ليون الطرابلسي

(تم التحويل من ليو الطرابلسي)
نهب سالونيك في 904، من Madrid Skylitzes.

ليون الطرابلسي (باليونانية: Λέων ὸ Τριπολίτης؛ إنگليزية: Leo of Tripoli) كان قائداً بحرياً يونانياً مسلماً قاد الأساطيل العربية ضد الإمبراطورية البيزنطية في مطلع القرن العاشر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خلفية

كان القرن التاسع الميلادي الموافق للقرن الثالث الهجري هو عصر السيادة البحرية الإسلامية، وكان البحر الأبيض المتوسط والذي كان يعرف قبل ظهور الإسلام ببحر الروم، والذي تحول بعد ذلك إلى بحر العرب هو ميدان هذه السيادة، وقد بدأ المسلمون العرب معاركهم البحرية الأولى في تردد وخوف من البحر وأهواله، ولكن لم يمض سوى نصف قرن حتى كان البحر لهم كاليابسة محط الغزوات والفتوحات الكبيرة، وكان فتح جزيرة قبرص سنة 28 هـ على يد معاوية بن أبي سفيان، إيذانا بتدشين عصر الفتوحات البحرية التي استمر خطها البياني في تصاعد مطرد حتى وصل لقمته في القرن الثالث الهجري، وفي هذه الفترة ظهر ليون الطرابلسي، الملقب بأمير البحر.


أمير البحار

وُلد ليون الطرابلسي لأبوين مسيحيين في بلدة تدعى أتاليا في جنوب شرقي الأناضول. أُسر ليون في غارة عربية على المنطقة. وفي الأسر، اعتنق الإسلام ووضع خبرته البحرية في خدمة آسريه.[1] ويقال أنه اعتنق الاسلام شاباً، وفر من بلدته وانضم للبحارة المسلمين الذين كانوا يجوبون البحار لمحاربة الأساطيل البيزنطية لردعها عن شواطئ المسلمين، وكان هؤلاء البحارة يركون غاراتهم على شواطئ بحر الأرخبيل (بحر إيجه)، وثغوره وجزره.[2] كان اسمه العربي رشيق الورادني، لكنه اشتهر بالاسم الأول لسيده غلام زرافة.[3]

ليون الطرابلسي، وهو أمير البحر الذي فاضت المراجع والكتب الغربية في وصف وسرد حملاته وغزواته البحرية الجريئة على ثغور الدولة البيزنطية، في حين أغفلت بكل أسف كتب التاريخ الإسلامية حياة هذا البطل العظيم حتى لا نكاد نرى له أي ذكر بها سوى بضعة سطور لابن الأثير في أحداث سنة 291 هـ، فمن هو 'ليو' أو 'ليون الطرابلسي'.

المصادر الإسلامية، لا تكاد تذكره وعند البحث والتحقيق عنه ينتهي الكلام إلى أنه الملقب باسم 'غلام زرافة' أو 'رشيق الورادني' وكان أمير البحر لوالي طرابلس أيام الخليفة 'المستكفي' العباسي، وليس في الرواية الإسلامية ما يلقي الضوء على نشأته، ولكن الروايات الغربية خاصة البيزنطية تكشف لنا عن نشأة هذا البطل العظيم وأعماله الهائلة في ميادين الجهاد في سبيل الله، ومما يزيد من حسرتنا وألمنا أن يكون أعداؤنا أولى منا برجالنا.

بزوغ نجمه

انتقل ليون منذ حداثته من بلده إلى مدينة طرابلس من أعمال الشام وبها استقر وترعرع على متن السفن وتلقى دروسه العربية في لجة البحر، واشترك منذ صغره في كثير من الحملات الجهادية التي كانت تقوم بها الجماعات البحرية المسلمة، واكتسب خبرة وشجاعة وجراءة كبيرة، خاصة في قتال الأساطيل البيزنطية، واشتهر بخفة حركته وسرعته في اتخاذ القرارات الحاسمة، فاشتهر عند المسلمين باسم 'رشيق'.

تدرج 'ليون' أو 'رشيق' في سلم قيادة الأساطيل حتى صار من كبار قادة البحر ثم انتقل إلى مدينة 'طرسوس' وكانت تعتبر المرتكز الرئيسي في محاربة الدولة البيزنطية بل تعتبر رأس الحربة الإسلامية في هذا المضمار، فأصبحت 'طرسوس' محط رحاله ومرفأ سفنه، وجمع 'ليون' تحت لوائه أمهر وأشجع البحارة المسلمين المجاهدين، حتى صار له ما أراد من وجود عصبة قوية مغامرة تعد خلاصة أبطال الجهاد البحري، وليتحول هو وزمرته الميمونة إلى قوة بحرية عظيمة تروع الدولة البيزنطية وتدخل الرعب في قلوب أعداء الله .

معركة تسالونيكا

استمر 'ليون الطرابلسي' أو 'غلام زرافة' في غزواته البحرية الجريئة على ثغور الدولة البيزنطية وأصبح كابوسا مفزعا يقض مضاجع تلك الثغور، ولكن أعظم غزوات 'ليون' والتي خلدت ذكره في المراجع الأجنبية قبل الإسلامية معركة 'تسالونيكا'، حيث تعتبر تلك المدينة من أعظم الثغور البيزنطية وأمنعها وأغناها بعد 'القسطنطينية' وتقع على هضاب 'أولمبوس' وتشرف على رأس خليج ضيق تستطيع أن تمتنع به السفن وكان يفصلها عن هذا الخليج سور ضخم يمتد نحو ميل على طول الشاطئ وتحميها بعد ذلك قلاع حصينة شيدت على آكام مرتفعة .

