المصالحة السعودية الهاشمية 1930

ناصر السعيد
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
المصالحة السعودية-الهاشمية: الملك عبد العزيز آل سعود، ملك نجد والحجاز (يمين)، والملك فيصل الأول من العراق، على متن السفينة البريطانية، 1930.
الملك فيصل الأول من العراق والملك عبد العزيز آل سعود يوقعان معاهدة سلام على متن السفينة الحربية البريطانية لوپن HMS Lupin، في الخليج العربي، في 22 فبراير 1930. المعاهدة الجديدة منحت الاستقلال للعراق ونجد. الجلوس من اليسار إلى اليمين: السير بروك پوپم، سلاح الطيران الملكي؛ الكاپتن برنارد قبطان لوپن؛ السير فرانسس هنري همفريز، المندوب السامي البريطاني في العراق؛ الملك فيصل من العراق؛ الملك عبد العزيز آل سعود من نجد؛ ناجي باشا السويدي.
من اليسار إلى اليمين: السير بروك پوپم، سلاح الطيران الملكي؛ الملك عبد العزيز؛ والملك فيصل الأول؛ السير فرانسس هنري همفريز، المندوب السامي البريطاني في العراق، على متن السفينة الحربية البريطانية لوپن HMS Lupin، في الخليج العربي، في 22 فبراير 1930.

بعد أن وهب الانكليز عرش الحجاز "للسلطان" عبد العزيز آل سعود وعينوه ملكا وأطلقوا اسم عائلته على جزيرة العرب عام 1932 ـ كي لا تعرف جزيرة العرب الا باسم "المملكة السعودية" وبعد أن نقل الانكليز الامير عبد الله بن الحسين إلى منطقة في سوريا اسمها الأردن ليخلقوا منها مملكة للهاشميين ثم عينوا الامير فيصل بن الحسين ملكا على الشام ثم نقلوه ملكا على العراق وبعد أن نفى الانكليز والده الملك السابق حسين بن علي إلى قبرص، وبعد أن شرد الحكم السعودي العدد الكبير الذي يزيد عن مليوني مواطن من الحضر والبادية إلى شتى الاقطار العربية، وبعد أن التجأ عدد كبير من قبائل الجزيرة العربية حينما فشلت ثوراتهم ضد ابن سعود إلى شتى الاقطار، ومن هذه القبائل: مطير والعجمان وعتيبة وشمر، الذين التجأوا إلى سوريا والاردن والى العراق في عهد حكم فيصل الأول ـ بالرغم مما قام به الاستعمار الانكليزي المسيطر على العراق آنذاك من تسليمه لقادة الثوار إلى العميل الانكليزي عبد العزيز ومن هؤلاء القادة الشيوخ الثلاثة: الدويش، وابن حثلين، وابن لامي. وبعد لجوء هذا العدد الكبير من القبائل، رأى جون فيلبي المندوب الانكليزي لدى عبد العزيز والموجه الأول له… رأى أنه لا جدوى من خصومة ابن السعود والهاشميين حسب قول فيلبي: (ما فائدة الخصومة الآن بينك يا عبد العزيز وبين الاشراف، خاصة حكام العراق، وقد استوليت على عرشهم في الحجاز وانتهى كل شيء لصالحك؟ ان الخصومة الآن بينكم أصبحت مضرة للسعوديين بعد أن أصبح العراق ملجأ لخصومكم)!.

ويتابع جون فيلبي قوله لعبد العزيز: (ومع التأكيد لكم أن الانكليز الذين اقتضت مصلحتهم خصومة صديقين للانكليز في آن واحد أنتم والهاشميين وألقى الانكليز طيلة خصومتكما وحربكما بكل ثقلهم معك لا يمكن للانكليز الان أن يسمحوا لكما بالعداء كما لا يمكن أن يسمحوا لاي أحد من خصوم آل سعود في العراق، بالتحرك ضدكم لذلك يرى الانكليز أن قيامنا بمصالحتكم مع بني هاشم ضرورة تخدم مصلحة الانكليز ومصلحة الهاشميين والسعوديين في نفس الوقت)!.

