فرنجة

(تم التحويل من إفرنج)
الهجرات الأوروبية بين القرنين الثاني والخامس الميلادي

الفرنكيون أو الإفرنج أو الفرنجة هم مجموعة قبائل جرمانية غربية والتي كانت قد شكلت ماعرف بإسم تحالف القبائل الجرمانية.

Franks Franci

كان التحالف مكونا من قبائل السليان والسيكامبري والتشاماڤي والتشاتي والبروكتيري واليوسيبيتس والأمبسيفاري. دخل الإفرنج مناطق الإمبراطورية الرومانية من خلال مايعرف الآن بألمانيا واستوطنوا المناطق الشمالية من بلاد الغال (حاليا فرنسا وأجزاء من غرب ألمانيا) مكونين فيها إمارة شبه مستقلة.

التعاريف المعاصرة عن الانتماء العرقي للفرنكيين تتفاوت حسب الفترة. ومن غير الواضح ما اذا كان الفرنكيين قد اشاروا إلى انفسهم بهذا الاسم. كان الفرنكيون في البداية مجموعة متميزه بثقافتهم داخل فرنكيا.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

دخل الفرنجة التاريخ حوالي العام 260 بغزوهم الراين بالإمبراطورية الرومانية. ذكروا للمرة الأولى على خريطة اللوحة البويتنگرية (Tabula Peutingeriana).

تشمل أهم المصادر عن تاريخهم : بانيگيريسي لاتيني، أميانوس مارسيلينيوس، كلاوديان، زوسيموس، سيدونيوس أبوليناريس و گريگوري التوري.

أرخى ليل الهمجية سدوله على غالة بعد موت سيدويوس. على أننا ليس من حقنا أن نبالغ في ظلام هذا الليل. فقد ظل الناس في خلاله يحتفظون بمهاراتهم الاقتصادية، فكانوا يتجرون" ويسكون النقود، ويقرضون الشعر، ويشتغلون بالفن، وقد بلغت مملكة القوط الغربيين في جنوبي غالة الغربي أيام ملكيها أوريك Euric (ع.484-507) وألريك الثاني (484-507) درجة من النظام، والحضارة، والرقى، أطلقت لسان سيدونيوس نفسه بالثناء عليها(34). وفي عام 506 نشر أريك الثاني موجزاً من القوانين لمملكته، وكان دستوراً مستنيراً بالنسبة لغيره من دساتير ذلك الوقت، فقد كان يقرر العلاقة بيت السكان الرومان الغالبين والفاتحين على قواعد ثابتة قائمة على العقل.

وسن ملوك برگندية في عام 510 دستوراً شبيها بهذا، وكان هؤلاء الملوك قد أسكنوا شعبهم في جنوبي غالة الشرقي وبسطوا سلطانهم على هذا الإقليم بطريق السلم، وظلت أوربا اللاتينية تحكمها الشرائع القوطية والبرگندية وشرائع الفرنجة التي لا تختلف عنهما كثيراً، حتى عادت الشرائع الرومانية إلى الوجود في بولونيا في القرن الحادي عشر الميلادي.

ويبدأ التاريخ يحدثنا عن الفرنجة في عام 240 حين هزمهم الإمبراطور أورليان بالقرب من مينز، واستقر الفرنجة الربواريون Ripuarian (أي الشاطئيون) في بداية القرن الخامس من منحدرات الرين الغربية، واستولوا على كولوني (463)، واتخذوها عاصمة لهم ، وبسطوا سلطانهم على وادي الراين من آخن Aechen إلى متز. وبقيت بعض قبائل الفرنجة على ضفة النهر الشرقية وأطلقوا اسمهم على فرنكونيا Franconia.


الأصول: الساليون

وربما كان الفرنجة الساليون The Salic Franks وقد اشتقوا اسمهم من نهر سالا Sala (المعروف الآن باسم إجسل Ijssel الذي يجري في الأرض الوطيئة. ثم تحركوا من هذا الإقليم نحو الجنوب والغرب، واحتلوا حوالي عام 356 الإقليم الواقع بين نهر الموز Meuse والمحيط ونهر السوم Somme.


وكان أكثر انتشارهم بطريق الهجرة السليمة بل أن الرومان أنفسهم كانوا يدعونهم أحياناً إلى أن يعمروا الأراضي القليلة السكان. وبهذه الوسائل المختلفة أصبحت غالة الشمالية نصف فرنجة قبل أن يحل عام 430. وقد جاء الفرنجة معهم بلغتهم الألمانية وعقيدتهم الوثنية، وكان من أثر هذا أن اللغة اللاتينية لم تعد اللغة التي يتحدث بها المقيمون على مجرى الرين الأدنى، كما لم تعد المسيحية دين هؤلاء الأقوام.

ويصف الفرنجة الساليون أنفسهم في مقدمة "القانون السالي" بأنهم " الشعب المجيد، الحكيم في مجالسه، النبيل في جسمه، الذي تشع منه الصحة والعافية، الممتاز بجماله، الجريء، السريع، الذي لا تلين له قناة ... هذا هو الشعب الذي ألقى على عاتقه نير الرومان(35). ولم يكونوا يعدون أنفسهم برابرة بل كانوا يقولون إنهم رجال أحرار انتزعوا حيتهم بأيديهم، ومعنى لفظة فرنجة Franks هو الحر، الذي نال حقوقه السياسية. وكانوا طوال القامة، شقر الوجوه، يجمعون شعرهم الطويل يعقدونه فوق رؤوسهم، ثم يتركونه يسقط منها أشبه ما يكون بذيل الحصان، وكانوا يطيلون شواربهم، ويحلقون لحاهم، ويشدون قباءهم على وسطهم بأحزمة من الجلد مغطاة في بعض أجزائها بقطع من الحديد المطلي بالميناء.


وفي هذه المنطقة يعلق السيف. والبلطة الحربية، وبعض أدوات الزينة كالمقصات والأمشاط(36)؛ وكان الرجال والنساء مولعين بالحلي، يتزينون بالخواتم، والأساور وعقود الخرز. وكان كل رجل قوي الجسم جندياً محارباً، يتعلم منذ صباه الجري، والقفز، والسباحة، وإصابة الهدف بالحربة أو البلطة. وكانت الشجاعة عندهم أسمى الفضائل كلها، من أجلها يغتفر القتل، والنهب، والاغتصاب، ولكن التاريخ، بما يلقيه من ضوء ساطع على بعض الحوادث دون بعضها الآخر، يخطئ في تصوير الفرنجة إذ يدخل في روعنا أنهم أقوام محاربون لا غير. والحق أن فتوحهم ووقائعهم الحربية لم تكن أكثر من فتوحنا نحن ووقائعنا، كما كانت أقل منها أتساعاً وتخريباً. ويسدل من شرائعهم على أنهم كانوا يشتغلون بالزراعة والصناعات اليدوية، وانهم أنشئوا في شمالي غالة الشرقي مجتمعاً ريفياً مزدهراً يتمتع عادة بالسلام.

القانون السالي

وقننت الشرائع السالية في بداية القرن السادس، وأكبر الظن أن ذلك كان في نفس الجيل الذي شهد آخر مرحلة من مراحل تطور قوانين جستنيان الرومانية. ويقولون إن "أربعة من الزعماء الموقرين" هم الذين كتبوه، وإن ثلاثة جمعيات شعبية متتالية بحثته وأقرته(37). وكانت الطريقة المتبعة في محاكم المتهمين هي طريقة التحكيم الإلهي والاستعانة بالشهود الذين يقسمون أن المتهم برئ. فإذا تعهد عدد كاف من الشهود الصالحين لهذه الشهادة أن المدعي عليه طيب الخلق، برئ من أية تهمة لا وجد دليل قاطع على أنه ارتكبها. وكان عدد الشهود يختلف تبعاً لجسامة الجرم المنسوب إلى المتهم : فسبعة وسبعون شاهداً يكفون لتبرئة المتهم بالقتل، ولكن لما أن اتهمت إحدى ملكات فرنسا في عفتها تطلب الأمر ثلاثمائة من النبلاء يشهدون بصحة انتساب ابنها إلى أبيه(38). فإذا ظل الأمر بعد هذا موضعاً للشك اتبع قانون التحكيم الإلهي.


