سيدي قاسم الخصاصي

الشيخ الإمام، العارف الهمام، منبع التوحيد، ومعدن التجريد والتفريد، بحر المعرفة الزخار، وغيث المدد الوابل المدرار، الواصل الكامل المحقق، المجذوب المقرب المستغرق، ذو الإشارات العلية، والحقائق السنية، والمواجد الربانية، والإشراقات العرفانية، الملامتي؛ أبو الفضل سيدي قاسم بن الحاج قاسم بن قاسم الخصاصي (بفتح الخاء المعجمة، وتخفيف الصاد). به عرف. شريف يمني الجدور أندلسي الأصول، و هو فاسي دارا ومولدا ومنشأ وضريحا. وقولنا: الخصاصي. نسبة إلى: خصاصة باليمن. وتنسب لأسرته كذلك خصاصة وهي مدينة على شاطيء البحر بجبل قلعية بالريف المغربي، ذات مياه وأجنة، لا عمارة بها الآن. كان بها سلفه، وكان لهم بها شهرة في الولاية و العلم، ولبعضهم بها وهو: سيدي مسعود الخصاصي مزارة، ثم انتقلوا عنها بعد خلائها إلى الجبل المذكور، ثم إلى فاس. وحكي عنه أنه قال: "نحن من الأندلس؛ كان سلفنا هناك قبل ورودهم على قلعية".

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نشأته

ولد رحمه الله في حدود واحد (أو اثنين) وألف 1001هـ/1592م، وربي يتيما في حجر أمه، لأن والده توفي وتركه في بطن أمه، و تعرف اسرته بالحسب و النسب حيث كان والده الحاج قاسم من أعيان فاس و شيوخها و هول سليل الولي سيدي مسعود الخصاصي الغرناطي الأندلسي اليمني المرابطي القلعي الأصل.

تربي بعدوة الاندلس إلى أن شب وبلغ الحلم، فكانت له صبوة وخلطة مع أتراب له من أهل حومته وغيرهم، كان هو يذكرها ويذكر ما صدر عنه من الأفاعيل بسببها، يعرف الناس بذلك فضل الله وإحسانه.


تصوفه

ثم هبت عليه عواطف التوبة؛ فألجأته إلى ضريح الشيخ أبي المحاسن الفاسي من غير قصد له به، إذ كان لا يعرفه ولا يعرف اسمه، فناداه: "يا صاحب هذا القبر؛ إن كنت وليا لله حقا، فنطلب منك أن يجمعني الله بشيخ نخدمه لله لا يخدمه معي أحد غيري". فجمعه الله بعد ذلك بشيخه الأول؛ وهو: سيدي مبارك بن عبابو الكوش؛ دفين خارج باب الجيسة. فصحبه مدة إلى وفاته، ثم صحب بعده العارف الفاسي، ولازمه، وسلب له الإرادة، وفتح له على يديه الفتح العظيم، وبقي في صحبته نحوا من عشر سنين، وكان يقول له: "أنت لي ولست لأحد غيري"، يشير والله أعلم بذلك أن فتحه كان على يده دون غيرها، وكان يقول له أيضا: "أنت غريب؛ ليس لك أخ". يشير والله أعلم إلى أنه: غريب في طريقه وعرفانه وتحقيقه. ثم بعد وفاته ؛ صحب خليفته ووارثه سيدي محمد بن عبد الله معن الأندلسي، وبقي في صحبته ستة وعشرين سنة. وهؤلاء الثلاثة الأشياخ هم عمدته وإليهم سلب الإرادة؛ كما ذكره هو عن نفسه واحدا بعد واحد.

وكان يقول: إنه لقي ستة وعشرين شيخا، أو نحوهم، وهو رضي الله عنه الوارث لشيخه الأخير؛ وهو سيدي محمد بن عبد الله، أخبر بذلك تلميذه وولد شيخه المذكور: سيدي أحمد ابن عبد الله. وفي "المقصد": "إنه جلس يوما أصحاب سيدي محمد بعد موته يتحدثون متحيرين؛ كيف السبيل إلى معرفة وارثه؟!، وسيدي قاسم معهم. فقال لهم: ها هو السبع في وسطكم ولكن أين من يستخرجه ويتفطن له؟!".

ولايته و كراماته

وكان رحمه الله من أهل العناية الربانية، والأحوال النورانية، والغيبة في التوحيد، والاستغراق في بحر التحقيق، قوي الحال، فائض النور، فياض المدد، تغلب عليه الغيبة وتعتاده زيادتها في نحو خمسة أيام من كل شهر، فلا يعرف فيها الأرض من السماء، ولا يأكل ولا يشرب، إلا أنه يسأل عن أوقات الصلاة في كل ساعة، وقد يسأل عن صلاة نهارية بالليل. وكان إذا وقع ذلك؛ لا يخرج من داره. وكانت طريقته: المحبوبية والفناء في التوحيد. لا يشير في كلامه إلا إليهما، ولا يعرج إلا عليهما، وينهض بالناس إلى الله من طريقهما، ولا يلوي على طريق الخوف ولا يشير إليه، ولا يحب من يقف مع الخوف وشهود مساويه؛ مخافة أن يقصر به ذلك عن النهوض إلى الله.

