الأصل التاريخي للزمالك والأهلي في كتاب "تاريخ الجبرتي"

حول المؤلف

مساهمات حديثة أخرى

اجعل هذه الصفحة أفضل بتحريرها.
Taghreedكاتوبجي

يعتبر المصريون من أكثر الشعوب العربية عشقا لكرة القدم، لاسيما أنهم كانوا سباقين في تأسيس الأندية العربية، ففي قائمة أقدم 10 أندية عربية التي يتصدرها نادي شباب قسنطينة الجزائري الذي تأسس عام 1989، تحوز مصر على نصيب الأسد من هذه القائمة، حيث نجد 6 أندية مصرية بالقائمة هي: السكة الحديد، تأسس سنة 1903- الأوليمبي، تأسس سنة 1905- الأهلي، تأسس سنة 1907- الزمالك، تأسس سنة 1911- الاتحاد السكندري، تأسس سنة 1914- المصري، تأسس سنة 1920.

ورغم تقدم مستوى الكرة في الدول العربية مؤخرا، بشكل بات يقارب مستوى الكرة المصري بل ويتخطاه أحيانا، لاسيما الدوريات السعودية والتونسية والجزائرية التي تفوقت على الدوري المصري في ترتيب الدوريات العربية سنة 2016 حسب الاتحاد الدولي للتأريخ و الإحصاء "IFFHS"، إلا أن ديربي الأهلي والزمالك أو كلاسيكو الزمالك والأهلي هو أقوى الديربيات العربية قاطبة.

شعبية قادت إلى تحزب

بغض النظر عن مستوي كرة القدم في مباريات القمة والمنتج النهائي للعبة في مصر وكل الانتقادات التي توجه للاعب وللعبة وللناديين وبغض النظر عن مشكلة السلوك وغياب الروح الرياضية لابد أن يعرف الجميع أن الأهلي والزمالك قيمة كبيرة وتاريخ مهم في الكرة المصرية والعربية‏، لكننا أترك مقولة رائعة قالها محمد بن جالون مؤسس نادي الوداد المغربي منذ سنوات طويلة لتجسد مدي أهمية الناديين وهي‏:'‏ كانت لقاءات الأهلي والزمالك بالنسبة لنا منشورا وطنيا يبث فينا روح العروبة التي حاول الاستعمار الفرنسي قتلها بالضبط كما كانت أم كلثوم هي الوسيلة الوحيدة التي كنا نعلم أولادنا منها النطق الصحيح لكلمات اللغة العربية بعدما فرض علينا المستعمر نسيانها‏!'‏

وقال الكاتب اللبناني سليم اللوزي مؤسس مجلة الحوادث‏:'‏ إن الأهلي والزمالك هما الحزبان الوحيدان في الوطن العربي‏'‏ وفي يوم من الأيام كتب الأديب الدكتور حسين فوزي الذي اشتهر بلقب السندباد المصري في الأهرام‏:'‏ إن جمهور الكرة عموما ظاهرة اجتماعية وإن موت الأحزاب عندنا وحاجة الناس إلي شيء يتحزبون له وراء ظاهرة كرة القدم في مصر‏'!‏

هذا كله يرد علي السؤال‏:‏ هل تستحق مباراة الأهلي والزمالك كل هذا الاهتمام‏!‏

علم النفس يقول:

منذ قرابة الـ‏30‏ سنة لفت أنظار علماء النفس والاجتماع سلوك جماهير الكرة وأعصاب جماهير الكرة‏.‏ وقد توصل علماء النفس في مصر عام‏1970‏ الي أن كرة القدم متنفس حقيقي لمشاعر الناس وانفعالاتهم‏.‏ وهذا المتنفس قد يأخذ صورة حية وقد يأخذ العكس‏!‏ ووصف الدكتور يحيي الرخاوي تشجيع الناس للكرة بأنه كالتعبير عن الانتماء ومظهر له فالانسان لابد ان ينتمي الي أشياء معينة احيانا بارادته واحيانا اخري رغما عنه فهو ينتمي الي اسرة ثم مدرسة ثم عمل ثم اسرة جديدة وهو منتم الي وطن والي نقابة والي ناد‏.‏ وجمهور الكرة يشعر بدافع الانتماء ويجد مجالا في تشجيع ناد معين والتحمس له وعندما يختلط بناديه ومشجعيه ويصبح ممثلا له متقمصا لشخصيته يفرح بانتصاره لانه يشعر بأنه انتصار له هو في النهاية‏.‏