من ذلك أن المتهم كانت تربط يداه وقدماه ويلقى في النهر، فإذا غطس كان بريئاً، وإذا طفا كان مذنباً (وذلك لأن الماء كانت تقرأ عليه رقى خاصة في حفل ديني تجعله يرفض الشخص المذنب)(39)؛ أو كان يطلب إلى المتهم أن يمشي حافي القدمين في نار متقدة أو فوق حديد يحمى حتى يحمر من الحرارة؛ أو يمسك بيده قطعة من الحديد محمية إلى هذه الدرجة ويظل قابضاً عليها مدة محددة من الزمن؛ أو يضع ذراعه عارية في وعاء به ماء يغلي ويخرج شيئاً من قاع الإناء؛ أو يقف المدعي والمدعي عليه ويمدان ذراعيهما على هيئة صليب ويظلان كذلك حتى تثبت التهمة على أحدهما إذا أنزل ذراعه من شدة التعب؛ أو يأخذ المتهم ماء القربان المقدس، فإذا كان مذنباً فلا بد أن تحل به نقمة الله.

وكانت المبارزة تفصل أحياناً في النزاعيين حرين إذا بقى بعد إيراد الأدلة القانونية مجال للشك المعقول. وتدل الأبستاق على أن التحكيم الإلهي بالماء المغلي كان من الوسائل التي يستخدمها الفرس الأقدمون. وقد ورد في قوانين مانو Mnau (قبل عام 100م) شئ من التحكيم الإلهي عند الهنود بالإغراق في الماء، كما ورد ذكر التحكيم الإلهي بطريق النار أو الحديد المحمى في مسرحية أنتيجون ل[سفوكليس]](40). أما الساميون فكانوا يرون أن هذا التحكيم يأباه الدين ولذلك كانوا يرفضونه، وكان الرومان يرون أنه خرافة، أما الألمان فقد ساروا فيه إلى آخر مرحله؛ وقبلته الكنيسة المسيحية وهي كارهة، وأحاطته بمراسيم دينية، وأيمان مغلظة.

والمحاكمة بالاقتتال قديمة قدم التحكيم الإلهي. ويصفه ساكسو جراماتيكوس Aaxo Grammaticus، بأنه كان إجبارياً في الدنمرقة في القرن الأول الميلادي؛ وتدل شرائع الإنكليز؛ والسكسون، والفرنجة، والبرغنديين، واللمبارد على أنه كان شائعاً بينهم، وقد وجده القديس بتريك في ايرلندة، ولما أن شكا مسيحي روماني إلى جندوباد Oondobab ملك برغانديا وقال له أن هذا التحكيم لا يحكم على الجريمة بل على المهارة، أجابه الملك بقوله: "أليس حقاً أن نتائج الحروب المبارزات إنما تتقرر بقضاء الله، وأن العناية الإلهية تؤيد بنصرها القضية العادلة ؟"(41). وكان كل ما حدث في هذا الأمر بعد ا، اعتنق البرابرة الدين المسيحي أن تبدل اسم الإله الذي يحكمونه فيما بينهم. وليس في وسعنا أن نحكم على هذه العادات أو نفهمها إلا إذا وضعنا أنفسنا في مكان قوم يؤمنون إيماناً لا يقبل الجدل بأن الله هو الذي يسبب الحوادث جميعها، وأنه لا يرضى عن أي حكم غير عادل.


وأمام هذه التجربة المرعبة كان المدعون الذين لا يثقون من عدالة قضاياهم أو من قوة بيناتهم يترددون كثيراً قبل أن يشغلوا المحاكم بقضاياهم وشكايتهم؛ كما أن المتهمين المجرمين كانوا يتهربون من التحكيم الإلهي ويعرضون أن يؤدوا بدلاً منه تعويضاً للمدعين.

