بشر فارس

بشر فارس

بشر فارس (1907-1963) هو أديب وشاعر لبناني، وكاتب مسرحي وقاض وباحث في التراث الإسلامي، وأحد رواد المذهب الرمزي في الأدب العربي الحديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حياته

ولد في بكفيّا في لبنان وكان اسـمه عند الميلاد إدوار؛ وهو الاسـم الذي لازمـه حتى نال شـهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس عام 1932، ويقال إن شيخ العروبة أحمد زكي باشا (1860-1934) هو الذي أطلق عليه اسم بشر.


هجرته إلى مصر

هاجر إلى مصر في جملة من هاجروا من اللبنانيين والتحق بمدرسة الآباء اليسوعيين في القاهرة، ثم لم يلبث أن توجّه إلى فرنسا لمتابعة تحصيله العالي فنال الدكتوراه بأطروحة عنوانها «العِرْض عند عرب الجاهلية»، ثم زار ألمانيا رغبة في الاطلاع على المزيد من فنون هذه البلاد وآدابها وعلومها وبعد أن مكث فيها مدة من الزمن عاد إلى مصر فتولى أمانة سر المجمع العلمي المصري، وهي وظيفة شرفية كان عضواً في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، بالقاهرة. وقام بالتدريس في جامعة القاهرة مع أنه لم يكن في حاجة مادية إلى الوظائف؛ إذ كان يملك بعض الضياع في ريف مصر يتعهدها شقيقه نيابة عن الأسرة، وقد يسرت له أحواله المادية الجيدة الانصراف إلى البحث والتأليف فنشر عدة أبحاث بالعربية والفرنسية منها «المروءة» و«سوانح مسيحية وملامح إسلامية» و«سر الزخرفة الإسلامية» وغيرها.

حياته الأدبية

كما ألَّف مسرحيتين هما «مفرق الطريق» 1938 و«جبهة الغيب» 1960 ومجموعة قصصية واحدة هي «سوء تفاهم» 1942 وكتاباً بعنوان «مباحث عربية»، وهو كتاب في اللغة والاجتماع إضافة إلى أطروحة الدكتوراه «العِرْض عند عرب الجاهلية».

لقد وهب بشر فارس حياته كلها للأدب والفن والجمال وكتابة الأبحاث الأدبية والعلمية والاجتماعية فتميزت فيه شخصية الأديب والعالم معاً، وتعدُّ مسرحيته «مفرق الطريق» التي اقتبسها من الأديب البلجيكي ماترلنك من أهم أعماله وتأثر فيها برمزية فيرلين وبودلير فترجمت إلى الفرنسية والألمانية، وهي مسرحية مغرقة في الرمزية يتصارع فيها العقل والشعور والذي يزيد في إبهامها أنها تجمع في ألفاظ قليلة طائفة من الآراء والتأثرات صبها الزمان في قوالبها إلا أن لغتها سهلة لأنه من العسف كما يقول «أن يغرب المؤلف أو يتكلف الصياغة ابتغاء التهويل ولاسيما إذا ألف للمسرح ذلك أن المسرح هو الذي ينقل ألوان الحياة، والحياة طفل يلهو ولا يدري أنه لاه وزهر تضوع ونهر يهدر ولا يُطرب لترنيمة».

أما مسرحية «جبهة الغيب» فهي حكاية شرقية لا تقل إغراقاً في الرمزية عن مسرحية «مفرق الطريق»، وقد صدرها ببيان عبر فيه عن آرائه في المسرح، ولبشر فارس كتب أخرى غير ما ذكر مثل «منمنمة دينية» عن أسلوب التصوير البغدادي و«كيف زوَّقت العرب كتب الأدب» و«اصطلاحات عربية لفن التصوير».