دارت دورة الفلك‏!‏

السبب الأول للشعبية القوية والنجوم ثم البطولات فالبطل يجذب الجماهير وهو ماحدث للفريقين قبل بدء الدوري في البطولات المحلية المختلفة ولكن أول لقاء بين الفريقين كان وديا وذلك يوم‏9‏ فبراير عام‏1917‏ وفاز الأهلي‏1/‏ صفر‏.‏ وفي‏2‏ مارس من العام نفسه لعب الفريقان مباراة علي أرض الأهلي بالجزيرة وفاز الزمالك‏1/‏ صفر‏.‏

كانت المباريات الساخنة بين الفريقين من أسباب ترسيخ القطبية التي بدأت في الواقع عام‏1914‏ بسبب نجم النجوم حسين حجازي‏..‏ وكان عندما ينتقل من الزمالك الي الأهلي أو من الأهلي إلي الزمالك يقول محرر صفحة الرياضة في جريدة الأهرام‏:'‏ دارت دورة الفلك‏'.‏ وقد كان الانتقال من اسباب غرس جذور المنافسة ونبتة الغرماء بين الاهلي والزمالك فكلاهما كان قد بدأ يكون الشعبية والجماهيرية وكان انتقال حجازي بين الناديين سببا مباشرا في غرس مشاعر الغضب والضيق لدي الجمهور الذي كان يحبه ويشجعه وفي عام‏1928‏ عاد حسين حجازي إلى الزمالك غاضبا من الأهلي الذي أوقفه بسبب واقعة عدم تسلم لاعبي الفريق لميداليات المركز الثاني من الفريق صادق باشا يحيي كبير الياوران و مندوب الملك بعد هزيمة الاهلي في نهائي الكأس أمام الترسانة‏.‏

أصل تحزب المصريين بين الأبيض والأحمر

تحزب المصريين بين الأبيض والأحمر أمر قديم، لم يكن وليد شعبية الزمالك والأهلي، وهو ما يتضح جليا في كتاب "تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار" المعروف بكتاب "تاريخ الجبرتي".

يقول الجبرتي في كتابه إنه في أثناء الدولة العثمانية ونوابهم وامرائهم المصرية ظهر في عسكر مصر سنة جاهلية وبدعة شيطانية زرعت فيهم النفاق واسست فيما بينهم الشقاق ووافقوا فيها أهل الحرف اللئام في قولهم سعد وحرام وهو أن الجند بأجمعهم اقتسموا قسمين واحتزبوا بأسرهم حزبين فرقة يقال لها فقارية واخرى تدعى قاسمية ولذلك اصل مذكور وفي بعض سير المتأخرين مسطور لا بأس بايراده في المسامرة تتميما للغرض في مناسبة المذاكرة.

ويحكي الجبرتي عن الأصل قائلا بإن السلطان سليم شاه لما بلغ من ملك الديار المصرية مناه وقتل من قتل من الجراكسة وسامهم في سوق المواكسة قال يوما لبعض جلسائه وخاصته وأصدقائه: يا هل ترى هل بقي أحد من الجراكسة نراه وسؤال من جنس ذلك ومعناه. فقال له: خيربك نعم أيها الملك العظيم هنا رجل قديم يسمى سودون الأمير طاعن في السن كبير رزقه الله تعالى بولدين شهمين بطلين لا يضاهيهما أحد في الميدان ولا يناظرهما فارس من الفرسان. فلما حصلت هذه القضية تنحى عن المفارشة بالكلية وحبس ولديه بالدار وسد ابوابه بالأحجار وخالف العادة واعتكف على العبادة. وهو إلى الآن مستمر على حالته مقيم في بيته وراحته. فقال السلطان هذا والله رجل عاقل خبير كامل ينبغي لنا أن نذهب لزيارته ونقتبس من بركته واشارته قوموا بنا جملة نذهب إليه على غفلة لكي اتحقق المقال واشاهده على أي حالة هو من الأحوال.

