محمد بن عبد الله الخليلي

الإمام محمد بن عبد الله الخليلي (1299 هـ- 1954) إمام الإباضية بعمان في مطلع القرن العشرين. وقد قاد تمرد القبائل ضد سلاطين مسقط. ووقع اتفاقية السيب عام 1920 مع السلطان تيمور بن فيصل والتي بمقتضاها حكم السلطان مسقط والبلدات الساحلية وحكم الإمام عُمان الداخلية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسب الإمام

يرجع نسب الإمام إلى عائلة عريقة تولت مناصب في الحكومات السابقة، بالإضافة إلى مكانتها العلمية والأدبية، ونسبه كما ورد ذكره في كتاب نهضة الأعيان بحرية عمان " هو العلامة المحقق محمد بن عبدالله بن سعيد بن خلفان بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عامر بن ناصر بن عامر بن بوسالم بن أحمد من نسل الإمام الخليل بن عبدالله بن عمر بن محمد بن الإمام الخليل بن العلامة شاذان بن الإمام الصلت بن مالك بن بلعرب الخروصي نسبةً إلى خروص بن شاري بن اليحمد بن عبدالله، وعبدالله هو الحمى من سلالة نصر بن زاهر بن كعب ابن حارث بن كعب بن عبدالله بن مالك بن نصر بن أزد بن نبت بن مالك بن يزيد بن كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي عليه الصلاة والسلام، هذا نسبه وقد كتب نقلا من خط الشيخ خلفان بن عثمان الخروصي عن خط جده الشيخ خميس بن العلامة أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي" يتضح مما سبق انتماء الإمام إلى عائلة لها جذورها في تولي مناصب الإمامة والقضاء، ونبوغها في العلم وتفقهها في الدين.[1]


النشأة

ولد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي بولاية سمائل، ويقال كان مولده في قرية سحراء في سنة 1299 للهجرة،[2] ونشأ في بادئ الأمر في حجر أبيه العلامة عبدالله بن سعيد بعلاية سمائل ثم انتقل بعد ذلك إلى وادي محرم وعاش فيه حتى بويع بالإمامة، ولا يزال منزله قائماً حتى الآن بوادي محرم.[1]

وأما عن نشأة الإمام العلمية فقد كان جده وزيراً لإمامة عزان بن قيس رحمه الله، وكان من أهل الحل والعقد فقد كان يطلب المعالي وكثير الخلوة والتبتل والتلاوة، كما أنه ألف عدد من الكتب منها "النواميس الرحمانية في تسهيل الطريق إلى العلوم الربانية"، وله في السلوك قصائد جمة ومناظيم في فتوحات الإمام عزان بن قيس وأجوبة ومسائل نظماً وله ألفية في الصرف سماها "المقاليد"، وله أيضاً قصيدة في العروض سماها "مظهر الخافي المضمن الكافي في علم العروض والقوافي"، و"أرجوزة في الزكاة شرحها"، ورسالة سماها "السيف المذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وكتاب "التمهيد" وهو أجوبة وردت إليه في مختلف فنون العلم في أربعة أجزاء ضخمة، وكتاب "كرسي الأصول"، ومن هنا أثر ذلك في نشأة والده عبدالله وعمه أحمد، فقد كان والده عالماً جليلاً كثير الإطلاع على فنون العلم كثير قيام الليل، وهو الأمير والسيد المطلق في وادي سمائل وتولى شؤون قبيلة بني رواحه، كما أنه كان عالماً بفنون الأدب واتسم بعبقريته الشعرية وله ديوان ضخم في الحماسة والفخر والغزل والنسيب، لكن يذكر أن ابنه الإمام محمد مزق هذا الديوان ولم يبق منه سوى ما تداولته ألسن الناس. بالإضافة إلى أنه تأثر في نشأته بعمه العلامة أحمد فقد كان فقيهاً ورعاً عليه مدار الفتايا والقضاء بوادي سمائل وله أجوبة مسائل نظماً ونثراً، وكان شهماً جريئاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في وقت الكتمان ولا يرد أمره[3].