كان بشر فارس في أوج نشاطه الرمزي يوم كان الأدب الواقعي في إحدى مراحل نموه واتساعه، وتبدو آثار الرمزيين الفرنسيين واضحة في شعره خاصة كما في قصائد «الذكرى» و«الخريف في باريس» و«إلى فتاة» و«إلى زائرة»، وكلها من الشعر الرمزي الرائع الذي يجعله رائداً من رواد الرمزية في الوطن العربي فهو يخلق الصور ويعبّر عنها بكلمات فخمة متنوعة النغم ولكنه لا يلوذ بالمعاني إلا ليزيدها غموضاً وإبهاماً، ولعلَّ نزعته الصوفية وتعامله مع الخطوط والتصاوير الإسلامية القديمة هما اللذان أورثاه هذه اللغة ذات الألفاظ المتداخلة والمعاني المحتشدة الكثيفة فاصطبغ أدبه عامة وشعره خاصة برمزية غيبية تجريدية على شيء من التأنق والغنائية في الإخراج الفني.

كذلك تغنَّى بمحاسن الطبيعة الغربية وفُتن بأساطير اليونان والرومان حتى إنه نقش في ركن من أركان بيته رفاً بديعاً يحتضن «تاييس» و«مدام بوفاري» و«أفروديت»، وحرص على جعل الكلام خفي اللمحات وألقى حول معانيه ضباباً كثيفاً من اللفظ الذي يجهد الفكر في تقصي ما وراءه، وقد ذهب النقاد مذاهب شتى في تفسير معاني قصائده الرمزية من دون أن يتوصلوا إلى معرفة معانيها الحقيقية كما في قصيدته «إلى زائرة» التي يقول فيها:

لو كنتِ ناصعةَ الجبينْ
هيهاتَ تنفضني الزيـارهْ
ما روعةُ اللفظِ المبينْ
السحرُ من وحي العبـارهْ
ظلٌ على وهجِ الحنينْ
رسمتْه معجزةُ الإشــارهْ
خطٌ تساقطَ كالحزينْ
أرخى على العزمِ انكسارهْ

يقول الأديب وديع فلسطين، إنه زاره في منزله بالقاهرة ذات يوم فوجده يرتدي عباءة مغربية ويعيش في متحف شرقي القسمات أندلسي الجو تحيط به الطنافس والسجاجيد معلقة على الجدران أو مفروشة على الأرض، وهنا وهناك تحف جمعها بهواية الفنان.

ويقول إنه كان مزهواً بنفسه، يمشي وكأنه أمير يختال اختيالاً في إهاب شباب دائم جميل الصورة لا تفارقه البسمة معتدل القامة يخطو خطوات الواثق، ولم يقترن بزوجته في زواج رسمي إلا قبل أشهر من وفاته المفاجئة.

نال جائزة أكاديمية الفنون الجميلة في باريس عام 1954.

أعماله

الإنتاج الشعري

- نشرت قصائده في مجلة «المقتطف» (1929) ومجلة «الأديب» (1944، 1945) ومجلة «شعر» (1952، 1954).

الأعمال الأخرى

- له مسرحيتان: «مفرق الطريق»: رمزية من فصل واحد مطبعة المعارف - القاهرة (1938) أعيد طبعها (1952) وترجمت إلى الفرنسية والألمانية، وهي مزيج من الشعر والنثر، و«جبهة الغيب»: رمزية مزجت بين الشعر والنثر - دار مجلة شعر - بيروت 1960، و له مجموعة قصص قصيرة بعنوان: «سوء تفاهم» - دار المعارف - القاهرة، 1942، وله دراسات في اللغة العربية، والحضارة، وفلسفة الفن، صدرت في كتب ومقالات صحفية، منها: مباحث عربية في اللغة والاجتماع - دار المعارف - القاهرة 1939، والظلال في الأدب: الكاتب المصري - القاهرة 1948، وسوانح مسيحية وملامح إسلامية - المجمع العلمي المصري - القاهرة 1962، وبالإضافة إلى قصص ومقالات باللغة الفرنسية، أو مترجمة إليها.

