غينيا (منطقة)

خريطة غرب أفريقيا، ح. 1736, "explaining what belongs to England, Holland, Denmark, etc."

غينيا Guinea هو الاسم التقليدي لمنطقة في أفريقيا تطل على خليج غينيا. وتمتد شمالاً عبر المناطق المدارية الداغلة وتنتهي عند منطقة الساحل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

أحوال ساحل غينيا السياسية في منتصف القرن 19

ممالك ساحل غينيا الوثنية

في منطقة ساحل غينيا يقابلنا مملتكين على جانب كبير من الأهمية هما مملكة داهومي ومملكة الموسى، وقد تكونت داهومي منذ القرن السابع عشر وارتبطت بعلاقات تجارية مع الاوروبييين ، أما مملكة الموسى فقد تم اكتشافها في أواخر القرن التاسع عشر، وقد اختلفت المملكتان عن الممالك الاسلامية السابقة من حيث النظام الديني والسياسي والاجتماعي.

1- مملكة داهومي

شملت داهومي في القرن التاسع عشر ثلث الجزء الجنوبي من بنين الحالية (داهومي سابقا) وقد امتدت الحدود الشرقية للملكة بحذاء مجرى اويمه، أما الحدود الغربية فامتدت على طول مجرى نهر كوفو بينما شملت الحدود الشمالي الأراضي الواقعة بين النهرين السابقين وامتدت حدود داهومي الجنوبية من جران بوبو في الغرب حتى كونونو في الشرق. وقد اتخذ ملوك داهومي من ابومي عاصمة لهم واختيرت لموقعها البعدين وصعوبة الوصول اليها حتى في موسم الجفاف (1).

وقد ظهرت قوة داهومي في القرن السابع عشر عندما أسس المملكة جماعة من الأدجا الذين قدموا من توجو الحالية، ونجحو في السيطرة على القبائل التي تعيش في المنطقة، وأسسوا ثلاث ممالك واحدة في أبومي، والثانية في بورتونوفو، والثالثة في الاده، وبفضل جهود وجبدجا ملك ابومي قويت مملكة ابومي وتوارثت أسرته الحكم، ونجحت ابومي في فرض سيطرتها على الاده واستمرت في التوسع والنمو السريع وفرض ملوكها الضرائب على الممالك الصغيرة بينما ظلت بوتونفو الخصم العنيد لابومي حتى مجئ الفرنسيين فاستغلوا هذا العداء لمد سيطرتهم في المنطقة (2).

عمل ملك ابومي على توسيع نفوذهم على حساب جيرانهم فدخلوا في حروب مع ملوك اويو، وكانوا من قبل تابعين لهم ويدفعون لهم الضرائب رمزا لهذه التبعية. ولكن بعد تزايد قوة داهومي رفض ملوكها هذه التبعية فأغاروا على أراضي اوبو. واسروا عددا كبيرا من سكانها وذلك في عهد الملك جيزو (1).

وفي القرن التاسع عشر امتدت مملكة داهومي وسيطرت على كوتونو وأجوني وويده وظهرت دولة قوى نجحت في جمع الفون في مملكة واحدة. كذلك نجحت في ضم بوتونوفو لتصبح تابعة لها منذ 1820 (2).

اذا ألقينا نظرة عل النظام الاجتماعي في داهومي نجد أن الملك على راس السلم الاجتماعي، وقد تكون المجتمع الداهومي من أربع طبقات رئيسية الطبقة الأولى هي طبقة الملوك وأبنائهم والمنتسبين لسلالته، والطبقة الثانية من الموظفين، والثالثة من العامة والرابعة من العبيد، الذين تم أسرهم أثناء الحروب وهم الطبقة العاملة (3).

وقد اعتمدت المملكة في اقتصادها على تجارة الرقيق لتدبير الأموال اللازمة لشراء الأسلحة، وكان للملك مندوب في المنطقة الساحلية مهمته ادارة حرية التجارة الخارجية مع الاوروبيين (4).

وكان للملك في داهومي الحق في اختيار خليفته من أبنائه، وغالبا ما يكون الابن الأكبر، وعند تقلد الملك الجديد لمهام منصبه فانه يحصل على قصر أبيه وخدمه وعبيده، ونسائه أيضا، ولملك داهومي سلطات مطلقة لا يستطيع أحد مناقشته فيها. وقد لاحظ كل من زار المملكة من الرحالة والمكتشفين طاعة الشعب للأسرة المالكة وقبول مواطني داهومي أي عمل يسند لهم من قبل الملك مهما بلغت مشقته، فالولاء التام للملك كان المظهر الأساسي للعلاقة بين الطرفين ولا يستطيع أي فرد مخالفة أوامر الملك فقد اعتقد الناس بأن أرواحهم ملك للملك له الحق في التصرف فيها (1).

وكان الملك هو صاحب النفوذ السياسي والعسكري في البلاد وهو الذي يتولى تعيين الحكام والوزراء والموظفين حتى الكهنة كن يتولى بنفسه الاشراف على تعيينهم كما كان يتولى أمور القضاء يعاونه زعماء القرى والاقاليم، وكانت وظيفة زعماء القرى هي النظر في النزاعات بين الأفراد دون أن يكون لهم الحق في تطبيق العقوبات بينما زعماء الاقاليم كانت سلطتهم القضائية أوسع، وكان من حقهم فرض العقوبات على الناس مثل الجلد أو السجن أما توقيع عقوبة الموت فكانت من حق الملك وحده، وكانت الأحكام تنفذ في السوق العام في ابومي (2).

أقام ملك داهومي في العاصمة أبومي مع نسائه وأطفاله وبقية أفراد الأسرة المالكة وقد عهد الى نساء الأمازون بحماية الملك ولذلك دربن على مختلف فنون القتال تدريبا قاسيا (3).