ويتصل نسب أسرة الإمام محمد الخليلي بالإمام الخليل بن العلامة شاذان بن الإمام الصلت بن مالك، ومن ذلك يتضح أن الإمام محمد بن عبدالله قد نشأ في أسرة علمية وتولت مناصب في عهد الأئمة، وتجلى مكانته العلمية والفقهية والأدبية عند جده وأبيه وعمه أحمد، كما كانت لآبائه الرئاسة على بني رواحه ومن تبعهم من قبائل عمان، كل هذه العوامل وغيرها أسهمت في نشأة الإمام الخليلي نشأة طيبة قادرة على قيادة الأمة الإسلامية واتضح ذلك جلياً في إمامته لأهل عمان.

علوم ومشايخ الإمام

تعلم الإمام النحو على يد الشيخ محمد بن عامر الطيواني، وكان يجلسه للمذاكرة البحر الأسود الشيخ عبيد بن فرحان والشيخ العلامة حمد بن عبيد السليمي، ويناظرهم الشيخ أبو وسيم خميس بن سليم الأزكوي، وأما عن فنون العلم فقد درسها على عمه الشيخ العلامة أحمد بن سعيد وأبيه الشيخ العالم عبدالله بن سعيد آل الخليل، ومن ذلك يظهر لنا أن الإمام تلقى علوم اللغة العربية والعلوم الفقهية ومختلف فروع العلم منذ طفولته واهتمامه بها مواظباً على مجالسة العلماء، ثم هاجر بعد ذلك إلى شرقية عمان لدراسة العلوم فقرأ على نور الدين السالمي التفسير والحديث والأصول وفنون العلم، وبذلك أصبح علماً من الأعلام وحجة في المعقول والمنقول والمنثور والمنظوم.[4] ومن مشايخ الإمام أيضاً كما ورد على لسان حال علي بن خلفان الرواحي أحد عساكر الإمام الشيخ عامر بن خميس المالكي والشيخ المعلم حامد بن ناصر بن وجد الشكيلي.[5]

صفات الإمام وأخلاقه

من صفات الإمام الخلِقية أبيض اللون، وحسن الخلق ونحيف البنية، وطويل القامة متوسط حجم اللحية ليست طويلة ولا قصيرة، واسع العينين يمشي مسرعاً مرتدياً بالسكينة، وأما عن أخلاقه فقد كان شديد الفراسة ينظر بنور الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ، كما أنه بعيد الصلف وبعيد الغضب إلا إذا انتهكت محارم الله واسع الصدر، دائم الفكر وحمول للأذى، أكثر دهره صامتاً إذا تكلم تكلم بعلم وإذا سكت سكت عن أدب، وقد كان كثيراً ما يفاجئ من أراد مناجاته أو تكليمه بين الناس بالمعنى الذي جاء من أجله بعبارة وجيزة لا يحسنها الزائر ليعرب له عن قصده، بالإضافة إلى أن بعض الوفود يرتج عليه أن ينطق بشيء يباسط الناس الخاصة والعامة، ويقصص لهم القصص الدينية والآداب الدنيوية، ولا يرد سائلاً ولا مسترفداً ويسلي الموجع ولا يملك ما بيده أكرم أهل زمانه، ويخالط الناس جميعهم ويباسطهم ويعلمهم أمر دينهم ودنياهم يقضي نهاره في خدمة المسلمين، ويقضي حاجة كل إنسان بغض النظر عن سنه وجنسه، كما يقوم في بعض الأحيان بمعالجة بعض المرضى الضعفاء، ويتولى كل أمور المسلمين حتى بروات الطعام لدواب الضيوف ودواب الدولة، فقد ملك الناس بالمحبة والسياسة واللين وطيب الخلق لا بالقوة والجبروت.[6]

كما أن من صفات الإمام أنه يتلمس العذر لرعيته وإخوانه والتخلص له من العثرة، كما، أنه لا يشتكي لأحداً وجعاً، ولا ينتقم من عدوه وذلك لسماحة الإسلام ولمقدرته على العفو كما ورد في القرآن الكريم، كما أنه لا يغفل عن الولي سواء أكان في الشدة أو الرخاء، واتسم بسمة الإيثار والبعد عن التبرم والضجر، ورحابة وسعة صدره لجميع شكاوي رعيته ولما يحدث لهم من الكوارث، ومن هنا يمكن القول بأن سيرة الإمام كانت تسير على نهج كتاب الله وسنة نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.[7]

