تطور متعدد الخطية

التطور الأحادي الخطي (كما يشار إليه بالتطور الاجتماعي الكلاسيكي) هي نظرية اجتماعية ظهرت في القرن التاسع عشر وتتحدث عن تطور المجتمعات والثقافات. تتألف من العديد من النظريات المتنافسة من قبل مختلف علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع، الذين يعتقدون أن الثقافة الغربية هي قمة التطور الاجتماعي المعاصر. ويتم محاذاة الوضع الاجتماعي المختلف في خط واحد ينتقل من الأكثر بدائية إلى أكثر تحضراً. وتعتبر هذه النظرية حالياً نظرية قديمة في الأوساط الأكاديمية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفكر الثقافي

تعد نظريات التطور الاجتماعي والثقافي شائعة في الفكر الأوروبي الحديث. غالبا ما كان يعتقد الأوروبيون في القرن الثامن عشر أن المجتمعات على الأرض في حالة من التراجع. وقد رفع المجتمع الأوروبي العالم في العصور القديمة كمعيار للتطلع إليه، وسعى الأوربيون في العصور الوسطى إلى محاكاة مستويات الانجاز الفني الذي أنتجته اليونان وروما القديمة. وفي الوقت نفسه، كانت من تعاليم المسيحية أن الناس يعيشون في عالم وضيع وأدنى من جنة عدن. ولكن نمت في خلال عصر التنوير الثقة الأوروبية بالنفس وشاع مفهوم التقدم بصورة متزايدة. وكانت هذه الفترة هي بداية جذور ما سيعرف لاحقاً باسم "التطور الاجتماعي والثقافي".

غالبا ما تكهن مفكرو التنوير بأن المجتمعات تتقدم من خلال مراحل زيادة التنمية والبحث عن المنطق والنظام ومجموعة من الحقائق العلمية التي تحدد مسار التاريخ البشري. فقد جادل على سبيل المثال گيورگ ڤيلهلم فريدريش هيگل بأن التنمية الاجتماعية كانت عملية محددة لا مفر منها فهي على غرار البلوط الذي لا يوجد لديه أي خيار آخر سوى أن يصبح شجرة بلوط. وبالمثل يفترض أن تبدأ المجتمعات بالبدائية، وربما في حالة شاملة يشترك فيها الطبيعة، ومن ثم التقدم بشكل طبيعي نحو ما يشبه أوروبا الصناعية.


المفكرون الاسكتلنديون

رغم مناقشة الكتاب السابقين مثل ميشيل دي مونتين كيفية تغير المجتمعات عبرالزمن، إلا أن حركة التنوير الاسكتلندي هي التي وجدت مفتاح التطوير في التطور الثقافي. فبعد اتحاد اسكتلندا مع انجلترا في عام 1707، فكر العديد من المفكرين الاسكتلندي في العلاقة بين التقدم و "الانحطاط" الناجمة عن زيادة التجارة مع انجلترا والثراء الذي أنتجته تلك التجارة. وكانت النتيجة سلسلة من "التاريخ التخميني". وقد جادل المؤلفون مثل آدم فرگسون، جون ميلر، وآدم سميث أن جميع المجتمعات تمر عبر سلسلة من أربع مراحل: الصيد وجمع الثمار والرعي والبداوة والزراعة، وأخيرا مرحلة التجارة. وبالتالي فهم هؤلاء المفكرين أن التغييرات في اسكتلندا كانت بمثابة الانتقال من مجتمع زراعي إلى مجتمع تجاري.

تطورت خلال هذه الفترة المفاهيم الفلسفية للتقدم (مثل ذلك الذي طرحه الفيلسوف الألماني هيگل). وتأثر الفلاسفة في فرنسا مثل كلود أدريان هلڤتيوس وآخرين بالتقليد الاسكتلندي. وقدم في وقت لاحق مفكرون مثل الكونت دي سان سيمون هذه الأفكار. وعرض أوگست كومت بشكل خاص وجهة نظر متماسكة من التقدم الاجتماعي والانضباط جديد لدراسة علم الاجتماع.