وكان من العادات المتبعة بعد وفاة الملك أن يتم دفن عدة أشخاص معه من النساء والرجال والأطفال غالبا ما يتم اختيارهم من أسرى الحرب فكان يقام احتفال كبير يتم فيه قطع رؤوس الأسرى وعدد من العبيد بحجة ارسالهم الى العالم الآخر لخدمة الملك والملوك السابقين (4).

وقد تمسك أهل داهومي بعادة تقديم القرابين البشرية إلى الآلهة ولذلك اكتسبت المملكة سمعة سيئة لدى الاوروبيين وقد بالغ الرحالة الاوروبيين في وصف مشاهدة من تقديم هذه القرايبن، ولكن يرجع السبب في الواقع الى أهل داهومي في اضفاء الصورة الوحشية عن بلادهم لاصرارهم على عدم التخلي عن هذه العادة فاستمروا في ذبح الاسرى ومعاملتهم بوحشية شديدة (5).

ولكن ينبغي أن نذكر أن عادة تقديم القرابين البشرية لم تقتصر على داهومي وحدها، وانما عرفت أيضا في مملكة بدبين الواقعة غربي المجرى الأوسط لنهر النيجر والتي يحدها من الغرب شعب اليوربا ومن الشرق شعب الايبو، وقد خضعت هذه المملكة لبريطانيا ومورست فيها هذه العادة. وقد كتب الرحالة البريطانيون عما شاهدوه فخصص بيرتون جزءا كبيرا من كتاباته لوصف الفظائع التي شاهدها عند زيارته لبنين عام 1862 وذكر بأن جثث الضحايا كانت تلقى خارج المدينة مقطوعة الراس عند مدخل الطرق التجارية لارهاب التجار الاوروبيين ومنعهم من الاقتراب من المناطق الداخلية (1).

كان المورد الرئيسي للاقتصاد تجارة الرقيق وعندما شرعت بريطانيا في محاربة هذه التجارة فرضت حصارا على سواحل داهومي لمنع هذه التجارة حتى عام 1830، فاضطر ملك داهومي الى البحث عن مورد آخر وعملوا على التوسع في زراعة النخيل بكميات كبيرة واقاموا مزارع خاصة للنخيل في المناطق الداخلية من البلاد وشجعوا السكان على الاقبال على هذه الزراعة.

وقد انتعشت هذه التجارة بسبب اقبال الاوروبيين عليها (2).

أما عن التنظيم العسكري في داهومي فنلاحظ اعتماد ملوك داهومي على جيش الأمازون لحمايتهم وتقد تألف من فرتقين الأولى وهي الفرقة الاساسية والثانية هي الفرقة الخاصة بحماية العاصمة والقصر الملكي في زمن الحرب (3) وكانت نساء الأمازون يعيشن في القصر الملكي وقد منعت من الزواج الا بعد منتصف العمر وكان لهن شعارات خاصة بهن وقد سلحت بأحدث الاسلحة كما أن البعض منهم تدخلن في السياسة وقد تميزن بضخامة أجسامهم واشتهرن بالقسوة والضراوة في القال وحرم عليهم الاختلاط بالرجال (4).

عنى ملوك داهومي بتسليح الجيش فقد كانوا يخشون من قبائل اليوروبا المجاورة لهم فقد كانت الحروب لا تنقطع بين الطرفين وقد قدر فوريز عام 1845، الجيش الداهومي بحوالي 12 ألف جندي خمسة آلاف من نساء الأمازون كما كان لداهومي جيشان الجيش الأول تألف من نساء الأمازون والرجال المحاربين والثاني جيش احتياطي تألف من الرجال والنساء القادرين على حمل السلاح (1).

وأخيرا لقد كانت سياسة ملوك داهومي سياسة عدائية وكثيرا ما كانوا يغيرون على جيرانهم للحصول على الرقيق وقد سبب هذا الجيش الرعب لجيرانه واستمرت حروب الفون منذ عام 1818 أي منذ تولي الملك جيزو حتى عام 1889 عند وفاة الملك جليجيلية اي أكثر من سبعين عاما دامت فيه الحروب في ظل ملكين فقط (2) لقد ساعد ملوك داهومي في تحقيق أحلامهم التوسعية لما كانوا يتمتعون به من سلطات مطلقة ولا نقابل هذه الصورة من الملكية المطلقة في أي جزء من غرب أفريقيا سوى في داهومي (3).

2- امبراطورية موسي

أما عن امبراطورية الموسي Mossi Kingdoms في أراضي فولتا العليا أو الاراضي الداخلية لساحل العاج وهو التعبير الذي كان سائدا على هذه المنطقة قبل التقسيم السياسي وقد اكتشفت مملكة الموسي (4) في آواخر القرن التاسع عشر على يد الفرنسي بنجر الذي قام باستكشاف المنطقة عام 1889 وقد صحبه في رحلته كل من الدكتور كروزا ومونيه (5).

وكان للملكة الموسي تنظيم خاص بها من الناحية السياسية، الملك على رأس السلطة يليه طبقة المنحدرين من سلالة الحكم والنبلاء وتتكون الطبقة الثانية من موظفي الدولة والطبقة الثالثة هي طبقة العاملين.

ويرجع تاسيس امبراطورية الموسي الى القرن الحادي عشر أو الثالث عشر وفقا للروايات الشعبية فان ابنة ملك داجومبا وتدعى ينينجا تزوجت من أحد الصياديين وانجبت منه ولدا هو يوديراوجو مؤسس مملكة الموسي (1).

تمتع ملك الموسي بحقوق كثيرة وكان من عادته تلقي الهدايا من الرعايا وقد كون ملوك الموسي ثروات طائلة منها وكانت تقام احتفالات سنوية اطلق عليها فيليجا في أول العام الجديد ويقوم النبلاء وزعماء القرى باحضار الهدايا للقصر الملكي ولكن عند موت حاكم أي اقليم كان الملك يقوم بمصادرة ممتلكاته وضمها اليه (2).