زهد الإمام وورعه

كان الإمام محمد بن عبدالله الخليلي قبل ارتقائه عرش الإمامة في رغد من العيش حيث كان غنياً، متأنقاً في اللباس والمأكل والمشرب، ذلك لأنه ورث عن آبائه ثروة كبيرة فباع أصولها بمائة ألف قرش وخمسين ألف قرش صرف عمان (أي عبارة عن خمسمائة ألف روبية وخمسة وعشرين ألف روبية هندية)، ولما تولى أمر المسلمين رغب عن ذلك كله إلى الزهد والتواضع فأنفق جميع ماله في سبيل الله ولخدمة المسلمين، ومضي رضي الله عنه في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه الراشدين وأصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاه، وليس هذا فحسب بل كان يصوم الأيام والليل ويفطر على التمر والسمك اليابس (العوال) فقد كان كثير صيام التطوع، وظل كذلك حتى ابتلاه الله بضعف البصر لكثرة صيامه وتقشفه في المعيشة، وبقي خمسة أشهر مكفوفاً وتطلب ذلك إحضار الطبيب من مسقط لعلاجه فلبى دعوته فعالجه فأبصر من إحدى عينيه وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى.[8]

مبايعة الإمام محمد بالإمامة

بويع الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ذي القعدة سنة 1338هجرية، حيث اجتمع العلماء والأعيان ومشايخ القبائل وأهل الحل والعقد بجامع نزوى وأجمعوا على مبايعته، وذلك بعد استشهاد الإمام سالم بن راشد الخروصي بثلاثة أيام، وقد امتنع في بادئ الأمر عن قبول أمرهم لكن إصرارهم على مبايعته بالإمامة قبل تولي أمر المسلمين، ويتضح ذلك في أنه لم يأخذوا عليه عهداً ولا شرطاً، كما أنه حظي الإمام رحمه الله بالثقة المطلقة وكان أعلم الجماعة معه، بينما كان على رأس المبايعين الشيخ العلامة رئيس القضاة أبومالك عامر بن خميس المالكي وهو أحد العاقدين الإمامة على الإمام سالم بن راشد الخروصي، ثم الشيخ العلامة ماجد بن خميس العبري وقد أدرك هذا الشيخ الإمامين عزان بن قيس وسالم بن راشد وبايعهم وعمل لهم، ثم الشيخ الزاهد أبوزيد عبدالله بن محمد بن رزيق الريامي وهو أحد العاقدين على الإمام سالم بن راشد ثم الشيخ الأمير العالم عيسى بن صالح الحارثي، ثم الشيخ العالم محمد بن سالم الرقيشي ثم الشيخ أبوعلي سيف بن علي بن عامر المسكري ثم الشيخ حمدان بن سليمان بن سيف النبهاني ثم الشيخ مهنا بن حمد بن محسن العبري، ثم الشيخ العلامة إبرهيم بن سعيد بن محسن العبري ثم الأشياخ العباهل الأوتاد أولاد هلال بن زاهر الهنائي، ثم بقية العلماء والقضاة ثم الأمراء والرؤساء ثم الخاصة ثم العامة، وبعد أن انتهت البيعة قام العلامة أبومالك فخطب في الناس خطبة العقد ثم قام أبو زيد فخطب في العسكر، وبعد انتهاء الخطبتين انفض المجلس دخل الإمام دار الإمامة حيث فتحت له الأبواب واستبشر الناس بهذا الإمام، وكعادة تولي الأئمة المسلمين الإمارة يقومون بإلقاء الخطب بعد المبايعة.[9]

مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية في عهد إمامته

لقد كان الإمام محمد بن عبدالله الخليلي يقضي يومه كأي فرد في المجتمع، حيث كان غالباً ما كان يقضي يومه في الصباح جلساته مع المشايخ والقضاة وبعض الضيوف في الحصن، بينما في المساء يجلس في البرزة بين القلعة والمجلس حيث كانت تقام الحدود والأحكام كجرائم الزنا، بينما الحدود التنفيذية كجرائم القتل تقام عند حارة الوادي برج الصراجية على مسمع ومرآى من الناس، وبدون أن تثور كلمة ضد النظام على الرغم من النزعة القبلية السائدة كانت آنذاك عند العمانيين، وهذا التصرف يذهل ويعطي صورة لسيرة النور التي انتهجها الإمام باقتفائه الخلفاء الراشدين. كذلك كان الإمام يحارب الشعوذة والدجل وما يسمى بالزار وغيرها من العادات الاجتماعية المنافية للقيم والمبادئ الإسلامية، بالإضافة إلى أنه كان يقيم البرزة وتطرح فيها التساؤلات حول أمور دينهم ودنياهم وأحياناً تقص فيها الكتب الفقهية واللغوية، كما أن المناسبات الاجتماعية كالأفراح تقام حيث يمارس فيها الفنون الشعبية التي يقيمها الرجال بمعزل عن النساء، بينما كانت النسوة بمعزل آخر عن الرجال بحيث لا يختلط الرجال مع النساء كما نشاهد في هذا الزمان، وحظيت كذلك بعض المناسبات بالاحتفال كالمولد النبوي الشريف حيث يقرأ بصفة رسمية القاضي محمد بن علي الشرياني بالإضافة إلى قراءة بردة البوصيري، كذلك الاحتفال بالعيدين الفطر المبارك وعيد الأضحى حيث كانت تؤدى صلاة العيد في المصلى عند برج القرن بين العلاية والسفالة في نزوى، كما أنه كان يرشد العامة إلى تأدية زكاة عيد الفطر المبارك، كذلك كان يشجع على الزواج حيث يساعد من يرغب في الزواج وكان الصداق بمهر يسير، ومن ذلك يتضح لنا أن الإمام اهتم بتقوية العلاقات الاجتماعية على أسس إسلامية خالصة ومحارباً كل ما يتناقض مع الدين الإسلامي الحنيف.[10]

أما الأحوال الاقتصادية في عهده حيث كانت البلاد في عهده تنعم بالرخاء والأمن والطمأنينة حتى يقال نقلاً عن بعض الروايات أن خلال فترة إمامته لم تظهر النزاعات القبلية، وهذا يدل على عدله ورضى جميع القبائل عن إمامته، بينما مصادر دخل دولته كان من أموال وقف البلاد وما يدخل بيت المال من زكاة، حيث كانت الزكاة مفروضة على كل إنسان تجب عليه الزكاة، على عكس هذا الزمن الذي أصبحت الزكاة لمن يرغب فيها وحتى لو كانت عليه زكاة، وأحياناً قد ينفق جزء يسير من الزكاة المفروضة عليه.[11]

عائلة الإمام

تزوج الإمام محمد بن عبدالله الخليلي بزوجتين هما فاطمة بنت أحمد بن سعيد الخليلي وهي بنت عمه ونسلت منه أنثى اسمها عائشة، والثانية جوخة بنت سيف بن سليمان الرواحي لم تنجب منه شيئاً، بينما كانت والدته شيخة بنت عبدالله السعدي وابنته عائشة من أهل العلم، ويقال في بعض الروايات كما رثاه أحد الشعراء العمانيين في قصيدته حيث كناه بأبي يحي وهذا احتمال وارد حيث لم يكن المصدر على علم بذلك، ولكن يقال أنه توفى وهو صغير والله أعلم. ولم يبق من عائلة الإمام حتى الآن سوى حفيدته زمزم، وأما عن لباس الإمام فقد كان غالباً ما يقدم له من مشايخ بني هناه وغيرهم من الأثرياء، وتقدم له كذلك العطور والأشياء الأخرى كالبخور واللبان وغيرها وذلك تكريماً لجهوده في إقامة العدل والأمن، وكان الإمام يحمل السيف والمسدس والخنجر والعصا في خروجه للناس، كما كان بيته مفتوحاً لكل إنسان حتى من يلجأ إليه في منتصف الليل، وقد وصف ذلك المشهد الشيخ عبدالله بن علي الخليلي في مرثيته الرائية وهي لم تطبع بعد حيث يقول:

إذا أغلقت أبواب كسرى وقيصر فبابك دون الناس لم يوف مغلقا[12]

قضاء الإمام ليومه

فقد ورد ذكر ذلك في كتاب نهضة الأعيان بحرية عمان حيث " يقيم الإمام بحصن نزوى واتخذه مقراً له وفيه يستقبل الزوار والوفود، ويشرف على أحوال الدولة وشئون البلاد، وينهض في الثلث الأخير من الليل بل لا يهدأ الليل إلا قليلا حتى إذا حضرت صلاة الفجر صلى بالناس جماعة فيقعد في مجلسه ذلك لتلاوة القرآن العظيم، ويقعد من صلى بالجماعة عنده حتى تطلع الشمس ثم يؤتى بالفطور وهو الرطب في أوانه أو التمر والقهوة البنية، فيلبث بعد ذلك نحوا من ساعة ثم يدخل مسكنه فيغير لباسه ويصلي ما شاء الله ثم يخرج للناس فيقعد في مجلسه، ويؤذن للخاصة والعامة غير محتجب ولا ممنوع فبابه مفتوح للضيوف والمظلوم، وماله مبذول للسائل والرافد والمحروم، وسيفه مسلول للجائر الغشوم تكون الأحكام الشرعية بحضرته أكثر ما يفصلها القاضي بعد اطلاعه عليها، أما أحكام الحدود فيتولى فصلها بنفسه بعد مشورة العلماء لما فيها من الخطر عند الله وللتنقيح في آراء العلماء والقضاة، فيبقى في مجلسه ذلك إلى حضور صلاة الظهر، وبعض الأحيان يقوم قبيل الظهر بمقدار نصف ساعة خصوصاً وقت الصيف للاستراحة والقيلولة ثم يخرج فيصلي بالناس إما في الجامع أو في غرفة الصلاة بالحصن، وبعد الظهر يبرز للناس خارج الحصن إلى حضور صلاة العصر فيصلي بهم في الجامع، ثم يدخل الحصن فيأمر بإخراج الطعام للناس والأضياف على قدر مراتبهم ثم يحضر لصلاة المغرب بغرفة الصلاة فيصلي بالناس، ويقعد للمذاكرة والمباحثة في العلوم فيحضره جماعة من العلماء والطلبة، وقد أفرد هذا الوقت لهم حتى تكون الساعة الثامنة فيصلي بهم العشاء الآخرة فيدخل محله الخصوصي فيحي ليلته قياماً وقراءة لا ينام إلا خيالا ".[13]


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تفرد الإمام بمجموعة من المسائل

