درية الكرداني

درية الكرداني

درية الكرداني (1958 - ) روائية وكاتبة أطفال مصرية.

درست درية الكرداني، الصحافة والإعلام في جامعة القاهرة، وتخرجت في العام 1980. تدربت لفترة قصيرة في مجلة "صباح الخير" لكنها لم تستمر طويلاً، ثمّ تحولت إلى مجال رياض الأطفال. ثم كانت التجربة الأكبر في حياتها؛ تزوجت الفنان حسن سليمان، وتفرغت له. تقرأ وتصحح وتكتب له على الآلة الكاتبة، لسنوات. ثم قررت أن تتعلم الكمبيوتر، ووجدت وظيفة صغيرة في مكتبة البيع في الجامعة الأميركية، ومنها حصلت على منحة للدراسة في أميركا، فبدأت تدرس للماجستير في "تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها".

في العام 2003 وعدت درية نفسها، ألا تتم الخمسين من عمرها -يصادف في العام 2008- قبل أن تنهي الماجستير، وروايتها الأولى، وهذا ما حدث في نهاية العام 2007. حققت درية حلمها ونشرت روايتها الأولى "رمال ناعمة"، التي حظيت بترحيب واهتمام كبيرين، من الأوساط الثقافية. ليس فقط لطبيعة موضوعها، حيث كتبت عن تلك الشابة التي أحبت الفنان الكبير، وعما لاقته طوال سنواتها معه من معاناة، في تجربة أفقدت بطلتها إلى حد ما وعيها بذاتها وإحساسها بقيمتها، ولكن أيضاً لأنها لم تقدر أن تنجو كما هو واضح من فخ الإسقاط على الواقع. ولم يمر وقت طويل، حتى اعتبر القراء الرواية، سيرة ذاتية جريئة جداً لزوجة الفنان.

لكن على المستوى النقدي، اعتبرها النقاد وثيقة اجتماعية تدرس التحول الذي صاحب صعود وهبوط حركة التنوير والثورة وتحرير المرأة حتى فجر 25 يناير. وكان الملاحظ هو الطزاجة التي تتمتع بها كتابة المؤلفة واختلافها.

مجدداً عادت درية الكرداني بعمل جديد "حكايات القطط"، لتثبت أقدامها بقوة في عالم الكتابة، ولتؤكد أن نجاح الرواية الأولى لم يكن صدفة، وأن وراءه كاتبة مهمة، تأخرت في النشر فقط. تلافت "حكايات القطط" الكثير من مشاكل العمل الأول، وتطرح عبر تسع قصص متراوحة في الطول، حكايات عن الناس والعمارة وتحولات المدينة في سرد تتلاحم فيه حيوات القطط ومصائرها بعوالم البشر.. وبعالم درية نفسها!

تأخرت في الدخول إلى عالم النشر. فبالتأكيد، النشر ورد فعل القراء والنقاد تحدٍ، يشجع على الاستمرار. نشر "رمال ناعمة" جعلني أكتشف أشياءاً في نفسي، وفي النص. فتح أمامي نافذة لعالم، كنت في طرف منه كقارئة، ولم أكن أدرك أبعاد كثيرة له من ناحيته الأخرى. ليس معنى هذا أني نادمة لأني لم أنشر من قبل، "فالعايد في الفايت: نقصان في العقل". وما كان ممكناً غير الذي كان. نعم أكتب منذ مدة طويلة، لنفسي، وما كنت أتصور أن ما أكتب يهم أحداً، أو يمكن أن يمتع ويثير انتباه أحد. في الحقيقة، حتى الآن، أحيانا أفتح بعض صفحات من "رمال ناعمة" وأندهش أنها تشد انتباهي، بل وأتساءل: متى وأين وكيف حدث أني كتبت كل هذا الكلام! الخلاصة: لا أعتقد أن الكتابة والنشر متلازمان. أكتب لنفسي في الأساس، ثم يقرأ ما كتبته صديق ما، فيعجبه، فيشجع، فيبدأ تصاعد شيء من "الإيغو"... أعتقد أن لا علاقة له بفعل أو عملية الكتابة نفسها، أو على الأقل بالنسبة لي، فعيني في الحقيقة لا تكون على القارئ وأنا أكتب.

- تبدو قصة "بيت القطط" من الطول وطريقة الكتابة كرواية منفصلة، هل كانت كذلك فعلا أم كانت مجرد البذرة التي بني عليها العمل بعد ذلك؟ أم أن هذه التكهنات لا أساس لها؟

بيت القطط هو أول ما كتبته في هذا العمل، وكان مختلفاً تماماً. "بيت القطط" المنشورة، ليس فيها من المسودة الأولى غير بيت واسع يسكن مع قاطنيه المنعزلين قطط كثيرة، بدأت تكون مثل احتلال يتسرب ببطء. ثم بعدها بدأت أتذكر قططا أخرى، وأكتب، وأكتب، خالطه وقائع، حقيقية وخيالية، وحتى تاريخية، بشخصيات، صنعتها بتركيب أجزاء "كولاج" من أشخاص كثيرين، وأضيف لها من خيالي ما أعتقد أنه يمكن أن يعزز الفكرة والإحساس. في مرحلة، فكرت، كلعبة، كتحدٍ، أن أصنع من كل ما كتبت رواية، أوجد فيها علاقة بين الشخصيات كلها، وأحداثها، وبيوتها، وقططها. خشيت أن يستغرق هذا عشر سنوات أخرى (فأنا فعلا بدأت كتابة بيت القطط الأولى منذ عشر سنوات). وأقول لك الصراحة: كنت تعبت من القطط، وناس القطط، وتحول انتباهي للكتابة عن رحلتي للهند منذ سنتين، وتحول انتباهي لكتابة شيء عن الخادمات وأسر الطبقة المتوسطة في مصر... فدفعت نفسي دفعا لمراجعة ما كتبت عن القطط بشكلها الحالي، ونشرها كما هي.

