باب اللوق

باب اللوق

يُقال لاق الشيء يلوقه لوقًا ولوّقه ليّنه‏.‏

وفي الحديث الشريف لا آكل إلاّ ما لوّق لي ولواق أرض معروفة‏.‏

قاله ابن سيدة‏:‏ فكأن هذه الأرض لما انحسر عنها ماء النيل كانت أرضًا لينة وإلى الآن في أراضي مصر ما إذا نزل عنها ماء النيل لا تحتاج إلى الحرث للينها بل تلاق لوقًا فصواب هذا المكان أن يقال فيه أراضي اللُق بضم اللام ويجوز أن يكون من اللق بضم اللام وتشديد القاف‏.‏

قال ابن سيده‏:‏ واللق كل أرض ضيقة مستطيلة واللق الأرض المرتفعة ومنه كتاب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج لا تدع خقًا ولا لقًا إلا زرعته حكاه الهوريّ في الغريبين‏.‏ ‏

والخُقّ بضم الخاء المعجمة وتشديد القاف الغدير إذا جف‏.‏

وقيل الخُق ما اطمأنّ من الأرض واللق ما ارتفع منها وأراضي اللوق هذه كانت بساتين ومزروعات ولم يكن بها في القديم بناء البتة ثم لما انحسر الماء عن منشأة الفاضل عمر فيها كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب ويُطلق اللوق في زمننا على الكمان الذي يُعرف اليوم بباب اللوق المجاور لجامع الطباخ المطلّ على بركة الشقاف وما يسامته إلى الخليج الذي يُعرف اليوم بخليج فم الخور وينتهي اللوق من الجانب الغربيّ إلى منشأة المهرانيّ

ومن الجانب الشرقيّ إلى الدكة بجوار المقس وكان القاضي الفضل قد اشترى قطعة كبيرة من أراضي اللوق هذه من بيت المال وغيره بجمل كبيرة من المال ووقفها على العين الزرقاء بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم وعُرفت هذه الأرض ببستان ابن قريش وبعضها دخل في الميدان الظاهريّ وعوّض عنها أراض بأكثر من قيمتها وكان متحصل هذا الوقف يحمل فم الخور المعروف اليوم بحكر ابن الأثير وبسويقة الموقف وموردة الملح وساحل بولاق وكله فإنه محدث عُمّر بعد سنة سبعمائة كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى قريبًا‏.‏

فإنّ النيل كان يمرّ من ساحر الحمراء بغربيّ الزهري على الأراضي التي لما انحسر عنها عُرفت بأراضي اللوق وإلى أن ينتهي إلى ساحل المقس وكانت طاقات المناظر التي بالدكة تُشرف على النيل الأعظم ولا يحول بينها وبين رؤية برّ الجيزة شيء ويمرّ النيل من الكدة إلى المقس ويمتدّ إلى زريبة جامع المقس الذي هوالآن على الخليج الناصريّ‏.‏

فلما انحسر ماء النيل عن أراضي اللوق اتصلت بالمقص وصارت عدّة أماكن تعرف بظاهر اللوق وهي بستان ابن ثعلب ومشأة ابن ثعلب وباب اللوق وحكر قردمية وحكر كريم الدين ورحبة التبن وبستان السعيديّ وبركة قرموط وخور الصعبيّ وصار بين اللوق وبين منشأة المهرانيّ التي هي بأوّل برّ الخليج الغربيّ منشأة الفاضل والمنشأة المستجدّة وحكر الخليليّ وحكر الساباط ويُعرف بحكر بستان القاصد وحكر كريم الدين الصغير وحكر المطوع وحكر العين الزرقاء‏.‏

وفي غربيّ هذه المواضع على شاطىء النيل زريبة قوصون وموردة البلاط وموردة الجبس وخط الجامع الطيبرسيّ وزريبة السلطان و ربع بكتمر‏.‏

وأوّل ما بنيت الدور للسكن في اللوق ايام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ وذلك أنه جهز كشافه من خواصه مع الأمير جمال الدين الرومي السلاح دار والأمير علاء الدين أق سنقر الناصريّ ليعرف أخبار هولاكو ومعهم عدّة من العربان فوجدوا طائفة من التتر مستأمنين وقد عزموا على قصد السلطان بمصر وذلك أن الملك بركة خان ملك التتركان قد بعثهم نجدة لهولاكو فلما وقع بينهم كتب إليهم بركة يأمرهم بمفارقة هولاكو والمصير إليه فإن تعذر عليهم ذلك صاروا إلى عسكر مصر فإنه كان قد ركن إلى الملك الظاهر وتردّدت القصّاد بينهم بعد واقعة بغداد ورحيل هولاكو عن حلب فاختلف هولاكو مع ابن عمه بركة خان وتواقعا فقتل ولد هولاكو في المصاف وانهزم عسكره وفرّ إلى قلعة في بحيرة أذربيجان فلما وردت الأخبار بذلك إلى مصر وكتب السلطان إلى نوّاب الشام بإكرامهم وتجهيز الإقامات لهم وبعث إليهم بالخلع والإنعامات فوصلوا إلى ظاهر القاهرة وهم نيف على مائتي فارس بنسائهم وأولادهم في يوم الخميس رابع عشري ذي الحجة سنة ستين وستمائة فخرج السلطان يوم السبت سادس عشرية إلى لقائهم بنفسه ومعه العساكر فلم يبق أحد حتى خرج لمشاهدتهم فاجتمع علم عظيم تبهر رؤيتهم العقول وكان يومًا مشهودًا‏.‏