واذا كان أغلبية الموسي وثنيين إلا أن البعض منهم اعتنق الاسلام فانشترت بعض المساجد في واجادوجو، ومن الملاحظ بأن الاسلام لم يتغلغل في هذه المنطقة نظرا لوجود الغابات الكثيفة التي شكلت حاجزا طبيعيا حال دون التوغل في المنطقة (3).

أما النشاط الاقتصادي فقد كانت الزراعة هي الحرفة الرئيسية للسكان وكانت كل أسرة تنتج ما يكفيها من غذاء وفي بعض الأحياء مجموعة من الأسر تتحد فيما بينهما وتنشئ مزارع جماعية ويطلق عليها اسم نام.

وكان للموسي أسواق لبيع منتجاتهم الزراعية وقبل قدوم الفرنسيين كان لهم في ياتنجا ستة اسواق وعندما زار الكاتب نويه المنطقة وجد بأن عدد الأسواق تضاعف عما كان عليه وربما تعليل هذه الظاهرة أن البلاد قبل قدوم الفرنسيين تمتعت بالسلم فنشطت فيها التجارة وبالتالي ازداد عدد الأسواق وقد تولى الكهنة الاشراف على هذه الاسواق (1). وتعتبر كونج من أهم المراكز التجارية.

النشاط الفرنسي في ساحل غينيا

توطدت الصلة بين سودجي ووكالة ريجي الفرنسية فسمح لها ببناء المراكز التجارية اللازمة لتجارة زيت النخيل في مقابل دفع مبلغ سنوي له أبدى استعداده لقبول الحماية الفرنسية على أراضيه. وقد اطلع ريجي وزارة الخارجية الفرنسية ووزارة البحرية عام 1862 على ضرورة تدعيم السيطرة الفرنسية على پورتونوڤو وأبدى مخاوفه من وقوعها في يد بريطانيا. وقد استجابت الحكومة الفرنسية للالحاح وكالة ريجي، وأرسلت بعثة برئاسة الألب بلانك وكان مسئولا عن جمعية البعثات الأفريقية في ليون لاستطلاع الموقف وأرسلت بعثة أخرى الى ميناء ويده، وفي 18 فبراير 1863 عين دوماس قنصلا فرنسا في ويده، فوقع مع سودجي اتفاقا في 23 فبراير 1863 نص على السماح للرعايا الفرنسيين بالتجارة في پورتونوڤو كما وقع اتفاقا ثانيا في 25 فبراير 1863 وضع بمقتضاه سودجي أراضيه تحت الحماية الفرنسية كذلك أعطى لفرنسا من خلال هذا الاتفاق الحق في ادارة الشئون الخارجية لپورتونوڤو (2).

وقد تبع اعلان الحماية على پورتونوڤو ضرورة استكشاف المنطقة، فأرسلت وزارة البحرية الفرنسية عدة ضباط الى پورتونوڤو منهم بروساردي كومبيني الذي ارسل في عام 1863 الى منطقة ادو في پورتونوڤو وهي بحيرة تصلها منتجات الشمال والشرق (3).

ولكن رغم توقيع الحماية مع پورتونوڤو، لم يستقر الأمر للفرنسيين بسبب سياسة العداء التي أبداها الملك جليجليه ملك أبومي فقد اعتبر بأن كل من پورتونوڤو وكوتونو مناطق تابعة له، ولا حق لفرنسا في عقد معاهدة حماية مع پورتونوڤو ومع حاكمها سودجي، ورغم محاولات فرنسا التقرب من جليجليه وارضائه، الا أنه رفض الاعتراف بالمعاهدة فزار أبومي Abomey القنصل دوماسي، وحاول تأكيد حسن نوايا فرنسا، ولكن جليجليه رفض الاعتراف بالمعاهدة، ولم يكتف بهذا الرفض، وانما اتخذه موقفا عدائيا تجاه الفرنسيين، كنوع من العقاب لهم، فهجام التجار الاوروبيين في الساحل عام 1864 وآثار المتاعب في كل من پورتونوڤو وكوتونو (1).

ونتيجة لاضطرار الموقف حذر القائد البحري لافون دي لاديبه من تصرفات ملك أبومي وخاصة وان البحرية الفرنسية عجزت في ذلك الوقت عن الدفاع عن پورتونوڤو وكوتونو وكذلك فشلت في صد غارات جليليه Glèlè على ميناء ويده Whydah .

وفي الواقع أن سبب تفوق جليليه في ذلك الوقت يرجع الى قوة جيشه وتنظميه، وخاصة فرق نساء الأمازون اللاتي عرفن بالشراسة في القتال كذلك رجحت كفة ملك أبومي اثناء اغارته على الساحل بسبب عجز فرنسا خلال هذه الفترة في ارسال حملات عسكرية كبيرة . وقد حاولت فرنسا تهديد جليجليه بانسحاب التجار الاوروبيين من الساحل مما يترتب عليه انهيار تجارته. ولكنه لم يهتم ، وذلك لأن هذا التهديد من الفرنسيين أكثر منه، ومن مصالح التجار الاوروبيين بصفة عامة فلجأت السلطات الفرنسية الى محاولة التفاوض معه وأرسلت له بعثة برئاسة الكابتن ديفو في محاولة لاقناعه بوقف اغاراته ونشاطه العدواني ولكن رغم بقاء ديفو أكثر من شهرين في أبومي، الا انه فشل في تحقيق أي نجاح، ولذلك بدأت فرنسا تفكر في الانسحاب من المنطقة (3)، ومما زاد الموقف حرجا خلال هذه الفترة أن الملك ميكبون الذي خلف سودجي في پورتونوڤو رفض الاعتراف بالمعاهدة التي عقدها سلفه مع الفرنسيين، وبذلك لم يعد أمام فرنسا سوى الانسحاب وأصدر لافون دي لاييه أوامره بالانسحاب من پورتونوڤو في عام 1864، وأعلن بأن فرنسا أخطأت في توقيع معاهدة الحماية مع سودجي دون أن تؤمن القوات العسكرية الكافية للدفاع عن المنطقة (1).