فرحب عبد العزيز آل سعود بهذه "البادرة" الانكليزية. وأردف جون فيلبي يقول: (بعد هذه المصالحة لن يبقي الانكليز للهاشميين أي عذر لايواء ومساعدة خصومكم في العراق)!….

ولكي يرفع الانكليز من شأن عميلهم الاكبر في المنطقة عبد العزيز آل سعود وعدم اذلاله بجعله البادئ الأول بتوجيه الدعوة لاجتماع المصالحة، أمروا الملك فيصل ملك العراق المنقول من الحجاز والشام، بتوجيه الدعوة لعبد العزيز آل سعود عندما كان ابن سعود قرب الحدود العراقية لتعزيز الصلات الاستعمارية بين نجد والعراق، فكتب المندوب السامي البريطاني في العراق إلى عبد العزيز آل سعود في 9 شعبان سنة 1348 هـ يخبره (أن رغبة الحكومة العراقية تؤيدها رغبة الحكومة البريطانية في عقد مؤتمر يجمع بين عاهلي العراق والمملكة السعودية ورجال الحكومتين والمندوب السامي نفسه في مكان محايد أو على الحدود، ويخبره أن الحكم الهاشمي في العراق مستعد لان يكون عقد المؤتمر في 20 رمضان 1348 هـ/22 فبراير 1930م)…

فوافق ابن سعود!… على ما هو متفق عليه سابقا في التمثيلية التي كان فيلبي قد أطلعه على فصولها مسبقا… ورأى الانكليز اكمالا لفصول المسرحية أن يكون للمسرحية بعض الحوار، والاخذ والرد، وأن يرفض عبد العزيز العروض الاولى لمكان عقد الاجتماع "رفعا لمقامه" واذلالا للهاشميين الذين كانت لم تزل بينهم بقايا مروءة توحي بايواء خصوم ابن سعود في العراق المحكوم للاستعمار الانكليزي، وهكذا تلقى الملك عبد العزيز في 17 شعبان 1348 هـ من المندوب السامي خطابا يخبره فيه بأنه يقترح ـ أي المندوب السامي ـ (أن يكون الاجتماع في "الرخيميّة" المنطقة المحايدة بين العراق ونجد) وكان من فصول المسرحية أن يعتذر عبد العزيز آل سعود (ببعد المسافة بين المكان الذي هو فيه وبين المكان الذي اقترح فيه الاجتماع!. وأن يكون الاعتذار بقلة الماء في الطريق!.

لكنه يرى أن يكون الاجتماع في "الوفرة" المنطقة المحايدة بين الكويت ونجد، ومن السهل على الملك "الهاشمي" فيصل الوصول إليها بدون جهد لأنه سيستقل طائرة في رحلته هذه!) هكذا… وهنا سمح المندوب السامي للملك الهاشمي فيصل أن يرسل إلى "أخيه في الله" الملك عبد العزيز يدعوه أن يكون في ضيافته بالرخيمية فاعتذر له عبد العزيز بما اعتذر من قبل للمندوب السامي البريطاني ـ سدد الجميع ـ من أعذار متفق عليها….

وهكذا ترون أن "ابن السعود" يرفض أن يكون الاجتماع في أرض يحمكها خصومه ولو شكليا، لا لكرامة في رأسه وهو الذي أركع هذا الرأس مليا للانكليز أولا والامريكان أخيرا والصهيونية شقيقة أمريكا في نفس الوقت، بل لكونه يعرف أنه ـ أي عبد العزيز ـ ما هو الا ابن الانكليز المدلل وان الانكليز بذلك "الرفض" المتفق عليه "تكتيكيا" لا يريدون الا معزّته وعلواً على حساب اذلال سواه حتّى من أصحابهم الاخرين!. رئيس المعتمدين يأمر ابن سعود بالتوجه !….

