الشائعات السياسية في المجتمع السعودي

حول المؤلف

مساهمات حديثة أخرى

اجعل هذه الصفحة أفضل بتحريرها.
Taghreedنوره الحسيني
نوره الحسيني
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال

الشائعات وخطرها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فقد ندب دين الإسلام إلى الصدق وحذر من الكذب، فقد ثبت عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا» رواه البخاري ومسلم.

ومن أخطر صور الكذب إطلاق الشائعات:

وهذا النوع من الكذب يستخدمه أعدؤنا لتدمير الشعوب، ويسمونه بأسماء كثيرة، منها: حرب الأعصاب، والحرب النفسية.

ومما يدل على أنه من أنواع الكذب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه مسلم.

وروى في المقدمة قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ».

نماذج من الشائعات التي أضرت بالأمة

1- شائعة إسلام أهل مكة لما هاجر المسلمون إلى الحبشة، فرجع بعضهم، فأسروا وعذبوا.

2- شائعة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم أحد، فعلا الهم الصحابة وتمكن الغم منهم، وتسربت إليهم روح الهزيمة وأوهنت قوتهم، فمن واقف لا يدري ما يفعله، ومن معتزل للمعركة فارٍّ من أرضها، ومن يائس من الحياة قائل: "ما فائدة العيش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

3- شائعة حمراء الأسد التي حكاها القرآن }إنَّ الناس قد جمعوا لكم{ [آل عمران/173].

4- شائعة الإفك.

ولا تسأل عما ترتب من أثر سيء عليها!!

فرسول الله صلى الله عليه وسلم نزل به من الهم ما جعل عليا يشير عليه بطلاق زوجه. وأبوها وأمها أسكتتهما الحادثة وأحاط بهما همٌّ عظيم. وعائشة فارقها النوم، ولازمها البكاء، حتى أقحطت به عينها وجفت مآقيها. ولحق بالصحابة الذين أدّبوا أنفسهم بما أنزل الله بعدُ في الآية }لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً{ [النور/12] حزن عميق وأسى عارم. ولقد قال الله تعالى في شأن هذه الشائعة: }إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ{ [النور/15]. 5/ شائعات في الحجاز ومصر والمغرب عن عثمان رضي الله عنه أنه لم يشهد بدراً، وفر من أحد، ولم يبايع ...إلى آخر ترهات أجاب وأفاد بشأنها ابن العربي في العواصم من القواصم رحمه الله.

فلما فشت هذه الأخبار، وانتشرت في الآفاق جمعت الغوغاء، فكانت سبب قتلهم له رضي الله عنه وسخط ولعن من قتله.

التحذير من الشائعات

إطلاق الشائعات فعل من لا خلاق له، وقد أعلمنا ربنا في كتابه أن ذلك من خلال الكافرين المكذبين بيوم الدين.. فلقد أشاع قوم نوح عنه أن همَّه لفتُ النظر إليه والتفضل على قومه، وأشاع قوم هود عليه السلام أنه سفيه؛ ولقد علموا أنه أعقلهم وخيرهم وأنهم أولى بذلك منه، وأشاع فرعون عن نبي الله موسى: }إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِه{ [الشعراء/35]. ولا يخفى على مسلم ما قاله أعداء الله وأشاعوه من شأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم!

ومن أجل ذلك نهى شرعنا وحذر من إطلاق الشائعات.. قال ابن كثير: "وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال. أي: الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تَثبُّت، ولا تَدبُّر، ولا تبَيُّن". وفيما يتعلق بالأعراض والقذف جاء هذا التحذير: }إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{ [النور/19]. ومعنى الآية: إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية، ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله- وحده- يعلم كذبهم، ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا تعلمون ذلك. وفي حديث أسماء بن يزيد رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى». ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ» رواه أحمد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس مطية الرجل زعموا» رواه البخاري في الأدب وأبو داود.

قال البغوي رحمه الله: "إنما ذم هذه اللفظة لأنها تستعمل غالبا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، إنما هو شيء يحكى على الألسن، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ليتوصل به إلى حاجته من قولهم: زعموا، بالمطية التي يتوصل بها الرجل إلى مقصده الذي يؤمه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتثبت فيما يحكيه والاحتياط فيما يرويه، فلا يروي حديثا حتى يكون مرويا عن ثقة" شرح السنة (3/413) . ما يجب على المسلم إذا بلغه أمر:

- عدم إشاعته؛ لأنه من الكذب كما مر معنا.

- مراقبة الله، فلا يشيع خبراً، ولا يسيء ظناً، ولا يهتك عرضاً، ولا يصدق فاسقاً.

طلب البرهان والتثبت. وهذا ما ندب الله تعالى إليه في كثير من آي القرآن، قال تعالى: }لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء{ [النور/13]، وقال: }وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا{ [النساء/83]، والمعنى: وإذا جاء هؤلاء الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم أمْرٌ يجب كتمانه متعلقًا بالأمن الذي يعود خيره على الإسلام والمسلمين، أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم الاطمئنان، أفشوه وأذاعوا به في الناس. ومعنى قوله: }يستنبطونه{، أي: يستخرجونه ويستعلمونه من معادنه، يقال: استنبط الرجل العين، إذا حفرها واستخرجها من قعورها. وقال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا{. وفي السنة الصحيحة: «التأني من الله والعجلة من الشيطان» رواه أبو يعلى، و«التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة» رواه أبو داود. ومن أشد الأحاديث تحذيراً من إطلاق الشائعات حديث الرؤيا في صحيح البخاري رحمه الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلين، رجلا قائما على رأس رجل، وعند القائم كلوب مِنْ حَدِيدٍ، وكان يدخل الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ». فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم لما سأل عن ذلك: «هذا –الذي يُعذب- يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ». أسأل الله أن يعمر بالإيمان قلوبنا، وأن ينزه ألسنتنا من كل ما يسخطه.

الشائعات.. حرب نفسية ضد المجتمع

الإشاعة تتبلور وتتلون بملامح كل زمان تبث فيه ولا تظهر خطورتها إلا إذا قضت على الروح المعنوية للإنسان.

تعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة التي تهدد المجتمعات في قيمها ورموزها، إذ يتعدى خطرها الحروب المسلحة بين الدول؛ بل إن بعض الدول تستخدمها كسلاح فتاك له مفعول كبير في الحروب المعنوية أو النفسية التي تسبق تحرك الآلة العسكرية؛ ولا يتوقف خطرها عند هذا الحدّ فحسب بل إنها الأخطر اقتصاديا.. والأدهى اجتماعيا.. ليست الشائعة ظاهرة مستحدثة، بل إنها خلقت منذ بدء الخليقة، استخدمها الإنسان كثيرا لزعزعة الأمن والاستقرار حيث أطلقها وصدقها وتأثر بها، لتتبلور في أحضان ثقافته على مرّ العصور متشكلة ومتلونة بملامح كل زمان تظهر فيه.

وتستهدف الشائعات أمورا معنوية كثيرة؛ لذا أطلق عليها ميسم الحرب المعنوية أو الحرب النفسية، وتكمن خطورتها في أنها تستخدم ضد أفراد تتوافق مع مزاجهم وتفكيرهم؛ فتجذبهم إليها ليصبحوا أدوات لترديدها دون أن يدركوا مدى خطورتها؛ خاصة في زمان تضاعفت خلاله سرعة انتشارها. والكل يعرف بأن سوق الشائعات في مجتمعاتنا العربية في الفترة الراهنة يمتاز بالمزيد من الرواج حيث تتنوع الشائعات فتكون شخصية، أو سياسية، أو اقتصادية إلا أن تأثيرها يصيب الناس بالقلق..

يقول الدكتور عماد محمد مخيمر أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق: إن مصدر الشائعات غالبا ما يكون غير معروف، فحينما يروج شخص شائعة ما وتسأله عن مصدرها يقول: “سمعتها من فلان أو يقولون كذاِ..” دون التحقق من صحة ما يقول، والشخص المروج للشائعات إما أن يكون حاقدا أو جاهلا أو مستفيدا من ترويج الشائعة وانتشارها وخير دليل على ذلك ما رأيناه في فترة اندلاع الثورات العربية، حيث يستغل البعض الأخبار لإثارة الشائعات، عمدا لإحداث حالة من الخوف عند الناس ليشعروا بالفوضى وعدم الأمان مستخدمين في ذلك عمليات البلطجة وترويع المواطنين، لذا نجد بعض الناس يقولون: “إن النظام السابق أفضل فعلى الأقل كنا نشعر بالأمن والأمان” وهذا هو أهم مطلب تسعى الثورة المضادة إلى تحقيقه.

ويضيف مخيمر قائلا: إن من شأن الشائعات أن تثير الذعر والتوتر والقلق في نفوس الناس؛ خاصة في حالة الفراغ الثقافي والفكري لديهم، وتنتشر الشائعات وينشط مروجوها أثناء ما نسميه بـ”أوقات توقع الخطر” وهي أوقات الحروب والكوارث والفوضى لأن الناس يتوقعون حدوث الشر خلال هذه الأوقات، وهذا هو سبب انتشار الشائعة لأن الناس، في هذا التوقيت، حينما يسمعون أية معلومة يتناقلونها فيما بينهم دون التحقق من صحتها خوفا منهم على أبنائهم وممتلكاتهم.

وتشير الدكتورة فوزية عبدالستار أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة إلى أن الشائعة تدخل في نطاق الكلام الذي ينقل ولا أصل له؛ ولكنها تثار لأغراض يصبو إليها مروجوها، ومعظم الشائعات التي تثار في هذه الآونة ليست ذات قيمة فمثلا الشائعات التي تثار على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” في جميع المجالات السياسية وتنال رموزا سياسية أو فكرية أو ترويج شائعة وفاة لنجم من نجوم الفن والمجتمع والسياسة والاقتصاد والتي تتأثر بها أسواق المال العالمية وإن كان تأثير بعضها ضعيفا؛ إلا أن هناك نوعا من الشائعات له خطورة كبيرة في التأثير السلبي على المجتمع، وذلك في حالة تعلق الشائعة بأمور مصيرية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وترى أن الشائعات التي ليست لها أية قيمة أو تأثير لا يجب الالتفات إليها، أما الشائعات التي تسبب بلبلة فكرية أو تحدث اضطرابات وأضرارا داخل المجتمع بالإضافة إلى قصد سوء النية فإن القانون يجرمها، وذلك ما تنص عليه مواد قانون العقوبات. وعلى جانب آخر يؤكد الدكتور صلاح مدكور أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس: أن الشائعات شأنها شأن الدعاية فهما أسلوبان هدامان يحدثان أضرارا سلبية داخل المجتمعات عن طريق إثارة الغرائز واستغلال العواطف لإحداث فتنة داخل المجتمع والغرض منها أن تصل المعلومة التي يريد مروجوها أن تنتشر بين الناس بأسلوب فعال، وبذلك تكون النتيجة إيجابية لديهم وسلبية على المجتمع. ويشير الدكتور مدكور إلى أن الشائعات تستغلّ ما يسمى بـ”مفتاح الشخصية” وهو الوتر الحساس أو الاحتياجات التي هي نقطة ضعف الأشخاص. وتعبير “شائعة” يعني رسالة سريعة الانتقال الهدف منها إحداث بلبلة أو فوضى لتحقيق أهداف في غالبها تكون هدامة؛ لأنها تلعب على وتر احتياجات الناس في محاولة لإحداث التأثير الإيجابي لمروجيها خاصة في أوقات الأزمات.

ويوضح الدكتور سيد عبدالباري مدير المراكز الثقافية بوزراة الأوقاف المصرية: أن الشائعات أمر مناف لما جاء به الدين الإسلامي جملة وتفصيلا، لأن الدين يحرص على سلامة المجتمع من كل ما يصيب أفراده من أخلاق فاسدة أو عقائد باطلة أو سلوك سلبي، والشائعات حذر منها القرآن الكريم في كثير من آياته، كما السنة النبوية، حيث قال الله تعالي: “إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين”.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” فنبّه إلى اللسان قبل اليد لأنه من المعروف أن “جروحات السنام لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان”. ويضيف عبدالباري، أنه لو ترك المجال لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقت شاء لكانت هناك حالة من الريبة والشك لا تطاق معها الحياة ، وتمسي الأمة وتصبح وسمعتها ملوثة وأعراضها مجروحة وكل واحد لا يأمن على نفسه، لذلك حذّر الشرع من ذلك أشد التحذير وتوعد مروجي الشائعات. وأن من يسمع الشائعة لا يكون أول من أطلقها وإذا سمع بها فلا يعمل على ترويجها ونشرها بين الناس لئلا يكون أحد الكذابين الذين عناهم الحديث الشريف: "كفى بالمرء إثما أن يحدّث بكل ما سمع" ليكون في الدرجة العالية التي نوه بها الحديث الشريف: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”.

الشائعات السياسية في المجتمع السعودي

يتناول علم الاجتماع السياسي قضايا العصر الاقتصادية و الاجتماعية التي تتعلق بأفراد المجتمع و تتصل بأسلوب القيادة و السلطة في المجتمع, و لذلك نجد أن الأوضاع الاقتصادية و العسكرية و الاجتماعية والثقافية للمجتمع من الظواهر الاجتماعية السياسية التي يتطلب الباحث في علم الاجتماع العناية بها, و خاصة ما يتصل بموقف الأفراد منها, و التي يتطلب التعبير عنها موضوعية و واقعية, أو يتم التعبير عنها بشكل لهو وغواية تعرف "بالإشاعة", تكون عادة استجابة رافضة, لقناعة الأفراد بأن سياسة المجتمع عاجزة عن تحقيق ما يتطلعون إليه, من أهداف اقتصادية و اجتماعية وثقافية ... إلخ, و ربما تصدر الإشاعة و تنبت من مصادر عدائية داخلية أو خارجية أو تيارات معادية, و هي من وجهة نظر اجتماعية: "أخبار مشكوك في صحتها و يتعذر التحقق من أصلها, و هي تنتقل عادة بين الجمهور بالكلمة الشفهية دون أن يتطلب ذلك أي برهان أو دليل على حقيقتها" و قد توصلت بعد الدراسات المتخصصة في هذا المجال (فؤاد علام, غير مؤرخ: 45) إلى بعض الخصائص المميزة للشائعة و هي كما يأتي: تدور أحداثها حول موضوع معين أو قضية معينة, و لهذا السبب عادة ما تكون ذات أهمية وقتية تتلاشى بانتهاء هذا الموضوع. أن الشائعة تتضمن شيئًا من الحقيقة. أن أداة النقل عادة ما تكون بالكلمة المنطوقة, إلا أن هناك بعض الوسائل كالمنشورات و وسائل الإعلام المسموعة و المقروءة و المرئية. أن الشائعة تنتشر في غيبة المعايير الأكيدة للصدق, و هذا هو ما يفرق بين الإشاعة والخبر أو بين الإشاعة و المعلومة.

و تسري الشائعة بين الأفراد و الجماعات في جميع المجتمعات الإنسانية, وعلى مختلف الأزمنة و مختلف الأمكنة, و في أوقات السلم و الحرب, و في زمن الرخاء الاقتصادي و الكساد الاقتصادي. و المجتمع السعودي شأنه شأن باقي المجتمعات في العالم فيه من الشائعات المغرضة التي تتنوع بالأهداف و المضمون, و سرعة الانتشار, و تختلف بالمصدر. و قد حاولت الدراسات السعودية تفسير هذه الظاهرة و رصدها من خلال رؤية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات و القادة العسكريين بالمجتمع السعودي لهذه الظاهرة, و تبين أن معظم الشائعات التي تتداول بين الأفراد في المجتمع مصدرها خارج البلاد (62.9%) و أن (27.1%) فقط من الشائعات مصدرها من داخل المجتمع, و أن هذه الشائعة ذات الطابع الاقتصادي سريعة الانتشار بين فئات المجتمع بمعدل (71%) يليها الشائعة المتلبسة بمغزى سياسي أو ديني, فيصل سرعة الانتشار إلى معدل (62.9%) لكل منها, ثم يتوسط معدل الانتشار للشائعات العسكرية ليصل إلى (48.4%) بينما يقل ويضعف انتشار الشائعة الاجتماعية إلى معدل (25.8%) في المجتمع, و تبين أن الشائعات السياسية أكثر انتشار بين سكان المدن العربية السعودية, بينما تكثر الشائعات الاجتماعية بين سكان القرى و الأرياف, و أن الطلاب أكثر الفئات في المجتمع اهتمامًا بالشائعات الدينية و الاجتماعية و أن العسكريين يكثر اهتمامهم فقط بالشائعات التي ترتبط بنواح عسكرية, و ثبت أن أنواع الشائعات في المجتمع السعودي ترتبط في كثير من الأحيان بمواسم معينة و أهمها موسم الحج و عند صدور الميزانية و في شهر رمضان المبارك و أثناء العطلة الصيفية و بداية كل عام دراسي, و هي تتنوع أيضًا حسب الظروف التي سبقت ظهورها (فهد المعيذر: 1416) و يبدو من خصائص وسمات الشائعة في المجتمع السعودي أنها ظاهرة اجتماعية عامة عند جميع فئات المجتمع, و على الجهات التنظيمية المعنية العمل على تنظيم أخبار صحيحة ومستمرة للناس عن طريق وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية, فتنعدم الشائعات مع وجود الخبر الصادق والصحيح, كما أن غرس القيم الدينية و الخلقية و المبادئ و المثل العليا في نفوس أفراد المجتمع وتنمية الثقة بالنفس تجعل الإشاعة مهارة يحترفها من يتصف بالفسق و من ينشرها يساعد الفاسق في فسقه. و قد أوضح المنهج الرباني سبيل مكافحة الإشاعة مصدرًا و نشرًا . . . في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " (الحجرات: 6) (إبراهيم الجوير: 1416:55)

المراجع

[1] [2] [3] [4] [5]

  1. ^ فهد المعيذر: ظاهرة الشائعة في المجتمع السعودي (دراسة تطبيقية) بحث لم ينشر, مركز البحوث الأمنية, المديرية العامة لكلية الملك فهد الأمنية والمعاهد, 1416 هـ.
  2. ^ إبراهيم الجوير: الشائعات و وظيفة المؤسسات الاجتماعية في مواجهتها, الرياض, العبيكان, 1416 هـ.
  3. ^ محمد السيف: المدخل إلى دراسة المجتمع السعودي. الرياض, الخريجي (ط3), 1431 هـ.
  4. ^ د. مهران ماهر عثمان: الشائعات وخطرها، الرياض، صيد الفوائد، http://www.saaid.net/Doat/mehran/79.htm.
  5. ^ العربسوسن ماهر: الشائعات.. حرب نفسية ضد المجتمع، القاهرة، صحيفة العرب، 2014.