وجدير بالذكر أنه بعد انسحاب فرنسا من المنطقة انتهزت السلطات البريطانية الفرصة فحاولت مد نفوذها من لاجوس صوب پورتونوڤو وكوتونو وعللت ذلك بأنه لمنع ملك أبومي من الاستمرار في تجارة الرقيق، وتصديرها من الساحل ومنعه أيضا من تقديم القرابين البشرية، إلا أن محاولات لاجوس فشلت بسبب تصدي وكالة ريجي الفرنسية لها. حيث بقيت هذا الوكالة تمارس نشاطها في المنطقة حتى بعد انسحاب الفرق الفرنسية عنها (2).

والواقع أن فرنسا رأت بعد انسحابها ضرورة العودة الى المنطقة مرة أخرى ومهادنة جليجليه خوفا من اتساع نفوذ بريطانيا، كذلك كان لتقارير ريجي ودعوته الدائمة للحكومة باعادة السيطرة على المنطقة دورا في الرجوع مرة ثانية اليها وفي عام 1868 وقع الملازم البحري الفرنسي جان باتيست ارنو معاهدة حماية ملك كوتونو (3)، واعترف جليجليه بهذه المعاهدة وقبل تسليم كوتونو للفرنسيين في مقابل تعهدهم بدفع مبلغ سنوي له، كما تعهد باحترام الحدود بينه وبين كوتونو والبلاد الواقعة جنوب أبومي، كذلك تعهد باحترام الحدود بين بلاده، وبين پورتونوڤو الواقعة شرقا (4).

يلاحظ بأن ملك أبومي جليجليه وافق على معاهدة الحماية التي تمت بين الفرنسيين وكوتونو، وذلك لأنها تمت عن طريقه وليس كالمعاهدة السابقة التي تمت بين الفرنسيين وپورتونوڤو دون الرجوع اليه فهو يؤكد بذلك سيطرته على الساحل وبأن هذه المناطق تابعه له، وقد قوبل هذا الاتفاق بالارتياح من قبل السلطات الفرنسية، كذلك من قبل حكام كوتونو، ولكن رغم عودة نشاط فرنسا الى المنطقة عام 1686 الا أنها اضطرت لهجر مراكزها مرة ثانية بسبب قيام الحرب السبعينية (5).

بعد انتهاء الحرب السبعينية عادت فرنسا الى المنطقة وأعلنت سريان معاهدة 1868 التي وقعت مع كوتونو، كما أعلنت أيضا بان كلا من ليتل بوبو، وبورتو سيجورو، وأجوبه الواقعة شرق كوتونو، تقع تحت النفوذ الفرنسي حسب معاهدة عام 1868 فاعترفت بريطانيا على ذلك لأن هذه الأراضي لم تكن تابعة لداهومي، وسوف تتنازل فرنسا عن هذه الأراضي فيما بعد، لتشكل جزءا من مستعمرة توجو الألمانية (1).

والاقع ان الاهتمام بمنطقة كوتونو لم يكن محط أنظار الفرنسيين فقط وانما التجار الألمان وتجار البرازيل وترجع أهمية المنطقة الى أن كوتونو اعتبرت مدخل لپورتونوڤو. ولذلك سعت فرنسا الى المنطقة مرة ثانية والى توقيع معاهدة مع ملك أبومي لتأكيد نفوذ فرنسا في كوتونو بمقتضى معاهدة 1868 فوقع الكابت دي فرجات في 9 أبريل 1878 معاهدة مع ملك داهومي وأخرى مع ملك كوتونو للفرنسيين وتم تقبول تعيين نائب فرنسي في كل من ويده وكوتونو (2).

وقد نصت المادة الأولى من المعاهدة أن يستمر السلام والصداقة بين فرنسا وداهومي، تلك الصداقة التي دامت منذ معاهدة 1868 وان الغرض الرئيسي لهذا الاتفاق هو استمرار الصداقة بين البلدين.

المادة الثانية: رعايا فرنسا لهم الحق في الاستقرار والتجارة في الموانئ والمدن الواقعة تحت نفوذ جليجليه، ولهم حق امتلاك الوكالات والمحلات التجارية من أجل تجارتهم وصماعاتهم وسوف يتمتعون بالحرية التامة والأمان من قبل ملك داهومي.

المادة الثالثة: يتمتع رعايا فرنسا – التجار والمندوبون في داهومي بحماية خاصة يوفرها لهم أهالي داهومي ، ويعلن الملك جليجليه لرعاياه بأن رعايا فرنسا لهم وضع مميز، ولابد من احترامهم.

المادة الرابعة: يتمتع رعايا فرنسا بحرية التجارة، ولهم حق ادخال بضائعم الى داهومي.

المادة الخامسة: يتم الافراج عن الأسرى في داهومي وويده.

المادة السادسة: يسلم الملك جليجليه كل حقوقه في أراضي كوتونو الى فرنسا بدون شرط، وعليه احترام الحدود بين من الجنوب ومن الغرب لمسافة 6 كم من وكالة ريجي (1).

بعد توقيع المعاهدة عاد العلم الفرنسي يرفرف من جديد على كوتونو في 4 فبراير 1879، وعين مندوب فرنسي في المنطقة، ولكن رغم ذلك لم يستقر الأمر للفرنسيين بسبب تذبذب موقف الملك جليجليه تجاههم (2).

