بنڤنوتو تشليني

(تم التحويل من تشلليني)
بنڤنوتو تشليني
Benvenuto Cellini
CelliniBust.jpg
تمثال بنڤنوتو تشليني على جسر ڤكيو، فلورنسا.
وُلِدَ
Benvenuto Cellini

(1500-11-03)3 نوفمبر 1500
توفي13 فبراير 1571(1571-02-13) (aged 70)
الجنسيةإيطالي
التعليمأكاديمية الفن والتصميم
اللقبصائغ، نحات، رسام
العمل البارز
Cellini Salt Cellar (سالييرا)، 1543
الحركةالتكلف

بنڤنوتو تشليني Benvenuto Cellini (عاش 3 نوفمبر 1500 - 13 فبراير 1571) كان صائغاً إيطالياً ونحاتاً، رسام، جندي وموسيقي. وكتب أيضاً سيرة ذاتية. وكان أحد أهم فناني التكلف Mannerism.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سيرته

كان يعيش في بلاط كوزيمو في ذلك الوقت رجل يجمع في أخلاقه بين العنف ورقة الشعور، وبين كل المطالب الجنونية للجمال في الحياة والفن، وبين البهجة التي تبعثها صحة الجسم، والحذق، والسلطان، التي امتاز بها عهد النهضة. وكان إلى هذا كله مالكاً لتلك الموهبة التلقائية التي تمكنه من أن يعبر عن أفكاره ومشاعره، وتقلبات حظه، ومزاياه في سيرته الذاتية التي تعد من أكثر السير متعة وأبقاها على الأيام. ولم يكن بينفينيتو المثل الكامل لعبقرية النهضة- وفي الحق إننا لا نستطيع أن نجد رجلا واحداً يمثل تلك العبقرية أكمل تمثيل؛ ذلك أنه ينقصه تقوى أنجليكو، ودهاء مكيفلي، وتواضع كستيليوني، وجذل رافائيل ودماثة خلقه؛ وما من شك في أن الفنانين الإيطاليين في ذلك العهد لم يتحكموا كلهم في القانون كما يشاءون وكما كان بينفينوتو يتحكم فيه، ولكننا حين نقرأ قصته المضطربة القلقة، نحس بأن كتابه يرجع بنا إلى ما وراء مظاهر النهضة، إلى قلبها نفسه، أكثر مما يرجع بنا أي كتاب سواه.

وهو يبدأ كتابه بهذه العبارة التي تجرد القارئ من كل سلاح يريد أن يوجهه إليه:

"يجب على جميع الرجال، أيا كانت صفتهم، إذا كانوا قد قاموا بعمل ممتاز، أو شبيه شبهاً حقاً بالعمل الممتاز، وإذا كانوا ممن يتصفون بالصدق والأمانة، يجب على هؤلاء جميعاً أن يكتبوا حياتهم بأيديهم، ولكن عليهم ألا يبدءوا هذه المغامرة الظريفة الجميلة حتى يصلوا إلى ما بعد سن الأربعين. وقد خطر لي أنا نفسي أن أقوم بهذا الواجب، بعد أن جاوزت سن الثامنة والخمسين، وبعد أن جئت لأقيم في فلورنس مسقط رأسي.

ويفخر بأنه "ولد وضيعاً"، وأنه أذاع شهرة أسرته، ويؤكد لنا في الوقت نفسه أنه من نسل ضابط من ضباط يوليوس قيصر، ويحذرنا بقوله "إنه لابد أن يوجد في عمل كهذا ما يدعو بطبيعة الحال إلى التفاخر الذي هو من طبيعة الإنسان"(35). وقد سمى بنيفينوتو- مرحباً- لأن أبويه كانا ينتظران أن تولد لهما بنت، فلما جاءهما ولد دهشا دهشة الفرح. وقد عمر جده مائة عام (وأكبر الظن أنه خالف حكم كرنارو بأجمعها) وورث تشيليني حيويته، وأتى في إحدى وسبعين سنة قدر ما أتاه هذا الجد في مائة السنين. وكان والده مهندساً، وحافراً للعاج، ومولعاً بالناي؛ وكان أمله المرتجى أن يكون بينفينوتو نافخاً في الناي محترفاً في فرقة موسيقية ببلاط آل ميديتشي. ويبدو أنه قد وجد في سنيه الأخيرة من السرور حين سمع أن ابنه قد أصبح نافخاً في الناي في فرقة البابا كلمنت الخاصة، أكثر مما وجد في الصياغة التي كان الشاب يكسب منها المال والشهرة.

