دار الحكمة

دار الحكمة ، جامعة أسسها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله عام 1004ميلادية 395هـجرية .

تذكر المصادر أنها حوت 1.600.000 مجلد ضمّت (6500) مخطوطة في الرياضيات و(18.000) مخطوطة في الفلسفة وكان الدخول إليها والاستنساخ والترجمة مجاناً.

يقول المؤرخ الكبير أحمد بن علي المقريزي:إن دار الحكمة في القاهرة لم تفتح أبوابها للجماهير إلاّ بعد أن فُرشت وزُينت وزخرفت وعُلقت على جميع أبوابها وممراتها الستور، وعُين لها القوام والخدم وكان عدد الخزائن فيها أربعين خزانة تتسع الواحدة منها لنحو ثمانية عشر ألف كتاب، وكانت الرفوف مفتوحة والكتب في متناول الجميع، ويستطيع الراغب أن يحصل على الكتاب الذي يريده بنفسه ما تيسر له ذلك، فإذا ضلّ الطريق استعان بأحد المناولين.

دار الحكمة دار أنشأها الحاكم بأمر الله الفاطمي (386-411هـ/996-1021م) عام 395هـ لتضاهي بيت الحكمة في بغداد، وخصص لها داراً كبيرة على مقربة من القصر الغربي في القاهرة، وتُعرف بدار الصقلبي، واستعان من أجل بنائها بخيرة المهندسين للاستفادة من خبراتهم في هذا المجال، وأنفقت المبالغ الطائلة لتأثيث هذه الدار وتزيينها بأجمل الزخارف وأبهاها، وتمّ اختيار كل شيء بعناية ودقة مما يدل على الذوق الرفيع والجمالية. وقد وضع تحت تصرّف الدار عدد كبير من العاملين والاختصاصيين والخدم، ورُصدت ميزانية ضخمة للإنفاق على احتياجاتها ومستلزماتها.

تتكون هذه الدار من عدة أقسام رئيسية منها ما هو مخصص للعلماء والفقهاء، ومنها ما هو مخصص للقرآن الكريم والمنشدين، ومنها ما يعود للمنجمين (علماء الفلك)، إضافة إلى قسم لدارسي اللغة والنحو، وأخيراً الجناح الخاص بالأطباء، وقاعة لإقامة الأمسيات والندوات والفعاليات المختلفة.

أُوليت هذه الدار اهتماماً كبيراً، وما أكثر ما نقل إليها الحاكم من الكتب المكدسة في خزائن القصور الفاطمية، إضافة إلى الإهداءات الواردة من خزائنه الخاصة وفي شتى مناحي العلوم والآداب والخطوط المنسوبة إلى مؤلفيها. ولم يعد الدخول إليها مقتصراً على فئة أو شريحة أو طبقة معينة، بل إنّ الحاكم بأمر الله فتح الأبواب على مصراعيها أمام من لديهم الشغف والولع بقراءة الكتب والاغتراف مما تحتويه من معلومات ومعارف وعطاءات. وجراء هذا التشجيع، كان الإقبال من قبل القراء متزايداً وكبيراً، والفائدة على نطاق أكبر سواء من إعارة المؤلفات والمطالعة، أو من نسخ المخطوطات.

برز أبو نصر، المعروف بالشيرازي (427-487هـ/1035-1094م)، واحداً من أشهر من تولّوا إدارة هذه الدار، ويذكر أن مؤلفاته قد بلغت ثماني مجلدات حفلت بنشر وبث الدعوة الفاطمية من الأفكار والآراء والاجتهادات التي اعتمد عليها وسيلة للإقناع. ويرى الكثير من المؤرخين أن هذه الدار أنشئت أساساً للتعريف بالمذهب الإسماعيلي - الفاطمي، ولجذب المريدين والأتباع، ولمواجهة التحديات الناجمة عن العهد العباسي.

بلغت خزائن الكتب في هذه الدار أربعين خزانة، جرى توزيعها على ثماني عشرة قاعة للمطالعة والبحث، وقد دوّنت في قائمة على أبواب هذه الخزائن أسماء الكتب والمخطوطات.

احتوت بعض الخزائن على أكثر من نسخة من الكتاب، وبخط المؤلف منها ما يزيد على الثلاثين نسخة لكتاب «العين»، للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170هـ/718م)، واحدة منها بخط الخليل بن أحمد. وكذلك كتاب «الجمهرة» لابن دريد (ت321هـ/933م) بحدود مئة نسخة، و«تاريخ الطبري» بخط صاحبه بما يزيد على الألف نسخة.

بلغ تعداد الكتب في هذه الدار الآلاف المؤلفة، يكفي القول إن كتب الرياضيات وحدها بلغت ستة آلاف وخمسمئة مخطوطة، وكتب الفلسفة قاربت الألفين، وكتب الفقه والعلوم القديمة ولاسيما التنجيم والفلك والهندسة وغيرها جاوزت الآلاف.

شهدت هذه الدار مع مرور الأيام والأعوام ظاهرة تعدد النسخ، مما دفع الخليفة إلى إجراء مسابقة لاقتنائها وتوزيعها، وخاصة مجلدات العلوم التي خطها يراع أشهر الخطاطين كابن مقلة (ت328هـ/939م) وابن البواب[ر] (ت423هـ/1031م)

ومما هو جدير بالذكر أن خزانة داخلية تحت إشراف القصر بقي الاطلاع على محتوياتها محظوراً إلا للحاشية المقربة أو لمن يحصل على موافقة خاصة لهذا الشأن.

حققت هذه الدار مستوىً متقدماً على صعيد التنظيم والفهرسة والترتيب. وما انتهت إليه في عام 461هـ/ 1068م يوم تعرضت إلى النهب والسلب والتلف والضياع إثر الخلاف الذي نشب بين الجنود السودانيين والأتراك في مصر، هو صورة مأساوية وكارثة بحق هذا الصرح الثقافي المهم.

أحرق العابثون الكثير من محتوياتها.. وهناك من يذكر أن بعضهم قد جعل من جلودها نعالاً له. وزاد في الطين بلّة، انتشار الأوبئة والطاعون، ولم يبق من هذه الدار سوى مئة ألف كتاب، يوم دخل صلاح الدين الأيوبي القاهرة بعد قرن تقريباً من تلك الكارثة التي حلت بها. ولم يسلم ما تبقى أيضاً، فبسبب من انتشار القحط والمجاعة في مصر في عامي 1348-1349م، راح بعضهم يعرض مجلداً كاملاً للمقايضة على رغيف خبز.

كان لهذه الدار أثر كبير في نشر المعرفة والعلم والأدب والتراث، وأسهمت في حفظ المخطوطات النادرة والفريدة وصونها، في شتى المجالات والمناحي فضلاً عن كونها واحدة من المراكز الثقافية المهمة في العالم العربي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضا


مصادر

[1] مجلة الفاتح.

للاستزادة

  • خيال الجواهري، من تاريخ المكتبات في البلدان العربية (وزارة الثقافة، دمشق)
  • عبد اللطيف الصوفي، لمحات من تاريخ الكتب والمجلات (دار طلاس، دمشق 1987م)
  • محمد ماهر حمادة، المكتبات في الإسلام (مؤسسة الرسالة، القاهرة 1981م) .