يوميات الغزو الإيطالي لليبيا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

معارك المنطقة الغربية

معارك طرابلس

معارك الجبل الغربي

حرب الزنتان والبربر

وقعت بين الزنتان والرجبان من ناحية ، وجماعة البربر من ناحية ، حروب طاحنة فقدت فيها ليبيا من ابنائها ما لا يعلم عدده إلا الله .

وقبل هذه الفتنة كان الجائحة كان البربر في مقدمة المجاهدين المخلصين ، وكانوا مع العرب في وفاق تام . ولكن تنازع الرؤساء من الطرفين على السلطة هو الذي أثار هذه العنصرية البغيضة التي رمت بالوطن كله في أحضان الطليان . وقعت الحرب الاوالى بينهم سنة 1916 وخلفت من الضغائن بين الفريقين ما كان سبب من أكبر الاسباب في الحرب الثانية التي دارت رحاها في سنتي 1920 و 1921 .

وكان لرؤساء الفريقين سبب مباشر في هذه الحرب وتلك . ولهما أسباب ومقدمات ملتوية ومتداخلة ، تتصل بالطليان تارة ، وبغيرها أخرى . وقد يقتضينا ذكر هذه الاسباب الملتوية المتداخلة التعرض إلى أشياء لم يحن وقت التعرض إليها بعد .

والاحتفاظ ببعض الحقائق إلى أجل قد تدعو إليه ظروف تحتم على الانسان مراعاة شعور مواطنيه وخواطرهم ، لذلك رأيت ان اقتصر على ما لا بد منه ، وأترك ما وراء ذلك إلى المستقبل وكنت أريد ان اذكر بعضها في هذه ولكني رايت في التاجيل خيرا فاجلت .

وللتاريخ مناسبات تحد من نشاطه في ذكر الحقائق ، كما لغيره من امور الحياة الاخرى .

كان من نتيجة الحرب الاولى سنة 1916 ان جلا البربر عن اوطانهم من جبل نفوسة ، وأقاموا في زوارة وما حولها من البلاد الساحلية ، وقد طالت بهم الهجرة وألحت عليهم الحاجة ، فلم يجدو بدا من العودة إلى اوطانهم ، فسعوا بكل وسيلة حتى تم لهم ذلك فيما بين شهري نوفمبر وديسمبر سنة 1919 .

ولم يرق هذا الرجوع محمد فكيني و علي الشنطة خوفا من ان يتحرش بهم البربر مرة أخرى وتنشب بينهم حرب اخرى وتنشب بينهم حرب ثانية . ولكن هذا لا يبرر ان يترك البربر اوطانهم .

وبقى البربر في عزلة عن الزنتان ، وقابل الزنتان هذه العزلة بمثلها . وسعى الطليان للإتصال بكل من الفريقين لإغرائه بصاحبه .

خليفة بن عسكر

ومما كان يعترض مصالح الطليان في إثارة هذه الفتنة خروج خليفة بن عسكر عن طاعتهم وكان يحقد على الايطاليين حقدا لا حد له ووقف امامهم عدة مواقف عدائية :

فحرض عليهم أهالي لالوت (نالوت) سنة 1914 ومنع الأورطة الايطالية من دخول نالوت التي كانت ذاهبة إليها لأجل المحافظة على الحدود ، ومنعهم من اقامة نقطة عسكرية في ( بو الشول ) . وكانت فرقة من الهجانة ذاهبة إلى غدامس فمنعها من الذهاب اليها . وفي سنة 1920 طرد ضابط الاتصال الذي كان في نالوت هو ومن معه ، واستولى على كل ما لديه من امتعة الحكومة ، كل هذا محفوظ لخليفة بن عسكر لدى الطليان . وأنه مستعد لعمل أكثر من هذا ، ولكنهم يودون ان ينضم اليهم بأي ثمن لأنه ما دامت العداوة قائمة بينه وبينهم فلا يمكن ان يصلو إلى ما يؤملونه من اثارة الفتنة بين الزنتان والبربر .

وقد استاء الطليان من أعماله فأرسلوا اليه في اوائل سنة 1920 ليكف عن مناوأتهم فوعد بذلك سياسة منه لتسكين غضبهم ، و أبي ان يستسلم لهم .