زيادة الاهتمام

وقعت تلك التطورات في سياق أوسع. وكانت أول العمليات هي عملية الاستعمار. فعلى الرغم من أن القوى الإمبراطورية قد سيطرت على معظم الاختلافات في الرأي مع مستعمراتها بالقوة، إلا أن زيادة مستوى الوعي لدى الشعوب غير الغربية قد طرح أسئلة جديدة للباحثين الأوروبيين حول طبيعة المجتمع والثقافة. وبالمثل، تتطلب الإدارة الفعالة قدر من فهم الثقافات الأخرى. وسمحت النظريات الناشئة من التطور الاجتماعي للأوروبيين بتنظيم معارفهم الجديدة بطريقة تعكس وتبرر زيادة هيمنتهم السياسية والاقتصادية على الآخرين: حيث أصبح الناس المستعمرين أقل تطوراً، وأصبح استعمار الناس أكثر تطورا. وكانت العملية الثانية هي الثورة الصناعية وظهور الرأسمالية التي سمحت وشجعت الثورات المستمرة في وسائل الإنتاج. عكست النظريات الناشئة من التطور الاجتماعي الاعتقاد بأن التغييرات في أوروبا الذي أحدثتها الثورة الصناعية والرأسمالية هي تحسينات واضحة. فالتصنيع، جنبا إلى جنب مع التغيير السياسي المكثف التي أحدثتها الثورة الفرنسية ودستور الولايات المتحدة الأمريكية قد مهدت الطريق لهيمنة الديمقراطية، واضطر المفكرين الأوروبيين إلى إعادة النظر في بعض الفرضيات التي بنيت عليها تنظيم المجتمعات.

في نهاية المطاف، في القرن التاسع عشر، تم إنشاء ثلاث نظريات كلاسيكية كبيرة للتغيير الاجتماعي والتاريخي: النظرية التطورية الاجتماعية، ونظرية الدورة الاجتماعية ونظرية المادية التاريخية الماركسية. وكان العامل المشترك الوحيد بين تلك النظريات هو أنها اتفقت على أن تاريخ البشرية يتأخذ مسار ثابت معين، وعلى الأرجح أنه التقدم الاجتماعي. وبالتالي، فإن كل حدث في الماضي ليس زمنيا فقط، ولكنه يرتبط سببياً بالأحداث الحالية والمستقبلية. فهذه النظريات تفترض أنه بإعادة خلق تسلسل تلك الأحداث، يمكن لعلم الاجتماع اكتشاف قوانين التاريخ.

ميلاد وتطوير مذهب التطور الاجتماعي الكلاسيكي الأحادي الخطي

بينما يتفق أنصار التطور الاجتماعي أن العملية المشابهة للتطور تؤدي إلى التقدم الاجتماعي، فقد وضع أنصار التطور الاجتماعي الكلاسيكي العديد من النظريات المختلفة، والمعروفة باسم نظريات التطور الأحادي الخطي. وكان التطور الاجتماعي هو النظرية السائدة في بداية الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية والتعليقات الاجتماعية, وترتبط مع علماء أمثال أوغست كونت، وإدوارد بيرنت تايلور، ولويس هنري مورگان، وهربرت سپنسر. ومثلت نظرية التطور الاجتماعي محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على التفكير الاجتماعي تحت أسس علمية، وتأثرت لاحقا بنظرية التطور البيولوجية. فإذا تمكنت الكائنات الحية من التطور عبر الزمن بناءاً على التمييز، والقوانين الحتمية، فمن المعقول أن تتمكن المجتمعات من ذلك أيضا. ويمثل هذا حقا بداية الأنثروبولوجيا كتخصص علمي وخروجا عن الآراء الدينية التقليدية في الثقافات "البدائية".

ويرتبط مصطلح "مذهب التطور الاجتماعي الكلاسيكية" بشكل وثيق مع كتابات القرن التاسع عشر لكل من أوگست كونت، وهربرت سپنسر (الذي صاغ عبارة "البقاء للأقوى") ووليام سمنر. ففي نواح كثيرة لدى نظرية سبنسر في "التطور الكوني" القواسم المشتركة أكثر مع أعمال جان باتيست لامارك وأوگست كومت من الأعمال المعاصرةلداروين. كما ووضعت ونشرت نظريات سبنسر قبل عدة سنوات من داروين. وفيما يتعلق بالمؤسسات الاجتماعية فهناك احتمال جيد أن تصنف كتابات سبنسر باسم مذهب التطور الاجتماعي. وعلى الرغم من أنه كتب أن المجتمعات تتقدم على مر الزمن ، وأن هذا التقدم يحصلمن خلال المنافسة، فقد شدد على أن الفرد (لا الجماعة) هو وحدة التحليل التي تتطور وهذا التطور يحدث من خلال الانتقاء الطبيعي، وأنه يؤثر على الظاهرة الاجتماعية والظاهرة البيولوجية على حد سواء.

التقدمية

نظر كل من سبنسر وكونت إلى المجتمع كنوع من الكائنات الحية الخاضعة لعملية النمو - من البساطة إلى التعقيد، ومن الفوضى إلى النظام، ومن التعميم إلى التخصيص، ومن المرونة للمنظمة. واتفقوا على أن عملية نمو المجتمعات يمكن تقسيمها إلى مراحل معينة لها بداية ونهاية، وأن هذا النمو هو في الواقع التقدم الاجتماعي - والمجتمع الأحدث والأكثر تطورا هو الأفضل. وهكذا أصبحت التقدمية واحدة من الأفكار الأساسية التي تقوم عليها نظرية التطور الاجتماعي.

كومت

شكل أوگست كومت المعروف بأب علم الاجتماع قانون تقدم التنمية البشرية من ثلاث مراحل: من مرحلة لاهوتية، والتي ظهرت فيها الطبيعة بشكل أسطوري وسعى الإنسان لتفسير الظواهر الطبيعية من خلا كائنات خارقة، ومن خلال المرحلة الميتافيزيقية التي كان فيها تصور الطبيعة نتيجة لقوى غامضة وسعى الإنسان لتفسير الظواهر الطبيعية منها حتى المرحلة النهائية الإيجابية التي يتم فيها التخلص من كل القوى المجردة والغامضة، وفسرت الظواهر الطبيعية من خلال علاقتها المستمرة. وأجبر هذا التقدم من خلال تطور العقل البشري، وزيادة تطبيق الفكر والمنطق لفهم العالم.

سپنسر

أعتقد هربرت سپنسر أن المجتمع يتطور نحو زيادة الحرية للأفراد. وبهذا رأى أن التدخل الحكومي في الحياة الاجتماعية والسياسية يجب أن يكون بأدنى حد، وقد فرق بين مرحلتين من التنمية، مع التركيز على نوع النظام الداخلي في المجتمعات. وبذلك فرق بين المجتمعات العسكرية والمجتمعات الصناعية. فالمجتمع العسكري الأسبق والأكثر بدائية يهدف للفتح والدفاع، وهو مجتمع مركزي، ويتميز بالاكتفاء الذاتي اقتصاديا ويضع مصلحة الجماعة قبل مصلحة الفرد، ويستخدم الإكراه والقوة والقمع، ويكافئ الولاء والطاعة والانضباط, بينما المجتمع الصناعي لديه هدف الإنتاج والتجارة، فهو غير مركزي، ويرتبط مع المجتمعات الأخرى عن طريق العلاقات الاقتصادية ويحقق أهدافه من خلال التعاون الطوعي و ضبط النفس الفردي كما ويعامل فيه الفرد الجيد بوصفه أعلى قيمة، وينظم الحياة الاجتماعية عبر العلاقات الطوعية، والقيم المبادرة والاستقلال والابتكار.

وبغض النظر عن كيفية تفسير العلماء لعلاقة سبنسر مع داروين، فإن سبنسر قد أثبت كونه شخصية شعبية لا يصدق في السبعينيات من القرن التاسع عشر وخاصة في الولايات المتحدة. فقد طور الكتاب مثل إدوارد يومنس ووليام سمنر وجون فيسك، وجون جورج بورجيس، وليستر فرانك وارد ولويس هنري مورگان وغيرهم من المفكرين نظرياتهم المتقدمة في نظرية التطور الاجتماعي بعد الاستماع لسبنسر وداروين.

مورگان

يعد لويس هنري مورگان من علماء الأنثروبولوجيا الذين كان لهم تأثير كبير على علم الاجتماع، فقد فرق في كتابه الكلاسيكي عام 1877 "المجتمعات القديمة" بين ثلاثة عصور : الوحشية والهمجية والحضارة، والتي تنقسم بناءا على الاختراعات التكنولوجية، مثل النار والقوس، والفخار في العصور الوحشية. وتدجين الحيوانات والزراعة والمعادن في العصر البربري والأبجدية والكتابة في عصر الحضارة. وهكذا قام مورغان بإيجاد صلة بين التقدم الاجتماعي والتقدم التكنولوجي. وينظر مورغان إلى التقدم التكنولوجي باعتباره القوة الدافعة وراء التقدم الاجتماعي، وأن أي تغيير اجتماعي - في المؤسسات الاجتماعية والمنظمات أو الأيديولوجيات ينبع من التغييرات التكنولوجية وقد شاعت نظريات مورغان حيث استند عليها فريدريك إنجلز في كتابه الشهير "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة". ووجد إنجلز والماركسيين الآخرين هذه النظرية مهمة لدعمها قناعاتهم بأن العوامل المادية - الاقتصادية والتكنولوجية - هي الحاسمة في تشكيل مصير الإنسانية.