وجدير بالذكر أنه ظهرت لفرنسا مشكلة أثناء تدعيم سيطرتها على ساحل العبيد، فبالاضافة الى منافسة بريطانيا لها من لاجوس، بدأت البرتغال في المطالبة بميناء ويده باعتباره جزءا من ممتلكاتها، واعتبرت بأن لها حقوقا تاريخية في المنطقة كما استندت على أن التاجر البرتغالي جوليانو داسوزا عقد في 1885 معاهدة مع ملك أبومي سمح له برفع الاعلام البرتغالية في كوتونو، والواقع أن نصوص المعاهدة اختلف فيها النص البرتغالي عن نص المعاهدة الخاص بداهومي فالنص البرتغالي ذكر بأنه معاهدة حماية بينما في النص الخاص بأبومي ذكر بأنها معاهدة للتجارة فقط، وقد قام القائد البرتغالي سيلفا داكورودا بزيارة جليجليه ملك أبومي تأكيدا للصداقة بين البلدين، وقد اعترض الملازم البحري الفرنسي روجيه على رفع العلم البرتغالي في كوتونو (3).

وسرعان ما حلت هذه المشكلة بين الدولتين ففي 21 يناير 1889 أعلن الوزير البرتغالي في لندن عن عزم بلاده على الانسحاب من الخط الساحلي لمملكة داهومي، وفي 22 ديسمبر 1887 أعلنت البرتغال انسحابها نهائية من المنطقة الساحلية (1). ولكن بريطانيا لم ترحب بانسحاب البرتغال من المنطقة وقد علمت وزارة الخارجية البريطانية بأن هناك مفاوضات بين البرتغال وفرنسا للانسحاب من ويده، وتخوفت الخارجية البريطانية من قيام أبومي بالاغارة على ميناء ويده فطلبت من حاكم ساحل الذهب صموئيل روي ارسال مبعوث الى أبومي لكي يوضح للملك رغبة الحكومة البريطانية لتوطيد الصداقة معه، وأنها على استعداد لتحل محل البرتغال بعد انسحابها من المنطقة (2).

واذا كانت فرنسا قد بدأت في حل مشاكلها مع الدول الاوروبية المجاورة فحددت الحدود مع مستعمرة لاجوس البريطانية ، واتفقت مع البرتغال على الانسحاب من المنطقة وأعلنت حمايتها على كوتونو 1878 ، إلا أنها واجعت من جديد عداء ملك أبومي لها ذلك العداء الذي كلف الفرنسيين الكثير من الجهد واستمر لعدة سنوات حتى تسنى لهم اخضاع المنطقة. وقد تفاقهم هذا العداء بين الطرفين خاصة بعد اعتلاء الملك نوفا حكم پورتونوڤو فقد اعتبره جليجليه عدوه اللدود فهاجم أراضيه، واضطر توفا في احدى هذا الغارات الى الفرار واللجوء الى لاجزس. مما سبب ارتباكا للادارة البريطانية فيها وقد أرسل مدير لاجوس دانتون الى حكومته بأن داهومي مازالت تشن اغاراتها على پورتونوڤو، وأن الملك نوفا اتجاه في أول ابريل 1889 ومعه اربعمائة من قواته الى لاجوس طالبا الخبرة كذلك القى جليجليه القبض على عدد من التجار الاوروبيين (3).

وجدير بالذكر أن جليجليه شعر بخطورة وأثر غزواته، وما ترتب عليها من ابتعاد الاوروبيين عن التجارة معه فحاول تحسين علاقته مع الادارة البريطانية في لاجوس، وارسل في 26 يناير 1889 الى مدير لاجوس دانتون يعلن ترحيبه لقدوم التجار البريطانيين من لاجوس للتجارة مع أبومي، مؤكدا حسن نواياه كما طالبه بعدم الاستماع الى الدعايات الكاذبة ضده (1). وقد رد دانتون على جليجليه طالبا منه التخلي عن سياسة العنف، وذلك من أجل فتح طرق جديدة للتجارة، وطالبه بالامتنع عن الاغارة على پورتونوڤو، كما أخبره بأن الملك نوفا فر الى لاجوس وهو في حماية البريطانيين (2).

ولكن جليجليه استمر في اغاراته على البلاد، وعلى المناطق الداخلية في پورتونوڤو مما سبب ازعاجا للسلطات البريطنية وكان لدانتون مدير لاجوس رأي خاص وهو ضرورة خلع توفا ملك پورتونوڤو، لأن اغارات جليجليه لن تنتهي ما دام نوفا في الحكم (3). وقد ازدادت حدة هذه الاغارات بعد اعلان الحماية الفرنسية على پورتونوڤو 1888 (4).

أما من وجهة نظر الحكومة الفرنسية فقد راى اوجدين ايتيان وكيل وزارة المستعمرات، ضرورة ارسال بعثة سلمية الى أبومي لبحث اعتداءات جليجليه المتكررة على پورتونوڤو (5). وكذلك أرسلت بعثة الدكتور بايول حاكم أنهار الجنوب، وقد شرح ايتيان لاعضاء البرلمان الفرنسي الهدف من البعثة وأوضح بأن لبايول خبرة طويلة في العمل في أفريقيا ، وقد زود بايول بعدة تعليمات منها:

  1. تحديد حدود كوتونو
  2. منع الاغارات السنوية التي يقوم بها ملك انومي على الأراضي الخاضعة للحماية الفرنيسة، والمقصو بها پورتونوڤو.
  3. الامتناع عن تقديم القرابين البشرية.

كما زود بايول بمجموعة من الهدايا الثمنية لتقديمها الى جليليه، ولكن فور وصوله الى أبومي عومل معاملة سيئة من جانب السلطات فيها، فلم يحسن الملك استقباله وأعلنه له عدم اعترافه بمعاهدة 1878 مع كوتونو، كما أعلن له رفضه عبور السفن الفرنيسة في نهر اويميه. وظل بايول فترة طويلة في أبومي وفشلت بعثته في تحقيق هدفها وكان لهذا الفشل اثر كبير لدى ايتيان الذي رأى تدهور الوضع في داهومي، مما هدد المصالح الفرنسية وكرامة فرنسا (1). فقد رفض ولي العهد الأمير كوندو مقابلة بايول لمدة خمسين يوما كما أخبره بأن الأشخاص الذين وقعوا معاهدة 1878 تم اعدامهم لأن بلاده لا تسمح لتسلم أراضيها الى قوة أجنبية (2).