واستغل محمد فكيني عضويته في حكومة القطر الطرابلسي ، فتدخل في فصل المراكز الجبلية بعضها عن بعض فلم يرق هذا التدخل خليفة بن عسكر واعتبره الباروني أعيان البربر تدخل في شؤونهم الخاصة . ولعبت اصابع الطليان في توسيع الخرق ، وتمكنت ايدي الفتنة من الدخول فيه وتهيأت النفوس للشر .

وأعاد الطليان الكرة في وساطتهم لدى خليفة بن عسكر ، وقام بهذه الوساطة سليمان الباروني وقبلت الوساطة . اثناء فترة الهدنة بين الليبين والايطاليين ضمن حكومة الاصلاح خلال الحرب العالمية الاولى وكان الباروني في مقدمة رؤساء المجاهدين في طرابلس .

ابتدأ الباروني باشا وساطته في يونيو سنة 1920 وجاء مع ابن عسكر إلى طرابلس في يوليو سنة 1920 . ورحب الطليان بمقدمه ، و أصدرت الحكومة عفوا عنه ورجع إلى نالوت .

وبمقتضى هذا التغيير في سياسة ابن عسكر تغير الموقف فيما يتعلق بحرب الزنتان والبربر ، وسيتغير مجرى الحديث عنه تبعا لما يظهر على أعماله من أثار هذه السياسة الجديدة . ويظهر أن موت رمضان بك السويحلي كان من العوامل التي فتحت طريق اليأس إلى نفس خليفة بن عسكر لأنه كان يعتز به وينتصر له ، وكان وجوده يبعد عن نفسه شبح الحرب بين الزنتان و البربر . ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إنه كان يمثل رمضان في جميع مظاهر السياسة الوطنية ، والرجولة الكاملة .

بدء المناوشات

رجع ابن عسكر بعد مقابلة الطليان إلى نالوت ووقعت مناوشات بينه وبين أبى الأحباس ، وبما ان الأحباس كان منحازا في سياسته إلى الزنتان و الرجبان أرادو ان يحولوا بينه وبين ابن عسكر وانتصروا له ، وجاء حسن فكيني في خيله إلى الحرابة انتصارا لأبي الأحباس واصطدمت خيله بخيل ابن عسكر . وكانت اول معركة في الحرب الاخيرة بين العرب والبربر فتح فيها باب الشر على مصراعيه ، وهزم حسن فكيني وأخد بعض اصحابه اسرى .

وحاول الزنتان أن يوقفوا الامر عند الحد ، فارسلوا وفدا لابن عسكر من خمسة عشر فارسا ، منهم : شايب عينه البوسيفي ، وعمر المحروق الزنتاني ، ومسعود العايب ، وخاطبوه في رد الأسرى ، وكانو يعتقدون انه لا يرد وساطتهم لأنهم لم يشاركو في الحرب التي قام بها حسن فكيني ، فامتنع ، فرجعوا منه غضاباً .

وقد أخطأ ابن عسكر في انتهاز هذه الفرصة لوقف الحرب ، لأنه كان في امكان الزنتان أن يؤثروا على الرجبان في وقف الحرب ، وقد تأثروا برد وساطتهم فانضموا إلى الرجبان ووقعت معارك طاحنة ، واحتل البربر تاردية بلد الرجبان وأحرقوها يوم 23 سبتمبر سنة 1920 وقتل في معركتها حسن فكيني ، وغلب الرجبان والزنتان وارتحلوا إلى رأس الحصان (مكان جنوبي السيح بنحو ستين كيلومترا ) وارتد ابن عسكر وخيله إلى فساطو ( جادو).

وفي أوساط ابريل سنة 1921 اصطدم الزنتان و البربر في السيح (مكان سهل بين الرجبان وفساطو ) وكانت معركة صبر فيها الفريقان على الموت ، وفقد فيها الوطن من أبنائه نحو 620 قتيلا . والتجأ البربر إلى فساطو . واتصل الزنتان والرجبان ببلادهم تارديه و تاغرمين وفي أوائل يونيو 1921 اتصل ابن عسكر بالباشا الباروني فييفرن .

وبعد معركة السيح تغير الموقف ونشط الزنتان والرجبان ، وأحس البربر بهذا النشاط فأعدو له عدته .

وفي أكتوبر سنة 1921 هاجم الزنتان والرجبان البربر في يفرن ، وأجلو عنها ابن عسكر و والباشا الباروني إلى فساطو فلحقو بهم هناك وأجلوهم عنها في حالة ما سمع بها إنسان إلا جرحت عواطفه ، وكان محل الغرابة منها كيف يقسو الإنسان على جاره و مواطنه بهذه القسوة ، وحل بفساطو ما حل بتاردية من حرق وتخريب ونهب وسلب .

وفي 13 أكتوبر وصل إلى الوطية نساء البربر وأطفالهم والعاجزون عن الحرب منهم . والتجأ ابن عسكر ومن معه إلى نالوت ، وجعل كاباو مركز قيادته ، ووقف النشاط الحربي إلى أوائل ديسمبر سنة 1921 واستعد كل من الطرفين لصاحبه . وفي اليوم السابع منه التقى الفريقان ، وحاول ابن عسكر أن يحتفظ بمضيق فرسطة فاضطر إلى التخلي عنه ، وارتحل إلى الحضارة في سيف الجبل الشمالي . والتحق من بقى من بقى من نساء البربر واطفالهم ، فيما وراء فرسطة إلى نالوت ، بإخوانهم في الوطية . وأصبح الجبل – من يفرن إلى نالوت – خاليا إلا من أصوات البوم وعواء الذئاب ، إلا من حمحمة الخيل الغازية ، وطلقات الرصاص المتتالية تجول فيه خيل الزنتان والرجبان وتصول ، واستحال ما كان فيه من أنس وحياة إلى وحشة وموت . وتناوحت الدور المتهدمة والخرائب الموحشة ، فلا تمر من شعبة إلا على أشلاء القلى ، ولا من طريق الا حواليك ضحايا الرصاص وأسلاب الحرب .

حرب تجرد فيها الإنسان من كل عاطفة وإحساس . واصبح لا قيمة عنده لحقوق الجوار ، ولا لأوامر الدين ، و لا للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، ولا لحرمات الحرائر وضعف الشيوخ والأطفال .

حرب اختلط فيها المظلوم بالظالم ، وتطاحن فيها الآباء مع الابناء و الاخ مع أخيه . لم تترك في الجبل بيتا إلا أنذرت ساكنيه بيتم البنات وثكل الأمهات ، ولا قرية إلا صاحت فيها بصوت غراب البين : هلموا إلى الرحيل فقد آن خراب الديار .

حرب تولى قيادتها رؤساء لم يكن لهم من الدين وازع ، ولا من الاخلاق رادع ، رؤساء أخلصت لهم الرعية فاستعملوها فيما يغضب الله ولا يرضي الانسان ، وساقوها إلى المجازر لتنحر ولا تدري لماذا تنحر ، واهتبلو طاعتها لأغراضهم بدون رحمة ولا شفقة ، فقست قلوبهم وكثيرا منهم فاسـقـون .

حرب ضاعت فيها نفوس بريئة على مذبح مطامع الرؤساء وشهواتهم ، وفقد فيها الوطن من شيوخ ابنائه وكهولهم ألوفا كانوا على استعداد للدفاع عنه يوم ينزل به البلاء ، ويحيط به الأعداء ، فما كان أغناه عن موتهم وأحوجهم للحياة له ، إذا سئلت تلك النفوس البريئة – يوم يقوم الناس لرب العالمين – بأي ذنب قتلت ؟ فسيكون جوابها : (( ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب )) .

البربر في الوطية

اجتمع من البربر في الوطية في ديسمبر 1921 بعد ام التحق بهم ابن عسكر ومن معه نحو 10000 بين نساء وأطفال ورجال .

وكانوا في حاجة إلى الاستقرار لينالوا قسطا من الراحة مما نالهم من عناء الجلاء ، ليتدبروا فيما يدفع غائلة الجوع عن انفسهم .

والى هذه الحالة انتهى البربر بعد ان تغلب عليهم الزنتان والرجبان وأخدوا اموالهم ، وقتلوا رجالهم ، واحرقوا قراهم من قبل ومكثوا نحو اربعة اشهر في راحة من الحرب .