في 31 يوليو 904، هاجم ليو أنطاليا، المدينة البيزنطية العظيمة سالونيك، محرراً 4,000 أسير مسلم، ومستولياً على 60 سفينة؛[4] وهو الحدث الذي سجله يوحنا كامينياتس. وفي 907، حشد أسطولاً من طرسوس واللاذقية، وأبحر في الدردنيل وهدد عاصمة الامبراطورية البيزنطية، القسطنطينية. وفي مايو 912، انتصر ليون ورفيقه داميان الطرسوسي المرتد على هيمريوس، the logothete of the Drome، انتقاماً لهجوم على بعض العرب القبارصة. وأخيراً في 924، لقي ليون هزيمة أمام الأسطول الامبراطوري البيزنطي أمام لمنوس.

سقوط تسالونيكا

وفي سنة 291 هـ خرج ليون الطرابلسي من طرسوس في أربع وخمسين سفينة في كل منها نحو مائتي مقاتل عدا جماعة مختارة من الرؤساء والضباط، وانضم إليه في سيره أشجع أبطال البحر المسلمين في مياه المشرق.

ولم يجرؤ الأسطول البيزنطي الذي بعثه الإمبراطور ليون السادس لحماية ثغور الدولة على لقاء سفن المسلمين، فارتد إلى ضفاف الدردنيل تاركا مياه بحر إيجة مفتوحة لسفن المسلمين تتجه بمنتهى السرعة إلى ثغر تسالونيكا.

كان قائد الحامية البيزنطي بالمدينة رجلا شجاعا ذكيا اسمه بتروناس حاول أن يرد سفن المسلمين بعدة وسائل منها إلقاء مقادير كبيرة من الصخور الضخمة وقطع الرخام التي كانت تزدان بها القبور اليونانية ليعطل سير السفن المسلمة ويجعلها في مرمى نبال ونيران اليونانيين، واجتهد بتروناس في تحصين المدينة، ولما مات بتروناس فجأة كان خليفته واسمه نيكيتاس صلبا هو الآخر كسابق.

أما أهل المدينة فقد وضعوا آمالهم في أحد قديسيهم ويدعى ديمتريوس وقد كان مدفونا في كنيسة خاصة به، فهرعوا إليه في هذه الكنيسة وانهمكوا في الصلاة ليلا ونهارا داعين وليهم ديمتريوس هذا أن يكشف عنهم الضر.

أما ليون الطرابلسي ومن معه فقد قرر الهجوم على المدينة من ناحية الخليج الحصين وهو يضمر في نفسه خطة ذكية لفتح المدينة الحصينة.

بدأ الهجوم على المدينة من ناحية المدخل الأمامي ليختبر دفاعات البلد ومدى استعداد أهلها للدفاع عنها. وفي اليوم التالي هاجم المسلمون المدينة من ناحية الشرق وحاول استخدام عدة وسائل للاقتحام بالسلالم وإطلاق المجانيق وإضرام النار تحت أبواب المدينة وشغل أهل المدينة بالقتال عامة اليوم، وكان ليون يرجو بكل هذه المقدمات إلى تحويل عناية المدافعين عن غايته الحقيقية.

فقد رأى من خلال استطلاعه لأسوار المدينة عدة مواضع معينة يمكن اقتحام المدينة من خلالها، فبدأ بتنفيذ خطته النهائية بمنتهى السرعة والبراعة، فربط عدة سفن كل اثنين معا ربطا وثيقا محكما، وأقيم فوق كل اثنتين برج خشبي مرتفع، وفي صباح اليوم التالي دفعت هذه الأبراج نحو المواضع المنخفضة في السور وفي كل منهما نخبة من المسلمين تستطيع أن تقضي على المدافعين عن الأسوار، ونشبت معركة هائلة بين الفريقين، وكان بحارة سفن الإسكندرية أول من اقتحم الأبراج، وانقضوا على المدافعين كالصواعق المرسلة وأجبروهم للفرار تحت ضغط الهجوم الكاسح، فنزل الأبطال وفتحوا أبواب المدينة لينقض المسلمون عليها من كل ناحية واستولوا عليها بأكملها في سويعات وتم أسر اثنين وعشرين ألفا من أهلها حملوا جميعا إلى مدينة 'طرسوس' قاعدة الانطلاق ليتم مبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى البيزنطيين، حيث كان من الأهداف الرئيسية لحملات 'ليون الطرابلسي' أخذ أكبر عدد من الأسرى البيزنطيين لاسترجاع أسرى المسلمين عندهم.

واستمر ليون الطرابلسي أمير البحار في حملاته وغزواته البحرية الجريئة بمنطقة بحر إيجه حيث لم يقوم له أحد ولم ترده أساطيل الدولة البيزنطية الضخمة، وهو في ذلك كله تابع وموالي للخليفة العباسي يأتمر بأمره ولا يرد له طلبا، ويقوم بأعظم الخدمات للدولة المسلمة من إضعاف للقوة البيزنطية، وفك أسرى المسلمين، وجمع الغنائم والثروات لصالح الدولة المسلمة، حتى استحق وعن جدارة لقب أمير البحار بل وأعظم بحار مسلم عرفه التاريخ.

الهامش

  1. ^ Vasiliev (1968), p. 163
  2. ^ أبطال سقطوا من الذاكرة، ليون الطرابلسي، ذاكرة الإسلام
  3. ^ Vasiliev (1968), p. 163 (Note 2)
  4. ^ Faith and sword: a short history of Christian-Muslim conflict By Alan G. Jamieson, pg.32

المصادر