وكان يحركه السماع، وينهض قائما يتواجد من غير رقص، ولكن يقف ويقرب من أهل السماع، وكان شديد الحزم في الدين، واتباع السنة، رفيع الهمة جدا، منقطعا عن الدنيا وأهلها، في غاية من الزهد والورع، وقلة ذات اليد، يأكل من عمل يده، ويتسبب في حانوته، ولا يقبل من أحد شيئا ولو من أصحابه، ما عدى سيدي أحمد ابن عبد الله. وكان محبا لآل البيت، معظما لهم جدا.

وله كرامات كثيرة، ومكاشفات غزيرة، وتصرفات كبيرة، ذكر بعضها في "المقصد" وغيره، ورأى الخضر عليه السلام وأخبر به، وكانت له مع ذلك ملامات وشطحات ينكر ظاهرها من لم يعرف حقيقتها ولم يشاركها في حاله. "وما يعقلها إلا العالمون". [العنكبوت: 43].

ومن شطحاته وكراماته: ما حدثوا عنه أنه كان يوما جالسا بحانوته يخرز وهو مطأطيء الرأس على عادته، فنزل مطر عظيم، فانتظر الناس انقطاعه في الوقت؛ فاسترسل؛ فرفع أبو الفضل رأسه للسماء قائما وقال بقلق: "ما يكفانا شي من هذا الشتا!"، بحالة من يخاطب قرينه، فانحبس المطر في الحين كأن لم يكن، فرجع إلى حسه مستغفرا مما صدر منه رضي الله عنه ونفعنا به.

وأحواله ومقاماته كثيرة، وكراماته عظيمة شهيرة، ويكفي في سمو قدره وعلو فخره تخرج سيدي أحمد ابن عبد الله به، وتربيته وتهذيبه به.

قال في "المقصد": "وقد شرعت لهذا العهد في تأليف مستقل في أخباره؛ من كرامات وغيرها، نويت تسميته عند إتمامه "بالزهر الباسم في أخبار الشيخ سيدي قاسم"، يسر الله في إكماله بمنه وأفضاله". هـ. ولم تساعده بإكماله الأقدار، ولا سمح له بإتمامه الزمان والقرار، فانتدب حفيده العلامة أبو عبد الله سيدي محمد بن الطيب القادري لذكر مآثره وأحواله في مؤلف في سفر وسط؛ سماه "بالزهر الباسم"، أو "العرف الناسم، في مناقب الشيخ سيدي قاسم، ومآثر من له من الأشياخ والأتباع أهل المكارم"، ولخص القول فيه في ثمانية أبواب؛ فليطالعه من أراده (في خزانة الرباط 580 جلاوي).

حكمه

قال الشيخ الجليل ولي الله تعالى سيدي قاسم الخصاصي رضي الله عنه :

لاتشتغل قط بمن يؤذيك ، واشتغل بالله يرده عنك فإنه هو الذي حركه عليك ليختبر دعواك في الصدق ، وقد غلط في هذا الأمر خلق كثير ، فاشتغلوا بإذاية من آذاهم ، فدام الأذى مع الإثم ، ولو أنـهم رجعوا إلى الله لردهم عنه ، وكفاهم أمرهم والسلام

وفاته

توفي رحمه الله ورضي عنه في وسط ليلة الأحد التاسع عشر من شهر رمضان المعظم سنة ثلاث وثمانين وألف 1083هـ/1672م,عن نحو اثنين وثمانين سنة.

مزارته

توجد مزارة الشيخ سيدي قاسم الخصاصي بروضة أشياخه أعلى مطرح الجنة بمصلى فاس، إزاء قبة الشيخ سيدي محمد بن عبد الله، وراءه، وقبره به معروف إلى الآن، عليه دربوز يزار ويتبرك به.

وقد توصل الباحث الاسباني السنيمائي الإسباني خافيير بلاغوير الى قبر أبو عبد الله الصغير ابن نصر , آخر ملك مسلم لغرناطة، المتوفى عام 1533م, موجود بنفس ضريح الولي سيدي قاسم الخصاصي.

المصادر

ترجمه في "المقصد"، وفي "الإلماع ببعض من لم يذكر في ممتع الأسماع"، و"الصفوة"، و"الروض"، و"النشر"، و"التقاط الدرر", (الزهر الباسم، أو العرف الناسم في مناقب السيد قاسم "الخصاصي"، في خزانة الرباط 580 جلاوي) وغير ذلك.