وقد كتب بايول بأنه لا جدوى من المفاوضات مع داهومي لأن الملك جليليه متمسك بحقه في پورتونوڤو وأن المحادثات بين الطرفين، وخلال هذه الفترة توفى جليليه Glèlè، فخلفه ولي العهد في داهو كوندو الذي عرف فيما بعد باسم بيهانزن Béhanzin، وانتج سياسة أكثر تشددا مع الفرنسيين من سلفه (3).

3- بيهانزن والمقاومة ضد الفرنسيين 1889-1894:

تولى بيهانزن الحكم 1889-1894 واستمر في سياسته العدائية تجاه پورتونوڤو، وقد بدأ حكمه بالقاء القبض على التجار الفرنسيين 1890 في ميناء ويده، كذلك استولت قواته على كوتونو فدخلها فرق نساء الأمازون ونكلت بالأهالي (4). ولكن الملازم الفرنسي تريلون نجح في استعادة كوتونو، وصد هجمات قوات داهومي وفي 15 فبراير 1890 أرسل بيهانزن انذارا شديد اللهجة الى البعثات الكاثوليكية في ويده يطلب منها الرحيل وإلا ألقى بها في البحر، فاحتمى رجال الدين المسيحيين مع خمسة من الرعايا الفرنسيين باحدى الوكالات التجارية، ولكن قوات بيهانزن ألقت القبض عليهم جميعا وأرسلوا مكبلين بالأغلال الى أبومي، وأعلن بيهانزن بأنهم أصبحوا أسرى لديه. ولم يقتصر بيهانزن على مهاجمة كوتونو وويده، وانما هاجم أيضا پورتونوڤو، وفشل الملازم تريلون في صد هجمات قوات نساء الأمازون، واضطر الى التراجع بعد أن تكبد خسائر فادحة (1).

والواقع أن هجوم بيهانزن على كل من ويده وكنونو وپورتونوڤو، انما يعني أنه قرر شن الحرب على الفرنسيين كذلك لاظهار هيبته وقوته أمامهم فور توليه العرش وكأنما بهذه الهجمات هو ينبههم الى قوته وسلطاته، ولكن كان لأسر أعضاء البعثة المسيحية، رد فعل كبير لدى الفرنسيين، وقد طلب القائد الفرنسي فرونيه من وزير بيهانزن في ويده ضرورة الافراج عن أفراد البعثة ولكنه ماطل في الرد وأرسل رسالة الى رئيس الجمهورية الفرنسية قال فيها أن البيض لا يتورعون عن شن الحروب من أجل التجارة، وأكد أن كوتونو تابعة له ولن يتنازل عنها، ولكنه أبدى استعداده لاثبات حسن نواياه واطلاق سراح البعثة الكاثوليكية. وازاء مهادنة بيهانزن للفرنسيين رأت السلطات ايفاد بعثة الى بيهانزن لمحاولة تحسين العلاقة معه (2).

أرسلت البعثة الى بيهانزن برئاسة آلان دورجير وكان من ضمن أسرى ويده الذين أفرج عنهم بيهانزن ونجح دورجير في توقيع معاهدة مع بيهانزن في ويده في 30 اكتوبر 1890.

نصت المادة الأولى من المعاهدة بأن يحترم ملك داهومي الحماية الفرنسية على پورتونوڤو باحتلال فرنسا في كوتونو.

المادة الثانية: تباشر فرنسا سلطاتها على ملك پورتونوڤو بحيث تتعهد لبيهانزن بأنه لن يشكو من تصرفاته. وتعهدت فرنسا بدفعت عشرين ألف فرنك لبيهانزن بعد اعترافه بالحماية الفرنسية على كوتونو (1).

وتبع توقيع المعاهدة ارسال بعثة سلمية الى أبومي، فقد أوفد القائد الفرنسي دي كوفرفيل الكابتن اوديود إلى بيهانزن كل الغرض منها جمع المعلومات أم هي مجرد بعثة لارسال الهدايا الى بيهانزن. وجدير بالذكر أن الحكومة الفرنسية ارادت انتهاز فرصة تقديم الهدايا الى بيهانزن وطلبت من مختلف ضباط البعثة كتابة تقرير عما شاهدوه في أبومي، فكتب الملازم شاسل تقريرا عن طبوغرافية داهومي وعزز تقريره بالرسوم والصور وكتب اوديود عن الناحية العسكرية وأوضح مدى قوة الجيش الداهومي كذلك كتب عن النظم السياسية السائدة في البلاد، كما صاحب البعثة ضباط من البحرية الفنسية منهم هيكار ودوكير وقد شكا بيهانزن لأفراد البعثة من تصرفات بايول عندما زار أبومي لأنه زعم له بأن لديه سلطات تماثل سلطات ملك فرنسا وأعلن بيهانزن أنه يريد العيش في سلام مع الفرنسيين (2).

وكان من أهم نتائج هذه البعثة التعرف على داهومي والنظم السياسية فيها ووضعها العسكري .

وجدير بالذكر أنه رغم التأكيدات لأفراد البعثة عن رغبته في العيش في سلام مع الفرنسيين إلا أنه اتصل بالتجارة الألمان في الكاميرون للحصول على الأسلحة الحديثة والمتطورة (4). وكذلك استأنف اغارته على البلاد ولكن على البلاد الواقعة غرب أبومي فهاجم اوتشي في سبتمبر 1891 وأسر عددا كبيرا من أهلها وأجبرهم على العمل في المزارع الجماعية كما هاجم كلا من أفوماي وكينكبودون والقرى الواعة على الضفة اليمنى لنهر اويميه وامتدت هجماته حتى وصلت على مقربة من پورتونوڤو (1).

وفي 15 فبراير 1892 تولى بالو حكم وادارة المنطقة وكان أول حاكم فرنسي في المنطقة بعد انفصالها عن أنهار الجنوب فقد صدر مرسوم في 17 ديسمبر 1891 انفصلت بمقتضاه منشآت فرنسا في خريج بدين عن منطقة أنهار الجنوب. وقد قانم بالو بتفقد المناطق التي أغار عليها بيهانزن وأرسل له في 28 مارس 1892 رسالة احتجاج ولكن بيهانزن رد عليها قائلا: "أني مندهش من غضبمك نتيجة هجومي على القرى وأنا اتسائل هل أعلنت الحرب على فرنسا، أنا مذهول من العودة لهذا الأسلوب وأنا على استعداد لملاقاتك ، وهذا الاحتجاج اعتبره سخرية مني ولا أحب أن يسخر أحد مني أنا الملك، ثم قام بيهانزن بتجميع اربعة آلاف رجل أمام پورتونوڤو وكوتونو وحشد الفين بين ويده وسافي والفا أمام الاده وأعلن بأنه ملك السود البيض معا وليس لأحد التدخل في أعماله (2).

وزاء تطور الموقف اجمع البرلمان الفرنسي في ابريل 1892 على ضرورة اعلان الحرب في داهومي وتم رصد ثلاثة مليون فرنك لهذا الغرض ولعل هذا يدلنا على مدى خطورة وتزايد قوة بيهانزن الذي هدد وجود الفرنسيين في داهومي، وعندما علم بيهانزن باعلان فرنسا الحرب عليه كتب رسالة في اقبريل 1892 ذكر فيها:

"أنا أعلم بأن الحكومة الفرنسية أعلنت الحرب على داهومي وأن الأمر قد تقرر في البرلمان الفرنسي وأنا أنذركم اذا بدأتهم الحرب فسوف أعلنها أنا الآخر واذا دمرت أي قريبة بنيران مدافعكم فسوف اتجه مباشرة لسحق پورتونوڤو وأنا مستعد للحرب ولن أخدمها ولو بعد مائة عام (3)".

بدأت الاستعدادات لارسال حملة عسكرية الى أبومي وقد وكل الى الكولونيل دودز (1) قيادة الحملة فوصل في 20 مايو 1892 الى كوتونو بتعليمات صريحة باستخدام القوة العسكرية في مختلف المناطق. وقد استغرف في تجميع القوات العسكرية وتدريبها ثلاثة أشهر، واتخذ دودز من پورتونوڤو قاعدة ومركزا للهجوم على العصامة أبومي (2). كما فرض حصارا على الساحل ومنع بيهانزن من التجارة وفي يونيو 1892 هاجمت قوات بيهانزن السفن الفرنسية المتجهة عند نهر اويمة فبدأ دودز في الزحف على أبومي وأبحر في النهر حتى بلغ رادفه زو وضرب كلا من أبومي وجودوني وكفالي بالمدافع، ثم تحركت فرق المشاة مصحوبة بست فرق من الرماة السنغاليين والهوسا متجة شمالا نحو أبومي ولكن قوات داهومي فاجأت معسكر الفرنسين في دوجبا فتلت عددا كبيرا منهم (3) ولذلك أسرع دودز بتنظيم قواته واحتل كانا وأصبحت داهومي على وشك السقوط ما أبدا الجيش الداهومي من سالة في القتال وما ابدته فرق الأمازون من شجاعة (4) ولذلك أرسل بيهانزن الى دود طالبا منه التفاوض فاشترط عليه الأخير تسليم أسلحت والتنازل عن الأراضي الساحلية الواقعة على الضفة اليسرة لنهر اويمه وحتى اقليم زجناندو وقد حمل هذه الشروط الى بيهانزن المندوب الفرنسي بالموت والذي كان على عداء معه. كما طلب منه دودز ثلاثة وزراء كرهائن (5).

وقد حاول بيهانزن لفط أنظار الدول الاوروبية له لمساعدته ولكن كل من انجلترا وألمانيا رفضتا التفاوض معه (6) فلجأ الى الاتصال المباشر مع الحكومة الفرنسية وكلف صحفيا يرجع أصله لليوريا ويدعى هنري كاجادون للسفر الى باريس لعرض قضيته على الحكومة الفرنسية، ولكنه لم يتكمن من مقابلة أحد من المسئولين فنشر في انجلترا رسالة موجهة من بيهانزن إلى الأمم الكبرى المتحضرة في العالم طالبا عدم السماح لدولة تملك الأسلحة الحديثة مثل فرنسا أن تقضي على شعب داهومي الذي لم يقترف أي جرم سوى أنه ضعيف وجاهل. ولكن لم تنجح محاولات بيهانزن ولم تعر نداءاته اهتمام أي دولة اوروبية. ولذلك حاول التفاوض مع الفرنسيين وارسل الى الكولونيل لامبينيه عارضا عليه الصلح في 29 أبريل 1893 واستعداده للاستسلام ولكن وفقا لعدة شروط:

  1. ألا تهاجم جماعات ناجو أهالي داهومي.
  2. أن يمتنع الملك نوفا ملك پورتونوڤو عن مهاجمة بيهانزن ونشر الدعايات السيئة عنه وترديد الأكاذيب.
  3. يعلن عن رغبته في السلام مع فرنسا ويتعهد بعدم شن الحرب علهيا.
  4. الاقامة في أبومي مرة ثانية والتخلي عن المراكز التي تحصن بها في شمال بلاده في لاما (1).