اتسم الإمام الخليلي بعلمه الغزير وتفقهه في الدين، لذا كان مرجع للعمانيين في حل مشكلات العلم وما استصعبوه من أمور في حياتهم، ومن هنا فقد كانت له أحكام تفرد بها عن غيره من أصحاب المشارقة وجمهورهم لكنه رجح بعض الأقوال، ومن هذه الأحكام: ·أمر أن تصلى صلاة ركعتين بعد صلاة الجمعة في الجامع ندباً، حيث كانوا لا يصلونها في المسجد عملاً بحديث ابن عمر عند الربيع. ·صلاة التروايح ثمان ركعات جماعة، وصلاة ركعتين راتبة العشاء قبلهن فرادى. ·من أفسد رمضان تعمداً فَلُيِكَفًّر وليصم ما أفسد لا ما مضى خلافاً للجمهور. ·حمل ما سقى بأزجر على ما سقى بالنهر في النصاب وإخراج الزكاة من كل بحسابه وقد حل محل الزجر حديثاً آلات البخار التي تعمل على ضخ المياه للزروع من باطن الأرض. ·يفتي ويحكم في البيّعين إذا اختلفا في المبيع والبيع قائم تحالفاً وتراداً إن لم يكن في الثمن القول قول البائع مطلقاً ولو كان البيع بيد المشتري. ·من باع نخلاً وقد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المشتري، ويرى من فروع هذه المسألة أن من اختار ماله وقد أبره المشتري فالثمرة له ولو لم تدرك. ·يقول بتحريم ربا الفضل ولو كان ذلك يداً بيد. ·أن من ابتاع سلعة ثم أفلس فوجد المشتري سلعته بعينها فهو أحق بها من سائر الغرماء عملاً بحديث الربيع. ·أن المولى عنها إذا خرجت عن زوجها بتمام مدة الإيلاء فعليها عدة الطلاق ولايكفيها مضي تلك المدة عن العدة. ·حكم بالشفعة في القياض ولو كان أصلاً بأصل، وعلى الشفيع ثمن ما دفعه ذو شفعته في مقابلها. ·لا يرى الكلام والسؤال ونحوه من الشفيع مبطلاً للشفعة. ·لا يرى رد اليمين على المدعي إلا أن يقبل أن يحلف على حقه جمعاً بين الأحاديث، وقد سبقه إلى هذا قطب الأئمة رضوان الله عليه. ·يرى الإسقاط بالحوائج السماوية إذا بيعت الثمرة بعد الحراك عملاً بحديث رواه مسلم أمر بوضع الحوائج. ·لا يرى بأساً بالصلاة على الصوف، ولم ير للمانع حجة إلا الاستدلال بمفهوم اللقب. ·أجار بيع المدبر في دين أو حاجة عملاً بالأحاديث، ويرى العموميات التي تعلق بها الجمهور لا تنهض لمعرضتها. ·يرى أن من كان ماله عبيداً فأعتقهم في مرضه أو أوصى بعتقهم كلهم فيعتق منهم الثلث بالقرعة ويسترق الباقون عملاً بالحديث الوارد في ذلك ويدفع في صدر القياس. ·يرى أن من سافر عن زوجته وأطال الغيبة وخافت العنت ورفعت إلى الحاكم أمرها له أن يطلقها دفعاً لضررها لأن الشارع راعى ذلك، وجعل النساء على الرجال حقاً غير الإنفاق، ومن ذلك الحق العشرة ولكن لا يطلقها الحاكم إلا بعد الاحتجاج على الزوج إن كانت الحجة تناله. ·يأخذ بمذهب زيد بن ثابت في ميراث الفرقى والهدمى، وأن لا يورث هالك من هلك. ·يرى أن لا فرق بين الغائب والمفقود، وأن مدتها واحدة أربع سنين محتجاً بالقضية الواقعة في عهد عمر رضي الله عنه.[14]

أهم أعمال وآثار الإمام

1.فقد تولى قبل بيعته شؤون قبيلة بني رواحه بعد ما وصلت إليه عن طريق آبائه. 2.وقع اتفاقية معاهدة السيب بين عمان الداخل في ظل الإمامة والسلطان بتاريخ 25 سبتمبر سنة 1920م، وهي المعاهدة التي وضعت مبدأ التعايش السلمي بينهما، كما تعهد شيوخ عمان وقبائلها بالكف عن شن هجمات على المناطق الساحلية.[15] 3.أنشأ مدرسة الإمام وقد تأسست في أول وهلة منذ قيام الإمامة على يديه بعد استخلاف الإمام سالم بن راشد بجامع نزوى، ومن المدرسين بها الشيخ حامد بن ناصر الشكيلي والشيخ حمود بن زاهر الكندي والشيخ مرزوق بن محمد المنذري وغيرهم.[16] 4.أنشأ في حصن قلعة نزوى غرفة فاطمة لتعليم القرآن الكريم وأمور الدين للنساء حيث حظيت المرأة بنصيبها من التعليم في فترة الإمام بالإضافة إلى حصولها على كافة حقوقها التي حددها الشرع. 5.عمل الإمام على نشر الأمن والعدل بين الناس، وحل مسائلهم وفض الخلافات بينهم، وبذلك أصبح الرجل يستطيع السير بدون سلاح. 6.عمل على استنهاض القبائل للدفاع عن الرستاق ومناصرة الشيخ ناصر بن راشد الخروصي، وإنقاذه من البغاة المحدقين به في حصنها، وبذلك تم إعادتها للإمامة. 7.كانت له مراسلات مع بعض الملوك كالملك عبدالعزيز والإخوان المغاربة وأهل الحل والعقد مثل الشيخ الأمير عيسى بن صالح بن علي الحارثي. 8.مجموعة فتاوي ورسائل جمعها ورتبها أحد تلاميذه في كتاب سماه الفتح الجليل من أجوبة الإمام أبي خليل طبع في سنة 1385هـ -1965م.

