مدونة:محاولة لقراءة الفكر الاقتصاي لابن خلدون من خلال مقدمته

عبد الغني عبده
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال

محاولة لقراءة الفكر الاقتصاي لابن خلدون من خلال مقدمته ، إعداد: عبد الغني عبده عبد الغني.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أولاً: تعريف بابن خلدون

ولد "ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي" بتونس في غرة رمضان 732هـ الموافق 27 من مايو 1332م، ونشأ في بيت علم، فحفظ القرآن في وقت مبكر من طفولته، وكان أبوه هو معلمه الأول، كما درس على مشاهير علماء عصره، من علماء الأندلس الذين رحلوا إلى تونس بعدما ألم بها من الحوادث، فدرس القراءات وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي، والأصول والتوحيد، كما درس علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب، ودرس كذلك علوم المنطق والفلسفة والطبيعية والرياضيات. وقد قضى وباء الطاعون الذي انتشر عام 749هـ - 1348م في معظم أنحاء العالم على أبويه كما قضى على كثير من شيوخه، فاتجه إلى الوظائف العامة والتحق بوظيفة كتابية في بلاط بني مرين، وعينه السلطان "أبو عنان" ـ ملك المغرب الأقصى ـ عضوًا في مجلسه العلمي بفاس، فأتيح له أن يعاود الدرس على أعلامها من العلماء والأدباء الذين نزحوا إليها من "تونس" و"الأندلس" و"بلاد المغرب". ولكن سرعان ما انقلبت الأحوال بابن خلدون حينما بلغ السلطان "أبو عنان" أن "ابن خلدون" قد اتصل بأبي عبد الله محمد الحفصي ـ أمير "بجاية" المخلوع ـ وأنه دبر معه مؤامرة لاسترداد ملكه، فسجنه أبو عنان، وظل "ابن خلدون" في سجنه نحو عامين حتى توفي. ولما آل السلطان إلى "أبي سالم أبي الحسن" صار "ابن خلدون" ذا حظوة في ديوانه، فولاه كتابة سره والترسيل عنه، وظل في تلك الوظيفة لمدة عامين حتى ولاه السلطان "أبو سالم" خطة المظالم. ولما ثار رجال الدولة على السلطان أبي سالم، وولوا مكانه أخاه "تاشفين" بادر "ابن خلدون" إلى الانضمام إليه، فأقره على وظائفه وزاد له في رواتبه، لكنه سافر إلى "غرناطة" بالأندلس في أوائل سنة [764هـ- 1362م] حيث لقي حفاوة السلطان "محمد بن يوسف بن الأحمر"، وكلفه بالسفارة بينه وبين ملك قشتالة لعقد الصلح بينهما، وقد أدى ابن خلدون مهمته بنجاح كبير، فكافأه السلطان على حسن سفارته بإقطاعه أرضًا كبيرة، ومنحه كثيرًا من الأموال، ولكن لاحقته وشايات فغادر الأندلس إلى "بجاية" فوصلها منتصف عام [ 766هـ - 1365م]، وظل بها حتى اجتاحها "أبو العباس أحمد" ـ صاحب "قسطنطينة" ـ واستولى عليها، فأقر "ابن خلدون" في منصب الحجابة حينا، ثم لم يلبث أن عزله منها فعرض عليه الأمير "أبو حَمُّو" ـ سلطان "تلمسان" ـ أن يوليه الحجابة على أن يساعده في الاستيلاء على "بجاية"؛ ولكن ابن خلدون اعتذر عن قبول الوظيفة، ولما انتهت الأمور بهزيمة "أبي حمو" وفراره عاد "ابن خلدون" إلى الفرار من جديد بعد أن صار مطاردًا من كل حلفائه. فترك أسرته بفاس ورحل إلى الأندلس من جديد، فنزل في ضيافة سلطانها "ابن الأحمر" حينًا، ثم عاد إلى "المغرب" مرة أخرى، وقد عقد العزم على أن يترك شئون السياسة، ويتفرغ للقراءة والتصنيف. واتجه بأسرته إلى أصدقائه من "بني عريف"، فأنزلوه في "قلعة ابن سلامة" ـ بمقاطعة ـ"وهران" بالجزائر ـ وقضى بها نحو أربعة أعوام تمكن خلالها من تصنيف كتابه المعروف "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، والذي صدره بمقدمته الشهيرة التي تناولت شئون الاجتماع الإنساني وقوانينه، وقد فرغ من تأليفه وهو في نحو الخامسة والأربعين. ثم عاد إلى مسقط رأسه، وظل عاكفًا على البحث والدراسة حتى أتم تنقيح كتابه وتهذيبه، ثم عزم الحج فوصل إلى الإسكندرية في غرة شوال 784هـ - 8 من ديسمبر 1382م، وقد فقد زوجته، وأولاده وأمواله حينما غرقت بهم السفينة التي أقلتهم من "تونس" إلى "مصر" بالقرب من"الإسكندرية" التي أقام بها شهرًا ليستعد لرحلة السفر إلى "مكة"، ثم قصد ـ بعد ذلك ـ إلى "القاهرة" فبهرته، وعينه "الظاهر برقوق" لتدريس الفقه المالكي بمدرسة القمصية، كما ولاه منصب قاضي قضاة المالكية، لكنه ترك القضاء سنة [ 787هـ= 1385م] بعد عام واحد من ولايته له، وما لبث السلطان أن عينه لتعليم الفقه المالكي بالمدرسة "الظاهرية البرقوقية" بعد افتتاحها سنة [ 788هـ= 1386م] ثم ما لبث أن عزله. وحينما داهمت جيوش تيمور لنك الشام واستولى على "حلب"، ذهب لمقابلته. وعندما عاد "ابن خلدون" إلى "مصر" سعى لاسترداد منصب قاضي القضاة، حتى نجح في مسعاه، ثم عزل منه بعد عام في [ رجب 804هـ= فبراير 1402م]، ولكنه عاد ليتولاه مرة أخرى في [ ذي الحجة 804هـ= يناير 1402م] انتهت بوفاته في [ 26 من رمضان 808هـ= 16 من مارس 1405م] عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا. وترك وراءه كتابين هما: 1. كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، الشهير بتاريخ ابن خلدون. وأوله كتاب مقدمة ابن خلدون ثم باقي المصنف في ستة أجزاء.


إشكاليات حول الفكر الاقتصادي لابن خلدون

يواجه من يتصدى لمحاولة قراءة النص الذي تركه ابن خلدون محتوياً على موضوعات متصلة بالمسائل الاقتصادية، والمتمثل في "مقدمة ابن خلدون"، نوعان من الإشكاليات، أولهما له علاقة بابن خلدون نفسه "المفكر" والثاني متعلق بالنص المحتوي على "الفكر" أو "الأفكار" الاقتصادية.

أ‌) ابن خلدون في نظر المهتمين بدراسته:

تباينت آراء الذين تصدوا لدراسة ابن خلدون تبايناً شاسعاً، فرفعه كثيرون إلى أعلى درجات العلم والمعرفة بينما سفل به آخرون إلى دركات اللصوصية والسرقة العلمية التي تعد أحط أنواع السرقات[1]، والذي وقع من هؤلاء في وسط هذه التباينات هوَّن من أثره فيمن تبعه من أفكار ومفكرين في الشرق والغرب، فقد قرأت للدكتور حسن صعب[2] يقول: عاش "ابن خلدون" فترة انفراط الخلافة وتعاقب الدول والإمارات الواحدة بعد الأخرى، وابتعد الحكام عن روح الشرع ومبادئه... ظهر بعد أن هدأت حركة ترجمة الكتب الفلسفية والعلمية العربية إلى اللغة اللاتينية، ولم تكتشفه أوربا حتى القرن التاسع عشر حينما ترجم "دي ساسي" مقتطفات من المقدمة سنة 1806. كما غفل عنه الشرق العربي حتى نهاية القرن التاسع عشر.