نماذج من قصائده

الربيع في باريس

أحْكـمِ العـودَ وَهاتِ صـوتَ نَوْحٍ وشَكاةِ
خـفِّفِ اللـمسَ عن الأوْتارِ واضرِبْ بأناةِ
كلُّ مـا أَنَّ وبثَّ الْهَمَّ مِنْ بعضِ
يا ربيعاً واثبـاً كـالثْثَدْيِ مـن خلفِ حِجابِ
خالعاً مِعطفَهُ الهَشْشَ عـلى رَثِّ الثـيابِ
ضحكَ القـومُ له ضِحْكةَ جَوْعانٍ لِزادِ
قُبِّحَتْ ألـوانُك الغُرْرُ، ومُزِّقْتَ بنابِ
جئتَنـي كـالليلِ غَشَّى جُنْحَهُ سـودُ سحابِ
جِئْتـنـي بـالغمِّ والـبَأْسـاءِ في زِيِّ حِدادِ
أحْكمِ العُودَ وهاتِ صوتَ نوحٍ وشَكاةِ
خفّفِ اللمسَ عن الأوتارِ واضرِبْ بأناةِ
كلُّ مـا أَنَّ وبثَّ الهَمَّ مِنْ بعضِ فؤا

الشتاء في باريس

رُبَّ فجـرٍ شعـرتُ بـالْحُزْنِ قد دبَّ في الفضا
فَنَضا الكـوْنُ مـن بَشـاشَةِ وَجْهـيْهِ مـا نَضـا
وانزوى البلبلُ اللَّعُوبُ عـن الوردِ مُعْرِضا
حَسِبَ الوردُ أنَّه قد نبا عنه مُبْغِضا
فذوى مُطْرقـاً عَبوسـاً وَسُرعانَ ما قَضى
غضَّ من همسه النَّسـيمُ اكْتِئاباً وخَفَّضا
كفَّنَ الوردَ بين أعْطافِهِ ثم أعْرضا
فإذا البلبلُ انْبَرَى مُوجَعَ القلب مُمْرَضا
لثمَ الوردَ باكياً ثم في فـيضِه مضى

نور

في روضِ شوقي السـاهرِ هجَعتْ هفاهِفُ زائرهْ
فذكـا سِراجُ الخـاطرِ بسنا سمـاءٍ عابِرَه
هَفَّتْ من المتَناثرِ عند القبابِ الزاهره
حُجُبِ الضميرِ الغائرِ ضيفِ الرؤَى المتضافِره
يرمي بها كالشاعرِ فَرَط العقودَ السـاحره
زارتْ بعزمٍ فائرِ سطْحَ المعاني الفاتِره
نشرتْ بساطَ الناظرِ نَقَّابةً عن آصِرَه ثرتْ بسدٍّ فاجِر
رصَّتْهُ روحٌ كاسِرهشلالَ ضحكٍ غاسَفَهَ الحـياةِ السادِرَه
عثرتْ بتُخْمةِ كافِرِ هِبَةُ الشموسِ الزّاخِره
لَقَطتْ نداءَ مُقامرِنَهِمٍ أذلَّ أيسخـو بعـمْرِ الصابرِ شحَّاذَ وَمْضِ
رَهَفَتْ لِهَمٍّ طاهرِ طارتْ إليه خائِرَه
في روضِ شـوقـي الساهرِ هجعتْ هَفاهِفُ زائرَه
لمحانُ برقِ الحاضرِ رَمَقُ التحايا الطـائره