ولكن بينفينوتو كان مولعاً بالأشكال الجميلة أكثر من ولعه بالأصوات المتناغمة، وقد رأى بعض أعمال ميكل أنجيلو، واستثار الفن كامن شعوره؛ ودرس الرسوم التمهيدية لصورة واقعة بيزا، وبلغ من تأثره بها أن بدا له سقف معبد ستيني نفسه أقل روعة منها، وذهب ليتمرن عند صانع مخالفاً في ذلك إلحاح أبيه، ولكنه أراد أن يسترضي أباه فواصل المران على الناي البغيض، وعثر في بيت فلبينولي على كتاب ذي صور تمثل آثار روما الفنية القديمة. وكان يتحرق شوقاً ليرى بعيني رأسه تلك النماذج الذائعة الصيت، وكثيراً ما تحدث إلى أصدقائه عن رغبته في الذهاب إلى العاصمة؛ وبينما كان هو شاب آخر ممن يحرقون الخشب يدعى جيامباتستا تاسو Ciambattista Tasso يسيران إلى غير مكان مقصود ويتحدثان بعواطف ثائرة، إذ وجدا نفسيهما عند باب سان بيرو گتوليني San Piero Gatolini؛ وقال بينيفينوتو إنه يحس بأنه قد قطع نفس المسافة من فلورنس إلى روما. وازداد الصديقان جرأة فظلا سائرين، ميلا بعد ميل،، حتى بلغا سيينا التي تبعد عن فلورنسا ثلاثة وثلاثين ميلا. وهنا آلمت جيان قدماه وعجز عن مواصلة السير من فرط الألم. وكان مع تشيليني من المال ما يكفي لاستئجار حصان، ركبه الشابان "وقطعنا الطريق كله إلى روما ونحن نغني ونضحك. وكنت وقتئذ في التاسعة عشرة من عمري. وكانت هذه هي السنين التي انقضت من ذلك القرن"(36).


عمله في روما

ووجد في روما عملا في الصياغة، ودرس الآثار القديمة، وكسب من المال ما يكفي لأن يرسل منه إلى أبيه مبالغ واسعة خففت عنه آلام الفرقة. ولكن الأب الشيخ الواله ألح عليه بالعودة إلحاحا لم يسع بينفينوتو معه إلا أن يعود إلى فلورنس؛ ولم يكد يستقر فيها حتى طعن شابا في أثناء شجار؛ وظن أنه قتل الشاب، ففر مرة أخرى إلى روما (1521)، وانكب على دراسة صور مكيل أنجيلو في معبد سستيني، وصور رافائيل في بيت آل تشيجي الريفي والفاتيكان، ولاحظ جميع الأشكال والخطوط الطريفة في الرجال والنساء، والمعادن، وأوراق الشجر، وسرعان ما أصبح أبرع الصائغين في روما. وأعجب كلمنت ببراعته في النفخ في الناي، ثم كشف قدرته الممتازة على التصوير. وصنع له تشيليني قطعا من النقود بلغت من الجمال درجة لم يسع البابا معها إلا أن يعينه "رئيس الدمغ في دار السَّك"، أي مصمم النقد للولايات البابوية، وكان لكل كردنال في ذلك الوقت خاتم، قد يصل حجمه في بعض الأحيان "إلى حجم رأس طفل في الثانية عشرة من عمره"، يستعمله في بصم الشمع الذي يختم به رسائله؛ وكانت قيمة بعض هذه الأختام تبلغ مائة كرون (1250؟ دولاراً). وأخذ تشيليني يحفر الأختام وقطع النقود، ويقطع الجواهر ويركبها، ويضع نماذج للمدليات، وينقش الأحجار الكريمة، ويصنع مئات التحف من الفضة والذهب، وكتب في ذلك يقول إن هذه "النواحي الفنية المختلفة يختلف بعضها عن بعض أتم اختلاف، ولهذا فإن الذي يبرع في واحدة منها، إذا انتقل إلى أخرى، يصعب عليه أن يبلغ في الثانية ما بلغه من النجاح في الأولى؛ ولذلك بذلت كل ما أوتيت من جهد لكي أتقنها جميعاً؛ وسأثبت في المكان المناسب أنني اصبت هدفي"(37).

ولا تكاد تخلو صحيفة من صحف بينفينوتو من فخر وزهو، ولكن في زهوه من الحماسة والإصرار ما يحملنا آخر الأمر على تصديقه، وهو يحدثنا عن "جمال وجهه، وتناسب أجزاء جسمه"، ولا نستطيع أن ننكر عليه هذا الحديث، ويقول: "لقد وهبتني الطبيعة مزاجاً سعيداً، ومعارف ممتازة، استطعت بفضلها أن أتقن كل ما شئت أن أتولاه من الأعمال". وكان من بين من اتصلت بهم "فتاة بارعة الجمال، غاية في الرشاقة، اعتدت أن أتخذها نموذجاً لي... وكثيراً ما قضيت الليل معها... وإني لأستغرق أحياناً في النوم العميق بعد الاستمتاع باللذة الجنسية"(38). وقد استيقظ مرة من نوم كهذا ليجد نفسه مصاباً "بالمرض الفرنسي"، لكنه شفي منه بعد خمسين يوماً واتخذ لنفسه عشيقة أخرى. وفي وسعنا أن نلمح ما كانت عليه حياة المدن في القرن السادس عشر من خروج على القوانين الأخلاقية والمدنية حين ندرك السهولة التي كان تشيليني يعصى بها أوامر الكنيسة والدولة دون حياء ولا وخز ضمير. ويبدو أن روما لم يكن فيها وقتئذ شرطة قوية تعمل باستمرار، فكان في وسع الرجل ذي الغرائز أن يكون هو قانون نفسه، بل إنه كان يضطر إلى ذلك اضطرارا ي بعض الأحيان. وكان بينفينوتو إذا استثير "يحس بحمى لو أنه كتمها في نفسه لقضت عليه لا محالة"(39)، وإذا أساء إلى إنسان" ظننت أن من واجبي أن أعمل، وأن ألحن آلامي"(40). وقد تورط في مئات من الشاحنات، ويؤكد لنا أنه كان على حق فيها جميعاً عدا واحدة منها. وقد طعن رجلا أساء إليه بخنجر في عنقه وكانت الطعنة في دقة طعنات المصارعين في ميادين الجلاد قضت على حياة غريمه من فوره(41). وفي مرة أخرى "طعنت رجلا تحت أذنه بالضبط، ولم أوجه إليه أكثر من ضربتين لأنه خر ميتاً لساعته، على أنني لم أكن أقصد قتله، ولكن الضربات لاتكال للغريم بقدر، كما يقول المثل"(42).

وكان مستقلا في أمور دينه كما كان مستقلا في أخلاقه، وإذ كان دائماً على حق- إلا في مرة واحدة- فقد كان يحس أن الله لاشك في جانبه، يقوي ذراعه؛ وكأن يد الله تعينه على من يقتل من أعدائه، ويحمده حمداً كثيراً على نجاحه، على أنه لما لم يستجب الله لدعائه، ولم يعنه على أن يجد حبيبته المفقودة أنجليكا Angelica، اتجه نحو الشياطين يستمد منها ما ينقصه من معونة، فقد أخذه ساحر صقلي أثناء الليل إلى الكلوسيوم المهجورة؛ ورسم على الأرض دائرة سحرية، وأشعل النار، وألقى بعض البخور على اللهب، وتلا عدة رقي عبرية، ويونانية، ولاتينية، استدعى بها الجن واعتقد بينفينوتو بحق أن مئات الأشباح ظهرت أمامه، وتنبأت له بقرب اجتماعه بأنجليكا؛ فعاد إلى بيته، وقضى بقية الليل يرى الشياطين(43).

ولما أن نهب جيش الإمبراطور روما فر تشيليني إلى قلعة سانت أنجيلو، وانخرط في سلك جنود المدفعية، ويعترف بأن إحدى طلقاته هي التي قتلت دوق بوربون، وأن دقة رمايته هي التي أبقت المحاصرين على مبعدة من القلعة، فكان هذا سبباً في نجاة البابا، والكرادلة وينفينوتو نفسه، ولسنا نعرف ما في هذا القول من صدق، ولكنه هو نفسه يحدثنا أيضاً بأنه لما عاد كلمنت إلى روما، عين تشيليني حامل صولجانه ورتب له ما ئتي كرون في الشهر (2500؟ دولار) وقال: "لو أنني كنت إمبراطوراً غنياً لوهبت بنيفينوتو من الأرض بقدر ما تستطيع عيناي أن تقعا عليه؛ أما وأنا الآن مفلس محتاج، فلا أقل من أن أهبه من الخير "ما يفي بحاجته".

فرارا وفرنسا

Modern replica of a statue in the pedestal of Perseus; Loggia dei Lanzi, Florence, Italy. The original is on display at the Museo del Bargello in Florence

واستمر بولس الثالث يرعى كلمنت؛ وينقل لنا تشيليني عن بولس، ولعله يبالغ في هذا النقل مبالغة يدخل بها الشرور على قلبه، أنه قال لشخص يلومه على لينه مع الفنان وعدم أخذه بالشدة "اعلم إذن أن أمثال بينفينوتو من الرجال الأفذاذ في عملهم أناس فوق القانون، فما بالك إذن بشخص استثير إلى الحد الذي سمعت به"(45). ولكن بييرلويجي Pierluigi بن لول، وهو رجل لا يقل سفالة أو استهتاراً عن بنيفينوتو نفسه، أوغر صدر البابا على الفنان؛ ولم تكف فنون تشيليني نفسها للتغلب على نفوذ بييرلويجي هذا، فما كان من الفنان إلا أن غادر مرسمه في روما وولى وجهة نحو فرنسا، لكن بمبو اعترضه في طريقه عند بدوا وأكرمه، فرسم له صورة صغيرة أجازه عليها بثلاثة جياد له ولزميلين كانا معه، فامتطيا صهوتها، ونزلا من فوق الجريزون Grison واجتازا زيورخ، ولوزان، وجنيفا، وليون حتى وصلا باريس، وفيها ايضاً وجد بنيفينوتو له أعداء. ذلك أن جيوفني ده رسى، أحد الرسامين الفلورنسيين، لم يكن يريد أن يزيد عدد من ينافسونه في الحصول على رفد الملك، فأثار الصعاب في وجه القادم الجديد؛ ولما أن اتصل بتشيليني آخر الأمر وجده قد تورط في حرب يصعب عليه الخلاص منها. وانتابه المرض واشتد به الحنين إلى بلده، فتسلق جبال الألب مرة أخرى، وحج إلى لوريتو Loreto، وعبر جبال الأبنين إلى روما، وما كان أشد غضبه حين وجد أن بيرلويجي يتهمه بسرقة جواهر البابا، فألقى به في نفس الحصن الذي ساعد هو على إنقاذه، وعانى فيه مرارة السجن عدة أشهر، ثم استطاع الفرار منه، ولكن ساقه كسرت في أثناء هذه المحاولة؛ فقبض عليه، وألقي في جب تحت الأرض قضى فيه عامين، ثم أطلق سراحه بناء على طلب فرانسس؛ وألح عليه الملك بأن يسافر إلى فرنسا ليقوم فيها ببعض المهام، فتسلق جبال الألب مرة أخرى (1540).