ب‌) مقدمة ابن خلدون وإشكاليات دراستها:

اجمع كل من درس مقدمة ابن خلدون - سواء منهم من نسبها له ومن ذهب إلى أنه اقتبسها- على أنها "نص علمي عبقري"، ولكنهم عادوا يتنازعون النص في بينهم وفق تخصص كل منهم، فيرى المؤرخون أنها تدخل في علم أصول كتابة التاريخ، ويرى علماء الاجتماع أنها تؤسس لعلمهم، كما قرأ فيها الاقتصاديون نظريات وجدها بعضهم مطابقة تماماً لما ورد في كتاب "ثروة الأمم" لآدم سميث، وربما حوت من الأفكار ما تجاوزه. كما رأى فيها المتخصصون في العلوم السياسية نصاً سياسياً، ونظر إليها الفلاسفة على أنها نص في فلسفة التاريخ، وكتب البعض أنها كشفت عن قوانين الحتمية التاريخية والمادية التاريخية أيضاً، رغم أنها عنونت الفصل الحادي والثلاثون: في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها!!،. كل ذلك رغم أن (أو ربما لأن) كاتب النص يقول: فأنشأت في التاريخ كتابا، رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجابا، وفصلته في الأخبار والاعتبار باباً باباً، وأبديت فيه لأولية الدول والعمران عللا وأسباباً وبنيته على أخبار الأمم الذين عمروا المغرب في هذه الأعصار، وملئوا أكناف النواحي منه والأمصار، وما كان لهم من الدول الطوال أو القصار، ومن سلف من الملوك والأنصار، وهم العرب والبربر. فهذبت مناحيه تهذيبا، وقربته لإفهام العلماء والخاصة تقريبا، وسلكت في ترتيبه وتبويبه مسلكا غريبا، واخترعته من بين المناحي مذهبا عجيبا، وطريقة مبتدعة وأسلوبا. وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن، وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ما يمتعك بعلل الكوائن وأسبابها، ويعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها؛ حتى تنزع من التقليد يدك، وتقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك. فالكاتب يحدد في بداية الفقرة أن كتابه في التاريخ، غير أن فهمه للتاريخ جعله يسلك في كتابته مسلكاً غريباً ومذهباًً عجيباً وطريقة مبتدعة فأدخل فيه الحديث عن العمران والتمدن، ولعل الأجزاء الخاصة بالعمران والتمدن هي أكثر الأجزاء تنازعاً بين العلوم الاجتماعية الحديثة (الاجتماع – السياسة – الاقتصاد)!!

التحدي الآخر الذي يواجه من يحاول قراءة ابن خلدون هو المعاني التي قد تحتملها نصوصها، فالتطور الذي لحق اللغة العربية - كغيرها من اللغات – يحتم على من يتصدى لقراءة نص كتب منذ أكثر من ستمائة سنة ليس فقط الكشف عن معاني بعض الكلمات في المعاجم ولكن التعرف على ما قصده الكاتب من هذه النصوص وما كانت تحمله من معاني إبان كتابتها، واكتفي هنا بكلمة "مصانع" وهي كلمة وردت كثيراً في المقدمة وفي كتاب تاريخ ابن خلدون كله، كما وردت في القرآن الكريم أيضاً، ومعناها في القرآن الكريم مختلف كثيراً عن معناها المعاصر، فقد عرفها المفسرون من الصحابة على أنها القصور والمدائن[3]!!! والعرب تسمى القرية والقصر: مصنعة. ويقولون: هو من أهل المصانع يعنون القرى والحضر. وقال لبيد:

بلينا وما تبلى النجوم الطوالع وتبقى الجبال بعدنا والمصانع فهل هي بذات المعنى في مقدمة ابن خلدون أم أنها لديه تحمل معناها الذي نعرفه اليوم؟ وهل شهد عصر ابن خلدون المصانع التي يعرفها عصرنا الحالي؟ أن هذا التحدي يفرض أن يتصدى علماء اللغويات ودارسي التطور الذي لحق بمفردات اللغة العربية ومعانيها لصياغة المفردات المذكورة في المقدمة وفق ما قصدها الكاتب ووفق ما فهمها معاصريه. الأمر الذي يسهل مهمة دارسي المقدمة من المتخصصين في العلوم الاجتماعية ويقطع الطريق على تحميل النص فوق ما يحتمل.

الملاحظة الأخيرة، أن باقي أجزاء العبر وديوان المبتدأ والخبر (تاريخ ابن خلدون الواقعة في ست مجلدات في بعض الطبعات وثلاثة في طبعات أخرى – ورقية أو الكترونية) ليست عديمة القيمة بالنسبة للباحث الاقتصادي، فهي وإن كانت تخرج عن نطاق "الفكر الاقتصادي" فقد انشغل كاتبها بإتباع "المنهج الاستقرائي" لدراسة الوقائع التاريخية التي حدثت في عهده، كما حقق الحوادث التاريخية التي سبقته منذ القدم، وتعد هذه المجلدات مصادر مهمة لإبراز التاريخ الاقتصادي ومعالم المجتمعات في هذه الفترات الأمر الذي يجعلها مرجعاً لأي باحث في التاريخ الاقتصادي للمسلمين. ثالثاً: أهم الأفكار الاقتصادية الواردة في المقدمة: قسمت المقدمة إلى ست أبواب تفرع عنها 186 فصلاً، تضمن منها 94 فصلاً أفكاراً متصلة بمسائل يهتم بدراستها علم الاقتصاد الحديث. وأول هذه المسائل العمران التي عولجت في الباب الأول والفصول السبعة الأولى من الباب الثاني وبعض فصول الباب الثلاث من المقدمة، وقرأها الباحثون الاقتصاديون باعتبارها تدخل ضمن مباحث التنمية بمفاهيمها المتطورة وليس بمعناها الضيق "تنمية اقتصادية". ثم تطرق في الباب الثلاث أيضاً لمسائل الحسبة والسكة (سك النقود) والجبايات (المالية العامة) وتجارة السلطان وثروته وعطائه الظلم المؤذن بالخراب، وفي الباب الرابع خصصت فصول للرزق والأسواق والفقر والرفه والأسعار. ويعد الباب الخامس من المقدمة كاملاً عملاً اقتصادياً خالصاً، فقد اهتم بالمعاش والكسب والصنائع والفلاحة والتجارة (الداخلية والخارجية) والاحتكار والبناء والحياكة والتوليد والطب والخط والكتابة والوراقة والغناء وأن التعليم للعلم من جملة الصنائع. ويمكن في العرض التالي أن أفصل أهم الأفكار الاقتصادية التي وردت في المقدمة.