ويضيف الجبرتي: "ثم أحضر ولديه المشار اليهما وأخرجهما من محبسهما فنظر اليهما السلطان فرأى فيهما مخايل الفرسان الشجعان وخاطبهما فأجاباه بعبارة رقيقة والفاظ رشيقة ولم يخطئا في كل ما سألهما فيه ولم يتعديا في الجواب فضل التشبيه والتنبيه. وأصبح ثاني يوم ركب السلطان مع القوم وخرج إلى الخلا بجمع من الملا وجلس ببعض القصور ونبه على جميع اصناف العساكر بالحضور فلم يتأخر منهم أمير ولا كبير ولا صغير فطلب الأمير سودون وولديه فحضروا بين يديه فقال لهم: أتدرون لم طلبتكم وفي هذا المكان جمعتكم. فقالوا لا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب فقال أريد أن يركب قاسم واخوه ذو الفقار ويترامحا ويتسابقا بالخيل في هذا النهار. فامتثلا أمره المطاع لأنهما صارا من الجند والاتباع فنزلا وركبا ورمحا ولعبا واظهرا من أنواع الفروسية الفنون حتى شخصت فيهما العيون وتعجب منهما."

ويستطرد الجبرتي: "ثم أشار اليهما فنزلا عن فرسيهما وصعدا إلى أعلى المكان فخلع عليهما السلطان وقلدهما إمارتان ونوه بذكرهما بين الاقران وتقيدا بالركاب ولازما في الذهاب والإياب. ثم خرج في اليوم الثاني وحضر الأمراء والعسكر المتواني فامرهم أن ينقسموا باجمعهم قسمين وينحازوا باسرهم فريقين قسم يكون رئيسهم ذا الفقار والثاني أخوه قاسم الكرار. واضاف إلى ذي الفقار أكثر فرسان العثمانيين وإلى قاسم أكثر الشجعان المصريين، وميز الفقارية بلبس الأبيض من الثياب وأمر القاسمية أن يتميزوا بالأحمر في الملبس والركاب."

ويتابع الجبرتي: "وأمرهم أن يركبوا في الميدان على هيئة المتحاربين وصورة المتنابذين المتخاصمين فاذعنوا بالانقياد وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وساقوا في الفجاج وأثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الأصوات وكثرت الصيحات وزادت الهيازع وكثرت الزعازع وكاد الخرق يتسع على الراقع وقرب أن يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال".

وأوضح الجبرتي أنه "من ذلك اليوم افترق أمراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذه الملعبة حزبين. واستمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقبلون فيه حتى أواني المتناولات والمأكولات والمشروبات".

الفقارية والقاسمية.. الزمالك والأهلي

صحيح أنه لاعلاقة تاريخية مباشرة أو حتى غير مباشرة بين الفقارية والزمالك، أو القاسمية والأهلي، لكن الملفت في الأمر أن التحزب كان أيضا حول اللونين الأبيض والأحمر، الأبيض لون الفقارية والزمالك، والأحمر لون القاسمية والأهلي، فهل يمكن الربط بين تحزب المصريين قديما حول لونين، وتحزبهم حديثا حول ذات اللونين؟ وهل تكرار التحزب من باب تكرار الأحداث المعروف في التاريخ؟ كما يقول العلامة عبدالرحمن بن خلدون: "في التاريخ لا توجد أحداث جديدة، يختلف المكان والزمان والأشخاص والحدث هو الحدث".

وإذا تحدثنا عن تكرار التاريخ، سنجد أن الأقرب للصواب مقولة كارل ماركس: "التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة." ففي المرة الأولى من التحزب انتهى الأمر بمأساة، فوفقا للجبرتي فإن التحزب: "صار فيهم قاعدة لا يتطرقها اختلال ولا يمكن الانحراف عنها بحال من الأحوال ولم يزل الأمر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسم ونما واهريقت فيه الدماء" وفي المرة الثانية يجوز ان نصف الأمر بالمهزلة، في ظل التحزب والتعصب الشديد بين جماهير الفريقين لكل لون، في مقابل لامبالاة شديدة لحالة الانهيار التام المتفشية في كافة مناحي الحياة في مصر.


المصادر