دوركهايم

طور إميل دوركهايم، أحد آباء علم الاجتماع نظرة ثنائية مشابهة للتقدم الاجتماعي. كان التضامن الاجتماعي هو فكرته الأساسية, حيث انه عرف التطور الاجتماعي بكونه الانتقال من التضامن الميكانيكي إلى التضامن العضوي. ففي التضامن الميكانيكي يكون الناس مكتفيين ذاتياً وهناك القليل من التفاعل وبالتالي لا توجد حاجة لاستخدام القوة والقمع للحفاظ على وحدة المجتمع, ضامنا الميكانيكية، والناس مكتفية ذاتيا، هناك القليل من التكامل وبالتالي هناك حاجة لاستخدام القوة والقمع للحفاظ على المجتمع معا. و في التضامن العضوي، يكون الناس أكثر تكاملا وترابطا ويكون التخصص والتعاون واسع النطاق. ويستند التقدم من التضامن الميكانيكي إلى العضوي أولا على النمو السكاني وزيادة الكثافة السكانية، وثانياً على زيادة "كثافة الأخلاق" (تطوير تفاعلات اجتماعية أكثر تعقيدا) وثالثا، زيادة التخصيص في مكان العمل. وأهم عامل في التقدم الاجتماعي لدى دوركايهم هو تقسيم العمل.

تايلور ومورگان

عمل عالمي الأنثروبولوجيا السير تايلور من انجلترا وهنري لويس مورگان من الولايات المتحدة الأمريكية مع قاعدة بيانات السكان الأصليين الذين افترض العالمين أنهم يمثلون المراحل الأولى من التطور الثقافي الذي يساهم في فهم عملية وتقدم التطور الثقافي. وقد تأثر مورغان لاحقا تأثراً كبيراً بكل من كارل ماركس وفريدريش إنجلز اللذين طورا نظرية في التطور الثقافي تقول بأن التناقضات الداخلية في المجتمع أدت إلى خلق سلسة من المراحل المتصاعدة أدت لتكوين المجتمع الاشتراكي. طور تايلور ومورغان وأضافا على النظرية الأحادية الخطية, كما قام بتحديد معايير لتصنيف الثقافات وفقا لمكانتهم داخل نظام ثابت للنمو الإنساني ككل مع دراسة طرق وآليات من هذا النمو.

واستند تحليلهم للبيانات بين الثقافات على ثلاث فرضيات:

يمكن تصنيف المجتمعات المعاصرة بكونها أكثر بدائية أو أكثر تحضراً هناك عدد محدد من المراحل بين البدائية والمتحضر (على سبيل المثال الفرقة، والقبيلة، والمشيخة، والدولة) تمر جميع المجتمعات بهذه المراحل في نفس التسلسل، ولكن بمعدلات مختلفة.

غالباً ما يقيس واضعو النظريات التقدم ( أي الفرق بين مرحلة وأخرى) من خلال زيادة التعقيد الاجتماعي ( ويتضمن الاختلاف الطبقي والتقسيم المعقد للعمل) أو من خلال التطور الفكري والعقائدي و الرقي الجمالي. واستخدم علماء الأنثروبولوجيا في القرن التاسع عشر هذه المبادئ الأساسية لتفسير الاختلافات في المعتقدات الدينية مصطلحات القرابة بين المجتمعات المختلفة.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وارد

ولكن كانت هناك اختلافات ملحوظة بين منهجي ليستر فرانك وارد وتايلور، حيث طور ليستر فرانك وارد نظرية سبنسر ولكن على العكس من سبنسر، الذي اعتبر أن التطور هو عملية عامة يمكن تطبيقها على العالم بأسره جسدياً واجتماعيا، فرق وارد بين التطور الاجتماعي والتطور البيولوجي.