1) أفكار حول التقدم والتمدن والعمران (التنمية):

يرى الدكتور حسن صعب[4] أن فلسفة التاريخ هي شغل ابن خلدون (المقدمة) الشاغل، وأنه أدخل مبدأ السببية الطبيعية في دراسة الظاهرة التاريخية والاجتماعية والسياسية وحاول استخراج القوانين الطبيعية لقيام الدول وزوالها، ووضع الدولة في سياقها العمراني أو الحضاري وسمى هذه القوانين "طبائع العمران" وقد توصل إليها من خلال دراسة أحوال الاجتماع السياسي كما هي عليه وانشغل بالمدن والدول القائمة لا بالمدن الفاضلة أو الدول المثالية. وتحفل المقدمة بالمقارنات بين الأقاليم والدول والسير والممالك والأمصار والعلوم والصنائع والعادات وأحوال الدول وأطوار الحضارات، فتقارن بين طور للحضارة وطور آخر وجيل للدولة وجيل آخر، وحددت عمر الدولة بعمر ثلاثة أجيال، لكل جيل خصائصه النسبية والاجتماعية والخلقية. والدول وفقاً للمقدمة صنفان: الخلافة التي لا تخلو من العصبية ولكن السيادة فيها للشرع، والملك الذي لا يخلو من الشرع ولكن السيادة فيه للعصبية، ومنشأ الصنفين هو الحاجة إلى الوازع الذي يحول دون تقاتل الناس، ولا تقارن المقدمة مقارنة ساكنة بين الخلافة والملك وإنا توضح أن الخلافة تطورت أو انقلب نظامها إلى ملك.

وترى دراسة أخرى[5] أن المقدمة حاولت أن تشتق علمياً العوامل التي تحكم صعود وهبوط الدولة أو العمران. وهذه المبادئ التي تعبر عن سنة الله، والتي ورد بعضها في القرآن والسنة، يجب تطويرها بتحليل الوقائع التاريخية. وقد رأى ابن خلدون أن صعود وسقوط الممالك والمدنيات مرتبطان ارتباطاً وثيقاً برفاه الناس أو بؤسهم. ففي تحليله، لا يتوقف الصعود والهبوط على المتغيرات الاقتصادية فحسب، بل يتوقف أيضاً على عوامل أخرى تحدد نوعية الأفراد والمجتمع والحكام والمؤسسات. لذلك تحاول المقدمة أن تحدد العوامل التي تؤثر في نوعيتهم، بتحليل الدور المترابط للعوامل الخلقية والنفسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية والتاريخية في صعود وهبوط الممالك والمدنيات. ويتلخص النموذج الكامل لابن خلـدون بأنه امتداد جوهري ولو غير كامل، للنصيحة التالية المقدمة منه إلى الملك: "الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة، والقيام لله بطاعته، والتصرف تحت أمره ونهيه، ولا قوام للشريعة إلا بالملك، ولا عز للملك إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل، والعدل الميزان المنصوب بين الخليقة، نصبه الرب، وجعل له قيماً وهو الملك... فهذه ثمان كلمات حكمية سياسية، ارتبط بعضها ببعض، وارتدت أعجازها إلى صدورها، واتصلت في دائرة لا يتعين طرفها"[6] وهذا يعبر عن التحليل الخلدوني المتعدد التخصصات والدينامي. فهو متعدد التخصصات لأنه يربط بين جميع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المهـمة، ومنها الشريعة (ش)، والسلطة السياسية الحكومية أو الوازع (ح)، والناس أو الرجال أو العموم (ع)، والمال أو رصيد الموارد أو الثروة (ث)، والتنمية أو العمران أو النمو (ن)، والعدل أو المساواة (م)، بطريقة دائرية ومترابطة، حيث إن كل متغير يؤثر في المتغيرات الأخرى ويتأثر بها. وبما أن عمل هذه الدائرة يجري من خلال ردة فعل في شكل سلسلة، على فترة طويلة، ثلاثة أجيال أو ما يقرب من 120 سنة، فقد أدخل البعد الدينامي في جميع التحليل، ليساعد على تفسير كيف تتفاعل العوامل السياسية والخلقية والاجتماعية والاقتصادية عبر الزمن، لكي تؤدي إلى التطور والانحطاط، أو الصعود والهبوط، في المدنيات. وفي تحليل طويل الأجل من هذا النوع، لا يوجد شرط بقاء الأشياء الأخرى على حالها، لأن أياً من هذه المتغيرات لا يبقى ثابتاً، بل يمكن أو لا يمكن أن يكون لها ردة فعل بالطريقة نفسها. فإذا لم تكن ردة فعل المتغيرات الأخرى في الاتجاه نفسه، فإن الانحطاط في أحد القطاعات قد لا ينفذ إلى القطاعات الأخرى، وإما أن القطاع المنحط يجب إصلاحه مع الزمن، أو أن انحطاط المدنية يكون أبطأ بكثير. ومع ذلك إذا كانت ردة فعل القطاعات الأخرى بنفس الطريقة، فإن الانحطاط قد يكسب قوة دافعة من خلال ردة فعل سلسلة مترابطة بحيث يصبح من الصعب عبر الزمن معرفة العلة من المعلول. وهذه الدائرة السببية سميت فيما بعد بدائرة العدالة. وأهم رابطتين في هذه السلسة السببية هما: النمو (ن) والمساواة (م). فالنمو (ن) ضروري لأن الميل المعتاد لدى المجتمعات البشرية هو ألا تبقى ساكنة، فإما أن تتقدم وإما أن تتأخر. والنمو هنا لا يعني مجرد النمو الاقتصادي. إنه يشمل النمو البشري العام، حيث إن كل متغير يثري المتغيرات الأخرى (ح،ش،ع،ث) ويكون ثرياً بها، بما يؤدي إلى رفاه الناس (ع) أو سعادتهم، وإلى بقاء المدنية، بل صعودها. غير أن النمو ليس ممكناً بدون عدل (م)، وهذا العدل لا يفهم هنا بمعناه الاقتصادي الضيق، بل بمعناه الشامل في جميع دوائر الحياة البشرية. ولا يمكن تحقيق هذا العدل الشامل كاملاً بدون خلق مجتمع رعاية، من خلال الأخوة والمساواة الاجتماعية، وتوفير أمن العيش، والملك، والكرامة لكل فرد، والوفاء الكامل بجميع الالتزامات الاجتماعية والاقتصادية والسـياسية، ومكافأة كل واحد على عمله، وصدّ الوحشية والظلم عن أي واحد، وبأي شكل كان. ومن بين المتغيرات الأخرى، تعني الشريعة (ش) القيم والمؤسسات أو قواعد السلوك لجعل الناس (ع) يقومون بالتزاماتهم كل منهم تجاه الآخر، وكبح السلوك الضار اجتماعياً لتوفير العدل (م)، والنمو (ن)، ورفاه الجميع. وهذه القواعد يمكن أن تكون رسمية أو غير رسمية، مكتوبة أو غير مكتوبة. وكل المجتمعات لديها مثل هذه القواعد السلوكية القائمة على نظمها القيمية الخاصة بها. وربما يكون أساس هذه القواعد في المجتمع الإسلامي هو الشريعة (ش). والشريعة (ش) لا يمكنها أن تقوم بدور ذي مغزى، ما لم تكن مطبقة بعدل وحياد. ومن واجبات المجتمع (ع) والحكومة (ح) العمل على توفير ذلك. ويقدم المال (ث) الموارد المطلوبة لتأمين العدل والنمو، والأداء الفعلي لدوره بواسطة الحكومة (ح)، ورفاه الناس (ع). وهذا الدور المترابط لجميع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسكانية والسياسية في تحديد الرفاه البشري، ومن ثم صعود وهبوط المدنيات، هو تقدم كبير باتجاه الوصف السابق الصحيح للرفاه البشري بأنه قلب مقاصد الشريعة عند الغزالي وابن القيم والشاطبي وغيرهم. وإذا أردنا التعبير عن تحليل ابن خلدون في صورة علاقة دالِّية، أمكننا القول بأن: ح = د (ش، ع، ث، ن، م). وهذه العلاقة لا تحتوي ديناميات نموذج ابن خلدون، ولكنها تعبر عن تعدد التخصصات، لأخذها بعين الاعتبار جميع المتغيرات الرئيسة التي ناقشها. وفي هذه العلاقة ظهرت (ح) على أنها متغير تابع، لأن أحد الاهتمامات الرئيسة لابن خلدون هو تفسير صعود وهبوط الممالك (الدول) أو المدنيات. فهو يرى أن قوة أو ضعف المملكة يتوقف على قوة أو ضعف السلطة السياسية التي تجسدها. فالسلطة السياسية (ح) يجب، من أجل بقائها الطويل الأجل، أن تؤمن رفاه الناس (ع)، بتقديم بيئة ملائمة لتحقيق النمو (ن)، وكذلك العدل (م)، من خلال تطبيق الشريعة (ش)، والنمو والتوزيع العادل للثروة (ث). ومع ذلك ففي حين أن العلاقة المعتادة للعلة والمعلول ليست بالضرورة قابلة للعكس، فإن السببية الدائرية والمتبادلة التي يركز عليها ابن خلدون في المجتمعات البشرية تميل لأن تكون هكذا. وأي واحد من المتغيرات المستقلة يمكن معاملته بوصفه متغيراً تابعاً بالنسبة للمتغيرات الأخرى التي تعدّ متغيرات مستقلة، فيمكن أن تكون تفسخ الأسرة، الذي هو جزء لا يتجـزأ من (ع) في النموذج. وهذا قد يقود أولاً إلى غياب التربية الملائمة للأطفال، ومن ثم إلى انحطاط نوعية الكائنات البشرية (ع)، وهي التي تشكل حجر الزاوية في أي مدنية. ويمكن أن تكون أيضاً ضعف الاقتصاد (ث) الناشئ من نظام اقتصادي خاطئ (ش) أو قيم ومؤسسات غير مساعدة (ش).