بعض تلاميذ الإمام محمد

بعض تلاميذ الإمام ويعدون من مشايخ العلم وهم الشيخ سيف بن محمد الفارسي من فنجاء، والشيخ خالد بن مهنا البطاشي والقاضي الشيخ شماس بن محمد البطاشي، والشيخ جابر ابن علي المسكري، والشيخ سعيد بن حمد الحارثي، والشيخ سالم بن قصور الراشدي والشيخ يحي بن سفيان الراشدي، والشيخ محمد بن سالم والشيخ ناصر بن سالم، والشيخ حمود بن عبدالله الراشدي والشيخ سعود بن سليمان الكندي والشيخ موسى بن سالم الرواحي وغيرهم.[17]

وفاة الإمام

توفي الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في يوم الإثنين التاسع والعشرين من شعبان سنة 1373للهجرة / 1954م، هاجرت الروح الطاهرة إلى ربها، وعند وفاته جمع إخوانه العلماء فقال في جملة وصيته بعد الشهادتين " إن ديني الاسلام ورأيي رأي المسلمين ومذهبي مذهبهم ثم قال لا بل مذهبي محمدي " يعني أنه مجتهد في الرأي غير مقلد لمن سبقه من العلماء إلا ما يراه حقا،[18] لقد توفي العالم والإمام الجليل عن عمر يناهز الرابع والسبعين، ودهش الناس لوفاة الإمام وتجمع جمع غفير من المواطنين لم يتسع المكان لهم، ولما فرغوا من غسله كفنوه وجهزوه، وعقدوا الإمامة في ذلك الحين للإمام غالب بن علي الهنائي، حيث وضع الإمام محمد رحمة الله عليه وثيقة قرأها الشيخ سفيان عين فيها الإمام غالب، وتم مبايعة الإمام من قبل الحاضرين، وصلى على الإمام باعتباره إماماً للمسلمين تحت أشجار الغاف هناك في نزوى، ويروي البعض أن الطيب كان ينفح من قبره.[19]

الخاتمة

شخصية الإمام محمد ليس بغريبة في أحداثها وإنما في الزمان الذي عاشت فيه، تأكيد على إمامة المسلمين وليس بالحكم والتسلط والسيطرة على المادة، فلم يكن همه ذلك قبل إرضاء ربه ورسوله ومن والاه إلى يوم الدين، فعمل ليل نهار متنقلاً بين قرى عمان الداخل لإصلاح أمر المسلمين وتأدية ما عليه من حقوق وواجبات كل ذلك ساهم في جعل ذلك الإمام أسطورة زمانه، ومن سياق هذه الشخصية يمكننا تتبع أثرها وزهده عن الحياة الدنيوية الدنيئة التي لا تساوي حتى مثقال ذرة عنده، وما رزق به هذا الإمام من كرامات يكفي لنا أن نأخذ العبرة والموعظة من ذلك .

المراجع والمصادر

الكتب

1.أبي بشير محمد شيبه بن نور الدين عبد الله بن حميد السالمي، نهضة الأعيان بحرية عمان. (القاهرة: دار الكتاب العربي، 1960م). 2.إسماعيل بن إبراهيم بن سعيد السرحني، قلائد المرجان في ذكر السيرة العطرة لأئمة عمان. (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، 1983م). 3.روبرت جيران لاندن، عمان منذ 1856مسيرا ومصيرا، ترجمة محمد أمين عبدالله، ط4. (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، 1989م). 4.ناصر بن سالم بن عديم الرواحي، ديوان أبي مسلم. ( دار المختار، 1986م).