إلى فتاة العصر

قلبيَ عصفورُ زُججْ لأْلأَ في حلقةِ حورْ
أرهفَهُ طرفُ سِياجْ مِن نَسْجِ ألحاظِ الشعورْ
مطارُهُ حَرُّ عَجاجْ أثاره ضنكُ الخُدور
مَغاصُهُ حقٌّ أُجاجْ فجَّرَه غيظٌ صبورْ
مِشْيَتُه بريقُ عاجْ رَنَّحَهُ أنْسُ الخصورْ
لَفْتَتُهُ خَف أيقظَه لمحُ السّفورْ
رَفَّتُه جَرْسُ ابتهاجْ صدى ابتساماتِ النُّحورْ
قلبيَ عصفورُ زجاجْ أفْنانُهُ أنفاسُ نورْ

أُنشودة الفلاح

وغَديرٍ جرَى بِدَمي نحوَ حقلٍ من الفِتَنِ
نُزهةُ الأرضِ من سقَمي أنا أسطورةُ الزَّمنِ
نحو حقلٍ من الفِتَن رَفَّ معْ خِفَّ هاج نشوانَ مِن مِحَنـي
هـو يحيا وَلي عَدَمي نزهةُ الأرض مَن سقمي
من غرامي بِمُمْتَهِنِي أمَلي مُضغةُ النَّه
لفَّني الخِصْبُ في كَفَني أنا أسطورةُ الزمن


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلى زائرة

لو كنتِ ناصعةَ الجبينْ هيهاتَ تنفضُني الزيارهْ
ما روعةُ اللفظِ المبينْ السحرُ من وَعْيِ العبارَهْ
ظِلٌّ على وهْج الحَنينْ رسمتْهُ معجزةُ الإشارَه
خطٌّ تَساقطَ، كالحزين أرخى على العزْمِ انكسارَه
ماذا بِوَجْدِ المحْصَنينْ صوتُ شجٍ خلفَ الستاره
غيَّبتُ في العُجْبِ الدَّفينْ معنًى براعتُه البكاره
دُرّاً يفوتُ الناظمين وَنهضتُ تهديني بِحاره
خطواتُ وسواسٍ رَزينْ وهبٌ تُعمّيه الطَّهاره

هيام

في كَوْنكِ الحالمِ مُستجابي
إغفاءةُ الواهمِ واغترابي
عـن عالَمٍ جاثمِ عند بابي
في خطِّه الزاحمِ لانسـيـابي
إرعادةُ الراغمِ في التُّرابِ
من شاعرٍ هائمِ بالوِثاب
للكوثرِ الناعمِ من ضبابِ
يطوي سَنا الدائمِ في كتابِ
من رقْمِه الغائ وَرْدُ غابي
أسقيه بالباسمِ من لُعابِ
فيْضَ الخَفا النـاظمِ خَفْقَ ما بي
إغفاءةَ الواهمِ واغترابي

إلى عَـوّاد

أَرْخِ عَزْمَ الوَتَرِ
في خريفٍ حذِ
صُفرةٌ فـي الشجـرِ
علَّمتني الخَطَرا
في خريفٍ حذر
من عـنيدِ المطرِ
وا طمـوحَ البصرِ
يتلوَّى كدَرا
يا عِنادَ المطرِ
شهواتُ البشرِ
شرقَتْ بالبطرِ
ثم فاضَتْ هَدَرا
غامَ لَمْحُ ا
في نشاطٍ عَثِرِ
أَرْخِ عزْمَ الوترِ
نتألَّفْ حَ

أشباه وأضداد

نـبراتُ العصـفورِ
عـند أطلال الدورِ
مـثل أهـزاج الـحـورِ
فـي سمـاع المصدور
وا زفـيرَ المصدورِ
بين زهرٍ مخمورِ
كنذير المقدور
فوق جَمْعٍ مغر
رجعُ مـيسات الخُودِ
في الملاءات السودِ
مثل مَدّات العُ
في ضلوع المعمود
يا وجومَ المعمود
عند لهوٍ معقودِ
من لبابٍ مسدود
في رُواقٍ ممدود

المصادر

  • عيسى فتوح. "فارس (بشر -)". الموسوعة العربية.

للاستزادة