2) أفكار حول أضرار تدخل الدولة "منتجة" في النشاط الاقتصادي:

ورد في الفصل الأربعين من الباب الثالث: أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا مفسدة للجباية: اعلم أن الدولة إذا ضاقت جبايتها بما قدمناه من الترف وكثرة العوائد والنفقات وقصر الحاصل من جبايتها على الوفاء بحاجاتها ونفقاتها، واحتاجت إلى مزيد المال والجباية، فتارةً توضع المكوس على بياعات الرعايا وأسواقهم كما قدمنا ذلك في الفصل قبله، وتارةً بالزيادة في ألقاب المكوس إن كان قد استحدث من قبل، وتارةً بمقاسمة العمال والجباة وامتكاك عظامهم، لما يرون أنهم قد حصلوا على شيء طائل من أموال الجباية، لا يظهره الحسبان، وتارةً باستحداث التجارة والفلاحة للسلطان على تسمية الجباية لما يرون التجار والفلاحين يحصلون على الفوائد والغلات مع يسارة أموالهم، وأن الأرباح تكون على نسبة رؤوس الأموال. فيأخذون في اكتساب الحيوان والنبات لاستغلاله في شراء البضائع والتعرض بها لحوالة الأسواق، ويحسبون ذلك من إدرار الجباية وتكثير الفوائد. وهو غلط عظيم وإدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة. فأولاً مضايقة الفلاحين والتجار في شراء الحيوان والبضائع، وتيسير أسباب ذلك، فإن الرعايا متكافئون في اليسار متقاربون ومزاحمة بعضهم بعضاً تنتهي إلى غاية موجودهم أو تقرب، وإذا رافقهم السلطان في ذلك وماله أعظم كثيراً منهم، فلا يكاد أحد منهم يحصل على غرضه في شيء من حاجاته، ويدخل على النفوس من ذلك غم ونكد. ثم أن السلطان قد ينتزع الكثير من ذلك إذا تعرض له غضاً أو بأيسر ثمن، إذ لا يجد من يناقشه في شرائه فيبخس ثمنه على بائعه. ثم إذا حصل فوائد الفلاحة ومغلها كله من زرعٍ أو حريرٍ أو عسلٍ أو سكرٍ أو غير ذلك من أنواع الغلات، وحصلت بضائع التجارة من سائر الأنواع، فلا ينتظرون به حوالة الأسواق ولا نفاق البياعات، لما يدعوهم إليه تكاليف الدولة، فيكلفون أهل تلك الأصناف من تاجر أو فلاحٍ بشراء تلك البضائع، ولا يرضون في أثمانها إلا القيم وأزيد، فيستوعبون في ذلك ناض أموالهم، وتبقى تلك البضائع بأيديهم عروضاً جامدةً، ويمكثون عطلاً من الإدارة التي فيها كسبهم ومعاشهم. وربما تدعوهم الضرورة إلى شيء من المال فيبيعون تلك السلع على كساد من الأسواق بأبخس ثمن. وربما يتكرر ذلك على التاجر والفلاح منهم بما يذهب راس ماله، فيقعد عن سوقه، ويتعدد ذلك وبتكرر، ويدخل به على الرعايا من العنت والمضايقة وفساد الأرباح، ما يقبض آمالهم عن السعي في ذلك جملة، ويؤدي إلى فساد الجباية، فأن معظم الجباية إنما هي من الفلاحين والتجار، لا سيما بعد وضع المكوس ونمو الجباية بها، فإذا أنقبض الفلاحون عن الفلاحة، وقعد التجار عن التجارة، ذهبت الجباية جملة أو دخلها النقص المتفاحش. وإذا قايس السلطان بين ما يحصل له من الجباية وبين هذه الأرباح القليلة وجدها بالنسبة إلى الجباية أقل من القليل. ثم أنه ولو كان مفيداً فيذهب له بحظ عظيم من الجباية فيما يعانيه من شراء أو بيع، فأنه من البعيد أن يوجد فيه من المكس. ولو كان غيره في تلك الصفقات لكان تكسبها كلها حاصلاً من جهة الجباية. ثم فيه التعرض لأهل عمرانه، واختلال الدولة بفسادهم ونقصه، فأن الرعايا إذا قعدوا عن تثمير أموالهم بالفلاحة والتجارة نقصت وتلاشت بالنفقات، وكان فيها تلاف أحوالهم، فافهم ذلك. وكان الفرس لا يملكون عليهم إلا من أهل بيت المملكة، ثم يختارونه من أهل الفضل والدين والأدب والسخاء والشجاعة والكرم، ثم يشترطون عليه مع ذلك العدل، وأن لا يتخذ صنعة فيضر بجيرانه، ولا يتاجر فيحب غلاء الأسعار في البضائع، وأن لا يستخدم العبيد فأنهم لا يشيرون بخير ولا مصلحة. واعلم أن السلطان لا ينمي ماله ولا يدر موجوده إلا الجباية وإدرارها إنما يكون بالعدل في أهل الأموال، والنظر لهم بذلك، فبذلك تنبسط آمالهم، وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها، فتعظم منها جباية السلطان. وأما غير ذلك من تجارةٍ أو فلحٍ فإنما هو مضرة عاجلة للرعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة. وقد ينتهي الحال بهؤلاء المنسلخين للتجارة والفلاحة من الأمراء والمتغلبين في البلدان، أنهم يتعرضون لشراء الغلات والسلع من أربابها الواردين على بلدهم، ويفرضون لذلك من الثمن ما يشاءون، ويبيعونها في وقتها لمن تحت أيديهم من الرعايا بما يفرضون من الثمن. وهذه أشد من الأولى وأقرب إلى فساد الرعية واختلال أحوالهم. وربما يحمل السلطان على ذلك من يداخله من هذه الأصناف، أعني التجار والفلاحين لما هي صناعته التي نشأ عليها، فيحمل السلطان على ذلك ويضرب معه بسهم لنفسه ليحصل على غرضه من جمع المال سريعاً،ولا سيما مع ما يحصل له من التجارة بلا مغرم ولا مكس، فإنها أجدر بنمو الأموال، وأسرع في تثميره، ولا يفهم ما يدخل على السلطان من الضرر بنقص جبايته. فينبغي للسلطان أن يحذر من هؤلاء ويعرض عن سعايتهم المضرة بجبايته وسلطانه، والله يلهمنا رشد أنفسنا، وينفعنا بصالح الأعمال، والله تعالى أعلم". وقد كتب الدكتور حازم الببلاوي مقالة[7] حملت نفس عنوان هذا الفصل، واستدل على رأي ابن خلدون في تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وأنه كان من دعاة الخصخصة، كما ذهب البعض أكثر من ذلك فادعى أن الإسلام يدعو للخصخصة مستدلين بنفس النص باعتبار المقدمة تعكس فكراً إسلامياً.

وهذه قراءة "مغرضة" لهذا النص لأن الحديث عن السلطان لا يعني الحديث عن الدولة بمفهومها المعاصر ولا مؤسساتها الحالية أو حتى المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، كما أن النص أنكر تجارة وفلاحة السلطان ولكنه لم ينتقد ملكية الدولة لعناصر الإنتاج وهذا هو مناط عملية الخصخصة، وقد سبق أن أثبتُ[8] أن أمام نظام التوزيع الإسلامي المعاصر تحدي عند تعرضه لمسألة تملك الأراضي، إذ تخرج به من وضعية، الأراضي المفتوحة عنوة والأراضي التي أسلم عليها أهلها، وأرض السواد, (وغيرها من تصنيفات الأراضي التي واجهت نظام التوزيع في صدر الإسلام وتصدى لتوزيعها)[9]، إلى وضعية جديدة تنحصر فيها الأرض بين ملكية الدولة أو الملكية الخاصة (سواء للمواطنين أو الأجانب) وهو ما ينسحب أيضا على الموارد الطبيعية ورؤوس الأموال. وتصبح الأسئلة المطروحة عند تطبيق نظام التوزيع الإسلامي، هل تبقى ملكية هذه الأراضي كما هي؟ وإذا تغيرت، فما هو شكل الملكية الذي يتلاءم وهذا النظام؟ وكيف يمكن التوصل إليه؟ والإسلام ( تاريخا وفقها وفكرا) احترم الملكية الخاصة وحافظ عليها[10] ، كما أن الإسلام (تاريخا وفقها) عَرَفَ الدولة المالكة لعناصر الثروة وحَرَّمَ بعض هذه العناصر على الأفراد[11]، ومع ذلك فإنه لم يعرف الدولة "المنتجة" (الحكومة التي تقوم بدور المنظم) في أي من مجالات الإنتاج المدني. وذلك على الأقل في فترة صدر الإسلام، ثم أن الفكر الإسلامي أفرز بعض الكتابات التي ذمت "تجارة السلطان" ليس من الوجهة الدينية فحسب، بل حللت ذلك اقتصاديا[12]، وذلك في عصور الإسلام الوسيطة. وعندما دخل الإسلام بلادا جديدة، بقي بعض أهلها على دياناتهم القديمة راضين بحكم الإسلام فقد أبقى لهم على أموالهم وأملاكهم (الأراضي التي فتحت صلحا) إلا ما صالحهم عليه منها، فالإسلام يحترم الملكية الخاصة للمواطنين غير المسلمين. ويبقى موقف الإسلام من تملك الأجانب لعناصر الثروة في الدول الإسلامية في حاجة إلى بعض المناقشة والتوضيح والاجتهاد، فالحقيقة التاريخية تؤكد على أن حركات رؤوس الأموال الدولية المتدفقة للاستثمار في دول أجنبية، هي حركات واكبت ظهور الثورة الصناعية والرأسمالية العالمية في مرحلتها الكولونيالية[13]. ففي المراحل التاريخية السابقة حيث كانت الزراعة أو التجارة هي محور النشاط الاقتصادي الإنساني لم يفكر أحد من الأفراد أو الدول في أن تنقل رؤوس الأموال من منطقة لأخرى لغرض إقامة استثمارات زراعية (شراء أراضى أو تأجيرها أو المشاركة في زراعتها). أما التجارة فإن الإسلام لم يمنع التجار المنتمين إلى دار الحرب من الدخول بتجارتهم لبيعها في بلاد الإسلام أو الشراء من الأسواق الإسلامية مادام قد حصل على عقد أمان من مسئولي الثغور في البلد التي يريد الدخول إليها[14]. ومن ثم يصبح هناك (فراغ تشريعي) في مسألة تملك الأجانب للثروات وإن كان "المغني" يسد جزءا من هذا الفراغ التشريعي حين يوضح أن مشاركة اليهودي والنصراني جائزة، شريطة أن يتولى المسلم إدارة الشركة ووضح علة ذلك في مخافة أن يتعاملا بالربا، أو ينتجا ما حرمه الشرع كالخمور مثلا، (وهي حجج يمكن الرد عليها في إطار القوانين الجديدة التي تنظم إشهار الشركات وتلزم أصحابها بتحديد مجال نشاطها)[15]. ومع أن المقصود بالمشاركة بين اليهود والنصارى هم سكان الدولة الإسلامية إذ ليس مقبولا أن يشارك مسلم يهوديا أو نصرانيا من دار الحرب في ذلك الزمن البعيد، فإن ما يسده هذا البيان التشريعي من فراغ يتمثل في أن للمسلم في حالة مشاركة غير المسلم حتى وإن كان من مواطني نفس الدولة الحق في إدارة الشركة، فإذا كانت المشاركة مع أجنبي، فإن القاعدة أولى بالتطبيق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن القاعدة الشرعية التي تقول:"متى وجدت المصلحة فثم شرع الله"تسد جزءا آخر من الفراغ التشريعي وتلقى على عاتق الاقتصاديين مهمة " إصدار فتوى"،أهمية الاستثمارات الأجنبية للدول النامية وتقديم الدليل على دورها في التنمية وتحقيق "مصلحة" الدولة الإسلامية أو العكس[16].وتصبح النتيجة النهائية أن الإسلام يحترم حق تملك الأجانب لعناصر الثروة في الدولة الإسلامية، فالأجنبي المستأمن بمنزلة أهل الذمة[17]. ومع ذلك يظل السؤال المطروح إذا كانت الحكومة لها في الإسلام أن تملك ولا تنتج، فهل لها أن تبيع ممتلكاتها؟ تظهر هنا أيضا منطقة (فراغ تشريعي) تزداد اتساعا بالسؤال عن جنسية المشترين إذا كان لها حق البيع فهل تملك المواطنين أم هم والأجانب أيضا ؟ ويبدو أن الحكمة التي دعت حكومة صدر الإسلام أن تبقى على أراضى السواد في العراق والشام ومصر[18] ملكا للأمة كلها[19] سوف تبقى هي الحاكمة لاتجاه الإسلام نحو ملكية الدولة لعناصر الثروة وقدرتها على بيعها حتى يظهر اجتهاد فقهي حديث بشأنها. ولعل هذه القاعدة أولى بالإتباع في الوقت الراهن، وذلك لأن هذه الثروة المملوكة للحكومات الإسلامية في الوقت الحالي لم تنتقل إلى ملكية الأمة في لحظة تاريخية معينة كما قي حالة الأراضي المفتوحة. بل هي أصول إنتاجية ساهمت أجيال عديدة في إقامتها، وربما تحملت الأجيال القادمة جزءا من تكاليف بناء هذه الأصول الإنتاجية (إذا ما كانت الدولة قد استخدمت في إقامتها قروضا طويلة الأجل يقع عبء سدادها على الأجيال القادمة). ومن ثم فإن بيعها في ظل وجود البدائل الكفأة لاستغلالها في ظل الملكية العامة[20]، يعد أمرا بعيدا عن العدالة والمصلحة التي تتوخاها الشريعة. ثم أن الملكية العامة للأرض تتفق مع نظرة الإسلام لملكية المعادن إذ يجعلها كلها ملكية عامة ينظم الإمام (ولى الأمر) كيفية استفادة الناس منها[21]. ومن ثم يقوم نظام التوزيع ذو الأسس الإسلامية على توزيع الثروة في المجتمعات الإسلامية الحديثة بين الأفراد ملكية خاصة والحكومة ملكا عاما، والمشاع الذي تنظم الحكومة كيفية استخدامه في العمليات الإنتاجية وفق مقتضيات المصلحة، وللأجانب إذا ارتضوا كافة التنظيمات الاقتصادية الإسلامية في الإنتاج والتبادل والتوزيع أن تحترم أملاكهم الخاصة.

3) أفكار حول موضوع الزيادة السكانية:

ورد في الفصل الحادي عشر من الباب الرابع من المقدمة والمعنون "في أن تفاضل الأمصار والمدن في كثرة الرفه لأهلها ونفاق الأسواق إنما هو في تفاضل عمرانها في الكثرة والقلة": عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقلًّ بتحصيل حاجاته في معاشه، وأنهم متعاونون جميعاً في عمرانهم على ذلك. والحاجة التي تحصل بتعاون طائفةٍ منهم تسد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافاً. فالقوُت من الحنطة مثلاً لا يستقل الواحد بتحصيل حصته منه. وإذا أنتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حدادٍ ونجارٍ للآلات، وقائم على البقر وإثارة الأرض وحصاد السنبل وسائر مؤن الفلح، وتوزعوا على تلك الأعمال أو اجتمعوا، وحصل بعملهم ذلك مقدار من القوت، فأنه حينئذٍ قوت لأضعافهم مرات. فالأعمال بعد الاجتماع زائدة على حاجات العاملين وضروراتهم فأهل مدينةٍ أو مصر إذا وزعت أعمالهم كلها على مقدار ضروراتهم حاجاتهم اكتفي فيها بالأقل من تلك الأعمال، وبقيت الأعمال كلها زائدةً على الضرورات، فتصرف في حالات الترف وعوائده. وما يحتاج إليه غيرهم من أهل الأمصار ويستجلبونه منهم بأعواضه وقيمه، فيكون لهم بذلك حظ من الغنى. وقد تبين لك في الفصل الخامس في باب الكسب والرزق، أن المكاسب إنما هي قيم الأعمال. فإذا كثرت الأعمال كثرت قيمها بينهم فكثرت مكاسبهم ضرورة. ودعتهم أحوال الرفه والغنى إلى الترف وحاجاته من التأنق في المساكن والملابس واستجادة الآنية والماعون واتخاذ الخدم والمراكب. وهذه كلها أعمال تستدعى بقيمها ويختار المهرة في صناعتها والقيام عليها، فتنفق أسواق الأعمال والصنائع، ويكثر دخل المصر وخرجه، ويحصل اليسار لمنتحلي ذلك من قبل أعمالهم. ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثانيةً. ثم زاد الترف تابعاً للكسب وزادت عوائده وحاجاته. واستنبطت الصنائع لتحصيلها، فزادت قيمها وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانيةً، ونفقت سوق الأعمال بها أكثر من الأول.وكذا في الزيادة الثانية والثالثة. لأن الأعمال الزائدة كلها تختص بالترف والغنى، بخلاف الأعمال الأصلية التي تختص بالمعاش". وقد اعتمدت بعض الدراسات[22] على قراءة هذا النص باعتباره دعوة من ابن خلدون لزيادة السكان لأنها تؤدي إلى زيادة العمران، فزيادة الأيدي العاملة تؤدي إلى تقسيم العمل وتعني زيادة الأعمال والمكاسب والدخول فيزيد الطلب والإنتاج. كما خلصت الدراسة نفسها إلى أن ابن خلدون تكلم عن الموانع الطبيعية للزيادة السكانية وأهمها المجاعات والظلم الناتج عن الاحتلال والاستعباد.

4) أفكار حول موضوع القيمة (نظرية الثمن أو الأسعار) والطلب الكلي والعرض الكلي والمستوى العام للأسعار:

مما ورد في المقدمة عن الاحتكار باعتباره سبب في انخفاض العرض: "ومما اشتهر عند ذوي البصر والتجربة في الأمصار، أن احتكار الزرع لتحين أوقات الغلاء مشؤم. وأنه يعود على فائدته، بالتلف والخسران. وسببه، والله أعلم أن الناس لحاجتهم إلى الأقوات مضطرون إلى ما يبدلون فيها من المال اضطراراً، فتبقى النفوس متعلقة به. وفي تعلق النفوس بمالها سر كبير في وباله على من يأخذه مجاناً. ولعله الذي اعتبره الشارع في أخذ أموال الناس بالباطل. وهذا وأن لم يكن مجاناً فالنفوس متعلقة به، لإعطائه ضرورة من غير سعةٍ في العذر فهو كالمكره. وما عدا الأقوات والمأكولات من المبيعات لا اضطرار للناس إليها، وإنما يبعثهم عليها التفنن في الشهوات، فلا يبدلون أموالهم فيها إلا باختيار وحرص. ولا يبقى لهم تعلق بما أعطوه. فلهذا يكون من عرف بالاحتكار، تجتمع القوى النفسانية على متابعته، لما يأخذه من أموالهم، فيفسد ربحه".

ومما ورد عن أثر زيادة العرض عن الطلب في تخفيض الأسعار: "إذ كل وأحد لا يهمل قوت نفسه ولا قوت منزله، لشهره أو سنته، فيعم اتخاذها أهل المصر أجمع، أو الأكثر منهم في ذلك المصر أو فيما قرب منه، لا بد من ذلك. وكل متخٍذ لقوته، تفضل عنه وعن أهل بيته فضلة كثيرة، تسد خفة كثيرين من أهل ذلك المصر، فتفضل الأقوات عن أهل المصر من غير شك، فترخص أسعارها في الغالب، إلا ما يصيبها في بعض السنين من الآفات السماوية". كما استدل بعض الكتاب على معالجة ابن خلدون لأثر التخصص وتقسيم العمل على العرض من خلال النص التالي: " ومن كان على الفطرة كان أسهل لقبول الملكات وأحسن أستعدادا لحصولها. فإذا تلونت النفس بالملكة الأخرى وخرجت عن الفطرة ضعف فيها الاستعداد باللون الحاصل من هذه الملكة، فكان قبولها للملكة الأخرى اضعف. وهذا بين يشهد له الوجود. فقل أن تجد صاحب صناعة يحكمها، ثم يحكم من بعدها أخرى، ويكون فيهما معاً على رتبةٍ واحدةٍ من الإجادة. حتى أن أهل العلم الذين ملكتهم فكرية فهم بهذه المثابة. ومن حصل منهم على ملكة علم من العلوم وأجادها في الغاية، فقل أن يجيد ملكة علم آخر". وعن أثر نفقات النقل على الكميات المعروضة تذكر المقدمة في فصل بعنوان نقل التاجر للسلع رأى ابن خلدون أنه من الضروري أن تكون السلع المستوردة من "الوسط في الصنف" وليست من السلع الغالية. كما ناقش الربح المتحقق من نقل السلع من البلد البعيد المسافة أو في شدة الخطر وأكد على أنه يكون أعظم ربحاً فالسلعة المنقولة تكون قليلة فإذا قلت وعزت غلت أثامنها أما إذا كانت من بلد قريب المسافة والطريق سابل بالأمن فيكثر ناقلوا السلعة وترخص اثمانها.

كما رأى ابن خلدون في زيادة المكوس (الضرائب) والمغارم أثر سلبي على زيادة العرض الكلي وذهب إلى أن من عوامل الانهيار الاقتصادي للدولة الزيادة المستمرة في الجباية. ناقش ابن خلدون كذلك الأسباب وراء زيادة الكميات المطلوبة وارتفاع الأسعار، وأكد انها ترجع إلى "الترف بكثرة العمران واعتزاز أهل الأعمال بخدمتهم وكثرة المترفين وكثرة حاجاتهم" وهو يعني في ذلك زيادة أسعار عوامل الإنتاج المتمثلة في دخول العمال والصناع وأهل الحرف.

كما عالج النص التالي الآثار المترتبة على انخفاض الأسعار(الكساد): "فإذا استديم الرخص في سلعة أو عرض من مأكول وملبوس أو متمول على الجملة ولم يحصل للتاجر حوالة الأسواق فسد الربح والنماء بطول تلك المدة وكسدت سوق ذلك الصنف، فقعد التجار عن السعي فيها وفسدت رؤوس أموالهم".

5) أفكار في التوزيع وقيمة العمل

عن مساهمة العمل في الإنتاج ذكرت المقدمة ما يلي: "فلا بد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب ومتمول. لأنه أن كان عملاً بنفسه مثل الصنائع فظاهر، وأن كان مقتنى من الحيوان أو النبات أو المعدن فلا بد فيه من العمل الإنساني كما تراه، وإلا لم يحصل ولم يقع به انتفاع ثم أن الله تعالى خلق الحجرين المعدنيين من الذهب والفضة قيمة لكل متمول،وهما الذخيرة والقنية لأهل العالم في الغالب. وأن اقتنى سواهما في بعض الأحيان، فإنما هو لقصد تحصيلهما بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق، التي هما عنها بمعزل، فهما أصل المكاسب والقنية والذخيرة. وإذا تقرر هذا كله فاعلم أن ما يفيده الإنسان ويقتنيه من المتمولات، إن كان من الصنائع فالمفاد المقتنى منه هو قيمة عمله، وهو القصد بالقنية، إذ ليس هنالك إلا العمل وليس بمقصود بنفسه للقنية. وقد يكون مع الصنائع في بعضها غيرها. مثل النجارة والحياكة معهما الخشب والغزلى، إلا أن العمل فيهما أكثر، فقيمته أكثر. وأن كان من غير الصنائع، فلا بد من قيمة ذلك المفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به، إذ لولا العمل لم تحصل قنيتها. وعرف ابن خلدون الربح عائداً للتجارة والأجور عائدا للعمل كما ذهب البعض إلى تأويل النص التالي على أنه مساهمة لابن خلدون في الحديث عن فائض القيمة "إن الإنسان لا يسمح بعمله أن يقع مجاناً لأنه كسب ومنه معاشه لا فائدة له في جميع عمره في شيء سواه..." وقد يكون ذلك من تحميل النصوص فوق ما تحتمل أيضاً. كما أول البعض تخصيصه فصل عن أسعار المدن بأنه ألمح إلى ظاهرة الريع.

6) أفكار حول النقود والثروة:

تذكر المقدمة: "ان الله خلق المعدنين من الذهب والفضة قيمة لكل متمول وهما الذخيرة والقنية لأهل العالم في الغالب" وقد استدل من هذا النص أن وظائف النقود عند ابن خلدون تتمثل في أنها مقياس للأثمان (للقيم) وأداة للادخار (لحفظ القيم) ووسيط للتبادل.

وقد فرق ابن خلدون بين النقود وبين الثروة التي تنشأ من العمران والأعمال الإنسانية ورأى أن السبب في زيادة الثراء والترف والغنى في بعض الدول لا يرجع إلى زيادة المعدنين في هذه الدول وإنما هو "ما ذكرناه من كثرة العمران واختصاصه بأرض المشرق فكثرة العمران تفيد كثرة الكسب بكثرة الأعمال".

7) أفكار حول التجارة التاجر والإنتاج:

خصصت المقدمة فصلاً في الباب الخامس بعنوان: "في أي أصناف الناس ينتفع بالتجارة وأيهم ينبغي له اجتناب حرفها" تعرض فيه للصفات التي يجب أن تتوافر في التجار حيث ذكرت ما يلي: "....فيعاني التاجر من ذلك أحوالاً صعبة. ولا يكاد يحصل على ذلك التافه من الربح إلا بعظم العناء والمشقة، أو لا يحصل، أو يتلاشى راس ماله. فإن كان جريئاً على الخصومة، بصيراً بالحسبان، شديد المماحكة، مقداماً على الحكام، كان ذلك أقرب له إلى النصفة منهم بجراءته، ومماحكته، وإلا فلا بد له من جاه يدرع به، فيوقع له الهيبة عند الباعة، ويحمل الحكام على أنصافه من معاملية، فيحصل له بذلك النصفة واستخلاص ماله منهم، طوعاً في الأول وكرهاً في الثاني. وأما من كان فاقدا للجراءة والإقدام من نفسه، وفاقد الجاه من الحكام، فينبغي له أن يجتنب الاحتراف بالتجارة، لأنه يعرض ماله للضياع والذهاب، ويصيره مأكله للباعة، ولا يكاد ينتصف منهم. كما خصصت فصلاً أخر من نفس الباب ذكرت فيه: "في أن خلق التجار نازلة عن خلق الأشراف والملوك....وذلك أن التجار في غالب أحوالهم إنما يعانون البيع والشراء، ولا يد فيه من المكايسة ضرورة".

والملاحظة الأساسية إزاء هذه الأفكار أنها منقطعة الصلة بالأفكار اللاحقة لها في الفكر الاقتصادي الغربي، فنحن هنا أمام نص يعتمد الاستقراء والواقعية في معالجة الأمور الاقتصادية دون أي "مقدمات" فلسفية تتعلق "بالرشد" و"الإنسان الاقتصادي" التي اعتمدها المفكرون الاقتصاديون الغربيون لقرون متتالية، فطمسوا الفروق بين الناس ولم نجد في أفكارهم سوى الحديث عن أن الإنسان – كل إنسان- رشيد ...الإنسان يسعى لتعظيم منفعته "الربح في حالة قيامه بالإنتاج" و"الإشباع في حالة الاستهلاك".

واتصالاً بهذه الملاحظة نجد انقطاعاً آخر بين المقدمة والفكر اللاحق لها فيما يتعلق بالإنتاج، فالإنسان لدى ابن خلدون يحتاج إلى غيره لإشباع حاجاته ويقسم العمل مع غيره ويتعاون مع الآخرين لإنتاج ما يحتاجونه من سلع وخدمات، ولا نجد كلاماً عن المنافسة ودورها المحوري الذي أخذته في الفكر الاقتصادي الغربي المتعلق بالإنتاج.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

[1] راجع محمود إسماعيل، نهاية أسطورة، نظريات ابن خلدون مقتبسة من رسائل إخوان الصفا، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2000.

[2] في كتابه علم السياسة، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1976م.

[3] راجع أساس البلاغة ومختار الصحاح وكتب تفسير القرآن الكريم.

[4] في كتابه علم السياسة، سبق ذكره.

[5] منشور جزء منها على الموقع الإلكتروني لدار الفكر على شبكة الإنترنت

[6] المقدمة، الباب الأول في طبيعة العمران في الخليقة.

[7] نشرها في جريدة الأهرام بتاريخ 18/3/1990، كما نشرها مرة أخرى في كتابه التغيير من أجل الاستقرار، الهيئة العامة للكتاب بالتعاون مع دار الشروق، مهرجان القراءة للجميع، القاهرة 1998، ص ص: 151 – 154.

[8] في رسالتي للماجستير، المعنونة الآثار التنموية والاستقرارية لنظام التوزيع في اقتصاد إسلامي، غير منشورة، قسم الاقتصاد، كلية التجارة، جامعة بنها، 2004 ، ص ص: 98 - 103

[9] وفاء محمد محمد سلمان، ضوابط الملكية العامة والخاصة في الفكر الاقتصادي الإسلامي، رسالة ماجستير، جامعة الزقازيق، كلية التجارة, قسم اقتصاد،1993.

[10] "إن أموالكم... عليكم حرام كحرمة يومكم هذا"من خطبة الرسول e في حجة الوداع.

[11] محمد باقر الصدر، سبق ذكره، ص ص:433-572.

[12] راجع كلا من:

· عبد الرحمن بن خلدون، المقدمة،دار القلم، بيروت1985، ص .ص:365-394.

· أحمد على المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة، تحقيق محمد مصطفى زيادة، وجمال الدين الشيال، دار نهضة مصر، الطبعة الثانية،1957.

· الدمشقي، الإشارة إلى محاسن التجارة ، مذكور في السيد محمد عاشور، دراسة في الفكر الاقتصادي العربي، أبو الفضل جعفر بن على الدمشقي، أبو الاقتصاد، دار الاتحاد العربي للطباعة، القاهرة،1973، القسم الثاني (يحتوى النص الكامل لكتاب الإشارة).

[13] رمزي زكى، التاريخ النقدي للتخلف، سلسلة عالم المعرفة، العدد118،الكويت،1987، ص ص:67 –74.

[14] محمد بن أحمد بن قدامة،المغني،سبق ذكره،المجلد العاشر، ص ص:215.

[15]نفسه، المجلد الخامس، ص ص:274-275.

[16]فضلا عن اختلاف الاقتصاديين حول هذه المسألة، فإن مما يهم الدراسة تسجيله، أن نصيب الدول النامية (ومنها الدول الإسلامية) من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية المنسابة في العالم مازال منخفضا فهو يتراوح بين19% خلال الثمانينات و16.5% خلال التسعينات، وما تزال أفريقيا تتلقى حوالي 2ر2% من هذه التدفقات، ثم أن دول الخليج كانت إلى فترة قريبة مصدرة لرؤوس الأموال، كما أن تطبيق نظام إسلامي متكامل سوف يجعل تدفق الاستثمارات إلى العالم الإسلامي محكوم ضمن عوامل أخرى بعامل خارجي هو نظرة المستثمر الأجنبي لمناخ الاستثمار في ظل الأوضاع الجديدة. (راجع:فرج عبد العزيز عزت، وإيهاب عز الدين نديم، الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتنمية الاقتصادية في العالم ، المؤتمر الدولي حول اقتصاديات الدول الإسلامية في ظل العولمة، سبق ذكره،ص ص:24-32).

[17] عمر عبد العزيز العاني،العلاقات التجارية بين المسلمين وغير المسلمين في الفقه الإسلامي، المؤتمر الدولي حول التاريخ الاقتصادي للمسلمين، جامعة الأزهر، مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي،1995. ص:169.

[18] يلاحظ أنها كانت جميعها ملكيات عامة قبل الفتح للحكومة الفارسية والشاهنشاه وللإمبراطورية البيزنطية وأن ما فعلته الحكومة الإسلامية هو عملية تحويل كبرى لوضع المزارعين في هذه الأراضي من أقنان للأرض إلى مستأجرين أو أصحاب حق انتفاع، في بعض الأقوال، لا يؤدون للحكومة سوى ضريبة الخراج. (راجع: محمد باقر الصدر، سبق ذكره، ص ص:497-522).

[19] خوفا من أن يؤدى توزيعها على المحاربين المشاركين في فتحها عبر التوارث من جيل إلى جيل، إلى سوء توزيع الثروة إذ تبقى المساحات الشاسعة في يد الرجل أو المرأة والأكثرية لا تجد شيئا. (راجع:أحمد بن حجر العسقلاني،فتح الباري، سبق ذكره، المجلد السادس، ص ص:297-329. وشمس الدين الذهبي، تاريخ الإسلام، سبق ذكره، ص:41 وما بعدها).

[20] يقدم التاريخ الإسلامي خبرة كبيرة في مجال إيجاد علاقات جديدة بين قوى الإنتاج كالمساقاة والمزارعة والمحاقلة تفصل بين الملكية والإدارة وقدمت الدراسات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة اجتهادات قيمة تسحب هذه العلاقات من الأنشطة الزراعية والتجارية إلى الأنشطة الصناعية وكافة الأنشطة الإنتاجية السلعية والخدمية، ليس هذا فحسب، بل أن الواقع الاقتصادي المعاصر، حتى في إطار عمليات الخصخصة يطرح بدائل متعددة للعلاقات بين قوى الإنتاج لا تقتضي بالضرورة تنازل الدولة عن ملكيتها للأصول الرأسمالية،(راجع في ذلك المبحث الثاني في الفصل الأول من هذه الدراسة، وأميرة عبد الطيف مشهور،سبق ذكره, ص ص:257-294 و Kojima , Reeitsu “ the Growing fiscal authority of provincial – level Governments china " the developing Economies v0l xxx 4 , December 1992 , p.p: 315-364 ).

[21] محمد باقر الصدر، سبق ذكره، ص ص:494-523.

[22] إبراهيم الطحاوي، الاقتصاد الإسلامي مذهبا ونظاماً، مجمع البحوث الإسلامية، الأزهر الشريف، القاهرة،الجزء الأول، 1974، ص:502.