وفي 25 شعبان ورد إلى ابن سعود كتاب من رئيس المعتمدين بالخليج يأمره بقوله: (لقد تقرر أن يكون الاجتماع في البحر على باخرة بريطانية خارج المياه النجدية والعراقية) فاستجاب إلى ذلك وتقرر أن يكون الاجتماع في 20 رمضان 1348 وأخذ الملكان عبد العزيز وفيصل والمندوب السامي يستعدون لليوم الموعود "بفارغ الصبر" حسبما ورد في رسالة المندوب السامي… الا أن المندوب السامي رأى: (أن الغرض المنشود من الاجتماع هو التواد والتآخي!، ولذلك فاختلاف وجهات النظر بين ابن السعود والشريف فيصل غير مطلوبة اطلاقا لكيلا ينجم عن ذلك ما يعكر الصفو الذي نعمل نحن الانكليز من أجله، وأقترح أن يعقد مؤتمر لتمهيد جو صالح للاجتماع وانهاء البحث في المسائل ويترك الفراغ لامضاء الملكين فقط!…). كذا…

هذا ما ورد ـ حرفيا ـ في رسالة المندوب السامي الانكليزي لابن سعود ـ نقلا عما نشره الكاتب السعودي العميل عبد الغفور عطار في كتابه "صقر الجزيرة".

وزعم الكاتب: "ان ابن السعود قد قبل الاقتراح الانكليزي وكأنه مجرد اقترح ـ لا مجرد ارادة انكليزية… وقال (فانتخب العراق وفدا برئاسة ناجي بك آل شوكت وزير الداخلية وانتدب ابن سعود ثلاثة من رجاله هم: حافظ وهبة، ويوسف يس، وابراهيم بن معمر للمفاوضة والبحث!، واجتمع المندوبون في الكويت في 11 رمضان، الا أن وفد العراق لم يفوض التفويض التام في البت في القضايا فلم يكن لدى الجميع أي جدول أعمال والاعمال بيد الانكليز.. فعاد الوفد السعودي في 16 رمضان لمرافقة الملك ابن سعود وبقي ابن معمر في الكويت للنظر في المتخلفين من أتباع الثوار ضد آل سعود وتقرير ما يجب بشأنهم من ملاحقة وتسليم وتسفير)!.

هكذا قال العطار… علما بأن إبراهيم بن معمر ليس مكان ثقة قصوى من عبد العزيز آل سعود لكي يصحبه معه عبد العزيز في رحلة لقاء التآمر بالانكليز والملك فيصل الشريف!.

ولهذا بقي إبراهيم بن معمر دون حضور هذه المحادثات!

وفي الساعة الرابعة من 21 رمضان 1348 ركب ابن سعود وحاشيته زورقا بخاريا من الجبيل إلى رأس تنورة انتظارا للباخرة الانكليزية. وفي الساعة الثامنة قدمت الباخرة البريطانية "باتريك ستيوارت "، واستقلها الملك ابن السعود بحاشيته واستقبل من قوادها وربابنتها الانكليز استقبالا حماسيا!، وأطلقت المدافع تحية للملك العميل وسارت باسم الانكليز مجراها ومرساها.

فطلب ابن سعود بأن تقف الباخرة التي أعدتها بريطانيا لنقله إلى مكان الاجتماع في البحرين ليزودها وكلاؤه آل القصيبي بما تحتاج من فرش وأثاث وأمتعة ومأكل ومشرب، يدفع أثمانها الانكليز….

وكان من المقرر وصول باخرتي الملكين إلى الموعد في وقت واحد الا أن أمرا انكليزيا غير عادي أخر "باتريك ستيورات" المقلة لعبد العزيز آل سعود فوصلت في فجر يوم 23 رمضان وكانت الباخرة "نرجس" المقلة للملك فيصل و"لوبين" المقلة للمندوب السامي قد أخذتا مكانهما مسبقا وتبين أن القصد من تأخير الباخرة المقلة لابن السعود أن يصل الملك فيصل الشريف قبله إلى مكان الاجتماع فيكون الملك فيصل باستقبال الملك عبد العزيز، وأن لا يحدث العكس كل ذلك اكراما من الانكليز لعميلهم الاكبر عبد العزيز سمسار فلسطين القاتل…