ذلك أنه كان لكل جريمة ثمنها، وكان في وسع المتهم عادة أن يفتدي نفسه بأن يؤدي التعويض المقرر للجريمة المتهم بها على أن يكون ثلثه للحكومة، ثلثه لمن وقعت عليه الجريمة أو لأسرته، وكان المبلغ المفروض يختلف باختلاف منزلة من وقعت علية الجريمة، ولهذا كان المجرم الملم بالشئون الاقتصادية يدخل في حسابه عدداً كبيراً من الحقائق. فإذا لطم رجل يد امرأة في غير حياء فرضت عليه غرامة مقدارها خمسة عشر ديناراً ( نحو دولارين أمريكيين وربع دولار)؛ وإذا لطم عضدها غرم خمسة وثلاثين ديناراً (25ر5 دولارات)، فإذا مس صدرها بغير رضاها غرم خمسة وأربعين ديناراً (75ر6 دولارات)(42).


ولم يكن هذا التقدير باهظاً إذا قيس بغيره من الغرامات : فقد كان جزاء اعتداء روماني على فرنجي أو سرقته بإكراه غرامة قدرها 2500 دينار (375دولار)؛ وتخفض هذه الغرامة إلى 1400 ديناراً إذا اعتدى فرنجي على روماني أو سرقه؛ إذا قتل فرنجي رومانياً غرم القاتل 8000 دينار تخفيض إلى أربعة آلاف(43) إذا كان المقتول رومانياً؛ إلى هذه الدرجة انحطت منزلة الروماني العظيم في أعين الفاتحين، وإذا لم ينل المعتدي عليه أو أقاربه للتعويض الكافي، كان من حقهم أن ينتقموا لأنفسهم من المعتدي؛ وبهذه الطريقة كانت سلسلة الانتقام وسفك الدماء تدوم بين الخصوم عدة أجيال، وكانت الغرامات والبارزات القضائية خير الوسائل التي استطاع الألمان البدائيون ابتكارها لكبح جماح غريزة الانتقام وإحلال القانون محلها.

ونصت أهم مادة في القانون السالي على أنه "لا يجوز أن ترث امرأة شيئاً من الأراضي السالية (المادة السادسة). واعتمدت فرنسا على هذه المادة في القرن الرابع عشر فرفضت ادعاء الملك إدوارد الثالث من إنكلترا حقه في عرش فرنسا الذي يرثه عن طريق أمه إزابل Esabelle؛ وأدى هذا الرفض إلى نشوب السنين المائة. وكانت هذه المادة مقصورة على الأملاك الثابتة (العقارات)، التي يفترض أنها تحتاج في حمايتها إلى قوة الرجال العسكرية، ويمكن القول بوجه عام إن القانون السالي لم يكن يرفع من شأن النساء. نعم إن دية المرأة كانت ضعفي دية الرجل(44)، لأنهم كانوا يدخلون في تقديرها أنها قد تكون أما للكثيرين من الرجال، ولكنه يفعل بهن ما يفعله القانون الروماني في أوائل عهده، فيضعهن على الدوام تحت وصاية آبائهن أو أزواجهن أو أبنائهن. وقد جعل القتل عقاب المرأة الزانية، ولكنه لم يكن يعاقب الزانى(45)، وكان يبيح الطلاق للرجل متى شاء هواه(46). وكانت العادة تبيح لملوك الفرنجة بأن يتزوجوا بأكثر من واحدة، وإن لم يبح ذلك القانون نفسه.

المملكة الميروڤنجية (481-751)

اتساع الامبراطورية الفرانكية، 481-814 م.

وكان أول ملوك الفرنجة المعروفين باسمهم هو كلوديو Chlodio الذي هاجم كولوني في عام 431؛ ولقد هزمه إيتيوس Aetius، ولكن كلوديو نجح في احتلال غالة من شرقها إلى نهر السوم في الغرب، واتخاذ تورناي عاصمة له. وخلفه على العرش ملك آخر يدعى مروڤك Merovingian (ابن البحر) -وقد يكون هذا مجرد خرافة- وهو الذي سميت باسمه الأسرة المروفنجية Merovingian التي حكمت الفرنجة حتى عام 751. وأغوى ابنه كلدريك Childeric باسينا Basina زوجة أحد الملوك الثورنجيين Thuringian؛ فجاءت إليه لتكون ملكته، وقالت: إنها لا تعرف رجلا أحصف منه عقلا، أو أقوى منه جسماً، أن أجمل منه خلقاً. وولدت له كلوڤيس Clovis، الذي أنشأ فرنسا والذي تسمى باسمه ثمانية عشر من الملوك الفرنسيين .

وورث كلوفيس عرش المروفنجيين في عام 841، وكان وقتئذ في الخامسة عشر من عمره، ولم تكن مملكته تشغل وقتئذ إلا ركناً من أركان غالة ، فقد كانت قبائل أخرى من الفرنجة تحكم ارض الترين، وكانت مملكتا القوط الغربيين والبرگنديين القائمتان جنوبي غالة قد استقلتا استقلالا تاماً بعد سقوط روما. وكان الطرف الشمالي العربي من غالة، الخاضع بالاسم لحكم روما حتى ذلك الوقت، ضعيفاً لا يجد من يدافع عنه، فغزاه كلوڤيس، واستولى على الكثير من مدنه وعلى عدد من أكابر رجاله. ثم قبل الفدية منهم. وباع الغنائم، وابتاع الجند والمؤن، والأسلحة، وزحف على سواسون Soissons وهزم جيشاً "رومانياً" (486).


ثم وسع فتوحه في السنين التالية حتى لامست حدود شبه جزيرة بريطاني، ونهر اللوار. وضم إلى جانبه السكان الغاليين بأن ترك لهم أراضيهم، كما ضم إليه رجال الدين المسيحيين بأن احترم دينهم وأبقى لهم ثروتهم. وفي عام 493 تزوج مسيحية تدعى كلوثيلد Clothilde، وما لبث أن اعتنق بتأثيرها الدين المسيحي على أساس العقائد النيقية، وعمده ريمي الأسقف والقسيس في ريمز أمام حشد من رجال الدين والأعيان، دعوا لهذا الغرض ولحكمة لا تخفى، من جميع أنحاء غالة، ثم تقدم كلوفيس إلى ميدان القتال يتبعه ثلاثة آلاف جندي. وربما كان سبب اعتناق كلوفيس الدين الجديد أنه كان يتوق إلى الوصول إلى شواطئ البحر المتوسط، وأنه كان يرى أن مُلك فرنسا خليق بأن يعتنق من أجله هذا الدين. وأخذ أتباع الدين القويم في غالة القوط الغربيين، وغالة البرغنديين، ينظرون إلى حكامهم شرراً، وأصبحوا من ذلك الحين حلفاء الملك الفرنجي الشاب في السر أو في العلن.

ورأى ألريك الثاني بداية هذا التيار الجارف، وحاول أن يصده بالكلام المعسول، فدعا كلوفيس إلى الاجتماع به، واجتمعا بالفعل في أمبواز Amboise وعقدا ميثاق الصداقة الدائمة، ولكن ألريك قبض على جماعة من الأساقفة أتباع الدين الأصيل بعد عودته إلى طولوز. لتآمرهم مع الفرنجة، فدعا كلوفيس جمعيته الحربية وخطبها قائلاً: "يعز على نفسي أرى هؤلاء الأريوسيين يمتلكون جزءاً من غالة، فلنخرج لطردهم منها بمعونة الله"(47).

ودافع ألريك عن نفسه بكل ما وسعه الدفاع ومعه شعب منقسم على نفسه؛ ولكنه هزم في فوييه Vouill (القريبة من پواتييه (507). وقتله كلوفيس بيده. "وبعد أن قضى فصل الشتاء في بوردو" ، كما يقول جريجوري التوري Gregory Of Tours واستولى على جميع كنوز ألريك التي كانت في طولوز، زحف لحصار أنگولم Angouleme. ومنّ الله عليه بفضله فتساقطت أسوار المدينة من تلقاء نفسها". وها نحن أولاء نرى منذ ذلك الزمن(48) نغمة المؤرخ الإخباري التي بها العصور الوسطى. وكان سجيبرت الشيخ ملك الفرنجة الربواريين حليفاً لكلوفس من زمن بعيد. والآن أوحى كلوفيس إلى سديبرت بالميزات التي ينالها بعد موت أبيه. فقتل الابن والده وأرسل كلوفيس إلى القاتل شعائر الود والصداقة ومعها عماله ليقتلوه. فلما تم ذلك لكلوفيس زحف على كولوني وأقنع زعماء الربواريين بأن يرتضوه ملكاً عليهم. ويقول جريجوري في ذلك "وجعل الله أعداءه يخرون في كل يوم صرعى تحت قدميه ... لأنه كان يسير أمام الله بقلب سليم، ولأنه كان يفعل ما تقر به عين الله"(49).

وسرعان ما اعتنق الأريوسيون المغلوبون المذهب الصحيح، وسمح لقساوستهم أن يحتفظوا بمناصبهم الدينية بعد أن تخلوا عن الفارق بين المذهبين وهو فارق ليس ذا شأن كبير. ونقل كلوفيس عاصمته إلى باريس وسار إليها مثقلاً بالأسرى والعبيد، والدعوات الصالحات، ومات فيها بعد أربع سنين في سن الخامسة والأربعين. وجاءت الملكة كلوثيلد، التي كان لمعونتها بعض الفضل في إنشاء فرنسا الغالية، "إلى تور بعد موت زوجها ، وأدت الصلاة في كنيسة القديس مارتن، وعاشت في ذلك المكان عفيفة رحيمة طول أيام حياتها"(50).


الأصول العرقية

يتفق العلماء الحديثون لعصر الهجرات أن الهوية الفرنكية ظهرت في النصف الأول من القرن الثالث كمجموعات صغيرة ذات أصول مختلفة، تشمل الساليون، السيكامبريون ، الشاماويون، البروكتريون ، الكاتيون ، و الكاتواريون ، الذين أهلوا وادي الراين السفلي و الأراضي الواقعة إلى شرقها .


ظهر الفرنكيون في النصوص الرومانية كحلفاء وأعداء على السواء. استغلت مجموعة من الفرنكيين حوالي العام 250 ضعف الإمبراطورية الرومانية، فغزو أراضيها و توغلوا حتى طرخونة بإسبانيا الحالية، وبقوا بهذه المنطقة نحو عقد من الزمان حتى طردتهم القوات الرومانية من أراضيها.

بعد حوالي أربعين عاماً، سيطر الفرنجة على منطقة نهر شلت (تقع اليوم غرب فلاندرز وجنوب غرب هولندا)، وأغاروا على القنال قاطعين المواصلات نحو بريطانيا. أعادت القوات الرومانية السلام في المنطقة، ولكنها لم تطرد الفرنكيين، الذين استمروا ليكونوا قراصنة مهابين على طول الشواطئ على الاقل حتى وقت جوليان المرتد (358) الذي قبل بهم، فمنح قبيلة الساليين الفرنكية صفة الحليفة (foederati) في توكساندريا كما ذكر أميانوس مارسلينوس .

وسـّع الساليون من نفوذهم بنهاية القرن الخامس على الأراضي الرومانية ليشمل هولندا جنوب الراين، وبلجيكا وشمال فرنسا حيث التقوا مع شعوب أخرى وبشكل رئيسي من العرق الفرنكي. فنتجت السلالة الميروفنجية في القرن الخامس.

الإمبراطورية الرومانية

سمح الإمبراطور جوليان للفرنكيين و هم من القبائل الجرمانية بعبور نهر الراين والاستقرار على حدود الإمبراطورية الرومانية، وعندما بدأ الانحلال والتدهور في القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي توغل الفرنكيين في أراضي الإمبراطورية، واستعمروا الأجزاء الشمالية من غاليا ووصلوا إلى شمال مدينة باريس الرومانية، وكان من ملوكهم كلوديون الملتحي الذي انتصر على الجيوش الرومانية بقيادة أئسيوس ثم حكم بعده ميروفيوس الذي نسبت إليه السلالة الميروفنجية ، ثم حكم من بعده ابنه شيلديريك الأول ثم جاء ابنه كلوفيس الأول ( سنة481-511 م )


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إمبراطورية الفرنجة

بسطت إمبراطورية الفرنجة قبضتها على أجزاء كبيرة من أوروبا الغربية بحلول نهاية القرن الثامن، الإمبراطورية الكارولينجية والدول التي خلفتها تنتمي للفرنجة، نخبة السليان السياسية كانت القوة الأكثر فاعلية في نشر المسيحية في أوروبا الغربية. اعتناق الإفرنج (الفرنكيين) للمسيحية على يد ملكهم كلوڤيس الأول كان نقطة تحول في تاريخ القارة الأوروبية.

المملكة

تتضارب الأنباء عن تاريخ الإمارة القديم ولا يمكن معرفة أي تاريخ من تواريخ تولي الملوك الحكم أو معرفة حدود الدولة بدقة. قليل من المصادر المكتوبة تخبر أن الميروفنجيين هم أول من حكم الفرنكيين ثم تبعهم الكارولينجيون.

خلال القرن الأخير من حكم الميروفنجيين ، دفعت سلالة الميروفنجيين إلى دور احتفالي . انتهت به في انقلاب القصر 751 عندما خلع پپين القصير ابن شارل مارتل رسميا شيلدريك الثالث childeric III ، وبداية حكم الكارولينجيين الملكي.

اللغة الفرنكية

اللغة الفرنجية القديمة هي اللغة التي كان يتحدث بها الإفرنج الأوائل وهي لغة تحمل بعض ملامح اللغة الفرنسية القديمة واللاتينية.

فرنسا

توحدت المنطقة التي تشملها فرنسا اليوم لأول مرة سنة 486 م. قام الملك الفرنكي كلوڤيس الأول (Clovis I) بلم شمل القبائل الجرمانية تحت لواء قبيلة الفرنجة. ضمت المملكة الجديدة قبائل عدة مثل الألامان (Alamans)، البرگنديون (Burgondes) و الغوط الغربيون (Visigoths). بعد الوحدة انشطرت المملكة (والتي كانت تسمى بلاد غالة) إلى ممالك، حكم كل منها أحد أبناء عائلة الميروڤنجيين (Mérovingien).

منتصف القرن الـثامن للميلاد حلت سلالة الكارولنجيين (Carolingiens) محل الميروفنجيين (Mérovingien) وقامت بتوسعة أراض المملكة الفرنكية.

أصبحت المملكة الفرنكية إمبراطورية مع تتويج شارلمان (Charlemagne). قسم شارلمان إمبراطوريته الواسعة في عام 806 بين أولاده الثلاثة - پپين، ولويس، وشارل. ولكن پپين توفي عام 810، وشارل في عام 811، ولم يبق من هؤلاء الأبناء إلا لويس، وكان منهمكاً في العبادة انهماكا بدا معه أنه غير خليق بأن يحكم عالماً مليئاً بالاضطراب والغدر. غير أن لويس الأول رغم هذا قد رفع باحتفال مهيب في عام 813 من ملك إلى إمبراطور.

و بعد موت لويس الأول قسمت المملكة الفرنكية من جديد. اثنتان من هذه الممالك عمرتا، مملكة فرنكيا الشرقية (Francia orientalis) شكلت ألمانيا فيما بعد ومملكة فرنكيا الغربية (Francia occidentalis) والتي شكلت فرنسا. عام 842 م قام أحفاد شارلمان بعقد قسم ستراسبورج في شتراسبورغ (serments de Strasbourg). تعتبر وثيقة هذا العقد من أقدم الوثائق المكتوبة بلغتين متباينتين (التوداسك و الرومان) آنذاك. يعتبر بعض المؤرخين في فرنسا هذه الوثيقة عقد الميلاد الرسمي لبلاد فرنسا وكذلك ألمانيا.

مواضيع متعلقة