ووجد الملك والحاشية في فنتانا بيليو Fontana Belio أي فنتين بلو Fontainebleau، ورحب به فيها أعظم ترحيب، وخصص له قصر حصين في باريس يسكنه ويتعبد فيه؛ ولما أبى من فيه أن يغادروه طردهم منه قوة واقتداراً، ولم يرتح الفرنسيون لآدابه أو لغته، وأغضب ما دام ديتامب Mme d' Etampes عشيقة الملك بقلة مجاملته لحضرتها العلية، ولما سمعت بأنه ألقي من نافذة القصر أثاث السكان الذين أخرجهم منه حذرته منه بقولها إن "ذلك الشيطان سينهب باريس يوماً من الأيام"(46). وسر الملك المرح من القصة، وعفا عن عنف تشيليني إكراماً لفنه، وخصص له مرتباً سنوياً قدره 700 كرون (8750؟ دولاراً). ووهبه 500 كرون أخرى نفقة رحلته من روما، ووعده بمبلغ إضافي عن كل عمل فني يقوم له به، ولشد ما ازدهى بنيفينوتو حين علم أن هذه هي نفس العروض التي قدمت لليوناردو قبل ذلك بعشرين عاماً(47). وتقدم أحد السكان الذين طردوا من القصر إلى القضاء يتهمه بسرقة بعض ممتلكاته، وأدانت المحكمة تشيليني، ولكنه قلب الحكم بطريقته المدهشة وفي ذلك يقول:

فلما رأيت أني خسرت القضية ظلماً وعدواناً، لجأت في الدفاع عن نفسي إلى خنجر كبير كنت أحمله معي، لأني كنت على الدوام أجد لذة في حمل الأسلحة اللطيفة، وكان أول شخص هاجمته به هو المدعي الذي قاضاني، وجرحته ذات ليلة في ساقيه جراحاً شديدة، وحرصت مع ذلك على ألا أقتله، ولكنني حرمته من استخدام ساقيه كلتيهما. ويلوح أن المدعي لم يسر في القضية إلى أكثر من هذا، واستطاع تشيليني أن يوجه جهوده إلى نواح أخرى، وكان معه في مرسمه بباريس "فتاة فقيرة تدعى كترينا، وكان أهم غرض أستبقيها لدى من أجله هو الفن، لأني لا أستطيع الاستغناء عن نموذج؛ ولكنني وأنا أيضا رجل كنت أستخدمها في لذتي"(49). على أن كترينا كانت أيضاً خاضعة متسامحة تضاجع مساعده باجولو متشيري Pagolo Micceri. فلما عرف بنيفينوتو هذا أخذ يضربها حتى خارت قواه؛ ولامه خادمه روبرتا Roberta على قسوته الشديدة في عقاب الفتاة على هذا الحادث العادي، وقال له: "ألا تعرف أنه ليس في فرنسا زوج واحد بلا قرنين؟" وفي اليوم التالي اتخذ كترينا مرة أخرى نموذجا له "وحدثت في هذه الأثناء بعض المتع الجنسية؛ وضايقتني في آخر الأمر كما ضايقتني من قبل إلى حد لم أجد معه مناصاً من ضربها. ودامت الحال على هذا المنوال عدة أيام... وأتممت في أثنائها عملي بطريقة عادت علي بأعظم الفضل"(50) وكانت لديه فتاة أخرى تدعى جين Jenne كان يتخذها أيضاً نموذجاً له، وولدت له بنتاً، فحض الوالدة بمبلغ من المال "ولم تعد لي بها علاقة فيما بعد"(51)، ثم قتلت المربية الطفلة بكتم أنفاسها.

وصبر فرانسس على هذه الأفعال الخارجة على القانون صبر الكرام؛ ولكن بنيفينوتو خلق له آخر الأمر أعداء في باريس بلغوا من الكثرة درجة لم يسعه معها إلا أن يرجو الملك أن يأذن له بزيارة إيطاليا، ولما لم يجبه الملك إلى طلبه سافر بغير إذن، وبعد أن لقي أكبر المشاق في الطريق وجد نفسه في بلدته فلورنس (1545). وهناك استقام أمره وأمد أخته وبناته الست بمعونة طيبة، ووجد كوزيمو أقل سخاء من فرانسس، وخلق لنفسه أعداء كما فعل من قبل، ولكنه صب للدوق تمثالا نصفيا، (يوجد الآن في بارجلو)، وأخرج له أعظم أعماله شهرة، نعني بذلك تمثال بيرسيوس الذي لا يزال قائما في شرفة لاندسي Loggia dei Lanzi، ويروي لنا هو نفسه قصة رائعة عن صب هذا التمثال فيقول إن ما انتابه من القلق، وما عاناه من المشقة في العمل، وتعرضه للحر والبرد، أصابه في آخر الأمر بحمى شديدة أرغمته على ملازمة الفراش في الوقت الذي كان في الفرن الذي أعده لهذا العمل خاصة يذيب المعدن. وقد تبين أنه لا يكفي لملء القالب، وأوشك التلف أن يحل بما ظل يكدح فيه الشهور الطوال.. فما كان من تشيليني إلا أن نهض من فراشه، وألقى في الفرن كتلة من القصدير ومائتي إناء من كلس القصدير، وكان فيها الكفاية، ونجح صب التمثال أتم نجاح؛ ولما عرض على الجماهير (1554)، لقي من الثناء بقدر ما لقي أي تمثال أقيم في فلورنس منذ صب ميكل أنجيلو تمثال داود، وحتى بنديتلي نفسه لم يسعه إلا أن يقول كلمة طيبة فيه.


الوفاة في فلورنسا

تشيليني كان رجلا عبقريا، منحط الأخلاق، صانعا مجيداً، سفاحاً، سيرته الذاتية المرحة أكثر بهجة من ذهبه، وفضته، ونقوشه على الأحجار الكريمة، وترضينا عن المبادئ الأخلاقية السائدة في ذلك العصر.

علاقات شخصية

Modern replica of the statue of Danaë in the pedestal of Perseus; Loggia dei Lanzi, Florence, Italy. The original is on display at the Museo del Bargello in Florence.

ثم تبدأ القصة تنحدر من هذه الذروة فتستحيل إلى صفحات من المساومة مع الدوق على أجر تمثال بيرسبوس، وطال انتظار بنيفينوتو، ولكن كوزيمو كان ينقصه المال، وتنتهي القصة نهاية مفاجئة في عام 1562، ولسنا نجد فيها ذكراً لتلك الحقيقة التي يكاد يؤيدها الدليل القاطع، وهي أن بنيفينوتو سجن مرتين في عام 1556، متهما فيما يبدو بجرائم أخلاقية(52). وألف تشيليني في هذه السنين الأخيرة رسالة في فن الصياغة... Trattato dell Orificeria وبعد أن ظل يعربد نصف قرن من الزمان تزوج في عام 1564، وكان له ولدان شرعيان بالإضافة إلى طفل غير شرعي ولد له في فرنسا، وخمسة ولدوا له بعد عودته إليها.

ولسنا نستطيع أن نعثر إلا على عدد قليل من أعماله ونتأكد أنها له، وذلك لأنها كانت في العادة تحفا فنية صغيرة يسهل نقلها من مكان إى مكان، ففي كنوز كنيسة القديس بطرس ثرية قضية مزخرفة تعزى إلى تشيليني، وفي برجلو تمثالان له هما تمثال نارسس وتمثال جانيميدي، وكلاهما تمثال ممتاز من الرخام، وفي بتي صينية وإبريق من الفضة؛ وفي اللوفر مدلاة عليها صورة بمبو؛ ونقش من البرنز بارز جميل يسمى حورية فنتيلينو. وفي فينا- كما تدعى تلك المدينة- المملحة التي صنعها لفرانسس الأول، وتضم مجموعة جاردنر في بسطن بأمريكا تمثاله النصفي لألتوفيتي Altoviti، وتمثاله الكبير لصلب المسيح يوجد في الإسكوريال، على أن هذه النماذج المتفرقة من التحف لا تمدنا بما تقوم عليه شهرته الواسعة، وحتى تمثال بيرسيوس تبدو عليه مظاهر العنف والإفراط في الزخرف، واقرب إلى أن يكون صورة مشوهة لصاحبه، ولكن كلمنت السابع (كما يقول بنيفينوتو نفسه) كان يعده "أعظم من ولد من الرجال في فنه الخاص"(53)، وإنا لنجد في رسالة باقية حتى الآن وجهها ميكل أنجيلو إلى تشيليني قوله: "لقد عرفتك كل هذه السنين الطوال فوجدتك أعظم صائغ سمع به العالم"(54).