وقد استغل الطليان منهم هذه الحال فعرضوا على بعضهم الانخراط في الجندية ، وتولى يوسف خربيش ذلك فاستجاب له بعضهم كما استجاب له كثير من غير البربر ، وشكل جيشا من المرتزقة برياسته كان الضربة القاتلة للوطن كله . ولقد اسرف الرجل في الانتقام لنفسه ولكن ممن لا يستحقون الانتقام وهم سكان السواحل . أما الزنتان والرجبان الذين تسببوا في اجلاء البربر عن اوطانهم فلم يلحق بهم أي ضرر .

القبض على ابن عسكر

لم ينس الطليان لابن عسكر تلك المواقف الوطنية التي كان يقفها منهم ، وتلك العداوة الصريحة التي كانت يصارحهم بها وينازلهم القتال من أجلها ، فعملوا من اول وهلة لإبعاده وعدم تمكينه مما يقوي سلطته ونفوذه .

ولم ينس ابن عسكر عداوة الطليان له وما انزلوه بوطنه من نكبات ، وهو يعتقد انهم لم ينسوا عداوته لهم ، فكل من ابن عسكر والطليان يقرأ في وجه صاحبه ما يقرؤه الثاني من عداوة وبغض . ومن اول وهلة تقدم ابن عسكر لجرازياني بطلب تشكيل جيش برياسته لاحتلال الجبل وإرجاع البربر إلى اوطانهم .

وقد ابدى هذه الرغبة إلى وولبي وبادوليو حينما جاءا إلى العسة ، فطلب منهم تأليف جيش برياسته ومبلغا كبيرا من المال . وقد احتال لتنفيد غرضه بأن أفهمهم ان الزنتان والرجبان ينوون الهجوم على الوطية ليسرع الطليان في اجابة مطالبه . ولكن الطليان اعتزمو القبض عليه لعدم اطمئنانهم له ، ولو علموا انه لا يستعمل مطالبه ضدهم لأجابوه اليها : فكانت طلباته تقابل بالتسويف والمراوغة اكتسابا للوقت إلى ان تحين الفرصة المناسبة للقبض عليه .

ولم يكن من اسهل القبض علي ابن عسكر علانية وبدون تحيل خوفا من غضب أنصاره له ، لأن ابن عسكر مازال مرموقا بتلك العين الوطنية المخلصة . ولهذه الاسباب صرح جرازياني بانه كان مضطرا إلى التحيل للقبض عليه . وكان من الحيل التي اتخدت لذلك ان قبض على كثيرا من الناس : من انصاره وغيرهم لأسباب مختلفة لتتجه الأنظار إلى هؤلاء المقبوض عليهم ، ويزيد ذلك من اطمئنان ابن عسكر وأنصاره .

وفي اواخر شهر مايو سنة 1922 تحركة جيوش جرازياني من زوارة إلى الوطية ، ومعها جماعة ابن عسكر . وقد صفت هذه الجيوش بما فيهم أنصار ابن عسكر للتفتيش عليها . ومسألة التفتيش معروفة عندما تريد الجيوش الحركة من مكان إلى اخر . ولو تمت حيلة التفتيش لتمكنو من القبض على ابن عسكر وأنصاره ، ولكنه لم يخف عليه وعلى اصحابه هذا التدبير ، ويقول جرازياني : (انهم كانوا مستعدين للطوارئ ) . ويقول أيضا : (ولم يكن هذا كافيا للقبض عليه خوفا من أنصاره لأنهم كانوا يطيعونه طاعة عمياء ، وقد يؤدي إلى تدمر جماعة البربر على العموم ) . واشتكى ابن عسكر من تصفيف رجاله بهذا الشكل فاحتال جرازياني بأن طلب التحدث إلى ابن عسكر وبعض رجاله ، ولما ذهبوا إلى محل القيادة لمقابلته كانت الأوامر أعطيت إلى الجيش بالقبض على انصاره ، كما اتخدت التدابير للقبض عليه وعلى من معه داخل القيادة ، ونفذت الخطة ونجحت الحيلة .

ويقول جرازياني في كتابه ( نحو الفزان ) : (وكنت مع خليفة بن عسكر في مقصورة منفردين .وفي هذه الأثناء كان يقبض على أنصاره الواحد تلو الاخر ، ومن الصدف أن وقع سقف الحجرة التي كنت فيها أنا وابن عسكر علينا . فلما خرج من الحجرة قبض عليه ووضع الحديد في يديه )

وفي يوم القبض عليه قبض على جميع أفراد أسرته ونزع السلاح من اتباعه .

وبعد القبض على بن عسكر امن الطليان جانب أكبر عدو لهم كانوا يرهبون جانبه ويخشون سطوته . تمت محاكمته في يونيو سنة 1922 م . وحكم عليه بالإعدام شنقا ، ويعلم الله ياسيد خليفة وكل مواطنيك أنك وطني مخلص ، وانك بطل ، فاهنأ بلقاء ربك شهيدا ، راضيا مرضيا عنك .

وقد اثبتت الحوادث أن ابن عسكر بعد انتمائه إلى الطليان لم تتغير نواياه من قبضتهم . وكان يعتبرهم ألد اعداء الوطن ، فكان يعمل لما يخلصه ويخلص أنصاره من قبضتهم . كما أن الطليان لم يروا في انتمائه إليهم ما يستحق الاطمئنان إليه ، فكانوا يعاملونه بكل حذر ، وقال جرازياني في حقه : ( يجب معاملته بحذر كعدو ) وقد عملوا للقضاء عليه وعلى انصاره من اول وهلة .

وبفقده فقد الوطن رجلا من ابرز رجالات الوطن إخلاصا وشجاعة . شكر الله له وجزاه أحسن الجزاء . وبعد انتهاء هذه الرواية المحزنة اتجهت جيوش الطليان إلى الجوش على طريق الهبيلية لاحتلال الجبل .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يوسف خربيش

كان من أعيان البربر الذين انحازوا إلى الوطية بعد أن أجلاهم الزنتان من الجبل .

ولم يجد سبيلا للأخذ بالثأر من الزنتان إلا الانضمام إلى الطليان ، فانضم إليهم وقاد جيوشهم وفتح لهم الامصار والقرى ، وفي أحد عشر شهرا أوصلهم إلى غاية حاربوا من أجلها اثنتي عشرة سنة فلم يفلحوا ، وهي استيلاؤهم على طرابلس من زوارة إلى ما وراء مصراته ( ابتدأ زحفه من زوارة على الزاوية في ابريل سنة 1922 واحتل مصراته في 26 فبراير سنة 1923 ) . وقد أباح لجيشه أموال الناس ، فما وقعت أيديهم على شيء إلى واخدته ، ولا تركت شيء إلى امتدت إليه ، حتى اصبح أغنى رجل في طرابلس ، وحصل على أكبر وسام إيطالي يحمله غير الإيطاليين .

احتلال الجبل

وأول ما فكر فيه الطليان بعد القبض على خليفة بن عسكر احتلال الجبل ليؤمنوا رجوع البربر إلى اوطانهم .

فألفوا جيوشا اربعة ، برياسة : جرازياني ، وبتسيري ، وفلينو ، وبلي ، يتألف من مجموعها ثمانية آلاف جندي بين فرسان ومشات ، وعشرة مدافع ، وقد عهد لجرازياني باحتلال الجوش . وكان معه ثلاثة آلاف مقاتل . وثلاثمائة فارس ومدفعان . وعهد إلى الجيوش الأخرى أن تسنده من الجهة الشرقية لتشغل المجاهدين في غريان من ناحية العزيزية ، وفي يفرن من ناحية بئر الغنم خوفا من إرسال نجدة إلى الجهة الغربية ، لأن العرب في ذلك الوقت كانوا مستولين على الجبل كله : من غريان إلى نالوت .

ابتداء الأعمال الحربية

تحرك جيش جرازياني في 2 يونيو 1922 من زوارة قاصدا الجوش . ولما مر بآبار غدو والحمراء لم يجد فيها من الماء ما يكفيه فمات كثير منه بالعطش ، وقبل وصول الجيش إلى آبار الكردي اعترضته جماعة فكيني ، فناوشته دونها ولم يصل إليها وهو في أخر رمق ، ولم يمكنه مواصلة السير إلى الجوش بدون التعرض إلى خطر الزنتان والرجبان برياسة محمد فكيني .

وفي اليوم الثالث أرسل الطليان كشافة وقع أكثر رجالها في أيدي العرب وبقى العرب يحاصرون الطليان على آبار الكردي نحو عشرة أيام . وكانت الطائرات ترميهم بالقنابل صباحا ومساء حتى جاءوا بقسم من الهجانة من رقدالين ، وفي ليلة 12 يونيو جاءتهم نجدة في سواني الكردي فتمكنوا من فك الحصار وساروا إلى الجوش من طريق عين الجديدة . وبقى الجيش الإيطالي في طريقه من زوارة إلى الجوش 12 يوما منها نحو عشرة ايام من الحصار .

القتال في الجوش

وصلت جيوش الطليان إلى الجوش يوم 12 يونيه سنة 1922 وكان فيه جماعة من الزنتان والرجبان والحرابة والصيعان . وكانت الطائرات تمطرهم بقنابلها بدون انقطاع لأنها اتخدت لها مطار في سواني الكردي .

وبعد ثلاث معارك اضطر العرب إلى الانسحاب نحو شكشوك ، واحتل الطليان قصر الجوش في الساعة الواحدة بعد الظهر من يوم 12 منه بعد قتال شديد .

واعترف الطليان بأنهم أصيبو بخسائر كبيرة في الضباط والجنود . والتجأ العرب إلى الجبل قاصدين جادو .

وفي صبيحة يوم 14 منه خرجت قوة من الوطية متجهة إلى تيجي ثم منها كاباو واحتلتها يوم 16 منه . وفي يوم 18 منه هاجم خربيش السلامات واحتلها بعد معركة دامت من الصباح إلى الساعة الرابعة بعد الظهر.

وفي يوم 17 منه زحفت القوة التي احتلت كاباو إلى نالوت فاحتلتها في يوم 6 يولية 1922 وتقدم الطليان في زحفهم حتى تاردية وتاغرمين ( تاردية: بلد الرجبان وتاغرمين بلد الزنتان ، وهما متجاورتان ) فاحتلوهما . واضطر فكيني ومن معه إلى الالتجاء إلى الجنوب (القبلة) ونزلوا على بئر الكلاب وبئر علاق وسانية الجديد.

وعلى أثر معارك الجوش التجأ كثير من العرب إلى القبلة ( ما وراء جبل نفوسة إلى الجنوب يقال له القبلة) ، ولم يبق إلا قليل قاموا بمناوشات لتأخير تقدم القوات مؤقتا حتى يتمكنوا من النجاة .

وكانت جيوش الطليان تمتد من زوارة إلى الجوش على طريق الوطية والهبيلية والزرير .

الزحف على يفرن

استمر الزحف على يفرن من جادو يوم 28 أكتوبر سنة 1922 إلى يوم 31 منه . وفي يوم 29 وصلوا الرياينة وفي يوم 30 منه وصل خربيش ومن معه إلى الرومية واحتل يفرن يوم 31 منه .

احتلال غريان

اتخذ الطليان الأهبة لاحتلال غريان . وفي يوم 13 نوفمبر سنة 1922 صدرت الأوامر باحتلالها . واتخدت خطة للإطباق عليها من جميع الجهات . فتقدم جرازياني من يفرن إلى جنوب غريان وشرقيها لمنع المدد من ترهونة . وكان معه 3500 مسلح و 350 فارسا وأربع بطاريات ، وتقدم بللي من الغرب على طريق سفح الجبل ليحتل بوغيلان ، ومعه 600 مسلح و 100 فارس . وتقدم بتزاري ومعه 2200 مسلح ، 300 فارس من الغرب ، وخرجة قوة من العزيزية لتحتل (بوعرقوب) ، والسيح ، والجيلاني . و أطبقت هذه القوى الاربعة على غريان ، ونفذت كل واحدة خطتها فجلا المجاهدون عنها واحتلت يوم 17 نوفمبر سنة 1922

معارك المنطقة الشرقية

أحمد الشريف

عمر المختار

المصادر