ولم يتلق بيهانزن أي رد من المسئولين الفرنسيين، في المنطقة ويلاحظ من عرضه السابق أن بيهانزن أدرك مدى ضعفه أمام القوات العسكرية الفرنسية، وأنه لا قبل له بمحاربتها ولذلك جنح الى السلم. وحاولا الاحتفاظ بماء وجهه وكبريائه فاشترط على الفرنسيين عدة شروط لهذا السلم. ومنها بقاءه مرة ثانية في بلاطه في أبومي. مع تعهده بعدم شن أي حرب ضد فرنسا. ولكن العسكريون الفرنسيون قرروا القضاء عليه، ولم يعد هناك مجال لأية مفاوضات (2).

وبجد بيهانزن أنه لا مفر أمامه سوى الحرب مرة ثانية فنداؤه الى العالم لم يأت بالفائدة المرجوة، ولم ينتبه اليه أحد. كذلك عروضه من أجل الصلح لم تلق اهتماما من أي مسئول ومرد ذلك أن الحكومة الفرنسية كانت قد اتخذت قرارا لا رجعة فيه ألا وهو اعلان الحرب وضرورة القاء القبض عليه لاقرار الأمن في المنطقة (3).

وفي 30 أغسطس 1893 جمع دودز قواته في كوتونو ثم اتجه الى انشربيه حيث تمركز بيهانزن وعندما علم الأخير بذلك ارسل الى دودز وفدا من خمس وعشرين من الزعماء لكي يعرضوا عليه الصلح ولكنه رفض ثم تقدم دودز الى انشربيه فوجدها خالية وفر بيهانزن منها الى ماهي (1). وقد اتخذ دودز عدة اجراءات هامة في المنطقة.

  1. أعلن ضم اقليم الاده الى أبومي كما أعلن في 5 يناير 1894 بأنه يقبل خضوع أمراء وزعماء وأهالي داهومي. كذلك أعلن ضم ماهي – داسا – ناجو والبلاد الواقعة على الضفة اليسرة لنهر اويمه، وأعلن بأن هذه المناطق أصبحت تابعة لفرنسا.
  2. قسمت داهومي الى مملكتين أبومي – والاده ، وتكونت الأولى من البلاد الواقعة بين كوفو في الغرب واقليم ماهي في الشمال واويمه في الشرق ولاما في الجنوب. وتكونت مملكة الاده في البلاد الواقعة بين كوفو في الغرب ومملكة أبومي في الشمال واويمة في الشرق بالاضافة الى الأراضي التي تم ضمها في الجنوب.
  3. أعلن بأن تعيين ملوك أبومي والاده باختيار زعماء البلاد بعد اجتماعهم في مجلس عام ولكن تحت اشراف الادارة الفرنسية.
  4. وضعت الاده وأبومي تحت الحماية الفرنسية.
  5. تعقد معاهدات سياسية وتجارية بين حكام داهومي الجدد وممثلي الحكومة الفرنسية (2).

في أوائل 1894 نصب جوتشلي شقيق بيهانزن ملكا في داهومي خلفا لشقيقه، الذي أعلن على الفور قبول الحماية الفرنسية على أراضيه (3). وحسب تقاليد داهومي تلقب الملك الجديد باسم اجولي اجبو أما بيهانزن فقد وجد أنه لا أمل له في استمرار نضاله ضد الفرنسيين فوصل الى اوميجانيه قرب أبومي حيث سلم نفسه 1894 ، وتم ترحليه الى داكار ومنها الى مارتينك ثم الجزائر ثم بليده من جزر الهند الغربية حيث توفى بها عام 1909 (1).

وقد حاول بيهانزن (2) في عام 1905 قبل وفاته لفت نظر الدول الاوروبية اليه فنشر في جريدة ديموكراتيك التي تصدر في جواديلوب رسالة وجهها على فرنسيس دي برنسيسه رئيس جمعية حقوق الانسان طالبه فيها بعودته الى داهومي. وانتقد السياسة الفرنسية وألقى اللوم على المسئولين الفرنسيين الذين دأبوا على الاساءة اليه ونصرة ملك پورتونوڤو عليه وبرر حروبه ضد الفرنسيين بأنها كانت نتيجة لاعتداءاتهم عليه. وانه اضطر للرد عليهم حتى لا يلحقه العار أمام القبائل الأفريقية، وأعلن بيهانزن أنه على الرغم من نفيه الا أن الفرنسيين مازالوا ينكلون بأهالي داهومي. ولكن رغم جهود جمعية حقوق الانسان الا أن السلطات الفرنسية رفضت عودة بيهانزن الى داهومي، في عام 1928 ثم نقل رفات بيهانزن الى داهومي (3).

وهكذا نجحت فرنسا في بسط سيطرتها على داهومي ولكن بعد أن تكبدت هي الأخرى خسائر فادحة. ولقد حاول الفرنسيون تعليل قوة المقاومة والاستقلال ورفض الشعب الداهومي للخضوع للقوى الخارجية. كذلك اغفل الفرنسيون الدافع الوطني وهو الدافع الرئيسي لمقاومة الاستعمار الاوروبي في أفريقيا كلها (4).

وأخيرا فقد تسببت عدة عوامل في هزيمة بيهانزن رغم عدم كفاءة قواته العالية في القتال، وحسن تدريبها من هذه العوامل أن بيهانزن لم يجمع قواته ضد الفرنسيين، ولم يركز هجماته ضدهم. ففرقه العسكرية كانت مشتتة لقتال البوروبا من جهة، كذلك انشغلت بشن الغارات على بورتوفونو حيث عدوه اللدود توفا حليف الفرنسيين، هذا بالاضافة الى كثافة الحملات العسكرية الفرنسية التي زودت بالمدافع وبأحدث الأسلحة وبرفق مدربة تدريبا عاليا من الرماة السنغاليين والهوسا (1). وفي عام 1894 أعلنت الحماية الفرنسية على داهومي (2).


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

Countries in Guinea

انظر أيضاً

Notes


الهامش

كتب