس وأن تخضع المدارس الأجنبية والحرة لإشراف نظارة المعارف، ولم يدخل مشروع رياض باشا إلى حيز التنفيذ وظلت لائحته مشروعاً.

وفي عام 1881، حاول الشيخ محمد عبده أن يضع المدارس الأجنبية تحت إِشراف نظارة المعراف، ولكن أحداث الثورة العرابية المتلاحقة حلات دون تنفيذه.

وفي إطار خطة الحكومة المصرية للإشراف على المدارس الأجنبية صدر القانون رقم 40 لعام 1934 وهو أول قانون للدولة للإشراف على المدارس غير الحكومية، وسوف نذكر المواد التي تهمنا من هذا القانون لنرى إلى أي مدى أثر هذا القانون على المدارس الأجنبية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص فالمادة الأولى حددت المدارس الحرة التي ستكون خاضعة لرقابة وتفتيش وزارة المعارف العمومية بالمدارس غير الأميرية التي تعد لاتتبع مناهج الوزراة فإن الشروط التي تنص عليها القانون حددت مدى إشراف الدولة على جزء من المدارس، وحددت المادة الثالثة الشروط الواجب توافرها في مدير المدرسة أو من يعمل بها ولكنها لم تشترط أن يكون مصري الجنسية، كما لايوجد شرط في القانون يحدد نسبة هيئة التدريس من المصريين الذين يعملون في هذه المدارس بالنسبة لغيرهم من الأجانب كما نص القانون أيضاً في المادة الحادية عشرة أنه يجب على المدارس الحرة أن تكفل للتلاميذ المصريين الحصول على مستوى علمي معادل لمستوى زملائهم في المدارس الأميرية في اللغة العربية، وتاريخ وجغرافيا مصر، والتربية الوطنية، وتكون هذه المقررات موضوعاً لإمتحان يعقد بإشراف وزارة المعارف.

وبالتالي فقد حتم القانون تفتيش واشراف وزارة المعارف على كل المدارس التي يتقدم طلابها للامتحانات الحكومية وكانعلى مدارس الإرسالية الأمريكية المنتشرة بمصر والتي لم تستوف الشروط الواردة في القانون، أما أن تقوم بتنفيذ الإصلاحات التي طلبتها الوزارة أو تغلق أبوابها، مما اضطر الإرسالية الأمريكية أن تغلق كثيراً من المدارس التي لم تستوف الشروط وكان نتيجة ذلك اخنفاض المدارس الأمريكية إلى 37 مدرسة فقط بعد أن كانت 78 مدرسة في العام الدراسي 1927-1928 أي انخفضت المدارس الأمريكية إلى 52.56%.

أما بالنسبة لتقييم سلبيات وايجابيات دور الإرسالية التعليمية، فإن عمل الإرسالية لم يكن كله سلبياَ وتنصرياً واستعماراً، كما يدعى كثيراً من الكتاب، ولكن الإرسالية في عملها التبشيري من خلال المدارس قد قدمت سلبيات وايجابيات للمجتمع المصري، وأهم الايجابيات التي قدمتها الإرسالية الأمريكية للمجتمع المصري هي:

1-اهتمت الإرسالية الأمريكية - مع المؤسسات التعليمية الخرى بمصر - بتثقيف وتعليم المرأة وذلك لإدراكها أن المرأة المصرية لاتتمتع بمكانة المرأة الغربية وأن كان هدف الإرسالية الرئيسي من تعليم المرأة بث التعاليم المسيحية للأسرة المصرية.

2-اهتمت الإرسالية الأمريكية بتعليم المكفوفين وافتتحت لهم فصولاً في عدد من مدارسها المختلفة وأن كان الأزهر يقدم هذه الخدمة قبل الإرسالية فإن الإرسالية الأمريكية في تعليمها للمكفوفين قدمت لهم أساليب تربوية حديثة ومعدات وأجهزة لم تكن متوفرة للأزهر وذلك لجذب المكفوفين إلى هذه الدروس وبث تعاليم المسيحية بينهم.

