معركة طبلبة

مخطط معركة طبلبة.

معركة طبلبة، وقعت في طبلبة، يوم 23 يناير 1952، أثناء الاحتلال الفرنسي لتونس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المعركة

طبلبة هي قرية ساحلية تمتد على أرض منبسطة تقع على مشارف سوسة شمالاً والمهدية جنوباً، وهي قرية فلاحية على مشارف البحر المتوسط تعرف منذ القدم بامتهان سكانها صيد السمك، إذ يمثل البحر مورد الرزق الرئيسي لسكانها.

أنهى الحبيب بورقيبة جولته يوم 2 يناير 1952 وذهب مجموعة من المناضلين لاستقباله في العوينة، وتوجهوا إلى بيته الصغير الموجود في رحبة الغنم (معقل الزعيم) وكانوا قرابة 15 شخصاً. وخلال هذا اللقاء قال لهم بورقيبة ما يلي: "في هذه الجولة، أزحت من أمامكم الشوك والحجر واتصلت بالدول الشقيقة والصديقة التي أكدت أنّ موقفها موال لتونس، ولكن هذا لا يكفي! أنا أبعدت الشوك والحجر وأنتم يجب أن ترموا بأنفسكم أمام المتريوز والمدفع والاّ إلّي مشيتلهم الكلّ باش يقولو هذا «بُلف» متاع بورقيبة».

اثر هذا اللقاء، عادت المجموعة إلى مدينة طبلبة وخططوا للقيام بعملية نوعية في مدينتهم، حيث فكروا بضرب الجنود الفرنسيين بالمولوتوف، لكنهم عدلوا عن ذلك معتبرين أن هذه الوسيلة لن تحقق شيئاً، وانتبهوا إلى أن البحارة كانوا يصطادون السمك باستخدام الديناميت (العصبان)، فقرروا طلب كمية منهم، لكن الصيادين رفضوا ذلك.[1]

صورة روضة الشهداء بطبلبة.

إلى أن جاء أحد البحار ليطلب من المقاتلين المال مقابل توفير كميات الديناميت المطلوبة، فأعطوه المال، وأحضر لهم 25 كيلو من المتفرقعات. وعندما علم البحارة (من الزرنية) بحصول المقاومين (من العيايشة) على الذخيرة، طلبوا المشاركة معهم في العملية. بعد ذلك بدأ التخطيط لزرع أصابع الديناميت فوق الأسطح في مكان ضيق من المدينة وتحديداً في شارع بجهة السفرة لا يمكن أن تمر منه سوىى عربتين بالكاد. وكانت التعليمات التي أعطيت تشدد على استهداف العسكريين الفرنسيين وتفادي المدنيين منهم.

عشية 23 يناير 1952 وفي حدود الساعة الثانية مساءً، انتشر نحو 150 مقاوماً ومن ورائهم كافة شباب البلدة ونسائها على امتداد كيلومتر من مدخل القرية من جهة المكنين إلى عمق البلدة. واتخذ الثوار أماكنهم في خطين متوازيين منتظرين رتلًا من عربات الجندرمة القادمين للقرية، وقد تمركز الثوار فوق الأسطح والمنازل والمستودعات وخلف "الطوابي" (أشجار التين الشوكي)، وقد شمل يومها الإضراب العام كافة مرافق القرية من دكاكين ومحلات تجارية ومدارس.[2]

تزوّد أبناء طبلبة بأسلحة تقليدية بسيطة من بنادق ومسدسات ورشاشات، غير أنهم استعملوا في معركتهم هذه ما يسمى بـ"العصبان".

وحول اختيار تاريخ العملية، يذكر الحبيب بالغالي، أحد المشاركين في العملية، وأمين الشئون المالية للمقاومين في طبلبة أنه لم يتم تحديد تاريخ بعينه، بل إنّ الظروف هي التي حكمت، «بلغنا أنّ هناك حركية كبيرة في تونس وأنّ جنودا فرنسيين سيصلون الى المدينة لإلقاء القبض على الوطنيين، ولم يخطر على بالهم إنّنا استعددنا للقيام بعمليّة نوعية هي من أهم ما عرفه مسار الاستقلال من محطات ضاريّة.. أن تضرب الجيش الفرنسي المحتل وهو من أعظم الجيوش، وحتى المخبرين فشلوا ولم يتيقظوا إلى أنّ شبابا قرر الصعود على السطوح للقيام بهذه العملية.. شيوخنا قالوا «قوموا بهذه العملية خارج البلاد، لكنّنا لم نوافقهم.. نسقنا وحدنا .. ما جانا حدّ»... يومها كنا «قادمين على الموت».. بورقيبة كان بمثابة «الرسول» وكان لازمنا نطيعوه».

ويقول الحبيب بالغالي إنّ الواقعة كانت دامية، فقد حامت الطائرات العسكرية فوق المدينة وتولى المناضلون رمي الشاحنات العسكرية التي توغلت في شوارع طبلبة بالقذائف النارية «العصبان» فكان ما كان من مواجهات أسفرت عن مقتل عدد من الجنود الفرنسيين واستشهاد 8 من أبناء طبلبة. وفي هذا السياق استحضر الحبيب بالغالي حالة الشهيد عامر بيوض ابن عبد السلام بيوض قائلا إنّه كان يشتغل بالماكينة، ولما علم بما سيقع غادر شغله، حمل معه سلاحا والتحق بالمقاومين بلا رجعة.


مشاركة نسائية

مراسلة من الإقامة العامة لفرنسا في تونس حول معركة طبلبة.

وبخصوص مشاركة النساء في معركة طبلبة، أفادنا الحبيب بالغالي أنّ النساء لم يشاركن مباشرة في التخطيط أو تنفيذ العملية، إنّما صعدن فوق السطوح لتشجيع المقاومين بالزغاريد وخرجت بعضهنّ إلى الشارع ومنهن الشهيدة آمنة براهم التي «افتكت» البندقية من يد أخيها واطلقت النار، فتلقت رصاصة قاتلة رصاصة أردتها شهيدة على عين المكان.. وتوقف الحبيب بالغالي على حالة أخرى وهي الشهيدة محبوبة سوسيّة التي أطلت من بيتها تزغرد وتشجع المقاومين عندما سمعت القنابل «هابطة» فتلقت هي الأخرى رصاصة قاتلة.. وقال الحبيب بالغالي لايمكن أن نسهو عن وضعية المرأة آنذاك فقد كنا في عام 52 ولا 2000.

لم يقتصر دور المرأة في معركة طبلبة على الإسناد فحسب بل كان يتصدر المعركة، هي معركة القرية وليست معركة الجبل فكانت المرأة تغذي الحماسة عند الرجال وتوفر السند اللوجستي قبل المعركة وتقدمت عند خطوط المواجهة الأولى فتعرضت مباشرة إلى رصاص العدو على غرار الشهيدتين آمنة ومحبوبة.

وقد نظم فيهما الشاعر جيلاني البدوي قصيدًا ناشدًا:

أماه حتى الثمالة روينا مرابعها في ذلك اليوم حتى استوصل الورم
يناير يا أماه يختال في شوارعنا ينساب في "السفرة" مثل الصبح ويبتسم
وآمنة ملاك تزغرد في حضنه في نخوة الأبطال لا زلّت بهم قدم
"صوالة" تلقاه محبوبة التي هبت ولم تصرخ "ألا أواه معتصم"

ولم تتوقف معاناة المرأة المقاومة في حدود يوم المعركة بل امتدت بعد ذلك عبر شن المستعمر الفرنسي حملة تنكيل ضارية في اليومين المواليين للمعركة، حينما اتخذ النساء رهينة لجبر أزواجهن وأبنائهن على الاعتراف، وترهيبهن باقتيادهن إلى المحتشدات لتسليط المزيد من الضغط النفسي عليهن وعلى أهاليهن.

الخسائر

أسفرت المعركة عن استشهاد 8 من أفراد المقاومة التونسية ومقتل عدد من الجنود الفرنسيين (إذاعة لندن تحدثت عن 8 قتلى وبعض الأطراف عن 70 قتيلاً لكن لا يمكن حصر عدد الضحايا بحكم التعتيم الذي فرضته فرنسا).

قائمة شهداء معركة طبلبة:

1- محبوبة سوسية

2- آمنة براهم

3- عامر بن عبد السلام بيوض

4- عثمان بن أحمد بالسويسية

5- عمر بيوض

6- محمد المستيري

7- أحمد التركي

8- شبيل بن محمد حسن نويرة


التبعات

مباشرة بعد أحداث طبلبة الدامية أي يوم 23 يناير 1952 اجتاح 1500 جندي فرنسي المدينة ثمّ وصل عددهم الى 5 آلاف جندي وكانت مهمتهم تمشيط المدينة وترويع المواطنين وزوجات المناضلين بهدف القبض على مخططي العملية والمشاركين فيها.


المصادر

  1. ^ "أخبار وطنية المناضل الحبيب بالغالي: هذه تفاصيل معركة طبلبة 23 جانفي 1952.. ولايمكن ان ننسى فضل هؤلاء". جمهورية. 2015-08-24. Retrieved 2020-01-25.
  2. ^ "معركة طبلبة 23 جانفي 1952.. حين وقع المحتلّ في كمائن القرية الثائرة". تونس ultra. 2019-01-23. Retrieved 2020-01-25.