فأنزلهم السلطان في دور كان قد أمر بعمارتها من أجلهم في أراضي اللوق وعمل لهم دعوة عظيمة هناك وحمل إليهم الخلع والخيول والأموال وركب السلطان إلى الميدان وأركبهم معه للعب الأكرة وأعطى كبراءهم أمريات فمنهم دون ذلك ونزل بقيتهم من جملة البحرية وصار كل منهم من سعة الحال كالأمير في خدمته الأجناد والغلمان وأفرد لهم عدّة جهات برسم مرتبهم وكثرت نعمهم وتظاهروا بدين الإسلام فلما بلغ التتار ما فعله السلطان مع هؤلاء وفد عليه منهم جماعة بعد جماعة وهو يقابلهم بمزيد الأحسان فتكاثروا بديار مصر وتزايدت العمائر في اللوق وما حوله وصار هناك عدّة أكال عامرة آهلة إلى أن خربت شيئًا بعد شيء وصارت كيمانًا وفيها ما هو عامر إلى يومنا هذا ولما قدمت رسل القان بركة في سنة إحدى وستين وسبعمائة أنزلهم السلطان الملك الظاهر باللوق وعمل لهم فيه مهمًا وصار يركب في كل سبت وثلاثاء للعب الأكرة باللوق في الميدان‏.‏

وفي سادس ذي الحجة من سنة إحدى وستين قدم من المغل والبهادرية زيادة على الف وثلثمائة فارس فانزلوا في مساكن عمرت لهم باللوق بأهاليهم وأولادهم وفي شهر رجب سنة إحدى وستين وسبعمائة قدمت رسل الملك بركة ورسل الأشكري فعملت لهم دعوة عظيمة باللوق‏.‏

فأما بستان ابن ثعلب فإنه كان بستانًا عظيم القدر مساحته خمسة وسبعون فدانًا فيه سائر الفواكه بأسرها وجميع ما يزدرع من الأشجار والكروم والنرجس والهليون والورد والنسرين والياسمين والخوخ والكمثري والنارنج والليمون التفاحيّ والليمون الراكب والمختن والجميز والقراصيا والرمان والزيتون والتوت الشاميّ والمصريّ والمرسين والتامر حنا وألبان تعرف اليوم ببكرة قرموط والأرض التي تعرف اليوم بالخور قبالة الأرض المعروفة بالبيضاء بجوار بستان السراج وبستان الزهريذ وبستان البورجي فيما بين هذه البساتين وبين خليج الدكة والمقس وكان على بستان ابن ثعلب سور مبنيّ وله باب جليل‏.‏

وحدّه القبليّ إلي منشأة ابن ثعلب وحدّه البحريّ إلى الأرض المجاورة للميدان السلطانيّ الصالحيّ وإلى أرض الجزائر وفي هذا الحدّ أرض الخور وهي في حقوقه‏.‏

وحدّ الشرقيّ إلى بستان الدكة وبستان الأمير قراقوش وحدّه الغربيّ إلى الطريق المسلوك فيها إلى موردة السقائين قبالة بستان السراج وموردة السقائين هذه موضع قنطرة الخرق الآن‏.‏

وابن ثعلب هذا هو الشريف الأمير الكبير فخر الدين إسماعيل بن ثعلب الجعفريّ الزينبيّ أحد أمراء مصر في أيام الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب وغيره وصاحب المدرسة الشريفية بجوار درب كركامة على رأس حارة الجودرية من القاهرة وانتقل من بعده لى ابنه الأمير حصن الدين ثعلب فاشتراه منه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي بثلاثة آلاف دينار مصرية في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وستمائة وكان باب هذا البستان في الموضع الذي يُقال له اليوم باب اللوق وكان هذا البستان ينتهي إلى خليج الخور وآخر من المشرق ينتهي إلى الدكة بجوار المقس ثم انقسم بعد ذلك قطعًا وحكرة أكثر أرضه وبنى الناس عليها الدور وغيرها وبقيت منه إلى الآن قطعة عرفت ببستان الأمير أرغون النائب بديار مصر أيام الملك الناصر ثم عرف بعد ذلك ببستان ابن غراب وهو الآن على شاطىء الخليج الناصريّ على يمنة من سلك من قنطرة قدادار بشاطىء الخليج من جانبه الشرقي إلى بركة قرموط وبقيت من بستان ابن ثعلب قطعة تعرف ببستان بنت الأمير بيبرس إلى الآن وهو وقف ومن جملة بستان ابن ثعلب أيضًا الموضع الذي يعرف ببركة قرموط والموضع المعروف بفم الخور‏.‏

وأما منشأة ابن ثعلب‏:‏ فإنها بالقرب من باب اللوق وحكرت في أيام الشريف فخر الدين بن ثعلب المذكور فعرفت به وهي تُعرف اليوم بمنشأة الجوّانية لأنّ جوّانية الفم‏.‏

كانوا يسكنون فيها فعرفت بهم وأدركتها في غاية العمارة بالناس والمساكن والحوانيت وغيرها وقد اختلت بعد سنة ست وثمانمائة وأكثرها الآن زرائب للبقر‏.‏

وأما باب اللوق‏:‏ فإنه كان ناك إلى ما بعد سنة أربعين وسبعمائة بمدّة باب كبير عليه طوارق حربية مدهونة على ما كانت العادة في أبواب القاهرة وأبواب القلعة وأبواب بيوت الأمراء وكان يقال له باب اللوق فلما أنشأ القاضي صلاح الدين بن المغربيّ قيساريته التي بباب اللوق وجعلها البيع غزل الكتان هدم هذا الباب وجعله في الركن من جدار القيسارية القبليّ مما يلي الغربيّ وهذا هو باب الميدان الذي أنشأه الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل لم اشترى بستان ابن ثعلب وقد ذكر خبر هذا الميدان عند ذكر الميادين من هذا الكتاب‏.‏

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المصادر

http://www.al-eman.com/islamlib/viewchp.asp?BID=224&CID=118