3-اهتمت الإرسالية الأمريكية برعاية الطفولة فأقامت الكثير من المؤسات الإجتماعية التي تهتم بتربية الأطفال، التربية النفسية السليمة، وأن كان هدف الإرسالية التأثير على الأطفال منذ نعومة أظافرهم حتى يشبوا أكثر انتماء للإرسالية وأيماناً فأنها خدمة للمجتمع المصري لم تكن متوفرة له حينذاك.

4-قدمت الإرسالية الأمريكية عدداً من الشباب المصري والفتيات المصريات الذين يجيدون اللغات الأجنبية كتابة ومحادثة وعلى درجة رفيعة من التعليم.

الجوانب السلبية للإرسالية الأمريكية في مصر

1-ساعات الإرسالية الأمريكية من خلال مدارسها - هي والإرساليات الأجنبية الأخرى - على تنوع الثقافة في مصر، وكان لذلك أثره السلبي خصوصاً إذا تعددت الثقافات في الأسرة الواحدة من عربية اسلامية وأمريكية وانجليزية وغيرها وبالتالي يصبح المجتمع المصري وكأنه جاليات أجنبية مختلفة ويؤدي في النهاية إلى تجزئة المجتمع المصري، وعدم خلق ثقافة مشتركة تساعد المواطنين جميعاً على الالتفاف حولها.

2-أهملت الإرسالية الأمريكية تدريس اللغة العربية في مدارسها مما أُثر في نظر طلابها المتأففة من الثقافة العربية، مما يؤدي في النهاية إلى أنفصالهم عن القضايا المصرية واهتمامهم بتفوق الدولة التي تعلموا في مدارسها.

3-قامت الإرسالية الأمريكية من خلال التعليم بسلخ عد من الأقباط والمسلمين إلى المذهب البروتستانتي بطرق ملتوية في مجتمع لايقبل بسهولة تغيير دين فرد من أفراده مما ساعد على حدوث بلبلة في المجتمع المصري وخصوصاً في الثلاثينات من هذا القرن.

2- النشاط الخيري للإرسالية الأمريكية:

تبقى نقطة واحدة لإغلاق ملف النشاط التبشيري وهي النشاط الخيري للإرسالية الأمريكية وتتمثل في المستشفيات والملاجئ الأمريكية في مصر، وقد كان الهدف الأول من عمل الإرسالية الطبي هو التبشير، ويصرح بذلك أحد هؤلاء المبشرون إذ يقول يجب ألا تنسى الإرساليات الطبية لحظة واحدة أن هدفها الأول التي جاءت من أجله وهو التبشير وقد استغلت الإرسالية الأمريكية سوء الأحوال الصحية في مصر للتبشير ويكفي في ذلك أن نشير إلى ما أورده لورد كرومر في تقريره عن سنة 1903 من أن الوظيفة الأساسية للحكومة في مسائل الصحة العامة هي الوقاية من الأوبئة وليش علاج الأشخاص الذين يشكون الأمراض العادية وكانت العملية التبشيرية تقوم في المستشفى بطرق تدريجية فكانت الصلاة تقام قبل كل عملية وفي كل جناح من أجنحة المستشفى وفي حجرات الإنتظار لمرض العيدات الخارجية يتبادل كلاً من الأطباء والمبشرين أداء الخدمة المسيحية من خلال خطب قصيرة بالإضافة للجهود التي تبذلها المستشفى من أجل الوصول للمريض الذي حضر لمرة واحدة، وذلك بالقيام برحلات تجوالية في العديد من القرى والمدن التي يسهل الوصول اليها والتي أتى منها مريض للمستشفى قبل ذلك، ويؤدي إلى عديد من اللقاءات للتبشير الفردي وبجانب المستشفيات كان هناك مدرسة الأحد، وهي فرع من المستشفى يجمعون فيه الصبية من اشوارع يوم الأحد بطريقة مغرية وجذابة كأن يقدم المفوضون بهذا العمل نقوداً أو صور للصبية ويعدونهم بأن من يحضر للمدرسة بأخذ أضعاف هذا، وبديهي أن الأطفال يخدعون بأقل شئ فلا يتوانون عن المضي إلى المدرسة، وتلقى عليهم رئيسه المستشفى مع أعوانهم قطعة من الأنجيل بأساليب شيقة ويحفظونهم التراتيل الدينية ويعدونهم بأن الصبي الذي يواظب على الحضور كل يوم أحد يهدي في أخر العام هدية نفيسة كنقود أو دمية جميلة وغيرها من لعب الأطفال وهكذا كانوا يحاولون غرس الدين المسيحي غرساً في نفوس أولئك الصغار.

وكان للإرسالية الأمريكية عدد من المستشفيات، منها المستشفى الأمريكي بطنطا التي افتتحت 1903 وكان بها عدد من الأسرة بالإضافة إلى إلى العيادة الخارجية وقد عملت بالمستشفى منذ افتتاحها مس لولا هارفي ابنه الدكتور وليم هارفي كمشرفة على المستشفى، وفي تقرير الإرسالية عام 1924 تبين أنه تردد على المستشفى للعلاج 1506 حالة، وأجريت 717 عملية معظمها عمليات كبيرة، ويتعاقب على خدمة المستشفى الأطباء المراسلون الآتية أسماؤهم الدكتور جرانت 1914-1934، الدكتور مور 1916-1944 الدكتور هارى هتشيسون 1921-1954 والذي توفى في 17 ديسمبر 1974.

وقد وصف القنصل الأمريكي / مستر بول فلتشر في عام 1938 مستشفى طنطا بأنها من أفضل المستشفيات في القطر المصري.

وكان لمستشفى طنطا عيادة خارجية خاضعة لإشراف المستشفى ولكن نتيجة لعدم الإمكانيات وقلة الأطباء المقيمين بها أغلقت في يناير 1937.

وانتشرت الخدمات الطبية كجزء من نشاط الإرسالية ومدخل لها لتحقيق رساليتها في أنحاء القطر المصري فأٌقام سنودس النيل الإنجيلي عام 1937 المستشفى بالقاهرة، وتبع ذلك انتشار العيادات الخارجية في القاهرة لتغطي معظم الأحياء في الفجالة، شبرا، الحسينية، باب الشعرية، الدرب الأحمر، مصر الجديدة واستمرت هذه العيادات تقدم الخدمة الطبية حتى أوائل الستينات.

كما كان للإرسالية الأمريكية مستشفى كبرى بأسيوط والتي تدعى مستشفى أسيوط الأمريكي التي تعد أقدم مستشفيات الإرسالية الأمريكية بمصر إذ يرجع تاريخ انشاؤها نوفمبر 1891، وجاء في تقرير الإرسالية في الفترة في 1922-1924 بأن المستشفى استمرت في تقديم خدماتها للمواطنين وللقرى المجاروة أكثر من ثلاثين سنة وقد حصل على الرعاية الطبية من تلك الفترة 34306 حالة منهم 2927 مقيم بالمستشفى 581.000 زيارات منزلية للعلاج والباقون يترددون على العيادات الخارجية بالمستشفى وكان أكثر من نصف من تمتعوا بالرعاية الطبية من المسلمين وقد خدم بهذا المستشفى الدكتور هارى فتلى والذي خدم فيها الفترة من 1906-1934، والدكتور أندرو جرانت والدكتور مور الذي خدم حتى 1920 والدكتور لسلى اسكارين وهذا المستشفى يحمل الآن اسم مستشفى الإيمان العام (منذ عام 1968).

وبالإضافة للمستشفيات والعيادات الخارجية الأمريكية التي انتشرت في كل أنحاء القطر، كان هناك عدد من الملاجئ الأمريكية والتي أولتها الحكومة المصرية عناية خاصة من خلال الإعفاءات الجمركية التي منحتها الحكومة المصرية لأدوات ومعدات هذه الملاجئ لإطعام الفقراء وأبوابهم ثم تبشيرهم أو على الأقل لن تبقيهم مسلمين كأبائهم.

وكان للإرسالية الأمريكية عدد من الملاجئ منها ملجأ ليليان تراشر Miss Lilan Trasher والتي أنشأته ليليان عام 1910 لليتامى والأرامل ومن التقطتهم من الشوارع والطرقات ممن لايعرفون لهم أباً ولا أماً والأطفال الذين فقدوا نعمة البصر، والأرامل اللاتى تركن أطفالهن بدون عائل أو سند ولمتكتفي السيدة تراشر بتوفير الغذاء والكساء فقط ولكنها حولت هذا الملجأ إلأى مؤسسة تربوية ضخمة، فهناك المدرسة الإبتدائية ودار الحضانة، ويتعلم الأولاد داخل الملجأ الحرف والصناعات التي تناسبهم، وبعد حياة داخل الملجأ تقوم بها المبشرات بالتأثير على البنات والأولاد وأغرائهم بالدين المسيحي وحملهم على الخروج من دين الإسلام ونتيجة للأعمال التبشيرية التي قام بها الملجأ في الثلاثينات أبعدت الحكومة المصرية عدداً من الأطفال المسلمين من الملجأ.

كما كان للإرسالية ملجأ بقليوب أسسته الإرسالية الهولندية 1900 ثم أصبح تحت إدارة الإرسالية الأمريكية بعد أن عرضت الإرسالية الهولندية على الإرسالية الأمريكية 1908 أن تتولى رعاية هذا الملجأ من حيث تدبير شئونه المختلفة، وفي عام 1923-1924 كان بالملجأ خمسون طفلاً يتلقون الرعاية النفسية والإجتماعية والتربوية، وفي عام 1927 أقيم بالملجأ بعض الوحدات الإنتاجية الصغيرة كان أحداها لصناعة السجاد والأخرى لصناعة الأحذية مما ساعد الشباب على كسب عيشه والإعتماد على نفسه، وكان أطفال الملجأ يتلقون تعليهم بعد المدرسة الإبتدائية في مدارس الإرسالية التي تؤهلهم للتعليم العالي وقد أغلق هذا الملجأ عام 1950 بالإضافة إلى ملجأ سوهاج الذي أسسه ميخائيل صليب أحد أتباع الإرسالية الأمريكية والذي كان موظفاً بمؤسسة ليليان تراشر بأسيوط، وبدأ هذا الملجأ في منزل بالإيجار في يوليو 1927 وقد بدأ بطفلين وفيما بعد أقيم الملجأ على مساحة 1650م2 على شاطئ النيل شمالي سوهاج وكان للإرسالية أيضاً ملجأ فولر الذي أنشئ في منقطة فم الخليج بالقاهرة 1906 بجهود مرجريت سميث، وهي مبشرة أمريكية قامت بجمع تبرعات من أمريكا لإقامة الملجأ بالقاهرة عام 1872 وعاونها جون فولر وزوجته وفي عام 1915 تم شراء مبنى المستشفى النمساوي وليكون مقراً للملجأ، وأطلق عليه ملجأ فولكر تكريماً لجون (1922-1924) أن الملجأ كان يقدم الرعاية الإجتماعية والتدريب المهني والتربية لخمسين فتاة تم اختيارهن من بين العائلات الفقيرة، وكانت جميع نفقات الملجأ تعتمد على الهيئات ومن خلال الإعداد المهني والخدمات التربوية التي تقدم للفتيات يتم تلقينهن التعاليم المسيحية حتى يكن دعاه لها في المستقبل.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش