ماكس فيبر

(تم التحويل من Max Weber)
ماكس ڤـِبـر
Maximilian Weber
Max Weber 1894.jpg
اقتصادي سياسي و عالم اجتماع ألماني
وُلـِد(1864-04-21)21 أبريل 1864
إرفورت, ساكسونيا
توفي14 يونيو 1920(1920-06-14) (aged 56)
ميونيخ, باڤاريا

ماكسميليان كارل إميل ڤـِبـر Maximilian Carl Emil Weber (و.21 أبريل 1864 - 14 يونيو 1920) ألماني، عالم في الاقتصاد والسياسية ومن مؤسسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الادارة العامة في مؤسسات الدولة. عمله الأكثر شهرة هو *(مقالة في الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية) حيث أن هذا أهم أعماله المؤسسة في علم الاجتماع الديني وأشار فيه إلى أن الدين هو عامل غير حصري في تطور الثقافة في المجتمعات الغربية والشرقية. وفي عمله الشهير أيضا *(السياسة كمهنة) عرف الدولة: بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوة الطبيعية, وأصبح هذا التعريف محوريا في دراسة علم السياسة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النشأة

ماكس ڤـِبر وزوجته ماريان في 1894

ولد ماكس فيبر في مدينة إرفورت بألمانيا عام 1864 في وسط عائلي بروتستانتي ثري. فعائلته كانت كبيرة وتحوي صناعيين مختصين بالنسيج بالإضافة إلى موظفين كبار وأساتذة جامعيين. وكان والده أحد الأعضاء المهمين في الحزب القومي الليبرالي وهو حزب المثقفين والطبقة البورجوازية.[1]

وكثيرا ما كان فيبر يرى في بيته شخصيات سياسية وفلسفية كبيرة من أمثال ديلتي ومومسين وسواهما. وبالتالي فقد نشأ في بيت علم وسياسة وفكر.

ومنذ شبابه الباكر راح ماكس فيبر يقرأ كبار المفكرين من أمثال ماركس، ونيتشه، وهيغل وكانط. وكان قارئا نهما يحب المطالعة كثيرا. وقد شغف بالتاريخ، والفلسفة، وعلم اللاهوت، والجماليات، الخ. ثم واصل دروسه في كلية الحقوق والاقتصاد، وراح يحضر أطروحة جامعية عن المجتمعات التجارية في القرون الوسطى.

وبعد أن ناقش هذه الأطروحة أمام جهابذة الأساتذة ويحضور حشد من الطلاب منحوه شهادة الدكتوراه بدرجة الشرف الأولى. وبدءً من ذلك الوقت راحوا ينظرون إليه كأحد كبار علماء الاجتماع.

ثم عينوه أستاذا في جامعة فرايبورگ أولاً (1894) وجامعة هايدلبرگ ثانياً (1896) حيث درس علم الاقتصاد السياسي. الانهيار النفسي الذي عانى منه في عام 1898 أدى إلى انسحابه من التدريس الاكاديمي ، إلا أن ذلك الإنسحاب لم يؤثر على تدفق كتاباته، التي قادم مجموعة كبيرة منها. الفكرة الموحدة لديه كانت التركيز على العلاقة المتبادله بين التشكيلات القانونية و السياسية والثقافيه في جانب، والنشاط الاقتصادي في الجانب الآخر.


وفي عام 1904 أسس ماكس فيبر مجلة سيكون لها دور في تطوير نظريات علم الاجتماع لاحقا. وكان عنوانها: أرشيفات العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية. ثم شارك عام 1910 في تأسيس الرابطة الألمانية لعلم الاجتماع.

وبعدئذ انخرط ماكس فيبر في العمل السياسي المحض وأصبح معارضا سياسيا للإمبراطور غليوم الثاني وعضوا فاعلا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. وقد شارك بعد الحرب العالمية الأولى كعضو في الوفد الألماني إلى مؤتمر السلام الذي انعقد في فرساي عام 1919.

وقد طلبت منه السلطات بعدئذ بلورة دستور جديد للجمهورية الألمانية. ثم قدموا له كرسي علم الاجتماع في جامعة ميونيخ عام 1918. ولكنه مات بشكل مفاجئ ومبكر عام 1920. ويلاحظ أن فيبر لم يحترف علم الإجتماع إلا قبل وفاته بعامين ، ولقد توفي عام 1920 قبل أن يتم مؤلفة الأساسي الذي يدخل في ميدان النظرية الإجتماعية وهو الإقتصاد والمجتمع Economics and Society لذلك كانت إحدى المهام الصعبة في سنة 1922 هي جمع شتات هذا المؤلف بعد أن تركها فيبر في صورتها المبدأية.

وهكذا لم يعش أكثر من ثمانية وخمسين عاما، ولكنه ترك بصماته الكبرى على علم الاجتماع وأصبح أحد كبار الثلاثة المؤسسين له: أي كارل ماركس، إميل دوركهايم، ماكس فيبر.


اهتمامه بتحليل ظاهرة الحداثة

وقد اشتهر ماكس فيبر بأنه أحد المفكرين الذين انهمكوا في تحليل ظاهرة الحداثة وكيفية نشوئها وتشكلها وسيطرتها على المجتمعات الصناعية المتقدمة. ولذلك فإن أي مثقف معاصر يريد أن يتحدث عن الحداثة مضطر للعودة إلى ما كتبه ماكس فيبر عنها من تنظيرات وأطروحات.

والسؤال الذي كان يطرحه ماكس فيبر هو التالي: لماذا ظهرت الحداثة العلمية والتكنولوجية والبيروقراطية في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية فقط؟ بمعنى آخر: لماذا تطورت العقلانية في هذه المنطقة من العامل أكثر مما حصل في سواها؟ نقول ذلك ونحن نعلم أن الحداثة تعني عقلنة العالم: أي دراسة العالم بشكل علمي، موضوعي، عقلاني لا بشكل غيبي، ميتافيزيقي، خرافي.

هنا يكمن الفرق بين مجتمعات الحداثة والمجتمعات التقليدية. فهذه الأخيرة تسيطر عليها الرؤيا القديمة المليئة بالخرافات والمعجزات والأساطير. ثم جاءت الحداثة فتبخرت كل هذه الأساطير والخرافات وبدا العالم على حقيقته المادية والفيزيائية والبيولوجية.


الفعل الاجتماعي عند ماكس فيبر

ماكس ڤـِبر في 1917

الفعل الإجتماعي هو الموضوع الأساسي لعلم الإجتماع عند ماكس فيبر ولقد عرفه بأنه " صورة للسلوك الإنساني الذي يشتمل على الإتجاه الداخلي أو الخارجي الذي يكون معبراً عنه بواسطة الفعل أو الإحجام عن الفعل ، إنه يكون الفعل عندما يخصص الفرد معنى ذاتياً معيناً لسلوكه، والفعل يصبح إجتماعياً عندما يرتبط المعنى الذاتي المعطي لهذا الفعل بواسطة الفرد بسلوك الأفراد الآخرين ويكون موجهاً نحو سلوكهم."[2]

ووفقاً لمنظور فيبر وتعريفه للفعل الإجتماعي لابد من فهم السلوك الاجتماعي أو الظواهر الإجتماعية على مستويين ، المستوى الأول أن نفهم الفعل الإجتماعي على مستوى المعنى للأفراد أنفسهم، أما المستوى الثاني فهو أن نفهم هذا الفعل الاجتماعي على المستوى الجمعي بين جماعات الأفراد.

ولكي نفهم عمل الفرد وأفعاله أو سلوكه الاجتماعي على مستوى المعنى لابد من النظر إلى دوافع الفرد ونواياه وإهتماماته والمعاني الذاتية التي يعطيها لأفعاله والتي لم تكمن خلف سلوكه ، أي أنه لابد من فهم معنى الفعل أو السلوك على المستوى الفردي ومن وجهة نظر الفرد نفسه صاحب هذا السلوك وبنفس الطريقة لابد من النظر إلى النوايا والدوافع والأسباب والإهتمامات التي تكمن وراء سلوك الجماعة التي يعتبر الفرد عضواً فيها . أي أنه لابد من فهم الفعل الإجتماعي على المستوى الجمعي ومن وجهة نظر الفرد كعضو في جماعة.

إذن لابد لنا من أخذ هذين المستويين في الإعتبار عند دراستنا وتحليلنا لفهم وتفسير الفعل الاجتماعي الإنساني للفرد سواء من خلال مواجهته للظواهر الإجتماعية بنفسه أو من خلال مشاركته للجماعات الإجتماعية التي ينتمي إليها.

من هذا يتضح أن فيبر أعطى لمفهوم الفعل الاجتماعي معنى واسعاً كل السعة بوصفه الموضوع الأساسي للبحث السوسيولوجي من وجهة نظره ن فلقد ضمنه كافة أنواع السلوك ما دام الفاعل يخلع عليه معنى.

وهناك خاصيتين في مفهوم فيبر حول الفعل الإجتماعي ففيبر يسلم أولاً وصراحة بمدخل ذاتي لنظرية علم الإجتماع وذلك بتركيزه على أن المفهومات النظرية في علم الإجتماع يتعين صوغها في ضوء نموذج محدد للدافعية التي تحرك ( الفاعل الفرضى) والذي يمثل بدوره تصوراً مفترضاً ، أما الخاصية الثانية فتتعلق بمدلول مصطلح " فيبر" عن " المعنى" وهو مصطلح أعتبر من المصطلحات التي لعبت دوراً في الجدل الذي ثار في ألمانيا حول مسألة التاريخ ومناهج العلوم الإجتماعية عشية ظهور أعمال " ماكس فيبر" المهم أنه عندما إستخدم هذا المصطلح كان يعني به الإشارة إلى السلوك في ضوء الفرض والمرمى الذي يسعى إلى تحقيقه الفاعل.

ونظراً لتحديده لعلم الإجتماع بوصفه علماً عاماً وشاملاً للفعل الإجتماعي فإن هذا إقتضاه أن يبذل جهداً في تصنيف الأفعال وتنميطها ويقصد بالعام والشامل من وجهة نظره وكما أوضح " ريمون آرون" من تحليله لأعمال فيبر فهم المعنى الذي يخلعه الإنسان على سلوكه وهذا المعنى الذاتي بالطبع هو المعيار الذي على أساسه يمكن تصنيف الأفعال الإنسانية توطئة لفهم بناء السلوك، إن محاولته لتصنيف الأفعال هذه حكمت تفكيره لدرجة كبيرة عندما هم بتفسير خصائص وأغراض المجتمع المعاصر ووفقاً لما أتى به يعد الرشد والعقلانية خاصة أساسية للعالم الذي نعيش فيه، وتفصح هذه العقلانية عن نفسها من خلال علاقاتها بالأهداف المحددة .المشروع الإقتصادي مثلاً يكون رشيداً عندما تضبط الدولة بواسطة البيروقراطية ، بل إن المجتمع بكامله يتجه نحو التنظيم البيروقراطي ، وحتى العلم نفسه يعد من وجهة نظر فيبر مظهر العملية العقلية التي تميز المجتمع الحديث.

ولقد وضع فيبر تصنيفاً لأنماط الفعل الإجتماعي والتي يمكن الإستعانة بها في بناء النماذج المثالية للسلوك حيث حدد أربعة أنماط للفعل الإجتماعي وفقاً لمساره وإتجاهه على النحو التالي :

1- الفعل العقلي الذي غايات محددة ووسائل واضحة ، إذ أن الفاعل يضع في إعتباره الغاية والوسيلة التي يقوم بتقويمها تقويماً عقلياً فالمهندس الذي يصمم مشروعاً معمارياً والمضارب الذي يحسب ما يعود عليه بسبب مضارباته والقائد الذي يختار أفضل الخطط التي تحقق له النصر كلها أمثلة للفعل الإجتماعي الفعلي.

2- الفعل العقلي الذي توجه قيمة مطلقة : وفي هذا النموذج يكون الفرد واعياً بالقيم المطلقة التي تحكم الفعل وهي قيم يمكن أن تكون أخلاقية أو جمالية أو دينية ويوصف الفعل بأنه موجه نحو قيمة مطلقة في الحالات التي يكون فيها مدفوعاً لتحقيق مطالب غير مشروطة ومعنى ذلك أن الإعتقاد في القيمة المطلقة واعياً ومتجهاً نحوها من أجل ذاتها خالياً من أية مطامح خاصة ، ولهذا فهو يختار الوسائل التي تدعم إيمانه بالقيمة.

3- الفعل العاطفي : وهو سلوك صادر عن حالات شعورية خاصة يعيشها الفاعل والأمثلة على هذا النمط من السلوك عديدة حينما يختار المرء الوسائل على أساس صلتها بالغايات أو القيم وإنما بإعتبارها تنبع من تيار العاطفة.

4- الفعل التقليدي: وهو سلوك تمليه العادات والتقاليد والمعتقدات السائدة ومن ثم يعبر عن إستجابات آلية إعتاد عليها الفاعل ، ولا شك أن ضرباً من السلوك هذا شأنه سوف يظل دائماً على هامش الفعل الذي توجهه المعاني.

وتحتل أنماط الفعل الإجتماعي هذه أهمية خاصة في النسق السوسيولوجي الذي صاغه ماكس فيبر ويرجع ذلك إلى عوامل منها :

1- أن فيبر تصور علم الإجتماع باعتباره دراسة شاملة للفعل الإجتماعي ومن ثم أصبح تصنيف أنماط الفعل يمثل أعلى مستويات التصور التي تستخدم في دراسة المجال الإجتماعي والمثال على ذلك أن تصنيفه لنماذج السلطة مشتق مباشرة من تحديده لأنماط الفعل الإجتماعي.

2- أن علم الإجتماع عند فيبر يستهدف فهم معاني السلوك البشري ومن هنا يجئ أهمية هذا التصنيف كمدخل ضروري لتحليل بناء السلوك.

3- وأخيراً فإن تصنيفه لنماذج الفعل يعد إلى حدٍ ما أساس تفسيره للحقبة التاريخية المعاصرة إذ يعتقد فيبر أن الخاصية الأساسية المميزة للعالم الذي يعيش فيه هي العقلانية.


العلاقات الإجتماعية في مفهوم ماكس فيبر

كانت الخطة الثانية ذات الأهمية عند فيبر هي دراسته لمفهوم العلاقات الإجتماعية إذ ساعده دراسة هذا المفهوم على التحول من دراسة الأفعال الفردية إلى أنماط السلوك . ففيبر في تصوره للعلاقات الإجتماعية يقصد بها سلوك جمع من العاملين تتحدد بمضمونات معنى هذا السلوك وبالقدر الذي يضع كل الآخر في حسبانه ويوجه سلوكه في ضوء هذا .

فالعلاقة الإجتماعية عند فيبر تعني تبادل الأفعال بين الأفراد على أساس فهم كل منهم للمعاني التي يضيفها كل فرد على سلوكه ، إذا أن هناك مجرى للفعل لكن ذلك لا يعني بالطبع أن يكون المعنى الذاتي هو نفسه بالنسبة لكل الجماعات التي تتجه إتجاهاً متبادلاً في علاقة إجتماعية معينة ، ولقد قدم فيبر تلخيصاً لفئات العلاقات الإجتماعية والتي يمكن ملاحظتها واقعياً في خمسة فئات هي :

أ‌- العرف أو الإصلاح أي التماثل الفعلي للعلاقات الإجتماعية .

ب‌- العادة وهي العرف الذي يستمد وجوده من الألفة والتعود.

جـ- الأسلوب أو العرف الذي يتسم بالتجديد والحداثة.

د- العادة التقليدية وهي العرف الذي ينبثق عن الرغبة في الهيبة الإجتماعية أو العرف الذي يتحدد على أساس أنماط معيارية.

هـ- القانون وهو مجموعة القواعد التي تنطوي على إلزام أو عقاب لمن يخرج عليها ، ومع أن القانون يستند إلى العادة والعرف لكن الفارق بينه وبينهما هو عنصر الإلزام المتضمن في القاعدة القانونية.

ففيبر لا يجعل الفعل معتمداً فقط على العلاقة بين الوسائل والغايات وإنما يربطه بإستمرار بنسق إجتماعي معين وبالظروف التي يتم في ضوئها تحقيق الغايات ومن ثم يذكرنا فيبر بإستمرار أن كل المفاهيم التي يقدمها لا تكفي في ذاتها وإنما لابد وأن يستخدمها علماء الإجتماع في تشييد النماذج المثالية لتفسير مشكلات ملموسة بل والأكثر من ذلك أن هذه النماذج بدورها ليست غاية مطلقة ولكنها وسيلة التفسير والتعليل الصحيح.

النماذج المثالية

تستند دعائم التصور النظري لفيبر على مسألتي النموذج المثالي ونظرية التنظيم وبالنسبة للنموذج المثالي فلقد أشار إلى أن أفضل طريقة في دراسة المعاني الذاتية للظواهر الإجتماعية تتمثل في إستخدام النموذج المثالي وهو ليس فرضاً بل إنه يوجه الباحثين لوضع الفروض وليس وصفاً للواقع بل يستهدف توفير الوسائل للتعبير عن الواقع والنموذج المثالي من وجهة نظر فيبر عبارة عن بناء عقلي من المفاهيم المجردة والذي لا يوجد له نظير في الواقع التجريبي. هذا النمط المثالي لأي ظاهرة إجتماعية يكون مصمماً ليساعد في فهم الواقع التجريبي لتلك الظاهرة أو عدة ظواهر وهكذا يمكن إستخدام النمط المثالي كأداة من أجل المقارنة بين ظاهرتين أو أكثر أو لقياس مدى تقارب الظاهرة المعطاة من النمط المثالي، فالنموذج أو النمط المثالي عبارة عن " المجموع الكلي للمفاهيم التي ينشأها أو يبينها المتخصص في العلوم الإنسانية بصورة نقية وبعيدة عن أي تحيز لتحقيق أهداف البحث.

وعلى نحو ما يقول ( تيماشيف، 1972) إن النموذج المثالي ليس فرضاً ، إنه أداة أو وسيلة لتحليل الأحداث التاريخية الملموسة والمواقف ، وهذا التحليل يتطلب بدوره أن تكون المفاهيم محددة بدقة وواضحة إلى أبعد الحدود لكي تستطيع مواجهة النماذج المثالية ، فالنموذج المثالي إذن مفهوم محدود نقارن به المواقف الواقعية في الحياة والأفعال التي ندرسها ويذهب فيبر إلى أن دراسة الواقع الملموس على هذا النحو تمكننا من الحصول على علاقات سبية بين عناصر النموذج المثالي .

وتواجه النماذج المثالية لفيبر بعض الصعوبات فمثلاً بالنسبة لتصنيف فيبر الرباعي للفعل الإجتماعي وحيث تستند كل فئة من فئات الأفعال الأربعة إلى شكل معين من التوجيه السلوكي فهناك فئتان من الأفعال تتميزان بالعقلية إحداهما تستخدم الوسائل الملائمة لتحقيق الأهداف العقلية المختارة، والثانية تستعين بوسائل مشابهة لإشباع قيم مطلقة وأهداف أخلاقية أما الفئتان الأخريان من الأفعال فهما فئة الفعل التقليدي وفئة الفعل الوجداني وهو هنا يطرح سؤال هو إذا كان النموذج المثالي يرتكز على أساس الفعل العقلي فكيف يمكن بعد ذلك إقامة نماذج مثالية للأفعال غير العقلية.


علم اجتماع السياسة والحكومة

كثير من الناس يحملون كلمة بيروقراطية عكس معناها حيث أن الناس تربط مفهوم البيروقراطية بمفهوم الروتين وإن كان الأمر في الأساس عكس ذلك تماماً حيث أن البروقراطية إنما تستهدف إلغاء الطابع الشخصي من حيث توزيع الأعمال أو طرق أدائها أو تقييم الأداء. وبمعنى آخر فإن البيروقراطية هي مجموعة النظم واللوائح التي تحدد السلوك التنظيمي كما يجب أن يكون إعتقاداً بأن هذا السلوك يمثل أفضل سلوك يمكن التنظيم من تحقيق أهدافه وإعتقاداً بأن هذه اللوائح هي ضمان لحماية التنظيم من الفساد والتسيب والإنحراف.

وبمعنى آخر فإن كلمة بيروقراطية تعني وببساطة البناء الاجتماعي المتسلسل لإدارة التنظيمات الضخمة بطريقة سليمة وبكفاءة وفعالية وبطريقة غير شخصية. وهو يشير إلى التغيرات التي تحدث في المنظمات الرسمية أو الأهلية بطريقة صحيحة لصنع القرارات لتحقيق الكفاءة والفعالية وتحقيق الأهداف. ونظراً للزيادة الكبيرة والتعقيدات في حجم المنظمات فإنها تكون في حاجة إلى تنسيق لتحقيق مزيد من الفاعلية والتي تصل إلى أقصى درجاتها عندما يكون هناك سيطرة تامة للإدارة والأدوار محددة وواضحة وكذا الحقوق والواجبات .

ويرى أن العالم القديم قد عرف البيروقراطية ويظهر ذلك بصورة جلية في مصر القديمة وبابل والصين والهند ومع تقدم المجتمعات وإزدياد حاجات البشر ظهرت الحاجة إلى وجود منظمات متخصصة ومع إزدياد التقدم ظهرت المنظمات كبيرة الحجم ومنها ظهر مفهوم البيروقراطية بمعناه العلمي والذي وضعه عالم الإجتماع المشهور ماكس فيبر .

فالبيروقراطية ترتبط بالمنظمات كبيرة الحجم وهذا المنظمات تتميز بتعقد المشاكل التنظيمية والإدارية التي تواجهها فمن ناحية نجد أن العمل مقسم إلى أجزاء صغيرة وأن العمل الواحد يقوم به مجموعة من الأفراد ومن ناحية أخرى يضم التنظيم مستويات إدارية متعددة تجعل عملية الإتصال رأسياً وأفقياً في منتهى الصعوبة.

ومن ناحية ثالثة فإن العلاقة بين الرئيس والمرؤوسين لا تصبح علاقة شخصية ومباشرة بحيث تصعب عملية تقييم كفاءة المرؤوسين . وفي ظل هذا المناخ التنظيمي المعقد يصبح من الضروري وجود لوائح ونظم وقواعد تحكم عملية تحديد الخطوط الفاصلة بين مختلف التخصصات ضماناً لعدم حدوث التضارب والإحتكاك بين الوحدات التنظيمية ويصبح من الضروري أيضاً وجود مسالك محددة للإتصال الرسمي تحددها الإدارة العليا وبهذه الوسيلة تتجرد الوظائف من شتى المؤشرات الشخصية التي قد تؤثر في أداء شاغلها لها.

والبيروقراطية طبقاً للمعنى السابق ضرورة حيوية لجميع المنظمات كبيرة الحجم وإذا أمكن تحويل المثالية إلى واقع فإنه تصبح أفضل شكل تنظيمي ممكن ولكن الذي يحدث عادة هو التمادي في تطبيق اللوائح والتماسك الحرفي بها .ومع طول تعدد العاملين في هذا المناخ ومع صعوبة تعديل اللوائح بما يتمشى مع التغيرات والمؤشرات التي سيتعرض لها التنظيم يزحف مرض الجمود إلى السلوك التنظيمي وتصبح المبادرات الشخصية شيئاً نادراً أو مخالفاً للتعليمات واللوائح. ومن ثم تبدأ الآثار السلبية للبيروقراطية في الظهور .

ولو حاولنا تتبع النظريات الكبرى للبيروقراطية لوجدنا أن مفهوم البيروقراطية لم يكن يشغل مكاناً بارزاً في فكر ماركس . وإن كان هذا لا ينكر أن ماركس قد درس مفهوم البيروقراطية واستخدمه في نطاق محدد تمثل في دراسة لجهاز الدولة وإدارتها كما طور أفكاره عنها حينما كان بصدد نقد فلسفة هيجل في الدولة فالجهاز الإداري في رأي هيجل يحقق الصلة الدائمة بين الدولة والمجتمع حيث يعتبر التنظيم البيروقراطي هو القنطرة التي تربط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ويعتبر موقف ماركس من البيروقراطية وثيق الصلة بمعالجته لفكرة الإغتراب ذلك المفهوم الذي يشير إلى كافة الظروف والأوضاع التي تجعل البشر يبتعدون عن حياة البساطة الأولية بحيث ينفصل الإنسان عن بيئته الطبيعية التي تعد جزءاً منها وتنطبق فكرة الإغتراب تماماً على البيروقراطية من وجهة نظر ماركس حيث حققت البيروقراطية كياناً مستقلاً بعيداً عن سيطرة الإنسان ومحاولة فرض سيادتها عليه.

حيث يؤكد ماركس أن البيروقراطية كتنظيم تحطم كفاءة الفرد وتعوق قدرته على المبادأة والإبداع والتخيل وتحمل المسؤولية فماركس إعتبر البيروقراطية أداة الطبقة الرأسمالية لتدعيم مصالحها ولذلك فإن قيام ثورة البروليتاريا وظهور المجتمع اللاطبقي سوف يحكم جهاز الدولة البيروقراطية .

ويعتبر موقف لينين من البيروقراطية مشابهاً لموقف ماركس حيث إعتقد أن البيروقراطية ستشهد إنهياراً تدريجياً عندما تتأسس ديكتاتورية البروليتاريا لأن الصراع ضد البيروقراطية سيكون من المهام الرئيسية للثورة.

وتعتبر إسهامات ماكس فيبر في هذا المجال كبيرة حيث أنه إستطاع أن يصوغ نظرية محددة للبيروقراطية تعتبر من النظريات الكبرى حيث كان فيبر مهتماً في دراسته للبيروقراطية بتحليل التغير الذي طرأ على التنظيم الإجتماعي في المجتمع الحديث فضلاً عن توضيح الخصائص أو المقومات النموذجية للتنظيمات الرسمية التي أصبحت تمثل أكثر أشكال التنظيم شيوعاً في هذا المجتمع ولذا فإنه كتاباته تعتبر قاعدة لنوعين من الدراسات هي الدراسات التاريخية التي تتبع التحول الواضح نحو البيروقراطية والبحوث الإمبيريقية التي تناولت أبعاد التنظيمات وخصائصها البنائية.

وترتكز تحليلات فيبر للبيروقراطية على تصوره لطبيعة علاقات القوة في المجتمع كما إهتم بنموذج لعلاقة القوة وهو ما أطلق عليه مصطلح السلطة وهو علاقة القوة بين الحاكم والأفراد حيث أن ممارسة السلطة على أعداد من الأفراد تقتضي وجود هيئة إدارية قادرة على تنفيذ الأوامر وتحقيق الصلة الدائمة بين الرؤساء والمرؤوسين وهكذا حاول فيبر أن يضح نماذج السلطة وفقاً لمعيارين هما : الإعتقاد في شرعية السلطة ووجود الجهاز الإداري الملائم.

ولقد ميز فيبر بين ثلاثة نماذج مثالية للسلطة تعتمد على تصورات مختلفة للشرعية هي :

1- السلطة الملهمة

2- السلطة التقليدية

3- السلطة القانونية

كما إهتم فيبر باستخدام مصطلح " التحول نحو البيروقراطية " إستخداماً واسعاً حيث أن هذا التحول مرتبط بظهور أنماط للسلوك والتفكير تشيع في كافة مجالات الحياة الإجتماعية نتيجة إنتشار النزعة العقلية ، تلك التي تشير إلى الإحاطة النظرية بأبعاد الواقع من خلال مفاهيم محددة ومجردة والتوجيه المنظم نحو تحقيق هدف أو غاية معينة بعد دراسة كافة الوسائل الممكنة والمفاضلة بينها .

ومن نتائج هذا التصور للعقلانية إزدهار العلم وإزدياد الإعتماد عليه كنسق فكري يوجه السلوك والعمل بدلاً من الإعتماد على التفسيرات والقيم والأفكار الغيبية والميتافيزيقية . فالفكرة المحورية وراء تحليله التاريخي تتمثل في الصراع بين الإلهام الذي يشير إلى إبتكار أو تجديد نتيجة قوى تلقائية تظهر في المجتمع وتتحكم في مساره وبين الروتين أو النظام الدقيق القائم على أسس معروفة وخطة محددة من قبل فليس من شك أن القيادة الملهمة قوة ثورية في العملية التاريخية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

علم الإجتماع الديني عند فيبر

قد ماكس فيبر مجموعة من الدراسات يمكن أن تدخل تحت علم الإجتماع الديني لعل من أهمها تلك الدراسة التي حاول فيها أن يناهض الفكر الماركسي في أساسه وجوهره والتي تقع تحت عنوان الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية ، ثم قام فيبر بعد ذلك بدراسات مقارنة تناولت الأديان الكبرى والعلاقة بين الظروف الإجتماعية والإقتصادية من جهة والإتجاهات الدينية من جهة أخرى.

وعن الدور الذي الذي يلعبه الدين من خلال دراسات فيبر فإن ريمون آرون يقول " إن نقطة الإنطلاق في دراسات فيبر عن علم الإجتماع الديني هما فيب إعتقاده بأن فهم أي إتجاه يحتاج من الباحث إلى إدراك تصور الفاعل للوجود بأكمله" إذ في ضوء هذا الإعتقاد حدد فيبر التساؤل الآتي لكي يجيب عليه دراساته .

إلى أي مدى تؤثر التصورات الدينية عن العالم والوجود في السلوك الإقتصادي لكافة المجتمعات : ويقول ( Aron, 1970) إن ماكس فيبر في دراسته لتأثير الأخلاق البروتستانتينية على الرأسمالية كان يريد أن يؤكد قضيتين هما :

1- أن سلوك الأفراد في مختلف المجتمعات يفهم في إطار تصورهم العام للوجود وتعتبر المعتقدات الدينية وتفسيرها إحدى هذا التصورات للعالم والتي تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات بما في ذلك السلوك الإقتصادي.

2- إن التصورات الدينية هي بالفعل إحدى محددات السلوك الإقتصادي ومن ثم فهي تعد من أسباب تغير هذا السلوك .


على أن فيبر لم يعالج الجوانب المختلفة للدين بوصفه ظاهرة إجتماعية بل إكتفى بدراسة الأخلاقيات الإقتصادية للدين ويقصد منها ما يؤكد عليه الدين من قيم إقتصادية .

ويرى فيبر أن الرأسمالية الحديثة تمثل في حقيقة الأمر ظاهرة فريدة تنحصر خصائصها الأساسية فيما يلي: المشروع الإقتصادي القائم على التنظيم العقلي والذي تتم إدارته وفقاً لمبادئ علمية والثروات الخاصة والإنتاج من أجل السوق، والإنتاج للجماهير وعن طريقهم والإنتاج من أجل المال والحماس المتزايد والروح المعنوية العالية والكفاءة في العمل تلك التي تتطلب تفرغاً كاملاً من الفرد ليزاول مهنته أو عمله وهذا التفرغ يجعل من العمل المهني هدفاً ومطلباً رئيسياً في حياة الفرد وهذه الأخلاق المهنية تعتبر من السمات الواضحة لروح الرأسمالية الحديثة.

بيد أن الرأسمالية تتطلب كذلك وجود أفراد يتميزون بخصائص سيكولوجية معينة وظروف اجتماعية معينة فالتنظيم الرأسمالي لا يتحقق في مجتمع يتسم أفراده بالكسل ويتمسكون بمعتقدات خرافية ويتميزن بعدم الكفاءة كذلك فلابد من توافر مجموعة من الظروف إلى جانب الخصائص السيكولوجية التي ذكرها وهذه الظروف هي رأس مال عقلي وإدارة للعمل وإمتلاك كل وسائل الإنتاج وتوفر وسيلة للإنتاج وشيوع قانون عقلي وإزدياد العمل الحر وتسويق لمنتجات العمل.

ويذهب فيبر إلى أن ينيامين فرانكلين قد عبر بصدق عن السمات السيكولوجية اللازمة لوجود النظام الرأسمالي مثل أن الأمانة هي أفضل سياسة ، والحساب الدقيق ضرورة لأي عمل ، السلوك المنظم ، المثابرة ، الكفاية ، الصدق والإخلاص.

الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية

غلاف الطبعة الألمانية الأصلية من الأخلاق الپروتستانتية وروح الرأسمالية.

ماكس فيبر كان يعتقد بأن أخلاق التقشف وحب العمل والادخار وأداء الواجب ساعدت على ظهور الرأسمالية كنمط للحياة والإنتاج. وهذه الأخلاق سائدة عموما في المجتمعات التي تؤمن بالعقيدة البروتستانتية التي هي أحد المذاهب المسيحية المنتشرة في شمال أوروبا وألمانيا وانجلترا. ولذلك فإن الرأسمالية ظهرت أولا في إنجلترا قبل أن تظهر في البلدان الكاثوليكية كفرنسا مثلا.

ديانة الصين: الكونفوشية والطاوية

ديانة الهند: علم اجتماع الهندوسية والبوذية

اليهودية القديمة

الاقتصاد

انتقادات موجهة لڤـِبر

التأثير المتبادل مع المدرسة النمساوية

رأيه في الإسلام

رأى ماكس ڤبر- في كتابه الأخلاق الپروتستانتية وروح الرأسمالية (نشر بداية عام 1904) ـ أن هذه المسألة هي المفتاح لفهم الصلة بين ضرب من الأخلاق الدينية وبروز الرأسمالية العقلانية الحديثة. وهنا عارض بين الكالڤينية والإسلام. فأما الكالڤينية فيشكل مبدأ الاصطفاء ـ اصطفاء الله للبشر يوم القيامة لإدخالهم جناته ـ مبدأ جوهرياً فيها. وكان أن طُرِح السؤال: كيف يمكن للكالڤينيين أن يتيقنوا من أنهم من المصطفين؟ والكالڤينيون لا يعلمون مصيرهم؛ لأن الرب عندهم متعالٍ لا تُعلم مقاصده، ولهذا واجهوا ارتياباً على هذا الصعيد. وفي كتابه الاقتصاد والمجتمع يذهب ڤبر إلى أن مذهب الاصطفاء هذا هو الذي دفع أتباع كالڤن إلى محاولة نيل رضا الرب، ووجدوا أن الوسيلة الوحيدة للتحقق من ذلك هي العمل ومراكمة الثروة في سبيل مجد الرب، وقد نُظِرَ إلى هذين الأمرين على أنهما من «بشائر» و«أمارات» تأكد الكالڤينيين بأنهم من «المصطفين»، وبلغة ڤبر، نظر إليهم على أنهم بُورِكوا من لدن الرب.[3]

كتاب "الأخلاق البروتستانية وروح الرأسمالية" لماكس فبر. لقراءة وتنزيل الكتاب، اضغط على الصورة.

هذا بينما الإسلام ـ في نظر ماكس ڤبرـ كان على النقيض من هذا؛ ففي بحثه عن الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية يذهب إلى القول بأنه في الإسلام لا يتعلق الأمر بكون الإنسان قابعاً تحت مجاري أقدار الله في الحياة الآخرة يصطفيه لجناته إن شاء، وإنما هو جالس تحت مجاري الأقدار هنا في هذا العالم. إنما الإنسان المسلم مسير في هذا العالم لا في العالم الآخر. وقد قاد هذا الأمر المسلمين إلى الوقوع في ضرب من الجبرية شديد؛ فلم يقدروا الكدح والجهد حق قدره؛ يقول ماكس فيبر في أحد هوامش كتابه عن الأخلاقية البروتستانتية وروح الرأسمالية: «وقد برزت في الإسلام هذه الانعكاسات القدرية [الجبرية]؛ لكن لأي سبب؟ لأن عقيدة القضاء والقدر في الإسلام تنزع إلى «التحديد المسبق للمصير» لا للاختيار المسبق، موجهة على المصير في الدنيا، لا على الخلاص الأخروي؛ لأن ـ من ثم ـ الأمر الحاسم أخلاقياً هو أن «الاختبار» للمختار لا يؤدي دوراً في الإسلام، ومن هنا فإن ما يتمخض عن ذلك هو جرأة حربية، لا نتائج مرتبطة بعيش منهجي؛ لأن المكافأة تعوزها». ويعود ماكس فيبر في كتابات أخرى إلى التأكيد على ما يلي: «في الإسلام المؤمنون الأكثر تعلقاً بالله نسبوا إليه القدرة المطلقة... ذلك أن إرادة الله إرادة مطلقة حرة لا تُعقل بعقل، وإذ هي نتيجة منطقية لإحاطته علماً بكل شيء؛ فإنها قررت منذ الأزل مصير كل إنسان على وجه الأرض وبعد الموت. ذلك أن تحديد المصير على الأرض ـ كما القضاء بأمر العالم الآخر ـ كان قد قرر الله شأنهما منذ الأزل تقريراً».

وقد اجتهد بعض الباحثين في فحص من أين استقى ڤبر فكرته عن «جبرية» الإسلام المبالغ فيها هذه. ومما قاده إليه البحث أن وراء الأكمة ما وراءها، ووراءها مستشرق ومبشر ألماني كان معاصراً لماكس ڤبر اسمه فريدريش أولريش؛ فقد أعدَّ الرجل رسالة للدكتوراه بقيت طي مكتبة الكلية ولم تنشر، لكن ماكس ڤبر اطلع عليها في مكتبة الكلية، وكان موضوعها حول «القضاء والقدر في الإسلام». وقد ربط فريدريش أولريش بين رؤية كل من المسلمين والمسيحيين لله، وتأثير هذه الرؤية في تصورهم للحرية والجبر. فكان أن رأى أن البينونة بين رب المسيحيين وإله المسلمين تكمن في أن الصلة بذاك مبنية على فكرتي «الإيمان» و«المحبة»، وأن الصلة بهذا مبنية على فكرتي «الشرع» و«الإلزام». ومنه استخلص ما استخلصه حول «حرانية» المسيحية و«جبرية» الإسلام. قال الرجل: «ما يميَّز المذهب الإسلامي حق تمييز هو أنه ينطوي بالأولى على مذهب في تحديد مصير الإنسان في هذه الدنيا... حيث يمسي الإنسان تابعاً إمّعة إِمَّرَةً بتبعية تامة لله الذي كانت إرادته المطلقة قد حددت أزلاً مصير الأفراد تحديداً. ومن ثمة، لا يوجد في المذهب الإسلامي ـ على التحقيق ـ قضاء ينتظر إلى الإبرام في اليوم الآخر، وإنما يوجد أولاً وقبل كل شي قضاء إلهي وقدر في هذا العالم الدنيوي». وتأسيساً عليه، ينزع الإسلام نحو ما يسميه فريدريش أولريش «النزوع الجبري»، وهو نزوع يجد أنه ما فتئ يتعزز فيما يسميه «الذهنية المسلمة»، متعارضاً في ذلك مع ما يعدّه فريدريش أولريش الكالڤينية ذات النزعة الإدراية الحرانية.

الذي عند ماكس ڤبر بهذا الشأن أن ثمة ديانات خلاص وثمة غيرها. وديانات الخلاص ـ أو النجاة ـ تتضمن السعي إلى التحرر من الألم الذي يحصل للإنسان، وخفض التوتر الذي يجده بين ما يرجوه وبين ما يحدث في الواقع. وفكرة «النجاة» بمثابة قوة حاثة على النشاط في هذا العالم. ويعدّ سعي الفرد إلى نجاته مفتاحاً مميزاً للكالفينية؛ فعند الكالڤينيين السلوك الزهدي التقشفي والأعمال الصالحات هما «أمارات» النجاة في العالم الآخر. أما الإسلام ـ بحسب ماكس ڤبر ـ فإنه كان على النقيض من الكالڤينية؛ فالبحث عن النجاة غريب عن روح الإسلام. وبينما نظر الكالڤينيون إلى السلوك الزهدي التقشفي وإلى مراكمة الثروة في إدارة الأعمال كأمارة نجاة، لم يفعل المسلمون ذلك.

الزهد عند ماكس ڤبر على نوعين: زهد داخل هذا العالم، وزهد في هذا العالم. الأول شأن الكالڤينيين الذين استعملوا وسيلة الزهد بغاية تغيير العالم بوفق معتقداتهم، بينما الثاني تعلق بحياة الأديرة والرهبان والصوفية الذين استعملوا الزهد أداة للفرار من هذا العالم. وبهذا يكون الزهد الكالڤيني قد لعب دوراً مهماً في نشأة الرأسمالية الحديثة بدءًا من نهاية القرن السادس عشر. ذلك أن زهد الكالڤينيين وهم يحيون في هذا العالم شجعهم على الكدح والكد والكسب والإدخار والاستثمار بغاية أن يربو المال. وعند ماكس فيبر، فإن الإسلام هو القطب المضاد لهذا المذهب التقشفي الزهدي؛ إذ لا يزهد المسلمون وهم مقبلون على هذا العالم، وإنما يزهدون فيه وهم مدبرون عنه. ولهذا كان الإسلام ـ في رأي ماكس فيبر ـ دين غزو، ودين «محاربين قوميين عرب». ومن ثمة أيضاً ما كانت أخلاقيات الإسلام أخلاقيات زهد، وإنما كانت أخلاقيات حرب. ففي الحقبة المدنية أمسى الإسلام تحت راية الجهاد والتمييز بين «دار الإسلام» و«دار الحرب»؛ ومن ثَمَّ أمسى «دين البطل داخل العالم ودين أخلاقيات المحارب». وحتى لما ظهر الزهد في المسلمين تطور إلى تصوف لم يرم إلى تغيير العالم، وإنما سعى إلى الفرار منه. وقد نقدت على ماكس فيبر أطروحته القائلة بأن الإسلام ديانة أخلاقية حربية نقداً شديداً،. واحتج على هذا النقد بأمثلة مضادة كثيرة منها مثال انتشار الإسلام في بلاد البنغال الذي ما كان بسبب «الغزو»، وإنما من تأثير «شخصيات ذات كاريزما» أو من «تجار ووعاظ جوالين». وما يعيبه برايان تورنر على ماكس ڤبرـ في بحثه الموسوم: «مراجعة ڤبر والإسلام» ـ هو أن ماكس ڤبر ركز على ما يسميه برايان تورنر «إسلام الشرق الأوسط»، ولم يركز على «إسلام جنوب شرقي آسيا» كما تجسد ـ مثلاً ـ في ماليزيا وأندونيسيا.

ويرى ماكس ڤبر أن بين الكالڤينية والإسلام تعارضاً على مستوى تدبير شؤون الحياة؛ فأما الأولى ـ وقد تسلحت بمبدأ الاصطفاء ـ فتذهب إلى تعقيل السلوك في الحياة، بحيث يقول لسان حال الكالڤيني: إذا ما أنا كدحتُ وكددتُ ربحتُ، وإذا ما أنا ربحتُ نجحتُ في أن أكون من عباد الله المصطفين، بينما لسان حال المسلم يقول: مهما فعلتُ ومهما كدحت، فإن الله قد قضى أمراً مقضياً منذ الأزل. وإذن؛ من الأفضل لي أن أستكين إلى قضائه، فلا أبادر إلى أي شيء، لأنه قُضِيَ الأمر الذي يمكنني فيه أن أبادر.



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انتقادات تاريخية

انظر أيضاً


المصادر

  1. ^ "قراءات وتعليقات عن الحداثة". جريدة البيان. 2006-10-15. Retrieved 2008-11-02.
  2. ^ فيصل المحارب (2007-07-09). "ماكس فيبر". موقع اجتماعي. Retrieved 2008-11-02.
  3. ^ "ماكس فيبر والإسلام: إشكالات وانتقادات". مجلة التفاهم. 2021-02-21. Retrieved 2022-11-17.
  • Korotayev A., Malkov A., Khaltourina D. Introduction to Social Macrodynamics. Moscow: URSS, 2006. ISBN 5-484-00414-4 Chapter 6: Reconsidering Weber: Literacy and the Spirit of Capitalism
  • ماكس فيبر / تأليف: لوران فلوري. ترجمة، تحقيق: محمد علي مقلد. ISBN 9-959-29335-1

قراءات اضافية

  • Korotayev A., Malkov A., Khaltourina D. Introduction to Social Macrodynamics. Moscow: URSS, 2006. ISBN 5-484-00414-4 [1] (Chapter 6: Reconsidering Weber: Literacy and "the Spirit of Capitalism").
  • Bernhard K. Quensel (2007), Max Webers Konstruktionslogik. Sozialökonomik zwischen Geschichte und Theorie. Baden-Baden: Nomos. ISBN 978-3-8329-2517-8 [Revisiting MW's concept of sociology against the background of his juristic and economic provenance within the framework of "social economics".]
  • Roth, Guenther (2001). Max Webers deutsch-englische Familiengeschichte. J.C.B. Mohr (Paul Siebeck). ISBN 3-16-147557-7
  • Radkau, Joachim (2005). Max Weber The most important Weber-biography on Max Weber's life and torments since Marianne Weber.
  • Richard Swedberg "Max Weber as an Economist and as a Sociologist", American Journal of Economics and Sociology
  • William H. Swatos, ed. (1990), Time, Place, and Circumstance: Neo-Weberian Studies in Comparative Religious History. New York: Greenwood Press. ISBN 0-313-26892-4
  • Richard Swedberg, Max Weber and the Idea of Economic Sociology. Princeton: Princeton University Press. ISBN 0-691-07013-X
  • Weber, Marianne (1926/1988). Max Weber: A Biography. New Brunswick: Transaction Books. ISBN 0-471-92333-8

وصلات خارجية

Wikisource
Wikisource has original works written by or about:
Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة بماكس فيبر، في معرفة الاقتباس.

Texts of Weber works:

عن ڤيبر: