مذاهب التفسير الإسلامي

غلاف كتاب مذاهب التفسير الإسلامي، تأليف إيگناس گولدتسيهر.

«مذاهب التفسير الإسلامي» هو عنوان الكتاب الصادر في عام 1920 بالألمانية وتُرجم إلى العربية في صيف 2014 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب للمستشرق المجري الأصل، يهودي الديانة إيگناس گولدتسيهر (1850- 1921) ونقله إلى العربية الدكتور عبد الحليم النجار. ارتحل گولدتسيهر إلى الشرق الأوسط وأمضى في سورية ومصر شهوراً عدة، من سبتمبر 1873 إلى أبريل 1874، وكان يعد هذه الفترة من أسعد أيام حياته، حيث تعلم العربية على يد شيوخ سورية ومنهم الشيخ طاهر الجزائري، ثم زار فلسطين، وفي القاهرة كان أول أوروبي يدرس في الأزهر وتعلم من شيوخه وكان تلميذاً للشيخ جمال الدين الأفغاني.

هو صاحب منهج استدلالي يعتمد كثيراً على البصيرة والوجدان يقبل على النصوص ويحاول التوفيق بينها وبين ما يوحي به ظاهر النص. ولم يحاول أن يتدخل في استخلاص رأي من النص بل يدع النص يقدم ما يريد ظاهره أن يقدم، ثم يجمع ما تقوله النصوص جميعاً، ويضم الواحد إلى الآخر لتعبر جميعاً عن المعنى الذي تريده. واستطاع أن يتجنب خطر الضيق والسطحية في المنهج العلمي بالمعنى الدقيق، وخطر الإفراط في السعة والتأويلات البعيدة الخيالية في المنهج الاستدلالي.

ويورد المترجم تعليق الدكتور عبدالرحمن بدوي على ما جاء في الكتاب بقوله: «يقدم لنا گولدتسيهر في الظاهر تاريخاً حيّاً لتفسير القرآن، بينما في الحقيقة يعرض لنا فيه مرآة صافية انطبعت فيها صورة واضحة للحياة الروحية طوال ثلاثة عشر قرناً عند ملايين الملايين من المسلمين». ويضم الكتاب ستة فصول يقدم كل فصل مرحلة من مراحل التفسير. فالفصل الأول يتناول تاريخ النص وما فيه من اختلاف في القراءات، والأسباب التي يرجع إليها في الخلافات، فيتحدث عن تفسير ابن عباس ومن تابعه من حيث الاقتصار على الشرح الحرفي الذي لا يكاد يتجاوز النحو ودلالة الألفاظ.

ويتعرض الفصل الثاني للتفسير بالمأثور، وفيه الحديث عن تجنب تفسير القرآن، والإسرائيليات في التفسير، والتفسير بالرأي، والحديث عن المفسرين مثل ابن عباس ومجاهد وعكرمة والطبري. وينتقل الفصل الثالث إلى الحديث عن التفسير في ضوء العقيدة، فيذكر مذهب أهل الرأي، مثل مذهب المعتزلة ومخالفيهم في تناول القرآن ومنهج الأشاعرة، والزمخشري وكتابه الكشاف والفخر الرازي وتفسيره. وفي هذه المرحلة أصبح تفسير القرآن أكثر تدقيقاً وأشد عمقاً، ودخلت فيه المسائل الكلامية والنزعات العقلية.

وينتقل في الفصل الرابع إلى التفسير في ضوء التصوف الإسلامي، فيبين التفسير من طريق التأويل والرمز، ويتعرض لرأي ابن عربي في العقيدة، وجماعة إخوان الصفا، وتعاليم الأفلاطونية الحديثة، والتفسير بما وراء المعنى الظاهر. أما الفصل الخامس فيتناول التفسير في ضوء الفرق الدينية فيذكر تفسير الشيعة والخوارج وغيرهم من غلاة الفرق المتطرفة وهو اتجاه يمعن في التأويل والرمزية. أما الفصل السادس فيستغرق الاتجاه العصري في تفسير القرآن، وهو اتجاه من نادى بأن باب الاجتهاد ما زال مفتوحاً مثل أمير علي الذي أبرز الجانب الحضاري للإسلام، ومحمد عبده الذي يرسخ الاتجاه العقلاني.

ويورد المترجم موقف گولدتسيهر من الإسلام في يومياته التي نشرت بعد وفاته بقوله: «كان تفكيري موجهاً كلية إلى الإسلام، وكانت مشاركتي الوجدانية تجذبني موضوعياً إليه، وأطلقت على فكرتي عن الوحدانية اسم «الإسلام»، ولم أكذب حين قلت إنني أعتقد في نبوة محمد، ويمكن أن تشهد نسختي للقرآن كيف أنني شديد الاهتمام بالإسلام».

وقد أثرى المكتبة العربية والإسلامية بمجموعة من الكتب منها:

  • الظاهريون... مذهبهم وتاريخهم،
  • دراسات إسلامية،
  • محاضرات عن الإسلام،
  • اتجاهات تفسير القرآن عند المسلمين.

واشتهر گولدتسيهر بأنه مؤسس الدراسات العلمية الإسلامية، وبتقديره التمدن العربي والشريعة الإسلامية، كما كان أعمق العارفين بعلم الحديث النبوي، وتناول في القسم الثاني من كتابه «دراسات محمدية» موضوع تطور الحديث تناولاً عميقاً، وراح بما له من علم عميق، واطلاع يفوق كل وصف يبحث التطور الداخلي والخارجي للحديث من كل النواحي، وكان يعتبر القسم الأعظم من الحديث بمثابة نتيجة تطور الإسلام الديني والتاريخي والاجتماعي في القرنين الأول والثاني الهجريين، فالحديث بالنسبة له لا يعد وثيقة لتاريخ الإسلام في عهده الأول، عهد طفولته، ولكنه أثر من آثار الجهود التي ظهرت في المجتمع الإسلامي في عصور المراحل الناضجة لتطور الإسلام.

وكان گولدتسيهر يعد نفسه مواطناً يهودياً، لكنه لم يهتم كثيراً بالصهيونية، على رغم أنه احتفظ بيهوديته طوال حياته، معتبراً ديانته مسألة شخصية لا تؤثر في تعلمه وثقافته، ومع ذلك أصبحت الدراسات اليهودية مدينة له، لتحديده الأساطير الميثولوجية في العهد القديم، وقد عقد دراسات مقارنة بين المأثورات الشعبية اليهودية والعربية، وصلة اليهود بحضارة العصور الوسطى. وعانى في أخريات حياته بسبب الحرب العالمية الأولى، وبسبب موت ربيبته، والحركة المناهضة لليهودية بعد سقوط الجمهورية المجرية السوڤيتية عام 1919 وتوفي گولدتسيهر عام 1921.