ثم تبدأ القصة تنحدر من هذه الذروة فتستحيل إلى صفحات من المساومة مع الدوق على أجر تمثال بيرسبوس، وطال انتظار بنيفينوتو، ولكن كوزيمو كان ينقصه المال، وتنتهي القصة نهاية مفاجئة في عام 1562، ولسنا نجد فيها ذكراً لتلك الحقيقة التي يكاد يؤيدها الدليل القاطع، وهي أن بنيفينوتو سجن مرتين في عام 1556، متهما فيما يبدو بجرائم أخلاقية(52). وألف تشيليني في هذه السنين الأخيرة رسالة في فن الصياغة... Trattato dell Orificeria وبعد أن ظل يعربد نصف قرن من الزمان تزوج في عام 1564، وكان له ولدان شرعيان بالإضافة إلى طفل غير شرعي ولد له في فرنسا، وخمسة ولدوا له بعد عودته إليها.

أعماله الفنية

التماثيل

Perseus with the Head of Medusa in the Loggia dei Lanzi gallery on the edge of the Piazza della Signoria in Florence; picture taken after the statue's cleaning and restoration.

ولسنا نستطيع أن نعثر إلا على عدد قليل من أعماله ونتأكد أنها له، وذلك لأنها كانت في العادة تحفا فنية صغيرة يسهل نقلها من مكان إى مكان، ففي كنوز كنيسة القديس بطرس ثرية قضية مزخرفة تعزى إلى تشيليني، وفي برجلو تمثالان له هما تمثال نارسس وتمثال جانيميدي، وكلاهما تمثال ممتاز من الرخام، وفي بتي صينية وإبريق من الفضة؛ وفي اللوفر مدلاة عليها صورة بمبو؛ ونقش من البرنز بارز جميل يسمى حورية فنتيلينو. وفي فينا- كما تدعى تلك المدينة- المملحة التي صنعها لفرانسس الأول، وتضم مجموعة جاردنر في بسطن بأمريكا تمثاله النصفي لألتوفيتي Altoviti، وتمثاله الكبير لصلب المسيح يوجد في الإسكوريال، على أن هذه النماذج المتفرقة من التحف لا تمدنا بما تقوم عليه شهرته الواسعة، وحتى تمثال بيرسيوس تبدو عليه مظاهر العنف والإفراط في الزخرف، واقرب إلى أن يكون صورة مشوهة لصاحبه، ولكن كلمنت السابع (كما يقول بنيفينوتو نفسه) كان يعده "أعظم من ولد من الرجال في فنه الخاص"(53)، وإنا لنجد في رسالة باقية حتى الآن وجهها ميكل أنجيلو إلى تشيليني قوله: "لقد عرفتك كل هذه السنين الطوال فوجدتك أعظم صائغ سمع به العالم"(54).



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفن الزخرفي والپورتريهات

سالييرا من تشليني، مصنوعة في پاريس، 1540–1543; ذهب، مغطاة جزئياً بالمينا، بقاعدة من الأبنوس.
پورتريه كوزيمو الأول دى مديتشي، منسوب إلى ورشة تشليني.
مشهد الصلب من تشليني في دير إسكوريال.
ميدالية كلمنت السابع


الهامش

المصادر

  • ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.

للاستزادة

  • López Gajate, Juan. El Cristo Blanco de Cellini. San Lorenzo del Escorial: Escurialenses, 1995.
  • Pope-Hennessy, John Wyndham. Cellini. New York: Abbeville Press, 1985.
  • Parker, Derek: Cellini. London, Sutton, 2004.
  • Angela Biancofiore, Benvenuto Cellini artiste-écrivain: l'homme à l'oeuvre, Paris, L'Harmattan, 1998

وصلات خارجية

Wikiquote-logo.svg اقرأ اقتباسات ذات علاقة ببنڤنوتو تشليني، في معرفة الاقتباس.
More images of the restored Perseus