من أجل هذا حدث التأخير… فأحس فيصل بهذه الاهانة له واشتكى للمندوب السامي الذي عمل على عدم احراج الطرفين فأرسل لابن السعود في الليل وهو بالباخرة برقية من المندوب السامي يدعوه فيها إلى تناول طعام الغداء على مائدته مع الملك فيصل بباخرته "لوبن" فأبرق إليه عبد العزيز "بتشرفه بقبول الدعوة المشرفة!" كما قال: وفي الوقت المحدد للاجتماع ركب ابن سعود زورقه الانكليزي ومعه: يوسف يس (سوري)، وحافظ وهبة (مصري)، وفؤاد حمزة (سوري)، وعبد العزيز القصيبي (بحريني)، ومدحت شيخ الأرض (سوري)، وعبد الرحمن الطبيشي (سعودي) وسعى كل من الملكين إلى "أخيه" وتصافحا وتعانقا ثم تبادلا ألفاظ التحية والمودة!… وكأن شيئا لم يكن!… وقدم الملك فيصل إلى الملك عبد العزيز رجاله!.. وهم ناجي باشا السويدي (رئيس وزراء العراق) ومحمد رستم بك حيدر (رئيس الديوان الملكي) وتحسين بك قدري (مرافق الملك) وهنا قدم الملك عبد العزيز رجاله "!" وهم الذين مر ذكرهم، وقد عين معظمهم من قبل المخابرات الانكليزية من كل بلد عربي كعملاء للانكليز ومرشدين لعبد العزيز.

ثم دخل الملكان البهو المعد للجلوس مع المندوب السامي "والحواشي" ، وتكلم الملك فيصل كلمة موجزة أوحاها له المندوب السامي (فشكر الحكومة البريطانية وفخامة المندوب السامي على السعي النبيل حتّى كان هذا الاجتماع المبارك الذي يبشر بالتآخي بين الامم العربية!..) يلاحظ هنا كلمة "بين الأمم العربية" بدلا من "الامة العربية" التي خانها الحكام وجعلوا منها أمما لا وجود لها…

ثم تكلم الملك عبد العزيز شاكرا الحكومة البريطانية والمندوب السامي" وقال: (ان الواجب على العرب وأمرائهم أني سعوا سعيا متواصلا للاتحاد والاتفاق والوقوف دائما وأبدا خلف بريطانيا دون انفكاك)!. ايو الله… هكذا حرفيا… دون انفكاك خلف الاستعمار ثم انبرى المندوب السامي للكلام وأعرب عن (سروره وسرور الحكومة البريطانية بعقد هذا الاجتماع المنتظر من ورائه كل خير للبلاد العربية!.) جدا… جدا!… ثم رأى الجميع اخلاء المكان للملكين ليبث كل منهما ذات نفسه "لاخيه" ليكون خير تمهيد "للتآخي المنشود" بين آل هاشم وآل سعود من آل بريطانيا وقال عبد العزيز في هذا الاجتماع: "ترانا يا أخ فيصل مالنا ذنب في اخذ عرشكم منكم فبريطانيا هي التي أرادت ذلك ولها في ذلك حكمة!.

لانكم تعصبتم لتوحيد البلدان العربية تحت رايتكم، وبريطانيا لا يناسبها توحيد العرب تحت راية اصحابها ـ بحيث يساعد ذكيّهم غبيهم في هذه الوحدة ثم يطرد العرب بريطانيا وحلفاء بريطانيا فيما بعد بل وسوف يحكم العرب العالم لو توحدوا، ولكن لمّا انكم مشيتم مع بريطانيا ـ زين ـ وخالفتهم رأي والدكم الحسين حطتكم بريطانيا ملوكا على الشام والعراق وشرق الاردن، وما قصرت بريطانيا معكم، واليوم نريد ويريد الانكليز لنا ولكم ان ننسى الذي مضى ونبقى معكم ومعهم اخوة وانا اتعهد لكم بالله وتالله انني لن اقف ضدكم انّما اطلب منكم ان تبعدوا قبائل: شمر والعجمان ومطير وعتيبة وبعض الحجازيين الذين يهددون حكمنا في العراق" الخ…..

وكان فيصل الشريف يرد على كلام عبد العزيز بابتسامة صفراوية وهو يردد كلمات: "ان شاء الله… ان شاء الله" ثم اردف فيصل يقول: "وسنعرض الامر على مجلس الوزراء والشورى في بغداد"… إلا أنه اتضح لعبد العزيز ـ من كلمات " ان شاء الله!" هذه التي يرددها فيصل ـ انّه غير معجب وغير راضٍ بما يقوله عبد العزيز. فخرج في سورة غضب، فظنوا أنه ذاهب إلى "بيت الأدب" في بادئ الأمر!

لكنه صرخ بكل قلّة أدب في وجه الملك فيصل يقول: "انتظر، انتظر لا تقوم اني راجع اليك!" فنادى عبد العزيز (مندوب المندوب السامي) كورنواليس بقوله: "يا جرن اليس… تعال"!… ولما جاء إليه مبتسما، قال له عبد العزيز بعصبية: "ان ملككم فيصل ما رأيت منه استجابة لتسليمنا الذين خرجوا من بلادنا غير راضين علينا ولا زال في رأسه "حّب" ما طحن، فإما سلمونا الذين خرجوا من بلادنا غير راضين علينا أو تولّوا تأديب فيصل أو أنا الذي سأتولى تأديبه!." فقال مندوب المندوب السامي: "هل رفض مطالبك؟" قال عبد العزيز: "لم يرفضها لكنه حاول ان يلعب علينا بنفس الكلام الذي نلعب فيه نحن وأنتم على الناس… انّه كلما أطلب منه تسليم أعداءنا يرد بقوله: (إن شاء الله.. إن شاء الله. وسنعرض الامر على مجلس الوزراء والشورى!) وأردف عبد العزيز يقول: "إن كلمة ان شاء الله.. ان شاء الله، لا تعني الموافقة التامة، وما دامتم حاضرين معه، لا يهمني هو، فأنتم أهل الحل والربط"…

فرد مندوب المندوب السامي على عبد العزيز بقوله: "ان كل شيء سيأتي كما يرضيك يا صديقنا العزيز".

وأخذ عبد العزيز من يده وأدخله إلى الملك فيصل ثم استدعى ـ مندوب المندوب السامي ـ كل من رئيس الوزراء العراقي ناجي السويدي ومحمد رستم، والمستشارين السعوديين: حافظ وهبة ويوسف يس وفؤاد حمزة، واستطاع "الملكان" في هذا الاجتماع بت بعض المسائل المعلقة وارجاء ما بقي إلى المندوب السامي للبت فيه!… وكان اهم مطلب طلبه عبد العزيز من مندوب الانكليز وفيصل الشريف هو: (عدم السماح لقبائل شمّر والعجمان ومطير وعتيبة وغيرهم من الثوار بالبقاء في العراق… وسيقدم مقابل هذا كل شئ)!… ومن هنا يتضح أن أسباب حرص السعودية للصلح مع العراق خشيتها أن يسمح حكام العراق للثوار بقيام بحركات تحريرية، بالرغم من أن العراق كان يرزح تحت حكم الانكليز سادة آل سعود… من هنا تتضح أهمية العراق من الناحية التحريرية في حال جعله منطلقا للثوار….

وعاد "الملك فيصل الشريف" من ذلك الاجتماع بالرغم من التصافي المصطنع، عاد وهو يشتم عبد العزيز لدى خاصته، …ويقول محمد المسفر ـ عن تلك الفترة ـ حينما زرته في بيته في بغداد عام 1953 وكان فيما مضى المرافق الخاص لفيصل بن الحسين ـ وهو من الحجاز ومن قبيلة عتيبة ـ بعد ان إستثرته بذكر المذابح السعودية في الطائف والحجاز، وتطرقت لذلك التصالح الذي حصل بين عبد العزيز وفيصل قال لي: (ان فيصل حينما رجع من مقابلة عبد العزيز تلك، قال ساخرا: "يريد الانكليز اصلاح ما خربوه بعد ان اعطوا هذا المجرم السعودي أرضنا وذبحوا شعبنا ويريدون الان أن نسلمه حتّى الذين التجأوا إلينا من شعبنا محافظة على رقابهم من ظلم آل سعود").. قلت لابن مسفر: (هل للملك فيصل علاقة بتسليم الدويش ورفقائه من شيوخ القبائل الذين ثاروا ضد ابن السعود والتجأوا للملك فيصل في العراق؟)…

قال: (ان الانكليز هم الذين سلموهم دون معرفته وقد عارض الملك والاشراف تسليمهم لكن الانكليز لم يردوا عليهم!… وبقي الملك فيصل معاديا للاحتلال السعودي الذي احتل بلاده الحجاز، حتّى ان عبد العزيز عمل لتدبير اغتيال فيصل في العراق، ولما مات فيصل وخلفه ابنه غازي كان "غازي" أشد عداء لآل سعود من والده وكان له هواية بالهندسة فكون اذاعة سرية في قصره ـ دون معرفة الانكليز ـ مستعينا ببعض المهندسين الالمان ووضع فيها من الحجازيين المقيمين لديه من يندد بجرائم آل سعود الذين ارتكبوها في الحجاز ولا زالوا يرتكبونها، فاكتشف الانكليز الاذاعة فاخبروا بها ابن السعود، وسافر نوري السعيد لمقابلة ابن سعود للتعاون معه واتفق نوري السعيد وعبد العزيز آل سعود على طريقة للتخلص من الملك غازي، وكان لنوري السعيد علاقة متينة مع عبد العزيز آل سعود واستلم منه مبالغ طائلة مقابل تسليمه لبعض اللاجئين إلى العراق وبعد ذلك اغتيل الملك غازي وقيل ان سيارته قد اصطدمت بعمود الكهرباء. ثم عيّن الانكليز عبد الاله مكانه في الحال وصيا للعرش، واشارت أصابع الاتهام إلى أن نوري السعيد والانكليز وتحريضات عبد العزيز آل سعود كانت وراء مقتله وأن حادث السيارة ما هو إلا حادث مفتعل نظرا لتصرّف الملك غازي وكأنه خارج الحماية الانكليزية والتقرب من بعض الاوساط الشعبية وتقوية جيش الهجانة الذي أنشأه والده على الحدود السعودية العراقية دون ارادة الانكليز وقد ضم هذا الجيش مجموعات من قبائل شمر والعجمان و[[مطير]ي وكل المحاربين للاحتلال السعودي وكان قصد الملك غازي تحّين الفرصة للانقضاض على المحتلين السعوديين لبلادنا لكن ابن السعود ونوري السعيد والانكليز مجتمعين تمكنوا منه فصرعوه، واسرعوا في دفنه في نفس اليوم، حتّى قبل وصول عبد الله من الاردن في نفس اليوم، رغم ان عبد الله طلب ان لا يدفن ابن اخيه قبل مشاهدة جثته، ولقد كان عبد الاله يكره ابن السعود أيضاً وكذلك عبد الله ملك الاردن وابنه طلال يكرهان ابن السعود وما من احد منا يا ابناء الحجاز ممن شاهدوا مجازر السعوديين لاهلنا واصحابنا الا ويكره آل سعود) الخ….

هذا هو بعض ما قاله لي ابن مسفر حينما زرته في مسكنه عام 1953 مع أحد اقاربي، عيسى السعيد ـ الذي كان يعمل لديه في حقوله وسبق لعيسى ان التجأ هو الاخر مع الآلاف ـ من حائل ـ إلى العراق بعد أن قتل الاحتلال السعودي شقيقه، عبد الله السعيد، في معركة "النيصيّة" واصيب عيسى السعيد برصاصة حطمت عظام فخذه وجعلتها تنزف صديداً طول حياته حتّى مات أخيرا… وله من الاولاد والبنات ثمانية….

وأخيرا، وحتى بعد تولي العميل عبد الاله الوصاية على عرش العراق بقي في مناوشات عدائية بينه وبين الاحتلال السعودي يذكيها بعض اللاجئين من الجزيرة للعراق ويكبحها الانكليز وعملاء السعودية الكثر وعلى رأسهم نوري السعيد الذي كان يتقاضى مرتبا شهريا من عبد العزيز آل سعود قدره (1000) دينار عراقي و "زخات" من الخرجيات السعودية المنقولة وغير المنقولة…

وزاد هياج الاحتلال السعودي خروج سعود آل رشيد وشقيقه المرحوم عبد العزيز آل رشيد عام 1946 من الرياض والتجائهما إلى العراق، فجمع عبد العزيز آل سعود كل آل رشيد الموجودين في الرياض واسترضاهم، ثم ارسل ابنه سعود إلى العراق للتفاهم مع عبد الاله ونوري السعيد على عدم السماح لابن الرشيد بالتحرك ضد السعودية، ودفع لعبد الاله ثمانية ملايين جنيه استرليني (كثمن للعرش الهاشمي في الحجاز بحيث لا يكرر الحكم الهاشمي في العراق المطالبة بعرشه في الحجاز الذي وهبه الانكليز للعائلة السعودية)!…

وقد نشرت الصحف العراقية هذا القول اثناء زيارة سعود بن عبد العزيز آل سعود لبغداد عام 1947…. لذلك نكرر أن مصدر خوف السعودية من العراق على مر السنين خشيتها أن يسمح لاحرار الجزيرة بالانطلاق من أرضه لتحرير الجزيرة، مما يجعل السعودية توافق دائما على مقررات أي مؤتمر يعقد في العراق مع أنها لا تنفذ منها شيئا.

لقد بقي العراق على مر السنين ومختلف الحكومات (الخطر) الذي تتفادى السعودية خطورته عليها، فمعظم الحكومات الملكية والجمهورية التي مرت بالعراق كانت السعودية تحرص على عدم اغضابها، وتشتري من يبيع: إذ اشترت السعودية العديد من أفراد وشيوخ القبائل الذين سبق لهم أن نزحوا من الجزيرة العربية!… حتّى ان بعض الافراد ومشايخ القبائل الذين لم تكن تدفع لهم السعودية أيّ شيء حينما كانوا يحملون جنسيتها في قلب الجزيرة العربية: اخذت تدفع لهم حينما خرجوا إلى العراق واتصلوا بالسعودية من العراق يساومونها على دفع مرتبات لهم، فدفعت لهم السعودية المرتبات خشية منها ان يقف هذا "المساوم" ضدها رغم تفاهته!… وحتى الملك عبد الله ملك الاردن ـ جد الملك الحالي حسين ـ ساومته السعودية ودفعت له لكنه بقي يكره الحكم السعودي وبقي يعد معظم جنوده ورجاله من الهاربين معه للاردن من وجه السعودية يعدهم (بالعودة للحجاز لتخليصه من السعودية) الا ان عبد الله كان يعلل اللاجئين عنده في كل مرة يلحون عليه بجعل الاردن منطلقا لتحرير الحجاز بقوله: (ان الانكليز لم يقبلوا اطلاقا بالتعرض لصديقهم الأول في المنطقة، ولا اعلم ماذا وجد الانكليز بهذا الهمجي أكثر مما وجدوه فينا)!…

ولقد خرجت إشاعة تقول: ان عبد العزيز آل سعود كان وراء التحريض على اغتيال الملك عبد الله في المسجد الاقصى في القدس وان عبد العزيز دفع مبالغ لبعض شخصيات فلسطينية وأردنية لاغتيال عبد الله لا ـ لوطنية ـ من عبد العزيز آل سعود، انّما لكي لا يبقى عبد الله أو غيره مصدر خطر أو شبه خطر عليه يزاحمه العمالة للاستعمار، اما عن "عشّو" الذي اغتال الملك عبد الله فلم يكن دافعه الا الوطنية وهو واحد من تلك الجماهير العربية التي طربت لمقتل الملك عبد الله صاحب الجرائم التي وان كثرت الا انها اقل بكثير من جرائم العرش السعودي واكثر بكثير مما ارتكبه السادات عميل السعودية التي كانت السعودية محرضه واضحة…

ان عبد الله ـ ملك الاردن السابق ـ وان التقى مع السعودية في خيانة فلسطين نزولا على رغبة الاستعمار البريطاني الا انّه لم ينس قتل السعوديين لـ (40.000) من جنوده في مجزرة (تربة) في الحجاز ولم ينس سلب السعوديين لعرشه في الحجاز، وكان يواعد الهاربين إليه في الاردن دائما "بالعودة" لتخليص الحجاز من السعوديين… لكنه كان يقول أيضاً: (ان الانكليز سيحرموننا حتّى من عرشنا في الاردن في حال تحركنا ضد السعوديين!) وكان الملك عبد الله كغيره من الهاشميين الذين لم يتركوا فرصة الا اظهروا فيها كرههم للاحتلال السعودي رغم كبح الانكليز لمواقفهم تجاه آل سعود، لكن الانكليز عسفوهم ـ أي ـ روّضوهم وأهملوا اللاجئين من أبناء الحجاز وحائل وشمر الهاربين من بطش آل سعود والذين كانوا يأملون وهماً بعودتهم لتحرير الحجاز وحائل ونجد من براثن الاحتلال، ففي الاردن وفي الجيش الاردني بالذات وسوريا حينما كان يحكمها فيصل الشريف وفي العراق اكثر من ثلاثة ملاين من ابناء الجزيرة العربية حضرها والبادية… وجميع هؤلاء لا يخفون كرههم للسعودية الاّ انّه كره سطحي ف نفوس معظمهم، لكنه كره على أية حال، ففي عام 1953 حينما استشهد النقيب عبد الرحمن الشمراني برصاص حكم الاحتلال السعودي اقيمت صلاة الغائب في مساجد الاردن والعراق على روح الشهيد الشمراني نكاية بالحكم السعودي. ومع أننا ضد الحكم الملكي هاشميه وسعوديه، لكننا نشهد للهاشميين…

بعدم تعاونهم مع السعوديين إلى حد تسليم ضيوفهم واللاجئين والمعارضين للسعودية مثلما فعل الملك الاخير حسين بن طلال وعائلته الموجودة.

حيث بلغت بهم روح التعاون مع خصوم اهلهم آل سعود ان قاموا بتسليم عدد من ضباط القوات السعودية الاحرار ومنهم سعود المعمّر… عام 1969، فأرسلت هذه البرقية يومها من دمشق:

برقية: الاردن عمان الملك حسين (قام الملحق العسكري السعودي عبد الله الخزي ـ والبلاّع ـ يعاونهما البوليس الاردني والمخابرات باعتقال الملحق العسكري في اليابان سعود المعمر أثناء زيارته لعائلته بعمان وعندما اتصلت زوجته بمدير الشرطة اخبرها بكل وقاحة ان هذا جرى بمعرفتنا!

وفي هذا العمل منتهى التحقير للاردن ووصمة عار في جبين حكمكم، فليست هي اول مرة يختطف حكم العمالة السعودي المواطنين بمعاونة سلطاتكم لمجرد معارضتهم الخيانة السعودية وكأنّ الاردن ضاحية من ضواحي الرياض. نحن لم نطردكم من الحجاز بل الحكم السعودي الذي تتعاون سلطاتكم معه قد طردكم.

باسم شعبنا نستنكر هذه الجريمة. عن اتحاد شعب الجزيرة العربية ناصر السعيد 25/9/1969 صور لرئيس الوزراء صورة لرئيس النواب صورة لسليمان النابلسي الرئيس السابق لمجلس الوزراء

في جلسة مصالحة: الملك عبد العزيز آل سعود والملك فيصل بن الحسين ـ يتوسطان أعضاء مكتب المخابرات الانكليزي "المكتب الهندي"… الذين خلعوا الهاشميين وعيّنوا السعوديين وأصلحوا بينهم!….

المنصوب والمخلوع الملك عبد العزيز والملك عبد الله يتصافحان! والملك علي بن الحسين آخر الملوك الهاشميين في الحجاز. ملوك عينهم اليهود وملوك خلعوهم ومنحوهم عروش بدل ضائعة…

ولم تمض خمس سنوات على سنة 1925 ومذابحها السعودية للحجازيين وخلع اليهود الملك "الهاشمي" وتعيين ملك يهودي في الحجاز حتّى صالحوا بينهم في عام 30 ـ بعد أن عوضوا أولاد الحسين "الرافض" بعروض في الاردن السورية وفي دمشق والعراق، تناسى الجميع أرواح /75000/ ذبحهم آل سعود منهم جيش "الشريف عبد الله" بكامله، في تربة والخرمة والطائف ومكة وجدة ومناطق شمال الحجاز.

وكل ما في الامر صدور بيان رسمي من مكتب المخابرات الصهيوني الانكليزي "المكتب الهندي " يبرر وجهة نظره في هذه المذابح الذي توّجها بتعيين عبد العزيز ملكا يقول: (لقد تم اختيار عبد العزيز ملكا نظرا لطهارة فرجه) أجل.. ربما … وربما تم ذلك بعد فحص دقيق لفروج الهاشميين فوجدوها أقل رطوبة وقملا من فروج آل سعود…

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

انظر أيضاً


المصادر