المقابلات

1.مقابلة مع علي بن خلفان الرواحي أحد عساكر الإمام في منزل الشيخ سعيد بن حمد الحارثي، يوم الأربعاء 15 رجب 1422هـ / الموافق 3 أكتوبر 2001م. أجرها جابر بن مرشد الرواحي. 2.مقابلة مع سعيد بن حمد الحارثي أحد تلاميذ الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في منزله، يوم الإثنين 20 رجب 1422هـ / الموافق 8 أكتوبر 2001م. أجرها جابر بن مرشد الرواحي. 3.مقابلة مع الشيخ موسى بن سالم الرواحي أحد تلاميذ الإمام محمد بن عبدالله الخليلي وبينهما صلة قرابة، تمت المقابلة في منزله يوم الخميس 19شوال 1422هـ / الموافق 3 يناير 2002م. أجراها الباحث .

الهامش

  1. ^ "سيرة الإمام محمد بن عبد الله الخليلي". منتديات نفوسة ليبيا. 2009-04-19. Retrieved 2010-10-20.

المراجع

[1]- أبي بشير محمد بن شيبه بن نور الدين عبدالله بن حميد السالمي، نهضة الأعيان بحرية عمان. (القاهرة: دار الكتاب العربي،1960)، ص323. أيضاً: إسماعيل إبراهيم سعيد السرحني، قلائد المرجان في ذكر السيرة العطرة لأئمة عمان. (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة،1991)، ص46. [2]- أبي بشير محمد شيبه بن نورالدين عبدالله بن حميد السالمي، المصدر السابق، ص323. أيضاً: إسماعيل إبراهيم سعيد السرحني، المصدر السابق، ص46. [3]- أبي بشير محمد شيبة بن نورالدين بن عبدالله بن حميد السالمي، المصدر السابق، ص326، ص ص331-332. [4]- المصدر السابق، ص ص323-326. [5]- مقابلة أجراها جابر بن مرشد الرواحي، مع علي بن خلفان الرواحي في منزل الشيخ سعيد بن حمد الحارثي. (يوم الأربعاء 15 رجب 1422هـ ، الموافق 3أكتوبر 2001م). [6]- أبي بشير محمد شيبه بن نورالدين عبدالله بن حميد السالمي، المصدر السابق، ص324. أيضاً: مقابلة أجراها الباحث مع الشيخ موسى بن سالم الرواحي في منزله. (يوم الخميس 19شوال 1422هـ ـ الموافق 3يناير 2002م). أيضاً: إسماعيل بن إبراهيم سعيد السرحني، المصدر السابق، ص46. أيضاً: مقابلة أجراها جابر بن مرشد الرواحي مع الشيخ سعيد بن حمد الحارثي في منزله. (يوم الإثنين 20رجب 1422هـ ـ الموافق 8 أكتوبر 2001م). [7]- أبي بشير محمد شيبه بن نورالدين عبدالله بن حميد السالمي، المصدر السابق، ص325. [8]- المصدر السابق، ص325. أيضاً: مقابلة مع الشيخ موسى بن سالم الرواحي. أيضاً: إسماعيل إبراهيم سعيد السرحني، المصدر السابق، ص48. [9]- إسماعيل إبراهيم سعيد السرحني، المصدر السابق، ص46. أيضاً: أبي بشير محمد شيبه بن نور الدين عبدالله بن حميد السالمي، المصدر السابق، ص ص 338-339. [10]- مقابلة مع الشيخ موسى بن سالم الرواحي. [11]- المصدر السابق. [12]- المصدر السابق. [13]- أبي بشير محمد شيبه بن نورالدين عبدالله بن حميد السالمي، المصدر السابق، ص340. [14]- المصدر السابق، ص ص340-342. [15]- روبرت جيران لاندن، عمان منذ 1856 مسيرا ومصيرا، ترجمة: محمد أمين عبدالله، ط4. (مسقط: وزارة التراث القومي والثقافة، 1989)، ص471. [16]- مقابلة مع الشيخ موسى بن سالم الرواحي. [17]- مقابلة مع الشيخ موسىبن سالم الرواحي. [18]- إسماعيل إبراهيم سعيد السرحني، المصدر السابق، ص48. [19]- مقابلة مع الشيخ موسى بن سالم الرواحي.

مناصب سياسية
سبقه
سالم بن رشيد الخاروصي
إمام عمان
؟ - 1954
تبعه
غالب بن علي الهنائي