نقد تطور الاجتماعي الكلاسيكية أحادي السلالة وتأثيره

بواس

إفتتحت أوائل القرن العشرين فترة من الدراسات النقدية المنهجية، وكذلك رفض نظريات التطور الثقافي أحادية السلالة. علماء الأنثروبولوجيا الثقافية مثل فرانز بواس، الذي يعتبر قائد رفض الأنثروبولوجيا لنظرية التطور الاجتماعي الكلاسيكية، استخدم الاثنوغرافيا وأساليب تجريبية متطورة أكثر صرامة كي يثبت أن نظريات سبنسر وتايلور ومورغان هي مجرد نظريات فكرية وأنها حرّفت البيانات الإثنوغرافية بطريقة منهجية. بالإضافة إلى ذلك، هؤلاء العلماء رفضوا التمييز بين "البدائي" و "المتحضر" (أو "الحديث")، مشيرين إلى أن ما يسمى المجتمعات البدائية المعاصرة لها نفس القدر من التاريخ، وأنها تطورت بشكل مماثل لتطور ما تُسمى بالمجتمعات المتحضرة. ولذا قالوا إن أي محاولة لاستخدام هذه النظرية لإعادة بناء تاريخ الشعوب غير المتعلمة (أي دون ترك أي وثائق تاريخية) هو نهج فكري بشكل تام وغير علمي. وقد لاحظوا أن التقدم المفترض، والذي انتهى مع مرحلة الحضارة المماثلة لحضارة أوروبا الحديثة، هو تقدم إثني متمركز حول ذاته. وأشاروا أيضا إلى أن النظرية تفترض أن المجتمعات تكون محددة ومتميزة بشكل واضح عندما تتجاوز السمات والاشكال الثقافية الحدود الاجتماعية وتنتشر بين العديد من المجتمعات المختلفة (وبالتالي فهي آلية هامة للتغيير). وقد ركز بواس في نهجه الخاص بتاريخ الثقافة على العمل الميداني الأنثروبولوجي في محاولة لتحديد العمليات الواقعية بدلا مما انتقده بأنه مراحل نمو فكرية .

التغيير العالمي

لاحظ النقاد في وقت لاحق أن هذا الافتراض الخاص بالمجتمعات المحددة بشكل دقيق تم اقتراحه على وجه التحديد في وقت كانت فيه القوى الأوروبية تقوم باستعمار المجتمعات غير الغربية، وبالتالي هذا الافتراض كان لخدمة مصالح ذاتية. العديد من علماء الأنثروبولوجيا والمنظّرين الاجتماعيين الآن, يعتبرون التطور الثقافي والاجتماعي احداي السلالة عبارة عن أسطورة غربية نادرا ما تقوم على أسس تجريبية صلبة. المنظرون البارزون يجادلون بأن مفاهيم التطور الاجتماعي هي مجرد مبررات للسلطة من قبل النخب في المجتمع. وأخيرا، فإن الحربين العالميتين المدمرتين اللواتي وقعتا بين عامي 1914 و 1945 شلّتا الثقة بالنفس [الأهمية؟] عند أوروبا. بعد الملايين من الوفيات والإبادة الجماعية وتدمير البنية التحتية الصناعية في أوروبا، بدت فكرة التقدم في أحسن الأحوال مريبة.

الاعتراضات والمخاوف الرئيسية

وهكذا فان نظرية التطور الاجتماعي والثقافي الحديثة ترفض معظم نظرية التطور الاجتماعي الكلاسيكي بسبب مشاكل عديدة في النظرية:

فقد كانت نظرية التطور الاجتماعي الكلاسيكي نظرية إثنية ومتمركزة حول ذاتها بشكل عميق – فقد قامت بتحكيمات قيمية ثقيلة وكبيرة على المجتمعات المختلفة؛ مع رؤيتها للحضارة الغربية على أنها الأكثر قيمة. إنها تفترض أن جميع الثقافات تتبع نفس المسار أو التقدم ولها نفس الأهداف. فقد ساوت النظرية بين الحضارة والثقافة المادية (التكنولوجيا، والمدن، وغيرها)، وساوت أيضا التطور مع التقدم أو الملائمة، بناءا على سوء فهم عميق لنظرية النشوء والارتقاء والتطور.

وهذا بالتأكيد متناقض وبالأدلة أيضا. البعض (وليس الكل) من المجتمعات التي تم اعتبارها بدائية كانت أكثر سلمية وعادلة / ديمقراطية من العديد من المجتمعات الحديثة. وذلك لأن التطور الاجتماعي تم الافتراض بأنه نظرية علمية، والذي غالبا ما تم استخدامه لدعم الممارسات الاجتماعية الظالمة والعنصرية, و في كثير من الأحيان الاستعمار والعبودية، والظروف الاقتصادية غير المتكافئة الحالية داخل أوروبا الصناعية.

انظر أيضاً