- لكنها طويلة ومتماسكة وربما كانت تصلح فعلا كرواية منفصلة؟

نعم، بيت القطط طويلة، والمناقشة مع دار الثقافة الجديدة كانت: هل ننشر حكايات القطط في كتابين، واحد لبيت القطط منفردة، وآخر لبقية الحكايات. ولكن في النهاية فضلت بشكل شخصي أن تُنشر كل الحكايا معا. فأنا في الحقيقة، لم أجد معنى أن يصدر لي كتابين، متتاليين، لهما نفس الموضوع. فكرت أنني كقارئة، سأتساءل: لماذا لم يُنشرا معا؟

وأنا أراجع الحكايا، كنت أحيانا أشعر أن أياً منها كان يمكن أن يكون رواية في حد ذاته، ولكن خلاص. الحقيقة أني قلبت الصفحة... ومن أول السطر.

- لا يوجد على الغلاف الخارجي أو الداخلي أي شيء عدا اسم العمل واسمك لماذا تجنبت التصنيف؟

في الحقيقة، أنا لم أتجنب التصنيف، ولكن التصنيف تجنبني. عرفت من دار النشر في أحد مراحل الطباعة أنّهم يريدون أن تُكتب كلمة "رواية" تحت العنوان، فتساءلت مع محرر ومراجع دار الثقافة الجديدة الأستاذ علي فارسي: هل يُعتبر ما كتبت "رواية"؟ والمناقشة كانت ثرية جدا، ولكننا لم نصل إلى اتفاق أو حل، فاقترحت عدم كتابة أي شيء. فأجزاء العمل لا أعتبرها رواية، ولا قصصا قصيرة منفصلة، وبالتأكيد لا اعتبرها سيرة ذاتية لي. صديق اقترح أن نكتب: سردية روائية. وفكرت أنه ربما كان يجب أن نكتب عليها: سيرة ذاتية للقطط، ومحبيها، ومن تقمصتها أرواحهم أو شخصياتهم، وفي النهاية لم نكتب أي تصنيف.


- العمل كما روايتك الأولى-ربما لطريقة الكتابة ولطبيعة الموضوعات الأقرب لسيرتك الشخصية- يجر القارئ إلى التفكير أن فيها جزء كبير من الواقع.. لذا ربما ستجدين نفسك دائما في مواجهة سؤال الواقع والخيال فكيف ترين هذه المسألة؟ وهل هذا التفكير سليم أصلا؟

الواقع والخيال: هذا سؤال كبير... كتاب وفلاسفة كثيرون أفنوا حياتهم في بحثه، فأين أنا منهم.

للأسف، أنا نفسي لا أعرف، ولا أحدد مسبقا قبل الكتابة أين سيبدأ الواقع أو أين سينتهي الخيال. ما أعرفه أن لدي فكرة أو شخصية ستتحرك في الحياة بشكل معين، لتحدث نتائج ما. عليّ ككاتبة أن أقنع نفسي، وربما قارئ ما في المستقبل، بمنطقية أن تقول هذه الشخصية هذا الكلام، وأن ما يحدث لها، أو ما تفعله، سيقود لتلك النتائج. أستقي كل شيء من خبراتي الشخصية في حياتي، طبعا، ومن خبرات وحكايات أصدقائي وأفراد عائلتي، ومن قراءاتي، ومن السينما، والمسرح، والتاريخ، ......الخ، وأصنع من كل هذا حكايات، تسليني أنا شخصيا، قبل أن تسلي اخرين سيطلعون عليها فيما بعد.

القراء أحرار أن يلبسوا رداء الواقع لأي شخصيات أو أحداث أو أماكن، إذا كان هذا سيريحهم، ويجعلهم يشعرون بمتعة أكبر في القراءة... ليه لأ؟!


- في الكتاب الأول كنت تخوضين في عالم للمرة الأولى، الآن ربما تبدو الرؤية أوضح ربما عرفت ما تريدينه بالتحديد، هل اختلفت نظرتك للكتابة بعد العمل الثاني؟ هل بت تعرفين الآن ماذا تريدين من الكتابة؟

لا، لا أعرف بعد ما أريد من الكتابة.

ربما بعد الكتاب الثالث، أو الرابع... أصبح كاتبة "متودكة"، ساعتها أعرف كيف أجيب على مثل هذه الأسئلة العويصة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

  • أسامة فاروق (2015-12-17). "درية الكرداني: لا أعرف بعد ما أريده من الكتابة". المدن (موقع إلكتروني).